"جواز السفر العراقي كيف كان معتبر وذو أهمية وكيف هو الآن ضعيف وفاقد القيمة"

جواز السفر هو وثيقة رسمية تصدرها الدولة لمواطنيها لإثبات هويتهم وجنسيتهم ، جواز السفر ليس مجرد وثيقة رسمية، بل هو كتاب مليء بالذكريات والقصص الشخصية التي تعكس تاريخ الأفراد والدول وتطورها وتسمح لهم بالسفر دوليا، تتجسد في جواز السفر رحلات شخصية، وعلاقات إنسانية، ولحظات فارقة في الحياة، تطور جواز السفر من وثائق قديمة إلى نظام موحد بعد الحرب العالمية الأولى، تُستخدم جوازات السفر في المطارات ومعابر الحدود للتحقق من هوية المسافر وتمنح لحاملها الحق في الحماية من الدولة المانحة، أصبح جواز السفر رمزاً للهوية وقوة الدولة، كما هو الحال في أقوى جوازات السفر في العالم.
قد يظنّ بعض الناس أن جواز السفر الحالي من مبتكرات العصور الحديثة، ومستنبطات المدنية المعاصرة. والحقيقة هي غير ذلك تماماً، وقد ورد أول ذكر للجوازات في التاريخ نحو عام 450 ق.م، حينما منح الملك الفارسي أردشير الأول وزيره نحميا رسالة تسهّل عبوره من سوسة عبر العراق إلى فلسطين، فيما كانت تسمى حينها بـ”صكوك الأمان” أو “وثائق المرور".
فقد كان جواز السفر من الأمور التي سبق إليها المسلمون منذ قرون طويلة، إذ كان يُعرف لديهم بنظام جواز المرور، أو جواز السفر، أو بطاقة الطريق، وذلك في تلك العصور الزاهرة، التي شهدت اتّساع رقعة الدولة الإسلامية، فقد عرفوا هذه الوثائق خلال العهد العباسي، حيث أُشير في سيرة الخليفة المعتضد بالله إلى تنظيم حركة الدخول والخروج من الدولة من خلال وثائق سفر رسمية، حتى لجأ المسلمون إلى ابتكار جواز السفر بهدف مواجهة تسلّل الغرباء من جواسيس وقطّاع طرق؛ من أجل الحفاظ على أمن البلاد وسلامتها، وجعلوه من الوسائل الضرورية.
وعقب نهاية الحرب العالمية الأولى، تواصل اعتماد إجراءات جواز السفر في مختلف الدول الكبرى "القوى العالمية"، وفي تلك المرحلة ا عبّر المسافرون البريطانيون عن سخطهم بسبب الإجراءات التي أجبرتهم على التقاط صور فوتوغرافية لهم. حيث اعتبر البريطانيون هذه الإجراءات إهانة تمس من إنسانيتهم.
وفي حدود سنة 1920، عقدت منظمة عصبة الأمم التي سبقت ظهور الأمم المتحدة اجتماعا تم من خلاله الاتفاق على إصدار إرشادات معيارية لجوازات السفر شابهت لدرجة كبيرة هذه المعتمدة اليوم، وفي مؤتمر في باريس، وضعت أولى مواصفات جواز السفر الحديث: الحجم: (15 - 10 سنتيمتر)، عدد الصفحات: (23). صفحات المعلومات: (أربع)، اللغات: (لغة البلد والفرنسية)، الغلاف: (اسم البلد، شعار البلد، عبارة «جواز سفر») وفي وقت لاحق صارت تكتب الجوازات بلغة البلد أضافة للإنكليزية او الفرنسية.
لم يعرف العراق قواعد وضعية بشأن الجنسية الا مع صدور قانون الجنسية العثمانية عام 1869، ثم تأسست دائرة الجوازات والإقامة عقب الاحتلال البريطاني عام 1917، واقتصرت أعمالها آنذاك على سفر الأشخاص ومراقبة دخول الأجانب، وفي عام 1923 صدر أول قانون لجوازات السفر العراقي، وفي العام 1924 سنت الحكومة العراقية قانون الجنسية العراقي رقم 42 لسنة 1924 وهو أول تشريع ينظم جنسية سكان العراق الأصليين وأوضحت في أحكامه طرائق اكتساب الجنسية العراقية ورفضها واختيارها، ومن ثم تشكلت مديرية السفر والجنسية عام 1930 وربطت بمديرية الشرطة العامة.
صدر أول جواز سفر عراقي في الفترة الملكية عام 1934، ولكن نشأة نظام إصدار جوازات السفر الحديثة وتطورها تعود إلى عام 1921 بإنشاء أول مكتب لإصدار الجوازات مرتبط بقيادة الجيش،
كان جواز السفر في العهد الملكي يشتمل على اثنتين وثلاثين صفحة، وتميزت تلك الجوازات بتصميمها الانيق وعباراتها الرسمية التي تطلب من الجهات المختلفة تسهيل مرور خامل الجواز، وكانت المعلومات تكتب باليد، وكان عند صدوره تفرض رسوم على اصداره على شكل طوابع مالية بقيمة 750 فلسا ويمدد لمدة اربع مرات فقط وكل تمديده لمدة عام واحد هو تمديد صلاحية العمل به وتفرض رسوم على كل سنة تمديد على شكل طوابع مالية بقيمة 375 فلسا.
كان هناك ثلاثة انواع من الجوازات مختلفة الالوان حيث الجواز العادي الذي يمنح للمواطن العراقي كان باللون البني الفاتح اما جواز الخدمة الذي يمنح لكبار موظفين وضباط الدولة من رتبة عقيد فما فوق فكان لونه بنيا غامقا. اما جواز الفئة الدبلوماسية او الوزراء وكذلك الوفود الرسمية التي هي بمستوى عال فتكون باللون الاخضر ويكتب عليه جواز سفر دبلوماسي.
كانت الجوازات العراقية منذ العهد الملكي (قبل عام 1958) الى عام 90 من اقوى الجوازات العربية، وكان الأول في الشرق الأوسط، وتحظى باحترام دولي كبير، حيث كانت تسمح لحامليها بالدخول إلى العديد من الدول، وبعض الدول الأوروبية، دون الحاجة إلى تأشيرة،

فمنذ عام 1991 وبعد غزو الكويت والقرارات التي صدرت من قبل مجلس الامن ونتيجة الحصار، عانى العراق من قلة عدد الدول التي يمكن للعراقيين دخولها دون سمة وامتدت طيلة فترة الحصار، ونفس الوقت بدأت هجرة الى اوربا وامريكا وفق قرارات المفوضية العليا للاجئين ممتدة لسنوات عديدة،، مما أدى إلى رسوخ هذه الأزمة في جواز السفر العراقي وبدا يفقد قوته، وقد انعكس هذا التراجع في عدد سمات الدخول على تصنيف الجواز، الذي بدوره أثر سلباً على حرية الفرد العراقي في السفر، فأصبح واقعاً تحت تبعات جواز سفر غير قادر على الدخول إلى الدول إلا بتأشيرة مسبقة، وغالباً ما يتم رفض طلبه بسبب النظرة الدولية السلبية تجاه العراق لأسباب متباينة ومتعددة.
اسهمت احداث ما بعد الاحتلال عام 2003 وتردي الوضع الامني والاقتصادي، والمحاصصة السياسية والفساد وضعف العلاقات الدبلوماسية، وتذبذب قيمة الدينار وضعف الاستثمار وتردي الخدمات وبقاء العراق تحت تأثير قرارات مجلس الامن وبضمنها القرارات المتعلقة بالفصل السابع واستهداف التواجد الأجنبي، مترافقة بجملة معطيات أبرزها فقدان الأمل بحياة مستقرة بالوطن وانعدام فرص العيش بكرامة في ظل تحكم أحزاب تستأثر بالثروة والبلاد، والتبعية السياسية غير المقبولة للعراق لدولة اخرى يصنف نظامها بالمارق، كان له اثره في تحجيم حركة العراقي وما تسبب به هذا من احجام مواطني العالم عن المجيء الى العراق، أسهمت في إبقائه رهن اتفاقات تحدد مساحة وحرية ونوعية التنقل والحركة منه وإليه، بات العراقيون يجدون أنفسهم أمام صعوبات في التنقل بين الدول بسبب القيود المتزايدة، مما عكس تحديات أوسع مرتبطة بصورة البلاد في الخارج وظروفها الداخلية، جعل من الجواز العراقي يبدوا ضعيفا، حيث ان ابرز التصنيفات العالمية التي تقيس جودة السفر حول العالم هي: مؤشر هيلني ومؤشر باسبورت، فضلا عن التصنيفات الدورية التي تصدر عن منظمة الطيران المدني الدولي، تأخذ التصنيفات العالمية لجوازات السفر في الاعتبار أيضاً القوة الأمنية للجواز ووسائل حمايته من التزوير والتلاعب. وعلى الرغم من أن جوازات السفر تعتبر شأناً محليا فإن الدول تأخذ المعايير الدولية بعين الاعتبار.صنّف جواز السفر العراقي حالياً ضمن أضعف جوازات العالم، واحتل حاليًا المرتبة 104 وفقًا لمؤشر هينلي للجوازات لعام 2025 عن ترتيب جديد لجوازات السفر العالمية حسب "قوة التنقل" التي تمنحها لحامليها، وعدد الدول التي تمنكهم من الدخول دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة.

وجاء العراق في المرتبة الثالثة من ذيل القائمة قبل سوريا وأفغانستان، إذ يتمكن حامله من دخول (29) دولة فقط، منها سريلانكا ودومينيكا ومدغشقر وسيشيل، و سيحتاج حاملو جواز سفر العراق إلى الحصول على تأشيرة مسبقة للدخول إلى حوالي 200 دولة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وسيحتاج المتقدمون للحصول على هذه التأشيرات إلى تقديم مستندات داعمة للطلب كالمستندات المطلوبة لإثبات توفر الأموال اللازمة لتغطية نفقات السفر، وكذلك توفر تذكرة السفر للعودة، وتصدرت القائمة العالمية سنغافورة حيث يتمكن حاملو جوازها من دخول (193) دون الحاجة للحصول على تأشيرة مسبقة، في حين بقيت دولة الإمارات العربية المتحدة متصدرة الدول العربية ومتشاركة مع المملكة المتحدة بالترتيب الثامن على مؤشر هينلي بواقع (184) دولة.
في كل دول العالم يحصل الوزراء والنواب وموظفو السلك الدبلوماسي وأصحاب الدرجات الخاصة على جوازات سفر دبلوماسية بهدف تسهيل مهامهم خارج البلاد وفق الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات المعمول بها على مستوى العالم، فالجواز الدبلوماسي لم يكن يوما معيارا للتقدير والتكريم بقدر ما كان أداه ووسيلة لإنجاز وتسهيل مهمات الدبلوماسي عند السفر في مهمة رسمية خارج البلاد، وذلك وفقا لاتفاقيات فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961، عرفت البلاد خلال السنوات الماضية تساهلا نسبيا في منح تلك الجوازات التي تكفل امتيازات وتسهيلات كبيرة لحامليها وتحوّلت إلى ظاهرة تقف وراءها القوى المتنفذة في الدولة والباحثة عن امتيازات إضافية لقادتها ومنتسبيها ومن هم على علاقة بها وبمصالحها المتشعّبة، وتقول مصادر موثوق بها إن منح الجواز الدبلوماسي كثيرا ما تحوّل إلى وسيلة للمجاملة السياسية والمكافأة الحزبية، تماما مثلما أصبحت الوظائف في وزارة الخارجية، وخصوصا ما يتصل منها بالبعثات في الخارج، انها بمثابة جوائز تسعى الأحزاب ذاتها للفوز بها بعيدا عن معيار الأهلية والكفاءة الذي يفترض أن يكون مقياسا لاختيار من يشغلون تلك الوظائف التي يتطلب الكثير منها قدرات ثقافية وتعليمية وحتى صفات شخصية استثنائية نظرا لدقة المهمات التي توكل إليهم والمصالح التي يراد تأمينها عن طريقهم للبلد مع باقي بلدان العالم، فالجواز الدبلوماسي مظهر آخر للفساد، (الفساد) الذي بات يشمل كل موضع سياسي، واداري، ومالي، وحتى علمي، حيث منح لأشخاص بعيدين عن السياسة وعن الدبلوماسية، منهم فنانين وشيوخ عشائر وبعض من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وبحسب الإحصاءات المقدمة من لجنة النزاهة النيابية، تشير البيانات إلى وجود 32 ُ ألف جواز سفر دبلوماسي، وقد وجد أن 10 آلاف منها منحت أفراد ليسوا في السلك الدبلوماسي ولا حتى في وزارة الخارجية.
حين يقاسي ويشعر المواطن العراقي شيئا كهذا بالنسبة لوضعية ومكانة الجواز بنوعيه العادي والدبلوماسي، فيتساءل لماذا مكانة الجواز العراقي وبالتالي الفرد العراقي وصلت الى هذا الوضع المزري؟، ومتى ترتفع قيمته؟، ومتى يكون حاملا جوازا جيدا وفيه فيزات عديدة منعما بعراق قوي ومهاب، عراق يتمتع بدبلوماسية قوية وفاعلة ومهمة في على الساحة الدولية، عراق يسوده الامن والرفاهية والاستقرار بعيدا عن الفوضى والمليشيات وأصحاب النفوذ، عراق يشعر به المواطن بأهميته وقدراته بلا تهديد او اختطاف!؟، انها ليست امنيات، بل حقيقة يتطلع اليها اغلب العراقيين الاصلاء، متى يحصل ذلك!؟، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود

901 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع