أربعون عاماً مرت على حركة ناظم كزار 30 حزيران 1973
بقلم:زهير عبد الرزاق
عندما حصلت حركة مدير الامن العام (الاسبق) اللواء ناظم كزار (نهاية حزيران عام1973) طرحت حينها مجموعة من الاستفسارات يمكن تلخيصها بالاتي:
لماذا قام بهذه الحركة ؟ ومن المستهدف بها على وجه التحديد؟، ومن يقف وراءها؟ ولماذا هذا التوقيت تحديدا؟.
للإجابة عن هذه الاستفسارات لابد من استعراض الاحداث التي سبقت حصول هذه الحركة.
كان الاسكان الدائم لكتيبة دبابات 14 رمضان في معسكر ابو غريب هي مرتبطة بمقر اللواء المدرع العاشر، وموقعه في معسكر الرشيد مع (كتيبة دبابات المنصور + فوج مشاة آلي/2)، واللواء بأكمله ضمن خطة امن بغداد، اضافة الى لواء الحرس الجمهوري.
يبدأ الدوام الرسمي في الكتيبة في الخامسة فجراً، وينتهي بالساعة الثالثة ظهراً، ويصبح الحضور فيها بنسبة (100%)، وبعد نهاية الدوام، يكون البقاء فيها بنسبة(50%) من تعداد الكتيبة الكلي (يغادر الآمر معسكر الكتيبة، حسب عادته بالساعة الرابعة عصرا بملابسه المدنية، وبسيارته الشخصية، ويعود الى الكتيبة على الارجح بالساعة الرابعة من فجر اليوم التالي إلا ما ندر).
غادر رئيس الجمهورية الاسبق العراق بزيارة الى اوربا الشرقية (جمهوريتي بلغاريا وبولونيا) مدة تتراوح بين (7- 10 ) ايام (على ما اتذكر)، وكان من المقرر عودته الى بغداد بحدود (الساعة السادسة من مساء يوم 30 حزيران 1973).
وفي الموعد المقرر جرت مراسيم استقبال في مطار بغداد الدولي تغيّب عنها وزيرا الدفاع والداخلية ومدير الامن العام الاسبق، ولكن لم يحضر الرئيس الاسبق في الوقت المحدد، وبناءً عليه ألغيت مراسيم الاستقبال، ووصلت طائرته بحدود (الساعة الثامنة من مساء يوم 30 حزيران)، وكان بانتظاره نائب الرئيس الاسبق ورافقه بالسيارة نفسها الى القصر الجمهوري (لا يستطيع احد ان يعرف أو يتكهن ما دار بينهما من حديث خاص).
بحدود الساعة (التاسعة مساءً من اليوم نفسه) وضعت الكتيبة بالانذار المشدد واستدعي من امكن استدعاؤه هاتفيا، وإرسال السيارات لجلبهم بسرعة، وبالساعة (العاشرة مساء من اليوم نفسه) تحركت سرايا الكتيبة خارج نطاق معسكرها وانتشرت على الارض المحيطة بالمعسكر متهيئة للحركة بأي اتجاه يطلب منها.
لم يعلن أو يذاع حتى هذا الوقت أي بيان رسمي، ولم تصدر تعليمات واضحة تبين ما الذي حصل أو جرى فعلاً، انتشرت حينها شائعات مفادها بأن هناك محاولة انقلابية يتزعمها وزيرا الدفاع والداخلية (بسبب تخلفهما عن حضور مراسيم الاستقبال في مطار بغداد بالساعة السادسة من مساء ذلك اليوم).
جرى البحث عن آمر الكتيبة بكل الوسائل المتاحة وحضر الى الكتيبة بحدود (الساعة12 ليلا) بعد تأمين الاتصال معه، والتأكيد عليه بضرورة حضوره الفوري (حيث انه كان قد خرج بالساعة الرابعة عصر ذلك اليوم على أمل عودته بالساعة الرابعة فجراً من اليوم التالي كعادته).
بحدود الساعة (11-12) من ليلة يوم 30 حزيران استمعنا الى بيان اذاعه مدير الامن العام الاسبق شخصيا عبر جهاز لاسلكي على شبكة شرطة النجدة (جهاز مماثل له موجود داخل مقر الكتيبة) موجها الى القيادة السابقة، (وحدد في بيانه المذكور السلبيات والاخطاء ظواهر واشخاصا التي ارتكبت من بداية حركة تموز 1968وحتى تاريخ القيام بحركته في 30 حزيران 1973).
المرحوم / عبدالخالق السامرائي
احتوى البيان على نقاط اخرى، وطلب التفاوض معه عبر ممثل عنه في بيت المرحوم (عبدالخالق ابراهيم حسين السامرائي عضو القيادتين وعضو مجلس القيادة السابق للتوصل الى حلول والخروج من هذه الازمة).
بعدها مباشرة اذيع بيان صادر من القيادة السابقة وعبر وسائل الاعلام الرسمية بإحالة (ناظم كزار)الى التقاعد وتجريده من كل مناصبه وصلاحياته، وإلقاء القبض عليه حيا كان او ميتاً (بالوقت نفسه صدرت اوامر وتعليمات تحدد صلاحية تحريك القطعات العسكرية والقوة الجوية والتنظيمات الحزبية بالرئيس الاسبق شخصياً وأغلقت الحدود البرية والمنافذ الاخرى جميعها، وبدأت الطائرات المقاتلة والسمتيات تجوب اجواء العراق لمراقبة أية حركة والاخبار عنها بسرعة).
في الصباح الباكر من يوم (1 تموز 1973) تم الاخبار من قبل الجمعيات الفلاحية في منطقة (النهروان/مزرعة الرواد/7 نيسان) بأنها طوقت عن بعد مجموعة سيارات مدنية حديثة مع وجود عدة اشخاص قرب مخفر المديفر (مخفر قديم ومتروك لشرطة الكمارك).
صدرت الاوامر من الرئيس الاسبق بإرسال قوات خاصة محمولة بالسمتيات وبالوقت نفسه تحركت سرية مشاة آلية من الفوج الالي الثاني في معسكر الرشيد باتجاه المنطقة المحددة (ذكر المرحوم النقيب فيصل نجم السعدون آمر السرية المخصصة للواجب بأنه احاط سيارة ناظم كزار الذي كان واقفاً بالقرب منها وقد تخلى عن الدرع الواقي والملقى على الارض بقربه، وقد حاول النقيب توجيه ضربة الى ناظم بأخمص بندقيته الآلية فصرخ بوجهه قائلاً: قف محلك لا علاقة لك بالقضية هناك قيادة تحاسبني على عملي).
حصلت مناوشات محدودة بتبادل اطلاق النار بين الطرفين، قتل فيها ضابط من القوة المهاجمة، وجرح اشخاص من كلا الطرفين، ثم امر ناظم كزار جماعته بإيقاف اطلاق النار والتسليم الى القوة المهاجمة من دون ان يصاب بأذى.
نقل ناظم بأحدى السمتيات وارسل حسب المعلومات التي توفرت حينها الى قصر النهاية (قصر الرحاب سابقاً)، الذي اصبح بعد حركة (17 -30 تموز 1968) مقراً لمكتب العلاقات العامة (الذي تحول الى مديرية المخابرات العامة، ثم رئاسة المخابرات، فجهاز المخابرات لاحقا).
تبين من الكشف الميداني للمكان الذي كان موجوداً فيه ناظم بأنه حاول ومجموعته عبور مجرى مبزل يمتد من (قضاء بعقوبة) ويصب في (هور شبكة) جنوب شرق المنطقة التي تجول فيها (ليلة يوم30 حزيران) بحثاً عن معبر يسهل اجتيازه (وجدت فعلاً سيارتان حاولتا عبور مجرى المبزل دون جدوى، وقد غرزتا بالوحل ما اضطره ومجموعته الى التوقف والمبيت داخل المخفر المذكور انفاً)، وفي الصباح الباكر من يوم (1تموز 1973) منع ناظم اكزار ومجموعته من محاولة الحركة والخروج من المنطقة (كانت مطوقة من قبل الفلاحين المسلحين).
مما تقدم آنفا لو افترضنا جدلاً ان ناظم كزار ومجموعته نجحوا في اجتياز وعبور قناة البزل والمرور بموقع (امام بجلي) والوصول الى (ناحية بلدروز/ ديالى)، هناك طريق رئيس مبلط يتجه شرقاً ويصل الى (قضاء مندلي/ ديالى) وامتداده يجتاز سلسلة جبال حمرين عبر (خانق/مضيق حران) ثم الوصول الى (امام سومار) داخل الاراضي الايرانية، وهذا المنفذ مغلق بإحكام من قبل مخافر قوات الحدود وقطعات الجيش العراقي المنتشرة قرب المنطقة الحدودية.
ويوجد طريق آخر من (مدينة مندلي) يتجه جنوباً بمحاذاة الحدود العراقية - الايرانية مجاور لسلسلة جبال حمرين وتسيطر عليه عارضة (ميمك) داخل الاراضي الايرانية، وهو طريق غير مبلط وطويل ويمر بالقرب من المخافر الحدودية والقطعات العراقية ويصل الى (ناحية زرباطية/واسط) وعندها يتجه الطريق شرقاً عبر الحدود مارا بمدينة مهران داخل الاراضي الايرانية، وهذا المعبر مغلق بإحكام لوجود نزاع مستمر على المخافر والشريط الحدودي الممتد ضمن محافظتي (واسط) و(ديالى).
سبق أن حصلت مناوشات متبادلة بمختلف الاسلحة بين الطرفين ادت الى تأزم الموقف السياسي والعسكري بين البلدين المتجاورين، وهذا معروف لدى الجميع حينها.
(توصلنا الى استنتاج يقضي بعدم امكانية ناظم ومجموعته من اجتياز خط الحدود ضمن القاطع المذكور آنفاً وهو يعي ذلك جيداً، ويعتبر اكثر شخص يعرف بما يجري داخل العراق وخارجه).
نعود ثانية الى (ناحية بلدروز/ ديالى) التي مر ذكرها انفا، حيث هناك طريق يتفرع من تلك الناحية ويتجه نحو الشمال الشرقي ويمر بـ(مرقد امام ويس والممالح) وامتداده يقطع الطريق العام (بعقوبة- خانقين) ويصل الى (ناحية منصورية الجبل/قضاء المقدادية/شهربان)، حيث معسكر المنصورية الاسكان الدائم للواء المدرع الثلاثين، وأمره العقيد الركن المرحوم وليد محمود سيرت العزاوي.
المرحوم / وليد محمود سيرت
ومن خلال استعراض طبيعة المنافذ الحدودية وصعوبة اجتيازها من قبل ناظم ومجموعته اضافة الى ان علاقة ناظم وجهازه الامني السيئة جداً مع الاجهزة الامنية الايرانية كعلاقة النظامين في الدولتين المتجاورتين وبينهما ما صنع الحداد، بينما طبيعة علاقته جيده مع آمر اللواء المدرع الثلاثين. ومما يرجح احتمالية توجه ناظم كزار ومجموعته الى معسكر المنصورية لكسب الوقت بانتظار اجراء المفاوضات مع القيادة السابقة وتدخل الاطراف المؤثرة لإيجاد مخرج للأزمة (علما تم استدعاء آمر اللواء الثلاثين وحجز عدة ايام وحقق معه للاشتباه بعلاقته مع حركة ناظم كزار، ولكن تحوط آمر اللواء واستباقه للأحداث بتسليمه قيادة اللواء الى المسؤول السياسي حينه - النقيب ط. خ . أ. أ - ما انقذ حياته من موت محقق في حينه. اعدم لاحقا عندما كان قائداً للفيلق الاول برتبة لواء ركن ضمن مجزرة قاعة الخلد نهاية تموز 1979 لاتهامه بالاشتراك بمؤامرة محمد عايش ومجموعته الوهمية والمزعومة).
استمعنا،بشكل خاص، لشريط كاسيت جلب من قبل آمر كتيبة 14 رمضان الذي حضر المؤتمر القطري الاستثنائي بعد فشل حركة ناظم مباشرة (مسجل عليه حديث لنائب الرئيس الاسبق اجاب فيه عن سؤال موجه إليه من قبل احد الحاضرين في المؤتمر: هل ان ناظم كزار عميل للنظام الايراني على افتراض انه كان ينوي اجتياز خط الحدود العراقية - الايرانية وتسليم نفسه الى النظام الايراني؟
فكان جواب النائب حينها: (كلا انه ليس عميلا للنظام الايراني أو أية جهة اخرى، بل هام على وجهه لا يلوي على شيء بعد فشل حركته غير المتوقع، لأن الخطة كانت بسيطة التفاصيل وسهلة التنفيذ تتلخص باغتيال الرئيس ونائبه في مطار بغداد الدولي وتوجيه الاتهام للمجموعة المحتجزة لديه بأنها وراء عملية الاغتيال وتنوي القيام بانقلاب على الوضع القائم وتجري محاكمتهم صوريا واعدامهم).
بهذا ينتهي جواب نائب الرئيس الاسبق على السؤال الذي طرح عليه.
بعد اعتقال ناظم كزار ومجموعته جرى اللقاء به من قبل النائب الرئيس الاسبق شخصياً وتم تصفيته من قبل مدير العلاقات العامة بأمر مباشر منه (عندما طلب الرئيس الاسبق احضار ناظم امامه للاستفسار منه عن سبب اقدامه على هذا العمل المثير للدهشة والمحير، فكانت الاجابة بأنه فارق الحياة خلال التحقيق معه بذلك دفن السر مع صاحبه،علماً ان ناظم كزار الشخص الوحيد الذي كان يدخل على الرئيس الاسبق في أي وقت حتى لو كان في عز نومه مع سلاحه الشخصي بينما لا يسمح بذلك لأي شخص آخر حتى لنائبه، وهذه التعليمات يعرفها الاشخاص المقربون منه).
بعد اقدام ناظم كزار ومجموعته بتصفية بعض المحتجزين (وزير الدفاع الفريق الاول المرحوم حماد شهاب والمرحوم خطاب عمر المسؤول السياسي للواء الحرس الجمهوري)...
واصابة وزير الداخلية (الفريق الاول المرحوم سعدون غيدان بجروح بليغة تشافى منها بعد علاج طويل داخل العراق وخارجه) وعودة بعض المحتجزين احياء (مظهر المطلك مدير مكتب الرئيس الاسبق وصهره وبعد عودته سمع حديثه منفعلاً مع الرئيس الاسبق بأن ناظم كزار خلال فترة احتجازهم كان يتحدث مع نائبه يوضح له الموقف عبر جهاز لاسلكي يدوي صغير/ هوكي توكي، ولكن الرئيس الاسبق كذبه وزجره على قوله هذا واغلق الموضوع وقتل مظهر المطلك بحادث سقوط سيارته ليلاً في نهر دجلة/ شارع ابو نواس قرب الجسر المعلق اثناء عودته الى القصر الجمهوري).
ومن الاشخاص الذين عادوا احياء (المقدم الركن عدنان شريف من لواء الحرس الجمهوري) حيث عثر عليه صباح (يوم 1 تموز 1973) داخل صندوق سيارة صغيرة (غرزت في وحل مزرعة الرواد /7 نيسان/ النهروان عند مرور ناظم كزار ومجموعته منها ليلة يوم30 حزيران 1973) من قبل فلاحي المنطقة (بعد فتح صندوق السيارة اخرج منها بملابسه الداخلية وجلب الى مقر الجمعيات الفلاحية في النهروان واغتسل وارتدى جلابية/دشداشة) واعيد الى القصر الجمهوري ظهر يوم (1 تموز 1973) وكتبت له حياة جديدة (لكنه قتل مع كوكبة من ضباط الجيش العراقي بإسقاط الطائرة السمتية التي أقلتهم داخل الاجواء العراقية بمقذوف سلاح ضد الجو محمول على الكتف نوع ستريلا / سام 7 روسي الصنع وسقطت الطائرة السمتية داخل الاراضي العراقية وكان برتبة عميد ركن يشغل منصب رئيس اركان فرقة المشاة الثانية ضمن قاطع زرباطية/ واسط نهار يوم 23 ايلول 1980 ...
والحادث شبيه بسقوط الطائرة السمتية التي أقلت المرحوم الفريق الاول الطيار الركن عدنان خير الله نائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع اوائل شهر ايار 1989 قرب قضاء مخمور/ناحية الكَويرعند عودته من مصيف/ سرسنك متجهاً الى بغداد وكانت ترافقه طائرتان سمتيتان من النوع نفسه عادتا سالمتين).
بعد اكتمال التحقيق مع ناظم ومجموعته ومحاكمتهم صوريا واعدامهم رمياً بالرصاص قرب منطقة الحارثية (ما عدا ناظم كزار) تبين من خلال التحقيق أن آمر كتيبة دبابات 14 رمضان كان ضمن المدعوين مع المحتجزين (بحجة زيارة المشروع/المعمل التابع لمديرية الامن العامة للاطلاع على تجربة انتاج سلاح وعتاد يخص الجيش العراقي)، لكنه لم يلب هذه الدعوة لسبب مجهول وفي ضوء هذه المعلومات التي ظهرت خلال التحقيق استدعي آمر الكتيبة للتحقيق معه في قصر النهاية امام اللجنة التحقيقية (التي تشكلت بناءً على اوامر الرئيس الاسبق بعد فشل حركة ناظم بأيام قليلة) وقبل مثول آمر الكتيبة امام اللجنة التحقيقية استدعى احد امري سرايا الكتيبة واخبره بأنه سيذهب الى قصر النهاية للتحقيق معه من قبل اللجنة التحقيقية الخاصة بحركة ناظم كزار، وابلغه انه في حالة عدم عودته الى الكتيبة قبل الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم المحدد او في حالة عدم الاتصال هاتفيا قبل ذلك الوقت عليه الحركة بسريته باتجاه قصر النهاية وتطويقه وإخراجه من هناك وإعادته الى الكتيبة بأسرع ما يمكن (ذلك ما حدث فعلاً عند الضغط عليه اثناء التحقيق حيث اخبر اللجنة التحقيقية بأنه في حالة تأخره بالعودة الى الكتيبة وعدم الاتصال هاتفيا قبل حلول الساعة الثامنة مساءً من ذلك اليوم ينطبق سقف المكان على الارض فأحدث هذا الكلام تأثيره في اللجنة التحقيقية لصالحه، وهكذا انتهى التحقيق معه بحجة وعكة صحية ألمت به، ولم يتمكن من تلبية دعوة ناظم كزار للحضور مع المجموعة المحتجزة).
حتى نستكمل الاجابة عن بقية الاستفسارات التي طرحت في البداية نستعرض بقية الاحداث التي مرت والتي لها علاقة بالقضية لإزالة الغموض عنها.
خلال عامي (1990-1991) تفكك الاتحاد السوفيتي، وحصل تغيير في طبيعة الانظمة السياسية لدول اوربا الشرقية بعد اقدام الرئيس السوفيتي (غورباتشوف) على عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي (البيروستروكيا)، وحدوث محاولة انقلابية نتج عنها حصول فوضى عارمة في عموم الاتحاد السوفيتي (السابق) وانعكس ذلك الوضع سلباً على الامن الداخلي وحدوث خروقات خطرة لأمن المعلومات أدت الى تسرب الكثير من التقارير والوثائق وفقدان بعض المواد الخطرة من الترسانه العسكرية لـ(حلف وارسوا/ بولونيا ) اضافة الى انشطار جمهورية (جيكوسلوفاكيا) الى جمهوريتي (الجيك) و(سلوفاكيا)، حيث بعثرت الملفات السرية التي تحتوي على وثائق مهمة وخطرة على ارصفة شوارع العاصمة/براغ (بأثرها اعتقلا بعض العراقيين الذين كانوا يعيشون هناك بعد عودتهم الى العراق بتهمة العلاقة مع جهة اجنبية).
بعد احتلال العراق يوم (9/4/ 2003) بعدها ظهرت صحف يومية عديدة ومتنوعة (غير مجازة وبدون ضوابط تحكمها) اقتنيت العديد منها يومياً واغلبها مجاناً والبعض الاخر بأسعار زهيدة (لإشغال الفراغ الذي كنا نعيشه حينها) قرأت في صحيفة (لا اتذكر اسمها لأنها اختفت عن الصدور مبكرا) خلاصة تقرير كتب في بدايات (عام 1973) مرسل من قبل محطة الـ(كي جي بي/ جهاز المخابرات السوفيتي سابقاً) في بغداد الى مرجعه الاعلى في موسكو (مضى على كتابة التقرير ثلاثون عاماً عند احتلال بغداد)..
واهم ما ورد فيه هو عرض واقع حال القيادة السياسية السابقة في العراق (تلخص بوجود رأسين مؤثرين في السلطة الحاكمة هما الرئيس الاسبق وبين عنه التقرير بأنه كبير السن وعسكري قديم ومتدين وذو عقلية عشائرية ومحافظة وأغلب مؤيديه من كبار السن وقدماء العسكريين. والاخر نائب الرئيس و بين عنه التقرير بأنه شاب متحمس وناشط سياسياً وميوله تقدمية واغلب مؤيديه من الشباب والطلبة والمثقفين، ويقترح كاتب التقرير بدعم نائب الرئيس لأن مستقبل قيادة العراق تؤول اليه. ويختتم تقريره بأنه توفرت لديه معلومات عن محاولة لتصفية الرئيس الاسبق وازاحته عن دفة الحكم كانت اجابات المرجع الاعلى في موسكو عكس ما اقترحه كاتب التقرير في بغداد بضرورة دعم الرئيس لأنه شخص ناضج وسياسته واضحة ومن المستبعد حصول تغيير او تبدل في مواقفه الودية مع الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية. وأكد المرجع الاعلى في موسكو على بذل كل الجهود لإفشال أي مخطط لتصفية الرئيس مستقبلاً).
الرئيس البلغاري جيفكوف
قام الرئيس الاسبق بزيارة رسمية بدأها بجمهورية (بلغاريا) ثم جمهورية (بولونيا) قبل نهاية (شهر حزيران 1973) وبعد انتهاء الزيارة وفي طريق عودته من بولونيا الى بغداد مروراً بأجواء بلغاريا تسلم قائد الطائرة اشارة من سيطرة مطار(صوفيا/عاصمة بلغاريا) بضرورة نزول الطائرة حسب طلب الرئيس البلغاري (جيف كوف) لاستكمال التواقيع على الاتفاقيات المعقودة بين الطرفين العراقي والبلغاري. حطت طائرة الرئيس الاسبق في مطار(صوفيا) واستقبله نائب الرئيس البلغاري واصطحبه الى (منتجع/ مصيف فارنا) القريب من العاصمة لحين استكمال توقيع الاتفاقيات والعقود (علماً ان الذي حصل لم يكن ضمن المنهاج المقرر للزيارة ذلك يدل على احتمالية صحة التقرير المذكور انفاً وان القيادة السوفيتية في حينها - كوسجين وبريجينيف- على علم بوجود محاولة تصفية الرئيس العراقي الاسبق عند عودته الى بغداد وبناءً عليه تم اخبار الرئيس البلغاري- جيف كوف - بضرورة تأخير الطائرة المتجهة الى بغداد وضمان عدم وصولها بالوقت المحدد الساعة السادسة من مساء يوم 30 حزيران 1973 وفعلأ وصلت بالساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم)، ما اضطر ناظم كزار الى سحب مجموعته المكلفة بالاغتيال معتقداً كشف/ فضح خطته حيث كان يراقب ما جرى بمطار بغداد الدولي عبر جهاز التلفاز الرسمي بمكتبه في مديرية الامن العامة (يعتبر التحليل والاستنتاج اكثر مقبولية لتفسير سبب فشل خطة تصفية الرئيس الاسبق). بين عامي (2008- 2009) ظهر من على شاشة التلفاز في مقابلة لأحدى القنوات الفضائية العراقية غير الرسمية (على ما اتذكر قناة البغدادية ) شخص قدم نفسه لواء أمن متقاعد ( لا اتذكر اسمه بالضبط ولكن اتذكر جيدا خلاصة ماجاء في حديثه) وبين أنه كان برتبة ( نقيب/رائد) بداية (عام1973) وبرفقة مدير الامن العام الاسبق (اللواء ناظم كزار) صحبه الى (محافظة ديالى) وتوقفت السيارة التي تقلهم على جانب الطريق العام خارج قضاء المقدادية (شهربان) وبعد قليل وصل موكب نائب الرئيس الاسبق وسيارة اخرى تقل محمد فاضل (عضو القيادة ونائب مسؤول المكتب العسكري) وترجل الجميع وركب محمد فاضل في المقعد الامامي وناظم كزار في المقعد الخلفي للسيارة التي كان يقودها نائب الرئيس الاسبق شخصياً وتحركوا باتجاه (قضاء خانقين) وبقي الاخرون بالانتظار في اماكنهم وبعد مضي ساعات عادت السيارة التي تحمل الاشخاص الثلاثة الى (قضاء المقدادية) وترجلوا منها وركب كل واحد منهم مع مجموعته وعادوا الى (قضاء بعقوبة) ومنها الى (محافظة بغداد) وبين من خلال شاشة التلفاز أن هذا اللقاء قد حصل خلال فترة زيارة الرئيس الاسبق الى بلغاريا وبولونيا. (يعتقد اللواء المتقاعد المذكور انفا في تحليله واستنتاجه الشخصي بوجود علاقة لهذا اللقاء المريب الذي حصل بين الثلاثة ومحاولة اغتيال الرئيس الاسبق، وأن نائب الرئيس الاسبق هو العقل المدبر لهذه الحركة الفاشلة).
لم تخرج هذه المحاولة الفاشلة عن نطاق المكتب العسكري (حيث أن محمد فاضل هو المسؤول الحزبي المباشر لناظم كزار عضو المكتب العسكري وامين سر فرع بغداد العسكري واغلب اعضائه هم المدعوون الذين تم حجزهم والمحسوبون بشكل أو آخر على الرئيس الاسبق، ولم يحضر الشخص الاخر المدعو معهم والمحسوم ولاؤه لنائب الرئيس الاسبق).
تميزت هذه الخطة الجهنمية بخبث معدها (لأنه في حالة فشلها سيكون محمد فاضل وناظم كزار كبشا الفداء وسهولة تملص مدبرها لأنه أحكم سيطرته على الاجهزة الامنية، وفرض طوقاً محكماً حول الرئيس الاسبق ويستطيع بكل سهولة تزوير الحقائق وتجيير فشلها لصالحه، وفي حالة نجاح العملية يبطش بصاحبيه ليقطع دابر التقولات والشائعات التي يحتمل أن تروج في حينها ويحكم قبضته الحديدية على السلطة وينفرد بها).
وبما انه لا يوجد مخرج آخر ملائم امام (محمد فاضل وناظم كزار) سوى تصفية الرأسين معاً بضربة واحدة (وازاحة سلطة رجال القرية والعشيرة عن دفة الحكم والعمل على استبدالهما بقيادة اخرى اكثر مبدئية وحكمه لحل المشكلات المتأزمة التي مر بها العراق خلال فترة حكمهما)، من خلال استعراض ما تقدم آنفاً نخرج بنتيجة محددة وهي ان(ناظم كزار) قد ارتكب خطأ فادحا دفع هو ومجموعته والمحتجزون الابرياء ورجال آخرون لا ذنب لهم ثمناً باهظاً نتيجة اقدامه على محاولته الفاشلة وكان عليه ان:
1- لا يستمع لوسوسة (الشيطان/ابليس) ولا ينفذ مخططه الجهنمي بمحاولة اغتيال الرئيس الاسبق وتصفية بعض المحتجزين لديه (كان عليه اتباع الوسائل المشروعة بطلب عقد مؤتمر قطري استثنائي وطرح الملاحظات الموجودة لديه وتصحيح المسيرة التي انتابتها الاخطاء وشابتها السلبيات).
2- لا يذيع بيانه عبر الشبكة اللاسلكية لشرطة النجدة (بل يختفي عن الانظار داخل العراق ويحافظ على ارواح مجموعته والمحتجزين الابرياء، ويبدأ بالتفاوض بشكل مستتر مع تحشيد كل الجهود الداخلية لمعالجة الخطأ الذي ارتكبه والتوصل الى حلول بأقل ما يمكن من الخسائر) لأن إذاعته البيان اجبر الرئيس الاسبق على رد فعل عنيف مضاد لا رجعة فيه، اضافة الى احراج الشخص الذي كان مؤهلاً اكثر من غيره لأن يلعب دور الوسيط المؤثر المرحوم عبدالخالق السامرائي، (لكن ماذا نقول وقد وقعت الفأس بالرأس وكما يقول المثل الدارج الشيطان/ ابليس كان اشطر).
عودنا الاخ الكاتب والمؤرخ الاستاذ (شامل عبدالقادر)على اتحافنا بمؤلفاته الرائعة التي ارخت لمراحل مهمة وحساسة من تاريخ العراق (الحديث والمعاصر) ومن اصداراته القيمة كتابه الموسوم : (مجزرة قاعة الخلد/ تموز 1979) كان رائعاً في اعداده واخراجه وشجاعاً في طرحه، لأنه اطفأ عطش وروى ظمأ المثقفين المتلهفين لمثل هذه الموضوعات والمعلومات القيمة التي وردت فيه وبالوقت نفسه واسى ذوي الضحايا الابرياء الذين يجهلون السبب الحقيقي وراء مقتل رجالهم.
لقد اماط الاستاذ (شامل عبدالقادر) اللثام عن وجه جريمة نكراء ارتكبت بحقهم وبرأ ساحتهم وطمأن ذويهم بأن ابناءهم ابرياء، قتلوا غدراً، وصعدت ارواحهم ترفف الى الرفيق الاعلى تشكو ظلم الانسان لأخيه الانسان، وماذا كان السبب وماهو الثمن لهذه الجريمة البشعة غير ارتقاء المركز الاول في السلطة والتربع على كرسي حكم أرجله استندت على جماجم الضحايا الابرياء.
من خلال قراءة الكتاب المذكور آنفاً بتمعن نستشف الصلة الوثيقة بين مجزرة (تموز 1973) ومجزرة( تموز 1979) نتوصل الى ان العلاقة بين هاتين المجزرتين هو اعتقال (المرحوم عبدالخالق السامرائي في تموز 1973) الذي بقي قابعاً في معتلقه الانفرادي لا يميز بين النهار والليل وبعد مرور(سبع سنوات) عندما فتحت باب زنزانته كان يعتقد أنه سيطلق سراحه (ويرى ضوء الشمس مجدداً ويشم هواء نقيا ليتمتع بحريته ويعيش حياته ويتزوج ويكوّن عائلة كبقية البشر) ولكنه سيق الى ساحة الاعدام رمياً برصاص الغدر (تلبية لدعوة شخص جاهل نكرة حاقد على الحياة والانسانية، عريف سائق سيارة فاشل أصبح وزيراً للدفاع في غفلة من الزمن يقود أكبر واعرق مؤسسة وطنية يشهد لها تاريخ العراق المعاصر اسسها وبناها الفريق الاول الركن المرحوم الشهيد جعفر العسكري الشخصية العراقية الوطنية النزيهة والشريفة).
فما الذنب الذي اقترفه المرحوم (عبدالخالق السامرائي) الزاهد بالحياة ومغرياتها حيث عاش حياته كـ (درويش) وأطلق عليه الاخرون الملا (حسب معلوماتي الشخصية أنه رجل غير متدين ولم ير يوماً مع المصلين ولكنني متأكد انه كاد يكون افضلهم).
ان كل من احتجزهم (ناظم كزار) خلال حركته في (30 حزيران 1973) وكل من شابت حولهم الشبهات واشارت اليهم اصابع الاتهام وكذلك بالعودة الى ذاكرة الاحداث واستعراض اسمائهم نجد انه تم تصفيتهم جميعاً مضافاً اليهم المتهمين بالشبهة والظن من خلال المسرحية (التراجيدية) المفبركة والمؤامرة الوهمية المفتعلة (التي وأدت مبادرة مشروع وحدوي بين سوريا والعراق كان مؤملا قيامه بداية عام 1980 واجهضته قبل ولادته)..
وارتكبت مجزرة قاعة الخلد في (نهاية شهر تموز 1979) وعلى رأس القائمة (المرحوم عبدالخالق السامرائي) ومن ثم المرحوم الدكتور منيف الرزاز (القائد المناضل والمقاوم في صفوف الفدائيين ضد الاحتلال الصهيوني) وكوكبة الضحايا الابرياء (كان يمر عليه يوميا بساعة متأخرة من الليل شخص جاهل نكرة فاسق احد اكبر سارقي أثار العراق وهو ثمل يعتدى عليه بالضرب على رأسه بقبضة مسدسه ويطلق عليه كلمات بذيئة تنسجم واخلاقه الواطئة واصبح عميدا طيارا بقدرة قادر). أصبحت الطريق ممهدة ليصول ويجول (معجيل العوجة) ورهطه من الجهلة والاميين (الذي كان يدعي متمشدقآ انه يمتلك جهاز سونار ليكتشف به النقاط السوداء في ادمغة وعقول الاخرين وتصفيتهم بالظن والشبهة قبل أن تكبر هذه النقاط السوداء وتصبح حفرا/ ثقوبا سوداء كبيرة تبتلع من على شاكلته من الطغاة القتلة).
اغلبنا يعلم ويدرك أن نائب الرئيس الاسبق كان يستعجل الامور ويقدم على المستحيل ومقولته المشهورة (تبا للمستحيل)هي خير دليل على ذلك، ويتبع كل الوسائل الملتوية وغير المشروعة في سبيل ازاحة الرئيس الاسبق واعتلاء المركز الاول، وفعلأ ابعده عن الرئاسة غصبا وقهرا وحتى بعد تنازله عن السلطة منتصف (تموز1979) لم يتركه يعيش بقية حياته بهدوء وسلام، بل وضعه تحت الاقامة الجبرية والمراقبة الشديدة وضيق عليه الخناق وقطع عليه انفاسه، حتى مات حسرةً وكمداً وربما سرّع في ذلك.
531 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع