عبد الرحمـن البـزاز أول رئيس وزراء مدنـي في العراق الجمهوري

         

 عبد الرحمـن البـزاز أول رئيس وزراء مدنـي في العراق الجمهوري

    

مقدمـة

في تاريخ العراق المعاصر الكثير من المنعطفات التاريخية البارزة ، انتفاضات وثورات وانقلابات عسكرية قادها الشعب او انفرد بها حزب او مجموعة من الضباط بعضها اشعلت الروح الوطنية وكانت في مجموعها ارهاصات ادت الى اندلاع ثورة العشرين وحركة مايس/ايار 1941 ووثبة 1948 وانتفاضة 1952 وثورة 14 تموز/ يوليو 1958 التي انحرفت عن مسارها وخلفت بعدها سلسلة من الانقلابات او المحاولات الانقلابية العسكرية التي مزقت البلاد ووحدتها الوطنية وشتت العباد وخسر العراق خلالها ابرز شخصياته الوطنية والاسلامية والقومية التقدمية ، ولكن مازال هذا التاريخ غامضاً لدى الكثيرين ومجهولاً للغالبية العظمى خاصة من الشباب الذين لا يعرفون شيئا عن تاريخ العراق الحديث والمعاصر الذي يعتبر الركيزة للانطلاق في الحاضر ونحو المستقبل .
وفي هذا الكتاب الذي نقدمه للقراء عن المرحوم عبد الرحمن البزاز أول رئيس وزراء في في العهد الجمهوري في العراق حيث يكشف هذا الكتاب أسرار فترة حكم البزاز ويكشف الوجه الحقيقي الذي أهمله التاريخ ويلقي الضوء على أفكاره وآرائه ويزيل الظلم الحيف الذي لحق بهذه الشخصية العراقية التي صنعت بعضاً من تاريخ العراق خلال أشهر قليلة من توليه رئاسة الحكومة العراقية ، كما يدحض الكتاب التهم والشبهات التي وجهت نحوه وهو ذو العقلية المتحضرة التي طواها النسيان وأهملها الزمن ونالتها حملات التشهير والتشويه والتزييف فالبعض إتهمه بالعمالة للانكليز وآخرون إتهموه بالعمالة لشركات النفط من خلال بيانات ومنشورات حزبية ضيقة الافق إستهدفت تصفية حسابات شخصية مع البزاز حينما تسلم رئاسة الحكومة.
ان فكرة الكتابة عن البزاز راودتني منذ سنوات بعد أن شعرت أنه السياسي والمفكر المفترى عليه إلا أن ظروفاً خاصة حالت دون إنجازي لهذا العمل المتكامل رغم إطلاعي على العديد ممن عاصروه وعملوا معه أو خاصموه والذين كان بامكاني لو كنتُ في بغداد لاستعنت بهم ليكشفوا بعض الغموض عن احداث تاريخية هامة عصفت أثناء حكم البزاز .
إن رحلة البحث عن حياة البزاز ومسيرته ليست سهلة ولكنها في الوقت نفسه ليست صعبة خاصة بعد اتسعت في الاوساط السياسية والصحفية والتاريخية موجة المذكرات الشخصية التي تساعد الباحث في مهمته
لقد تحيرتُ في نقطة البدء في الكتاب ولكن بعد تفكير طويل إستقر الرأي أن أتخذ من عام 1965 بداية الحديث عن سيرة البزاز لانه العام الذي تسلم فيه منصب نائب رئيس الوزراء ثم رئيسا للوزراء ، وانه خلال الفترة القصيرة من حكمه التي لم تتجاوز العام الواحد حاول خلالها اقامة نظام التعددية الحزبية والديمقراطية وحرية الصحافة واصدار الدستور الدائم وحل القضية الكردية لوقف نزيف الدم بين الاخوة العرب والاكراد وكذلك معاجته للمشكلةالمزمنة مع الجارة ايران وابعاد الجيش عن السياسة والدولة ، وهي المحاولة التي خلقت ضده تكتلا عسكريا ممن اغرتهم مباهج السلطة ومكاسبها الشخصية فتآمروا عليه واجبروه على الاستقالة .

المؤلف

والبزاز هو عبد الرحمن عبد اللطيف حسن البزاز مواليد 1914 من عشيرة( الاسلم) وهي فرع من عشيرة شمر قدمت من نجد الى العراق قبل حوالي 600 عام واستوطنت الجبهة الغربية من نهر الفرات وبالذات في ناحية المعاضيد والواقعة على نهر الفرات بين قضائي عانة وحديثة على الحدود العراقية السورية ، والده الحاج عبد اللطيف حسن البزاز كان تاجر قماش ، ولعبد الرحمن أعمام هم أحمد الحسن وهادي وابراهيم ومحمود ، أما خاله فهو نجم الدين الواعظ مفتي الديار العراقية الاسبق الذي كان له تأثير كبير على حياة عبد الرحمن ونشأته الوطنية والقومية والدينية اذ كان ايمانه بالله والدين كبير ويؤدي فريضة الصلاة دون انقطاع وكذلك الحج اذ كان يعتبر ذلك جزءا اساسيا من تكوين ويعتقد ان هناك ترابطا قائما بين العمل القومي والعمل الديني ولذلك كانت لدى عبد الرحمن البزاز الرغبة منذ ان كان لاجئا في القاهرة للفترة من 1960- 1963 في انجاز مشروع القرآن المرتل الذي ساعده في انجازه السيد نوري فتاح الصناعي العراقي المعروف، ولعبد الرحمن أشقاء هم الحاج أمين البزاز والدكتور فخري البزاز أستاذ علم النبات في جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الامريكية وصبري البزاز موظف سابق في الخطوط الجوية العراقية وعبد الحافظ وعبد المنعم والدكتور حسن البزاز أستاذ جامعي وأصغرهم عادل البزاز – أما عبد الرحمن البزاز فله ولدان هما عامر وعزام وثلاثة بنات هن غفار التي توفيت في القاهرة قبل عزام وبعده توفيت عامرة، وفي اوائل عام 2001 توفيت زاهرة رحمهم الله جميعا ورحل الاربعة بسبب وجود كميات كبيرة من الكوليسترول في الدم وبقي ابنه الاكبر عامر المقيم منذ سنوات طويلة في لندن اطال الله عمره وامده بالصحة.

كان البزاز معجبا بمحمد جواد الجزائري 1881- 1959 ويقول عنه أنه أول زعيم روحي وضع مقدمات الثورة العراقية الكبرى عام 1920 وكان مرجعية لجيل آخر نظمه في تيار عربي قومي حين دعا الى انشاء دولة عراقية للخلاص من الاساطير القرون الاولى .
ويقول البزاز عن الجزائري كان فقيهاً ومتكلماً وشاعراً وخطيباً ومتفقه في الدين ولد في النجف الأشرف لال الجزائري وكذلك شقيقه الشيخ عبد الكريم الجزائري 1872 – 1962 الذي كان أحد زعماء ثورة العشرين وكان فقيها ايضا .
يمتلك عبد الرحمن البزاز مكتبة كبيرة في بيته تشغل غرفتين في الطابق الارضي وغرفة ثالثة في الطابق العلوي اذ كان يقضي معظم اوقاته في المطالعة او مقابلة الاصدقاء والزوار ويمارس البزاز رياضة المشي والسباحة والاعتناء في الحديقة اضافة الى حبه للجلسات الثقافية في داره والتي كانت تضم خيرة المثقفين اذ كان البزاز يقيم علاقاته على اساس ثقافي واجتماعي فهو كان احد مؤسسي نادي المثنى ثم نادي البعث الذي اغلق بعد عام 1956 بعد حرب السويس وهو ناد قومي ثقافي لا علاقة له باي حزب او منظمة سياسية فاغلق لمجرد دعوته الفكرية للقومية العربية وعرف البزاز على مستوى الشارع السياسي العراقي ابان العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 وذلك عندما رفع البزاز وكان يومئذ عميداً لكلية الحقوق مع مجموعة من اساتذة الجامعة مذكرة الى وزير المعارف يشجبون فيها العدوان وينددون بموقف الحكومة العراقية المتخاذل ازاءه فكان جزاؤهم ان فصلوا من الجامعة وحددت اقامتهم في بنجوين وتكريت كما بعث ببرقية باسم نادي البعث العربي حيث كان البزاز رئيسا للنادي انذاك الى جمال عبد الناصر للتهنئة مع حوالي ثلثمائة دينار كان قد تبرع بها اعضاء النادي استجابة لطب العون من الاقطار العربية والاقطار المحبة للسلام كلها ، وكان النظام انذاك قد عطل مجلة النادي بعد ان ضاق ذرعا بنقدها ودعوتها القومية.
لم يكن عبد الرحمن البزاز من رواد المقاهي بل كانت لبنان من البلدان المحببة اليه لغرض الكتابة والتأليف وكذلك بريطانيا لغرض العلاج ، ولم تكن لديه هواية الاستماع الى الاغاني او المطربين، وكان من اقرب الاصدقاء اليه الدكتور علي الصافي وعبد الغني الدلي وسلمان الصفواني ونعمان العاني وحسن الدجيلي ، وكان من اصدقاء الطفولة الدكتور احمد صميم الصفار ، وكان باستمرار يتفقد اقاربه ويسأل عنهم ويقدم المساعدة المالية للمحتاجين منهم.
يقول إبنه عامر شاهدت والدي يبكي مرتين الاولى عند وفاة احدى شقيقاتي والثانية عند انفصال سوريا عن مصر عام 1961 .
وكان البزاز محافظا في ملبسه فقد كان حريصا على ان يلبس ربطة العنق والروب فوق البيجاما طالما هو في الدار وكانت علاقاته مع اولاده واسرته قائمة على الانضباط اكثر منها الى الصرامة.

يتحدث احمد الحبوبي الشخصية الوطنية والقومية العراقية في كتابه( اشخاص كما عرفتهم) عن البزاز اثناء لجوئهما في القاهرة في ستينات القرن الماضي فيقول( وكأن القدر كان يترصده بفجيعة فقد مرض ابنه عزام 14 سنة تقريبا واشتد قلقه عليه اذ سبق أن فقد إبنتين له كانتا مصابتين بنفس المرض منذ عام او اكثر وكان عزام فتى جميل المحيا مقبلا على الحياة مفرط الذكاء يعشق كرة القدم ولا ينقطع حديثه معي عن الكرة واللاعبين ومراكزهم دون ان يعرف خطورة مرضه وان الموت يحوم حوله ولم يمهله كثيرا فقد توفاه الله وكانت وفاته قاصمة لظهر عبد الرحمن البزاز فاخذ يبكي بكاءا الثكلى وكان منظره يثير الحزن ويدعو للرثاء على حاله وتوليت أنا والدكتور فيصل الوائلي تجهيز عزام وتم تسفير جثمانه الى بغداد حيث دفن هناك( ص72 ).
ولد عبد الرحمن البزاز عام 1914 في بغداد ودرس الابتدائية في مدرسة الكرخ الابتدائية ثم تخرج في الاعدادية المركزية ثم كلية الحقوق التي تخرج فيها عام 1934 وكان يحمل افكاراً وطنية عربية وهو ما يزال طالبا غير انه لم يتخل عن القيم الدينية والاخلاقية التي نشأ عليها في صغره وترعرع شابا تشرّب أفكاراً سامية جمعت بين الدين والوطنية على الرغم من ان معظم زملائه على مقاعد الدراسة اعتمدوا الوطنية ونبذوا القيم الدينية . وفي عام 1935 سافر عبد الرحمن البزاز الى بريطانيا ومكث هناك اربع سنوات تلقى خلالها تعليما سليما في القانون في كلية الملك بجامعة لندن حصل خلالها على درجة عليا امام المحكمة العليا في بريطانيا وظل هناك حتى بداية الحرب العالمية الثانية سنة 1939 وحينما عاد الى بغداد اصطدم باول حاجز منعه من الاشتراك في النشاط الوطني في سنة 1941 حين ناصر مع الوحدويين حركة رشيد عالي الكميلاني في مايس/ايار 1941 التي اجهضت من قبل القوات البريطانية اعتقل عبد الرحمن البزاز ومكث في السجن للفترة من 1941 – 1945 وبعد الحرب العالمية الثانية وخروجه من المعتقل عمل في وزارة العدل لفترة قصيرة قبل ان يصبح عميدا لكلية الحقوق مما عزز مركزه في الاوساط الوطنية ،وراح يحاضر طوال عشر سنوات في القومية العربية ويكتب عنها وكان الهدف الرئيس من كتاباته هو تفسير القومية العربية على اساس اسلامي حيث كان يرى ان الاسلام تراث ثقافي لايعادي القومية العربية وانما يشكل احد عناصرها ولم يكن الهدف الرئيس لتفكيره اثارة الحماسة الدينية التقليدية وانما تهذيب روح الشبان الذين نادوا بالقومية العلمانية عن طريق العودة الى القيم الدينية والاخلاقية وادخالها في مفهوم القومية العربية.
وفي عام 1945 تزوج عبد الرحمن البزاز من ( وفيـة) ابنة خاله نجم الدين الواعظ وسكن محلة سوق الجديد في منطقة الكرخ ثم انتقل الى الاعظمية في جانب الرصافة حيث بنى له داراً في محلة راغبة خاتون بمنطقة الصيلخ .
وبعد ثورة 23 تموز/يوليو 1952 في مصر ودعوة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الى الوحدة العربية التي اثارت حماسة الوحدويين في جميع انحاء العالم العربي اصبح البزاز اكثر نشاطا في الدوائر الوطنية . ورفع بالاشتراك مع فريق من المربين مذكرة الى الملك الراحل فيصل الثاني في شهر تشرين الثاني /نوفمبر 1957 تحتج على اعمال القمع التي يمارسها رئيس الوزراء انذاك نوري السعيد ضد حرية التعبير عن الاراء السياسية خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حيث اعتقل هو ومن معه من الذين وقعوا على المذكرة وذلك في 29 تشرين الثاني من السنة نفسها وحوكموا وابعدوا من بغداد لمدة قصيرة بعد طرده من منصبه كعميد لكلية الحقوق وبعد الافراج عنه راح يمارس المحاماة حتى سنة 1958 حيث قيام ثورة 14 تموز/يوليو وعاد الى منصبه كعميد لكلية الحقوق.
تم توقيف البزاز مع عدد من اساتذة الجامعة بامر من قائد القوات حسب احكام المادة الاولى من ذيل قانون العقوبات البغدادي رقم 51 لسنة 1938 المتعلقة بالشيوعية وكذلك المادة السادسة من الباب الثاني عشر المتعلق بامن الدولة الداخلي وهذه المادة تعاقب كل من يقوم بعمل من شانه الاخلال بالراحة العامة واضعاف الحكومة او تقوية نفوذ الاجنبي . وبذلك وجهت للبزاز ورفاقه( تهمتين خطيرتين) هما الترويج للشيوعية والعمل على اقلاق الراحة العامة واضعاف الحكومة . كما وجهت للبزاز اثناء التحقيق تهمة التقصير في عمله عميدا لكلية الحقوق فلم يتخذ اجراءات لمنع اضرابات الطلاب بشان الجزائر ومن اجل مصر ولم يساعد على كشف المحرضين والقائمين بتلك النشاطات في الكلية . ويتحدث البزاز عن هاتين التهمتين فيقول ( وعلى الرغم من شعوري العميق ببطلان هاتين التهمتين وتهافت ادلتهما وعلى الرغم من اجوبتي الصريحة القوية في التحقيق فقد احسست بشيء من الالم ذلك انني لم اكن اتصور ان شخصا او اية جهة رسمية يتجرأ علي يوما ما فيتهمني ولو لمجرد الاتهام بالشيوعية وذلك لان سلوكي وعقائدي وآرائي واوجه نشاطي الفكرية والاجتماعية واضحة كل الوضوح وهي في جوهرها قومية اصلاحية تجددية ) (المصدر نفسه ص72).
ويتحدث البزاز عن اعتقاله عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 في كتابه صفحات من الامس القريب فيقول ( جاءني الى داري في الاعظمية في حوالي الساعة الثالثة بعد ظهر الخميس المصادف 29تشرين الثاني /نوفمبر 1956 ضابط شرطة – من الشعبة الخاصة – البوليس السري – ومعه بعض افرادها بسيارة خاصة كبيرة وطلب الي بصوت خافت ان ارافقه الى حيث يقتادني فاستأذنته ان يمهلني بضع دقائق لكي اضع علي ثيابي واجمع على عجل بعض حاجاتي الشخصية الضرورية وبعض الكتب اذ شعرت انني سأعتقل الى اجل قد يطول ولا بد من التزود لهذا السفر ببعض الغذاء الروحي ) المصدر نفسه ص 47
ويقول البزاز ( وكان لتقديمي مع عدد كبير من رجال التعليم العالي عريضة الى البلاط شرحنا فيها الحالة النفسية التي يقاسي منها رجال التعليم العالي من امور مستعجلة شأن في استثارة المسؤولين الذي عز عليهم ان يروا هذه الفئة الكبيرة مجمعة على استهجان الاوضاع القائمة في العراق ومستنكرة خاصة ما لقيت معاهد العلم وطلابها وبعض اساتذتها من عنت واستفزاز وتحد سافر من بعض رجال الشرطة بناء على اوامر بعض المسؤولين )( المصدر نفسه ص 48)
ويضيف البزاز قائلا( وبلغنا معاونية شرطة بغداد الجدية وتوجهت الى غرفة المعاون الذي استقبلني بادب جم واستحياء ظاهر وقد عرفني بنفسه وذكرني بانه كان احد طلابي في دورة ضباط الشرطة العالية – حيث كنت ادرسهم قانون العقوبات – فسرني ان اكون موقوفا في مركز ضابطه من طلابي القدماء وزاد سروري اني وجدت في الغرفة الاستاذ حسن الدجيلي بانتظارنا وكنت اتوقع وجوده فعلا فقد كان من بين الذين وقعوا على العريضة وساهموا في اعدادها والدعوة لفكرتها. وبينما كنا نتحث اذ بزميلين اخرين يصلان هما الدكتور فيصل الوائلي والدكتور محمد علي البصام وكانا في الحق نشيطين في جمع التواقيع على العريضة والترويج لفكرتها . وبقينا نرتقب الضيف الخامس وهو الدكتور جابرعمر حيث اعلمنا الضابط ان الاوامر قد صدرت بالقاء القبض عليه . ومرت ايام ولم يقبض عليه وعلمنا انه استطاع الفرار ولجأ الى سوريا ) (المصدر نفسه ص 51).
وفي العشرين من كانون الاول /ديسمبر 1956 احيل البزاز وزملائه الى المجلس العرفي للمنطقة الاولى في معسكر الوشاش ببغداد . وتلا البزاز الدفاع عن التهم الموجهة اليهم نيابة عن زملائه . كما تولى المحامي سعد عمر مهمة الدفاع عن المتهمين وارتجل كلمة بليغة في الدفاع عنهم واشاد بماضيهم وجهادهم القومي واشار الى انعدام أي دليل مادي يمكن الركون اليه في اصدار الحكم . ورغم ذلك اعلن المجلس العرفي وضع المتهمين تحت مراقبة الشرطة لمدة سنة استنادا لاحكام المادة 90 من قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي . ورغم ذلك لم يطلق سراح البزاز وزملائه وبقي في معاونية بغداد الجدية عدة ايام حتى صدر قرار ترحيلهم الى بنجوين في لواء السليمانية حيث مكث فيها قليلا تم نقله وزملاءه الى قضاء تكريت
وللبزاز كتاب اخر بعنوان( ابحاث واحاديث في الفقه والقانون ) طبعه في ربيع عام 1958 أي قبيل الثورة بشهور معدودات . ويقول البزاز ( في الايام الاولى من الثورة لم يخطر لي خاطر نشر هذه الصفحات وعلى الاخص انه كان فريق من العراقيين يلح علي في نشرها ولكن شعورا داخليا غامضا تغلب في صرفي عن ذلك ، فكنت احس بان عملي هذا قد يفسر بنوع من الانتهازية او على الاقل قد يوصم بالتسرع الذي لا يتسق مع مهام رجال التربية والتعليم ممن يحملون رسالة ويدينون بمثل عليا . واكثر من هذا فقد كنت اشعر بان العهد الماضي قد مضى وقد لا يكون من المروءة في مثل تلك الفنرة الحادة ، ذكر حوادث ووقائع تمس اشخاصا قد اصبحوا زائلين ، او بحكم الزائلين خاصة وان بعض الناس في العراق اخذوا يدعون بطولات وهمية لاشخاصهم ويلفقون حوادث ليس لها أي وجود) (المصدر نفسه ص 7 ).
ان صفاء سريرة البزاز وطبعه الذي تغلب على المجاملة ورقة اخلاقه واستقامته المطلقة ونزاهته في العمل قد اوجد قناعة مطلقة لدى الجميع بانه الشخصية المؤهلة لتحديث العراق. فهو على غزارة علمه ومعلوماته كان حريصا على ان يقرأ ويطالع ويعّلم ويتعلم وقال في لقاء له مع طلبة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في 7/3/1966 " لا ادري كيف ابدأ ولا كيف اعبر عما اشعر به وقد عدت بعد غيبة نافت على عشر سنوات عن هذه الكلية التي عملت فيها ما وسعني الجهد لا عميدا فقط وانما وهذا الذي اعتز به محاضرا كان يجلس امام المنصة ويحاضر طلابه ويشعر باللذة التي ما فوقها لذة ويشعر بالعزة التي ما بعدها عزة حينما يجلس على مثل هذا الكرسي وامام هذه المنضدة . وقلت في مناسبة سابقة لو اتيح للمتنبي ان يكون استاذا لَحَوّرَ في بيته المشهور الذي يقول فيه :
أعز مكان في الدنا سـرج سـابح وخير جلـيس في الزمان كتـاب
اما انا وانا اعلم اني رئيس وزراء اليوم اقول اعز مكان في الدنيا كرسي استاذ . اما الشطر الثاني فاوافق المتنبي عليه فلم يزل الكتاب خير جليس في هذا الزمان . فانا اعتز بالانتساب الى هذه المهنة وتزداد مشاعري رقة وارهافا حينما اكون في هذه الكلية التي عشت فيها عامين . وتعود بي الذكريات حين أرى فريقا من زملائي ولا احسب أنني الاقي اليوم فريقا من طلابي إلا اذا كان بين الطلاب من يحبون كليتهم الى هذا الحد يقضون سنتين او ثلاث سنوات في الصف الواحد ولكنكم على كل حال تمثلونهم فلم احب الطلاب من حيث اشخاصهم بل من حيث انهم طلاب وابناء جيل صاعد فانتم وهم سواء عندي في هذا الحب ).


ثورة 14 تموز 1958

يوم 7 آب /اغسطس 1958 التقى السيد"فول" المستشار في السفارة البريطانية في بغداد بالسيد عبد الرحمن البزاز عميد كلية الحقوق السابق الذي عزلته حكومة نوري السعيد عن منصبه .
ويتحدث فول في رسالة بعثها الى الخارجية البريطانية في اليوم نفسه عن ذلك اللقاء فيقول( وللبزاز اتصالات وثيقة مع النظام الجمهوري الجديد وهو صديق قديم للعقيد عبد السلام عارف وتدور شائعات حول ترشيحه كسفير في لندن).
ويواصل فول( وقال البزاز بانه قد عبر عن قلقه امام العقيد عبد السلام عارف لمظاهر الحماس التي ابديت عند وصول السفير السوفييتي ، وانه من الضروري ان يبقى العراق محايدا باخلاص ، لا ان يتخلص من استعمار حتى يخضع لاستعمار اخر اكثر همجية. والظاهر ان عارف قد قبل بحجة البزاز هذه. وبالنسبة للبزاز فانه قومي متشدد واما عارف فمسلم متمسك بالدين وضد الشيوعية. وعندما سئل البزاز عن بعض تصريحات عارف المتطرفة الاخيرة ، أجاب بأن عارف قد إندفع بحماس كنتيجة لنجاح الثورة، وان التصريحات التي القاها كانت إرتجالية وبحالة من الهياج الممزوج بالزهو. وعليه يجب أن لا تفسر تصريحاته باكثر من حقيقتها ، ومن وجهة نظره أن عارف سيعود الى الهدوء بعد بضعة اسابيع).
ويضيف فول ( وبالنسبة لموضوع العلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة يعتقد البزاز بان العراق يرغب في الحفاظ على كيانه المستقل على ان يتعاون بشكل وثيق نحو الهدف النهائي لتشكيل اتحاد عربي يضم الدول الراغبة في الوحدة والتي من المحتمل انها قد تكون من نماذج الفيدرالية الفضفاضة مع جعل الدفاع مشتركا واتباع سياسة خارجية مشتركة ايضا)
ويقول فول( ويرى البزاز ان محاولة رسم مقارنة بين الثورتين المصرية والعراقية وخاصة المقارنة بين شخصيتي قاسم ونجيب ، وبين عبد الناصر ، يعطي انطباعا أو فكرة خاطئة فقاسم وعارف كانا قد تعاونا بشكل وثيق في التخطيط للانقلاب في حين ان نجيب جيء به في النهاية كرمز فقط. ومع ذلك قال البزاز بان عارف اكثر اطلاعا واندفاعا للعمل في كافة تفاصيل الانقلاب من قاسم، وكذلك فقد كان الموقف في العراق مختلفا، لانه بدلا من مجموعة من الضباط الاحرار التي تقوم بادارة الحكومة الثورية المصرية، فانه لا يوجد سوى ثلاثة ضباط في الحكومة العراقية واحدهم وهو ناجي طالب عبارة عن شخص نصف مدني ، واعرب البزاز عن امله في ان تدار البلاد في المستقبل من قبل المدنيين وانه دعي للاجتماع بمجموعة من السياسيين المعتدلين والمتعاطفين مع النظام الجديد لمناقشة الانشطة السياسية مستقبلا).
ويستطرد فول( وقال البزاز بانه عبرّ عن قلقه لاصدقاء في الحكومة حول النطاق الواسع لعمليات فصل المدنيين من الخدمة ، وقد شعر بقوة بان العراق ليس غنيا بالاداريين الكفوئين ليتمكن من خلالهم التعويض عن المحل الشاغر للموظفين المفصولين ، وهو عازم على استخدام نفوذه لارجاع العديد منهم، ويدعو البزاز للتحديث ويتمتع بادراك سليم وبوسعه أن يكون سفيرا جيدا في بريطانيا ولكن قد تكون فائدته هنا اكبر في الوقت الحاضر).( تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري، الجزء الاول).
غير انه لم يمض طويلا حتى اختلف مع قاسم لان البزاز ايد كتلة الوحدويين التي كان العقيد عبد السلام محمد عارف يمثلها في صراعه مع الزعيم عبد الكريم قاسم والتي كانت تنادي بالوحدة مع مصر، ونقل تحت ضغط الشيوعيين العراقيين الى وزارة العدل كقاض في محكمة التمييز ، ومن هناك تم اعتقاله عقب حركة الشواف في اذار /مارس 1959 . وحينما خرج من المعتقل سافر الى لبنان في اجازة قرر من هناك الاستقالة من منصبه كقاض وتوجه الى القاهرة حيث اقام فيها طوال السنوات الاربع عمل خلالها مديرا لمعهد الدراسات العربية وهو معهد لتدريب الشبان في الشؤون العربية برعاية جامعة الدول العربية ومكث في القاهرة حتى قيام حركة 8 شباط /فبراير 1963 التي اطاحت بحكم الزعيم عبد الكريم قاسم .
ظهر البزاز في المحكمة العسكرية العليا او ما تسمى بمحكمة المهداوي عام 1959 عندما جىء به شاهدا امام المحكمة وجرى حوار ساخن بينه وبين المدعي العام العسكري العقيد الركن ماجد محمد امين فاظهر البزاز شجاعة فائقة في عدم السماح للمدعي العام للتطاول الذي مارسه محمد امين مستغلا مركزه وموقعه في المحكمة حين طلب البزاز من المحكمة ان تحميه من تعديات وتجاوزات المدعي العام فكسب عطف الناس من خلال شجاعته .
وكان البزاز قد اعتقل في عهد عبد الكريم قاسم وبالذات عقب فشل حركة العقيد عبد الوهاب الشواف وزج في سجن الدبابات الرهيب في معسكر الرشيد وقال في محاضرة له في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بغداد في 7/3/1966 حول التحديات التي تواجه الامة العربية قال ( كان أحد أبناء الموصل إسمه عبد الرحمن البزاز معلم ابتدائية مرة اوفد الى موسكو وانا كنت في السجن معتقلا وقرأت العبارة – اوفد الاستاذ عبد الرحمن البزاز وهو غير الخائن الرجعي الفاشستي المتآمر عبد الرحمن البزاز )
وقال البزاز( وانا أكرِم بهذه الخيانة واكرِم بهذه الرجعية واكرِم بهذا التآمر فانا حاربت الاستعمار وحاربت العهد البائد وسابقى احاربه لكني لا اريد ان استبدل استعماراً باستعمار وانا اريد القومية العربية اصيلة تخطط طريقها بنفسها وتصطنع ما تشاء من نظم حرة غير مضغوط عليها وهي تعتقد العمالة واحدة سواء كانت لبريطانيا أو امريكا أو لغيرهما).
حركة 8 شباط 1963

كانت حركة 8 شباط 1963 هذه نقطة تحول في حياة البزاز فما ان اصبح عبد السلام عارف الذي كان يعرف البزاز معرفة شخصية ووثيقة رئيسا للجمهورية حتى تم تعيين البزاز من قبل علي صالح السعدي نائب رئيس الوزراء العراقي انذاك سفير للعراق لدى الجمهورية العربية المتحدة وذلك حينما كان البزاز ضمن وفد العراق لتهنئة الرئيس عبد الناصر بذكرى قيام الوحدة السورية المصرية واقامت نقابة المحامين المصريين حفل استقبل للوفد العراقي حضره الرئيس عبد الناصر وعلي صالح السعدي واثناء الاحاديث بين عبد الناصر والسعدي تقدم عبد الناصر نحو السعدي قائلا له لقد اخترت لكم سفيرا في بغداد هو السيد امين هويدي ثم اشار اليه وقدمه للحضور وهنا اشار السعدي الى عبد الرحمن البزاز وقال لعبد الناصر ونحن اخترنا استاذنا عبد الرحمن البزاز سفيرا للعراق في القاهرة وقد لعب دورا جيدا في محادثات الوحدة الثلاثية التي جرت في القاهرة انذاك للفترة من اذار/,مارس - نيسان /،ابريل 1963 وكان من المؤيدين للاتحاد الفيدرالي، ثم عمل سفيرا للعراق لدى بريطانيا وامينا عاما لمنظمة الاقطار المصدرة للنفط – اوبك – للفترة من 1964 - 1965 .

وعقب حركة 8 شباط 1963 صدر البيان رقم 19 عن المجلس الوطني لقيادة الثورة حول عودة العراقيين من الخارج جاء فيه( ندعو كافة الاشخاص السياسيين الوطنيين الذين هم خارج العراق والذين غادروه نتيجة لحكم عبد الكريم قاسم للعودة الى الوطن الحبيب بعد ان تحرر من الحكم الفاسد للمساهمة في خدمة وطنهم)
وبالفعل فقد استجاب لهذا البيان ثمانية من السياسيين العراقيين وعادوا الى بغداد مساء يوم 13 شباط/فبراير 1963 كانوا لاجئين سياسيين في العاصمة المصرية القاهرة وفي مقدمتهم عبد الرحمن البزاز عميد كلية الحقوق سابقا وعبد الكريم الشيخلي الطالب في كلية الطب ومدحت ابراهيم جمعة الطالب في كلية الاداب والطالب حاتم حمدان العزاوي والطالب طه ياسين العلي وفاضل الشاهر وصدام حسين المحكوم عليهم بالاعدام لاشتراكهم في محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم . كما عاد معهم ايضا كل من فالح السامرائي الطالب في كلية التجارة والمحكوم عليه غيابيا بالسجن سبع سنوات. كما عاد من دمشق كل من عيادة كنعان الصديد الطالب في كلية الحقوق وهو من عشائر شمر ومعه احد اعضاء حزب البعث كامل القيسي.
وفي محاولة لتحسين وتطوير العلاقات بين العراق والجمهورية العربية المتحدة فقد قرر المجلس الوطني المشاركة في احتفالات العربية المتحدة بذكرى قيام الوحدة بين مصر وسوريا وبالفعل فقد غادر الوفد العراقي بغداد يوم 20 شباط/فبراير وفد عراقي برئاسة علي صالح السعدي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية ويضم الوفد وزراء الدفاع والخارجية والدولة اضافة الى وفد شعبي يمثل المنظمات والشخصيات الوطنية العراقية يضم كلا من جلال الطالباني وحسين جميل. وفي اليوم نفسه الذي قرر فيه المجلس الوطني لقيادة الثورة تعيين عبد الرحمن البزاز سفيرا للعراق لدى الجمهورية العربية المتحدة.
وفي يوم 23 اذار/مارس 1963 قدم عبد الرحمن البزاز سفير العراق لدى الجمهورية العربية المتحدة اوراق اعتماده الى الرئيس جمال عبد الناصر اكد البزاز في كلمته في هذه المناسبة على اهمية العلاقة بين البلدين الشقيقين والمهام الملقاة عليهما.كما عبر الرئيس المصري عن سعادته لاستقبال سفير العراق في مصر . فيما قدم امين هويدي اوراق اعتماده الى الرئيس العراقي عبد السلام عارف يوم 5 نيسان/ابريل 1963.

لكن بعد اشتداد الحملة الاعلامية المعادية بين النظامين في العراق ومصر شعر البزاز بحرج شديد في الاستمرار في وظيفته ممثلا لحكم يناهض عبد الناصر وفي الوقت نفسه كان يشعر في حرج اكبر امام المسؤولين البعثيين في العراق اذ كان يقدر جيدا فضلهم الكبير عليه وفي انهاء حكم قاسم فطلب من وزير الخارجية طالب شبيب ان ينقله الى موقع اخر وبالفعل اصدر شبيب امرا بنقله بنفس وظيفته من القاهرة الى لندن ، هذا الموقف ظل في ذاكرة عبد الرحمن البزاز فحينما تولى رئاسة الوزارة عام 1965 عمل جاهدا على تعيين طالب شبيب مديرا لمكتب الجامعة العربية في لندن وفاءا منه لموقف شبيب منه، لم تكن السلطة هدفا بالنسبة للبزاز ولا المال بل كانت رغبته الاكيدة في القيام بعمل اصلاح اجتماعي وسياسي ، ويقول البزاز في كتابه (صفحات من الامس القريب ، ثورة العراق ..هل كانت حتمية، ص43 ) " ان علة ذلك باختصار – الشعور بالتبعة – والحرص الشديد على- الحق والحرية – ومرجع هذه التبعة اعتقادي بان الجيل الذي انا واحد من بنيه مطالب بتقويم الاعوجاج ، انه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، انه من فروض الكفاية التي اذا تركها الكل وجب العذاب على الجميع ، وكنت أحس أن جيلي – على العموم – قد شغلته متطلبات الحياة المادية والهته ضرورات الحياة ومتاعبها عن كل ما سوى ذلك فركن في غالبيته العظمى الى العافية وآثر الهدوء واكتفى على افضل الاحوال بالقول المأثور- اللهم هذا منكر لا ارضى به ولا اقدر عليه –وهذا الموقف السلبي لا يمكن ان تتحقق معه البيئة الصالحة التي تمهد لروح ثورية صرت ازداد كل يوم يقينا بان لا سبيل للاصلاح الجذري غير سبيلها ولابد اذن من تغذية هذه الروح الثورية بالتضحية ولابد من الاستعداد لقبولها" .
ويضيف البزاز قائلا( وثمة دافع داخلي اخر لسلوكي هذا هو الحرص الشديد على – الحق والحرية – الحق الذي هو رائد القاضي الاول والحرية هي مطلب المعلم الاساسي ، لقد بقيت روح القاضي المعلم او المعلم القاضي تلازمني طوال حياتي لا اثناء الدرس وميدان القضاء – وقد بقيت نحوا من عشرين عاما قاضيا او مدرسا وقاضيا ومدرسا – فصرت أرى ان الحق يجب أن يقال لا في المحكمة اثناء النظر في القضايا فحسب بل وفي كل قضية تعرض عليّ في الحياة وفي أي عمل اقوم به ، والحرية التي اؤمن بها واتعشقها انتقلت معي من محيط الدراسة الى اجواء الحياة ذاتها ، فحين تتعرض الحرية لخطر أساسي اشعر انني مطالب بان اقوم بقسطي بغض النظر عن النتائج المتوقعة ، ولقد كنت في حماسي للحق وحرصي للحرية اردد كثيراً قول الشاعر العربي أبو ماضي
اني لاغضب للكريم ينوشه من دونه وألوم من لم يغضب
فلقد غضبت لكل فرد كريم ولكل شعب كريم ولكل مطلب كريم ، ولمت من لم يغضب واغضبت بسلوكي هذا الحاكمين في كل العهود وتعرضت بسببه لسخطهم ونقمتهم ولكني ارحت بذلك ضميري وشعرت بانني اديت واجبي وسلكت سبيل الحق والحرية ( عبد الرحمن البزاز، المصدر السابق، ص 45).

أنقلاب 17 تموز 1968

حينما قام انقلاب 17 تموز/يوليو 1968 كان البزاز في لندن للعلاج وعاد الى بغداد ثم اعتقل عام 1969 بتهمة التآمر والتجسس لحساب اسرائيل وخرج من السجن مشلولا وفاقدا للنطق بسبب جلطة في الدماغ وظل هكذا حتى انتقل الى جوار ربه في 28 حزيران/يونيو 1973 اي قبل يومين من ما سمي بمؤامرة ناظم كزار مدير الامن العام الذي نفذ فيه الاعدام بعد ثلاثة ايام من وفاة البزاز الذي تعرض الى تعذيب نفسي وجسدي على ايدي جلاوزة صدام حسين وناظم كزار الذين قلعوا له في ليلة واحدة اظافره العشرين من اجل ان يعترف لهم انه كان مواطئا مع الكويت للقيام بانقلاب ضد نظام حزب البعث إلا أن البزاز كان يرفض ذلك لعدم وجود مثل هذه التهمة الا في مخيلة نظام البكر – صدام . فقد طلبوا من البزاز ان يظهر على شاشة التلفزيون ليقول ان الكويتيين سلموه مبلغ ثلاثة ملايين ونصف مليون دينار لتمويل عملية الانقلاب المزعومة ونتيجة لاصرار البزاز على رفض ذلك كان يتعرض الى المزيد من التعذيب فقد ربطوه واقفاعلى باب خشبية لمدة ثلاثة ايام دون ان يعطوه قطرة واحدة من الماء بل زيادة في التعذيب كانوا يفتحون حنفية الماء امامه كما وضعوه في زنزانة بمساحة متر مربع واحد ظل فيها واقفا لمدة ثلاثة ايام بعدها جاءه ناظم كزار ووضعه في زنزانة ورموه على ارضها المفروشة بالاسمنت المسلح دون اي فرش. كما تعرض ذات مرة الى ضربة قوية على راسه وتعرض الى صعقات بالتيار الكهربائي سببت له تخثر في الدماغ التي ظل يعاني منها حتى وفاته .واخيرا قدم الى محكمة صورية وفي المحكمة دخل احد شهود الاثبات ضد البزاز واخبرهم انه كلفه بالاتصال بالكويتيين ضمن المؤامرة الانقلابية .عندها شرح البزاز للمحكمة القصة الحقيقية لهذا الشخص الذي تبين فيما بعد أنه أحد عناصر أجهزة المخابرات العراقية الذي سبق له أن زار البزاز في بيته واخبره بان له قضية مع وزارة الدفاع الكويتية وطلب منه مساعدته بتزويده برسالة الى وزير الداخلية انذاك الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح . الا ان البزاز اخبره انه لا علاقة له بالشيخ سعد لكن بالامكان مساعدته بتزويده برسالة الى الدكتور محمد ناصر وزير الثقافة والاشاد في حكومة البزاز والذي كان مقيما في الكويت ويعمل استاذا في جامعتها . ورغم ذلك حكمت المحكمة على البزاز بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة التجسس والتامر أكمل منها سنتين ونصف ثم اطلق سراح مشلولا وفرضت عليه الاقامة الجبرية في منزله وذلك بعد العديد من الوساطات التي بذلتها عدة شخصيا منها الزعيم الليبي معمر القذافي الذي زار بغداد لهذا الغرض ووعده الرئيس احمد حسن البكر قائلا اننا سنطلق سراحه بمجرد مغادرة طائرتك مطار بغداد الا ان ذلك لم يتم كما بذل الشخصية اللبنانية الوطنية كمال جنبلاط وساطة مماثلة لاطلاق سراحه ، كما توسط القادة السوفييت لاطلاق سراحه وكذلك بذلت المملكة العربية السعودية جهودا لاطلاق سراحه فتوجه الى بغداد بطائرة خاصة الامير سلطان بن عبد العزيز كما توسط الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات جهودا مماثلة لاطلاق سراح البزاز لكن كانت كل تلك الجهود دون جدوى كما بذل عدد من المسؤولين والوزراء العراقيين جهودا وتوسطوا لدى الرئيس البكر لاطلاق سراح ومنهم الدكتور احمد عبد الستار الجواري وزير التربية والدكتور عزة مصطفى وزير الصحة والسفير حمد دلي الكربولي لكن دون جدوى بل بالعكس كان التعذيب يزداد بعد كل محاولة توسط.
ومع الاسف إنغمس احد الصحفيين اللبنانيين في مهزلة التهمة التي وجهت للبزاز حين أجرى الصحفي المعروف طلال سلمان صاحب جريدة السفير البيروتية حاليا مقابلة مع البزاز في داخل السجن حين كان سلمان مراسلا لجردية الانوار البيروتية وجرى نشر المقابلة بتاريخ 23/2/1069 وبدت المقابلة في مقدمتها وفي متنها وكأنما الصحفي سلمان قد إختار إصدار حكم مسبق بالادانة على البزاز قبل أن يمثل أمام المحكمة التي لها وحدها أن تقرر إدانته أو عدمها. وفيما يلي نص المقابلة:
أكد عبد الرحمن البزاز لموفد الانوار " طلال سلمان" أنه يلقى معاملة طيبة جداً في معتقله ببغداد وأنه لم يتعرض لأي ضغط. ولكن البزاز الذي يحاكم الان بتهمة الضلوع في مؤامرة كانت تستهدف قلب نظام الحكم في العراق. حاول في إجاباته التي نقلها موفد الانوار بأمانة كاملة أن ينفي عن نفسه تهمة التآمر بالرغم من أن جميع الادلة تثبت العكس. كما ادعى البزاز انه لا يعرف أي سياسي لبناني فيما عدا كمال جنبلاط.. وهدفه من وراء ذلك واضح وهو محاولة ربط إسمه بأسماء سياسيين وطنيين مثل جنبلاط. وفيما يلي الرسالة التي بعث بها طلال سلمان من بغداد والتي تتضمن تفاصيل أول لقاء صحفي مع البزاز داخل معتقله.
حين توقفت بنا السيارة في الباحة الرحبة ، وأمام ذلك المدخل الذي يحمل معالم " بيوت العز" كدتُ لا أصدق أنني – في هذا المكان – سأقابل معتقلاً. ولاحظ المرافق دهشتي فيما يبدو ، فقال ضاحكاً- هذا قصر الملح .. والتسمية مني!. ورقينا الدرجات القليلة الى داخل البهو ثم قطعنا الممر الى غرفة مكتب المقدم المسؤول عن هذا المعتقل الفخم. وبعد لحظات قرع باب المكتب تمهيدا لأن يدخل عبد الرحمن البزاز. لا قيود في اليدين والنظر سليم تماماً بدليل أنه لم يخطيء بيني وبين المقدم ذي الملابس المدنية ولم يجد صعوبة في تخطي الطاولة الصغيرة وثنية السجادة وشريط التلفزيون للوصول الى مقعده خلفهما جميعاً. كذلك فالذاكرة سليمة تماماً والحالة العامة تدل على أنه يلقى معاملة خاصة جداً ، الذقن حليقة ونظاراته الطبية التي رأيتها على عينيه من قبل وهو رئيس للوزراء تقتعد أرنبة أنفه أنيقة لامعة والشعر مسرّح وربطة العنق معقودة بعناية والملابس تمتاز – على قدمها – بلمسة شياكة انكليزية.
محاولة إنكار
قلت لعبد الرحمن البزاز بعد أن عرّفته بنفسي : تبدو في حالة جيدة.
قال الحمد لله
قلت : لقد أتيت لاسمع رأيك فيما وجه اليك من تهم فماذا تقول؟
التفت الرجل الى ناحية المقدم وقال ربما لم يكن مسموحاً لي بالكلام.. ثم أني لا أملك ما أقوله غير ما قلته في مذكرتي الخطية الى السيد المقدم.. هل يسمح سيدي للاخ بالاطلاع على المذكرة؟
وقال المقدم : أنت حر في أن تقول ما تشاء ، أذكر له أنت ما كتبته في المذكرة.
مسح البزاز شفتيه بطرف لسانه وقال بلهجة من أسقط في يده ، لقد قلت في المذكرة أن التهم الموجهة اليّ باطلة تماماً .. فأنا لم أتآمر ولا أتآمر في أي يوم على العراق.
قلت هذه عموميات فماذا عن التهم نفسها؟
قال : الحقيقة أني لم أعرف بعد ماهية تلك التهم تحديداً .
قلت لكن العالم كله عرف ماهيتها، لقد أذيعت إفادة المتهم عبد الهادي البجاري عبر التلفزيون والاذاعة.
وقاطعني البزاز.. لم أسمعها.
وتدخل المقدم فقال له .. ولو يا أستاذ .. ألم تسمعها هنا في مكتبي؟ ألم تر البجاري على شاشة التلفزيون هذه وهو يدلي بإعترافاته.
وتراجع البزاز خطوة . وقال الحقيقة لم يكن الصوت واضحاً فلم أسمع كل ما قاله ولم أفهم بعض العبارات ولم أفهم المقصود بها.
وقال المقدم لكنك لم تشك لي في حينه أنك لا تسمع جيدا ما يقال.
تراجع البزاز خطوة أخرى وقال ليست شكواي منكم سيدي وأنما عدم سماعي لبعض العبارات جعلني أفقد القدرة على الربط بين أقوال البجاري ووضعي الراهن.
صمت لحظة ثم التفت نحوي وقال في أي حال فالاتهامات بلغة القانون متهافتة أنها أولا صادرة من متهم ثم أنه ذكر أنه إنما سمعها من الفريق أنها أقوال نقلها شخص آخر ضد شخص ثالث . فما قيمة هذا؟
قلت لكن الرجل محكوم بالاعدام ولم يبق لديه متسع للكذب أو لاتهام الاخرين، لو أنه ذكر ذلك قبل الحكم عليه لقلنا لعله يناور أو يتقصد إيذاء بعض الناس أما إصراره على إفادته بعد حكمه بالاعدام فهذا تأكيد لها ما بعده تأكيد.
قال البزاز بلهجة المحاضر لست أدري كا ما أعرفه أن هذه هراء.
السياسيين اللبنانيين
قلت هذا الموضوع يهمنا في لبنان بصفة خاصة بإعتبار أن بعض الذين ورد ذكرهم في هذه الاتهامات هم من السياسيين اللبنانيين المعروفين.
وارتفع صوت البزاز وهو يقول بعصبية : أنا لم التق بكميل شمعون أبداً ولا أعرفه.
= وهنري فرعون ؟
- من هنري فرعون؟ أنا لم أسمع به مطلقاً من قبل .. وقد سألت عنه بعد إتهامي فعرفت أنه سياسي لبناني معروف. لكني لم أعرفه ولم ألتق به، أنا لا أعرف في لبنان من السياسيين إلا كمال جنبلاط وصلاح البيطار .. أعرف أيضا الشيخ حسن خالد المفتي.
- ضحكتُ وأنا أقول ، لقد أخترت السياسي الاكثر عداءاً لكميل شمعون.
- وأضاف قائلاً : مرة خلال وجودي ببيروت قال لي بعض الاصدقاء أن كمال جنبلاط يريد الاجتماع بي فذهبت اليه وقد تحدثنا في ما يهم لبنان والعراق. أما صلاح البيطار فأنا أعرفه من قبل ولكني لم أتقصد اللقاء به ولولا أننا تقابلنا مصادفة في الشارع لما عرفت أنه مقيم في بيروت.
- تلفت البزاز حوله قبل أن يستدرك بحذر واضح على أي حال اللبيطار ليس صديقي وإنما أعرفه.
- قلت هذا تنصل أم دليل حيرة ناجمة عن عدم فهمك موقف الحكم هنا من البيطار؟
- عاد هنا يمسح شفتيه بطرف لسانه قبل أن يقول : الاتهام متهافت هكذا نقول بلغة القانون.
- قلت وقريب كامل الاسعد؟
- قال لا أعرفه ولا أعرف كامل الاسعد . أنا لا أعرف أحداً.
- أصدقاء في بيروت
- قلت ولكنك معروف جيدا في لبنان ومعروف خاصة عن طريق جريدة معينة تنفرد لسبب ما بنشر كتبك قبل صدورها ومقالاتك التي تصل اليها رغم كل شيء.
- قال بلهجة ضعيفة لهذا السبب إذ تربطني ومنذ وقت بعيد صداقة وطيدة بمحمد علي حمادة وهي صداقة تعود الى أيام أن كان محمد علي حمادة في بغداد مع كاظم الصلح الذي كان بالسفارة اللبنانية هنا ببغداد . لقد تصادف أن كانا يقطنان بالقرب من دارنا في الاعظمية وهكذا نشأت بيننا علاقة حميمة.
- قلت لعلك تذكر أن العهد الملكي كان يصر على عدم قبول سفير لبناني في بغداد غير كاظم الصلح.
- وتجاوز البزاز ملاحظتي ليكمل كلامه فقال بسبب صداقتي لمحمد علي حمادة كنت التقي به كلما مررت ببيروت وكان يسألني عن مؤلفاتي الجديدة فاعطيه نسخا منها فينشر فصولا منها في النهار.
- العقيلي وخليل كنه
- قلت اذن؟
- قال محتدا ثم هناك خليل كنه ! كيف أتآمر مع خليل كنه وأنا ضده، لقد هاجمته صراحة في أحد كتبي، كذلك هاجمني في كتاب له أصدره في بيروت وعدت الى مهاجمته في كتاب جديد كان يفترض أن يصدر قبيل 17 تموز الماضي .. خليل كنه رجعي وأن لست كذلك.
- = والعقيلي؟
- إعتدل في جلسته وإستذكر فيما يبدو أيام العز إذ قال بلهجة خاصة : العقيلي أعرفه طبعا كان وزيرا عندي كان وزير دفاعي ورغم ذلك فقد كنا نختلف حول أمور كثيرة أبرزها القضية الكردية. رأيي فيها معروف وقد تبنى الحكم الحالي بيان 29 حزيران وجهدي فيه معلوم وغير منكور بينما العقيلي ينادي باسلوب آخر.
- قطع البزاز كلامه ثم هتف كمن تذكر شيئا ، أعرف من اللبنانيين أيضا الدكتور محمد خالد وقاءاتي به كانت على الدوام لقاءات مسجدية ، كنت أقصد مسجدا معيناً على البحر في بيروت فأصلي فيه وهناك التقيت بالدكتور خالد وبالشيخ حسن خالد وأيضاً يالمرحوم عمر الداعوق.
- = هل تقصد القول أنك متعبد؟
- - نعم ولكن دون تعصب فأنا علماني
- = وفي رأيك أن الاسلام يمكن أن يكون محركاً سياسيا أساسيا في المنطقة؟
- -أجل لي في هذه آراء واضحة تجدها في بعض كتبي
- = وقد أدى بك هذا الى المشاركة في تأسيس حزب العدالة الاسلامية؟
- قال البزاز متجاهلا أن لا أعرف أي حزبي في لبنان
- قلت أنما احدثك عن العراق.
- إستمر في التطنيش كل ما قاله في رأيي أن الاسلام يمكن أن يكون قوة تقدم ولست افرق بين العروبة والاسلام ولا أجد في الجمع بينهما أي تناقض وحتى المسيحي العربي يمكنه أن يلعب دوره في خدمة هذا التزاوج بينهما.
- قلتُ وأيزنهاور له مثل هذا الرأي وكذلك الانكليز.
- التمعت أضواء الفلاش فإرتاح البزاز في جلسته قليلا ثم إنتفض ليقول من هو هذا الحميد ما اسمه
- وقيل له حميد الدامرجي احد المتهمين الرئيسيين في شبكة التآمر لقلب نظام الحكم
- قال بلهجة الباشا حين يتحدث عن عبد لديه ، من هذا؟ أنه تاجر صغير ولا شيء يربطني به. أنا أكبر منه بكثير أنا رئيس وزراء ووزير وعميد كلية وأستاذ وهو تاجر فكيف التقي به؟ انه ليس من مقامي ولا هو من سني فماذا يجمعني به؟
- قلت ألا تعرفه؟ قال بلى أعرفه.
- ثم إستدرك ولكني أعرف العشرات من العراقيين أن مقامي ارفع من أن اتعامل مع تاجر بسيط مثله.
- قلتُ أعتقد أن البت في هذه الامور جميعاً يعود الى المحكمة التي ستنظر قضية المؤامرة قريباً.
- وعاد الزبد يتجمع على جانبي فمه
- 3 أطباء
- أتي بالشاي وأعطي البزاز الكوب الاول وبينما هو يحرك السكر المتجمع في اسفل الكوب بالملعقة الصغيرة قالت له
- =تبدو في حالة صحية جيدة
- قال الحمد لله ولقد أستدعي ثلاثة أطباء فكشفوا عليّ كنتُ كلما شكوتُ ألماً إستدعوا لي طبيباً.
- قلتُ ونظرك سليم
- قال لا بأس كنتُ اشكو بعض الصداع وقد طلب مني الطبيب تغيير نظاراتي كما طلب أن يسمح لي بمقابلته بين حين وآخر للاشراف على حالتي.
- والمعاملة بشكل عام؟
- قال أنها ممتازة أذكر هذا على لساني وأنا أقوله لك لتنشره وأقوله دون طلب من أحد بل أن كرم الاخوان يصل الى حد السماح لعائلتي بأن تأتيني بطعامي من البيت، أنني أتناول أصنافاً معينة من الطعام حتى لا تزيد نسبة الكوليسترول في دمي وهذه علّة قديمة وليست نتيجة لحالتي الراهنة.
- = وهل لك طلبات محددة؟
- التفت البزاز نحو المقدم الذي قال له هيا تكلم قل أي شيء يطوف بذهناك.
- قال الحقيقة لا اشكو شيئا إنما أريد أن أعطي وكالة لزوجتي كيما يتيسر لها تصريف شؤوني.
- قال المقدم لكنك لم تبد مثل هذه الرغبة من قبل
- قال البزاز : لا سيدي كنت أعتزم طلبها منك.
- قال المقدم هي لك أنت تعرف هنا حرصنا على شؤون عائلتك وكذلك عائلات سائر المعتقلين.
- قال الزاز هذا صحيح وبالمناسبة أرجو أن يسمح لي بكتابة رسالة كلش قصيرة الى إبني.
- = وأين إبنك؟
- - أنه يدرس في جامعة لايدن ببريطانيا
- = الك أولاد غيره؟
- - عمليا لا لدي ابنة إبتليت منذ طفولتها أنها صماء وبكماء ولا أمل بشفائها.
- = وكم عمرك ؟
- - 55 سنة وأنا مسلم وعربي وأستاذ جامعة ولي 14 كتاباً
- = وهل تريد أن تقول للناس أي شيء خاص؟
- - لا شيء فيما عدا التأكيد أنني وطني وأنني لست رجعياً ولست متأخراً
- = أليس أن تترك هذه للمحكمة؟
- - بلى.
وكان نظام البكر- صدام قد اعلن في كانون الثاني عام 1969 عن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم وكذلك اكتشاف شبكة جواسيس تعمل لصالح اسرائيل وقد ذكرت صحيفة الثورة لسان حال حزب البعث في العراق بعددها الصادر بتاريخ 5/1/1969 أن محكمة الثورة عقدت في 4/1/1969 جلستها الاولى في قاعة الشعب لمحاكمة 19 متهما ً بالتجسس لصالح إسرائيل وهم عزرا ناجي زلخا والبير حبيب توماس وصادق جعفر الحاوي وجمال صبيح الحكيم وفؤاد كباي وعبد الهادي البجاري ويعقوب كرجي نامردي وصالح حسقيل وحسقيل صيون زلخا وجميل الحاج موسى ومهدي محمد عبيد والياهو الياس صالح كرجي وعبد الرزاق عبد الحسين الجراح ومحسن ماضي وسالم حسن فهيد ونزار باقر السريح وصباح حبيبي ومصطفى جيته وغالب محمد
وترأس المحكمة العقيد علي هادي وتوت وممثل الادعاء العام الحقوقي راغب فخري.
وقد ذكرت صحيفة النهار البيروتية في عددها في 25/1/1969 أنه وجه الاتهام في المؤامرة الى عبد الرحمن البزاز واللواء المتقاعد عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع السابق بأنهما تآمرا لقلب نظام الحكم عن طريق إعادة الحركات العسكرية ضد الاكراد في الشمال وتأليف حكومة عربية – كردية في الشمال ، في الوقت نفسه برئاسة البزاز.
وافادت النهار نقلا عن بيان صدر عن اذاعة بغداد ان المتهم عبد الهادي البجاري وهو محام سابق في العهد الملكي عن مؤامرة لقلب نظام الحكم في العراق اعترف ان المتهم الهارب عبد الحميد الدامرجي وهو تاجر من بغداد أخبره عنها.واضاف البيان ان الدامرجي أخبره ان المتآمرين يعملون على تأليف تنظيم سياسي لتغيير الحكم القائم عن طريق اعادة الحركات العسكرية في الشمال واشغال قطعات الجيش في الجنوب وذلك بالاتفاق مع اللواء المتقاعد عبد العزيز العقيلي. واوضح البيان ان العقيلي أبلغ المتآمرين انه سيتولى التفاهم مع الوحدات العسكرية وانه تم النفاهم على الاتصال باسرائيل بتأييد من الرئيس اللبناني السابق كميل شمعون واحد أقرباء السيد كامل الاسعد رئيس مجلس النواب اللبناني لاشغال القطعات العسكرية العراقية والاعتراف بالامر الواقع وتأليف حكومة عربية – كردية في الشمال برئاسة عبد الرحمن البزاز وبالتعاون مع خليل كنه وهو وزير سابق في هذه القضية أيضاً.
ونقل راديو بغداد يوم 26/1/1969 وقائع المحكمة التي حكمت باعدام ستة جواسيس وسجن واحد مدى الحياة وبرئت ساحة عدد آخر من المتهمين. واحكام الاعدام ضد كل من عزرا ناجي زلخا والبير حبيب شومال وجمال صبيح الحكيم وفؤاد كباي وعبد الهدي البجاري ويعقوب الدمرجي. كما حكمت المحكمة في الدفعة الثانية على كل من داوود حسان وباروخ بنان وداوود غاني صالح عقيل وصالح حاييم بالاعدام شنقا حتى الموت .
وفي الدفعة الثالثة حكمت المحكمة بالاعدام شنقا حتى الموت على نعيم حضيري هلالي . وفي الدفعة الرابعة حكمت بالاعدام على كل من عبد المحسن جار الله وزكي اتندراوس وروفائيل حوري وعبد الحسين محمد حاج تينا فاينكول.
وفي صباح يوم 27/1/1969 تم تنفيذ حكم الاعدام بالشنق علناً في 15 شخصاً أحد عشر منهم في ساحة التحرير واربعة في البصرة.
وقال راديو لندن أن ابن الحاخام الاكبر في العراق بين اليهود التسعة الذين أعدموا.
وقال عبد الله سلوم السامرائي وزير الثقافة والاعلام العراقي أن شبكات التجسس لم تكتف بنقل المعلومات بل قامت بعمليات نسف وتخريب كالتي حدثت في ابو نؤاس .
فيما أقامت اسرائيل ضجة في العالم وحرضت المنظمات اليهودية على تنظيم حملة ضد العراق . كما نكست الاعلام الاسرائيلية فوق المباني . وقال ليفي اشكول رئيس الوزراء الاسرائيلي أن الله سوف ينتقم لهم قريباً. وقال ان دماء الابرياء من قتلى اليهود في بابل القديمة لتعود اليوم لتستنجد بنا وبالعالم من داخل العراق.
كما الغت اذاعة اسرائيل برامجها وبثت موسيقى خفيفة حدادا على اليهود . وهددت صحيفة معاريف ان العراقيين سيدفعون الثمن كاملاً.
ونقلت صحيفة اللوموند الباريسية في 28/1/1969 عن " لامرحاب" الاشتراكية المقربة من نائب رئيس الوزراء ايغال آلون تحذيراً الى حكام بغداد وقال لن نسمح باهراق دماء يهود عبثا ويجب ان يفهم حكام العراق ان ثمة عدالة يهودية تعبر عنها وتنفذها دولة اسرائيل ويد العدالة الاسرائيلية لن تتخلى عن اخوتنا في مصابهم . وان اسرائيل لن تترك الجلادين في العراق يحتفلون بانتصارهم بلا عقاب .
وكان الحاخام الاكبر اسحق نسيم – من اصل عراقي – اول من طلب من الصليب الاحمر التدخل لوقف الاعدامات.
نعود الان الى عبد الرحمن البزاز الذي اقحم اسمه عنوة في قضية لا ناقة فيها ولا جمل فنقول.
لقد تطوع العديد من المحامين العراقيين للدفاع عن عبد الرحمن البزاز وبذلوا جهودا لتبرئته الا ان الحكم كان قد صدر قبل بدء المحاكمة ومن بين المحامين حسين جميل وفائق السامرائي وشوكت حبيب الشبيب . وكان السيد فائق السامرائي قد نصح البزاز قبل ذلك بان يبقى في لندن ولا يتوجه الى بغداد عقب انقلاب 17 تموز 1968 وقال له ان الرئيس عبد الناصر طلب مني ذلك ويحذرك من السفر الى بغداد لان االحكم البعثي الجديد سوف لا يتركه وشأنه.
ويتحدث الحبوبي عن هذا الموضوع في كتابه المذكور اعلاه فيقول( حصل انقلاب 17 تموز 1968 وكان البزاز في لندن ومن هناك ارسل برقية تهنئة لاحمد حسن البكر ليشعره انه ليس ضد السلطة الجديدة ولكنه ظل مترددا في العودة الى العراق وقد علمت ان ابن خاله الدكتور مكي الواعظ نصحه بعدم العودة ولكنه عاد العراق وقيل تفسيرا لعودته انه مرتبط بقضايا مهمة موكل بها هي التي دفعته الى العودة.. وجلس في داره يستقبل الناس من شتى الطبقات تتوافد للسلام عليه مما اوغر صدر السلطة عليه وراحت تحصي عليه حركاته وسكناته واتصالاته .. ولم يطل به الوقت فقد انتزع من داره واودع المعتقل دون توجيه تهمة معينة له وراحت الاخبار تتسرب عن تعذيبه لانتزاع اي اعتراف منه بالتامر او غيره وطال الاعتقال اعدادا كبيرة من الناس ومن شتى الطبقات وبعد اعتقالي اكثر من مرة غادرت العراق وتركت الزاز نزيل المعتقل ويتعرض للتعذيب الجسدي وقيل ان السلطة اتهمته بالاشتراك في – مؤامرة – فبركت خيوطها فاحيل مع اخرين الى محكمة – الثورة – وادخل القفص وساءت صحته بعد ان حكم عليه بالسجن وراح الاعلام الخارجي يتناول قضية البزاز ويسلط الضوء على سوء معاملته وانه مريض او محتضر وانه فقد النطق من شدة التعذيب مما شكل ضغطا سياسيا كبيرا على السلطة الحاكمة فاضطرت الى اطلاق سراحه والسماح له بمغادرة العراق للعرج فسافر الى لندن مع زوجته حيث رقد في احدى مستشفياتها )
ويضيف الحبوبي( ولا انسى الصورة التي نشرتها له مجلة – الحوادث- وهو راقد على السرير كشبح او هيكل عظمي ووجهه عبارة عن عظام بارزة واحدى عينيه مقفلة تماما والاخرى نصف مقفلة وقد رفع سبابته امام مصور الحوادث وكانه يجيب بنعم بناء على طلب المجلة عندما سالته – هل تعرضت للتعذيب؟- فرفع اصبعه بمعنى – نعم – تعرضت كما ترى امامك)
كان مشلولا فاقدا للنطق ولم يكن سليما فيه غير سمعه ومن خلاله كان يجيب بسبابته ولم يمكث كثيرا اذ عاجلته المنية في بغداد ودفن فيها رحمه الله .بعد ان مكث في احد مستشفيات لندن سبعة اشهر كانت الاشهر الثلاثة الاخيرة منها على نفقة العقيد معمر القذافي .
وعبد الرحمن البزاز هو السياسي والقانوني والمفكر ورئيس وزراء العراق الاسبق ولانه كان في طليعة السياسيين الذين يدعون الى الديمقراطية والحرية قولا وفعلا ولانه من المؤمنين فيهما فقد عاش حياته في سبيل تحقيق احلام وطنه في عراق ديمقراطي حر موحد وبلدا للعرب والاكراد وبقية الاقليات جميعا بلد المروءة والوفاء والانفة والاباء والسمو والكبرياء ، عراق صلب دون أن يكسر ولين دون أن يُعصر لا يتكبر ولا يتجبر كريم مضياف لكنه لا يدع أحد يستغله أو يستغفله ، عراق دمث صبور ودود ولطيف ، فقد كان يرى في اختلاف الرأي نوع من التفكير ومصادرة الرأي نوع من التكفير ويؤكد دائما انه من انصار الاختلاف الحر بين الاراء وضد التكفير ويقول يجب ان نتعامل مع التفكير على اساس انه افتراضات قابلة للتصحيح بتفكير اخر وجهد عقلي ولا خطر من أي تفكير حتى لو كان مليئا بالاخطاء فمواجهة الفكرة بالفكرة الاخرى اما اتهام المفكرين ومصادرة ارائهم فتلك كلها اخطاء اكبر فهي عدوان على كرامة البشر وانسانية الانسان المتمثلة في حرية العقل وان التفكير ليس خطرا ولكن رفض الحوار هو الخطر ولانه غير صدامي ويؤمن بالحوار طريقا الى الفهم الصحيح ، ومن هنا يأتي إعجاب البزاز بالامام الشافعي فيروي عنه في المحاضرة التي القاها امام طلبة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد حول التحديات التي تواجه الامة العربية قائلا " أنا معجب بالامام الشافعي ومن دواعي إعجابي به كلمة كان يرددها لطلابه – مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا خطأ يحتمل الصواب – هذا هو الخلق العلمي وبهذه الروح ممكن ان يلتقي الناس ويتناظرون ويتجادلون ويتفاهمون ويصلون الى الحلول المعقولة " ومن هنا ايضا اصدر البزاز في 10/11/1965 قانونا بشأن تأكيد مبدأ سيادة القانون والمحافظة على الحرية الشخصية اذاعه راديو بغداد ينص على عدم جواز توقيف او قبول توقيف أي شخص الا بأمر صادر من جهة ذات إختصاص وبموجب مذكرة توقيف صادرة حسب أحكام القانون . وطلب البزاز في قراره من السجون ومراكز التوقيف عدم قبول أي موقوف دون مذكرة رسمية . ونص القرار كذلك على عدم جواز حجز الاشخاص أو إبعادهم إلا بموجب أمر تحريري صادر عن رئيس الوزراء أو من يخولهم ممارسة هذه الصلاحية أي وزير الداخلية وقائد الميدان في شمال العراق ، ودعا القرار محاكم أمن الدولة الى العمل في أوقات الدوام وخارجها للنظر في قضايا التوقيف السابقة التي قال البيان أن بعضا منها تعود الى حركة شباط/فبراير 1963.
وجاء في الاسباب الموجبة ان هذا القرار صدر تأكيدا لمبدأ سيادة القانون وضمان المحافظة على الحرية الشخصية وحماية حقوق المواطن .
ومن جهة أخرى ذكرت صحيفة الثورة العربية البغدادية لسان حال الاتحاد الاشتراكي التنظيم القومي آنذاك في عددها الصادر في 10/11/1965 أنه تمّ الغاء سجن السليمانية في شمال العراق وسجن الكوت في الجنوب وقالت أن أسباب الالغاء تعود الى قلة عدد السجناء فيها الى حد سمح باغلاقهما.
وفي اليوم التالي أصدر البزاز أمراً بتشكيل لجنة لتحري الحقاق للكشف عن المخالفات والتصرفات غير القانونية التي يقوم بها الاشخاص والمسؤولين من ذوي النفع العام .
وتألفت اللجنة برئاسة محكمة التمييز وعضوية أحد القضاة والمدير العام للاوقاف وتقوم اللجنة بالتحقيق في القضايا التي يحيلها رئيس الوزراء وتقدم توصياتها اليه لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بشأنها .
كان عبد الرحمن البزاز شخصية قومية ورجل قانون بل أنه كان رجلا فذاً عظيماً من نوابغ العلم واساطين القانون وفقهاء الدستور وجهابذة الدبلوماسية عراقيا عربيا وشخصية دولية مفاوضا ممتازا ومحدثا ساحرا ذكيا لبقا ظريفا يجمع بين المرونة والبساطة والتواضع والوداعة وبين الصلابة والاعتداد بالنفس وبالاصالة والعلم والثقافة والمركز المرموق . يقول عنه أحمد الحبوبي في كتابه( اشخاص كما عرفتهم) " كان عبد الرحمن البزاز ذا خلق رفيع عفيف اللسان لا يستغيب أحداً ولا يرضى أن يستغاب أحد في مجلسه، طويل البال، يسيطر على أعصابه، واسع الاطلاع خاصة في الشريعة الاسلامية ، صادق التدين، كثير الاعتداد بنفسه الى الحد الذي يعتبره البعض تعاليا لذا كانت صداقاته قليلة ونادرة وعلاقاته محدودة، رغم مظهره الدال على الصلابة إلا أنه يخفي في جانحيه خوفاً ورعباً من المرض والموت يحاول أن يداريهما باللامبالاة والتماسك ..رحمه الله".
ويتحدث عنه الدكتور عبد الامير رحيمة العبود وزير الزراعة للفترة من 1/9/2003 – 1/6/2004 حينما كان طالبا في كلية القانون ببغداد فيقول" درّسنا الاستاذ عبد الرحمن البزاز مادة أصول القانون ، كانت شخصيته رحمه الله قوية ومؤثرة ، ما أن يدخل القاعة حتى يسود الصمت، كان يتحدث وهو واقف واضعا إحدى يديه على المنصة التي تتصدر القاعة ويدس أصابع يده الاخرى في جيب زخمته وكأنها ترصد ضربات قلبه المتحمس للكلام ، يتحدث بلغة عربية بليغة وبصوت متجهد مقرون بالايقاع الجميل. وما أن يبدأ الحديث حتى أجد نفسي منشدا للاستماع اليه وأفاجأ دائما بانتهاء وقت المحاضرة دون أن أعلم كيف إنتهى الوقت بسرعة ، لقد كان عبد الرحمن البزاز بحق نموذجا للاستاذ الجامعي القدير المتمكن.( د. عبد الامير رحيمة العبود، عندما كنت وزيرا ، سيرة ومشاهدات عراقية، دار" ورد "الاردنية للنشر والتوزيع ، الطبعة الاولى 2007، ص67 – 68 ).
كان البزاز يعرف قدر نفسه ولا يتدخل في امور ليست من اختصاصه وفي محاضرة له بعنوان ( التحديات التي تواجه امتنا العربية) والتي القاها امام طلبة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بغداد قال البزاز( ان في القومية العربية من حيث اللغة هذا المعنى انها تجاوب لاستفزاز خارجي والقول في العربية كما يعرف اللغويون والادباء . وقد لا يكون من حقي ان اتحدث في اللغة- والادب وبين شهود هذا الحفل الاستاذة الجليلة الدكتورة سهير القلماوي التي ابت بالرغم من زيارتها الخاطفة لبغداد الا ان تشرف هذه الكلية وتشرفني بالاستماع الى هذه المحاضرة ) ونظرا للمكانة القومية المرموقة التي كان يتمتع بها البزاز اضافة الى الخبرة القانونية فقد اعلن السيد عبد الله الاصنج احد قادة الحركة العمالية في جنوب اليمن وزعيم حزب الشعب الاشتراكي وزعيم جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل سابقا في تصريح له في القاهرة يوم 11/8/1965 قال فيه" ... ان منظمة تحرير جنوب اليمن المحتل تريد استعارة خدمات البزاز السفير العراقي في لندن لمدة شهر بحيث يستطيع السفر الى عدن وتقديم مشورة دستورية وقانونية للمنظمة) للبزاز مواقف صلبة ظهرت ابان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حينما رفع وكان يومئذ عميدا لكلية الحقوق مع مجموعة من اساتذة الجامعة بينهم الدكتور جابر عمر والدكتور فيصل الوائلي والدكتور محمد علي البصام مذكرة الى الملك فيصل الثاني يشجبون فيها العدوان الثلاثي على مصر وينددون بموقف الحكومة العراقية الذي وصفوه بالمتخاذل ازاء العدوان . وكان نتيجة هذا الموقف القومي الشجاع أن فصلوا من الجامعة وحددت إقامتهم الجبرية في مدينة تكريت (180 كيلومتر شمال بغداد ) . وقد جاء في المذكرة ما يلي ( نحن فريق من ابناء هذا الشعب من رجال التعليم العالي خاصة نرفع لمقامكم السامي هذه العريضة يحدونا الى ذلك شعور عميق بالتبعات الجسام الملقاة على عواتقنا في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ امتنا ويدفعنا الى سلوك هذا المسلك اخلاصنا الشامل واعتزازنا بمهمتنا التعليمية وجدنا انفسنا ملزمين بولوج هذا الباب حين سدت علينا وعلى الشعب بمجموعه الطرق الديمقراطية المفتحة أمام أمثالنا في الأمم الاخرى من احزاب سياسية ومنظمات نقابية وحرفية ومؤسسات عامة وصحافة حرة وحياة نيابية سليمة تعكس حال الامة وتعبر عن مشاعرها في كل الاحوال وتكون متنفسا أمينا يحول دون الكبت الذي لا يؤدي في النتيجة – مهما طال مداه – إلا الى الانفجار )
وجاء في المذكرة ( ان فريقا كبيرا من رجال التعليم في المعاهد العالية لم يعودوا قادرين على اداء رسالتهم الفكرية في التوجيه والاسهام في بناء هذه الامة وقد اصبحوا حائرين في تحديد نوع الاتجاه الذي يرسمونه فهم يصطدمون بالواقع الذي يقوم عليه كل يوم دليل والذي يسعى اليه فريق من المسؤولين فيما يبدو في جعل العراق قطرا معزولا عن بقية اجزاء الوطن العربي لا يتحسس بمشاعره ولا يتجاوب مع ما يرن في اجوائه).
وقالت المذكرة ( ويؤسفنا يا صاحب الجلالة ان نسجل ان الشعور القومي الصحيح لم يزل ضعيفا وغير موجه وتقع تبعة ذلك على المسؤولين عن سياستنا العامة فشكوكهم المغالي فيها من الطلاب والفئات المثقفة ومحاربتهم لكل اوجه النشاط في فترات طويلة وتجميد كافة الفعاليات ادى الى هذه النتيجة المؤلمة )
وقدم البزاز وزملائه مقترحات لتفادي السوء الي يستشري حسبما جاء في المذكرة وهي :
1- اسباغ الحرمة اللازمة على المعاهد العالية ورجال التعليم ومنع حدوث ما وقع من بعض الحوادث المؤلمة في بعض الكليات من قبل رجال الشرطة مما يثير الاشمئزاز في نفوس الطلاب والاساتذة والمجتمع كله .
2- ضمان الحرية الفكرية لرجال التعليم العالي في نطاق ما هو جار في العالم في الحدود المعقولة وفسح المجال أمامهم للعمل وفق شعورهم القومي .
3- فسح المجال اللازم لنشاط الطلاب داخل الكليات تحت اشراف الاساتذة مع الرقابة الموجهة المعقولة وادخال نظام الفتوة وجعل الخدمة العسكرية بشكل يزيل ما استقر في اذهان البعض منهم من انها بمثابة العقوبة لهم وللحد من حرياتهم وحمايتهم من الاساليب التي تحطم الخلق الرفيع وخاصة شيوع الشرطة السرية فيما بينهم .
4- اطلاق سراح الموقوفين من الطلاب والطالبات بسبب التظاهر من اجل قومية عامة يحس الناس جميعا بها .
5- اجراء تحقيق سريع وعادل مع الذين اساءوا الى بعض رجال التعليم وانتهكوا حرمة المعاهد ومنع التحدي والاستفزاز الذي تقوم به الشرطة في حراستها للمعاهد العالية مدججة بالسلاح .
6- الاسراع في اتخاذ الخطوات العملية لتنفيذ قانون الجامعة وتحيق الحياة الجامعية واعداد ما يلزم لذلك فقد اخذت الشكوك في عدم جدية السير بموضوع الجامعة والحرص على تجميد الوضع الراهن وتقوى في نفوس الكثيرين منا .
7- ان تعطيل الدراسة لامد غير مسمى مظهر سلبي ودليل على فقدان الخطة الايجابية وفيها تبديد لاعز الثروات – اننا نرى ان من الواجب تعبئة طلاب المدارس العالية واعدادهم بالاضافة الى الدراسة – الى شتى المسائل لمجابهة الاخطار الداهمة التي تهددنا من اسرائيل وحلفائها الذين اوجدوها ولم يزالوا يمدونها بكل اسباب القوة للتمادي في بطشها وعدوانها .
وختاما – يا صاحب الجلالة – نود ان نعلن لجلالتكم ان الفئة المثقفة وخاصة من رجال التعليم يكونون جزءا مهما من هذا الشعب ولكنهم يشعرون انهم لم ينالوا العناية الكافية ولم تحاول السلطات الافادة منهم كما يجب ان تستفيد بل لم تحاول الاستنارة بارائهم في المسائل الجوهرية المتصلة بمسلكهم ).
وفي اواخر عهد الرئيس عبد الرحمن عارف وحكومة الفريق طاهر يحيى وحينما تدهور الوضع السياسي نتيجة الضغوط التي تعرض النظام لها عقب الاجراءات الاقتصادية المعادية لشركات النفط الاجنبية في العراق فقد قدم البزاز مع مجموعة من المفكرين العراقيين رسالة الى الرئيس عارف والفريق يحيى في 27/12/1967 يحذرون فيها من تفاقم خطر الوضع القائم في العراق ويطالبون بتأليف وزارة انتقالية تعمل على فترة الانتقال المنصوص عليها في الدستور المؤقت واقامة حكم ديمقراطي نيابي وإنهاء الازمة الخطيرة والتأزم النفسي الشديد الذي يعانيه الشعب . وفيما يلي نص الرسالة التي تحمل 22 توقيعا بينها توقيع البزاز :
تحية طيبة
انطلاقا من هذا الشهر المبارك الذي ترنو فيه النفوس وتتسامى واتباعا لقوله تعالى ( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واستجابة لمطالب شعبنا ورعاية لحقوقه نرى لزاما علينا نحن فريق من اتباع هذا الشعب ممن يعرف احواله ويتجاوب مع الكثرة الكاثرة من ابنائه ان نصارحكم بامور تتعلق بحقيقة الاوضاع القائمة والمشكلات الاساسية التي تتطلب الحل العاجل والدين النصيحة الافتقار الى السند الشعبي .
يمر العراق اليوم كما تمر الامة العربية كلها بمرحلة من ادق المراحل واصعبها فلقد تعرضنا لهوان ما بعده هوان بعد نكسة حزيران التي كان من اسبابها الرئيسة افتقار انظمة الحكم في عدد من الدول العربية السند الشعبي الذي لاغنى عنه في اية معركة مصيرية كالتي خاضتها الامة العربية دفاعا عن حقوقها وكيانها ووجودها .
وقد كان من اضرار فردية الحكم هذه ان جانبنا كبيرا حتى الرأي العام العالمي لم يتجاوب مع الامة العربية بما يتناسب وعدالة قضيتنا في هذه المعركة المصيرية الخطيرة وبينما نجد ان بعض الدول العربية الشقيقة قد اخذت تراجع نفسها بجرأة في بعض الاسس التي قامت عليها انظمة حكمها نجد العراق اليوم معني في هذه السياسة الشاذة حتى بدا ان الظاهرة التي يمتاز بها الحكم القائم هو القضاء على كل ما تبقى من مفاهيم الحكم الدستوري في البلاد خلافا لكل القيم الديمقراطية وقد تناست بيان الثورة الاولى الذي وعد الشعب بان الثورة انما قامت لكي تمهد الطريق امام قيام حكومة تنبثق عن الشعب وتعمل بوحي منه .
كما ان هذه السياسة الشاذة تكون خروجا على الدستور المؤقت الذي أعلن في 28/7/1958 والذي وعد الشعب بالاسراع في تشريع الدستور الدائم باستفتاء يعرب فيه الشعب بحرية تامة عن رأيه باسلوب الحكم الديمقراطي الذي يختاره لنفسه كما نص الدستور المؤقت نفسه على تحقيق سياسة الشعب والعمل على منع اغتصابها ضمان حقوق المواطنين وصيانتها .
لقد جاء الدستور المؤقت لسنة 1964 مؤكدا لها في نصوصه وفحواه والذي حدد فترة الانتقال التي كان يرجو الا يطول أمرها حيث يوضع دستور البلاد الدائم الي تكون الكلمة الاخيرة فيه للشعب .
الوضع الحاضر
واليوم وقد انقضى نحو من عشرة اعوام هالنا الوضع الذي صارت اليه شؤون هذا الوطن وروعنا الاخلال المتزايد باستقراره وساءنا ما نشهده من تردي اوضاع الحكم وضعف الشعور بالمسؤولية مما ادى الى تدني الادارة الحكومية وارتباك اجهزة الدولة نتيجة للاوضاع الشاذة التي سبقت الاشارة اليها بالاضافة الى تهديد المواطنين بارزاقهم وموارد عيشهم وابعاد عدد من اكفاء الموظفين واحلال المحسوبين والمتحزبين محلهم بالاضافة الى القضاء على حرية الصحافة ومخالفة نصوص الدستور المؤقت وروحه بشكل واضح وصريح .
ان الاوضاع التي ضج الشعب منها بامر الشكوى والفساد الذي اخذ يستشري يوما بعد يوم والتمادي في تجاهل مصالح الشعب وحقوقه الاساسية من شأنه ان يؤدي الى احداث لا تحمد مغبتها ما لم يتدارك الامر وينظر مطالب الشعب الاساسية بجد واهتمام تامين.
الاهداف الاساسية
ونرى ان الاهداف الاساسية يكمن اجمالها بما يلي :
1- تحقيق الوحدة الوطنية التي هي المنطلق الطبيعي لاية وحدة اشمل لا بالفعل وبالقول المجرد ولا يتأتى ذلك الا باحكام مبدأ سيادة القانون والقضاء على اسباب الفرقة والتمايز والتعصب والنظر الى الشعب كله نظرة واحدة بغض النظر عن معتقدات افراده واصولهم ومسالكهم وجعل مغانم هذا الوطن لهم كلهم كما تكون عليهم مغارمه وتنفيذ بيان 29 حزيران 1966 نصا وروحا بصورة كاملة وباسرع وقت مستطاع .
2- الاستمرار في العناية بالجيش من كل الوجوه وتعزيز قياداته بالاكفاء من الضباط الذين ادت ظروف الماضي الى تركهم الجيش حينما تكون الحاجة الى خبراتهم اشد ما تكون اليوم . ونحن نقارع خصما شرسا كما يجب العمل بدأب على تخليص الجيش من شؤون الامن الداخلي ليتفرغ لمهمته الاصلية الكبرى ويستعد لها الاستعداد اللازم ليحقق اخر الامر للعراق الامن التام والاحترام الدولي ويمكنه من الاسهام في معركة العرب الكبرى في فلسطين .
3- وما من شك في ان تحقيق الهدفين المشار اليهما اعلاه من شأنه ان يمهد الطريق للسير بالبلاد حثيثا لانهاء فترة الانتقال التي طال امدها وتشريع قانون جديد الانتخابات يضمن حرية الانتخاب المباشر ويعبر وبصدق عن ارادة الشعب الحرة لانتخاب مجلس تأسيسي يضع الدستور الدائم الذي يجب ان تصان فيه الحريات العامة بصورة جلية لتقدم اسس الحياة الديمقراطية السليمة في هذا الوطن .
4- وضع قانون لمحاسبة الذين اثروا على حساب الشعب باية كيفية كانت ( قانون من اين لك هذا ) وذلك لصيانة الاموال العامة ووضع حد للعبث والاستغلال والتحزب والاختلاس .
5 – اتباع سياسة واضحة المعالم في علاقاتنا العربية والخارجية بحيث يكون للعراق دوره الفعال بما يتناسب مع مطامحه وطاقاته وبذلك يظهر وجه العراق الحقيقي في السياسة الدولية . وفي المجال العربي وفي كل المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات ويستطيع العمل بصورة جدية لتحقيق وحدة الامة العربية .
6 – اتباع سياسة مالية سليمة والغاء الضرائب عن غير القادرين على دفعها وتخفيف الاعباء عن كاهل صغار الموظفين واصحاب الدخل المحدود من العمال والفلاحين وضمان مكاسبهم وايجاد موارد حقيقية للدولة من ثروات البلاد الطبيعية وتمكين الشعب من الاطلاع على ما يجري بهذا الشأن بصورة جلية كاملة والاستنارة باراء ذوي الخبرة كافة وتحقيق مبادىء العدالة الاجتماعية على اساس من سياسة اقتصادية رشيدة.
وزارة إنتقالية
ونود في الختام ان نؤكد لكم ايها السيد الرئيس ان النهوض بهذه المهام الجسام لا يتأتى الا عن طريق وزارة انتقالية تعمل على انهاء فترة الانتقال والعمل على اقامة حكم ديمقراطي نيابي وانهاء الازمة الخطيرة والتأزم النفسي الشديد الذي يحسه الشعب وتفاديا للهزات والفتن التي لن تصيب الذين ظلموا منا خاصة .
والسلام على من القى السمع وهو شهيد
التواقيع
الدكتور عبد الرحمن البزاز. طالب مشتاق . الحاج نعمان العاني . سلمان الصفواني. الدكتور عبد الحميد الهلالي . الدكتور سليم النعيمي. الدكتور احمد كمال عارف . الدكتور علي الصافي . السيد مظهر العزاوي . الدكتور خالد الهاشمي . نجيب الصائغ . السيد حسين جميل . عامر حسامي . أحمد عدنان حافظ . شاكر ماهر المحامي . حسن عباس الربيعي. نور الدين الواعظ . ابراهيم الراوي . فائق السامرائي . عبد اللطيف البدري . حسن الثامر. شكري صالح زكي.
وفي كتاب البزاز ( صفحات من الامس القريب ، ثورة العراق هل كانت حتمية ) كتب معظم فصوله في اواخر عام 1956 كما يقول في مقدمة الكتاب( كتبت معظم فصـول الكتاب وانا مقيـد الحرية في مـوقف شرطـة (بغداد الجديدة ) او في مدينتي ( بنجوين ) و( تكريت ) اذ فيها تحددت اقامتي مع فريق من زملائي من رجال التعليم العالي ، وكان ذلك في الفترة التي كان نفوذ ( العهد السعيدي ) في العراق قد بلغ خلالها ذروته . فقد كان حلف بغداد لم يزل قويا فعالا وكانت الملكية في العراق تبدو مستقرة ثابتة. وكان في البلاد شيء من الرفاه النسبي . وكانت دول الغرب تعتقد ان الازمة الشديدة التي تعرض لها الحكم في العراق ، بسبب حرب السويس ، والعدوان الثلاثي على مصر ، قد مرت بسلام وان ( الرجل الحديدي ) هكذا كانوا يلقبون نوري السعيد صحفهم ومجلاتهم- قد وفق لاقرار السكينة، واعادة النظام على الوجه الامثل الذي يودون ) ص5
كان البزاز احد اولئك الذين بذلوا جهدا كبيرا في سبيل وطنهم وامتهم اولئك الذين عانوا المرارة والاسى من اصحاب الشعارات الفارغة . انه احد اولئك النفر الكريم من البناة الاباة الذي كان يحمل مشروعا نهضويا حضاريا للعراق لانه كان يحتكم العقل لا العاطفة والحقيقة لا الخيال ويضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة. لكنه لم يستطع فجرفته موجة الجهل والعقوق والجحود والنكران موجة التخريب والاحقاد والفساد والالحاد موجة الشعارات موجة البيع والشراء للحناجر وللاقلام والضمائر الفاسدة العفنة في زمن الخطب الطنانة التي تعمل في الشعب تفريقا وتمزيقا وتنكيلا وتضليل. فاصبحنا كما يقول البزاز "أمة تنكرت لماضيها فانكسرت مواضيها" ، أمة تخلت عن تراثها وتاريخها وتقاليدها واخلاقها وقيمها وتراثها فتخلى الله عنها فتهاوت عليها الضربات .
وفي كتابه ( العراق من الاحتلال حتى الاستقلال) يؤكد البزاز على ضرورة تدوين التاريخ والتاريخ الحديث خاصة لان تاريخ اية امة من الامم او حكومة من الحكومات كما يقول البزاز يتصل اتصالا مباشرا بعلاقتها بالامم والحكومات الاخرى وكثيرا ما تكون المشكلات الكثيرة التي نجمت عن تلك العلاقات حية قائمة تنتظر الحل . ويصعب جدا ان يتجرد المرء عن عواطفه ومصالحه القومية وتفكيره السياسي السالف
ويرى البزاز انه عند بيان وجهات النظر المختلفة التي لا بد منها في تدوين التاريخ المعاصر وعلى هذا فربما يكون الباحث اقرب الى الحياد في دراسته علاقة بلاده مع البلاد الاخرى قبل مدة طويلة وخاصة حينما لا تبقى مصالح قائمة بين دولته وتلك الدول .
ويقول البزاز ( وعلى الرغم من هذه الصعوبات فلا بد لكل امة ولا بد لكل دولة ان تدون تاريخها الحديث الذي هو نتاج الماضي ومقدمة المستقبل . ولا بد لابنائها وعلى الاخص اجيالهم الصاعدة ان يلموا بتلك الحوادث بل ويستفيضوا في بحثها ودراستها وتمحيصها )( ص 18).
واضاف البزاز( ولا بد لنا نحن ابناء الامة العربية من دراسة تاريخ دولنا العربية جملة وتفصيلا الى أن نصبح دولة واحدة ، كما أننا امة واحدة .وقد تهدينا هذه الدراسة الى السبل القويمة التي يجب علينا ان نسلكها لبلوغ امانينا على الوجه الاتم ) ( ص 18).
وقال البزاز ( ويخيل اليّ أنه لا غنى عن دراسة تاريخنا الحديث دراسة علمية موضوعية مجردة عن العواطف الشخصية، على أن هذا يتطلب من الباحث المؤرخ أول ما يتطلب ثلاث صفات ( عقل العالم وروح القاضي ومشاعر الاديب . فالفعل العلمي يعينه في جمع الحقائق وتصنيفها واستنباط النتائج الصحيحة التي لاتتأتى الا باصطناع الطريقة العلمية في الفحص والتمحيص والتقاط الجوهري والتمييز بينه وبين الشيء العرضي).وروح القاضي تتطلب منه الحياد فيما يعرض عليه من وقائع واحداث وتلزمه العدل فيما يصدر من مقررات واحكام . ومشاعر الاديب تمكنه من تقصي معاني الاشياء على وجهها الحقيقي ترغم من يخالطها احيانا من صور مشوهة وتعينه في صوغ ما يعالج باسلوب فني جميل يساعد القارىء في تكوين صورة كاملة محكمة غير مشوهة )( ص19).
وقال البزاز ( ولا أشك لحظة في ان تاريخ العراق الحديث يكشف عن صور شبيهة بما يراها أبناء العروبة في أقطارهم الاخرى ويدل على مشكلات هي الى حد ما بعيد المشكلات التي تعاني منها الاقطار العربية الاخرى على نحو ما وفي هذا دليل اخر على ان البلاد العربية ليست وحدة باعتبار اللغة والتاريخ والمصلحة المشتركة والاماني المستقبلية فحسب بل انها لذلك وحدة من ناحية ( الجرح ) و( الآلآم) ولله درّ أمير الشعراء حينما قال
فنحن في الشرق والفصحى بنو رحم ونحن في الجرح والآلآم إخوان ( ص 20 ).

في عام 1953 كان البزاز يعمل حاكما منتدبا للعمل في ديوان التدوين القانوني وفي ذلك الوقت تلقى دعوة من ادارة معهد الدراسات العليا في القاهرة الذي كانت جامعة الدول العربية قد انشأته حديثا تدعوه لالقاء محاضرات على طلاب المعهد من مختلف ابناء الامة العربية بهدف إعدادهم إعداداً علمياً مزودين بالمعلومات اللازمة عن وطنهم العربي الكبير في شتى مناحي حياته .
يتحدث البزاز في كتابه ( العراق من الاحتلال حتى الاستقلال) فيقول (لقد شعرت حين إستلامي تلك الرسالة المفاجئة بمشاعر مزيجة من الفخار والاشفاق . فخار مرجعه أن ينيط بي ذلك المعهد مهمة القاء محاضرات على طلابه وإشفاقاً مرجعه أن المهمة التي يراد مني الاضطلاع بها حديثة عليّ وغريبة بعض الشيء عن مناحي إختصاصي ، فلستُ مؤرخاً ولا أستاذ تاريخ كما لم يسبق لي الكتابة أو التأليف الجدي في مثل هذا الموضوع وأخذتُ بطبيعة الحال أسأل نفسي كيف يتأتى لي إنجاز ما يراد مني في الحدود التي تتناسب مع معهد عالٍ لا يقبل فيه من الطلاب إلا من سبق له أن تخرج في جامعة ونال شهادة عالية. ( ص 5)
ويضيف البزاز ( ومهما يكن من أمر وعلى الرغم من التردد في المرحلة الاولى فقد عقدتُ العزم على أن أستجيب لتلك الدعوة المشرفة وأن أبذل قصارى جهدي في إعداد المحاضرات . وطبيعي أن ذلك كان يقتضيني أن أعيد قراءة ما سبق لي قراءته عن العراق الحديث وتكوينه السياسي قراءة جدية فاحصة . وشتان ما بين قراءة المثقف العادي الذي يشارك في مناحي عديدة من المعرفة الانسانية ويريد أن يلم جملة بما يقرأ بغية الاطلاع العام العابر. والمؤلف الذي يراد منه أن يكتب في موضوع يلقيه محاضرات على طلاب ناضجين يناقشونه ويسائلونه فيما يلقي عليهم . وكان لزاماً علي فوق ذلك مطالعة كتب ووثائق وتقارير لم أكن قد قرأتها من قبل والبحث في أشياء لم يكن من السهل علي يومذاك جمعها وتنسيقها بشكل علمي مقبول( المصدر السابق ص 6).

حركة 18 تشرين الثاني 1963

بعد أن قاد الرئيس عبد السلام عارف انقلابه في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1963 الذي اطاح بسلطة حزب البعث التي جاءت به الى الرئاسة معتمدا على العناصر القومية عامة والناصرية خاصة اتجهت سياسته نحو القاهرة في كل الميادين ولكن عارف اخذ يبتعد عن موقفه السابق وصار يميل الى تقارب اكثر واقعية وعلى مراحل مما ادى الى ابتعاد القوى الناصرية عنه وقدم عدد من الوزراء استقالاتهم يوم 10/7/1965 بصورة جماعية من حكومة الفريق المرحوم طاهر يحيى وهم :
1. المقدم صبحي عبد الحميد وزيرا الداخلية
2. عبد الكريم فرحان وزير الثقافة والارشاد
3. الدكتور اديب الجادر وزير الصناعة
4. الدكتور عزيز الحافظ وزير الاقتصاد
5. عبد الستار علي الحسين وزير العدل
6 . فؤاد الركابي وزير الشؤون البلدية والقروية . هذا اضافة الى مدير الاستخبارات العسكرية هادي خماس ومدير الحركات العسكرية مجيد محمد . وعميد الجو قائد القوة الجوية عارف عبد الرزاق .
يتحدث عبد الكريم فرحان في كتابه(حصاد الثورة) عن اسباب استقالته فيقول( لقد اصبحت الوحدة العربية مجرد شعار ولافتة ترفع في الاحتفالات والمهرجانات والاعياد القومية . واصاب الشلل مجلس قيادة الثورة )
ويضيف الفرحان الذي قدم استقالته من وزارة الثقافة والارشاد ( ازداد تدخل موظفي القصر الجمهوري في شؤون الاذاعة والتلفزيون وبخاصة الرائد عبد الله مجيد مرافق رئيس الجمهورية الذي اتاح له مركزه التاثير على بعض موظفي المؤسسة )
في حينه حاول الرئيس عبد الناصر القيام بالوساطة بين العناصر القومية التي قدمت استقالاتها وبين الرئيس عارف وأنه أوفد سراً الى بغداد المشير عبد الحكيم عامر مساء يوم 6/7/1965 وامضى ساعات إجتمع خلالها مع الرئيس عارف وبحث معه في الازمة الوزارية وقضية الاكراد . وقيل أن عامر طلب من الوزراء العودة عن استقالاتهم خشية تصدع جبهة الحكم الا ان الوساطة هذه لم يكتب لها النجاح وظلت الازمة تتفاقم مما اضطر عارف الى اصدار مرسوم جمهوري بتعيين وزراء اخرين حلوا محل الوزراء المستقيلين بعد ان اذاع مرسوما بقبول استقالة الوزراء المذكورين. والوزراء الجدد هم :
1- عبد اللطيف الدراجي وزيرا للداخلية حيث كان يشغل منصب سفير العراق لدى تركيا .
2- خضر عبد الغفور وزيرا للتربية .
3- الدكتور جميل الملائكة وزيرا للصناعة .
4- الدكتور كاظم عبد الحميد وزيرا للاقتصاد .
5- السيد احمد الحبوبي وزيرا للشؤون البلدية والقروية .
وكان هؤلاء الوزراء يمثلون الاتجاه القومي المستقل والمعتدل .

إستقالة حكومة الفريق طاهر يحيى

ظلت حكومة الفريق طاهر يحيى تصدر دون تردد البيانات التي تعد فيها الشعب بتحقيق العدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي في ظل الاشتراكية اكثر مما كان يمكن لها ان تحققه بالفعل وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الفريق يحيى حاول تشجيع الكفاءة الادارية أملا في أن يؤدي الاستقرار السياسي الى تحسين الاوضاع الاجتماعية ولكن فشله في التوفيق بين الفئات المتنافسة منعه من تحقيق هدفه وترك أثراً عكسياً في هيبة الوزارة . وكان من تدهور الاوضاع ما جعل الفئات العقائدية تلح وجوب تنفيذ البرنامج الاشتراكي تنفيذا كاملا وفي تحقيق الوحدة العربية ورائدهم من ذلك الابقاء على السلطة في ايديهم . وإتخذ رئيس الوزراء الفريق يحيى التدابير لتنفيذ بعض الاصلاحات عسى أن يكون في ذلك ما يخفف من حدة النقد الذي تعرّض له ولكن هذه التدابير تسببت في مزيد من خيبة الامل والاضطراب الاجتماعي . فقد أجرى الفريق يحيى تعديلاً على وزارته في حزيران /يونيو 1964 دخل الوزارة على اثره عدد من القوميين الناصريين بغية تعزيز العلاقات بين العراق والجمهورية العربية المتحدة وزادت حدة المعارضة لقرارات التاميم كما زادت موجة النقد الموجهة للحكومة مما أرغمها على الاستقالة في تشرين الثاني /نوفمبر 1964 لكن الرئيس عبد السلام عارف كلف الفريق يحيى مرة أخرى بتشكيل حكومة جديدة إلا أن أعضاء الحكومة الجديدة لم يتوقفوا عن منازعاتهم العقائدية والشخصية . وفي محاولة من الرئيس عارف للحد من التكتلات داخل الجيش وإنشاء نظام حكم مدني لتثبيت سلطته من خلال الحد من نفوذ الضباط المتنافسين . وقد قاومت تلك المجموعة من الضباط المعروفين بالناصريين رغبة الرئيس عارف في السيطرة على الجيش بحجة أنه يكثر من الحديث عن الوحدة العربية دون أن يعمل لها بإيمان الواثق بها . وتغيرت نظره هؤلاء الضباط الى عارف فأصبح في نظرهم ضابطاً مغامراً يسعى لتثبيت حكمه الشخصي . وبالفعل فقد كان عارف يتدخل في المسائل الادارية فيصدر الاوامر مباشرة الى موظفين في الوزارات متجاوزاً بذلك الوزراء وبشكل خاص العقيد صبحي عبد الحميد وزير الداخلية والعقيد عبد الكريم فرحان وزير الارشاد كما حاول عارف الحد من نفوذ الوزراء بان عين ضباطا موالين في مراكز رئيسة ونقل الناصريين الى مراكز أقل مسؤولية . ومن هنا رأى العقيد صبحي عبد الحميد والعميد عبد الكريم فرحان في مسلك عارف ما يكشف عن رغبته في محاكاة عهد عبد الكريم قاسم الذي نفر منه الجميع وتفاقمت الامور خلال مفاوضات النفط مع شركة نفط العراق التي كانت قد وصلت الى مرحلة إتفاق تام تقريبا والتي إعترض عليها الناصريون وبذلك بلغت الخلافات بين عارف والضباط الناصريين ذروتها حين أقدم هؤلاء في العاشر من تموز 1965 على الاستقالة وحلّ الرئيس عارف محلهم ستة وزراء ممن عرفوا بتأييده وبذلك أصبح موقعه أقوى من قبل رغم قوة الضباط الناصريين التي ظلت قوية داخل الجيش حيث حاول عارف أن يحطمها من خلال إقناع عميد الجو عارف عبد الرزاق قائد القوة الجوية والشخصية المحبوبة بين العسكريين بترؤس حكومة جديدة تخلف حكومة الفريق يحيى إضافة الى أن الرئيس عارف حاول تجنب القطيعة التامة مع الناصريين فعرض الأمر على عارف عبد الرزاق لرئاسة الحكومة نظراً للروابط التي تربطه بالمرحوم باسل الكبيسي عن طريق سعيد صليبي قائد موقع بغداد وعبد الحميد قادر مدير الشرطة العام اللذان عهد اليهما الرئيس عبد السلام بنقل رسالته ووافق عارف عبد الرزاق شريطة ان يحتفظ بمنصب قائد القوة الجوية بالاضافة الى منصب رئاسة الوزارة ومنصب وزير الدفاع . وقبل الرئيس عارف بهذا الشرط كما رضي عارف بهذا التدبير لانه سيضع الجيش تحت اشرافه وسيزداد تأثيره في الشؤون العامة .
في البداية ابدى عارف عبد الرزاق اعتذاره عن تولي رئاسة الوزارة لسعيد صليبي الذي ارسله الرئيس عبد السلام عارف واتصل عارف عبد الرزاق بالسيد محمد مهدي كبة زعيم حزب الاستقلال وعضو مجلس السيادة الذي تشكل عقب ثورة14 تموز/يوليو 1958 الا ان السيد كبة اعتذر هو الاخر ثم عرضها على ناجي طالب الذي اشترط ان يكون طاهر يحيى نائبا لرئيس الجمهورية واخيرا قبل عارف عبد الرزاق تشكيل الوزارة التي اصبح فيها البزاز نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية.
وكان للعميد عارف عبد الرزاق ما أراد وشكلّ الحكومة الجديدة التي تولى فيها إضافة الى رئاستها وزارة الدفاع وقيادة القوة الجوية . وشغل عبد الرحمن البزاز الذي كان يشغل آنذاك سفير العراق لدى المملكة المتحدة منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
ففي 6/9/1965 بعث الرئيس عبد السلام عارف برسالة تشكيل الوزارة الجديدة الى عارف عبد الرزاق طلب فيها منه مراعاة أمور منها :
= العمل على تحقيق الرفاه لابناء الشعب في ظل اشتراكية عربية رشيدة .
= رعاية الجيش والقوات المسلحة .
وتم تشكيل الوزارة الجديدة على الشكل التالي :
1. عارف عبد الرزاق رئيسا للوزراء وزيرا للدفاع بالوكالة .
2. عبد الرحمن البزاز نابا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية ووزيرا للنفط بالوكالة
3. سلمان عبد الرزاق الاسود وزيرا للمالية .
4. عبد اللطيف الدراجي وزيرا للداخلية .
5. حسن محمد السعيد وزيرا للعدل .
6. خضر عبد الغفور وزيرا للتربية.
7. جمال عمر نظمي وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية .
8. الدكتور عبد اللطيف البدري وزيرا للصحة .
9. الدكتور محمد ناصر وزيرا للثقافة . علما ان الدكتور ناصر كان يشغل انذاك سفير العراق لدى موسكو .
10. اسماعيل مصطفى وزيرا للمواصلات ووزيرا للشؤون البلدية والقروية بالوكالة .
11. اكرم الجاف وزيرا للزراعة .
12. الدكتور عبد الرحمن خالد القيسي وزيرا للاصلاح الزراعي ووزيرا للاوقاف وكالة .
13. السيد جعفر علاوي وزيرا للاشغال والاسكان .
14. السيد شكري صالح زكي وزيرا للاقتصاد .
15. السيد مصطفى عبد الله وزيرا للصناعة وزيرا للتخطيط بالوكالة .
16. الدكتور عبد الرزاق محي الدين وزيرا للوحدة .
17. السيد سلمان الصفواني وزيرا للدولة .
وهكذا شكل عارف عبد الرزاق حكومته الجديدة في 6 ايلول/سبتمبر وكان معظم وزراء الحكومة الجديدة من سماهم الرئيس عبد السلام عارف واصر على اشراكهم تمهيدا لنظام حكم مدني ويتطلع الى تكليف احد المدنيين بتشكيل الحكومة ولم يكن هذا سوى عبد الرحمن البزاز سفير العراق في لندن واحد اصدقاء الرئيس عارف المقربين والذي اصبح نائبا لرئيس الوزارة الجديدة وكان معظم افراد الوزارة جدد لاول مرة ولم يكن بينهم سوى خمسة ممن شغلوا مناصب وزارية في الماضي .
وفي اليوم التالي أي في 7/6/1965 صدر قانون الغاء قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم 61 الصادر في 4/4 /1963 والغاء كل نص في القوانين الاخرى التي تتعلق بالمجلس الوطني لقيادة الثورة التي نصت على ان يتكون من أعضاء لا يزيد عددهم على عشرين عضواً. ويحق له في مادته الاولى باكثرية ثلثي الاعضاء ضم عضوا أو أكثر الى عضويته ويتولى المجلس في مادته الثانية السلطة التشريعية وله حق وضع القوانين والانظمة والتعليمات والاوامر وغيرها والاشراف على رئاسة اركان الجيش وشؤون الدفاع واجهزة الاستخبارات العسكرية والامن العام ويحق له تاليف الوزارة وقبول استقالتها كلها او بعضهاولا ينفذ حكم الاعدام الا بعد تصديق المجلس له وكذلك يحق له تبديل او تخفيف العقوبة ورفعها بعفو خاص .
وفي اليوم نفسه نشر في الجريدة الرسمية تعديل تسعة مواد من الدستور المؤقت حيث اقرت المادة 19 المعدلة الحقوق القومية للاكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية متآخية.
فقد جاء في تعديل الدستور المؤقت الصادر في 9/9/1965 وفي المادة السادسة منه ما يلي( تستبدل عبارة مجلس الوزراء بعبارة المجلس الوطني لقيادة الثورة الواردة في آخر المادة 51 ).كما جـاء فـي المادة العاشرة منه ما يلي ( تلغى عبارة المجلس الوطني لقيادة الثورة وتحل محلها عبارة مجلس الوزراء الواردة في اخر المادة 60). وجاء في المادة الحادية عشرة ما يلي ( تلغى المادة 63 المعدلة من الدستور المؤقت ويحل محلها ما يلي:
المادة 63 – تناط السلطة التشريعية بمجلس الوزراء خلال فترة الانتقال ) كما صدر في 11/9/1965 قانون مجلس الدفاع الوطني الذي تقرر بموجبه الغاء قانون مجلس الدفاع الاعلى رقم 15 لسنة 1937 والانظمة الصادرة بموجبه . حيث تنص المادة الاولى من القانون أن رئيس الجمهورية يشكل مجلس دفاع وطني يتألف من اعضاء اصليين واعضاء اضافيين ويتولى رئاسته . فالاعضاء الاصليون هم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية ورئيس اركان الجيش وقائد القوة الجوية وقائد القوة البحرية . اما الاعضاء الاضافيون فهم وزراء الاقتصاد والمواصلات والتخطيط والثقافة والارشاد وقادة الفرق العسكرية ومعاونا الاركان وقائد موقع بغداد . وتتناول المادة الثانية واجبات المجلس التي تتلخص في وضع سياسة الدفاع عن البلاد والشؤون الخاصة بالامن الداخلي بالاضافة الى وضع التعبئة الاقتصادية في زمن السلم للاشراف على تنفيذها في زمن الحرب .
كما صدر في اليوم نفسه قانون مجلس الدفاع الوطني الذي تقرر بموجبه الغاء قانون مجلس الدفاع الاعلى رقم 15 لسنة 1937 والانظمة الصادرة بموجبه . حيث تنص المادة الاولى من القانون أن رئيس الجمهورية يشكل مجلس دفاع وطني يتألف من أعضاء أصليين وأعضاء إضافيين ويتولى رئاسته .
وتتناول المادة الثانية واجبات المجلس التي تتلخص في وضع سياسة الدفاع عن البلاد والشؤون الخاصة بالامن الداخلي بالاضافة الى وضع التعبئة الاقتصادية في زمن السلم للاشراف على تنفيذها في زمن الحرب .

في العاشر من ايلول /سبتمبر من العام نفسه وجه الملك الحسن الثاني الدعوة الى الرئيس عبد السلام عارف لحضور اجتماعات القمة العربي الثالث في الدار البيضاء.
وفي اليوم التالي اذاع راديو بغداد مرسوما جمهوريا بتشكيل مجلس جمهوري اثناء غياب عارف عن العراق برئاسة عارف عبد الرزاق وعضوية عبد الرحمن عارف وكيل رئيس الاركان وعبد اللطيف الدراجي وزير ا للداخلية
لكن هذا الاجراء بدلا من ان يقرب المسافة بين الرئيس عبد السلام عارف والعناصر الناصرية دفع خلافاتهم الى نقطة اللاعودة . فقد حاول عبد السلام عارف قبيل سفره الى الدار البيضاء لحضور اجتماعات القمة العربية الثالث ان يختبر رئيس وزرائه عارف عبد الرزاق فطلب منه ابعاد العقيد محمد مجيد عن منصب معاون رئيس الاركان ونقل العقيد عرفان عبد القادر وجدي آمر الكلية العسكرية والعقيد محمد يوسف مدير الحركات العسكرية في الاركان الى خارج بغداد . وكان جميع هؤلاء من القياديين في تنظيم الضباط القوميين ومن الذين سيعتمد عليهم عارف عبد الرزاق في الانقلاب.
يقول محمد باروت في كتابه عن حركة القوميين العرب( لجأ الرئيس عبد السلام عارف ازاء ذلك الاسلوب الذي عرف اتقانه وهو اسلوب المناورة فكلف عميد الجو عارف عبد الرزاق بتشكيل وزارة خلفا لحكومة طاهر يحيى التي جرى ترحيلها ) .
ويضيف باروت (كان أسلوب شق الكتل واللعب بتناقضاتها ثم توجيه الضربة المفاجئة بمهارة عارفية تمرّس بها عارف واعتز بها علنا، ومن هنا كانت كل مبادراته موضع شك وحذر وتخمين من قبل معارضيه، ولعبت عيون الرئيس عارف على عارف عبد الرزاق واثارت لديه شهيه إستخدامه في مناوراته فقد كان عارف عبد الرزاق في النهاية بالنسبة لعبد السلام عارف من لواء الدليم فتعمد الرئيس عارف ان يكون الوسيط بينه وبين عارف عبد الرزاق العميد سعيد صليبي الجميلي آمر الانضباط العسكري الشديد الولاء للرئيس عارف والصديق الحميم لعبد الرزاق في آن واحد، فقد كلف الرئيس عارف سعيد صليبي في ايار / مايو 1965 لاقناع عبد الرزاق بتشكيل حكومة جديدة، الا ان عارف عبد الرزاق شعر انه يراد له ان يكون مخلب قط في لعبة الرئيس عارف ضد كتلة العسكريين نفسها اي كتلة الضباط القوميين فكتم الامر الا انه أبلغ كتلته بضرورة التخلص من الرئيس عارف حين سيحضر مؤتمر عدم الانحياز/ يونيو 1965 في الجزائر . وقد قدم الرئيس عارف الى عبد الرزاق عرضا مغريا اذا وافق على ان يحتفظ عبد الرزاق بوزارة الدفاع اضافة الى رئاسة الحكومة وان تكون مهمة حكومته وضع اسس جديدة للاتحاد الاشتراكي العربي والالتزام ببيان القيادة السياسية الموحدة. وبذلك اراد الرئيس عارف ضرب عصفورين بحجر واحد غير ان القوميين لم يأخذوا إغراءات الرئيس عارف مأخذ الجد واعتبروها مناورة تكتيكية من مناوراته الا أنهم أيضا دفعوا عارف عبد الرزاق الى قبول بهذا المنصب جزء من خطة انقلابية اعدها القوميون واعدتها بشكل محدد كتلة صبحي عبد الحميد العسكرية وحركة القوميين العرب )( ص 281 – 282 ).


المحاولة الانقلابية الفاشلة الاولى

واطمأن الرئيس عارف نسبيا الى رئيس وزرائه في الاختبار وحمله اداء قسم الولاء له ابان غيابه في الدار البيضاء مما اوقع عارف عبد الرزاق في مأزق بين تنظيمه وبين عارف . وتقدمت حركة القوميين العرب بحل لهذا المأزق في التسريع بالانقلاب والقيام به فورا ابان غياب الرئيس عارف.

وكان مقررا ان يتم الانقلاب يوم الخميس 15 ايلول /سبتمبر 1965 الا ان تعديل الخطة تم ظهر يوم الاربعاء 14 ايلول بسبب انتشار خبر الانقلاب المزمع .
وبدأت هذه العناصر التخطيط للاطاحة بالرئيس عارف حيث ان الخلافات قد نشبت بين العميد عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء الذي خلف الفريق طاهر يحيى وبين الرئيس عبد السلام عارف حول طبيعة العلاقات بين العراق والجمهورية العربية المتحدة اذ ان عارف عبد الرزاق كان يريد اعلان الوحدة فورا مع الجمهورية العربية المتحدة بينما الرئيس عارف كان يفضل التريث وقيام اتحاد بين البلدين اولا وقبل الوحدة الشاملة.
كان رئيس الحكومة عارف عبد الرزاق يخطط لما هو ابعد من رئاسة الحكومة فترك تصريف الامور الروتينية الى نائبه ووزير الخارجية عبد الرحمن البزاز . وغادر الرئيس عارف الى الدار البيضاء لحضور مؤتمر القمة العربي المقررعقده في 12ايلول يرافقه نائب رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز وكان اعتقاده ان عارف عبد الرزاق راض عن اسلوب العمل . إلا أن الرئيس عارف ما ان غادر بغداد حتى راح العميد عارف عبد الرزاق والفريق الناصري الذي استقال افراده من الوزارة السابقة العمل للقيام بانقلاب ضد الرئيس عارف . ووضعوا خطة يقوم بها هؤلاء الضباط بموجبها بالانقلاب العسكري يتسلم خلاله عارف عبد الرزاق رئاسة الجمهورية ثم يطلبون من الرئيس عبد الناصر تحقيق الوحدة الفورية.
ونتيجة للخلافات المتفاقمة بين عميد الجو عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء وبين الرئيس عبد السلام عارف فقد قامت محاولة الانقلاب التي قادها رئيس الوزراء عارف عبد الرزاق منتصف ايلول/سبتمبر 1965 أي بعد أقل من عشرة أيام على توليه رئاسة الحكومة مستغلاً غياب الرئيس عارف عن العراق لحضور اجتماعات مؤتمر القمة العربي الثالث في الدار البيضاء . فتحركت دبابات من معسكر ابي غريب بقيادة العميد محمد مجيد معاون رئيس اركان الجيش ومعه العميد عرفان وجدي عبد القادر آمر الكلية العسكرية ومهمتهما تطويق محطة الاذاعة في ابي غريب ، لكن اللواء عبد الرحمن عارف وكيل رئيس اركان الجيش والعقيد سعيد صليبي آمر الانضباط العسكري وآمر موقع بغداد والعقيد عبد المجيد السامرائي مدير الشرطة العام اصدروا اوامرهم لقواتهم بالتصدي للمحاولة . وهنا وجد عارف عبد الرزاق نفسه في شرك أعدائه وتمكن من الهرب الى القاهرة بطائرة عسكرية ومن هنا أيضا جاءت الفرصة للرئيس عارف للتخلص من الفريق العسكري المنافس باسرع مما كان متوقعا والمجىء بحكومة مدنية وكان عبد الرحمن البزاز هو الرجل القادر على ادارة البلاد إدارة مدنية وجعل القانون هو الحاكم وليس غيره.
وكان المسؤولون في بغداد قد التزموا الصمت حيال المحاولة التي جرت ولم يعلنوا عنها الا يوم 19/9/1965 حين اذاع راديو بغداد مساء ذلك اليوم بيانا جاء فيه ( أن نفراً من المغامرين حاول مساء الاربعاء الماضي القيام بحركة تخل بالامن وسلامة الدولة )
وقال البيان ( ان القوات المسلحة احبطت المحاولة بعد فترة قصيرة دون اراقة دماء وان عدد القائمين بالحركة فروا الى خارج العراق كما القي القبض على الباقين حيث يجري التحقيق معهم)
واعلن البيان ان الامن مستتب في جميع انحاء البلاد .
ووصف الرئيس عبد السلام عارف المحاولة الانقلابية التي وقعت بانها عمل صبياني لم يؤيده أحد . وقال ان كل محاولة في هذا السبيل محاولة خائنة ولطخة عار في تاريخ ثورتنا .
واضاف الرئيس عارف في مقابلة مع صحيفة المنار الاسبوعية البغدادية نشرت في 19/9/1965 أنه تم القضاء على هذه المحاولة في لحظات وان الوضع هادىء في جميع انحاء العراق .
وعلى اثر فشـل محاولة عارف عبـد الرزاق قالت صحيفة التايمز اللندنية في عددها الصادر في 18/ 9/1965 انه من المشكوك به ان يكون حماس الرئيس عبد الناصر لاقامة اتحاد فوري بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق بقدر حماس أنصاره في بغداد .
وقالت ان العميد عارف عبد الرزاق يعتبر من الناصريين بمعنى انه ليس من المعجبين بشخصية الرئيس المصري وسياسته فحسب بل انه يرغب كذلك الاسراع في اقامة الاتحاد بين مصر والعراق وهو الامر الذي اتخذت بشأنه بعض الخطوات الاختبارية .
وقالت التايمز : وقد ازداد التحالف السياسي في العراق تعقيداً منذ الاطاحة بالفريق عبد الكريم قاسم في شباط/فبارير 1963 واصبح من بقي من الضباط السياسيين ينحصر في التحالف حول العلاقات مع مصر ومن المشكوك فيه ان يكون حماس عبد الناصر الى اقامة اتحاد فوري بين البلدين كحماس بعض انصاره في بغداد وان الاكثرية من العراقيين قد ترغب في الانتظار سنة او سنتين حتى يتم الوصول الى نوع من الاستقرار .
صحيفة العمل والعمال البغدادية في العراق اتهمت حركة القوميين العرب بالقيام بالحركة الانقلابية الفاشلة التي قادها عارف عبد الرزاق ووصفتهم بعملاء جورج حبش وقالت عنه عميل الدوائر الاستعمارية الاجنبية وقالت في عددها الصادر يوم 17 /10/1965( لقد اجتمع حقد الشعوبيين الحاقدين واعداء امتنا العربية مع فئات صغيرة تطلق على نفسها اسم – القومية – زورا وبهتانا ، فقد التقى هؤلاء مع اعداء شعبنا يدا بيد من شتى الفصائل والهويات لا لغرض قومي نبيل بل من اجل التسلط على هذا الشعب والاستئثار بالحكم ليعودوا بالعراق من جديد الى التجارب المرة التي مرت عليه في ظروف سابقة ذاق الشعب مرارتها كؤوسا مترعة)
واضافت الصحيفة العمالية( فبينما كان الرئيس البطل عبد السلام عارف في مؤتمر القمة العربي يعمل من اجل التضامن العربي ودفع الامة العربية الى ميدان العمل الواحد لاسترداد فلسطين وتحرير الاجواء العربية من السيطرة الاستعمارية ، استغل هؤلاء الذين يطلقون على انفسهم – حركة القوميين العرب- غياب السيد الرئيس بالتعاون مع بعض المغامرين من ذوي الضمائر الميتة التي تدرك المصلحة القومية العليا فوضعوا مخططا كاملا للتامر على كياننا الثوري العتيد الا ان العيون المخلصة كانت تراقبهم وتحصي حركاتهم وسكناتهم وما كادوا يبدأون تنفيذ مخططهم الاجرامي حتى احبطت المؤامرة خلال لحظات وكنسوا باسرع مما كان متوقعا وذلك بفضل جهود المخلصين من رجال قواتنا الوطنية المسلحة وقادتها الغر الميامين)
وقالت الصحيفة( ان هؤلاء يسمون انفسهم بحركة القوميين العرب ومن لف لفهم لن يستطيعوا اخفاء علاقاتهم بالدوائر الاستعمارية والمخابرات الاجنبية والاموال الطائلة التي حصلوا عليها من الجهات المشبوهة بقصد تنفيذ مؤامراتهم الدنيئة هذه والتي دلتنا المعلومات الاولية التي رافقت اكتشافها مدى العلاقة الوثيقة بين هذه الفئة الضالة والجهات المتعاونة معها والمرتبطة بحلف السنتو ودوائر التجسس الامريكية وكذلك الارتباط المشبوه بينها وبين الرجعية المحلية التي مولتها بالمال والسلاح).
حين ارتقى البزاز رئاسة الوزارة بعد إحباط محاولة عميد الجو عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء في منتصف ايلول /سبتمبر اعلن عن تشكيل وزارة جديدة برئاسة البزاز الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في 21/9/1965 حيث جاء في مرسوم جمهوري اصدره الرئيس عبد السلام عارف تشكيل الوزارة ما يلي:
بناءا على فرار عارف عبد الرزاق واستنادا للصلاحية المخولة لنا حسب المادة الثالثة والاربعين من الدستور المؤقت ونظرا لما تقتضيه المصلحة العامة فقد اعفيناه من رئاسة الوزارة .
واذاع راديو بغداد نص كتاب التكليف الموجه من الرئيس المشير عبد السلام عارف الى البزاز جاء فيه:
نظراً لاقصائنا عارف عبد الرزاق بناءا على فراره ولما كنتَ نائبا لرئيس الوزراء في الوزارة السابقة وكذلك على علم تام بتصميمنا على تنفيذ المواد التي اوردناها ولزمنا بها الوزارة السابقة فاننا على ثقة بكم نعهدُ اليكم برئاسة الوزارة على أن تعرض علينا أسماء زملائكم الوزراء .
وما ان تخلّص الرئيس عارف من معارضيه القوميين – كتلة الضباط وحركة القوميين العرب – بنتائج فشل انقلاب 15 ايلول/سبتمبر حتى شرع بتوجيه عبد الرحمن البزاز في كتاب تكليفه في 21 ايلول/سبتمبر لتصفية الحساب مع الشخصيات القومية الناصرية المسؤولة عن برنامج الاشتراكية العربية وبشكل خاص الدكتور خير الدين حسيب حاكم المصرف المركزي ورئيس المؤسسة الاقتصادية والدافع العقلي للقرارات الاشتراكية.
وكان حسيب قد صرح اواخر تموز /يوليو 1965 في اجواء تكليف عارف عبد الرزاق بتشكيل الحكومة بان الخطوات الثابتة في السياسة الاقتصادية التي مشى عليها العراق منذ 14 تموز/يوليو 1964 تاريخ اصدار القرارات الاشتراكية قد حققت تقاربا كاملا في المنهج الاقتصادي بين الجمهورية والجمهورية العربية المتحدة
وبعد أن أذاع الراديو رد البزاز أذاع مرسوماً جمهوريا بتأليف الوزارة الجديدة على النحو التالي .
1. عبد الرحمن البزاز رئيسا للوزراء وزيرا للخارجية .
2. شكري صالح زكي وزيرا للمالية وزيرا للنفط بالوكالة.
3. اللواء الركن عبد العزيز العقيلي وزيرا للدفاع .
4. عبد اللطيف الدراجي وزيرا للداخلية .
5. كاظم الرواف وزيرا للعدل .
6. خضر عبد الغفور وزيرا للتربية وزيرا للاوقاف بالوكالة .
7. فارس ناصر الحسن وزيرا للشؤون الاجتماعية والعمل وزيرا للاصلاح الزراعي بالوكالة .
8. الدكتور عبد اللطيف البدري وزيرا للصحة .
9. الدكتور محمد ناصر وزيرا للثقافة والارشاد .
10. اسماعيل مصطفى وزيرا للشؤون البلدية والقروية وزيرا للاشغال والاسكان بالوكالة .
11. اكرم الجاف للزراعة – كردي .
12. عبد الحميد الهلالي وزيرا للاقتصاد .
13. مصطفى عبد الله وزيرا للصناعة .
14. سلمان عبد الرزاق الاسود وزيرا للتخطيط .
15. الدكتور عبد الرزاق محي الدين وزيرا للوحدة .
16. سلمان الصفواني وزير دولة .
والقى الرئيس عبد السلام عارف في اليوم نفسه كلمة في أعضاء الوزارة الجديدة وقال( أننا وحدويون نسعى ونعمل لتحقيق اهدافنا القومية غير آبهين بذوي الخيال والانتهازيين).
كان البزاز أول شخصية مدنية ترأس الحكومة العراقية بعد ثورة 14تموز/يوليو 1958 كما تميزت باغلبية مدنية وإنتزعت حق إتخاذ القرار في تسيير البلاد بما فيه حل المجلس الوطني لقيادة الثورة الذي كانت تركيبته مقتصرة على العسكريين وعلى يديه إنتقلت السلطة التشريعية التي كان مجلس الثورة يمارسها الى مجلس الوزراء.
ولم يكن البزاز طائفياً ولم يؤمن بها يوماً ما ويتحدث أحمد الحبوبي في كتابه عن هذا الموضوع (أشخاص كما عرفتهم ) اذ يقول(ولأن البزاز نشأ وترعرع في جو ديني – هو إبن أخت الحاج نجم الدين الواعظ مفتي الديار العراقية وزوج ابنته- وما بدا عليه بعدئذٍ من تزمت فقد لصقت به تهمة – الطائفية – خاصة أنه كان يجهر بارائه حيال بعض معتقدات الطائفة الشيعية فاهتبلها فرصة عندما كلف بتشكيل الوزارة وأراد أن ينفي عنه هذه التهمة ويبرء نفسه منها فاختار أغلب وزرائه من الشيعة وممن يرتبط معهم بعلاقة صداقة ونجح في ذلك إذ إستقبلت وزارته إستقبالاً حسناً عند عموم الشيعة وعند – الشورجة – السوق التجاري أيضا وإرتفعت أسهمه وزاد رصيده دون أن يخسر – السنة – )
الا أ ن البزاز واجه منذ اليوم الاول لحكومته معارضة من قبل القوى القومية الناصرية دون أن تنتظر أو تعطيه فرصة لانجاز ما وعد به . ففي اليوم التالي لتشكيل الوزارة أي في 22/9/1965 ذكرت صحيفة صوت العرب البغدادية التي كان يرأس تحريرها المحامي فوزي عبد الواحد في مقالها الافتتاحي أن الوزارة الجديدة التي شكلت برئاسة البزاز جاءت دون المستوى المطلوب .
واضافت الصحيفة أن عدد القوميين المؤازرين للحركة القومية في الحكومة الجديدة بلغ 13 وزيراً من مجموع 16 وزيراً .
كما وقفت قوى سياسية اخرى معارضة لسياسة البزاز كحزب البعث العربي الاشتراكي والشيوعيين والقوى القومية وخاصة حركة القوميين العرب والناصريين حيث دعت اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي أعضائها من القوى الناصرية الى الانسحاب من حكومة عبد السلام عارف والانضمام الى صفوف المعارضة ودعت اللجنة المركزية قادة الجمهورية العربية المتحدة الى اعادة النظر تجاه نظام عارف .
وقاطع الحركيون البزاز ولم يبدو له على خلفية إخفاق الانقلاب وتقييمهم له كقومي تقليدي إصلاحي مشاعر ود رغم محاولته الاتصال بهم في محاولة لتطبيع العلاقات .
يقول احمد الحبوبي في كتابه(اشخاص كما عرفتهم) عند تكليف العميد الركن عارف عبد الرزاق بتشكيل الوزارة خلفا لوزارة طاهر يحيى 1965 طرح اسم عبد الرحمن البزاز كنائب لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية واثار ترشيحه وزيرا جدلا لدى القوى القومية – الثورية – اذ كانوا يعتبرونه من القوميين التقليديين – اليمينيين – او – الرجعيين – لتمسكه الشديد بالاسلام وتدينه الواضح ولافكاره بخصوص الاشتراكية وتطبيقاتها مما قربه الى التجار واصحاب رؤوس الاموال المسيطرين على السوق ولكن عبد السلام عارف اصر على توزير البزاز .
وكانت صحيفتا العرب والثورة العربية قد شنت هجوما على حكومة البزاز الجديدة وقالت الثورة العربية ان الشعب غير مستعد للتصفيق لاشخاص لاتدعمهم قوة جماهيرية .
ورغم ذلك فقد ظل البزاز يتعامل مع هذه المعارضة بروح التروي والابتعاد عن ردود الفعل الحاد وقد عبرّ عن هذه الروح حين تلقى مذكرة السياسي العراقي المعروف محمد رضا الشبيبي عضو المجمع العلمي العربي التي بعثها الى البزاز في 28/10/1965 ابدى فيها الشبيبي معارضته موقف البزاز من موضوع الوحدة العربية والاتحاد وقال له ( وفي رأينا انه مهما كانت إتجاهاتنا السياسية والاجتماعية في القضايا العربية فان الوحدة الجغرافية ووحدة التاريخ والمصير قادرة في أي وقت على ان تخلق بيننا وحدة عمل نواجه بها التحديات والمخاطر ، ان الوحدة العربية في رأينا هدف يتم باستفتاء الشعب عليه وأن التضامن العربي وسيلة لحمايته . وأبدى الشبيبي إستياءه من قيام الاتحاد الاشتراكي كتنظيم سياسي واحد في العراق وقال في مذكرته التي وجهها الى الدكتورالبزاز" كان الهدف الاساس من تكوين الاتحاد الاشتراكي العربي في العراق ان يضم منتسبي النقابات ومختلف الفئات العاملة غير ان هذه المنظمة لم يحالفها التوفيق على الرغم من اسناد السلطة لها ماديا ومعنويا ذلك لان الاهواء تنازعتها منذ البداية يضاف الى ذلك انها قامت على مبدأ احتكار العمل السياسي وفكرة الحزب الواحد ولا نقر ذلك منهجا للحكم في البلاد ولهذا نطلب بان تبادر الحكومة الى تعديل القانون الذي قامت بموجبه هذه المنظمة لتتمكن الفئات الوطنية التي تستمد آراءها من صميم هذا البلد من ممارسة نشاطها السياسي هذا ووفاءا منا لامتنا ووطننا وقيامها بالواجب المفروض علينا وإبراءً لذمتنا بادرنا الى بيان أهم مشاكل الساعة التي تخالج أفكار الجمهور مؤملين أن تعنوا بدراستها وبذل الجهود في سبيل الوصول الى الحلول السليمة للمشاكل المذكورة كافة )
وقد عكف البزاز على قراءة المذكرة من دون أن يحمل صاحبها أية تبعات لما تضمنته من إنتقادات صريحة للحكومة .

وفي 23/9/1965 عقد البزاز مؤتمراً صحفياً تحدث فيه عن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها عميد الجو عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء السابق فقال أنها لم تؤثر على سلامة العراق وأمنه ولم تسفك قطرة واحدة من الدماء.
وذكر أن حكومته ستسير بالبلاد الى حالة من الأمن بحيث لا تكون هناك محاكم إستثنائية أو حكام عسكريون أو دبابات في الشوارع . وأضاف أنه على الرغم من إيمانه بالاشتراكية التي تستهدف زيادة الانتاج وعدالة توزيعه فاننا لا ندعو الى خلق طبقة جديدة تحل محل طبقة ثانية . واذا كان أصحاب المصانع قد استغلوا العمال في الماضي فاننا لا نريد ان تحتل المناصب الكبيرة طبقة اصحاب الياقات البيضاء .
واضاف البزاز اننا لسنا قوامين على الشعب ونحن وزراء في مرحلة إنتقالية نريد أن نعيد الحياة الى البلاد ونعيد للمواطنين حياة الاطمئنان .

سياسة البزاز الداخلية

ألزمَ البزاز نفسه حينما شغل منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيسين عبد السلام محمد عارف واخيه عبد الرحمن محمد عارف بتحقيق وحدة العراق والحفاظ على سيادة القانون واراد ان يكون العراق عراق الجميع عرباً واكراداً واقليات اخرى ويؤكد دائما أن العراق ما هو لاحد الا لبنيه جميعا متضامنين عند الجد ومتكاتفين عند الشدة ومتساوين في وجه الدسائس والمحن.
اكد البزاز في منهاج حكومته الذي اعلنه في 6/11/1965 على أن وزارته ستعمل كل ما في وسعها لاعادة الامن التام الى ربوع العراق كافة والحفاظ على وحدة تربته وقال ان الوزارة ستشرع باسرع وقت مستطاع قانونا جديدا للادارة المحلية يمهد للحياة الديمقراطية السلمية تمهيدا عمليا ويكون خطوة الى الامام في سبيل تحقيق افضل حياة نيابية.
واكد البزاز في منهاج حكومته على ان قانون الادارة المحلية سيؤكد ذاتية القومية الكردية ويمكن مواطنيها في الشمال من الحفاظ التام على لغتهم وتراثهم الفكري وتمكينهم من النشاطات المحلية التي لا تتعارض مع وحدة البلاد ولا تمهد باي حال من الاحوال لانتقاص جزء من اطراف الوطن الواحد.
واكد البزاز في منهاج وزارته على الجدية في التهيئة للحياة النيابية وقال لقد إختارت الوزارة من بين أعضائها لدراسة هذا الموضوع وستستعين باراء الهيئات والشخصيات الوطنية واصحاب الاختصاص للاستئناس بها والاستماع لوجهات نظرهم .
واضاف البزاز في منهاجه ان حكومته ستقوم بتشريع قانون الانتخابات في اسرع وقت مستطاع بحيث تجري الانتخابات النيابية في المدة المحددة في الدستور المؤقت.
سيادة القانون

اكد البزاز في منهاج وزارته على سيادة القانون وقال ان مبدأ سيادة القانون من البديهيات التي يوجبها كل حكم صالح وان هذه الوزارة لا تتوانى عن اتخاذ كل ما يلزم لجعل هذا المبدأ حقيقة قائمة لا مجرد شعار.
وأضاف البزاز أن تحقيق هذا المبدأ السليم يتطلب إيجاد جهاز إداري كفء واداة حكومية فعالة وان حكومته عازمة على أن تضع حداً للسلبية التي تصاحب أعمال الكثيرين من موظفي الدولة ومنتسبيها كما أنها ستقوم بالتحقيق مع الاشخاص الذين لم يكترثوا بحكم القانون أو حصلوا على مغانم نتيجة التسيب في الادارة الحكومية .
وقال أن حكومته ستتخذ بعد ثبوت هذا التقصير الاجراءات الحازمة العادلة الكفيلة باعادة هيبة الحكم والفعالية لاجهزته كما انها تنظر الى المواطنين كافة نظرة موضوعية واحدة فلهم جميعا مغانم هذه البلاد كما عليهم مغارمها ولن يكون هناك أي تمييز بسبب إختلاف الجنس أو النسب أو المعتقد الديني ومعيار التفاضل هو المرء وقابلياته والمرء وإخلاصه والمرء وإستعداده للسير قدما بالبلاد لتحقيق اهداف الثورة في التقدم والرفاه والاستقرار.
كان البزاز يريد ان تكون اعماله ناطقة قبل اقواله وتحدث كاول مسؤول مع الشعب بالصراحة والوضوح لانه جاء الى الحكم في فترة لم تكن هينة حيث انها كانت فترة عصيبة وصعبة وقال في مؤتمر صحفي في 12/1/1966 "ومرجع ذلك ان الاوضاع المالية في البلاد كانت سيئة ورثنا ميزانية غير متوازنة وضعت من حيث الاساس على اسس غير سليمة ، كان فيها عجز ظاهر ، عجز متوارث وعجز نتج عن سوء وضع الميزانية السابقة ".
ومن هنا كانت مهمة حكومة البزاز عامة ، ومهمة وزير المالية خاصة صعبة جدا وبقي البزاز في كفاح مستمر لان يتحقق الحـد الادنى المطلوب لتسيير وتسهيل شؤون هذه الدولة . وقال البزاز في المؤتمر نفسه" وجئنا الى الحكم والاوضاع الاقتصادية كانت متأزمة ومرة اخرى انني لا ازعم اننا قد انهينا الازمة نهائيا ولكن من حقي ان اقول كما احسب ان كل منصف من ابناء هذا الوطن ومن اخواننا خارج هذا الوطن يشعرون اننا قد فتحنا الطريق للقضاء على اسباب التأزم ".
واعترف البزاز في المؤتمر الصحفي بسؤ الاحوال الاقتصادية في العراق وبالركود الاقتصادي الذي يعانونه اضافة الى التذمر في صفوف المحامين الذين أنا واحداً منهم . فقال البزاز " تذكرون انني حاولت ان ألمّ ولا اقول اتسع او اتوسع في البحث في هذه المشكلات في كل مناسبة وانا اعلم علم اليقين ان هناك او كان هناك على الاقل تأزم اقتصادي ولا اقول ان الازمة حلت نهائيا ولكن احسب انا الاستاذ أن المشكلات الاقتصادية لها عواملها الكثيرة ومعالجتها معالجة أساسية وواسعة المدى تحتاج الى فترة زمنية طويلة ونحن حاولنا جاهدين أن نخفف ما أمكننا الجهد من ثقل هذه الازمة . وأود أن أغتنم هذه الفرصة لاقول بأن نسبة العطالة قلّت نسبياً وربما يميل وزير الصناعة فيأتي هنا ويعطيكم عدد المعامل التي طلب إنشاءها وبوشر فيها والتوسع في العمران وبعض النواحي الاخرى والنقطة التي اشرت اليها في مؤتمري الصحفي زيادة الائتمان التي هي نتيجة من الاستقرار والامن وفسح المجال للقطاع الخاص للمساهمة في بعض المسائل والطريقة التب اتبعتها الحكومة في الحد من المركزية الشديدة وسائل خلقت بعض الشيء ولكن الحل الاساسي يحتاج الى مزيد من الوقت ومزيد من الدراسة ومزيد من الجهد بعض المسائل فوق طاقتنا".
واضاف البزاز " وبصراحة المشكلة الزراعية – لا اشك أن الكثير من الزُراع والفلاحين تركوا أرضهم لاسباب شتى للاغراء الذي يواجهونه في المدن للمواعيد الباطلة التي منوا بها فيما مضى ، لارتباك او بعض الارتباك في تطبيق قانون الاصلاح الزراعي، التأزم او التعنت أحيانا في تطبيق بعض نصوص القانون كل هذه العوامل وغيرها كثير عملت على نوع من البلبلة وصرفت كثيرا من العمال الزراعيين اثروا وفضلوا العودة الى المدن ويشتغل صانعا او خادما او حتى متسولا يعتقد انه يكسب له بعض الشيء خير من ينتظر ان يكسب من ارض زراعية غير مستقر نظامها او ارض اعطيت له ولم يزود بالماء او اعطي الماء ولم يكمل نصب المضخة او ما شاكل ذلك من المشكلات التي لا حصر لها بطبيعة الحال ".
وقال البزاز" وفيما يتعلق بالاصلاح الزراعي كونت لجنة وهي جادة في دراسة المشكلات المختلفة ارجو أن توفق لاصلاح بعض أوجه الخطأ وربما من حقكم أن تسألوا هل يعني هذا الغاء قانون الاصلاح الزراعي ؟ اظن ليس هناك عاقل يدعو لهذا اليوم ، لاشك ان الاصلاح الزراعي على الاقل في فكرته ومحتواه الاصلي كان خطوة تقدمية يجب أن نحرص عليها. ولكن الطريقة التي طبق فيها الاصلاح الزراعي أنا كنتُ اقول في مجلس الوزراء الاصلاح الزراعي يحتاج الى اصلاح. وحينما كونا اللجنة كنا متفقين على هذا ، حينما كنا متفقين على لزوم الحرص على فكرة الاصلاح كنا متفقين على لزوم إصلاح جهاز الاصلاح الزراعي واصلاح بعض المواد التي جاءت في القانون تعسفا ".
وكانت صحيفة المنار الاسبوعية البغدادية قد ذكرت في عددها الصادر في 30/9/1965 أن تحولاً جذرياً في سياسة العراق الاقتصادية تشمل تخفيف القيود واجازة الاستيراد وتنشيط حركة السوق . ونقلت الصحيفة عن البزاز قوله أنه سيذيع خلال الايام القادمة بيانات تتناول القضايا العامة والاقتصادية .
وذكرت الصحيفة ان مجلس الوزراء يبحث الان في تخفيف القيود المفروضة على إستيراد المواد الضرورية .
وقد أكد ذلك وزير الاقتصاد في حكومة البزاز الدكتور عبد الحميد الهلالي حينما صرح في 30/9/1965 بان وزارته بدأت منح إجازات الى التجار لاستيراد المواد الغذائية وقال أن سياسة الحكومة الاقتصادية تهدف الى معالجة المشاكل الاقتصادية لتنشيط الحركة في الاسواق المحلية وفسح المجال للعمل والارتزاق أمام أكبر عدد من المواطنين . واضاف الهلالي أن من أهداف الحكومة كذلك مراقبة أسعار المواد الغذائية وتخفيضها الى أقل حد مستطاع .
وفي 10/11/1965 اعلنت حكومة البزاز أنها قررت إطلاق حرية استيراد قطع الغيار للسيارات بعد ان كان الاستيراد محصورا بالمؤسسة الاقتصادية.
وقالت صحيفة العرب البغدادية في اليوم نفسه أن حصر إستيراد قطع الغيار بالمؤسسة الاقتصادية الحق الضرر بكثير من المستوردين وان هذا الالغاء يعتبر دعماً قوياً للقطاع الخاص.
وكان البزاز قد أصدر قراراً في 1/12/1965 ينص على الغاء المؤسسة الاقتصادية العامة والحاق المؤسسات التابعة لها بالوزارات المختصة على ان تكون لها شخصية معنوية واستقلالا ماليا واداريا
كما شجع البزاز الاستثمار العربي والاجنبي في العراق 0 ففي 8/11/1965 اعرب السيد شكري صالح زكي وزير المالية في حكومة البزاز عن ترحيب حكومة العراق باستثمار رؤوس الاموال الكويتية وقال في تصريح لصحيفة البلد البغدادية ان الحكومة تشجع هذه الخطة وستقدم جميع التسهيلات والضمانات لاستثمار رؤوس الاموال الكويتية .
وجاء تصريح الوزير بمناسبة زيارة قام بها الى العاصمة العراقية بغداد فريق من رجال الاعمال الكويتيين للبحث في الضمانات التي يمكن ان تحصل عليها رؤوس الاموال الكويتية عند استثمارها في العراق .
وفي بيان اذاعه البزاز من اذاعة وتلفزيون بغداد مساء 2/10/1965 قبيل مغادرته الى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة قال فيه انه تولى المسؤولية لخدمة الشعب باكمله وستعني حكومته بالفلاح والعامل والتاجر والضابط والجندي ولن يستعدي فريقا على اخر كما انها لن تقع في الاخطاء الفاضحة التي وقع فيها اسلافه .
وقال البزاز ان اوضاع العراق الاقتصادية والمالية ليس مما نغبط عليه وان نفقات الدولة باهضة وان الموظفين كثيرون يتقاضون مرتبات عالية للغاية بينهم من تضاعفت مرتباتهم ومخصصاتهم أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات وان حكومته ستضع الامور في نصابها .
وطالب البزاز من الشعب ان يتحلى بالصبر لان المشكلات التي تواجه البلاد متشابكة ومعقدة . وقال ان حكومته تعمل بين 14 – 16 ساعة في اليوم ولكن الامور لا يمكن أن تحل بين عشية وضحاها ولذلك كان على الشعب الا ينتظر من الحكومة المعجزات . واضاف أننا لن نتخذ قرارا عاجلا غير مدروس بعد الان واعتقد أن أول واجب لنا هو إعادة الثقة الى الناس.
وقال البزاز انه يؤمن بالاشتراكية العادلة التي تؤدي الى زيادة الانتاج والتي تهدف الى الخير والى التعاون بين القطاعين العام والخاص وانه يسعى الى تحسين حالة الطبقات السفلى .
وحذر البزاز من ان ذلك لا يعني استعداء طبقة على أخرى .
فخلال الاشهر الثلاثة الاولى من حكم البزاز اصبحت الامور الاقتصادية ميسورة بشكل افضل من السابق فتحسنت نسبيا ومنها زيادة الائتمان او بعبارة ادق الزيادة المحسوسة في المبالغ التي وضعها المواطنون خلال الشهور الاولى من حكمه في المصارف وكذلك كثرة الطلبات في انشاء المعامل وفتح الاعتمادات بشكل واسع وازدياد نشاط التعامل التجاري بعد ان عادت الثقة الى المواطنين وسار الدولاب التجاري سيرا مرضيا نسبيا وارتفعت قيمة الدينار خارج العراق .
وفي المؤتمر الصحفي نفسه قال البزاز " ان الحكومة مطالبة بنفقات لا طائل لها ، التعليم مجاني من اوله الى منتهاه ونفقات الدولة كثيرة في الصحة ايضا ومسؤولياتنا كبيرة جدا والنفقات الاجتماعية ليست قليلة وهذه تتطلب موارد وعلماء المالية يقولون الضريبة العادلة انما هي الضريبة المباشرة ضريبة الدخل وضريبة التركات هذه ايضا لما جرى المغالاة فيها في السنوات الماضية اوجدت تأزما اقتصاديا وقررنا تعليقها بالقوانين الاخيرة الى الحد المعقول . وطبعا لو اتيح لتنظيم الدولة ان تجد موارد اخرى اساسية غير النفط . فالنفط مع الاسف قسم كبير منه ايضا يستلف الان لتمشية الميزانية الاعتيادية ولانها ثروة جاءتنا من اجيال من قرون مئات القرون وملايين القرون ربما الله وحده عليم متى تكونت هذه الثروة وكلهم متفقون على انها ستنضب يوما ما حتى بعد خمسين او سبعين او مائة سنة لكنها ستنضب فاذن ليس من حق جيلنا والجيل الذي يليه او الذي قبلنا ان يستمتع هو دون سواه بخيرات النفط يجب ان يكون للانشاء والى مسائل بعيدة الامد والى الصناعات والى السدود والى القنوات والى تنظيم الري والمبازل والمشاريع التي تدر الخير وهذه اذا تحققت نستطيع ان نخفف عن كاهل المواطن العادي ".
ورغم ان البزاز لم يأت بالمعجزات الا انه عمل بدأب وجد واخلاص مدركا طبيعة العراق وحاجته الحقيقية دون ان يضحي بالمبدأ الاشتراكي الذي التزم به .
لقد عمل البزازعلى تسريع الخطوات للدخول الى الحياة البرلمانية واتباع سياسة عربية اشتراكية تستهدف انتاجا اكبر وتوزيعا عادلا وترعى مصالح القطاعين العام والخاص على السواء كما رفع معدل الفائدة المدفوعة الى طبقات الملاكين عن مصادرة الحكومة لاراضيهم من نصف في المائة الى 30 في المائة ومنح اصحاب هذه الاراضي المصادرة حقوقا تقدر بملايين الدنانير .
وقال البزاز في بيان له اذاعه راديو بغداد في 2/10/1965 انه سيعيد النظر في الضرائب ويجعلها عادلة ومعقولة وانه سيدمج عددا من الوزارات كي يخفف من ارهاق الدولة بالتكاليف وانه سيزيد الحد الادنى لتعويض المساهمين في الشركات المؤممة .
وفي افتتاح الموسم الثقافي الاول لاتحاد الجامعات في 4/1/1966 القى البزاز كلمة قال فيها (ان مهمة المجتمع الفاضل هو ان يشيع روح المعاونة المدركة للواجب والروح التي تتواصل بالحق والرحمة وتشيع في المجتمع المحبة والتسامح ومن هنا يبرز دور الجامعية ونحن بهذه المرحلة من مراحل تطورنا يجب ان تعي المراة وخاصة الجامعية عظم الرسالة ".
ومنذ الشهور الاولى لتشكيل حكومته شغلت البزاز نقطة أساسية وهي محاولة إعادة الهيبة للدولة العراقية وتحقيق مبدأ سيادة القانون فقال في مؤتمر صحفي " ... أن الثورة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا إستقرت بعض القيم الانسانية الخالدة ، ومن أول هذه القيم أن يسود القانون وأن تتحقق العدالة الاجتماعية للجميع ". وقال البزاز " والمجتمع الذي يزعم انه ثوري بمعنى انه لا يرعى القانون ولا يعبأ بمثل العدل الانساني هو مجتمع آيل الى الخراب . فاذا كانت الثورية معناها التعصب الاعمى ومعناها الاخلال بالقواعد المستقرة ومعناها عدم الالتزام بالقانون فنحن بحق غير ثوريين ولكن اذا كانت الثورية تجديد لمفاهيم الحكم ، تحقيق للمبادىء العليا ، عمل من اجل تمكين الشعب من التمتع بحقوقه وحماية هذه الحقيقة ، عمل دائب في وضع أسس الدولة على قواعد رشيدة مستقرة فنحن ثوريون بكل ما تعني الثورية التي نؤمن بها ونلتزم بها ولكن بهذا المعنى الانساني الرفيع المتعقل".
حاول البزاز مخلصا أن ينجز بعض المسائل الاساسية فشرّع عدداً من القوانين وأوجد بعض الوسائل التي تقضي على القلق بما في ذلك إيجاد لجنة تحري الحقائق لفتح الابواب أمام المواطنين الذين يتشكون أو يهمسون أحيانا من وقوع بعض المخالفات وبعض الفضائح . ودعا البزاز كل من يشعر بأن هناك إنحرافاً عليه أن يتقدم بطلبه موقعاً ومؤيداً بالدليل .
كان يرفض الانسياق وراء الشائعات والاراجيف التي كثرت في عهده ولا يأبه بها ولا بالاقوال المجردة في الاتهامات، وكان يقول من كان لديه دليل على أن زيداً من الناس كائنا من كان أساء أو إستغل أو إستولى على مال الغير أو جار أو ظلَمَ أو أساء الى أحد عليه أن يتقدم . وأكد أن حكومته لا تأخذها في الحق لومة لائم . وقال سيأخذ القانون مأخذه وستسير العدالة في مجراها الطبيعي الذي يجب أن تسير فيه .
كان البزاز متسامحا الى درجة كبيرة وقد استغلت بعض القوى والعناصر هذه الصفة . وقال في المؤتمر الصحفي في 12/1/1966 " هناك قضية أشعر بشيء من الحرج في التحدث عنها من شؤوننا الداخلية وهي محاولة فريق صغير لحسن الحظ من أبناء هذا البلد إستغلال روح التسامح وروح العدل ومعنى الدولة الرتيبة أرادوا أن يستغلوا هذه المعاني لاثارة بعض النعرات لايجاد الفرقة بين أبناء الوطن الواحد والملة الواحدة " وقال في المؤتمر الصحفي نفسه " لن نسير وراء العاطفة الهوجاء ولا الشعارات المجردة ، لن تخيفنا الاتهامات ، لخصومنا أن يقولوا فينا ما يشاءون ، رجعية، يمينية ، إنحراف ، ردة ، عمالة ، حلف بغداد ، أحلاف، إستعمار لهم أن يقولوا ما يشاءون لكننا نعلم من نحن، ونحن على ثقة بأن الشعب يعرف ما نفعل ".
وأكد البزاز في المنهاج الوزاري الذي أعلن في 6/11/1965 على ان مبدا سيادة القانون من البديهيات التي يوجبها كل حكم صالح وان هذه الوزارة لا تتوانى عن إتخاذ كل ما يلزم لجعل هذا المبدأ حقيقة قائمة لا مجرد شعار. وأن تحقيق هذا المبدأ السليم يتطلب إيجاد جهاز إداري كفء وإداة حكومية فعالة وأن هذه الحكومة عازمة على أن تضع حداً للسلبية التي تصاحب أعمال الكثيرين من موظفي الدولة ومنتسبيها ، كما أنها ستقوم بالتحقيق مع الاشخاص الذين لم يكترثوا بحكم القانون أو حصلوا على مغانم نتيجة التسيب في الادارة الحكومية ، وستتخذ بعد ثبوت هذا التقصير الاجراءات الحازمة العادلة الكفيلة باعادة هيبة الحكم والفعالية لاجهزته كما أنها تنظر الى المواطنين كافة نظرة موضوعية واحدة فلهم جميعا مغانم هذه البلاد كما عليهم مغارمها ولن يكون هناك أي تمييز بسبب إختلاف الجنس أو النسب أو المعتقد الديني ، ومعيار التفاضل هو المرء وقابلياته، والمرء واخلاصه والمرء واستعداده للسير قدما بالبلاد لتحقيق ثورتنا في التقدم والرفاه والاستقرار . وبالفعل ففي 9/12/1965 حكمت إحدى المحاكم المدنية بالسجن مددا تتراوح بين اسبوعين وشهرين على تسعة من تجار الشاي بتهمة التلاعب في الاسعار المقررة .
وفي 13/6/1966 وافقت حكومة البزاز بعد مناقشات طويلة على اجراءات اتخذها البزاز لاقرار الامن الداخلي في العراق . وقال في محاضرة القاها فـي كليـة الاقتصاد والعلوم السياسية في 7/3/1966 " إذا أردنا أن نقيم نظاماً إجتماعياً عادلاً ومتماسكاً وإذا أردنا أن نحقق الاهداف الكبيرة التي تضطرم في صدورنا لا سبيل لنا إلا أن نواجه هذه التحديات باقامة الفكر العربي النير والاشتراكية العربية الرشيدة التي تستمد جذورها من حضارتنا ومن جيلنا وفوق كل هذا من واقعنا الاجتماعي وحاجاتنا الفعلية . وبالعقل المتزن الهادف .

سياسة البزاز الاقتصادية

كانت سياسة البزاز تهدف الى تحقيق مجتمع الكفاية والعدل وقد اوضح البزاز سياسته هذه في المنهاج الوزاري الذي اعلنه في 6/11/1965 والتي جاء فيها :
اولا – الاسراع في تنفيذ مشاريع الخطة الاقتصادية الخمسية كي يتمكن القطاع العام بدوره الرئيس في عملية التنمية الاقتصادية .
ثانيا – الأخذ بمبدأ المركزية في التخطيط واللامركزية في التنفيذ قدر الامكان وذلك لضمان مرونة العمل وسرعة التنفيذ .
ثالثا – الاستعانة بالقروض والاستثمارات المصحوبة بالخبرة وطرق العمل الفنية .
رابعا – اقامة قطاع مشترك واسع النطاق يجمع بين مزايا القطاعين العام والخاص ويتبنى خاصة المشاريع التي لم تتضمنها الخطة الخمسية .
خامسا – تشجيع القطاع الخاص على المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية والسماح له بتأسيس شركات من كافة الانواع برأسمال يصل الى حد ربع مليون دينار قابل للزيادة عند الضرورة بقرار من مجلس الوزراء مع العمل الدائب على تقديم المساعدات المتيسرة لمشاريع هذا القطاع وذلك بتقديم المعلومات الفنية والدراسات االمتيسرة لدى الدولة وشموله بالاعفاءات والتسهيلات التي يتمتع بها القطاع المشترك . وعلى العموم تشجيع القطاع الخاص بتمكينه من الاسهام الجدي في بناء الكيان الاقتصادي في العراق .
سادسا – تشجيع إقامة المشاريع المشتركة من رؤوس الاموال الوطنية والاجنبية المصحوبة بالخبرة وطرق العمل الفنية مع اعطاء الضمانات الكافية لحماية رؤوس الاموال المستثمرة في هذا القطاع .
سابعا – الاهتمام التام بالزراعة وما يتصل بها من ري وبزل واستصلاح للاراضي يتناسب مع أهمية افي العراق بوصفها اهم مصادر الدخل القومي الثابت . والعمل على زيادة الانتاج الزراعي وتنويع وايجاد الاسواق اللازمة لفائض الانتاج الزراعي والتحري عن أسباب التخلف الذي أدى الى إنخفاض الانتاج والقيام بدراسة عميقة موضوعية لقانون الاصلاح الزراعي المعدل والقوانين الاخرى ذات العلاقة بهذا الموضوع بعد الاستعانة بالخبرات اللازمة بقصد تحقيق زيادة الانتاج وعدالة للتوزيع مع عدم المساس بأي مكسب حقيقي ناله الفلاح العراقي .
ثامنا – جعل منهج الاستيراد والتصدير أداة فعالة لخلق توازن بين حماية الانتاج الوطني من جهة وسد الحاجات الاستهلاكية الضرورية من جهة اخرى على أن تعطى الاولوية لاستيراد سلع الانتاج والمواد الاولية للصناعة والمواد ذات العلاقة بالتنمية الاقتصادية والعمل بكل الوسائل المؤدية الى زيادة الصادرات العراقية دون الاخلال بمتطلبات السوق المحلية .
تاسعا – إستثمار الموارد الطبيعية وثروات البلاد غير المستغلة حتى الان عن طريق عرضها على شركات وطنية او أجنبية أو مشتركة .
ومن أجل تحقيق عدالة في التزيع اكد البزاز في منهاجه الوزاري على :
اولا – التقليل التدريجي من تركز الثروات بايدي افراد قلائل وذلك للحيلولة دون الاحتكار والاستغلال مع التأكيد بانه من سياسة هذه الحكومة وضع حد اعلى لما يستطيع الفرد ان يمتلكه في شركات القطاع المشترك والخاص .
ثانيا – التوزيع الجغرافي العادل للمشاريع المختلفة بحيث يتحقق التوازن بين الدخل القومي للفرد من سكان المدن بالنسبة للدخل القومي للفرد في القرية او الريف .
ثالثا – التاكيد على مبدأ إعطاء العمال حصة من ارباح الشركات التي يعملون فيها وجعل الحصة تصاعدية كلما زاد الانتاج .
رابعا – الاخذ بمبدأ اشراك ممثلين عن العمال او المستخدمين في مجالس الادارة .
خامسا – تحويل جزء من الارباح لتمويل صندوق الضمان الاجتماعي للعمال والمستخدمين ودعمه لرفع مستواهم الصحي والثقافي والاجتماعي وزيادة الخدمات العامة التي يجب أن تقدم لهم .
سادسا- إعادة النظر في قوانين المؤسسة الاقتصادية والمؤسسة العامة للمصارف وما يتعلق بهما من قوانين وانظمة بحيث ينسجمان مع سياسة الدولة الاقتصادية وبحيث يمكن تحقيق هدفي الاشتراكية العربية الرشيدة وتبديد المخاوف السلبية التي خلفها تطبيق القوانين وكذلك الاثار السيئة الناتجة عنها.
أكد البزاز سياسته المالية في المنهاج الوزاري لحكومته والذي جاء فيه :
اولا – تقوم الوزارة بدراسة وافية للضرائب والرسوم المفروضة بعد الاستعانة بالخبرات اللازمة بقصد تخفيض بعضها وزيادة البعض الاخر لكي تنسجم السياسة الضرائبية إنسجاماً كاملاً مع أهداف سياسة التنمية الاقتصادية .
ثانيا – تعديل كل من قانوني ضريبة الدخل والتركات والمواريث بحيث ينسجم التعديل مع طبيعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة في العراق.
ثالثا- إعادة النظر ببعض القوانين والانظمة السارية لتحقيق الاقتصاد التام في النفقات وذلك بالتقليل من النفقات الاستهلاكية وتشديد الرقابة على المصروفات والحد من التمايز الشديد بين موظفي ومستخدمي الدولة من جهة وموظفي ومستخدمي الدوائر الملحقة والشركات والمؤسسات المؤممة من جهة أخرى مع العمل على وضع حد للزيادة المستمرة في عدد الموظفين والمستخدمين الامر الذي أدى الى إرهاق كاهل الخزينة من جهة وعرقلة العمل في دواوين الدولة الرسمية وشبهها والدوائر الملحقة والمؤسسات والشركات المؤممة من جهة أخرى .
رابعا- العمل على إيجاد موارد جديدة للخزينة العامة بفرض بعض التكاليف أو الاجور لقاء الخدمات التي تقدمها الحكومة للشعب مع مراعاة عدم إرهاق أصحاب الدخول الضئيلة .
خامسا- إتباع سياسة مالية تضمن التوسع في التسهيلات المصرفية لتمويل المشاريع الصناعية والانشائية بنطاق واسع وإعادة النظر في أسعار الفوائد بما يؤدي الى زيادة القروض الانتاجية وكذلك أسعار الفائدة للودائع بما يؤمن تشجيع المدخرات الفردية .
وفي 25/10/1965 إتخذت حكومة البزاز قراراً يقضي بالأخذ بمبدأ اللامركزية في تنفيذ أعمال ومشاريع الخطة الاقتصادية وتخويل الوزارات كافة الصلاحيات المقتضية لتنفيذ المشاريع المعهدة اليها .
يتحدث السيد احمد الحبوبي في كتابه( اشخاص كما عرفتهم) عن إجراءات البزاز الاقتصادية فيقول "طفق البزاز عمليا في تصفية الاثار – السيئة- التي خلفتها عملية التاميمات والقرارات الاشتراكية سنة 1964 التي جاءت بها وزارة طاهر يحيى والمؤسسة الاقتصادية التي رأسها وأدارها – خير الدين حسيب – وراح البزاز يطلق التصريحات التي من شانها تطمين التجار واستقرار السوق وينتقد التطبيق السيء للاشتراكية ورفع شعار – الاشتراكية الرشيدة – التي يستهدي بها لتحقيق العدالة التي ينشدها الجميع ".

التعددية السياسية

واكد البزاز عزمه على تحقيق التعددية السياسية وتحقيق الوحدة الوطنية . ففي 24 ايار /مايو 1966 صرح الدكتور محمد ناصر وزير الثقافة والارشاد في حكومة الدكتور البزاز ان محادثات واسعة تجري في القصر الجمهوري يشترك فيها زعماء يمثلون مختلف الاتجاهات تهدف الى ارتكاز الحكومة على أساس متين وإعطائها صفة تمثيل جميع فئات الشعب .
واكد البزاز إهتمامه بالحياة النيابية في منهاجه الوزاري الذي جاء فيه ( أن هذه الوزارة جادة في التهيئة للحياة النيابية وقد إختارت لجنة من بين أعضائها لدراسة هذا الموضوع وستستعين باراء الهيئات والشخصيات الوطنية واصحاب الاختصاص للاستئناس بها والاستماع لوجهات نظرهم وسيتم تشريع قانون الانتخابات في أسرع وقت مستطاع بحيث تجري الانتخابات النيابية في المدة المحددة في الدستور المؤقت ).
لقد شرع عبد الرحمن البزاز عدداً من القوانين فاوجد لجنة تحري الحقائق والتي فتحت الابواب امام المواطنين الذين يتشكون أو يهمسون أحياناً من وقوع بعض المخالفات وبعض الفضائح ، وأكد أن حكومته لاتأخذها في الحق لومة لائم ، وقال سيأخذ القانون مأخذه وستسير العدالة في مجراها الطبيعي الذي يجب ان تسير فيه وقال ان الانتخابات ستجري في وقتها المقرر وستعود الحياة النيابية لهذا الشعب كاملة بل واكد أنه في النصف الاول من هذا العام( أي عام 1966 ) ستتم الانتخابات حتما أي خلال الشهور الاربعة او الخمسة القادمة كحد أعلى. وقال حتما سيكون لنا برلمان وحياة برلمانية قبل انتهاء هذا العام لانني أعتقد أن هذا الطريق الاسلم وان اللجنة الوزارية خطت خطوات واسعة في هذا الصدد .
وفي لفتة عميقة الى موجبات إرساء الحكم على التعددية قال البزاز " أن الحكم المركزي نظام قديم (عتيق) نحن نريد حياة ديمقراطية وحياة نيابية بالمستقبل الامثل وهو تشجيع الادارات المحلية نبدأ في القرية وننتهي باللواء – محافظة – أن يساهم المواطنون في إدارة شؤونهم وتتكون المجالس ، ولعل هذا هو السبب في أنني آليت وآثرت أن أتحمل أعباء كثيرة هي وزارة الداخلية لانها المسؤولة عن الانتخابات ومسؤولة عن وضع قانون الادارة المحلية ".
ففي عددها بتاريخ 4/6/1966 قالت صحيفة الثورة العربية البغدادية " أنه بدأت تحضيرات على مستوى عالٍ من أجل الاتصال بجميع الفئات السياسية في العراق للمداولة في الشؤون العامة وجمعها تحت لواء الوحدة الوطنية".
وكان الواء عبد الرحمن عارف رئيس الجمورية قد أعلن أمام عدد من الوفود إستقبلها في القصر الجمهوري أنه سيعمل على عقد مؤتمر لجميع الفئات السياسية من أجل جمع الكلمة وتحقيق الوحدة الوطنية.
صحيفة العرب البغدادية ذكرت في عددها الصادر في 10/5/1966 أن أنباءً سارة خلال الايام القريبة ستذاع لها علاقة كبيرة باحلال الطمأنينة والاستقرار ودعم الوحدة الوطنية .
ونسبت الصحيفة الى مصدر موثوق قوله أن هناك إحتمالا بتطعيم الوزارة الحاضرة بعناصر تمثل وجهات وكتل أخرى . واضافت أن جهوداً تبذل الآن بين المعنيين في القضايا العامة من أجل الانطلاق الى مرحلة جديدة.
وفي 22/5/1966 ذكرت صحيفة العرب والبلد البغداديتان أن الرئيس عبد الرحمن عارف دعا فريقا من الساسة العراقيين الى اجتماع عقده معهم في القصر الجمهوري للبحث في وضع أسس عامة لاتجاهات الحكم .
وقالت العرب أن الرئيس عارف عقد خلال الايام القليلة الماضية إجتماعاً في القصر الجمهوري حضر الاول منهما عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء والفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء السابق واللواء احمد حسن البكر نائب رئيس الجمهورية السابق وعدد من الوزراء السابقين بينهم اللواء ناجي طالب واللواء رشيد مصلح واللواء عبد العزيز العقيلي واللواء عبد الكريم فرحان والعقيد صبحي عبد الحميد .
واضافت الصحيفة تقول أن الاجتماع الثاني عقد ليلة أمس الاول وكان بين الذين حضروه عبد الرحمن البزاز السيد فائق السامرائي نقيب المحامين والسيد صديق شنشل وزير الثقافة والارشاد السابق وهما من حزب الاستقلال والسيد حسين جميل وهديب الحاج حمود وهما وزيران سابقان ومن اعضاء الحزب الوطني الديمقراطي المنحل .
وطالبت صحيفة العرب في مقال افتتاحي لها في العدد نفسه باعلان نتائج هذين الاجتماعين على الراي العام . وقالت أن طرح تفاصيل الاجتماعين للمناقشة سيكسب الحكومة قوة إيجابية وقدرة على مواجهة الاحداث .
ولمناسبة إنتخاب اللواء عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية فقد أمر البزاز باطلاق سراح عشرين ضابطا من المشتركين في المحاولة الانقلابية الاولى التي قادها عميد الجو عارف عبد الرزاق آنذاك .
وفي 19/4/1966 إستقبل البزاز الضباط العشرين الذين أطلق سراحهم في ذلك اليوم وبحث معهم الاوضاع في العراق واكد على ضرورة الوحدة الوطنية .
وزير الثقافة والارشاد الدكتور محمد ناصر صرح بدوره للصحفيين في 23/5/1966 ان الرئيس عبد الرحمن عارف يواصل اجتماعاته بالسياسيين الآن لارساء قاعدة الحكم على أسس قوية وقال ان هذه الاجتماعات تنسجم مع تصميم الحكومة على انهاء فكرة الانتقال خلال المدة المضروبة لها .
واكد الدكتور ناصر ان الحكومة مصممة على الوفاء بالعهد الذي قطعته للشعب باجراء انتخابات لاختيار اعضاء المجلس الوطني .
ورد الدكتور ناصر على سؤال بقوله أن إجتماعات الرئيس عارف مع السياسيين تعدّ إنطلاقاً من رغبته في التشاور مع العناصر القومية واشتراك عناصر جديدة في المسؤولية وجعل الوزارة الحاضرة ممثلة لفئات الشعب كافة .
وقال الدكتور ناصر ايضا ان الحكومة تواصل العمل لاعادة تنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي في نطاق جهود تبذلها لتجميع القوى القومية في جبهة عربية وحدوية تقدمية .
كان عبد الرحمن البزاز متأثرا بتجربة الدول الديمقراطية العريقة وخاصة المملكة المتحدة وقال في المؤتمر الصحفي ذاته " حينما كنت في إنكلترا كانوا يقيمون في تلفزيون لندن منهجا اسبوعيا يدعون فيه بعض المسؤولين وتعرض الاسئلة عليهم من الصحفيين أو من أصحاب الاختصاص ويجيبون عنها حتى يكون ابناء الشعب على بصيرة من الامور " وقال " أننا أحوج من الانكليز لهذا ويحسن ان نمهد لهذا وان نلتقي مع الشعب ، ولذلك اقترحت ان نسمي عنوان هذا البرنامج (مع الشعب ) او اذا شئتم( ندوة الاربعاء) ففي كل أربعاء سنلتقي أو ستلتقون انتم مع احد المسؤولين هذه المرة لي والمرة القادمة ارجو ان يكون دور زميلي السيد وزير المالية تسألونه عن ذلك اذا شئتم في ما يخص وزارته والقوانين التي شرعت اخيرا وربما الوضع المالي وتسألون عن ذلك اذا شئتم وزير الاقتصاد عن الاوضاع الاقتصادية وعن الاوضاع التي تطورت اليها البلاد في الفترة الاخيرة وعما نشكو منه وما يشكو الشعب منه وبعض المتطلبات الاخرى وربما بعد ذلك وزير الصحة عن – الادوية ".
وقد وضع عبد الرحمن البزاز لكل ذلك عنوانا عريضا بقوله " أن من حق الشعب على حكامه ان يطلعوه على ما يجري في البلد ومن واجب الحكام ان يكونوا على بصيرة عما يجول بخاطر ابناء الشعب وان يتحدثوا اليهم ببساطة ووضوح كما يتحدث ابناء الاسرة الواحدة وهو التعبير عن مبدأ المشاركة الشعبية في القرار السياسي ".
وكان اهتمام عبد الرحمن البزاز في اعداد قانون الانتخابات التشريعية بالغا فقد اعلن في المؤتمر الصحفي نفسه ان حكومته قد انتهت من اعداد قانون الانتخابات وقال اننا سوف نعرضه على قادة الرأي والهيئات الوطنية والمنظمات الشعبية للاستشارة برأيها قبل اصدار القانون . واضاف ان الانتخابات ستجري خلال الاشهر القليلة المقبلة وسيعقد المجلس النيابي خلال الصيف التالي .
كان عبد الرحمن البزاز يؤمن بان سيد القوم خادمهم ففي ندوة تلفزيونية في بغداد في 19/1/1966 قال" انا من الذين يؤمنون بان الحكام أجراء وأن صاحب الحق الاصلي هو الشعب وان واجب الاجير ان يكون مخلصا مؤتمنا صادقا لا يخفي شيئا عن صاحب الحق الحقيقي ".
وكان من اهم الاجراءات التي اتخذها البزاز القرار الخاص برفع الاقامة الجبرية التي كانت مفروضة على كل من العميد المتقاعد عبد الكريم فرحان وزير الثقافة والارشاد السابق والعقيد صبحي عبد الحميد وزير الداخلية وكانت الاقامة الجبرية قد فرضت على الوزيرين السابقين في 15ايلول/سبتمبر 1965 بعد تردد اسميهما في المحاولة الانقلابية الاولى الفاشلة التي قادها رئيس الوزراء عارف عبد الرزاق .
وعقب المحاولة الانقلابية الفاشلة الثانية التي قادها اللواء عارف عبد الرزاق في 30/6/1966 اصدر البزاز قرارا بالافراج عن 8 متهمين من المدنيين كانت قد اعتقلتهم السلطات العراقية عقب المحاولة رغم الهجوم الذي شنته جهات مؤيدة للمحاولة اتهمت فيها حكومة البزاز بالعمالة وقال البزاز " اذا كان العمل على حل مشكلة الشمال وعلى ازدهار اقتصاديات العراق والعمل الهادىء لتحقيق روح الثورة وتحقيق الوحدة العربية على اسس قويمة يعد عمالة فانا عميل دون ادعاء او تفاخر " .
وكان البزاز قد أمر في 10/5/1966 باطلاق سراح خمسة من اقطاب حزب البعث فورا بعد ان قرر اقفال الدعوى بحقهم لافساح المجال امامهم لخدمة البلد . والخمسة هم :
شفيق عبد الجبار الكمالي المدير العام لوزارة الثقافة والارشاد .
شكري صبري الحديثي
جاسم عبد الباقي الراوي
صفاء محمد علي
نجاد الصافي معاون قائد الحرس القومي
كما قرر البزازاقفال الدعوى بحق ثمانية من ضباط الجيش السابقين واطلاق سراح عشرة اخرين من المعتقلين ممن اتهموا بالاشتراك في محاولة عميد الجوعارف عبد الرزاق رئيس الوزراء الانقلابية الفاشلة التي وقعت في منتصف ايلول / سبتمبر 1965
وكان اللواء عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية قد اصدر مرسوما بتخفيض حكم الاعدام بحق اربعة من السجناء السياسيين الى الاشغال الشاقة المؤبدة .
لكن البزاز لم يكن متساهلا مع المتلاعبين باموال الدولة ففي 5/6/1966 اصدر البزاز قرارا بالحجز على اموال 21 شخصا بتهمة التلاعب باموال الدولة وجميعهم من المتعهدين والمقاولين الذين يعملون لدى الحكومة .

حرية الصحافة

كان عبد الرحمن البزاز يؤمن بحرية الصحافة وفي محاضرة له القاها امام طلبة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في بغداد في 7/3/1966 بعنوان( التحديات التي تواجه امتنا العربية ) قال " انا اقدر ان للصحافة رسالة وان الواجب ان توضع القوانين لحمايتها ولكنني اود ان اؤكد هذه الحقيقة ان الذي يحمي الصحافة ليس القانون بل شعور المسؤولين باهمية الصحافة ، ان الصحافة تجاوزت في بعض الحالات الحد المعقول بالنقد ونحن اخذناها بحلم الحليم وبالاناة والصبر وانا رئيس الوزراء ووزير الداخلية شتمت وعرض بي اكثر من مرة واكثر من صحيفة ومع ذلك ما عملنا شيئا للصحافة ، بل انا ساعمل على وضع القانون في نصابه ولكن اؤكد خيرا من القانون هو ان تبقى الحكومة بالحلم وبتقدير المسؤولية وبروح السماحة " بل ان البزاز أصدر قانونا في 15/9/1965 يقضي بتأسيس صندوق تقاعد للصحفيين العراقيين تساهم الحكومة فيه بمبلغ خمسة الاف دينار(15 الف دولار انذاك) سنويا
وجاء في الاسباب الموجبة ان هذا القانون وضع تكريما للصحفيين ولتوفر الضمانات لمستقبلهم .
ويمنح القانون كل من يمارس اية اعمال صحفية راتبا تقاعديا يتراوح بين 25 –50 دينارا شهريا شرط ان يكون قد امضى في عمله 25 سنة او اكمل الستين من عمره وسدد ما يترتب عليه من اشتراكات لصندوق نقابة الصحفيين.

رحيل الرئيس عبد السلام عارف

لقد عاش العراق منذ 14 تموز/يوليو 1958 سنوات استثنائية في ظل الاوضاع اللاشرعية والقيادة الفردية تفجرت خلالها العديد من المشاكل كالمشكلة الكردية والمشكلة مع ايران ومع سوريا ومع الكويت .
ثم اخذ البزاز حينما تسلم رئاسة الحكومة بعد هذه المشاكل كلها يعد العدة لاستقبال الشرعية من جديد ليتمتع الشعب العراقي بحكم نفسه بنفسه دون وصايا من احد . وفي هذه اللحظات الحاسمة يضرب القدر ضربته فيختفي فجأة الرئيس عبد السلام عارف .
وعقب مصرع الرئيس عبد السلام عارف في حادث سقوط المروحية في 13 نيسان/ابريل 1966 تولى البزاز رئيس الوزراء منصب رئيس الجمهورية بالنيابة الى ان يتم انتخاب رئيس جديد .
وفي 15/4/1966 ذكرت وكالة الانباء العراقية ان المرشحين لرئاسة الجمهورية هم ثلاثة . اللواء عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع واللواء عبد الرحمن عارف وكيل رئيس الاركان وعبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء . وفي يوم 17/4/1966 عقد مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني جلسة مشتركة تم خلالها انتخاب اللواء عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية العراقية بالاجماع . وضم مجلس الدفاع الوطني آنذاك اعضاء مجلس الوزراء وعددهم 16 وكبار قادة الجيش وعددهم 12 عسكريا وهم:
1. اللواء الركن عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع
2. اللواء عبد الرحمن عارف رئيس اركان الجيش بالوكالة .
3. اللواء حمودي مهدي مساعد رئيس اركان الجيش للشؤون الادارية .
4. الواء سعيد قطان مساعد رئيس اركان الجيش للشؤون الادارية
5. العميد زكي حسين حلمي قائد الفرقة الاولى.
6. اللواء ابراهيم فيصل الانصاري قائد الفرقة الثانية.
7. العميد محمود عريم قائد الفرقة الثالثة .
8. العميد يونس عطار باشي قائد الفرقة الرابعة.
9. العميد محمد نوري خليل قائد الفرقة الخامسة.
10. العميد سعيد صليبي آمر موقع بغداد.
11. عقيد الجو حسن عريم وكيل قائد القوة الجوية.
12. المقدم مهدي درويش وكيل قائد القوة البحرية.
وقد شهدت القاعة محاولات لفرض الاراء بالقوة وخاصة بعض العسكريين . وقد ذكر ذلك البزاز في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 23/4/1966 قائلا " اسمحوا لي ان أتبسط قليلا وان اكشف بعض ما جرى في تلك الايام العصيبة. قال بعضهم ان الوضع ان الوضع يتطلب تغييرا في الدستور المؤقت وعودة الى تشكيل قيادة تحكم البلاد. وقلت لهم، ان ذلك يخالف الدستور واهم من مخالفة الدستور سيفسر من قبل الشعب انها خطوة الى الوراء لاننا نمهد لحياة نيابية ونظام دستوري رتيب واقامة مثل هذا المجلس قد يكون مفيدا من جهة ولكن قد يساء تفسيره وقد يعني في اذهان الكثيرين ان فئة تريد ان تحكم البلاد امدا طويلا فاستمسكت بكل طاقاتي وازرني زملائي الوزراء بالدستورية والشرعية وقلت اذا اردنا ان نكسب احترام الشعب وثقته فلا بد لنا ان نتمسك بالاوضاع القانونية والدستورية ".
واضاف البزاز " قال اخرون وقالوا هذا القول بحسن نية ايضا من الخير ان ننتخب اكثر من شخص واحد وان نرجع الى ما يشبه نظام مجلس السيادة . وقلت لهم ان ذلك يخالف الدستور اولا وان ذلك قد يحدث من المشكلات اكثر مما يجب. واننا سنتختلف على من سيكون هؤلاء الثلاثة او الاربعة وان النظام والامن يتطلب الحزم ويتطلب الاستمساك بالنظام الدستوري " .
واضاف البزاز "جادلني البعض مخلصا وما الدستور ومن وضعه او لم تضعه فئة صغيرة وباستطاعتنا ان نعدله. قلت نعم ذلك حق ولكن اذا بقينا على هذه الطريقة سندخل في حلقة مفرغة كلما تغيرت الحكومة او تغير رئيس الدولة ياتي من يقول القائل دعونا نغير الى ما هو الافضل او ما يظن انه الافضل. وهذا يزيل ثقة الناس بالاستقرار النسبي الذي استطعنا ان نحققه ومن الخير ان نتمسك بالاوضاع الراهنة. وقال اخرون ان الوضع يتطلب الحزم ولا يمكن ان يلي المسؤولية الا شخص عسكري قادر على ان يلم الشعب من حوله. وقلت لهم انني وزملائي واحسب ان الشعب معنا في هذا لا يفرق بين عسكري ومدني فالعبرة ليس بمهنة الشخص وانما بقابليته وبملكته. فالخير لنا ان لا ننقسم انقساما جديدا وان لا نضع قواعد خارجة عن روح الدستور ونصه لان الدستور لم يشترط في رئيس الجمهورية بان يكون عسكريا وانما قال عراقيا صفته كذا وكذا قدم للبلاد خدمات وعمره قد تجاوز السن كذا. فاشتراط ان يكون منذ البداية عسكريا مخالفة للدستور ".
وقال البزاز " قال بعضهم يجب ان يكون الاجماع منذ البداية على شخصه قلت لهم. من الافضل ان نسير بالطريقة الحرة وان ننتخب من نشأ بالطريقة التي حددها الدستور, والا فنكون بذلك قد خرقنا احكام القانون واقول لكم باخلاص وبصراحة ان هذه الروح قد قبلت اخيرا من قبل الجميع واننا اتفقنا على ان تجري الانتخابات دونما التزام مسبق ودونما تمايز وان من يرى الحاضرون في هذه القاعة بالذات من اعضاء مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني من يرى ذلك المجلس فيه خيرا وصلاحا لملء هذا المنصب الرفيع يجب ان يملاه دونما التزام مسبق ودونما ضغط او تهديد باستعمال القوة او العنف وسلب الحرية ".
واضاف البزاز " لا اخفيكم ان فريقا صغيرا حاول ان يستعمل طرقا ليست دستورية ولكن بعد الجدل وبعد الحوار آمن الكل ان روح الود والاخاء والشرعية يجب ان تسود " .
وعن انتخاب رئيس للجمهورية قال البزاز في المؤتمر الصحفي نفسه " رشح ثلاثة اشخاص وكان من الطبيعي ان لا يحصل اي منهم في الانتخاب الاول على ثلثي النصاب الذي نصت عليه المادة المخصصة من الدستور المؤقت لانها اشترطت ان ينال المنتخب ثلثي المجموع الكلي للاصوات عند خلو منصب رئيس الجمهورية . هذه المادة الخامسة والخمسون لاي سبب كأن تعقد جلسة مشتركة بين مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني برئاسة رئيس الوزراء لانتخاب رئيس الجمهورية باغلبية ثلثي المجموع الكلي للاعضاء خلال مدة لا تتجاوز اسبوعا واحدا من تاريخ خلو المنصب وذلك ممن تتوفر فيهم الشروط المذكورة في المادة 41 من الدستور والتي تقول – يشترط في رئيس الجمهورية ان يكون عراقيا مسلما من ابوين عراقيين متمتعان بالحقوق المدنية وممن قدموا للوطن والامة خدمات مشهودة على ان لا يقل عمره عن 40 عاما ".
واستطرد البزاز قائلا " وجرى الانتخاب بين ثلاثة اشخاص وما فاز احد منهم بثلثي الاعضاء فقلت وكنت مرشحا- ودعوت الاخوان الى ان ننتخب مرشحا نختاره برغبتنا وبارادتنا الحرة فالذي انتخبناه رئيسا للجمهورية اذن هو الشخص الذي اختاره المجلس المنعقد المؤلف من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني وجرى انتخابه بالاجماع او بما يشبه الاجماع ولم ينتخب لكونه عسكريا ولا لكونه كان شقيقا للمغفور له الراحل العظيم بل – وهذا هو مثبت في محضر الجلسة لانني واثق بان الرجل يمتاز بصفات تبرر ان يشغل هذا المنصب الرفيع ".

وعقب انتخاب اللواء عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية عقد رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز مؤتمرا صحفيا في 23/4/1966 قال فيه " ... حينما وليتُ رئاسة الوزراء في عهد المغفور له عبد السلام عارف فان كوني رئيسا للوزراء لا يجعلني قواما على الشعب وليس من حقي ان ازعم انني امثل الشعب فاذا كانت لنا فضيلة فللشعب ان يحكم على اعمالنا واذا كان لنا هدف فهو تمكين الشعب بعد مرور فترة الانتقال ان نحقق اماله باقامة حياة دستورية وحياة نيابية ".
وكان بعض العسكريين قد طرحوا اثناء انتخاب رئيس الجمهورية ان يكون الرئيس عسكريا واعترض البزاز في حينه على ذلك وقد اكد ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 23/4/1966 أي عقب انتخاب اللواءعبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية قال فيه " أن فريقا قال ان الوضع يتطلب الحزم ولا يمكن ان يلي المسؤولية في هذه الفترة الا شخص عسكري قادر على ان يلم الشعب من حوله وقلت لهم انني وزملائي واحسب ان الشعب معنا في هذا لا يفرق بين عسكري ومدني فالعبرة ليس بمهنة الشخص وانما بقابلياته وبملكاته ، فالخير لنا ان لا ننقسم انقساما جديدا وان لا نضع قواعد خارجة عن روح الدستور ونصه لان الدستور لم يشترط في رئيس الجمهورية بان يكون عسكريا وانما قال عراقيا صفته كذا وكذا قدم للبلاد خدمات وعمره قد تجاوز السن كذا فاشترط ان يكون منذ البداية عسكريا مخالفة للدستور " .
واضاف البزاز" قال بعضهم يجب ان يكون الاجماع منذ البداية على شخصه قلت لهم، من الافضل ان نسير بالطريقة الحرة وان ننتخب من نشأ بالطريقة التي حددها الدستور ، والا فنكون بذلك قد خرقنا احكام القانون واقول لكم باخلاص وبصراحة ان هذه الروح قد قبلت اخيرا من قبل الجميع واننا اتفقنا على ان تجري الانتخابات دونما التزام مسبق ودونما تمايز وان من يرى الحاضرون في هذه القاعة بالذات من اعضاء مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني ، من يرى ذلك المجلس فيه خيرا وصلاحا لملء هذا المنصب الرفيع يجب ان يملاه دونما التزام مسبق ودونما ضغط او تهـديـد باستعمال القــوة او العنف وسلب الحرية ".
وقال البزاز " ولا اخفيكم ان فريقا صغيرا حاول ان يستعمل طرقا ليست دستورية . ولكن بعد الجدل وبعد الحوار آمن الكل ان روح الود والاخاء والشرعية يجب ان تسود ".
والمعلوم انه حين بدأ مجلس الدفاع الوطني ومجلس الوزراء اجتماعاتهم كان المرجح ان الضباط وحدهم هم الذين يملكون الفصل في القضية وقد كان الخلاف ذي اتجاهين . اتجاه بين الضباط انفسهم واتجاه اخر بينهم وبين المدنيين حيث اتضح ان اغلبية الشعب العراقي يؤيد عودة المدنيين الى الحكم لتعود معهم الشرعية الى النظام وكان بعض الضباط يؤيد هذا الاتجاه وحينما رشح البزاز نفسه وكان بعض الضباط يؤيدون هذا الاتجاه . لكن مجىء اللواء بشير الطالب آمر الحرس الجمهوري ومعه مجموعة من العسكريين للضغط على المجتمعين في قاعة مبنى المجلس الوطني لانتخاب اللواء عبد الرحمن عارف. وقد اخبرني الزميل والصديق عبد الرزاق الاسدي الذي كان موجودا في القاعة لمهمة تسجيل المناسبة اذاعيا انه عقب الجولة الاولى من الانتخابات التي حصل البزاز فيها على 14 صوتا من مجموع 28 وحصل اللواء عارف على 13 صوتا فيما حصل اللواء عبد العزيز العقيلي صوتا واحدا وقال لقد طلب المجتمعون مني ان اجلب لهم ورقا من احدى الغرف هناك اوراقا وحينما عدت وجدت على باب القاعة الضابط طارق الجبوري الذي صرخ في وجهي قائلا- انظر اذا لم ينتخبوا اللواء عارف رئيسا للجمهورية سوف لن يخرج احدا من القاعة حيا- ويضيف الاسدي ان كل من في القاعة قد سمع صوت الجبوري عندها التقط البزاز الاشارة وفهم الرسالة واعلن عن تنازله لصالح عارف الذي فاز دون اجراء جولة ثانية .
واشادت صحيفة المنار الاردنية في عددها بتاريخ 26/4/1966 بحديث البزاز في المؤتمر الصحفي الذي عقده عقب انتخاب اللواء عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية وقالت " اكد الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس الوزارة العراقية في مؤتمره الصحفي اول امس تمسك حكومته بالدستور المؤقت للوصول بالبلاد الى الدستور الدائم بعد وضع الامانة في ايدي ممثلي الشعب العراقي المنتخبين ".
واضافت الصحيفة" هذا الوعد من البزاز يفتح صفحة جديدة في تاريخ الانظمة الفردية التي ابتليت بعض الاقطار العربية ويخطو خطوة واسعة في الاتجاه السليم نحو ارساء الحكم على قواعد ثابتة من ارادة الشعب في القطر الشقيق ".
وقالت المنار الاردنية " والبزاز حين يندفع في هذا الاتجاه يكشف عن شجاعة واعية لمواجهة مسؤولياته العظيمة في هذا الظرف الخطير كما يعطي للعقل مكانه اللائق من ميدان الخدمة العامة ولا شك ان الشعب العراقي حين يسير وراء رجالاته نحو الشرعية الراسخة ليكشف عن قدرته على الافادة من التجربة التي خاضها وتجرع كأسها حتى الثمالة ويكشف عن قدرته على التمييز بين الروية والانفعال وبين العقل والعاطفة وبين الشورى والقائد الفرد والزعيم الاوحد ".
واضافت الصحيفة الاردنية " وليس هناك من سبب يدعونا الى الشك من مقدرة البزاز وصحبه على القيام بهذه المهمة الشاقة ، فلقد كان تمسكهم بالدستور المؤقت دليلا على وفائهم بالوعد والتزامهم بالمبدأ مما سهل عليهم اجتياز الايام العصيبة التي مضت ومما يسهل عليهم الوصول ببلدهم الى ما يصبوا اليه من وحدة واستقرار ".
وقالت الصحيفة " لقد ظل العراق ينير للعرب شموع الامل بامكاناته وتراثه وقدرات الامل في القوة والوحدة فثارت فيه البراكين ولفته الزوابع . واليوم حين يسمع المواطن العربي بانكشاف العاصفة وسيطرة الفكر الواعي والارادات القوية الصادقة يحس بالطمأنينة والارتياح وبوضوح الطريق السليم امام العراق بل والاقطار العربية كلها .
واختتمت صحيفة المنار الاردنية افتتاحيتها تقول " واننا مع اخواننا العراقيين نرجو ان يوفق البزاز وصحبه في مهمتهم التاريخية لمصلحة الشعب العراقي والشعوب العربية جمعاء ".
وعقب انتخاب اللواء عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية قدم البزاز إستقالة حكومته الى الرئيس عارف الذي طلب من البزاز تسيير شؤون الدولة الى ان يتم تشكيل حكومة جديدة .
وقال البزاز في كتاب الاستقالة انه يتقدم باستقالة حكومته حسب الاعراف الدستورية راجيا لرئيس الجمهوية الجديد السداد والتوفيق في مهمته الكبيرة .
وقالت صحيفة العرب البغدادية في عددها في 17/4/1966 ان البزاز اسرع في تقديم استقالة حكومته من اجل ان يتيح الفرصة لقيام حكومة جديدة يتطلبها الوضع الجديد الان .
وصدر مرسوم جمهوري في 17/4/1966 اسندت بموجبه وزارة الداخلية بالوكالة الى البزاز اضافة الى رئاسة الحكومة التي تشكلت على النحو التالي :
1. السيد عبد الرحمن البزاز رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية .
2. الدكتور عدنان الباجه جي وزيرا للخارجية .
3. اللواء شاكر محمود شكري وزيرا للدفاع .
4. السيد شكري صالح زكي وزيرا للمالية ووزيرا للنفط بالوكالة .
5. السيد كاظم الرواف وزيرا للعدل .
6. السيد خضر عبد الغفور وزيرا للتربية .
7. المحامي محمد العبطا وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية .
8. الدكتور محمد ناصر وزيرا للثقافة والارشاد .
9. السيد احمد عدنان الحافظ وزيرا للمواصلات .
10. السيد محمد حسن جمعة وزيرا للاصلاح الزراعي وزيرا للزراعة بالوكالة .
11. السيد سلمان الاسود وزيرا للتخطيط .
12. الدكتور عبد الحميد الهلالي وزيرا للاقتصاد .
13. السيد صادق جلال وزيرا للصناعة .
14. السيد حسن ثامر وزيرا للبلديات والاشغال العامة .
15. الدكتور عبد الرزاق محي الدين وزيرا للوحدة .
16. السيد سلمان الصفواني وزيرا للدولة لشؤون الصحافة .
17. السيد فارس ناصر الحسن وزيرا للدولة .
وفي 19/4/1966 اصدر الرئيس عبد الرحمن عارف مرسوما بتعيين الواء الركن عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع السابق رئيسا لاركان الجيش .
وقالت صحيفة الثورة العربية في 20/4/1966 انه يتوقع ان يصدر مرسوم جمهوري يتضمن العفو عن عميد الجو المتقاعد عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء السابق .
ومنذ انتخاب عبد الرحمن عارف في 16 نيسان 1966 وحتى حرب حزيران 1967 كان الحزب الشيوعي يعارض النظام الحاكم بشكل متزايد وشكل الحزب في ايام رئاسة عبد الرحمن البزاز للحكومة مجموعة صدامية مدنية سميت بـ(قسم الحسين ) التي كان يامل الحزب الشيوعي استخدامها كقوة اسناد اذا ما سنحت الفرصة امام الفرع العسكري للحزب للقيام بانقلاب ضد النظام.
ففي اجتماع شباط1967 قررت القيادة المركزية للحزب الشيوعي تشكيل وحدات صغيرة متحركة وثابتة مسلحة في الريف وفي مناطق مختلفة للقيام بشن حرب انصار محدودة وتصفية اكثر قادة الشرطة وحشية .
هذا في الوقت الذي كان فيه الاتحاد السوفييتي قد عبر في 3 آب /اغسطس 1966 اثناء زيارة البزاز لموسكو عن تقديره العميق لسياسة عدم الانحياز التي يسير عليها البزاز وعلى الخطوات الايجابية التي اتخذها لوضع حد للحرب ضد الاكراد فان الحزب الشيوعي العراقي لم يغير موقفه المعادي للبزاز .

سياسة البزاز الخارجية

حينما تسلم البزاز رئاسة الحكومة العراقية بذل جهودا مضنية من اجل اقامة علاقات عربية واسلامية ودولية سليمة مع جميع هذه الدول واكد ذلك في مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 6/2/1966 التي اقر المجلس فيها الخطوط العريضة لسياسة العراق فيما يتعلق بعلاقاته مع الدول المجاورة وبعض الدول الاسلامية الاخرى القائمة في جوارها على تأكيد الروابط الروحية التي تربطها بالعراق ورغبة العراق في التعاون الصادق معها على اساس المصالح المتبادلة وحسن الجوار والعمل لما فيه خير الانسانية دون ارتباط باي حلف من الاحلاف كما جاء في البيان الصادر عن الاجتماع المذكور .
كما اكد البزاز في منهاج وزارته الذي اعلن في 6/11/1965 الذي جاء فيه( التزام الوزارة بميثاق القيادة السياسية الموحدة بين العراق ومصر. وان العراق سيبقى حريصا على ايمانه بوحدة الامة العربية وحدة تتجلى قبل كل شيء في وحدة الهدف والكفاح والمصير وسيسير العراق مع شقيقته الكبرى الجمهورية العربية المتحدة الى ابعد مدى في تحقيق اهداف الامة العربية في اقامة كيانها العام المشترك .
واكد في المنهاج ايضا تعاون حكومته مع الدول العربية كافة في اطار الجامعة العربية وخارجها في خدمة القضايا العربية وتنسيق سياستها الدولية وخاصة نصرة الاخوة ابناء الجنوب العربي وعمان .

السياسة العربية

العلاقات العربية

كان المرحوم عبد الرحمن البزاز مؤيدا ومساندا لحركات التحرر العربية فوقف مع اليمن واكد ذلك في تصريح له في 17/7/ 1966 اعلن فيه وقوف العراق حكومة وشعبا الى جانب الثورة اليمنية . واكد مد يد العون السياسي والمادي الاخوي، كما قال الذي تسمح به امكانات الشعب العراقي . كما عرض البزاز في 30/7/1966 ارسال قوات عراقية الى اليمن للدفاع عن الثورة اليمنية . كما اشار البزاز في منهاجه الحكومي الى تعاون حكومته مع الدول العربية كافة في اطار الجامعة العربية وتنسيق سياساتها الدولية معها وخاصة في نصرة الاخوة ابناء الجنوب العربي وعمان .
وفي 9/10/1965 وصل الى بغداد وفد الجمهورية اليمنية برئاسة الفريق حسن العمري عضو مجلس الرئاسة رئيس الوزراء انذاك في زيارة للعراق اجرى خلالها مباحثات مع الدكتور البزاز وعدد من المسؤولين العراقيين صدر عقبها بيان مشترك عراقي يمني اعرب الجانب العراقي عن تاييد الشعب العراقي وحكومته لجهود الشعب اليمني وحكومته وكفاحهما في سبيل التطور والبناء والمحافظة على مكاسب الثورة ونظامها الجمهوري . كما أعرب الجانب العراقي عن استعداد الحكومة لمساندة الشعبين الشقيقين وتقديم العون المادي .
يرى البزاز ان العراق في وضعه الراهن تحده دول اسلامية غير عربية وتحده من جهة اخرى اقطار عربية شقيقة وقال في مؤتمر صحفي في 23/4/1966 ( ان سياسات العراق تجاه الدول المجاورة غير العربية هي الرغبة الاكيدة للتعايش السلمي والتعاون المخلص في المجالات الثقافية والاقتصادية وتحقيق معاني حسن الجوار وان سياستنا مع الاقطار العربية واضحة المعالم فنحن جزء من الامة العربية ومصيرنا مرتبط بها ليس لمدرك ان يتغافل عنه ولو ساعة واحدة ونحن ندرك يقينا ان مصير الامة العربية النهائي واحد، وان متطلبات القومية العربية تفرض على العرب في كل اقطارهم ان يعملوا من اجل اهدافهم العليا في الوحدة وان يتعاونوا وان يسيروا بخطى وئيدة ومستمرة لبلوغ اهدافهم النهائية في اقامة كيانهم العام المشترك وتحقيق خيرهم الشامل نحن في هذا مؤمنون ومن اجل هذا جادون عاملون ونؤكد بهذه المناسبة ان صلتنا بالاقطار العربية كلها دون استثناء حسنة . وكان البزاز يؤكد دائما ان صلة العراق بالاقطار العربية كلها دون استثناء حسنة وان الخلافات العارضة التي تقع بين الاشقاء لا ترقى الى حد القطيعة وليس لغير العربي ان يستغلها لمصلحته لاننا كما يقول البزاز إن جدّ الجد نتجاوب ونسير صفا واحدا .
وقال البزاز في تصريح آخر له في 3/11/1965 " أننا طلاب وحدة ولكن الامر ليس ميسورا في الوقت الحاضر اذ اننا بحاجة الى ترسيخ وحدتنا الوطنية في البلاد .

علاقة العراق مع الجمهورية العربية المتحدة ( جمهورية مصر حاليا).

كان البزاز حريصا على تطوير وتمتين العلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة مع الاخذ بنظر الاعتبار الخصوصية للمجتمع العراقي او ظروف العراق الخاصة وقال في ندوة تلفزيونية في 16/2/1966 " أن إخواننا في القاهرة وعلى رأسهم السيد الرئيس عبد الناصر يدركون اوضاع العراق جيدا او يعرفون رجال العراق ويقدرونهم حق قدرهم .
واضاف البزاز " نحن سائرون مع الجمهورية العربية المتحدة في سبيل الهدف المشترك . وان ارتباطاتنا بالجمهورية العربية المتحدة لم تضعف ولا يمكن ان تضعف ونحن في ايماننا بالمثل المشتركة تربطنا باشقائنا في ارض الكنانة نحن في هذا الارتباط نصدر عن عقيدة ثابنة متجاوبة ونحن سائرون على الدرب مؤمنون بان بيننا وبين ابناء وادي النيل علاوة على الرباط العام التقاءات فكرية والتزامات تجعلنا نسير دائما وابدا في صف واحد في سبيل الاهداف الواحدة ومن اجل المبادىء الواحدة .
شارك البزاز في اجتماعات القيادة السياسية الموحدة في القاهرة التي كان الرئيس العراقي عبد السلام محمد عارف قد وقع عليها اثناء وجوده في القاهرة لحضور الاحتفال بانتهاء المرحلة الاولى من بناء السد العالي باسوان في 13 ايار/مايو 1964 فبعد الانتهاء من مراسم الاحتفالات عقد عارف العديد من الاجتماعات مع الرئيس عبد الناصر تم خلالها التوصل الى اتفاق على مباشرة اولى الخطوات للتحرك الوحدوي بين بغداد والقاهرة توجت بالتوقيع في 16 ايار /مايو على تشكيل مجلس رئاسة مشترك بين الجمهورية العربية المتحدة وبين الجمهورية العراقية . كما صدر قرار بتعيين الاعضاء المتفرغين في مجلس الرئاسة من الجانبين العراقي والمصري . وقد مثلّ الجانب العراقي السادة ناجي طالب واديب الجادر وعبد الستار علي الحسين . كما توصل الرئيسان ناصر وعارف حلال اجتماعاتهما يومي 15 و16 ايار /مايو على ضرورة انشاء قيادة سياسية موحدة بين الجمهوريتين العراقية والعربية المتحدة تعمل على اقامة الوحدة الدستورية . التي عقدت اولى اجتماعاتها للفترة ما بين 19- 25 ايار 1965 دارت خلالها مناقشات حول برنامج عمل القيادة السياسية وصدر بيان مشترك بذلك جاء فيه ان الوحدة هي اسمى هدف قومي يسعى اليه الشعب في البلدين وان العمل الاساس والحاسم في طريق الوحدة هو تحقيق الوحدة الوطنية في العراق . كما جاء في البرنامج التأكيد على وحدة الجيش وابعاده عن الحزبية والتكتلات السياسية.
وكان من بين قرارات القيادة السياسية الموحدة التي صدرت في 19/2/1966 التأكيد على وحدة التراب العراقي ووقوفها في وجه اية محاولة خارجية او داخلية او اقتطاع جزء منه .
كما ايدت قرارات القيادة السياسية الموحدة الاجراءات التي اتخذتها حكومة البزاز لتوثيق علاقات العراق بالدول المجاورة له .
واكد البزاز في منهاجه الوزاري التزام حكومته بميثاق القيادة السياسية الموحدة وبيانها الصادر في 26/5/ 1965 وقال البزاز ان العراق سيبقى حريصا على ايمانه بوحدة الامة العربية وحدة تتجلى قبل كل شيء في وحدة الهدف والكفاح والمصير ، وسيسير العراق مع شقيقته الكبرى الجمهورية العربية المتحدة الى ابعد مدى في تحقيق اهداف امتنا العربية في اقامة كياننا العام المشترك وتتعاون هذه الحكومة مع الدول العربية كافة في اطار الجامعة العربية وخارجها في خدمة القضايا العربية وتنسيق سياستها الدولية .
وفي 7/11/1965 ذكرت صحيفة الجمهورية البغدادية ان حكومة البزاز ابلغت الجمهورية العربية المتحدة باسماء الجانب العراقي للقيادة السياسية الموحدة برئاسة الرئيس عبد السلام عارف وعضوية عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء واللواء عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع وعبد اللطيف الدراجي وزير الداخلية والدكتور عبد الحميد الهلالي وزير الاقتصاد والسيد شكري صالح زكي وزير المالية والسيد رشيد مصلح وزير المواصلات والسيد عبد الرزاق الاسود وزير التخطيط والدكتور محمد ناصر وزير الثقافة والارشاد والدكتور عبد الرزاق محي الدين وزير الوحدة الذي انتدب لاشغال منصب الامين العام للقيادة السياسية الموحدة اضافة الى منصبه كوزير للوحدة .
وبعد فشل المحاولة الانقلابية الاولى التي قادها عميد الجو عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء وسيطرة الرئيس عبد السلام عارف على الاوضاع في العراق بادر للاتصال بالرئيس عبد الناصر لعقد الاجتماع الثاني للقيادة السياسية الموحدة بالقاهرة ليأخذ زمام المبادرة من القيادات القومية الوحدوية في العراق التي بدأت تحاول السيطرة على الشارع العراقي من منطلق توجيه الاتهام المباشر لرئيس الوزراء الجديد عبد الرحمن البزاز بانتهاج سياسة منحرفة عن طريق الوحدة والاشتراكية الامر الذي انعكس رد فعله بطبيعة الحال على موقف الرئيس عارف شخصيا باعتباره المسؤول الاول عن كل ما يتخذه رئيس وزرائه من اجراءات وما يصدره من قرارات .
واستجابة من الرئيس عبد الناصر لطلب عارف تم الاتفاق على ان يسبقه البزاز الى القاهرة يوم 7 شباط /:فبراير 1966 على راس وفد عراقي ليجري هناك محادثات تمهيدية مع الوفد المصري المشكل برئاسة خالد محي الدين رئيس وزراء الجمهورية العربية المتحدة الذي تناول بالتفصيل الظروف التي مرت بها اتفاقية جدة حول الوضع في اليمن والتي تم بمجبها سحب القوات المصرية من اليمن مقابل رفع السعودية يدها عن مساعدة القوات الملكية اليمنية .
وقد اشار البزاز في الاجتماع الى ان العاهل السعودي الملك فيصل اخبره خلال اجتماعه به في الرياض بعدم تحمسه لبقاء اسرة حميد الدين وان غاية ما يريده هو ان يكون هناك استقرار في المنطقة .
وانتقل البزاز ليتناول علاقة العراق بايران موضحا ان هدف ايران الاساس هو ابتعاد العراق عن الجمهورية العربية المتحدة الامر الذي دفع شاه ايران لخلق مشاكل الحدود للضغط على العراق . ثم بادر بمساعدة الاكراد واثارة الطائفية .
وقد تناول الجانب المصري موضوع الحلف الاسلامي مشيرا الى ان وجود ايران الشاه ضمن الداعين للحلف يثير الشبهات حول حقيقة اهدافه .
وقد ايد البزاز الرأي موضحا ان الشاه بالذات ابعد ما يكون عن الاسلام وان مهمتنا هي الاستفادة من كل العناصر الاسلامية المخلصة في ايران والذين يحبون العرب والعروبة .
ثم تطرق الحديث الى صفقات الاسلحة لاسرائيل فاشار البزاز الى مماطلة الاتحاد السوفييتي في بيع الاسلحة .
ورد زكريا محي الدين موضحا ضرورة تحسين العراق لعلاقاته بالاتحاد السوفييتي ليستجيب لمطالب العراق باعتباره المورد الوحيد للاسلحة للدول العربية . واشار محي الدين انه بعد زيارة الرئيس عبد الناصر لموسكو وشرحه للوضع في العراق كانت لدى الروس النية ليتجاوبوا مع مطالب العراق ويساعدوه الى حد كبير الا ان اغلاق السلطات العراقية لجمعيات الصداقة اوحى للروس بتغيير العراق لسياسته تجاه الاتحاد السوفييتي وان الموضوع يحتاج الى بعض الجهود لاعادة العلاقات الى ما كانت عليه .
واختتم الاجتماع باثارة البزاز لموضوع الاشتراكية حيث اوضح انه ملتزم بالاشتراكية في خطوطها العريضة .
كما تحدث البزاز عن الاتحاد الاشتراكي في العراق واصفا اياه بانه عملية مظهرية مطالبا بضرورة اعادة تنظيمه وقال انه سيقوم بنشاط وافر في هذا المجال خلال الفترة القادمة موضحا ان سبب تأخيرهم في ذلك يعود الى اعباء الحكومة في مجال اعادة الميزانية والتنظيمات الحكومية .
واثار البزاز موضوع الاشتراكية ومفهومها وقال ان وجود دعايات مضادة تربط بينها وبين الماركسية
وقد رد زكريا محي الدين على ما جاء في حديث البزاز عن الاشتراكية بصورة تؤكد الفرق الشاسع بين عقلية وتفكير بعض العسكريين وبين عقلية رجل القانون امثال البزاز . فقد جاء رد زكريا محي الدين بقوله ان الاشتراكية يجب ان يفهما الاخوة في العراق بنفس المفهوم الذي نفهمه في مصر ونعيه وليس بالمفهوم الذي يفهمه اي فرد اخر وضرورة اصرارنا على تلك المعاني .
وطالب البزاز بادخال تعديل على برنامج عمل القيادة السياسية الموحدة بالنسبة للبند الذي ينص على اجتماع القيادة بكامل هيئتها او جزء منها حسب مقتضيات العمل . وتمّ الاتفاق على ترك هذا الموضوع للرئيسين ناصر وعارف ويبقى النص على ماهو عليه .
وفي 30 /5/1966 اعلن في بغداد ان رئيس الوزراء الدكتور عبد الرحمن البزاز امر بتشكيل لجنة خاصة لدراسة موضوع قبول الحكومة العراقية بطاقات الهوية الشخصية كوثائق سفر لابناء الدول العربية .
ومما يذكر ان مجلس الوحدةالاقتصادية العربية كان قد اوصى باستعمال هذه البطاقة لتنقل رعايا الدول العربية من دولة الى اخرى .
ويضم المجلس في عضويته الاردن والعراق والكويت والجمهورية العربية المتحدة وسوريا .
وقال البزاز في حديث صحفي له بتاريخ 15/11/1965 " ان المصريين يدركون ان للعراق أوضاعا خاصة حتى ان الرئيس عبد الناصر اكد شخصيا هذا المعنى وكان يوصي بسلوك السبل الرشيدة الخاصة بالعراق ".
وقام البزاز بزيارة للقاهرة واجرى محادثات مع رئيس وزراء الجمهورية العربية المتحدة انذاك السيد زكريا محي الدين وصدر بيان مشترك عن الزيارة في 21/10/1965 اكد على ان الوحدة الوطنية هي الاساس الطبيعي للوحدة القومية الشاملة وان العمل على استكمال الوحدة الوطنية هو التمهيد الحتمي لبلوغ الغاية القومية العليا .
وجاء في البيان كذلك ان الجمهورية العربية المتحدة تساند شقيقتها الجمهورية العراقية في مسعاها للحفاظ على وحدة اراضيها والقضاء على جميع المحاولات التي ترمي الى المساس باستقلال العراق وحريته ووحدة اراضيه . واتفق رئيسا الحكومتين على ان الوحدة العربية ليست صورة دستورية واحدة لا مناص من تطبيقها ولكنها طريق طويل قد تتعدد عليه الاشكال والمراحل وصولا الى الهدف الاخير . وان أي حكومة وطنية في العالم العربي ستمثل ارادة شعبها ونضاله في اطار من الاستقلال الوطني هي خطوة نحو الوحدة من حيث انها ترفع كل سبب للتناقض بينهما وبين الامال النهائية في الوحدة . وجاء في البيان المشترك ان رئيسي الحكومتين اعربا عن اغتباطهما بما تبذله الدولتان من جهود فعالة لتحقيق هدف الامة العربية في الوحدة .

العلاقة مع سوريا

وعن العلاقات مع سوريا قال البزاز " لقد كانت هناك ومع الاسف الشديد اقول بعض المهاترات وبالدرجة الاولى من جانب واحد، وبالتأكيد ليست من جانبنا وهناك تعريضات كلامية نسمعها بين الحين والاخر او نقرأها في بعض الجرائد المتعصبة ولكن مع ذلك لم يمنع سوريا من ان تتجاوب وان تعلن تأييدها التام للعراق حينما كان العراق معرضا الى ضغط او احتمال تعد من دولة اجنبية .
وفي حكومة البزاز تم اعادة العلاقات الدبلوماسية بين العراق وسوريا على مستوى السفراء .
ففي 11/12/1965 اعلن في دمشق رسميا ان العراق ابلغ سوريا موافقته على استئناف تبادل السفراء معها بعد انقاع استمر سنتين أي عقب الانقلاب الذي قاده الرئيس عبد السلام عارف ضد سلطة حزب البعث في 18/11/1963. ورغم ذلك فان النظام في سوريا اعلن عن وقوفه مع العراق في ازمته مع ايران .
وقد اشادت صحيفة الثورة العربية البغدادية الناطقة بلسان الاتحاد الاشتراكي العربي في العراق بموقف سوريا من نزاع الحدود بين العراق وايران .
وقالت الصحيفة ان موقف سوريا موقف مشرف اظهرت بشكل قاطع ان الاخوة العربية والدعم العربي اقوى من كل علاقة واسمى من كل رابطة وهي علاقة تسمو على كل الخلافات الجانبية العقائدية .
واضافت الثورة العربية انه يتحتم على الدول العربية الاخرى ان تقف من هذه القضية الموقف ذاته الذي وقفته سوريا .
وكان رئيس الوزراء ووزير الخارجية السوري انذاك السيد صلاح الدين البيطار قد استقبل القائم باعمال السفارة العراقية في دمشق السيد حقي المفتي الذي سلم البيطار مذكرة تتضمن شرح الموقف على الحدود بين العراق وايران حول الاكراد والاعمال العسكرية التي قاموا بها خارج العراق يومي الثاني والثالث كانون الثاني/يناير 1966 بسبب حشد القوات الايرانية على الحدود العراقية .
وقال مصدر رسمي سوري ان الجمهورية العربية السورية ادراكا منها لما ينجم عن هذا الموقف من اخطار على أمن المنطقة وسلامتها وادراكا منها للحركات المشبوهة التي تكمن وراءها تؤيد القطر العراقي الشقيق في موقفه .
من جهته اشاد البزاز بموقف سوريا المؤيد للعراق خلال الازمة مع ايران وقال في ندوة تلفزيونية في 19/1/1966 ان هذا الموقف كان موقفا كريما ونبيلا وهو دليل قاطع على ان الخلافات عارضة ولا قيمة لها في جوهر الوجود .
وكان القائم باعمال السفارة العراقية في دمشق قد اعلن عقب اجتماعه بالسيد شاكر مصطفى وزير الاعلام السوري انه قدم شكر حكومة العراق لسوريا على موقفها الاخوي بشجبها التدخل الخارجي في شؤون العراق وتأييدها لجهود العراق لتسوية نزاعه مع ايران بالطرق السلمية .
من جانبه اعرب الدكتور محمد ناصر عن وقوف العراق الى جانب سوريا . وقال في حديث لرجال الصحافة المحلية والعربية في بغداد بتاريخ 6/1/1966 رداً على سؤال حول اشاعت عن وجود حشود اسرائيلية عسكرية على حدود سوريا انه بغض النظر عن الخلاف بيننا وبين الحكومة السورية في بعض القضايا فاننا نسند سوريا ونقف الى جانبها ضد أي تهديد تتعرض اليه .
وحينما وقعت ( الحركة التصحيحية ) بقيادة صلاح جديد التي اطاحت بحكم الفريق امين الحافظ رئيس الدولة السورية في 23/2/1966 اجتمعت حكومة البزاز واصدرت بيانا بلسان مجلس الوزراء جاء فيه ( ان المجلس نظر في الوضع المتأزم في القطر السوري الشقيق وهو حين اتخذ القرارات الاحتياطية اللازمة في مثل هذا الظرف ليرجوا مخلصا ان يوفق الشعب السوري الشقيق لان يجد طريقه الذي يحفظ له كرامته وعروبته وان لا يفسح للعدو الجاثم على الحدود النيل منه )
في الوقت الذي وصف الدكتور نور الدين الاتاسي رئيس الدولة السورية الحكم في العراق بأنه رجعي وقال في خطاب له لمناسبة انقلاب 8 اذار /مارس 1966 (اولئك الذين انقلبوا على ثورة الثامن من شباط/فبراير لا يزالون يمارسون حتى اليوم وتحت شعارات قومية مزيفة اشرس انواع الرجعية ).
كما شنت الصحف السوريةهجوما على المنهاج الذي اعلنه البزاز بشأن مشكلة الاكراد . إلا أن البزاز لم يستغرب من ذلك الهجوم ورد عليه قائلا (متى لم تشن سوريا هجوما عليّ ) وتساءل أي عمل قمنا به ولكن سامحهم الله . وقال انه على علم خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة حملت الصحف السورية عليه وعلى عارف عبد الرزاق في آن واحد .
ورغم مواقف النظام الجديد في سوريا المعادية لنظام الحكم في العراق الا ان البزاز وحكومته حاولا تهدئة الازمة ولم يعط الفرصة لاعداء الامة العربية باستغلال حالة التأزم التي يعتبرها البزاز طارئة ومؤقتة فقد اعرب وزير الدفاع العراقي شاكر محود شكري عن وقوف العراق الى جانب سوريا وقال في تصريح لصحيفة البلد البغدادية في 9/6/1966 ( ان العراق سينفذ جميع التزاماته القومية ازاء كل عدوان يرتكب ضد سوريا مهما يكن مصدره )
واضاف( ان الجيش العراقي مستعد لتلبية أي طلب للنجدة يصدر عن سوريا في حالة تعرضها لعدوان صهيوني او استعماري وان كل عدوان على سوريا التي تتوالى عليها المؤامرات الاجنبية يعتبر عدوانا على الامة العربية كلها . كما ان معركة سوريا هي معركة العروبة الصحيحة) .
واستمرت حكومة البزاز في التنسيق مع الجانب السوري حول تقاسم المياه على نهر الفرات عقب الاعلان في دمشق عن انشاء سد على نهر الفرات فقد زار العراق وفد سوري برئاسة الدكتور نور الدين الرفاعي في بداية حزيران/يونيو1966 واجرى مباحثات مع الجانب العراقي بغية الوصول الى تحديد حصص كل من البلدين بشكل يضمن مصالح الطرفين .

العلاقة مع الكويت

بذل البزاز جهودا من اجل تعزيز وتطوير العلاقات الاخوية مع الكويت . وقد زار العراق في 4/6/1966 الشيخ صباح السلم الصباح امير دولة الكويت يرافقه الشيخ صباح الاحمد الجابر وزير الخارجية وخالد عيسى الصالح وزير الاشغال العامة واجرى مباحثات مع الجانب العراقي برئاسة عبد الرحمن عارف وضم في عضويته كل من عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء والدكتور عدنان الباجه جي وزير الخارجية والسيد شكري صالح زكي وزير المالية والسيد احمد عدنان حافظ وزير المواصلات وشارك في المباحثات سفيري البلدين محمد عبد اللطيف الحمد سفير دولة الكويت في بغداد والسيد عبد الحميد نعمان سفير العراق لدى الكويت .
واعرب الطرفان في البيان المشترك عن ارتياحهما لتقدم العمل في تنفيذ مشروع تزويد الكويت بالمياه العذبة وفقا للاتفاقية المبرمة بينهما . كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة لتحديد الحدود بين البلدين يتم تشكيلها وتحديد اختصاصاتها بالاتفاق بين الطرفين خلال شهرين من تاريخه .
من جانبه قال الشيخ جابر الاحمد الجابر ولي العهد رئيس مجلس الوزراء انذاك فـي تصريح صحفي ( ليس هناك ما يستوجب تطور الخلاف في الحدود بين الكويت وكل من ايران والعراق الى نزاع مسلح فاننا متفاهمين مع جيراننا ونأمل ان ننهي الموضوع في القريب العاجل ) .
وفي مقابلة اجرتها معه وكالة الانباء العراقية قال الشيخ صباح السالم الصباح امير الكويت قال اننا نأمل ان نتوصل خلال زيارتنا الحالية الى ازالة كل ما هو عالق بالصفاء الذي تتسم به روابط البلدين . ونحن مشبعون بالتفاؤل لايماننا بان المسؤولين في العراق وعلى رأسهم الرئيس عبد الرحمن عارف يشاركوننا نفس المشاعر والاهداف .
واضاف الشيخ الصباح ان موضوع الحدود بين الكويت والعراق لا يزال معلقا حتى الان وسنبذل قصارى جهدنا لانهاء هذا الموضوع تأكيدا لمصلحة الشعبين الشقيقين .
ونفى الانباء التي ترددت عن صرف الكويت النظر عن سحب المياه العذبة من شط العرب الى الكويت وقال ان هذه الانباء عارية عن الصحة وان دراسات تفصيلية يجري اعداده الان لتنفيذ هذا المشروع .
وصدر بيان عراقي – كويتي مشترك في 7/6/1966 جاء فيه (ان الطرفين وافقا على استثمار رؤوس الاموال الكويتية في مشاريع التنمية العراقية وكذلك العمل على تنقية الجو العربي وتوحيد كلمة العرب لمواجهة المؤامرات المدبرة ضدهم ) .
وفي حديث للبزاز قال في المؤتمر الصحفي في 23/4/1966 ( للعراق مشكلة جزئية مع دولة عربية هي الكويت وجزئية اوكد جزئية جدا ، ولكن لما جدّ الجد كانت الكويت متجاوبة ومنسجمة لشعورها العربي واستعدادها لعون العراق )

العلاقة مع المملكة الاردنية الهاشمية

وحول علاقات العراق مع المملكة الاردنية الهاشمية فقد سعى الدكتور البزاز الى تعزيز وتطوير العلاقات معها انطلاقا من الروابط القومية فقد زار الدكتور البزاز المملكة الاردنية الهاشمية في 3/10/1965 وهو في طريقه الى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة توقف في مطار العاصمة الاردنية عمان حيث التقى بارض المطار بسمو الامير الحسن بن طلال ولي العهد آنذاك الذي صادف وجوده في المطار اثناء توديعه لسمو الاميرة فريال في سفرها الى لندن على الطائرة نفسها المقلة للدكتور البزاز الذي كان في استقباله المرحوم وصفي التل رئيس الوزراء الاردني والمرحوم الشريف عبد الحميد شرف وزير الاعلام الاردني انذاك وتبادل البزاز معهم الحديث حول تنمية التعاون الاعلامي بين الاردن والعراق وتنشيط السياحة الاردنية والعراقية . كما بحث البزاز العلاقات بين البلدين الشقيقين وسبل تطويرها وتدعيمها وفي حديث لوكالة الانباء الاردنية قدم البزاز اطيب التحيات للاردن الشقيق وقال انه يأمل ان تتحقق المبادىء العليا التي اتفق عليها في مؤتمر القمة العربي الثالث في الدار البيضاء حتى يعم الصفاء بين ابناء الامة العربية .
وكان الدكتور محمد ناصر وزير الثقافة والارشاد في حكومة البزاز والسيدة عقيلته قد نزلا في العاصمة الاردنية عمان قادما من موسكو حيث كان يشغل سفير العراق لدى الاتحاد السوفييتي وكان في استقباله السيد علي حسن عودة وكيل وزارة الاعلام الاردنية نيابة عن وزير الاعلام . وبعد استراحة قصيرة في صالة الشرف بمطار عمان غادر الدكتور ناصر الى بغداد لاستلام مهام عمله كوزير للثقافة والارشاد بعد ان اعرب عن شكره العميق للمسؤولين الاردنيين على الحفاوة التي لقيها واعرب عن امله في ان تتحقق وحدة العرب في جو من الاخوة والاحترام المتبادل .
وكان المرحوم وصفي التل رئيس وزراء الاردن قد بعث ببرقية تهنئة للدكتور البزاز بمناسبة تسنمه مهام رئاسة الحكومة العراقية . وقد ردّ الدكتور البزاز على برقية التل بما يلي :
دولة السيد وصفي التل رئيس مجلس الوزراء – عمان
يطيب لي ان ابعث لسيادتكم ولاعضاء الحكومة الاردنية بجزيل شكري على تهانيكم الرقيقة بمناسبة تسلمي منصب رئاسة الوزارة متمنيا لكم وللشعب الاردني الشقيق دوام التقدم والازدهار.
وفي عهد البزاز جرت محاولات تثبيت الحدود بين البلدين فقد ذكرت صحيفة المنار الاردنية الاسبوعية الصادرة في 26/9/1965 انها علمت ان مذكرة من الحكومة الاردنية قد وجهت بالطرق الدبلوماسية الى الحكومة العراقية بشأن تثبيت الحدود بين البلدين الشقيقين . واضافت الصحيفة الاردنية انها علمت انه سيتم تشكيل لجنة اردنية برئاسة السيد عبد الوهاب المجالي وزير الداخلية وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء للتباحث مع لجنة عراقية مماثلة بشأن تثبيت الحدود المشار اليها .
وفي 5/12/1965 وصل الى بغداد وفد اقتصادي اردني برئاسة حاتم الزعبي وزير الاقتصاد الوطني الاردني الذي قال ان زيارته تهدف الى ايجاد افضل تعاون اقتصادي بين البلدين عملا بسياسة الحكومة الرامية الى ايجاد امتن العلاقات الاقتصادية بين الاردن والبلدان العربية وخاصة البلدان المشاركة في الشوق الاوربية المشتركة وكذلك اجراء محادثات مع المسؤولين العراقيين بهدف زيادة التبادل التجاري ولبحث تعديل الاتفاق الاقتصادي المعقود بين البلدين عام 1954 ليتماشى مع التطور الذي احرزه البلدان في قطاعي الصناعة والزراعة اضافة الى زيادة التبادل التجاري بين البلدين ومسألة تقديم تسهيلات النقل والترانزيت بما في ذلك الاستيراد عن طريق العقبة ودعم مشروع الطريق البري الذي يربط الجمهورية العربية المتحدة بالاردن والعراق . كما بحث الوفد الاردني الامور المالية المعلقة بين البلدين .
وفي 9/12/1965 تم التوقيع على الاتفاق الاقتصادي الجديد بين العراق والاردن وتضمن اعفاءات جمركية على السلع المتبادلة بين البلدين .
وفي 18/12/1965 استقبل المرحوم وصفي التل رئيس وزراء الاردن السيد فواز ابو الغنم القائم باعمال السفارة الاردنية في بغداد الذي اجتمع كذلك بوزير الخارجية السيد حازم نسيبة ومع مسؤولين اردنيين اخرين واشاد خلال هذه الاجتماعات واللقاءات بالعلاقات الممتازة بين الاردن والعراق وقال ان المسؤولين العراقيين ابدوا استعدادهم التام لتنمية العلاقات بين البلدين وسلمهم مذكرة من حكومة البزاز تفيد انها قررت رسميا اعفاء جميع الرعايا الاردنيين من سمات الدخول والسماح لتنقل رعايا البلدين بالهوية فقط تنفيذا لقرار مجلس الوحدة الاقتصادية .
وقالت صحيفة المنار الاردنية في عددها بتاريخ 27/12/1965 ان وزارة الداخلية الاردنية زودت فواز ابو الغنم القائم باعمال السفارة الاردنية في بغداد بنموذج الهوية الموحدة . واضافت المنار انها علمت ان حكومة العراق ستعلن حال تسلمها نموذج الهوية عن السماح لرعايا الاردن بدخول الاراضي العراقية بالهوية الشخصية وان الحكومة العراقية كذلك قررت من حيث المبدأ تطبيق بنود اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية المتعلقة باستعمال الهوية بالنسبة لرعايا الدول المشتركة في الاتفاقية . اما بالنسبة لنظام التشكيلات الادارية فسيستعين به العراق لوضع نظام مشابه لتطبيقه هناك .
وقالت المنار ان مذكرة قد وردت من العراق تطلب تعيين الوفد الاردني المفاوض لتعيين الحدود وتعديلها بين الدولتين الشقيقتين وان من المنتظر تشكيل وفد لهذه الغاية في غضون الايام القليلة القادمة .
ومن جهته أعلن أبو الغنم عن قبول العراق للطلاب الاردنيين في المعاهد العراقية وجامعة بغداد وقال ان ستين طالبا يتلقون علومهم على نفقة الحكومة العراقية كما انه تم قبول 350 طالبا في مختلف المعاهد .
واضاف ابو الغنم انه تم تشكيل لحنة عراقية للتباحث مع لجنة مماثلة لتعديل الحدود في منطقة طريبيل ون المنتظر ان تشكل اللجنة الاردنية في غضون الايام القليلة القادمة .
واشار ابو الغنم الى ان المسؤولين العراقيين قد ابدوا استعدادهم كذلك لتعديل الحدود في أية منطقة ترغب الحكومة الاردنية في تعديلها وحسب ما تراه مناسبا .
وفي 27/12/1965 اعلن في بغداد ان مجلس الوزراء برئاسة عبد الرحمن البزاز اقر الاتفاق الاقتصادي الجديد الذي وقع بين العراق والاردن ببغداد في 9/12/1965 والذي يحل محل الاتفاق المعقود بين البلدين عام 1954 . وينص الاتفاق الجديد على تسهيل تبادل المنتجات الزراعية والحيوانية والثروات المعدنية واعفائها اعفاءا كاملا من الرسوم الجمركية. كما ينص الاتفاق الجديد منح تسهيلات في ميناء العقبة الاردني للبضائع العراقية المارة بطريق الترانزيت .
وكان العاهل الاردني الراحل الملك حسين قد بعث ببرقية تهنئة الى الرئيس العراقي اللواء عبد الرحمن عارف بمناسبة القضاء على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها عميد الجو عارف عبد الرزاق والتهنئة بمناسبة اعلان البزاز بيانه الخاص بحل المشكلة الكردية جاء فيها :
سيادة الاخ اللواء عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية العراقية – بغداد
لقد فوجئنا باخبار المؤامرة على سلامة العراق الشقيق واستقراره ونشكر الله الذي وفقكم للقضاء عليها في مهدها . ونغتنم هذه المناسبة لنبعث اليكم باجمل التهاني على المخطط القومي الذي اعلنه رئيس وزرائكم لحقن الدماء وجمع شمل الشعب العراقي واعادة الوئام والسلام مع اخواننا الاكراد واشقائنا في الوطن والدين والنضال الطويل راجين ان يلقي هذا المخطط كل نجاح وتوفيق . مع اطيب التمنيات لسيادتكم وللشعب العراقي الشقيق وحفظ الله العراق من كل سوء .

 


العلاقة مع المملكة العربية السعودية

في 6/2/1966 عقد مجلس الوزراء برئاسة عبد الرحمن البزاز جلسة ناقش خلالها سياسة العراق الخارجية والقومية . كما بحث المجلس علاقات العرق بالبلدان المجاورة ووضع الخطوط العريضة لهذه العلاقات التي قال البزاز انها تقوم على الروابط الروحية والثقافية معا دون الارتباط باي حلف من الاحلاف واستعرض المجلس علاقات العراق مع الكويت والاردن والعربية السعودية وسوريا واستمع المجلس الى تقرير قدمه البزاز بصفته وزيرا للخارجية اشار فيه الى التحسن الملموس في هذه العلاقات .
ومن هذا المنطلق كان البزاز حريصا على تعزيز العلاقات العربية ففي 1/1/1966 زار البزاز المملكة العربية السعودية وكان في استقباله الامير خالد بن عبد العزيز ولي العهد والامير سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض . ثم قام فور وصوله بمقابلة العاهل السعودي الملك فيصل الذي بحث معه الاشتباكات التي وقعت على الحدود العراقية – الايرانية . كما بحثا القضايا المتعلقة بالوطن العربي بصورة عامة والعلاقات بين السعودية والعراق بصورة خاصة . كما ادى البزاز اثناء زيارته مناسك العمرة .
وصرح البزاز عقب عودته الى بغداد في مؤتمر صحفي عقده في 12/1/1966 من واجبنا ان نتصل بكل البلاد العربية والمملكة العربية السعودية دولة شقيقة تربطنا بها صلات وثيقة استغللت وجودي للعمرة لزيارة جلالة الملك فيصل وجرى بيننا حديث ودي أخوي وتعلق بالدرجة الاولى بشرح سياستنا تجاه ايران ورجائنا وهو الذي كان سبق ان تحدث اليهم في مشكلاتنا معها ان يبذل مزيدا من الجهد الاخوي في تقليل على اقل تقدير الضغط الايراني وافهام ايران وهو صديق لايران ومن حقه ان يكون صديق لكل دولة مسلمة ايضا طلبنا الى جلالته فاستجاب الى هذا بكل رضى وبكل ود ان يبذل مساعيه الحميدة للتقريب بين وجهات نظرنا . اما الزعم بالاحلاف او الحلف الاسلامي فلم يبحث الرجل هذا الموضوع مطلقا ولا احسب انه يروم ان يكون حلفا من هذا الطراز.
واضاف البزاز ان مباحثاته مع الملك فيصل دارت ايضا حول الشؤون العربية وقضايا اخرى تهم البلدين وقال انه نقل الى الملك فيصل عند اجتماعه به في الرياض رسالة خاصة من الرئيس العراقي عبد السلام عارف . كما نقل رسالة جوابية أخرى من الفيصل الى الرئيس عارف .
وعن زيارة البزاز للسعودية تحدثت صحيفة الفجر الجديد البغدادية في عددها بتاريخ 3/1/1966 قالت ان المحادثات التي اجراها البزاز مع الملك فيصلا إستأثرت باهتمام الاوساط الوطنية . واشارت الى ان هذه الزيارة جاءت في وقت دقيق يحفل بكثير من المظاهر والامور المثيرة التي تمثلت بالحشود والمناورات العسكرية على حدود بعض البلدان العربية .
بعد اعلان قرار الانسحاب البريطاني من الخليج طرحت فكرة قيام جبهة عربية موحدة قوامها العربية السعودية والكويت والعراق في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف لمواجهة تحديات المستقبل سواء كانت في شكل صدام ضد الاطماع الايرانية او تعايش مع الجارة المسلمة . وقد اعلن عبد الناصر دعمه للفكرة وشجع عارف على التجاوب مع الدعوة السعودية – الكويتية . وقبل ان تتبلور الاتصالات بين الرياض وبغداد وقع انقلاب 17 تموز/يوليو الذي قاده معاون مدير الاستخبارات العسكرية العراقية انذاك عبد الرزاق النايف ونفي الرئيس عبد الرحمن عارف الى تركيا .
وحينما نشبت الازمة بين العراق وايران ابدى الملك فيصل استعداده للتوسط بين البلدين وقال في مؤتمر صحفي عقد اثناء زيارته للاردن نهاية شهر كانون الثاني/يناير 1966 (اننا لا ندخر وسعا في تحسين وتوثيق العلاقات بين اية دولة عربية ودولة اخرى خاصة اذا كان هناك حوار بين الدولتين المتنازعتين) .
واضاف ( اعتقد انه ستكون في المستقبل القريب نتائج طيبة لجهود تحسين العلاقات بين العراق وايران ) .

السياسة الاجنبية

التزمت حكومة البزاز في منهاجها الوزاري بميثاق هيئة الامم المتحدة التزاما كاملا واكد تعاونها مع الدول المحبة للسلام العادل كافة بما يحقق الامن والسلام الدوليين . وقال انها ستسعى لاقامة افضل العلاقات مع الدول الاسلامية المجاورة وتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية معها .

العلاقة مع الاتحاد السوفييتي

رغم ان البزاز لم يكن شيوعيا الا انه حاول اقامة علاقات حسنة ومتينة مع الاتحاد السوفييتي مبنية على الاحترام المتبادل . وبذل جهودا من اجل الاستفادة من امكانيات السوفييت وخبراتهم في بناء العراق وتطويره ففي 3/11/1965 قال البزاز في مقابلة صحفية (نحن مع العامل والفلاح ولكننا ضد الشيوعية التي لا تؤمن بالطموح الفردي ) ومع ذلك فقد قام البزاز بزيارة لموسكو في 27/7/1966 وبحث مع القادة السوفييت امكانية اقامة سد الفرات وانجاز مشروع سد "اسكي كلك" في الموصل القديمة شمال العراق
وفي 1/8/1966 اعلن البزاز في تصريح لمجلة روز اليوسف القاهرية ان العراق سيحصل على اسلحة خفيفة وثقيلة من الاتحاد السوفييتي بموجب الاتفاق السابق بين البلدين . وحينما سئل عن الاشتراكية قال البزاز نحن اشتراكيون عرب ومسلمون ولن نكون ماركسيون . وكان البزاز قد أكد في منهاجه الوزاري الذي اعلنه في 6/11 /1965 على" ان الجيش لكونه الحامي لحياض هذا الوطن بوصفه طليعته الثورية سيحظى من هذه الحكومة بكل عناية ورعاية وسيستمر تسليحه وتجهيزه باحدث الاسلحة والمعدات ، كما ستستمر تدريبه واعداده لا للحفاظ على وحدة العراق فحسب بل للاسهام في معركة العرب الكبرى لتحرير الوطن السليب ، وستلقى القوات المسلحة الاخرى العناية ذاتها" .
وفي 3/8/1966 صدر بيان مشترك عراقي – سوفييتي اعرب فيه الجانب العراقي عن امتنانه للحكومة السوفييتية على استعدادها لتطوير التـعاون مع العراق بغية تقوية امكانياته الدفاعية وجاء في البيان : ان الجانب السوفييتي وافق من حيث المبدأ على اعطاء العراق كل مساعدة ممكنة لتنفيذ مشاريع بناء السدود .
وكان البزاز قد التقى جروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفييتي اثناء انعقاد الدورة العامة للامم المتحدة واكد له رغبة العراق على الدوام في صداقة الشعب السوفييتي والتعايش السلمي مع الانظمة المختلفة مع ايمانه باشتراكيته الخاصة .
وكان البزاز يرى في روسيا انها دولة عظمى وصديقة وقال في محاضرة القاها في كلية الاداب – جامعة بغداد في 22/2/1966 لنا مصلحة كل المصلحة في التعاون معها ونلتقي معها في مسائل عديدة في كفاح الاستعمار في الحياد الايجابي وفي التعايش السلمي وفي مسائل لا حصر لها ولكننا لا نريد ان نصبح بحال من الاحوال خاضعين لاية دولة كانت الصين او روسة او جيكوسلوفاكيا او بلغاريا او رومانيا .
واضاف البزاز ان لا ادري ايهما على حق الصين اليوم تقول روسيا منحرفة وخارجة وليست الماركسية اللينينية بشيء وقبل سنوات كانت تقول عن يوغسلافيا او الصين او روسيا ما تقوله اليوم والبانيا وهي دولة صغيرة تقول ان روسيا منحرفة ومرتدة ذلك امرهم .
ومن هنا يرى البزاز ان انحراف العقائد المستوردة الممثلة في الشيوعية العالمية تشكل خطرا على الوجود العربي لانها تخلق كما يقول بيننا طبقة داخلة يحيل الامة الواحدة صراع طبقي يقضي على الفكر القومي ولان الشيوعية وكل مثقف عرف الشيوعية لا تؤمن بالقومية من حيث الاساس فالذين يتنادون بالقومية يسمون انفسهم شيوعيين كمن يقول هذا مؤمن كافر وهذا خارجي علوي او أي متناقضات اخرى او كما يقول الانكليز بالدعاية على دزرائيلي (اليهودي ) النصراني ان الشيوعية عقيدة عالمية .
البزاز يؤكد انه على استعداد لسماع أي رأي وقال في المحاضرة ذاتها: انا مستعد ان احترم كل رأي حينما يدعو له صاحبه بالحجة والمنطق ويجادل فيه بادب لاقناع غيره ولا يفتري على احد اما ان يدجل ويتهم سواه فذلك ما لا ارتضيه وسابقى اتنادى وهذا ما اقوله الان وقلته قبل اشهر قليلة لوزير خارجية الاتحاد السوفياتي حينما التقيت معه حينما زارني في واقع الحال في نيويورك حينما كنت في هيئة الامم المتحدة قلت له ان لنا نظاما اجتماعيا واقتصاديا يختلف عن نظامكم او ليس من الخير لكم ان تتعاونوا معنا بوصفنا شعب وامة من ان تتعاونوا مع قلة قليلة من الناس يحسبون عليكم فاذا جدّ الجد ستجدون الكثيرين منهم عملاء لدول اجنبية وضربت له مثلا باحد رؤوساء الجامعة السابقين الذي هو الان استاذ في احدى جامعات الولايات المتحدة الامريكية .
واستطرد البزاز في المحاضرة ذاتها قائلا: وسألت مستر غروميكو او تسمح الولايات المتحدة الامريكية لهذا الاستاذ الفاضل ان يصبح استاذا فيها لو كان شيوعيا حقيقيا؟ فعاد في رأسه وهو محتار ولا يعير جوابا.
واضاف البزاز: اقول واكرر القول اننا نحب الشعب الروسي من حيث انه شعب عظيم حريصين على ان كل دولة تبقى على نظامها مستعدين ان نتعاون معهم في القدر المشترك ولكننا لسنا شيوعيين ولسنا ماركسيين ايضا .

 


الموقف من تركيا

بذل البزاز مساعي كبيرة من اجل تحسين وتطوير علاقات العراق مع جارته تركيا وكان اكثر ما يهتم به البزاز مسألة مياه نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من الاراضي التركية وكان حريصا على الحفاظ على حصة العراق من المياه كاملة دون المساس بها من قبل السلطات التركية . وفي 10/7/1966 قام البزاز بزيارة لتركيا وادلى بتصريح صحفي قال فيه" ان تركيا راغبة في ايجاد علاقات حسنة مع جميع الدول العربية وهي الان اكثر تفهما لواقع البلاد العربية وان تركيا ابدت رغبتها في استعمال مركزها الطيب بوصفها دولة مجاورة للعراق وايران في ان تجد صداقة حقيقية بينهما "
واستطاع البزاز انتزاع تأييد تركي لحقوق العرب في فلسطين مقابل تأييد العراق لتركيا في موقفها من القضية القبرصية . كما تم التوقيع على اتفاق العراق وتركيا ينص على زيادة التبادل السياحي بين البلدين.
ففي 7/2/1966 غادر بغداد وفد عراقي رسمي برئاسة الدكتور عدنان الباجه جي وزير الدولة للشؤون الخارجية في زيارة لتركيا استغرقت عدة ايام وصدر في 10/2/1966 بيان مشترك عن المباحثات اكد الجانب التركي جهود الحكومة العراقية من اجل الوحدة الوطنية والدفاع عن وحدة التراب العراقي .
وفي 26/5/1966 صدر بيان مشترك اخر عراقي – تركي عن زيارة وزير خارجية تركيا للعراق اتفق الجانبان على ضرورة عقد اجتماع في اسرع وقت ممكن لخبراء قانونيين وفنيين لبحث المشاكل المتعلقة في استخدام المياه المشتركة .
وكان الدكتور احمد سوسة خبير السدود والمدير العام لنقابة المهندسين العراقيين قد ادلى بتصريح نشرته جريدة البلد البغدادية في 31/7/1966 قال فيه : ان تنفيذ تركيا وسوريا لمشاريع السدود على الفرات قد يقف حائلا دون تحقيق برنامج التنمية الزراعية الذي وضعته العراق لاستغلال اراضيه خاصة في سني الجفاف بعد ان يخضع مصير كيان العراق الزراعي والصناعي لرحمة الدولتين اللتين تسيطران على مياه النهر .

وفي الثالث من تموز/ يوليو 1966 قام البزاز بزيارة لتركيا اجرى خلالها مباحثات مع رئيس الوزراء التركي سليمان ديميريل حول المشاكل المتعلقة بالبلدين اعرب عقبها ديميريل في تصريح صحفي عن امتنانه لموقف الحكومة العراقية في الامم المتحدة الداعمة للموقف التركي من القضية القبرصية وقال ان الوفدين سيبحثان كذلك مسودة اتفاق جديد لسمات المرور بين البلدين وفي الشؤون الثقافية والسياحية وتتولى لجنة فنية اخرى البحث في شؤون المياه المشتركة . كما صدر بيان مشترك عن زيارة البزاز لانقرة اكد فيه مساندة العراق لتركيا من قضية قبرص وعطف الحكومة التركية على قضية اللاجئين الفلسطينيين وتفهمها لوضعهم وضرورة اعادة حقوق اللاجئين كاملة وفق مقررات الامم المتحدة .
واكد البيان التوافق الكبير في وجهات النظر بين البلدين حول الوضع الدولي وتفهم الحكومة التركية لجهود العراق الناجحة في صيانة الوحدة الوطنية .
وقال البيان ان سليمان ديميريل هنأ البزاز على الاعمال الايجابية والسلمية التي اتخذتها حكومته لبلوغ تلك النتائج .
وقد ادلى البزاز بتصريحات صحفية في استنبول في 10/7/1966 في ختام زيارته لتركيا التي استغرقت اسبوعا تحدث فيها عن علاقات العراق بنوع خاص مع تركيا وباكستان وايران التي يرتبط في اتفاق اقليمي للتنمية وقال سنتعاون مع هذه البلدان في التنمية الاقليمية على اساس ثنائي ولكننا لا ندخل في الاتفاق كشريك رابع .
واضاف البزاز ان العلاقات والاتفاقات بين تركيا والعراق ستتعزز وتزداد في المستقبل القريب . واشار الى ان العلاقات بين بلاده وايران ليست في المستوى ذاته .

العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية

كان البزاز حريصا على اقامة علاقات حسنة مع الولايات المتحدة والاستفادة من امكانياتها العلمية والفنية 0 في 8/10/1965 اجرى البزاز محادثات مع دين راسك وزير الخارجية الامريكي انذاك وبحث معه العلاقات العراقية – الامريكية ومختلف المسائل العالمية . كما اجتمع بـ " هيوبرت همفري" نائب رئيس الولايات المتحدة بحث معه كذلك العلاقات بين البلدين من جهة وبينها وبين الدول العربية من جهة اخرى وطرق تحسينها . وفي القاهرة اثناء عودته صرح الدكتور البزاز للصحفيين يوم 19/10/1965 عن لقائه بهمفري قائلا( لقد شرحت له سياسة العراق القائمة على الحياد الايجابي ).

العلاقة مع الحكومة البريطانية

لدى استلام اوراق اعتماد سفير بيرطانيا الجديد في بغداد السير ريتشارد بومونت يوم 17/9/1965 اعرب الرئيس عارف عن امله في ان تتطور العلاقات العراقية – البريطانية لما فيه مصلحة البلدين وقال ان الوقت قد حان للخروج من الجو التقليدي الى الجو الودي .
واضاف الرئيس عارف الذي كان يرد على كلمة السفير البريطاني أن عراق اليوم ليس عراق الامس بل عراق 1965 .
واثناء توقف البزاز في العاصمة البريطانية لندن في طريقه الى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة بحث مع المستر هارولد ويلسون رئيس وزراء بريطانيا بناءا على طلب الاخير وقال البزاز ان المباحثات كانت واسعة النطاق وتناولت العراق والشرق الاوسط بوجه خاص والاحداث الدولية بوجه عام وانه كان مسرورا جدا بان تتاح له فرصة لاجراء تبادل طويل وصريح في وجهات النظر مع ويلسون .
واعلن البزاز انه سيعود عقب حضوره اجتماعات الامم المتحدة الى لندن لمقابلة الملكة اليزابث للتوديع لمناسبة مغادرته لندن كسفير للعراق لدى المملكة المتحدة عقب تسنمه منصب نائب رئيس الوزراء العراقي . وبالفعل حينما عاد الى لندن قادما من نيويورك . وفي اليوم التالي ادلى البزاز بحديث صحفي قال فيه انه قرر اختصار زيارته للندن لكي يتاح له وقت كاف لاجراء محادثات مع الرئيس عبد الناصر قبل قبل ان يسافر الى اكرا عاصمة غانا وانه لا يعتزم اجراء اية اتصالات مع السلطات البريطانية خلال زيارته القصيرة . إلا ان البزاز استغل وجوده في العاصمة البريطانية فالتقى بالسفراء العراقيين هناك من خمس عواصم اوربية هي باريس وبروكسل وبون ومدريد وروما بالاضافة الى القائم بالاعمال في لندن وقال انه بحث معهم في السياسة المعلقة بالقومية العربية وغيرها من المشاكل واطلعهم على بعض ما لمسه في البلدان المختلفة التي زارها وكذلك في الجمعية العامة للامم المتحدة وقال انه يتطلع الى مقابلة عبد الناصر قبل عودته الى بغداد .
كما اجتمع البزاز قبل ذلك بالمستر والتربادلي وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطانية

نظرة البزاز للقضية الكردية

يرى البزاز في القضية الكردية مشكلة العراق الاساسية ويقول في مقدمة كتابه (العراق من الاحتلال حتى الاستقلال ) انها مشكلة العراق الاساسية المرتبطة بوجوده . ولن يتأتى له الاستقرار الا اذا حلها حلا عادلا ينصف الاطراف المعنية كلها فتتحقق نتيجة ذلك وحدة الشعب العراقي .
وقال " انها ليست وليدة فترة زمنية متأخرة او حصيلة وضع سياسي معين او نتيجة تحريض شخص او بضع اشخاص كما يتوهم بعض العراقيين اليوم . وان تأكيد هذا الامر اصبح في الوقت الحاضر ضروريا لان بعض المسؤولين لما يدركوا بعد حقيقة هذه المشكلة ولم يتح لهم ان يسبروا عمق اغوارها .
عمل البزاز ما في وسعه من اجل اعادة الامن التام الى ربوع العراق كافة والحفاظ على وحدة تربته وقال البزاز في بيانه الوزاري الذي اعلنه في 6/11/1965 ان الوزارة حين تعترف بحقوق اخواننا الاكراد القومية تلك الحقوق التي جاء تعبير الدستور المؤقت تاكيدا جديدا على قيامها فانها ترغب مخلصة في العمل حسبما نص عليه الدستور وبالاضافة الى هذا كله فان الوزارة ستشرع باسرع وقت مستطاع قانونا جديدا للادارة المحلية يمهد للحياة الديمقراطية السليمة تمهيدا عمليا ويكون خطوة الى الامام في سبيل تحقيق افضل حياة نيابية .
واضاف البزاز في منهاجه قائلا " ان قانون الادارة المحلية الجديد سيؤكد ذاتية القومية الكردية ويمكن مواطنينا في الشمال من الحفاظ التام على لغتهم وتراثهم الفكري وتمكينهم من النشاطات المحلية التي لا تتعارض مع وحدة البلاد ولا تمهد باي حال من الاحوال لانتقاص جزء من اطراف وطننا الواحد .
رأى عبد الرحمن البزاز في المشكلة الكردية انها مشكلة اساسية لم تحل وقال في مؤتمر صحفي " ان ابناء الشمال مواطنون مسالمون حريصون على وحدة العراق وان الاكراد لهم حق في تنمية وجودهم القومي وقد اعلنا في النهاج الوزاري العمل لتشريع قانون الادارة المحلية الذي يتمتع بموجبه ابناء الشمال بقسط وافر من ادارة شؤونهم .
وتحدث البزاز عن الاخوة الاكراد في ندوة تلفزيونية في 15/6/1966 فقال " انهم لا يريدون الانفصال ولا يريدون الا الحفاظ على وجودهم ونحن مستعدون وقد اعلنا هذا عشرات المرات ان نعترف بالوجود الكردي وان نعترف بالذاتية الكردية كقومية متميزة لها لغتها وتراثها وامجادها ومن حقهم الحفاظ عليها .
وفي مؤتمر صحفي اخر عقده البزاز قال " ان الحفاظ على وحدة التربة العراقية في تحقيق الوحدة الوطنية التي هي المنطلق الاساس للوحدة العربية نحن نود الحفاظ على هذا الوطن الواحد بعربه واكراده ونحن نقول بان الاكراد اخواننا في الوطن لهم وجودهم القومي المتميز ومن حقهم ان يعتزوا بقوميتهم ويحافظوا على ذاتيتهم ويحفظوا لغتهم وتراثهم ونرعى حقوقهم وينالوا قسطهم المشروع في هذا الكيان ونحن نقول هذا ونعنيه ، وبدلا من من ان ننفق الاموال في تحطيم القرى والقتل وبدلا من ان تصرف الجهود في هذه الناحية تصرف الاموال في اعمار الشمال واسكان اهالي الشمال وتحقيق الرفاهية لابناء الشمال ومد الطرق في الشمال وتحسين الزراعة في تلك المناطق الجميلة وجعلها جنة من جنان هذه الدنيا . ان الحكومة لا تفرق بين مواطن ومواطن على اساس عنصر او دين او مذهب وتنظر للمواطنين سواسية في حق المواطنة كاسنان المشط لا فضل لاحدهم على الاخر الا بما يقدمه من خير وما له من كفاءة وقدرة على نفع هذه البلاد .
واضاف البزاز ان المادة 19 من الدستور المؤقت المعدل مايلي ( العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات العامة بلا تمييز بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او أي سبب اخر، ويقر الدستور الحقوق القومية للاكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية متآخية ).
وفي حديث لمراسل صحيفة النهار البيروتية تحدث البزازعن القضية الكردية فقال " ان القضية الكردية من اهم ما يعني بها العراق حكومة وشعبا وان هذه المشكلة مصطنعة خلقتها الظروف القاسية المؤلمة ولعبت المؤامرات والانانيات فيها دورا كبيرا . نعم هناك محاولة لفض هذه المشكلة بالطرق السلمية ولكني لا اخفي ان العنصر الرئيس الذي تحتاج اليه هذه المحاولة في طورها الحاضر هو الثقة المتبادلة ويجب ان يتأكد اخواننا الاكراد اننا نعني ما نقول عندما نصرح اننا لا نريد القضاء على القومية الكردية التي يمكن ان تنمو لغة وتاريخا وتقاليد في اطار الوحدة العراقية ، نحن نريد ان تكون مشاركة اخواننا الاكراد في حياة العراق كما كانت عليه دائما مشاركة فعلية ولكن ما نرفضه هو ما يدعى مثلا من حق في تشكيل قوة مسلحة كردية مستقلة في منطقة كردية .
وقال البزاز في خطاب له القاه في مدينة الموصل في 8/3/1966 لمناسبة الذكرى السابعة لحركة العقيد عبد الوهاب الشواف " انا اعلم عن يقين بان الكثيرين من اخواننا ابناء الشمال قد قاسوا ومن حقهم ان تعني الحكومة بهم وان تستجيب لمطالبهم المشروعة وهذا ما سيكون ولكنني اطلب اليهم كما اطلب اليكم جميعا ان تتظافر جهودنا وان نعمل ما وسعنا الجهد للقضاء على اسباب الفتنة حتى يعود الامن والسلام الى هذا الوطن في جميع اجزائه ذلك لاننا مع وجود الاضطرابات في اجزاء وان كانت صغيرة من هذا الوطن – سنضطر رغما من انوفنا ان نبذل الكثير من طاقاتنا واموالنا وجهودنا في سبيل الحفاظ على الامن والحفاظ على وحدة هذا الوطن وكنا نود ان تصرف تلك الطاقات وتلك الاموال في سبيل الاعمار والانشاء والتصنيع وانتم والقطر كله بحاجة الى مثل هذا الجهد ولكن ما دامت هناك فتنة وما دام هناك اضطراب لا بد لنا ان نعمل ما وسعنا الجهد للقضاء عليه بكل وسيلة ممكنة وليس في ذلك دعوى الى الظلم او التعسف فما نريد باحد شرا . نحن نعلم ان الكثرة الكاثرة من اخواننا في الشمال ينقمون على المتمردين سلوكهم وهم مطالبون قبل غيرهم ان يشدوا ازر حكومتهم الوطنية وان يعملوا معها جاهدين حتى تعود السكينة الى ارض الوطن كله وعندئذ سننصرف بكل طاقاتنا لا لإعمار الشمال واعمار الموصل بل لاعمار العراق واعادته كما كان في عهوده الزاهرة جنة من جنان هذه الدنيا. لقد حبانا الله بالخير الكثير والماء الوافر والارض الخصبة والزيت الكثير والمعادن الوافرة .
وكان البزاز قد اجرى اتصالات سرية مع قادة الحركة الكردية في محاولة لحل المشكلة الكردية وذكرت صحيفة الاهرام القاهرية في عددها الصادر في 3/ 4 /1966 انه قد تمت اتصالات بين المسؤولين العراقيين وعدد من ممثلي الاكراد تناولت بحث القانون الجديد للادارة المحلية وهو القانون الذي وصفته الصحف العراقية بانه سيساعد على ابراز شخصية الاكراد القومية .
كما اجرى البزاز في 7/9/1965 تعديلا في خمس مواد في الدستور المؤقت حيث اقرت المادة الـ19 المعدلة الحقوق القومية للاكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية متآخية .
وفي كلمة البزاز اثناء اجتماعه باساتذة جامعة بغداد بتاريخ 29/10/1965 قال " أن الاكراد يملكون كل الحرية في التعبير عن ارائهم . واضاف اننا شعب واحد يربطنا تاريخ واحد وارض واحدة . واكد ان حكومته لن تتساهل في خلق الفوضى وانفصال أي جزء من الوطن .
وفي 15 /6 /1966 اعلن عبد الرحمن البزاز في ندوة تلفزيونية " ان التوصل الى تسوية نهائية لمشكلة الاكراد في شمال العراق بات وشيكا ونفى وجود ازمة وزارية او خلاف بين الحكومة والجيش . وفي اليوم التالي قرر البزاز تأليف لجنة وزارية برئاسته بوصفه وزيرا للداخلية للعمل على الانتهاء من وضع لائحة قانونية للمحافظات في العراق تستهدف تطبيق الادارة اللامركزية . كما اجتمع البزاز في اليوم نفسه بوفد يمثل جميع الاكراد في محافظة نينوى والمناطق التابعة لها واكد الوفد للبزاز على الاخوة العربية الكردية وايمان الاكراد بوحدة التراب العراقي . كما اعلن الوفد الكردي عن تأييده لسياسة حكومة البزاز في حل مشكلة الشمال . وفي 19/6/1966 اصدر البزاز أمرا باطلاق سراح 15 مسجونا بسبب قضايا الشمال كما صدرت في اليوم التالي مراسيم جمهورية تقضي بالغاء وتخفيض مدد المحكوم بها على 43 مسجونا واطلاق سراح 4 مسجونين .
وقت لاقت تصريحات البزاز ردود فعل ايجابية من قادة الحركة الكردية .
ففي 20 /6 /1966 قال الزعيم الكردي السيد جلال الطالباني ان تصريحات البزاز تتضمن نقاطا ايجابية تصلح اساسا للمحادثات الجارية من اجل ايجاد حل سلمي يعزز الاخوة العربية الكردية .
وبعد ثلاثة ايام استقبل الرئيس العراقي عبد الرحمن محمد عارف وفدا كرديا برئاسة الملا مصطفى البرزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني يضم كلا من حبيب محمد كريم وعلي عبد الله ونافذ جلال وصالح اليوسفي .
وقد اعرب الوفد الكردي عن قبوله لعرض السلام الذي تقدمت به حكومة البزاز لانهاء الحرب القائمة انذاك . وكان البزاز قد اصدر قرارا بعد اسبوع من تسلم اللواء عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية بصفته رئيسا للوزراء بالغاء أمر إبعاد عدد من الشخصيات الكردية التي كانت تحت الاقامة الجبرية في عين النمر بمحافظة كربلاء وهم اللواء المتقاعد فؤاد عارف وزير الدولة السابق واللواء المتقاعد عبد المجيد علي مدير الامن العام السابق والعميد المتقاعد عبد الفتاح الشالي عضو محكمة الشعب الملغاة التي كان يرأسها العقيد فاضل عباس المهداوي والعقيد المتقاعد رشيد جودت والعقيد المتقاعد عبد الرحمن المفتي
واعلن في بغداد ان البزاز استقبل الرجال الخمسة بعد الغاء امر ابعادهم واكد لهم ان الحكومة تنظر الى الجميع من عرب واكراد بعين المساواة .
وفي التاسع والعشرين من حزيران/ يونيو 1966 اعلن رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز بيانا لحل القضية الكردية يتضمن إثنتي عشرة مادة هي :
اولا – قد اعترفت الحكومة بالقومية الكردية بشكل قاطع في الدستور المؤقت عند تعديله وهي مستعدة لتأكيد هذا المعنى وزيادته جلاء في الدستور الدائم بحيث يصبح من الواضح اقرار القومية الكردية وحقوق الاكراد القومية ضمن الوطن العراقي الواحد الذي يضم قوميتين رئيسيتين هما العرب والاكراد وبحيث يتمتع العرب والاكراد بحقوق وواجبات متساوية .
ثانيا – والحكومة على استعداد لاعطاء هذه الحقيقة وجودها الفعلي في قانون المحافظات – الذي هو في طريقه الى التشريع – على اساس من اللامركزية بان يكون لكل لواء ولكل قضاء ولكل ناحية شخصية معنوية معترف بها . ولكل من هذه الوحدات الادارية مجالسها المنتخبة وسلطاتها الواسعة في الشؤون الخاصة بما في ذلك امور التربية والتعليم والصحة وكل ما له صلة بالشؤون المحلية والبلدية حسبما فصله القانون المذكور .
كما ان القانون المذكور يمكنّ من اجراء التعديل في حدود الوحدات الادارية، كما يمكنّ من إنشاء وحدات ادارية جديدة عند الضرورة ومقتضيات المصلحة العامة .
ثالثا – وطبيعي ان الحكومة تعترف باللغة الكردية لغة رسمية مع اللغة العربية في المناطق التي تكون غالبية سكانها اكرادا وتكون لغة التعليم – مع العربية – في الحدود التي يقرها القانون وتحددها المجالس المحلية .
رابعا – ان هذه الحكومة عازمة على اجراء الانتخابات النيابية في الحدود الزمنية التي نص عليها الدستور المؤقت وحدودها المنهاج الوزاري بشكل صريح . وسيمثل الاكراد في المجلس الوطني القادم بالعدد الذي يتناسب مع مجموع السكان الكلي وبالطريقة التي يفصلها قانون الانتخابات .
خامسا – وطبيعي ان يشارك الاكراد اخوانهم العرب في كافة الوظائف الادارية العامة والقضائية والدبلوماسية والعسكرية دون الاخلال بمبدأ الكفاءة .
سادسا – وسيكون هناك عدد من طلاب البعثات والزمالات والمنح الدراسية في مختلف الفروع وعلى شتى المستويات من الاكراد يرسلون للتخصص في خارج البلاد دون الاخلال الكلي بالكفاءة وحاجة القطر .
كما ستزيد جامعة بغداد من اهتماماتها بدراسة اللغة الكردية وادابها وتراثها الفكري والحضاري وتسعى الجامعة لفتح فرع لها في الشمال عند توافر الامكانيات .
سابعا – وسيصبح من طبيعة الاشياء ان يكون – الموظفون المحليون – في الالوية والاقضية والنواحي الكردية من الاكراد ما توفر العدد المطلوب منهم، ولن يصار الى غيرهم الا بمقدار ما تقتضيه مصلحة تلك المناطق ذاتها .
ثامنا – سيرافق الحياة النيابية انشاء بعض التنظيمات السياسية وتمكين الصحافة من التعبير عن رغبات الشعب وستسمح الحكومة للاكراد بذلك في الحدود التي يرسمها القانون وستكون الصحافة السياسية والادبية في المناطق الكردية باللغة الكردية او اللغة العربية او بهما معا معا حسب طلب ذوي العلاقة .
تاسعا – أ – عندما تنتهي اعمال العنف يصدر العفو العام عن كافة الذين ساهموا في اعمال العنف في الشمال او كانت لهم صلة بها بما فيهم جميع من صدرت بحقهم احكام بسبب الاعمال المذكورة او صلتهم بها او احتجزت حرياتهم .
ب- يعود جميع الموظفين والمستخدمين من الاكراد الى وظائفهم السابقة كما يؤمن الملاك اللازم لهم ويلاحظ انصافهم .
ج – تسعى الحكومة لاعادة جميع العمال الاكراد المفصولين الى اعمالهم السابقة بكل طاقاتها .
عاشرا – على منتسبي القوات المسلحة البدء في العودة الى وحداتهم فور صدور هذا البيان على ان يتم ذلك كله خلال مدة اقصاها – شهران – وسيعامل العائدون بالرفق ويصدر العفو عنهم .
أ – فمن كان منتسبا للجيش عليه ان يعود الى الجيش بسلاحه .
ب – ومن كان منتسبا الى الشرطة عليه ان يعود الى الشرطة بسلاحه .
ج – اما الاخرون ممن حملوا السلاح فيعتبرون هيئة تابعة الى الحكومة التي عليها ان تعمل على عودتهم الى الحياة الطبيعية . والى ان يتم ذلك فالحكومة مسؤولة عن اعاشتهم . وعلى كل من ينم تحوله منهم الى الحياة الطبيعية اعطاء كافة معداتهم واسلحتهم واعتدتهم وتجهيزاتهم الى الحكومة ويجري ذلك كله حسب خطة مدروسة من جميع ذوي العلاقة .
د – وطبيعي ان يعود الفرسان الى اماكنهم بعد احلال الامن ويجري استعادة الاسلحة منهم حسب خطة مدروسة .
احد عشر – وغني عن القول ان الاموال التي تبذل اليوم في مقاومة العنف وكذلك الاموال التي تصرف فيما لا طائل تحته ستصرف في اعمار الشمال وستؤلف هيئة خاصة لاعمار المنطقة الكردية من العراق تخصص لها المبالغ اللازمة المناسبة من الخطة الاقتصادية للقيام بالتعمير والنهوض بالمشاريع الانمائية في المنطقة وترتبط بوزير مسؤول يناط بوزارته ادارة مصايف الشمال وشؤون الغابات والتبوغ في الشمال كما يشرف على تنسيق الشؤون الخاصة بالوحدات الادارية التي يكون غالبة سكانها من الاكراد مما هو من صميم القومية الكردية كالعناية بالثقافة الكردية ومناهج التعليم باللغة الكردية .
وستحاول الحكومة بكل طاقاتها تعويض كل المتضررين تعويضا عادلا يمكنهم من العودة الى حياة منتجة نافعة للاسهام في النهوض في اقتصاديات البلاد وازدهارها والعيش بامن وسلام .
كما ان الحكومة لاعتبارات وطنية وانسانية سنعني بكل الارامل واليتامى وذوي العاهات الذين كانوا من ضحايا اعمال العنف في شمال الوطن وستنشأ بالتعاون مع الهيئات المختصة الملاجىء ومعاهد التأهيل اللازمة باسرع وقت مستطاع .
ثاني عشر – تسعى الحكومة في توطين كل الاكراد والجماعات الذين نزحوا او هجروا من مناطقهم وسيكون الاصل في هذا العودة الى الوضع الطبيعي القديم مع العلم بان ما سيكون لازما للدولة السيطرة عليه فيما بعد للمنفعة العامة يجب ان يقترن حسب احكام القانون بتعويض سريع عادل .
وقد اكد البزاز في بيانه ان الحكومة وحدها هي السؤولة عن امن المواطنين من اقصى شمال العراق الى اقصى جنوبه كما انها مسؤولة عن امن البلاد الداخلي والخارجي وقال ان لها جيشها الشجاع وقواتها المسلحة النظامية المخلصة ما يمكنها من اداء واجبها المقدس . واضاف ان الحكومة عازمة على اعادة الحياة المدنية الهادئة لانحاء الوطن العزيز كافة كما انها راغبة لاشاعة العدل وسيادة القانون بروح المساواة التامة بين المواطنين جميعا دونما تمييز .
ودعا البزاز المواطنين وخاصة الاكراد كما جاء في بيانه ان يعينوا الحكومة باخلاص على اداء واجبها الخطير هذا . وقال ان نجاح المنهاج يتوقف بالدرجة الاولى على تعاون المواطنين من خلال اشاعة روح الود وسيادة مبدأ الاخلاص التام بين المواطنين وبين حكومتهم . كما أهاب البزاز في بيانه بالمواطنين من رسميين وغير رسميين من عسكريين وغير عسكريين وسكان ومدن وقرى ممن كانوا يحملون السلاح الى الامس القريب او ممن اثروا السكينة ممن كانوا يقاومون الحكومة او يؤيدونها ان يدركوا ان الوقت قد حان لان يصبحوا اخوة من جديد متحابين ولمآسي الماضي ناسين ولخير يومه وغده بجد عاملين ومن اجل رفاهيته واستقراره وتقدمه ووحدته متفانين .
وقال البزاز ارجو ان يكون منهاجنا هذا اسهاما جديا للاسراع في اقامة حياة نيابية تمهد لوضع الدستور الدائم وتشييد صرح مجتمع العدالة والكفاية والاستقرار.
لقد اراد البزاز في بيانه وضع حد للمآسي التي قاسى منها العراق وقال في البيان "خلال السنوات الخمس الماضية على اقل تقدير ، لقد ذهب ضحية تلك المآسي الالوف وبقي الوف من الارامل واليتامى واصحاب العاهات وذهبت الملايين هدرا ، ذهبت لا في الانشاء والتعمير والبنيان وانما للاقتتال بين الاخوة فكان من الطبيعي ان نشيع في كل ربوع الوطن الامن والسلام الذي يرجوه المواطنون حيثما كانوا ومهما اختلفت اجناسهم ومعتقداتهم ، وعلى ذلك استطيع ان اقول باننا احرياء بان نهنىء انفسنا حين نستطيع ان ننهي تلك المشكلة ونعيد لتلك الربوع الجميلة نضارتها ونعيد للمواطنين كافة امنهم واستقرارهم واحسب ان اول الذين يجب ان يهنئوا هم افراد جيشنا الباسل من قادة وضباط ومراتب وجنود فقد ابلوا بلاء حسنا وتحملوا الكبير فاذا ما طلب اليهم بعد اليوم ان يقوموا بالجهاد الاكبر جهاد التعمير والانشاء واحلال الامن والسلام واشاعة الطمأنينة وتوزيع العدل والقيام بكل ما يتطلبه الواجب لتحقيق وحدة الوطن فتلك مهمة جديرة بان يهنئوا من اجلها فاليهم اذن قبل غيرهم ازف التهنئة والتبريك ولكني لن انسى ملايين من ورائهم من امهات واباء وزوجات واخوة واخوات الذين يتطلعون الى اليوم السعيد الذي يعود به اولئك الابطال الى بيوتهم ليستمتعوا كما يستمتع المواطنون بحياة اعتيادية ولينصرفوا بعد ذلك الى ما يجب ان ينصرف الجنود الاشاوس وجنودنا اشاوس شجعان لينصرفوا الى الاعداد الى المرحلة الكبرى في بنيان جيشنا وتحضيره لمعركتنا الكبرى حينما ينادي المنادي لاسترجاع الوطن السليب ".
واضاف البزاز قائلا " اعلم ان فريقا من اخواننا وربما من العرب قد ينكر هذه السياسة ويعدها هزيلة او ضعيفة وانهم لا يرضون الا بالقضاء على اخر متمرد".
وقال " اقول لهؤلاء باخلاص ان الوضع في شمال الوطن ما لم يتم عن طريق الرضا والتسوية المعقولة والاعتراف الكامل بالحقوق المتقابلة لا يمكن ان ينتهي نهائيا ذلك لاننا لو ابقينا الف وخمسمائة او حتى خمسين غير راضين فسيتطيعون ان يقلقوا المنطقة ويحدثوا من الاضطراب ما يقض مضاجع الاهلين . واذا ما علمنا ان هناك وراء الحدود اناسا يريدون ان يستغلوا الحرب بين الاخ واخيه واناسا يحيطون ببعض اراضيه وبعض ثرواته وبعض مياهه فقد كفانا مآسٍ وكفانا دموع وكفانا قنابل وتقتيل نريد ان نرجع شعبنا واحدا اخوة نعمل في سبيل الاعمار والانشاء والبنيان في سبيل سعادة الافراد جميعا لا فرق بين عربيهم كرديهم وغيرهم من المواطنين على اختلاف اجناسهم واديانهم ومن الخير لنا ان نعمل وان نضمد الجراح ونضع حدا للمآسي ".
واضاف البزاز في بيانه " اننا لا نتحارب مع عدو فالاكراد اخوننا ومواطنونا واننا لم نستسلم وانما نرجع الى ما امر الله به ان نرجع الى السلم (فان جنحوا للسلم فاجنح لها ) فحينما يظهر اخواننا ومواطنونا رغبة صادقة وانا لا اشك في صدق رغبتهم يجب علينا من جانبنا ان نستجيب لان العنف ليس غاية وانما هو وسيلة لغاية، الغاية الاساسية هي الحفاظ على وحدة هذا الوطن والحفاظ على كرامته واشاعة العدل بين مواطنيه كافة . وهذا سيتحقق كله دونما تفريط بحق احد او جهة ، وللك فهذه الدعوات ،الخضوع او الاستسلام او التساهل او ما شاكل ذلك غير وارد اصلا على اني لا اكره لفظة تساهل لان التساهل من شيمة الكريم وخاصة اذا كان التساهل مع الاخ وابن العم والقريب فنحن نسلم بالواقع ونسلم بالمعقول ونسلم بكل مطلب شرعي من دونما تعنت ولا اصرار على الالفاظ والصيغ ودونما اتهام للاخرين والتشكيك بهم ليس في ذلك ضير لانك لا تستطيع ان توجد البيئة الصالحة لنجاح هذه المهمة الشاقة العظيمة الا اذا اشعنا الطمأنينة واشعنا الامن واشعنا روح الثقة بين المواطنين فالتسامح في محله خدمة لمصلحة الوطن وخاصة كما قلت قبل قليل اذا كان ذلك في سبيل الحفاظ على وحدة الوطن وفي سبيل اقامة حياة فاضلة للمواطنين كافة .
واكد عبد الرحمن البزاز في بيانه لحل المشكلة الكردية سلميا على وحدة التراب العراق وقال " نقطة اخرى اود ان اؤكد عليها وهي واضحة كل الوضوح من البيان ساتلوه ليس هناك انفصال ولا ما يشبه الانفصال ولا ما يمهد الى الانفصال .
واستطرد البزاز قائلا " واود ان اقول لكم وانا واثق ان الذي روى القصة التالية كان مخلصا في روايته ومن رويت عنه القصة كان مخلصا في تعبيره . قال احد زعماء الاكراد المهمين لو فرضت علينا سياسة الانفصال لحاربنا من اجل الوحدة فنحن لا نريد انفصالا فعلام اذن نشيع الفاظا وتعابير لم يطالب بها احد وهو راغب او هم على الاصح راغبون بالعيش مواطنين ككل المواطنين اذا ما حفظت حقوقهم وكرامتهم وقوميتهم)".
وقال البزاز " قد يقول قائل وقد قالها فريق من مواطنينا غفر الله لهم من المتشددين المتزمتين قالوا ان الاعتراف بالقوميات والقومية الكردية على وجه التخصيص مخالفا للدين؟ وانا اتساءل : لماذا يكون الاعتراف بالقومية مخالفا للدين؟ أو لم يقل سبحانه وتعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم. الم يجعلنا شعوبا وقبائل وامما اختلفت الواننا والسنتنا ولكننا لا نتفاضل لاختلاف السنتنا والواننا وانما نتفاوت بالفضل والخير الذي نقدمه للانسانية . فالاعتراف بالقومية ما دامت غير استعلائية وليس هناك قومية استعلائية لا القومية العربية التي نعتز بها وندعو اليها ولا القومية الكردية التي يطالب بها اخواننا الاكراد قومية عدوانية او عنصرية ولكن الله خلقنا عربا واكرادا وخلق شعوبا وامما اخرى فمن الخير لنا ان نعترف بالواقع وان يحترم بعضنا بعضا وان نسعى في هذه الديار في هذا الوطن الواحد ان نعمره كما خلقنا الله في هذه الدنيا واستخلفنا لنعمرها لا لأن نتحارب وان نتفاخر باجناس وعناصر واصول وكلنا من ادم وادم من تراب . إن اكرمكم عند الله اتقاكم ".
واضاف البزاز" بهذه الروح المتسامية لا يمكن ان تكون القومية والاعتراف بالقوميات مدعاة للانشقاق او مدعاة اختلاف او مدعاة ابتعاد عن روح الاسلام السامية التي نعتز بها ونعتقد أنها تؤلف بيننا وبين اخواننا الاكراد وغير الاكراد من الشعوب والامم العديدة الاخرى . فالذين يشيعون مثل هذه الافكار انما يتصورون ان الدعوات القومية يراد بها استعلاء عنصريا وابتعادا عن روح الاسلام السامية .
وجاء في اعلان عبد الرحمن البزاز لحل المشكلة الكردية قوله " وانا اقولها وقد قلتها من قبل في مؤلفاتي وفي خطبي ومحاضراتي بان القومية العربية وكذلك القومية الكردية كما افهمها ليست عنصرية وليست استعلائية وانما هي نزعة في جوهرها انسانية ، نزعة غيرية حين يكون الانسان انانيا يعني بنفسه وحينما يكون غيرنا يفكر بالذين تجمعه واياهم جوامع من لغة وثقافة وحضارة ومصالح ، فالاهتمام ببني قومه فضيلة وليست رذيلة وعلى هذا اقولها بملء شفتي دونما تردد وعلى الرغم من الانتقاد الذي يوجهه بعض اخواننا ان الاعتراف بالقومية الكردية وحقوق الاكراد ليس مطلبا عادلا فقط بل هو بهذا المعنى انساني بل هو بهذا المعنى عامل مهم لتحقيق وحدة شعبنا ونحن احوج ما نكون لهذه الوحدة ".
وقبل ان يتلوا البزاز المواد الـ12 الخاصة بحل المشكلة الكردية قال " يتساءل البعض وماهي الضمانات ؟ جرت من قبل محاولات ولكن الامر لم يتبلور ونعلم ذلك جيدا ولكني اعتقد مخلصا باننا في هذه المرة وسلاحنا الاول اخلاصنا ورغبتنا الصادقة من جانبنا ان ننهي المشكلة بصورة جذرية ، اقول اننا في هذه المرة نعتقد باننا سنوفق باذن الله وتسديده لوضع ستار كثيف على الماضي ومآسيه وهناك عوامل شتى تدعوني الى هذا التفاؤل ولست في معرض تحليلها ولكن شيئا واحدا او ان اقوله هو ان خلق جو من الثقة والتحدث الى الناس بلغة المعقول وبلغة المنطق دونما تحامل ودونما اتهامات ومحاولة ادراك مشاكل الغير ادراكا صميميا مخلصا عنصر مهم في الوصول الى النتائج الحسنة التي وصلنا اليها . اقول هذا تمهيدا لما ساتلوه والله اسأل كما ساكرر هذه الدعوة ثانية ان يحقق الامال الجسام التي ينتظرها هذا الشعب وتنظرها الامة وتنظرها كثيرمن الشعوب الصديقة لوضع حدنهائي للمأساة التي بقيت تنزف الدم الكثير ولا بد من وقت طويل حتى نستطيع ان نواسي الجروح وان نضمدها ولا بد لنا من طاقات هائلة حتى نستطيع ان نفتتح صفحة جديدة كريمة للمواطنين كافة . ان هذه الحكومة رغبة منها في وضع حد للوضع غير الطبيعي في انحاء من شمال الوطن وسيرا وراء ما جاء في الفقرة الرابعة من كتاب التكليف عند تشكيل الوزارة في الحفاظ على وحدة التربة العراقية وتحقيق الوحدة الوطنية وتاكيدا للروابط الوثيقة القائمة فعلا بين العرب والاكراد والتي تدعوهما للعمل الحثيث المخلص لخير وطنها المشترك تعلن المنهاج التالي وتؤكد عزمها القاطع على الالتزام به وتطبيقه نصا وروحا باسرع وقت مستطاع .
الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني من جانبه ادلى بتصريح في 11/7/1966 دعا فيه اعوانه الى تهيئة الاسلحة الثقيلة لتسليمها الى الحكومة العراقية . ونسبت وكالة الانباء العراقية اليه القول في تصريح لمراسلها اذيع من راديو بغداد انه دعا اعوانه كذلك الى الافراج عن الاسرى من الضباط والجنود العراقيين والى عدم التعرض لمن يقومون بعمليات الاعمار في الشمال .
ونسب المراسل الى البارزاني قوله اننا لمسنا من الحكومة نية صادقة لحل مشكلة الشمال . ونفى البارزاني لمراسل وكالة الانباء العراقية انه قد دعا الى الانفصال وقال انه لم يدع ولن يدعو الى الانفصال . وقال لقد الصق به هذه التهمة اولئك الذين لم يكونوا يرغبون في السلام او الذين كانوا يقومون على الحكم في السابق بالافتقار الى الثقة وبعدم تفهم واقع البلاد . وقال البارزاني ان الحياة الديمقراطية هي افضل نظام في العراق ونحن نؤمن ايمانا مطلقا بالشعب الذي يريد امنا وسلاما وعملا ونحن جميعا مخلصون لهذا البلد ولا نسعى الا لخيره .
وتحدث البارزاني عن رايه في الاشتراكية فقال ان ذلك موكول الى الشعب وسنرضى بما يرتضيه الشعب .
وكان البزاز قد تطرق في كتابه( العراق من الاحتلال حتى الاستقلال) عن بيان حزيران/يونيو فقـال ( ان شخصا كبيرا لم يكن مسؤولا حاججني في بيان الحكومة في 29 حزيران/يونيو 1966 المتعلق بسياسة الوزارة السابقة بشان اخواننا ومواطنينا الاكراد . وكان يرى انني فرطت في حقوق العراق ، واعطيت الاكراد اكثر مما يجب ان يعطوا وتسرعت في اعلان الحل . واضاف قائلا اثناء الحديث الطويل – وقد وقف موقف الناصح الحكيم - : كان عليك ان تماطل والقضية ستنتهي تلقائيا بعد سنة او سنتين او سنين قليلة على اكثر تقدير.
واضاف البزاز " وحين استفسرت منه مستغربا : وكيف يكون ذلك؟ اجاب ببساطة متناهية وسذاجة لا ادري كيف اصفها . ان الملا مصطفى البارزاني جاوز الستين وهو سيموت بعد عام او عامين او بضعة اعوام وستحل المشكلة عندئذ دون كبير عناء .
وقال البزاز " وليس من حقي ان اذيع الآن كل ما جرى بيني وبين هذا – الناصح وغيره – وهم كثيرون – فقـد تكشف مذكراتي الخاصة يوما ما ذلك كله ولكن اترك للقارىء تقدير هذا الحكيم ومدى عمقه
# وهنا اعتقد ان المقصود بالشخص الكبير المسؤول الذي حاجج البزاز هو اللواء الركن عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع في حكومة البزاز الاولى خلال عهد الرئيس عبد السلام عارف والذي رفض المنصب في وزارة البزاز الثانية في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف معترضا على تسنم عارف الثاني رئاسة الجمهورية و. وللعقيلي آراء خاصة في حل القضية الكردية ملخصها مصرع الملا البرزاني او وفاته .
وقد أكد اللواء العقيلي موقفه هذا في الاجتماع الذي عقد ببغداد في 21/10/1966 والذي نشرته جريدة الجريدة البيروتية في عددها الصادر يوم 15/11/1966 قال فيه : ذكر السيد رئيس الوزراء- المقود برئيس الوزراء الذي يخاطبه العقيلي هو السيد ناجي طالب الذي خلف البزاز في رئاسة الوزراء- أن هناك ثلاث مشاكل مهمة يعاني منها الحكم في الوقت الحاضر هي: المشكلة الكردية والمعضلة المالية ، والتفكك السياسي .
وأني – والكلام للعقيلي- أؤيد بدوري خطورة هذه المشاكل واهميتها وأود أن أوضح رأيي بصددها .
أن هذه المشاكل مترابطة ترابطاً وثيقاً فيما بينها. ولكي نصل الى حل ناجح لها يجب أن نفكر من أين نبدأ أي أن نحدد المشكلة الاكثر أهمية والتي يؤدي حلها الى تسهيل حل المشكلة الاخرى ثم التي تليها.
ويضيف اللواء العقيلي " أني أعتقد أن مشكلة البرزاني هي المشكلة الرئيسة من بين هذه المشاكل . وأعلن هنا أنها مشكلة ملا مصطفى البرزاني وليست مشكلة الاكراد لان الاكثرية الساحقة من إخواننا الاكراد يقفون بجانب الحكومة منذ وجدت مشكلة البرزاني حتى الان. ولذلك فإن من الخطأ توسيع المشكلة وتسميتها باسم لا يتفق مع حقيقتها كما إعتادت الصحف الاستعمارية أن تفعل.
لقد تعهد رئيس الوزراء الاسبق – المقصود به عبد الرحمن البزاز – في بيانه الذي اذاعه من دار الاذاعة يوم 29 حزيران 1966 بـ " تعويض ضحايا أعمال العنف في الشمال" أي أنه إعتبر الجيش العراقي معتدياً وإعتبر المتمردين معتدياً عليهم ، اليس هذا تشجيعاً للتمرد وتثبيطا لهمم أبناء الجيش والشعب وإستهانة بدماء أبنائه الشجعان. وهكذا ترون أن إتباع اسلوب المفاوضة والهدنة والعفو قد ادى الى إستفحال التمرد لا الى قمعه والى مضاعفة الخسائر في الارواح والاموال لا تقليلها ، كما أدى فعلاً الى قيام حكومة بارزان في منطقة واسعة ، وإذا إستمرت هذه السياسة فسيقع الانفصال كلياً. وهذا خرق واضح للدستور المؤقت. فاذا اردنا حقاً إيقاف إراقة الدماء وحماية ثروة الامة من التبديد، والحفاظ على وحدة الوطن، يجب علينا أن نحشد ما يمكن ، مع العلم بأن الجيش قادر على ذلك تماماً لو حشدت كافة جهود الامة مادياً ومعنوياً لقمع التمرد البارزاني بأسرع لو فسح له مجال العمل بحرية تامة كما ثبت ذلك عملياً في الشتاء المنصرم، كما أن الاكثرية الساحقة من إخواننا الاكراد كانوا وما زيزالون يقفون بجانب الحكومة ويقاتلون المتمردين بجانب الجيش. ومتى تم قمع التمرد فإن المعضلة المالية ستحل حالا لان سبب هذه المعضلة هو إنفاق عشرات ملايين الدنانير باستمرار باسلوب عقيم لمعالجة هذا التمرد. وقد صرف حتى الان 250 مليون دينار اي بمعدل 50 مليون دينار سنويا فوق الميزانية الاعتيادية لحل مشكلة بارزان. واذا استمرت الطريقة الحالية فسنصرف ملايين وملايين أخرى بدون جدوى. وستراق دماء إضافية وتزهق أرواح بريئة أخرى بلا فائدة ، وأن محاولة معالجة الوضع المالي بزيادة الضرائب أو بانقاص الرواتب لا يحل المشكلة قطعاً ، ولذلك فأني لا أؤيد هذه الحلول . والحل الوحيد لهذه المشكلة هو قمع التمرد وفرض سيادة القانون في منطقة التمرد.

وقد خصص البزاز فصلا للمشكلة الكردية في كتابه ( العراق من الاحتلال حتى الاستقلال) والذي جاء فيه ( في المذكرة التي تنسب الى الملك فيصل والمنشورة في هذا الكتاب فقرة حرية بالاهتمام وهي قوله :- ان البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها اهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية فهي والحالة مبعثرة القوى مقسمة على بعضها-)
واضاف البزاز ( وفي الحق فان هذه المشكلة كانت ولم تزل من اهم مشكلات العراق الداخلية واكثرها خطورة وهي تميز العراق بعض الشيء عن كثير من البلاد التي لها كما للعراق مشكلات عديدة كالفقر والجهل والمرض وانخفاض مستوى المعيشة وضآلة الدخل القومي والافات الاخلاقية والاجتماعية العديدة التي تقاسي منها وتحتاج الى جهود جبارة متواصلة لتخفيف وطأتها والقضاء على مخاطرها والتي مع ذلك تتمتع بقدر من الانسجام الاجتماعي الذي يفتقر العراق اليه) (ص 293 ).
وقال البزاز ( ان الواعين من اكراد العراق ككل الاكراد الاخرين يشعرون اليوم بقوميتهم وخاصة بعد ان نما الشعور القومي في المنطقة كلها، فحين يكون من حق العرب والاتراك والايرانيين مثلا – وهم جيران الاكراد ومواطنوهم في اقطارهم الثلاثة هذه- ان يشعروا بقوميتهم يتنادون بشعاراتها او يسعوا لتحقيق اهدافها ، يكون من الضلالة وقلة الانصاف ان ينكر ذلك على الاكراد فللاكراد – مهما كانت النظرية السليمة حول الاصول التي تحدروا منها اهم الميديون ام الفرس القدماء ام كرد بن عامر كما يطيب لشاعر عربي ان يتخيل ، ام انهم من نسل جن سليمان ،كما تصورهم بعض الخرافات القديمة- مقوماتهم القومية من لغة – وان تباينت لهجاتها – وتاريخ ومشاعر وليس المهم ما يتصوره جيران الاكراد عن الاكراد بل ما يحسه الاكراد انفسهم وما يصورون به وجودهم فهم في المفهوم الحديث للقومية قوم لهم كل الميزات الاساسية التي تجعل من اية جماعة بشرية قوما متميزا )
واضاف البزاز يقول( صحيح ان لغتهم لا يمكن ان تدعى الشمول او السعة او العراقة التي هي من خصائص اللغة العربية كما ليس باستطاعتهم ان يسلسلوا تاريخهم وامجادهم القومية على الشكل الذي يستطيع الايرانيون ان يصوروا به تاريخهم مثلا ولكنهم على كل حال يملكون المقومات القومية الاساسية ومن حقهم ان يتحسسوا بها بطريقتهم) (ص 286 ).
وقال البزاز( ومع ذلك يحسن بالاكراد ان يدركوا ان الوجود القومي شيء وقيام الدولة القومية التي تجمع ابناء الامة الواحدة تحت لوائها الواحدة شيء اخر . فمن سوء حظ الاكراد – وهم ليسو في سوء الطالع هذا بدعا من القوميات . فكثير من الامم الاخرى توزعت بين دول واقاليم عديدة لم يعد من العملي الممكن في عالم اليوم جمعها تحت لواء واحد – انهم مشتتون ولكن هذا الشتات ليس من صنع العرب مواطنيهم في العراق وليس من صنع العرب عموما) (ص287 ).
واضاف ابزاز( ولا احسب ان احدا من عقلاء الاكراد ومثقفيهم الحقيقيين ينازع اليوم بان العمل على اقامة دولة كردية مستقلة ليس غير ممكن عمليا ولكنه ليس في صالح اكراد العراق انفسهم . فمطلبهم الحقيقي العادل هو لا في الانفصال السياسي بل بالاعتراف بوجودهم القومي والتسليم بمتطلبات هذه القومية في اطار من وحدة الشعب العراقي . وبعبارة اوضح ان التسليم بتعدد القوميات في العراق لا يستدعينا ولا يجب ان يستدرجنا للتسليم بتقسيمه الى دويلات مستقلة بعضها عن بعض . فهناك اليوم العديد من الدول المتكونة من قوميات عديدة . واذا ما تركنا الدول المجاورة وتركنا دولتين كبيرتين كالهند وروسيا ونظرنا الى دول صغيرة تشبه العراق بعض الشيه من دول البلقان واوروبا الوسطى وجدنا امثلة طيبة في يوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا . ففي كل من هاتين الدولتين قوميات عديدة تجمعها وحدة – الوطن اليوغسلافي – ووحدة – الوطن الجيكوسلوفاكي – فالمهم هو الاعتراف بالوجود القومي وتحقيق متطلباته الاجتماعية والفكرية والتسليم بالتكافؤ بين العناصر المختلفة والقضاء على روح السيطرة والتعالي العنصري )( ص287 ).
واستطرد البزاز ( فاذا ما تحقق للاكراد وجود قومي متماثل مع اخوانهم العرب ، بمعنى ان يسلم لهم بلغتهم القومية تستعمل الى المدى الذي يكون فيه صلاحهم وصلاح المجتمع كله ، وتمكينهم من المشاركة الفعلية في مغانم العراق ومغارمه وتحقيق نوع من اللامركزية في الادارة بحيث تستطيع الوحدات المختلفة ان تحتفظ بذاتيها وتعمل في الشؤون ذات الطبيعة المحلية باستقلال عن المركز للتخفيف مما تحدثه المركزية الشديدة من عرقلة الاعمال من جهة وتاخير للنمو الديمقراطي بين افراد المجتمع كله من جهة اخرى ، صح لهم ان يغتبطوا ويعتبروا ان اهم متطلبات القومية في ناحيتها البشرية والاجتماعية قد تحققت فعلا )
وتساءل البزاز ( وفوق هذا هل من مصلحة الاكراد في عالم اليوم السائر نحو التكتل والتجمع والذي لم يعد فيه للدول والامم الصغيرة ، اقول هل من مصلحتهم في شيء ان يعملوا على انفصال سياسي يجعلهم في عزلة عن العالم ويحول بينهم وبين النمو والمشاركة في وجود اسهموا به من قبل وارتبطت مصالحهم –وتاريخهم – به اوثق ارتباط؟)( ص 288 ).
كان عبد الرحمن البزاز عاقدا العزم على انهاء الحكم العسكري في العراق الذي استمر ثماني سنوات وقال عقب البيان الذي اعلن فيه المواد الـ12 لحل المشكلة الكردية ( وليكن معلوما لمواطنينا الكرام جميعا من اقصى شمال الوطن الى اقصى جنوبه ان الحكومة – الحكومة وحدها – هي المسؤولة عن امن البلاد الداخلي والخارجي ، وان لها من جيشها الشجاع وقواتها المسلحة النظامية المخلصة ما يمكنها من اداء واجبها المقدس هذا ، وانها عازمة على اعادة الحياة المدنية الهادئة لانحاء الوطن العزيز كافة كما انها راغبة باخلاص وتقدير تام لتبعاتها في اشاعة العدل وسيادة القانون بروح المساواة التامة بين المواطنين جميعا دونما تمييز ، والمرجو بعد ذلك من المواطنين من ابناء الوطن عامة ومن اخواننا الاكراد خاصة ان يعينوها باخلاص على اداء واجبها الخطير هذا ).
واضاف البزاز( ونرجو بعد ذلك ان يكون منهاجنا هذا اسهاما جديا للاسراع في اقامة حياة نيابية تمهد لوضع الدستور الدائم وتشييد صرح مجتمع العدالة والكفاية والاستقرار ، واني لعلى يقين من ان نجاحنا في تحقيق وحدة هذا الوطن – وحدة قائمة على الاعتراف الكامل بالحقوق القومية لمواطنيه – سيفتح صفحات جديدة امام العراقيين كافة وتمهد افضل تمهيد لان نعيش في وطننا الواحد بامن واستقرار ولفتح صفحات جديدة لكل الذين يحبون عراقهم العزيز ويودون مخلصين ان يعيشوا فيه آمنين متعاونين راغبين باخلاص ان يسدلوا ستارا على الماضي ومآسيه ويفتحوا صفحات نيرة تبشر بغد مشرق وحياة عزيزة سعيدة
واهاب البزاز بجميع المقاتلين عربا واكرادا لالقاء السلاح وقال ( واني لانتهز هذه الفرصة السعيدة فاهيب باخواني المواطنين من رسميين وغير رسميين من عسكريين ومدنيين وعشائريين وسكان مدن وقرى ممن كانوا يحملون السلاح الى الامس القريب او ممن اثروا السكينة ممن كانوا يقاومون الحكومة او يؤيدونها اهيب بهم جميعا بان يدركوا ان الوقت قد حان لان نصبح من جديد اخوة في هذا الوطن متحابين ولمآسي الماضي ناسين ولخير يومه وغده بجد عاملين ومن اجل رفاهيته واستقراره وتقدمه ووحدته متفانين اهيب بهم جميعا لكي يعقدوا العزم الاكيد على ان نحيا حياة حرة كريمة اخوة سواء في كل الحقوق والواجبات ) .
من جانبه طلب البزاز في 19/7/1966 من مصلحة المصايف والسياحة اتخاذ الاجراءات اللازمة لاعمار المصائف الشمالية لغرض فتحها بعد ان عاد الاستقرار الى الشمال . واعلن في 31 /7 /1966 عن تخصيص مبلغ خمسة ملايين دينار كنفقات وتعميرات عاجلة لمنطقة الشمال . كما صدر في 28/7/1966 قانون جمهوري بالعفو عن جميع الاشخاص الذين ارتكبوا جرائم بسبب حوادث الشمال باستثناء الذين لم يسلموا ما بحوزتهم من اسلحة وتجهيزات .

المحاولة الانقلابية الفاشلة الثانية

كانت البلاد تنتظر ترجمة بيان البزاز بخصوص حل المشكلة الكردية لكنها فوجئت في اليوم التالي 30حزيران/يونيو 1966 بمحاولة انقلابية قام بها عميد الجو عارف عبد الرزاق وعدد من اعوانه . وكانت انباء قد ذكرت ان بعض ضباط الجيش العراقي استاءوا من مشروع حكومة البزاز لتسوية المشكلة الكردية ووقف الحرب الدائرة في شمال العراق ، المشروع الذي بموجبه اعترفت حكومة العراق بالقومية الكردية في الدستور المؤقت ويعطي للاكراد نصيبا في الحكومة وفقا لعددهم وتعترف الحكومة باللغة الكردية الى جانب اللغة العربية كلغة رسمية . ففي الساعة الثالثة واربعين دقيقة بعد ظهر ذلك اليوم قطع راديو بغداد برامجه العادية وبدأ في اذاعة بيانات ونداءات بتوقيع اللواء الجوي ورئيس الوزراء السابق عارف عبد الرزاق وقد وقعها نيابة عما وصفه باسم المجلس الوطني لقيادة الثورة وطالبوا من الرئيس عبد الرحمن عارف ان يستسلم حقنا للدماء وانقاذا لحياته . كما فرض الانقلابيون الحكم العرفي ونظام منع التجول على البلاد واغلقوا جميع الحدود والمطارات وقال البيان ان من يخالف هذا الامر سيتعرض لاطلاق النار عليه . واعلن مجلس الثورة في بيان اخر انه يمارس جميع صلاحيات الرئيس عارف . وقال في بيان ثالث انه يسعى الى تحقيق الوحدة العربية الشاملة وخاصة مع الجمهورية العربية المتحدة .
واعلن بيان عارف عبد الرزاق التزام مجلس قيادة الثورة بالمنهاج الوزاري الذي اعلنه البزاز رئيس الوزراء مساء 29/6/1966 الذي عالج فيه المشكلة الكردية وقال البيان ان الثورة ستلتزم بمقررات مؤتمرات القمة العربية والجامعة العربية وتلتزم باتفاق القيادة السياسية الموحدة المعقودة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة .
اما سياسة العراق الخارجية فاعلن مجلس الثورة تمسك العراق بسياسة عدم الانحياز القائم على مبدأ الحياد الايجابي والسعي لحل المشاكل العالمية بالطرق السلمية وتلتزم بكافة مقررات هيئة الامم المتحدة والمعاهدات والمواثيق بين العراق والدول الصديقة . واعلن كذلك ان هدفه الوحدة والاشتراكية وانه سيعمل على حماية وحدة العراق وسلامة اراضيه .
وناشد بيان اخر الرئيس عارف اصدار الامر الى قواته باطاعة مجلس الثورة بعد الاتصال الهاتفي الذي اجراه عميد الجو عارف عبد الرزاق مع الرئيس عارف ان يترك مكانه ويعود الى منزله وان يقيل الدكتور عبد الرحمن البزاز .
وقد رد الرئيس عارف بقوله انكم متمردون ونحن هنا بقوة الشعب الذي انتخبنا عن طريق المجلس الوطني واذا لم تستسلموا فورا فانكم لن تنجو من الاعتقال . بعدها اجرى الرئيس عارف اتصالات بالقطعات العسكرية في الموصل التي سارعت الى تطويق قاعدة الموصل الجوية كلها كما اصدر اوامره بتطويق منطقة ابو غريب .
وبسرعة تم القضاء على المحاولة الانقلابية الثانية وتم اعتقال عارف عبد الرزاق في مطار الموصل عندما القى اثنان من قادة الفرقة الرابعة القبض عليه وعلى من معه دون اراقة دماء . والاثنان هما العميد خليل جاسم وكيل قائد الفرقة الرابعة والعقيد كريم شندانة رئيس اركان الفرقة كما تم القاء القبض على العميد الركن يونس محضر باشي قائد الفرقة الرابعة المرابطة في الموصل لايوائه العميد عارف عبد الرزاق .
وعقب فشل المحاولة الانقلابية استطاعت السلطات العراقية اعتقال عارف عبد الرزاق تم في مطار الموصل عندما القى اثنان من قادة الفرقة الرابعة القبض عليه وعلى من معه دون اراقة دماء . والاثنان هما العميد خليل جاسم وكيل قائد الفرقة الرابعة والعقيد كريم شندانة رئيس اركان الفرقة كما تم القاء القبض على العميد الركن يونس محضر باشي قائد الفرقة الرابعة المرابطة في الموصل لايوائه العميد عارف عبد الرزاق الذي افادت المعلومات انه قام بنفسه في عملية قصف القصر الجمهوري في بغداد حيث قاد اول طائرة من مطار الموصل بعد ان طلب من يونس عطار باشي قائد الفرقة الرابعة تأمين المطار لكن العقيد عبد الكريم فيصل معاون قائد الفرقة الرابعة كان قد تلقى في غضون ذلك تعليمات من اللواء عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية بالسيطرة على مطار الموصل وتمكن من اعتقال يونس عطار باشي ومحاصرة المطار بقواته وعندما عاد عارف عبد الرزاق بطائرته الى مطار الموصل فوجىء بقوة تحاصر المطار واعتقل على الفور
وكانت طائرات ثلاث قد انطلقت من مطار الموصل على فترتين هاجمت القصر الجمهوري في بغداد في الساعة الثالثة الا ربعا من بعد ظهر يوم 30/6/1966 عندما شوهدت تحلق على ارتفاع منخفض فوق بغداد اسفرت عن اشعال النيران في ثكنات الحرس الجمهوري كما اغلقت جسور بغداد وقد قوبلت بنيران حامية من المواقع الارضية واصيبت احدى الطائرات لكنها تمكنت من الفرار . في هذا الوقت استولت مجموعة من الانقلابيين على احدى محطات الاذاعة في ابو غريب واخذت تذيع البيانات من قبل العقيد هادي خماس مدير الاستخبارات العسكريةالسابق الذي شارك عارف عبد الرزاق في محاولته الانقلابية الفاشلة الاولى . والاناشيد الوطنية وبرقيات التأييد. وحلقت في الساعة السادسة مساءا طائرتان تابعتان للانقلابيين بغارات متعددة استغرقت نصف ساعة استهدفت القصر الجمهوري ومعسكر الوشاش في بغداد والوحدات العسكرية المرابطة في منطقة اليرموك بضواحي بغداد واستعملت الطائرتان الصواريخ والمدافع الرشاشة في عمليات القصف الا انهما جوبهتا بنيران شديدة اضطرتهما الى التحليق على ارتفاع عال. الا ان اذاعة ابو غريب توقفت عن البث بسبب قيام القوات الحكومية بقطع التيار الكهربائي عن المنطقة كما توقفت الاذاعة في منطقة الصالحة ببغداد نتيجة انقطاع التيار الكهربائي بسبب القصف الذي تعرضت له الاسلاك الكهربائية من قبل طائرات الانقلابيين الذي ادى كذلك الى تدمير واجهة المبنى ايضا .
لكن قبيل الساعة التاسعة مساء اعلن الرئيس عبد الرحمن عارف القضاء على الحركة واعتقال قائد المحاولة في الموصل مع اربعة ضباط اخرين معه .
واذاع الرئيس عارف والبزاز بيانين اعلنا فيهما انتهاء حركة التمرد والقضاء عليها . وقال الرئيس عارف في بيانه قامت عصابة جورج حبش بمغامرة طائشة .بما فيهم المجرم عارف عبد الرزاق وعصام وجدي وفاروق صبري وعبد الامير الربيعي وقد تم القاء القبض على المجرم عارف عبد الرزاق وممتاز السعدون وجاسم محمد وفهد السعدون وصباح عبد القادر وثامر الصالح وهم من الزمرة التي سيطرت ظهر امس على مطار الموصل وطيرت بعض الطائرات وقصفت القصر الجمهوري . وقد نتج عن ذلك اثنين من القتلى وستة من الجرخى وقد اتخذت الاجراءات القانونية بحقهم .
واعلن الرئيس عارف انه تم القاء القبض على الملازم الاول الطيار انور محمد علي والنقيب الطيار المتقاعد فاروق احمد والملازم عامر عبد الله والملازم عامر الحياري والعميد الركن المتقاعد محمد مجيد والرائد زهير محمود وذلك اثناء هروبهم عن طريق الفلوجة . ودعا البيان جميع مخافر الحدود ونقاط السيطرة القاء القبض على جميع المشتبه بهم الذين يحاولون الفرار وارسالهم مخفورين الى قيادة موقع بغداد
وجاء في بيان اخر انه تم القاء القبض على المتآمرين التالية اسماؤهم :
صبحي عبد الحميد وزير الداخلية ووزير الخارجية السابق في حكومة الفريق طاهر يحيى ومحمد مجيد وجهاد الفخري واحمد الحديثي وفاروق عبد الامير وطالب شقلاوة ورشيد محسن .
وبدأ راديو بغداد اذاعة برقيات تأييد للرئيس عبد الرحمن عارف واستنكارا للمحاولة الانقلابية الفاشلة من بينها برقية من اللواء احمد حسن البكر.
وقال ناطق بلسان وزارة الخارجية الامريكية ان القصر الجمهوري في بغداد اصيب بقنابل القيت من الجو غير ان مبنى السفارة الامريكية المجاور له لم يصب بسؤ .
وامتنع الناطق عن الرد على اسئلة عن موقف الحكومة الامريكية من محاولة الانقلاب التي جرت في العراق وكذلك امتنع عن الرد على اسئلة عن مشروع برنامج حكومة البزاز لانهاء الحرب مع الاكراد .
واذاع راديو بغداد الساعة التاسعة مساءا بيانا باسم عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء ووزير الداخلية باعلان نظام منع التجول في بغداد جاء فيه :
استنادا الى احكام قانون السلامة الوطنية وحفظا للامن وللحيلولة دون هروب المتآمرين قررنا فرض نظام منع التجول على بغداد وضواحيها اعتبارا من الساعة العاشرة من ليلة امس وحتى الخامسة من صباح اليوم .
وفي بيان اخر باسم الرئيس عبد الرحمن عارف اعلن فيه القضاء نهائيا على المحاولة جاء فيه :
ايها الشعب الكريم . اخواني وابنائي منتسبي القوات المسلحة .
الحاقا ببياناتنا السابقة يسرني ان ازف اليكم البشرى بان الفتنة الرعناء التي قام بعا نفر من الافاكين المغامرين بعد ظهر هذا اليوم قد قضي عليها نهائيا بجهود ابطال جيش 14 تموز/يوليو والمخلصين من ابناء هذا الوطن . وقد تم القبض على مدبريها ومعظم المشتركين فيها قد اودعوا التوقيف وسيجري التحقيق معهم ومحاكمتهم وفق القانون لينالوا العقاب النافذ جزاءا وفاقا لما ارتكبت ايديهم ( وما ظلمناهم ولكن انفسهم كانوا يظلمون ) ومرة اخرى نرفع ايدينا في هذه الليلة المباركة ليلة المولد النبوي الشريف الى السماء حامدين الله على ما اولانا من نصر علينا من نعمته( وان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم ) والسلام عليكم .
كما شكر اللواء عبد الرحمن عارف الجيش والشعب في كلمة وجهها بنفسه من راديو وتلفزيون بغداد بعد ان ادى صلاة الجمعة في جامع 14 رمضان في بغداد بعد ظهر يوم 1/7/1966 لوقوفهم في وجه المحاولة الانقلابية
وكانت صحف بغداد قد قالت ان اللواء عارف عبد الرزاق نجا من الموت باعجوبة اثناء المحاولة الانقلابية الفاشلة .
وقالت صحيفة العرب البغدادية ان المتمردين تظاهروا بانهم جنود حكوميون موالون وحيوا الرئيس عارف ثم اطلقوا النار عليه فجأة في محطة اذاعة بغداد اثناء توجهه لاداء بيان على الشعب الذي اعلن فيه القضاء على الحركة الانقلابية
وقالت العرب وقتل في الحادث سائق الرئيس عارف الذي كان يقف الى جانبه . وتحدثت صحيفة العرب عن تفاصيل المحاولة وقالت :
ان الاستعدادات للمحاولة فجر الخميس بدأت عندما قسم الذين قاموا بالمحاولة انفسهم الى ثلاث مجموعات .الاولى تضم عارف عبد الرزاق وقد سافرت من بغداد الى الموصل . بينما اتجهت الاخريان الى المعسكرين اللذين خرجت منهما القوات المصفحة التي اشتركت في المحاولة .
وفي القاهرة حيث كان يقيم عارف عبد الرزاق كلاجىء سياسي يطمح في العودة الى العراق حيث اتصل مع بعض الضباط الموالين له وتم وضع خطة عسكرية للانقلاب من قبل الضباط الوحدويين فوصل عارف عبد الرزاق الى العراق بصورة سرية في بداية شهر حزيران عام 1966 حيث اقام في بغداد بصورة سرية وقد وصل عارف عبد الرزاق الموصل ومعه بعض معاونيه وهم على ما يبدو الاشخاص الذين اعلن القبض عليهم معه وهم:
ممتاز السعدون وجاسم محمد وصباح عبد القادر وثامر الصالح وجميعهم سافروا بملابس مدنية سرعان ما استبدلوها بملابس عسكرية قبل ان يتخذوا اماكنهم في مطار الموصل بعد ان استولوا عليه وبدأوا يبعثون بالطائرات تحلق فوق بغداد متابعة لتنفيذ المحاولة الفاشلة .
وقد اخبرني احد الاصدقاء في حينها ان عارف عبد الرزاق كان قد دخل العراق قبل اسبوعين من قيام الحركة عن طريق الكويت يرافقه احد ضباط المخابرات السورية ومن تلامذة عبد الحميد السراج سابقا ويدعى عبد الوهاب الخطيب الذي استطاع الهرب دون القاء القبض عليه لما يتمتع به من قدرة على التخفي واقام عارف عبد الرزاق في بغداد نقله منها - الملازم الطيار ابراهيم الجبوري حسبما اخبرني به العميد عارف عبد الرزاق اثناء لقائي به في لندن- ومعهما الضابط السوري عبد الوهاب بسيارته الفولكس فاجن ستيشن قبل المحاولة بيوم الى الموصل من هناك قام عارف عبد الرزاق ومجموعته بالسيطرة على القاعدة الجوية هناك بمساعدة العقيد علي حسين جاسم الملحق العسكري العراقي في القاهرة سابقا – وقد اخبرني العقيد علي حسين جاسم خلال لقائي به في لندن انه كان يشغل ضابط ركن في القاعدة الجوية بالحبانية آنذاك وان العقيد صبحي عبد الحميد طلب مني أن اثني عارف عبد الرزاق عن محاولته هذه وقال لي صبحي عبد الحميد قل له ان يلغي العملية لان عبد الرحمن عارف ليس عبد السلام عارف . ويضيف علي حسين جاسم وقد اخبرت عارف عبد الرزاق بوجهة نظر صبحي عبد الحميد الا ان عارف عبد الرزاق اصر على تنفيذ ما في نفسه. – ويرافق عارف عبد الرزاق ثلاثة ضباط ويساندهم بذلك يونس عطار باشي قائد الفرقة الرابعة ومن هناك قاد عارف عبد الرزاق طائرته الحربية وقصف القصر الجمهوري وكذلك فعل ممتاز السعدون اما الطيار صباح عبد القادر فقد توجه نحو الحبانية . اما الطائرات الخمس التي هبطت في مطار معسكر الرشيد فكانت قادمة من القاعدة الجوية في كركوك ومن ضمن الطيارين المرحوم نعمة الدليمي .
وفي الوقت الذي كان يجري فيه قصف القصر الجمهوري هبطت في مطار الرشيد العسكري القريب من بغداد اربع طائرات بقصد السيطرة عليه ولكنها لم تتمكن من تنفيذ هدفها فاستسلم جميع من فيها لقوات المطار . وكانت معها في البداية طائرة خامسة لم تهبط ولكنها ظلت تحلق في الجو ثم انضمت في النهاية الى الطائرات المغيرة وقامت هذه الطائرة بالذات بضرب معسكر الوشاش والدبابات التابعة للحرس الجمهوري مدة نصف ساعة .
وكان البزاز قد قال في مؤتمر صحفي اذيع حيا من راديو بغداد في 2/7/1966 ان العميد المتقاعد عارف عبد الرزاق الذي قاد المحاولة الانقلابية الفاشلة وشركاه قد دخلوا العراق خلسة بجوازات سفر مزيفة وانهم دخلوا العراق في اوقات مختلفة وقد وصل بعضهم قبل شهرين . واضاف يقول اننا لانتهم احدا من خارج العراق عربيا او اجنبيا وانطباعي الشخصي حسبما لدي من معلومات يؤكد ان الامر كله عراقي في اشخاص عراقيين .
وقال ان احد المعتقلين اعترف بانه جاء من الاردن في سيارة ونزل عند الحدود وتسرب منها في حين دخل اخرون من حدود الكويت متظاهرين بانهم تجار من الجزيرة العربية ودخل غيرهم خلسة من منطقة الجزيرة في سوريا بجوازات سفر مزورة .
وقال البزاز لقد اثار هؤلاء المتآمرون استياءا في بغداد ضد قطر عربي هو براء من اعمالهم ولا اشك في براءته . وان ما قام به العميد عبد الرزاق مرتين اساء الى الوحدة العربية والقومية العربية .
ووصف البزاز العميد عارف عبد الرزاق واعوانه بانهم اعداء العروبة . وقال ان الشعب ادرك منذ اللحظة الاولى ان هذه الحركة الرعناء مهزلة . وكانت القنابل والمدافع تدوي والشعب لا يلتفت اليها .
واضاف البزاز ان افراد الجيش والشعب لم يستجيبوا الى نداءات الحركة الانقلابية التي لم يتجاوز مجموع القائمين بالحركة 100 رجل . وقال البزاز ان القائمين بالحركة الانقلابية حاولوا ان يستولوا على مطار الحبانية القريب من بغداد الا ان الجنود هناك احبطوا محاولتهم بمساعدة فريق من الاهلين .
واضاف البزاز يقول انه من مناطق بغداد استولت الجماهير على ثلاث دبابات كانت تحاصر دار الاذاعة وقد فرّ الجنود تاركين الدبابات .
وقال ان المتامرين استولوا على مطار الموصل بالتآمر مع بعض الضباط وتمكنوا من ارسال بعض الطائرات وهي التي قصفت بغداد ثلاث موجات كل موجة طائرتين . وان عدد الضحايا بلغ ثمانية قتلى و15 جريحا وان كل الذين استجابوا للحركة من عسكريين ومدنيين لا يتجاوز بضع عشرات .
وقال البزاز ان عدد المعتقلين بلغ اكثر من خمسين شخصا مع حوالي عشرة او خمسة عشر احتجزوا للتحقيق معهم بالاضافة الى بضع عشرات من الجنود المغرر بهم .واضاف ان المتآمرين لم يحاربوا من أجل عروبة العراق بل من أجل أنانيتهم.
وكررالبزاز ان العراق بلد حر ثوري وسيبقى الى الابد حرا ثوريا . وان العراق ضد الاحلاف .
وتساءل البزاز قائلا . هل لاننا كذلك يجب ان نكون في شجار وخصام مع جيراننا وهل يجب ان نعادي جيراننا لنكون ضد الاحلاف ؟ اليس من مصلحة العراق والعروبة ان يكون العراق على اتفاق مع جيرانه . وهل يجب ان نشتم تركيا وايران كل يوم ليقال اننا ثوريون ومتحررون ؟ هل هذه هي الثورة ؟ وقال ان العراق راغب في قيام علاقات حسنة مع ايران وراغب ايضا في حل جميع الخلافات معها .
وقال البزاز ان المتآمرين وزعوا منشورا اتهموه بالعمالة واضاف اذا كان العمل من اجل حل مشكلة الشمال عمالة فانا عميل واذا كان العمل من اجل ازدهار الاقتصاد عمالة فانا عميل واذا كان العمل من اجل الوحدة العربية المبنية على اسس قوية فعالة عمالة فانا عميل واذا كان العمل من اجل اعادة الامن والاستقرار عمالة فانا عميل .
وسئل البزاز عما اذا كانت سلطات الجمهورية العربية المتحدة ابلغت الجهات العراقية بخروج عارف عبد الرزاق ورفاقه من اراضيها فاجاب بقوله ان سلطات الجمهورية العربية المتحدة لم تكن تفرض رقابة عليهم وانه يعتقد انهم هربوا من الجمهورية العربية المتحدة بجوازات مزورة وانه حتى لو كانت الجمهورية العربية تفرض رقابة عليهم تمكنوا من الفرار بالرغم من كل رقابة.
واعرب البزاز عن امله بان لا تسمع الهمسات التي تريد ان تشكك وان تخلق الخلافات بين العراق وبين اشقائه .
وشدد البزاز في رده على اسئلة الصحفيين اكثر من مرة ان الذي حدث يوم الخميس هو حدث داخلي صرف قام به صبية مغامرون لاغراض شخصية وانه لايتهم احدا خارج العراق عربيا ام اجنبيا بالاشتراك بالمحاولة الانقلابية وقال ان المشتركين بالانقلاب ليسو بعثيين ولا ناصريين ولا قوميين ولا اشتراكيين انهم مغامرون عقيدتهم – انا لا سواي – وهم لا يريدون شيئا سوى الحكم .
وفي لقاء للبزاز مع رؤوساء تحرير الصحف العراقية في 7/7/1966 حول المحاولة الانقلابية الفاشلة قال ان الصحافة العراقية لم تف الموضوع حقه ولم تحاول ان تتعرف عن الاسباب والجذور التي نجم عنها مثل هذا التصرف .
وقال البزاز انه علم بوجود العميد عارف في العراق منذ ثلاثة اسابيع غير انه لم ينظر الى الموضوع بجدية لانه كان يعتقد ان عارف عبد الرزاق اخذ درسا من محاولة الانقلاب الفاشلة الاولى التي قام بها .
واصدر البزاز في 7/7/1966 امرا يقضي بحجز الاموال المنقولة وغير المنقولة العائدة ل23 شخصا موقوفا وخمسة من الهاربين المتهمين بالاشتراك في محاولة الانقلاب الفاشلة . من بين الذين شملهم امر الحجز عارف عبد الرزاق وصبحي عبد الحميد وعبد الكريم فرحان ويونس عطار باشي ونهاد الفخري ومحمد مجيد .
كما قرر البزاز بصفته وزيرا للداخلية احالة عبد الحميد قادر السامرائي مدير الشرطة العام على التقاعد وتعيين السيد طه الشيخلي مدير الجنسية العام مديرا للشرطة بدلا من عبد القادر الذي اتهم بتورطه في المحاولة الانقلابية .
وكان البزاز قد اضطر الى تأجيل زيارة رسمية كان من المقرران يقوم بها في ذلك اليوم الى تركيا وعقد في اليوم الثاني جلسة طارئة لمجلس الوزراء استغرقت ساعتين استعرض خلالها الاوضاع الداخلية المحاولة واطلع مجلس الوزراء على اخر تطورات الموقف وما اتخذ من اجراءات وطمأن المجلس بان التحقيق قد بدأ مع الانقلابيين وان محاكمتهم ستبدأ فور انتهاء التحقيق .
كما احاط البزاز المجلس ببعض الاجراءات الوقائية التي اتخذت بحق بعض الذين يعتقد بان لهم صلة بهذه الفتنة .
وقد واجه الرئيس عبد الرحمن عارف في مكتبه بالقصر الجمهوري اللواء عارف عبد الرزاق والثمانية الضباط الذين القي القبض عليهم معه في الموصل حيث انطلقوا من هناك في محاولتهم الانقلابية الفاشلة الثانية بعد ان نزعت الرتب العسكرية عنهم قبل ان يواجههم الرئيس عارف .
وقد اصدرت حكومة البزاز عفوا عن الذين هربوا بعد المحاولة الانقلابية التي جرت رغم ما اذاعه راديو بغداد من مصادرة جميع اموال وممتلكات الذين اشتركوا في المحاولة والبالغ عددهم 28 متهما .
وفي 15/7/1966 افرجت حكومة البزاز عن 8 متهمين من المدنيين كانت قد اعتقلتهم عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة وادلى البزاز بتصريح يوم 16/7/1966 لصحيفة الاهرام القاهرية اكد فيه على حرص العراق على ان تبقى علاقاته مع الجمهورية العربية المتحدة اقوى مما كانت ودعا الى تسرع الدولتان الخطى نحو الاهداف المشتركة وتحقيق الوحدة الثلاثية على اساس ميثاق 17 نيسان 1963 كما ايد ترشيح رئيس الجمهورية العربية المتحدة لرئاسة دولة الوحدة .

 


بداية نهاية حكومة البزاز

مصرع الرئيس عبد السلام عارف

كان موت الرئيس عبد السلام محمد عارف قد ترك البزاز المدين لصداقته الشخصية معه معلقا في الهواء حيث كان عبد السلام عارف كما قال البزاز في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 23/4/1966 عقب انتخاب اللواء عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية خلفا لشقيقه عبد السلام (من واجبي ومن حق الراحل علي ان اقول هذه الكلمة للتاريخ ، لقد عملت معه سبعة شهور تقريبا وكنت احس عظم الافكار التي تختلج في ذهنه وضخامة الامال التي تضطرم في صدره وكلما ازددنا تعرفا وطال بنا الالتقاء ازدت يقينا بان الرجل كان يريد لهذه البلاد وللامة العربية خيرا وان فقده خسارة جد جسيمة واود ان اعلن ان في الفترة التي انيطت بي مهام رئاسة الوزارة في عهده لم يتردد في الاستجابة الى سياسة الحكومة ولم يرد لها طلبا فما عطل قانونا ولا رد قرارا ولا تدخلا ولا فرض ارادته على احد من وزرائنا او عليّ بوصفي رئيسا للوزراء).
وكان العسكريون قد استاءوا ومنذ البداية من وجود عبد الرحمن البزاز على رأس مجلس الوزراء ليس فقط لانه كان مدنيا بل ايضا لانه كان شديد الاستقلالية وكثير البراعة بالنسبة اليهم والى عقليتهم اضافة الى ان البزاز كان ضد دكتاتورية التجمعات العسكرية ولا عقلانيتها واكثر من هذا كان لاعلان البنود الاثني عشر لحل المشكلة الكردية في راي الشعب بشكل عام بمثابة وسام على صدره . كما إتبع سياسة الاقتصاد الحر وانهى هيمنة الدولة على التجارة الخارجية وانفتحت وزارته بشكل واضح على دول الغرب وشجعت القطاع الخاص وفتحت المجال للشركات الاجنبية .
كان البزاز يكره اقحام الجيش في الحكم والسياسة فمجال الجيش كما يرى البزاز هو بين الثكنة والجبهة فهو كالقطار حينما يخرج عن الخط تكون الكارثة . لذلك فلم يرق لعدد من الوزراء العسكريين سياسة البزاز فقدموا استقالاتهم وهما رشيد مصلح واسماعيل مصطفى . مما ادى صحيفة صوت العرب البغدادية الى دعوة البزاز في تعليق لها في 5/12/1965 الى اعادة تشكيل حكومته من جديد او طلب اقالتها وقالت اذا كان يشعر بان الانسجام اصبح مفقودا بين اعضاء وزارته اصوب من ترك الامر لكل وزير لكي يتقدم باستقالته متى شاء .
وقالت الصحيفة بصدد استقالة اللواء رشيد مصلح وزير المواصلات واللواء اسماعيل مصطفى وزير الشؤون البلدية والقروية اللذين اعلن قبولهما ان أي استقالة فردية في هذه الظروف ستكون مبعثا للكثير من القلق خاصة بعد ان لاحت في الجو بوادر تحرك بعض التيارات السياسية التي حسبناها كما قالت الصحيفة قد ماتت وقهرت .
وحين بدأ مجلس الدفاع اجتماعا قبل دفن جثمان عارف كان المرجح ان الضباط وحدهم هم الذين يملكون الفصل في القضية وقد كان الخلاف ذي اتجاهين بين الضباط انفسهم .
والخلاف بينهم وبين المدنيين حيث اتضح ان الشعب العراقي يؤيد باغلبيته عودة المدنيين الى الحكم لتعود معهم الشرعية الى النظام وكان بعض العسكريين يؤيدون هذا الاتجاه .
ومرشح المدنيين هو عبد الرحمن البزاز بلا منازع على الرغم من ان البعض يضع الى جانبه السيد شكري صالح زكي كمرشح للقاهرة اما خلافة العسكريين فيتركز حول طاهر يحيى ويقف معه بعض البعثيين في الجيش ولم يكن العقيلي يملك الكلمة الاقوى وهو صاحب شخصية قوية وطموحة والعقيلي لا يؤمن بالشعارات المطروحة كالاشتراكية والوحدة العربية .
وقد كشف البزاز ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 23/4/1966 حين قال( انني سمعت بعض الارجاف قال قائل ان الحكومة مدنية لن تعني بالجيش انها تريد ان تنتقص من حقوق الجيش . أود ان اؤكد لاخواننا ضباط الجيش وانا اعلم ان هذه الاقوال ليست اقوال الجيش الحقيقي – هي اقوال بعض من كانوا في الجيش وقد يتاجرون باسم الجيش اما الضابط المحارب اما الجندي المحارب فهو من ابناء هذا الوطن شعوره من شعورهم لا يفكر بهذا التفكير الطبقي . كفانا انقسامات على اساس الشمال والجنوب ومدن ومذاهب وعقائد حتى ننقسم انقساما جديدا على اساس مدنيين وعسكريين . المقياس السليم هو المواطنة الصالحة لا يوجد عاقل لا يعرف ما للجيش من فضل وما للبلاد اليه من حاجة وما كان من سياستنا ان ننتقص من منزلة الجيش ولا ان نضعف من وجوده بل سنعمل على تعزيزه ورعايته والعمل على جعله قوة فعالة لخدمة هذا الوطن والاسهام بالرسالة الكبرى التي تنتظرنا يوم ينادي المنادي لتحرير الوطن السليب . فالجيش اذن هو موضوع العناية وموضوع تقدير والذين يزعمون اننا قد نقصر لاننا مدنيون مخطئون كالذين يزعمون ان البلاد لا يمكن ان يحكمها الا ضابط . أنا لا انكر ان بين الضباط القدامى اناس يمتازون بالحكمة والمقدرة والاخلاص ومن حقهم ان يحكموا واذا أرادهم الشعب ان يحكموا فعلى الرحب والسعة ولا ازعم انني او ان زملائي افضل منهم بحال من الاحوال ولكن لا استطيع ولا احسبن احدا من ابناء الشعب يقر الذين يقولون ان الحكم لا يمكن ان يكون الا بايديهم وانا في هذا – وان كان المعنى بمناسبة اخرى – اقول كما يقول المتنبي
ليس الحداثة من حلم بمانعه قد يوجد العلم في الشبان والشيب
واضاف البزاز ( الحلم لا المعرفة ، المعرفة والفهم قد يوجد في الضابط الممتاز وفي غير الضابط الممتاز وقد يحكم البلاد ضابط قدير وقد يحكمها غير ضابط قدير اما ان نقول لا يمكن ان تحكم هذه البلاد الا من ضابط فذلك ما اخالف مع احترامي للاشخاص ودون ذكر لهم اخالفهم بهذا الرأي مخالفة كاملة والذين يريدون ان يجعلوا من انفسهم طبقة بمثابة البدريين او العشرة المبشرة بالجنة هم دون سواهم يجب ان يتشاروا ويجب ان يصار اليهم هذا الرأي مع احترامي للقائلين به لا اظن ان الشعب يريده . الشعب يحكم على الناس باعمالهم ضابط فلاني ضحى فهو اذن قدير وان كان اليوم سياسيا ومحترما وفلان غير كفء فالشعب لا يريده وزيد من الناس ليس بضابط ولكنه رضى به الناس واستطاع ان يحكم البلاد بطريقة او باخرى معقولة . اما ان نجزم منذ البداية ونقول ان العراق لا يحكمه الا حجاج او ضابط فتلك فرية على هذا الشعب الوديع الذي يعرف قدر حكامه ويتجاوب معهم ).
وقال البزاز( انه اتهام باطل كاننا لا يمكن ان نحكم الا بالعصى وكأن المنطق والاحسان والعقل والاتزان لا يمكن ان يستجيب له هذا الشعب وقد دلل الشعب بالبراهين القاطعة على خلاف هذا الزعم فاذن القول باننا سننتقص من قيمة الجيش او ننتقص من الضباط لانهم ضباط قول باطل ، وكل ما في الامر نحن نعتقد ان الحكم للاقدر والاصلح، والحكم النهائي في هذا هو الشعب وان الذين يريدون ان يستأثروا بسلطات او امتيازات لمجرد كونهم ضباط وان كانوا شجعانا وان قدموا فيما مضى تضحيات لا اظن ذلك يجب ان يكون بثمن ولا يجب ان يكون مفروضا فحينما يحكم الشعب ويقرر سنستجيب لحكمه ونرضى بقضائه وسنكون جد مسرورين بل ومغتبطين) .
كل هذا دعا الضباط الى رص صفوفهم والمطالبة بازاحته من منصبه خوفا على امتيازاتهم قبل ان يسمح له بان يفعل الكثير لتنفيذ برامجه الطموحة . وكان وزير ماليته السيد شكري صالح زكي قد المح ان الجيش يلتهم جزءا كبيرا من دخل البلد فقد ازدادت النفقات العسكرية كما قال من 28,5 مليون دينار عام 1956 الى 85,7 مليون دينار عام 1965 .
ومن هنا قامت المحاولة الانقلابية الثانية الفاشلة التي قادها اللواء الطيار عارف عبد الرزاق في 30 حزيران/يونيو 1966 لصالح مجموعة اخرى من الضباط الذين يقودهم عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية الذي جمع انصاره وقال لهم : ماهو مستقبلنا لو نجح الانقلاب؟ لذلك اتفقوا على تشكيل حزب سياسي اطلق عيه اسم (الثوريون العرب ) وضموا اليه بعض العناصر السياسية المدنية غير المعروفة تماما على الساحة السياسيةامثال تحسين السوز وسامي فرج علي ونزار بكر وفاروق البياتي – من عناصر حزب البعث – ومحمد سالم حجازي الاصل وناصري الاتجاه وكان يعمل موظفا في وكالة الانباء العراقية واصبحوا اعضاء ما يشبه بالمكتب السياسي لحزب عبد الرزاق النايف.
كما وقفت قوى سياسية اخرى معارضة لسياسة البزاز كحزب البعث العربي الاشتراكي والشيوعيين والقوى القومية وخاصة حركة القوميين العرب والناصريين حيث دعت اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي اعضائها من القوى الناصرية الى الانسحاب من حكومة عبد السلام عارف والانضمام الى صفوف المعارضة ودعت اللجنة المركزية قادة الجمهورية العربية المتحدة الى اعادة النظر تجاه نظام عارف .
فبعد توليه البزاز رئاسة الوزراء زادت شقة الخلافات بين الوزارة والحركة القومية التي كانت تلح في مسألة الوحدة العربية وضرورة وضعها موضع التطبيق بعد ان تهيأت كافة الظروف لذلك . كما وان اخبارالاجتماعات التي عقدت مع زعماء هذه الكتلة القومية سواء من قبل الرئيس الجديد عبد الرحمن عارف مباشرة او من قبل البزاز واعضاء حكومته ان صبحي عبد الحميد وزملائه صارحوا المسؤولين بشكوكهم حول وضوح الخط السياسي الذي تتبعه حكومة البزاز وطالبوا هم وكتل اخرى منها كتلة الفريق طاهر يحيى العسكرية ذات النفوذ الواسع بين الضباط وكتلة البعثيين بقيادة احمد حسن البكر طالبوا بشبه اجماع بابعاد شخصية البزاز بالذات وتشكيل حكومة جديدة ينعكس عليها وجود هذه الكتل القومية العسكرية والمدنية واعلان سياسة عربية ثورية واضحة تحدد منهجا موضوعيا معينا لتحقيق خطوات حاسمة على صعيد التنظيم الشعبي الداخلي والتحويل الاشتراكي والتقارب الوحدوي مع القاهرة والدول التقدمية الاخرى . وكان من رأي اقطاب كتلة صبحي عبد الحميد وعبد الكريم فرحان مع الكتل الاخرى ان الرجعية العراقية تكاد تكون في الاوضاع الحالية مالكة لجميع اسباب النفوذ والسلطان في النواحي السياسية والاقتصادية ولا ينقصها سوى ان تسفر عن وجهها نهائيا من خلال الوزارة القائمة عاجلا ام اجلا . وحين وصلت اللقاءات والمفاوضات بين القصر والوزارة من جهة وبين زعماء القوى القومية الى نقطة اللارجوع عادت هذه القوى الى الاعلان عن ارائها السلبية بالمناشير والاجتماعات الشعبية . الا ان البزاز لم يسكت على الهجوم الذي شنه – القوميون – ضده واتهامهم اياه وقارعهم كما قارعوه وقد اطلق عليهم اسم- ذوي القمصان البيضاء- وهم بدورهم ناصبوه العداء العلني فصدرت ضده بيانات تدين سياسته – الرشيدة – فهو في نظرهم ابن – اليمين – وممثله الامين. كما يقول احمد الحبوبي في كتابه – اشخاص كما عرفتهم .
وبعد ثلاثة ايام من عودة البزاز من موسكو اذاع راديو بغداد ان الرئيس عبد الرحمن عارف قد قبل ليلة امس استقالة حكومة عبد الرحمن البزاز وقد طلب الرئيس عارف اللواء ناجي طالب بتشكيل الوزارة الجديدة .
هذا وقد كشف كتاب استقالة حكومة البزاز الذي نشر في الصحف البغدادية النقاب عن الصعوبات وقال انها توضع في طريق حكومته وتحد من مسعاها بعد مرور احد عشر شهرا .
واستعرض البزاز في استقالته التي نشرتها صحيفة العرب قائلا( انني توليت المسؤولية في ظروف قاسية وتأزم اقتصادي حاد وبلبلة اجتماعية وسياسية لم ير العراق في تاريخه الحديث اسوأ منها فعملت انا وزملائي بكل طاقاتنا لاعادة الامور الى نصابها المعقول لتحقيق سيادة القانون واصلاح الوضع الاقتصادي .
واشار البزاز الى ما بعد ( كارثة استشهاد عبد السلام عارف ) وقال استطعنا ان نحقق من الشرعية ورعاية الدستور المؤقت نصا وروحا فاصبحتم رئيسا للجمهورية بالطريق السري الذي عزز من رئاسة الجمهورية واضفى على العراق هيبة انعكست في الميدان الدولي .
وبعد ان اشار البزاز الى توفيق حكومته بانهاء مشكلة الاكراد في الشمال قال ان الحكومة استطاعت ان تثيت وجود العدل وترعى مصالح بنيه وتكسب احترام الدول الاخرى .
ومضى البزاز يقول وعلى الرغم من هذا كله كنت احس بين الحين والاخر ببعض الصعوبات توضع في طريق الحكومة وتحد من مسعاها ولكننا كنا دائما نتذرع بالصبر ونركن الى الحكمة في ايجاد الحل والتسويات يحدونا الى ذلك رغبتنا في خدمة الشعب .
وختم البزاز كتاب استقالته بالقول . اما وقد لمست هذا الصباح من سيادتكم الرغبة باستقالة الحكومة فانني رعاية للدستور اتقدم اليكم راجيا قبول استقالتي .

 نظرة البزاز للعلاقـة مع أيـران


منذ البداية والبزاز كان وظل حريصا على الحفاظ على الروابط المتينة التي تربط العراق بايران وقال في ندوة تلفزيونية ببغداد في19/1/1966 "وهذه الروابط ليس الجوار وليس الجغرافية وليس التاريخ وانما المعتقد وربما المصير في المنطقة ذاتها ولذلك اتبعنا السياسة التي لم تقطع خيطا من خيوط الود "
وفي مؤتمر صحفي آخر عقده البزاز في بغداد في 15/6/1966 تحدث فيه عن سياسة حكومته تجاه دول الجوار وخاصة تركيا وايران فخاطب الصحفيين قائلا " انتم تعلمون ان علاقتنا مع الدول المجاورة قد بلغت من التحسن حدا نغبط انفسنا عليه . وبالنسبة الى سياستنا مع ايران كنت اود من الاعماق ان اقول ان سياستنا قد اتت أكلها وان الجهد الذي بذلته من قبل قد حقق نتائجه ولكن الالم يحز في نفسي لم نصل بعد الى المدى الذي كنتُ اريده ولكنني غير يائس والذي ارجوه ان تدرك الجارة ايران بان مصلحة المتجاورين المرتبطين باوثق الاوشاج والروابط يجب ان تكون سياستنا وعلاقاتنا الجوارية قائمة على ادراك سليم وتعاون صادق ونحن من جانبنا كنا ولم نزل على استعداد تام والذي ارجوه مخلصا ان تدرك ايران اننا مخلصون في هذا وراغبون في صداقتها ولكن الرغبة في الصداقة شيء والاستسلام الى بعض مطاليبها شيء اخر لانستطيع بل ولا يستطيع اي عراقي ان يتنازل عن حق اساسي وخاصة اذا ما تعلق الامر بالسيادة فيما عدا ذلك من خلافات نحن على استعداد تام على ان نسويها بروح العدل والانصاف والود وحسن الجوار واذا ما حدثت خلافات فقد اعلنا من قبل اننا مستعدون ان نقبل اي طريق يقره القانون الدولي ولكن اكثر من ذلك لا يمكن ان يكون " .
كما اكد البزاز في المؤتمر الصحفي الذي عقده ببغداد في2/7/1966 ان من واجب حكومته الرغبة بعلاقات حسنة مع ايران . واضاف" نحن راغبون كل الرغبة بان نحل كل خلافاتنا بالود لتحقيق كل معنى حسن الجوار ، ولكننا قلنا الف مرة ان ذلك لا يعني الالتزام بالاحلاف ولا بسياسة ايران ، فايران هي الاخرى دولة مستقلة كتركيا حرة في ان تتبع السياسة التي تريدها وما طلبت منا ايران يوما ان ندخل معها بالاحلاف. صحيح ان هناك خلافات في بعض المسائل حول العلاقات العراقية – الايرانية وحقيقة اننا وقفنا في فترة من الزمن في موضع ناقد وربما او عاتب على جارتنا ايران ، وكنا نود ان تسير خطوات الى الامام في حسن الجوار ولكن ذلك لا يعني بحال من الاحوال اننا نريد حتى نكسب ود ايران ان ندخل معها في احلاف كنا واضحين كل الوضوح مقدار المدى الذي سنسير مع الدول المجاورة ".
وتساءل البزاز في المؤتمر ذاته قائلا " هل لمسؤول عاقل أن يفكر أننا متجاورون لدولتين كبيرتين مسلمتين لنا مصالح معهما ولنا حدود مشتركة الوف الكيلومترات ، تركيا وايران، ولنا مشكلات لا حصر لها هل لكي يقول قائل اننا قوميون واننا متحررون يجب ان نسب ايران كل يوم ونسب تركيا ونثير الخصومات بيننا وبينهما حتى يقال اننا متحررون واننا ثوريون ، هل هذه هي الثورية ؟ "
وقال البزاز " نحن ننظر الامر نظرة اخرى ، نحن نرى ان الحكمة تقتضينا ان نحسن معاملة جيراننا ونرجو من جارتنا ايضا ان تعاملنا بالمثل وان نزيد في علاقاتنا الاقتصادية والتجارية والثقافية وكل ما يمكن ان نتعاون فيه خارج نطاق الاحلاف .
كان البزاز يرى ان الخلافات بين العراق وايران عريقة وقال في المؤتمر الصحفي الذي عقده ببغداد في12/1/1966 " مع الاسف الشديد ان الخلافات بين العراق وايران عريقة عراقة تكوين العراق ذاته لكننا في واقع الحال سبقت تكوين الدولة العراقية الحديثة ، ومنذ عهد الدولة العثمانية حينما كان العراق أيالة عثمانية كانت المنازعات بين الدولة العثمانية والحكومة الايرانية على الحدود قائمة واحسب أن ذلك طبيعي بعض الشيء فبين العراق وايران حدود مترامية الاطراف متنوعة في طبيعتها ، فبين جبل وواد وهضاب وسهل وشط الى مجتمعات انسانية متقاربة على طرف الحدود في قسم من وطننا قبائل كردية نصفها في العراق ربما ونصفها في ايران ، وقبائل عراقية كثير منها في العراق وبعضها في ايران واجناس بشرية ترتبط على الحدود فطبيعة الحال الاحتكاك والاختلاف والتنافر متصور ، اضافة الى ذلك كثيرا من انـهارنا الصغيرة تنبع من ايران فالخلافات على المياه وعلى المراعي وعلى كثير من المصالح عريقة وعديدة ".
واضاف البزاز " وأنا نظرتُ بعض الشيء في – فايلات – وزارة الخارجية ومراسلاتها استطيع ان اقول بلا مبالغة ربما نصف خلافات العراق مع كل الدنيا قائمة مع ايران والمراسلات والاتصالات والاحتجاجات قائمة على قدم وساق مذ تكوين العراق كما قلت وليس من الحق ان يقال انها حديثة او انها خفت حتى في فترة الاحلاف حينما كان العراق عضوا في حلف بغداد جمدت بعض الخلافات ولكنها لم تحـل ، فالخلافات اذن قديمـة ومستمرة فرضتها ظروف جغرافية وتاريخية وبشرية ".
كان البزاز يرى أن حل المشكلة مع ايران يجب ان تتم بالطرق السلمية وقال في المؤتمر الصحفي ذاته " كانت سياسة العراق ،كما هي سياسة حكومة العراق اليوم الرغبة الصادقة لحل مشكلاته مع ايران بالود والطرق السلمية ويؤسفني أن أقول أن إيران لم تكن دائما راغبة في الحلول السلمية ، وتاريخ العلاقات العراقية – الايرانية شاهد على ذلك " .
واضاف البزاز " على كل حال لا اريد أن اطيل ولكني استطيع ان اؤكد لكم بان ما قيل من التأزم الاخير لم يكن العراق مسؤولا عنه وانما يقع عبء المسؤولية الكبير على سياسة جارتنا ايران ، التأزم الاخير بدا واشتد على الاصح حينما ادعت ايران ان العراق قد تجاوز على تربتها وعلى اجوائها وان بعض قراه قد قصفت بطائرات عربية وان بعض العراقيين من غير الجيوش النظامية قد دخلوا الحدود الايرانية وسحبوا شخصين ثم قتلوهما، واشياء من هذا القبيل في تقديرنا وفي ما عندنا من معلومات ان هذا الذي تقوله ايران لم يقع بالشكل الذي صورته الحكومة الايرنية ومع ذلك لقد قلنا ونقول اننا على استعداد تام لان نلتقي وان نبحث هذه الخلافات وان تكون اللجان الضرورية التي تتحرى الحقائق فاذا ثبت شيئا من هذا قد وقع فعلا من العراق واذا ما ثبت ان شيئا قد وقع فمن دون شك قد وقع دونما قصد او اساءة فان العراق مستعد لتحمل التبعة ومستعد لتعويض المتضررين من الايرانيين ".
وقال البزاز " قلنا هذا لاخواننا وجيراننا في القطر المجاور ولكن بدل ان يستجيبوا لهذا استعملوا سياسة العنف بعض الشيء أو إظهار القوة وارسلوا قوى احتياطية على الحدود او قريب منها وصدرت تصريحات بالرغم مما في بعضها من عبارات الرغبة في السلام والحب لشعب العراق ولكنها تحمل في طياتها بعض معاني التهديد وهذا شيء يؤسف له ويؤسف له لان العراق جار ايران يرتبط مع ايران بروابط تاريخية واجتماعية ودينية قوية وهو حريص كما كان حريصا دائماعلى الحفاظ على هذه الروابط وتنميتها لخير الشعبين المتجاورين ، الشعب الايراني والشعب العراقي ، فقد كان الطريق الامثل الذي كان على الحكومة الايرانية ان تسلكه هو الطريق الودي ".
حرص البزاز منذ ان ترأس الحكومة العراقية على حل المشكلات مع ايران بالطرق الدبلوماسية وقال في مؤتمر صحفي عقده في 12/1/1966 " أن من حق ايران ان تحتج اذا ثبت اننا أسأنا وان تتحرى فاذا ثبت الخطأ فعندئذ كما قلت نتحمل التبعة اما ان يصار الى العنف والى التهديد والى الزعم بان العراق راغب او عامل على الكيد لايران او راغب في خلق المتاعب للايرانيين فذلك ما ليس له مبرر مطلقا ".
واضاف البزاز " ومنذ ان جاءت هذه الحكومة الى الحكم سعت مخلصة وجاهدة وبكل وسيلة الى اقناع الايرانيين برغبتنا الصادقة في حل مشكلاتنا بالطرق الدبلوماسية وبالطرق الودية ولم نترك سبيلا الا ولجأناه )
واستطرد البزاز " بطبيعة الحال نحن لا نعارض تكوين لجان مشتركة او لجان عراقية وايرانية لتدارس المشكلات العراقية الايرانية واننا دائما وابدا على استعداد تام للالتقاء وللتحدث ولحل الامور بالود وبالحسنى لان ذلك اسلم وافضل طريق بين بلدين متجاورين اما ان يظن ان هناك مفاوضات وان هناك شروط لا تدخل ايران في المفاوضة معنا بشأنها الا اذا تحققت فذلك تفسير خاطىء لكتابي وانا لم ارد على هذا ولم اكن راغبا بحال من الاحوال بالدخول بمفاوضات رسمية تشمل هذه السعة ولا تعطي هذا المعنى كما هو معلوم في القانون الدولي ".
وقال البزاز " انا ادعو الى التقاءات الاصدقاء للتحدث في المشكلات وايجاد الجو الودي لحلها وفي تقديري وهذا ما قلت له بانه ليس بيننا نحن العراقيين وبين ايران الخلافات ما يعسر حلها حين تتوافر حسن النية بين الطرفين وانا اكدت له حسن النية من جانبنا قائم وارجو ان يكون قائم من جهتهم فاذا التقينا لا شك اننا سنتقدم خطوات الى الامام لان الالتقاء في حد ذاته وسيلة مجدية للتكاشف والتصارح وتبادل الرأي وخاصة كما قلت نحن مرتبطون بارتباطات وثيقة لا انفصام لها ".
وكانت الصحف الايرانية قد ذكرت في 23/12/1965 ان مقاتلتين نفاثتين عراقيتين من نوع ميغ عبرتا حدود ايران يوم الثلاثاء 21/12/1965 واطلقت نيران مدافعهما الرشاشة على قرية ( كاهريزاك) ومركز الدرك في قرية ( خانوم شيخان) فاصيب عدد من القرويين وقتل اثنان من الدرك الايرانيين اضافة الى اصابة احد رجال الدرك بجروح عندما حاول مسلحون عراقيون الاستيلاء على ماشية سكان الحدود .
وفي 25/12/1965 اعلن في ايران ان السلطات الايرانية قدمت احتجاجا الى بغداد ضد هجمات عراقية مزعومة عبر الحدود وضد خرق المجال الجوي الايراني . وقالت مصادر عليمة ان الحكومة الايرانية تدرس توجيه نداء الى الامم المتحدة .
العراق من جانبه نفى في بيان عن مصدر مسؤول صدر يوم 27/1/1966 نفيا قاطعا ما اذاعته ايران عن خرق الطائرات العراقية للاجواء الايرانية وقصفها للقرى الايرانية وقال ان هذه الانباء لا اساس لها من الصحة اطلاقا . بينما صحيفة بغداد نيوز الناطقة باللغة الانكليزية اعترفت بذلك وقالت في عددها الصادر يوم 27/12/1966 نقلا عن مصدر مسؤول قوله ان الطائرات العراقية كانت خلال الايام الاخيرة تطارد بقايا عصابة من الاكراد وتضرب تجمعاتهم داخل الحدود العراقية ونفى المصدر ان تكون الطائرات قد قصفت اية قرية ايرانية خلال هذه العمليات .
ورغم الازمة فان حكومة البزاز ظلت متمسكة بتمتين علاقاتها مع ايران وتقويتها . فقد عقد مجلس الوزراء في 26/12/1965 جلسة برئاسة البزاز بحث خلالها العلاقات العراقية الايرانية على ضوء الاحداث الاخيرة . وذكرت وكالة الانباء العراقية ان مجلس الوزراء اكد على ضرورة الحفاظ على العلاقات الودية بين البلدين وتنمية علاقات حسن الجوار بينهما وعمل كل ما من شأنه توضيح سياسة العراق تجاه ايران والتأكيد على رغبة العراق في اتباع سياسة ودية معها .
فقد اكدت صحيفة العرب البغدادية في تعليق لها في 26 /12/1965 تمسك العراق بتمتين علاقاته مع ايران على الرغم من الحوادث التي قد سببت بعض التوتر بين البلدين المتجاورين .
وجاء في التعليق رداً على أنباء ترددت في الخارج عن أن الحكومة الايرانية قدمت إحتجاجاً الى الحكومة العراقية حول قصف مزعوم من قبل الطائرات العراقية قصفت القرى الايرانية ثلاث مرات .
وقالت الصحيفة: والى ان تعلن الحكومة العراقية الرد على الاحتجاج نرى لزاما علينا ان نسجل الحقيقة الاكيدة وهي ان علاقات العراق بايران اقوى من كل احتجاج ومن كل حادث يسبب بعض التوتر بين البلدين الصديقين .
واضافت الصحيفة تقول : ان العراق اعطى الدليل على انه يحترم هذه العلاقات فهل تسعى حكومة ايران من جانبها لتقديم دليلا واحدا على تمتين هذه العلاقات .
وكتبت صحيفة المنار الاردنية مقالا بتاريخ 28/12/1966 بقلم – باحث عربي – تحت عنوان(ازمة لا نريد ان تقع ) قالت فيه :المراقبون العرب يتمنون ان لا تؤدي هذه الغارات غير المقصودة الى ازمة بين البلدين الاسلاميين الشقيقين العراق وايران. فالمعروف ان القوات العراقية تطارد العناصر الكردية المتطرفة التي تسعى لتمزيق وحدة العراق . ولا يستغرب المراقبون ان تحاول تلك العناصر او بعضها اجتياز الحدود مع ايران او مع تركيا والاحتماء ببعض قرى الحدود .
واضاف الكاتب : وعلى هذا فان مطاردة الطائرات العراقية لتلك العناصر المشبوهة لا يقصد انتهاك حرمة الاجواء الايرانية ولا يقصد منه ايضا الاساءة الى العلاقات العراقية – الايرانية .
واشاد الكاتب بعهد البزاز وقال: والمعروف ان العهد الحالي في العراق يهدف الى تحسين العلاقات مع الدول الاسلامية سيما المجاورة منها . ولقد ذكرت وكالات الانباء منذ شهور ان عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق قد ابلغ حكومات البلدين الشقيقين المجاورين ايران وتركيا عن امله المخلص في اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع تسرب المشبوهين الاكراد الى داخل الحدود الايرانية التركية والكفيلة بمنع تهريب الاسلحة عبر تلك الحدود الى تلك العناصر المتمردة .
وكان السفير العراقي في طهران السيد حسن الدجيلي قد قدم مقترحات ثلاثة قبلتها مبدئيا ايران ورحبت بها حكومة البزاز وهي :
1 – ان تسحب ايران قواتها من الحدود الى مسافة معقولة .
2 – ان تتوقف الدعايات والحملات الكلامية من الطرفين الصحافية والتلفزيونية والاذاعية ايضا .
3 – تتكون لجان لدراسة المشكلات الصغيرة القائمة حول خلافات الحدود .
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده البـزاز في 12/1 /1966 خاطب الصحفيين العراقيين قائلا: رجائي اليكم واغتنم وجودكم هنا فنحن لا نملك غير الرجاء ويجب ان يعلم الناس جميعا ان الصحافة هنا حرة ليس للحكومة سلطان عليها ولكني اشعر من الناحية الاخرى انكم كمواطنين تشعرون ايضا بالمسؤولية وتقدرون الواجب العام والمصلحة العامة فارجو اليكم رجاءا مخلصا وفي رجائي هذا ان تستجيبوا لايقاف كل ما يسيء الى جارتنا بكل وسيلة سواء كانت بالخبر او التعليق او حتى نقل الاخبار السيئة من جهات اخرى وانا هنا اقول ناقل الكفر قد يكون كافرا فرجائي اليكم ان تمتنعوا لاننا نعتقد بان الفرصة لم تضع بعد . واننا نستطيع او يجب ان نستطيع ان تحل خلافاتنا بالود وبالتفاوض وبالالتقاء .
واضاف البزاز في المؤتمر الصحفي ذاته: انا اعلم ان فريقا من المواطنين يسمون هذه السياسة بالضعف . وربما بالخوف، وقد استلمتُ بعض البرقيات بل مئات البرقيات لكن بعضها اقول تبدأ بهكذا: مزيد من القوة ، مزيد من الشجاعة ، مزيد من الحزم ، وانا اود ان اقول لهؤلاء المواطنين بان الشجاعة لا تنقصنا وان الحزم قائم ولكننا نعتقد ان هناك شيئا اعظم من الحرب واجل من الشجاعة وهو الحكمة وهو الرحمة ونحن بهذا نتأثر بقول المتنبي الذي يقول :
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني

فاذا هما اجتمعا بنفس حرة
بلغت من العلياء كل مكان

وقال البزاز : فلم تكن سياستنا صادرة عن ضعف او خوف ولكننا نقدر المسؤولية ونحب السلام ونعتقد ان الذين بايديهم مقاليد الامور يجب ان تكون لهم قلوب جبارة وعقول نيرة واراء سديدة وانهم مسؤولون عن ارواح هذا الشعب وامواله وراحته . فالكلمات والخطب والقصائد والاهازيج والشعارات سهلة لكن العنف والحرب والمهاترات لا يمكن ان تحل المشكلة ، المشكلة يحلها العقل الرزين والحكمة البالغة والحلم والصبر والعمل الدائب مع الحيطة التامة واتخاذ التدابير اللازمة ، ونحن سائرون على هذا ومعتقدون اننا نستطيع بذلك ان نحقق لهذا الشعب ما يروم من ان يعيش بامن وسلام مع جيرانه مع الحفاظ على كرامته . اما الشعارات واما عبارات القذف والتحرش فغير مجدية وخاصة في هذه المرحلة وانا سعيد ان اقول بان المواطنين قد استجابوا بايقاف المظاهرات او كبت مشاعرهم وهي مخلصة ولكن آن الاوان ان يتركوا لحكومتهم وانا متاكد انهم يدركون مسؤولياتها ويعلمون انها تدرك واجبها جيدا . رجائي الى المواطنين كافة ان يتركوا للحكومة سبيلها في العمل المخلص الدائب المتزن ومرة اخرى اقول دونما خوف او تردد ولكن نحن نعلم ان هذا هو السبيل لحل الخلافات واقول ان الخلافات ليست بالدرجة التي قد تهولها بعض البرقيات او بعض المصادر الاجنبية او حتى بعض المرجفين من ابناء هذا الوطن .
واضاف البزاز في مؤتمره الصحفي : يجب ان نصبر وان نحافظ على شعرة معاوية وان بقيت شعرة واحدة ، فكيف ولم تزل هناك خيوط موصلة فللذين يتحمسون مرة اذا سمح لي ان اكرر هذا المعنى بان قسم من اخواننا حتى في بعض الجهات المسؤولة متشككين في جدوى هذه السياسة التي نتبعها ، اقول ان هذه هي السياسة الحكيمة الممكنة المعقولة الواقعية التي تخدم المصلحة وخاصة في هذه المرحلة ورب اشارة ابلغ من عبارة .
وكانت صحيفة صوت العرب قد حذرت ايران في مقال لها في 9/1/1966 وقالت" ان العراق ليس عاجزا عن الرد اذا واصلت ايران اعمالها الاستفزازية ضده".
وقالت " في وسع العراق ان يكيل لايران الصاع صاعين كما ان في امكاننا انشاء هيئة من ابناء عربستان وخوزستان لتحرير بلادهم وان نجعل من البصرة قاعدة لها فتقوم بانشاء كتائب التحرير وفرق الفدائيين التي تستطيع التغلغل داخل الاراضي الايرانية وتحريض ابناء عربستان ضد الحكومة الايرانية وتمدها بالمال والسلاح للقضاء على الحكم القائم".
واضافت الصحيفة" كما وفي امكاننا ان ننشىء اذاعة موجهة الى الاهواز من اجزاء عربستان وتحريض القبائل الكردية في العراق للقيام بعمليات تسلل مستمرة داخل الحدود الايرانية الشمالية لتقوم بشتى الاعمال التخريبية واعادة النظر في موقفنا من رعايا ايران الساكنين في العراق وان نقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع ايران ".
وقد شهدت بغداد خلال يومي 8-9/1/1966 تظاهرات معادية لايران على الرغم من مناشدة وزارة الداخلية المواطنين الكف عن هذه المظاهرات التي ضمت الاف العمال الذين اخترقوا شارع الرشيد متوجهين الى منطقة كرادة مريم في منطقة الكرخ حيث مقر السفارة الايرانية وسلموا المسؤولين في السفارة مذكرة يستنكرون فيها موقف ايران المعادي وتدخلها العسكري المباشر في حدود العراق .
وطالبت المذكرة حكومة ايران بالتخلي عن موقفها احتراما لحسن الجوار والروابط التاريخية . من جهتها طالبت حكومة البزاز المواطنين بالكف عن تظاهرات التأييد . فقد اصدر وزير الداخلية عبد اللطيف الدراجي بيانا شكر فيه المواطنين على ما اظهروه من تأييد للحكومة في موقفها من الخلاف على الحدود مع ايران سواء بارسال البرقيات او التظاهر .
وقال البيان ان الخلافات بين بلدين متجاورين تربطهما اواصر دينية متينة يجب ان يجري بهدوء تام .
ودعا البيان المواطنين الى عدم التظاهر خوفا من اندساس عناصر تسيء الى مصالحها الوطنية والقومية .
وكان البزاز يتابع الخروقات التي ترتكبها ايران الشاه انذاك ويقدم عن طريق وزارة الخارجية مذكرات احتجاج ففي 4/1/1966 بعثت وزارة الخارجية العراقية بمذكرة احتجاج الى السفارة الايرانية في بغداد جاء فيها : لوحظ في الاونة الاخيرة مع الاسف الشديد ان حالات اسداء المعونة المادية والمعنوية الى المتمردين في شمال العراق من جانب الجهات الايرانية قد ازداد بشكل محسوس وبلغ الامر درجة من الخطورة بحيث سمح للمتمردين باستخدام الاراضي الايرانية لقصف مواقع قطعات الجيش العراقي .
وكان الدكتور عدنان الباجه جي وزير الدولة للشؤون الخارجية قد استدعى القائم بالاعمال في السفارة الايرانية في بغداد في 5/1/1966 وسلمه مذكرة احتجاج على تقديم ايران المعونة المادية والمعنوية الى المتمردين في شمال العراق .
وكان البزاز حريصا على حل المشكلات مع ايران بالطرق السلمية وحريصا على وضع القادة العرب والهيئات الدبلوماسية العربية والاجنبية في بغداد بالصورة الحقيقية لتلك العلاقة مع ايران فقد عرض البزاز مسألة التدخلات الايرانية في الشؤون الداخلية العراقية على العاهل السعودي الملك فيصل بن عبد العزيز اثناء وجوده في العربية السعودية لاداء مناسك العمرة فقال في المؤتمر الصحفي الذي عقده في بغداد في 12/1/1966: من واجبنا ان نتصل بكل البلاد العربية والمملكة العربية السعودية دولة شقيقة تربطنا بها صلات وثيقة استغللت وجودي للعمرة لزيارة جلالة الملك فيصل وجرى بيننا حديث ودي اخوي وتعلق بالدرجة الاولى بشرح سياستنا تجاه ايران ورجائنا وهو الذي سبق ان تحدث اليهم في مشكلاتنا معها ان يبذل مزيدا من الجهد الاخوي في تقليل على اقل تقدير الضغط الايراني وافهام ايران وهو ايضا صديق لايران ومن حقه ان يكون صديق لكل دولة مسلمة ايضا طلبنا الى جلالته فاستجاب الى هذا بكل رضى وبكل ود ان يبذل مساعيه الحميدة للتقريب بين وجهات نظرنا .
الدكتور محمد ناصر وزير الثقافة والارشاد وفي حديث له مع رجال الصحافة المحليين في بغداد يوم6/1/1966 قال ان رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز ابلغ رؤوساء البعثات الدبلوماسية في بغداد قبل سفره الى المملكة العربية السعودية تفصيلات الوضع بين العراق وايران .
وقال الدكتور ناصر ان البزاز ذكر للدبلوماسيين ان الامر قد يستدعي دعوة مجلس جامعة الدول العربية الى الانعقاد للنظر في الموضوع واتخاذ موقف عربي موحد منه . وبالفعل فقد دعا البزاز جامعة الدول العربية الى عقد اجتماع لممثلي الملوك والرؤساء العرب لبحث الخلاف على الحدود العراقية الايرانية وبالفعل عقد الممثلون اجتماعهم يوم11/1/1966 برئاسة السيد عبد الخالق حسونة الامين العام لجامعة الدول العربية قدم ممثل الرئيس العراقي صورة عن تطورات الموقف على الحدود العراقية الايرانية وما تقوم به السلطات الايرانية من تقديم الدعم للحركة الكردية او مساعدتها لقصف مواقع الجيش العراقي من داخل الاراضي الايرانية . وتم الاتفاق على ان ينقل ممثو الملوك والرؤوساء العرب هذه الصورة الى حكوماتهم .
ونتيجة للضغوط العربية وسياسة حكومة البزاز لحل المشكلة بالطرق السلمية فقد اعلنت ايران عن موافقتها على القبول ببرنامج النقاط الثلاث التي عرضها الدكتور البزاز لتسوية نزاعات الحدود بين البلدين شرط ان يتم ذلك على اساس المعاملة بالمثل .
وقال راديو طهران ان الاتفاق الذي اقترحه البزاز يدعو الى انسحاب القوات المسلحة الايرانية الى مسافة معقولة من الحدود العراقية وانهاء الحملات الدعائية بين البلدين وتشكيل لجنة مشتركة لحل مشكلات الحدود المعلقة .
ففي 8/1/1966 امير عباس هويدا رئيس الحكومة الايرانية دعا الحكومة العراقية الى الجلوس حول مائدة مفاوضات لتسوية الخلافات المعلقة بين البلدين بشكل نهائي . وقال هويدا ردا على دعوة البزاز له لزيارة بغداد انه سيصل للحج الا انه يجب تعيين لجنة مشتركة لوضع جدول اعمال المحادثات بينهما . كما نفى هويدا تزويد ايران الثوار الاكراد بالسلاح ونفى ان يكون قد قابل الملا مصطفى البرزاني الزعيم الكردي
وكانت صحيفة العرب البغدادية قد حذرت ايران في عددها بتاريخ 7/1/1966 من مغبة استمرارها في اتباع سياسة معادية وصفتها بالمعادية للعراق وقالت قد يكون الشرارة التي تشعل حربا عالمية .
وعلقت صحيفة العرب على رسالة هويدا الى البزاز التي دعا فيها الى الحكومة العراقية الى الجلوس الى مائدة المفاوضات ان هذه البادرة فتحت كوة صغيرة من النور على هذا الظلام الدامس الملىء بالاخطار الذي يخيم على العلاقات بين البلدين .
واضافت الصحيفة تقول ان كل ما نأمله هو ان يستطيع المسؤولون في البلدين ان يروا الحقائق من خلال البصيص فيتوصلون الى ما يجب ان يكون ويسدلون ستارا اسودا على ما كان .
ومن جهتها قالت صحيفة البلد البغدادية في 9/1/1966 ان الدوائر العراقية تنظر بعين التفاؤل الى ما يمكن ان يتمخض عن المباحثات المقترح اجراؤها بين رئيسي وزراء البلدين لتسوية القضايا المعلقة .
واتهمت صحيفة صوت العرب البغدادية في عددها في 12/1/1966 الولايات المتحدة بوضع مخطط قالت عنه اجرامي لمشكلة الخلاف العراقي – الايراني . وقالت ان الولايات المتحدة تقود معركة من وراء الستار . واضافت الصحيفة تقول ان الازمة لو كانت بحقيقتها بين العراق وايران لكان في الامكان حلها باسرع مما يتصور .
وفي العاصمة الاردنية عمان اشادت صحيفة المنار الاردنية بدعوة هويدا للجلوس الى مائدة المفاوضات لتسوية الخلافات المعلقة بين البلدين بشكل نهائي وقالت لا شك ان هذه البداية ترجع الى الهدوء والصبر والحكمة التي تحلى بها حكام العراق عندما راحوا يعالجون الازمة معالجة ودية وعندما رفضوا الانسياق وراء العواطف وزيادة القضية تعقيدا بتبادل التهم والمهاترات.
واضافت المنار تقول أن إجراء محادثات بين العراق وإيران يعود الى شهور أي الى ما قبل تولي البزاز رئاسة الحكومة فقد ذكرت الانباء ان البزاز كان آنذاك سفيراً لبلاده في لندن قد ابدى رغبته في ان تقف كل من ايران وتركيا موقفا يساعد على التوصل الى حل عادل لقضية الاكراد .
وقالت المنار الاردنية: واذا كان الرأي العام العربي يتمنى ان تؤدي المحادثات الايرانية العراقية الى اتفاقية ودية بين البلدين الشقيقين فانه يتمنى في الوقت نفسه ان تجري محادثات مماثلة تؤدي الى نتائج مماثلة بين العراق وتركيا .
وكانت وزارة البزاز قد عقدت اجتماعا في 8/1/1966 في ضوء الرسائل المتبادلة بين البزاز وهويدا بشأن خلافات الحدود بين البلدين .
وقال البزاز ان النزاع العراقي الايراني على الحدود قد تخطى مرحلة الخطر . واضاف في تصريح لصحيفة كويتية في 21/2/1966 انه يستطيع القول ان السياسة الحكيمة التي يتبناها العراق والنأييد المعنوي من الدول العربية الشقيقة والدول المجاورة كان لها اكبر الاثر في انهاء هذه الازمة .
ودعا البزاز ايران الى ان تتعاون بصدق لخلق جو مشجع لحل القضية الكردية لانه سيخلق جوا افضل من التفاهم بين العراق وايران .
وبالفعل جرت مباحثات بين وفدي البلدين اسفرت عن صدور بيان مشترك في 19/3/1966 جاء فيه ( انه نتيجة للمباحثات التي تمت بين ممثلي الحكومتين العراقية والايرانية للمفاوضات وحل جميع خلافاتهما بموجب جدول اعمال يجري اعداده لهذا الاجتماع .
وقال البيان " ان الطرفين في هذه الاثناء سيضاعفان جهودهما في التعاون لخلق جو ودي يساعد على نجاح المفاوضات ".
واضاف البيان " انه تم الاتفاق كذلك على ارسال ممثلي البلدين في لجنة التحقيق الى الحدود التي شهدت مؤخرا بعض الحوادث للتحقيق ولتقديم تقرير بذلك الى حكومتيهما" .
وقال البيان " ان وزير خارجية ايران سيقوم بزيارة لبغداد في الوقت المناسب لكلا الطرفين "
واشاد الدكتور محمد ناصر وزير الثقافة والارشاد بتحسن العلاقات العراقية الايرانية وقال في حديث له في 28/3/1966 " ان بلاده تعمـل الان على تهيئة الجو الملائم لزيارة وزير خارجية ايران المتوقعة لبغداد ".
واعرب عن امله بان تعمل ايران على خلق الجو اللازم لانجاح المحادثات التي ستجرى في بغداد اثناء هذه الزيارة.
وانتقد الدكتور ناصر بعض الفئات التي قال انها تصدر نشرات سرية تتهجم على الحكم القائم وقال ان واجب هذه العناصر المخلصة ان تسند هذا الحكم وتدافع عنه باعتباره حكما قوميا يقف ضد الاحلاف ويلتزم بسياسة الحياد الايجابي .
وقال يجب ان يعرف الجميع ان العراق يتبع سياسة خارجية مستقلة ولن ندخل احلافا عسكرية لان الاتفاقات المكتوبة لاتكون فعالة في جميع الاحيان واذا لم تضع الدول قلوبها في الاتفاقات فان هذه الاتفاقات ستكون عديمة الفائدة .
وكانت صحيفة المنار الاردنية قد تحدثت عن العلاقات العراقية الايرانية في مقال لها في 29/11/1965 بقلم باحث عربي جاء فيه" ان محادثات هامة تجري بين العراق وايران وان وزير خارجية ايران سيزور بغداد قريبا ليوقع الاتفاقية العامة ".
واضافت الصحيفة " ان الراي العام العربي يرحب بهذه المحادثات الا انه يعتبر أي تقارب بين الدول العربية والدول الاسلامية هو نجاح يساهم في زيادة قدرة العرب والمسلمين وبالتالي يساهم في جعل التغلب على العقبات التي تقف في طريق الامة العربية أمرا ميسورا . اضف الى ذلك اجراء محادثات التوصل الى اتفاقية ودية بين العراق وايران امر ضروري جدا في هذه الاونة لان مثل ذلك يساعد الحكومة العراقية من التوصل الى حل عادل لكل للقضية الكردية وفي القضاء على العناصر المشبوهة من الاكراد تلك العناصر التي تسيء بتصرفاتها الى الاكراد والعرب والى العلاقات بين الشعبين هذه العلاقات التي كانت على مدى التاريخ كاقوى وانقى ما تكون العلاقات .
واضافت المنار " هذا الحديث عن اجراء محادثات بين العراق وايران يعود الى شهور أي الى قبل تولي البزاز رئاسة الوزارة فقد ذكرت الانباء ان البزاز كان انذاك سفيرا لبلاده في لندن وقد ابدى رغبته في ان تقف كل من ايران وتركيا موفقفا يساعد على التوصل الى حل عادل لقضية الاكراد .
وقالت المنار" واذا كان الرأي العام العربي يتمنى ان تؤدي المحادثات الايرانية – العراقية الى اتفاقية ودية بين البلدين الشقيقين فانه يتمنى في الوقت نفسه ان تجرى محادثات مماثلة تؤدي الى نتائج مماثلة بين العراق وتركيا ".

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

605 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع