جاور السعيد.. تسعد

                                   

                           دلع المفتي

دخلت المنزل ويبدو أن تعابير وجهي كانت «مش ولابد». بادرني زوجي: ما بك؟ قلت: لا أدري، لا شيء بالتحديد. فسألني مباشرة: هل كنت مع فلانة؟ قلت نعم. قال: توقعت، تلك هي المشكلة.

يبدو أن زوجي انتبه لتأثير تلك «الفلانة» عليّ قبل ان أنتبه أنا. قال لي: كلما تلتقين بها، تعودين بمزاج سيئ ومكتئبة. تأثيرها سيئ عليك، فانتبهي.

اكتشفت مؤخرا أن ما تفعله بي تلك السيدة يسمى عند الأطباء والمختصين «العدوى العاطفية»، هذا النوع من العدوى، حسب تفسيرهم، هو إمكانية انتقال المشاعر والعواطف والسلوك وحتى المواقف تلقائيا من شخص إلى آخر، يحدث ذلك بوعي أو بغير وعي. فالكآبة والتوتر وسرعة الغضب والملل، وكذلك الفرح والتفاؤل والمزاج الهادئ، يمكن ان تنتقل بالعدوى من شخص إلى آخر تماما، كما الانفلونزا ونزلات البرد.

ببساطة انت الوجه الآخر المنعكس عمن تعاشرهم، فإن كانوا سعداء متفائلين ستسعد مثلهم، وان كانوا تحت ضغوط نفسية وتعتريهم الكآبة، فستصبح مثلهم، وشاءت الأقدار ان تكون تلك السيدة ممن لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، تنتقد كل شيء، وكل إنسان، دائمة الشكوى و«التحلطم» على الطالعة والنازلة، فأصابتني بالعدوى.

وكما في العدوى المرضية الجسدية، يختلف استعداد الأشخاص لاستقبال العدوى النفسية، اذ تقول الدراسات ان النساء أكثر استعداداً للإصابة بالعدوى من الرجال، كون المرأة مهيأة للتعاطف مع الآخرين بدرجة أكبر. وتضيف الدراسة «الإنسان عادة ما يكون أشبه بالإسفنجة التي تتشرب وتلتقط ما يمكن أن نطلق عليه اسم العدوى العاطفية، التي تنبعث من الأفراد المحيطين به، وعندما يتشرب الإنسان ضغوط الآخرين، فإنه سرعان ما يبدأ بالإحساس بالضغوط ذاتها. أليس هذا ما رددته لنا جداتنا وامهاتنا دائما «جاور السعيد تسعد»؟

بيد ان جداتنا وامهاتنا لم يكن يعرفن ان العدوى العاطفية الأهم هي عدوى العقائد والسياسة، فهي تنتشر بقوة، خاصة في المجتمعات العربية. فالإنسان الذي يربى في مجتمع متطرف دينيا غالبا ما يكون متدينا متطرفا «بالعدوى» وليس بالفهم ولا بالاقتناع، فيلبس عمامة المفتي ويردد ما سمعه ويسمعه من دون وعي، محاولا فرض آرائه وتوجهاته على باقي المجتمع إما بالقوة أو بالطريقة ذاتها؛ العدوى العاطفية.

الحكومات الدكتاتورية تعي فوائد العدوى العاطفية جيدا وتفعلها لمصلحتها، إذ تعمل على نشر فكرة معينة باتجاه سياسة الدولة، وتسعى لتعزيزها عبر وسائل الإعلام والإعلان، وعبر مؤسسات الدولة، لتصبح تلك الفكرة عدوى منتشرة. وفي يومنا هذا أصبحت أسهل طريقة لنشر عدوى معينة، هي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونظرة سريعة على بعض الحسابات في الفيسبوك وتويتر توضح للمهتم أي عبث تفعله الحكومات في نشر العدوى العاطفية.

نعود للب الموضوع. ببساطة معاشرة التعيس تتعس، ومعاشرة السعيد تسعد.. فانظروا من تعاشرون.

دلع المفتي

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع