حكاية نكتة سياسية ووفاء طيارين

  

           حكاية نكتة سياسية ووفاء طيارين

   

                 

                        بقلم/الصقر

     
 مرة اخرى يحثني الاستاذ اللواء محي الدين لاستذكار بعض ما مر علي من احداث جادة او طريفة من خلال كتاباته الجميلة  واخرها  (رواية طريفة من زمن المعارضة العراقية  )التي يستذكر بها حوادث كان طرف فيها او رويت له وفي الحالتين هي دروس مجانية نستفيد منها  ونفيد .

توقفت قليلا خلال قرائتي للرواية على النكتة التي تأخذ الجانب الكردي من قبل العرب لطيبة وبراءة شعبنا الكردي . ومن خلال معايشتي مع الاخوة من الضباط والمراتب الاكراد في المدرسة الكبيرة ( جيشنا الباسل ) وجدت بان اغلب النكات التي يتم تداولها العرب  هي ذاتها تقال من قبل الاكراد على العرب نتيجة للتقارب والمعايشة الرائعة تحت خيمة الوطن الواحد والذي سيبقى وطن واحد بأذن الله تعالى وهمة المخلصين في العراق .
سأتناول رواية حقيقية  طريفة حول هذا الموضوع حدثت في ثمانينيات القرن الماضي . رواها لي الشخص المعني بها  وهو احد الضباط الطيارين الاكراد كان احد منتسبي السرب الذي كنت آمره خلال معركة القادسية الثانية .
زارني الطيار المذكور بعد الاحتلال وروى لي تفاصيل خروجه من العراق بعد عام 1991 ولجوءه الى اوربا وكيفية تجنيده من قبل ( محمد عبدالله الشهواني ) عن طريق معاونه والذي هو احد منتسبي السرب المذكور اعلاه (استلم واجب آمرية السرب من بعدي)  وايهامه باعادة تأهيله على الطيران ودخول العراق و القيام بانقلاب عسكري وتغيير النظام,ويكون مع عدد من الطيارين ( منهم من كان منتسب للسرب ذاته ) ,  واغتربوا خلال فترة الحصار بعد العدوان الثلاثيني المجرم على العراق , تمت اعادة تأهيلهم للطيران في الولايات المتحدة الامريكية لحين الوصول الى مرحلة الرمي الحقيقي   , تم نقلهم يطائرة عسكرية للتوجه الى ميدان الرمي في ولاية اخرى وبعد رحلة طويلة وجدوا انفسهم في مطار متروك (علموا بعد حين انهم  في مطار ( H5 ) في الاردن . تم ايجازهم بان واجبهم هو اسناد الانقلاب العسكري من خلال استخدامهم للطائرات السمتية المتواجدة في قواعد طيران الجيش داخل العراق .
بعد مرور اسابيع من تواجدهم في المطار ( مقطوعين عن العالم الخارجي )  بدأ الملل والحنين الى عوائلهم  الممنوعين من الاتصال بهم يسري بينهم وبدأت الامور تتضح بان حرب احتلال العراق هو سبب تواجدهم في هذا المكان( وواجبهم الدخول مع قوات الغزو ومساندتهم في احتلال العراق) و هنا بدأت المشاكل واغلبهم رفض البقاء والمشاركة في الحرب ( كانوا بامرة معاون محمد عبدالله كما ذكرت اعلاه ) ولي معه علاقة تمتد لحوالي 30 سنة حينها  , وتطورت لعلاقة عائلية قبل خروجه من العراق  منتصف التسعينيات , اخبرهم بأنه سيذهب  فور دخوله العراق الى ( .. ) ويقصدني انا  لكوني كنت متقاعدا لم انتسب الى اية جهة ( جيش الاولمبية او المكتب العسكري او النخوة او غيرها ) والى حزب البعث ( لاسباب خاصة ) . بتقاعد  شهري مقداره سبعة  الاف دينار مع بدل بطاقة التموين ! وتصور( قائدهم محمد عبدالله و آمرهم ) والذي كنت على علاقة جيدة به  كما نوهت. ويتصل بي من مقر لجوءه ( هولندا )  واستنتج باني صيد سهل نتيجة ظروفي !  لحاجتهم لانصار من الداخل ( كما  كانوا يزعمون لاسيادهم الامريكان بوجود الكثير من انصارهم بالداخل . وكما اوهم  غيرهم  القذاقي كما ورد في مقال الاستاذ محيي الدين المشار اليه ) ولم اكون اعلم  انه مجند من قبل الامريكان والا كنت رفضت التكلم معه ( لاسباب  امنية ومبدئية ) . نصحه الضابط المذكور وآخرين بعدم مفاتحتي بالموضوع  لمعرفتهم بطبيعتي . وهذا ما حصل فقد زارني آمرهم في بيتي بعد الاحتلال مباشرة وشككت في ملابسه وسألته هل اتيت مع المحتلين؟ فأقسم بانه اتى من الاردن وليس مع الامريكان وبدون ان يفاتحني طردته شر طردة  بعد ان لم اصدق ادعائه .( سبق وان كان دليلا لقوات الحرس الجمهوري خلال صفحة الغدر عام 1991 على مدينته ! وعندما عاتبته على فعلته   فكيف يكون دليلا على ابناء مدينته ؟! اقسم بان معلوماتي مغلوطة )وكان كاذبا والان يكذب ايضا .( بعد ايام ظهر وقائده علي محطة التلفزيون المؤقت الذي اقامه جيش الاحتلال الامريكي  ليتفاخروا بدورهم الخياني في احتلال العراق )
المهم زارني الضابط المذكور وآخر ( ملازم اول ل.. ) وله قصة طويلة لطريقة خروجه من العراق خلال فترة الحصار, وكان رافضا للحرب في اوقات متفاوتة  في بيتي بعد الاحتلال  بعد ان وصل لهم خبر طردي لامرهم وتطابقت معلوماتهم ( وليقدموا اعتذارهم على مشاركتهم وبدون علمهم في العمل ضد وطنهم ) وهذه قمة الوفاء لوطنهم وامر سربهم السابق  .
نعود الى اصل الحكاية والتي رواها لي خلال احدى زياراته لي الطيار الكردي المذكور ( كاكة ها... )  وخلاصتها مايلي:
في الاسابيع الاخيرة للحرب مع ايران وفي مقر السرب في وقت  الغروب كان عدد من الطيارين ( الخفراء ) يتسامرون في بهو الضباط ومن بينهم الملازم الاول الطيار كاكة ها.. الذي روى  لي هذه الحكاية الطريفة  وهو شخصية محبوبة وله القابلية على اداء النكات ( وخاصة منها ما يتعلق بما يتداوله الاكراد على العرب . وبعض النكات السياسية البسيطة ! ) والتي يتم تداولها بين الاصدقاء الموثوقين ! وبلغة عربية  ممزوجة بلهجة كردية  حيث يكون للنكتة وقع جميل .

    

وفجأة دخل عليهم مدير طيران الجيش المرحوم اللواء الحكم حسن علي , وكان الجميع يضحكون على آخر نكته من ها... . وبعد مراسم الاستقبال استفسرالحكم منهم عن النكته ومن هو راويها والتي جعلتهم يضحكون بهذا الشكل , والمعروف عن الحكم سرعة البديهية وتناوله للنكات وجمال القائها فكان الفضول يدفعه لمعرفة النكته عسى ان تكون جديدة ! وبعد الالحاح وتهديدهم بالعقوبة طلب منه ها... ( الامان لكون النكته سياسية ) فاعطاهم الامان فروى كاكة ها... النكته ومحتواها .. في مجلس كان يضم عدد من اعضاء القيادة مع السيد النائب ( عزت الدوري )  سأله احد الحاضرين ( هل يمكن للفيل ان يطير ؟ ) فكان جوابه قاطعا ( كلا ) ! اجابه لكن السيد الرئيس صدام حسين قال ان الفيل يمكن ان يطير ! فتدارك النائب الموقف سريعا وقال: ان الفيل يمكن ان يطير ولكن طيرانه يكون واطي والمعنى مفهوم من النكته .
كان اللواء الحكم يعرف اين ومتى يطرح النكته والمناسبة التي تنسجم مع القاءها , وباجتماع مع الرئيس صدام حسين وعدد من اعضاء القيادة بعد انتهاء الحرب القى هذه النكته معرفا بمصدرها , فكان لها وقع  مريح على الرئيس وبعدها القى بعض النكات السياسية التي يتناولها الاكرد بخصوص العرب والقيادة العراقية , اوعز الرئيس الى اللواء الحكم بمنح كاكة ها...  اجازة لمدة شهر يذهب الى السليمانية ( مسقط رأسه ) ويجمع اكبر ما يمكن من النكات التي تتناول  الوزراء والقيادة بالاسماء على ان  يتم استقباله  بعد عودته من قبل الرئيس شخصيا لسماع هذه النكات .
ابلغ اللواء الحكم كاكة ها...  بالامر ومنح الاجازة المقررة . ذهب المعني الى السليمانية وبعد جهد كبير ( لكونه ضابط طيار ) فكان الجميع يتردد في اعلامه بالنكات ضد القيادة خوفا من العواقب . المهم جمع عدد كبير من النكات السياسية والاجتماعية ودونها املا في مواجة الرئيس صدام كما جاء في الامر .
وبعد مدة وحدوث تطورات مهمة الغيت المقابلة وتم تسليم المطلوب الى  ديوان الرئاسة  عن طريق اللواء الحكم دون معرفة مصيرها .
ارجو ان لا يفهم سلبا من تناول النكته فقد كان وقعها مريحا من قبل السيد النائب حين القائها . وهي واحدة من احداث كثيرة مرت علي خلال عملي واستفدت من استاذي اللواء علوان العبوسي فقد الغى العديد من المعلومات  ( التي كتبتها ) عندما كنت اعرضها عليه قبل نشرها في الكاردينيا  ويخبرني بان لا اذكرها في المقالات حاليا  ( وليس كل ما يعرف يقال ) ولاسباب اقتنعت بها ولكن دون اهمالها في مذكراتي الشخصية التي قد تنشر او يحتفظ بها اولادي من بعدي .
هذه هي العلاقات بين شعبنا الواحد في وطن واحد يخشى دوام وحدته كل حاقد  لكونه القوة التي يخشاها الطامعين بخيراته,  وشهامة من يسكن هذه الارض المعطاء ويخلص لها.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

792 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع