صوت الأخر/علاء حسين احمد:على طوال عشرات السنين عرفت العائلة العراقية اسماءً كثيرة من العصائر قبل ان تعرف المشروبات الغازية بأنواعها، وماتزال الكثير منها تفضل هذه العصائر على ما حملته السوق من انواع جديدة.. فمن منا بلا استثناء لايتذكر بائع السوس وهو يجوب الاسواق و الشوارع معلنا عن بضاعته وذلك عبر دق طاسات العصير واحدة بواحدة ليجلب انتباه المارة، وكانت وماتزال محافظة الموصل اكثرها شهرة به..
كذلك بائع تمر الهندي والنومي بصرة والذي تفضله اغلب العوائل العراقية والاسكنجبيل والبلنكو والكجرات، اضافة الى انواع اخرى من الفواكه التي تصنع منها العصير كالرمان والبطيخ والبرتقال والجزر والمشمش وغيرها الكثير.. ولكن من هذه القائمة الطويلة يبقى عصير الزبيب الذي انتشرت محاله في اغلب شوارع بغداد اكثرها شهرة حتى اصبح الكثير من الناس يدمنون على شربه يومياً وكأنه حبة دواء لايمكن الاستغناء عنها، كما باتت الكثير من العوائل تشتري الزبيب المجفف لتصنع منه عصيراً خاصاً بها.
ولاتخلو هذه المحال من التعريف بفوائده الصحية وما قيل عنه وذلك عبر لوحة مكتوبة بشكل واضح في واجهات المحال.. مما اضاف دافعاً جديداً الى تناوله، وقد اشتهرت في بغداد اسماء كثيرة به اهمها شربت الحاج زبالة الذي يعود تاريخ تأسيسه الى اكثر من 100 عام وهذا اهم اسباب شهرته.. اذ لا يخلو اي حديث عن شربت الزبيب الا بالعروج اليه كونه اقدم محال بغداد.. اذ تم افتتاحه عند مدخل جسر الشهداء من جانب الرصافة وبعد ثماني سنوات انتقل الى سوق السراي.. وفي العام 1922 انتقل الى منطقة الحيدر خانة، ومايزال منذ ذلك التاريخ والى يومنا هذا في المكان نفسه.
من بين اهم محال الزبيب الحالية في بغداد (شربت الطارق) في الوزيرية حيث التقينا صاحبه السيد علي او على وجه الدقة كاكا علي الذي حدثنا قائلاً: بأن لكل محل اسراره الخاصة بتصنيع العصائر وتبقى النظافة والحفاظ على سمعة المحل اهم تلك الاسرار.. فالزبون ينظر الى جماليته ونظافته واسلوب العاملين فيه اضافة الى تذوقه طعم العصير الذي يشربه.. وهذه الملاحظات هي اساس عملنا.. كذلك نحرص على ارضاء الزبائن وذلك من خلال شرائنا للانواع الجيدة من الزبيب.
وتجدر الاشارة هنا بأننا نشتري الزبيب المزروع من محافظة السليمانية كونها من المناطق التي تزرع اجود انواع الزبيب المحلي.. اذ اشتهرت زراعته في مدينتي (صر كلو، ودوكان) التابعتين الى السليمانية وكذلك في مدينة (سوداش) التابعة لمحافظة دهوك.. وما يميز زبيب السليمانية ان ماءه اسود ونكهته قوية وحجم حبته صغير، ويعزو ذلك الى طريقة زراعته التي تعتمد على السقي (الديمي) اي انه يروى على ماء الامطار والثلوج وتكون شجرته قصيرة وسيقانها قوية.
كما وان سعر الطن الواحد –ومازال الحديث لكاكا علي- قرابة مليون ونصف المليون دينار.. وما نستهلكه يومياً هو بحدود 40 كغم، ويزداد هذا الرقم او يقل حسب السوق والاقبال والموسم.. اذ يعد شهر رمضان اكثرها بيعاً وزحاماً.. فاغلب العوائل العراقية تفضل على الافطار انواعا محددة من العصائر ومنها الزبيب.. ويقل الاقبال في الشتاء بشكل واضح ولكننا نبقى نصنعه ونبيعه في موسم الشتاء لان هناك كما سبق الحديث زبائن يأتون خصيصاً لشرائه.
اما السيد فرهاد احد العاملين داخل المحل فيؤكد على ان اول خطوة في صناعة عصير الزبيب هي تنظيفه جيداً من الاتربة والعيدان والاوساخ العالقة به.. بعدها يغسل جيداً ويفرش على اماكن نظيفة مخصصة لهذا الغرض وهي (أكياس جنفاص) وتكمن فائدة فرشه على الاكياس كي يكسب الرطوبة المناسبة ويصبح طرياً، ليفرم بعدها بماكنة فرم اللحم، مع اضافة الكمية المناسبة من الماء.. من ثم يوضع المزيج بماكنة كبيرة على شكل قدر مصنوعة من مادة (ستنلس ستيل) وعملها عمل الخلاط اذ نقوم بخلط الزبيب المفروم مع الماء بشكل جيد، وبعد الانتهاء من عملية الخلط تتم تصفية المزيج بواسطة اكياس خاصة تسمى (بشتمال) وهي تركية الصنع يتراوح عرض الكيس قرابة 25 -30 سم وطوله قرابة 80 سم ويعلق بحمالة من نوع القماش تنحصر فائدتها، بتعليق الكيس على اعمدة حديدية مخصصة لهذا الغرض داخل المعمل وتحتها قدر كبير من الفافون لجمع العصير المتساقط.. وتعاد هذه العملية ثلاث مرات ليتم من خلالها التخلص من الشوائب العالقة مع العصير..
كما يؤكد السيد فرهاد بأنه وبعد الانتهاء من صناعة العصير يضاف اليه السكر والالوان الغذائية، وتنحصر فائدتها بجذب النظر، اذ ان اغلب الزبائن يعتقدون بأن الالوان الغامقة للعصائر تعني جودة المنتوج، مستشهداً بقول معروف لديهم مفاده ان العين تأكل وليس الفم.. كما وان الكيلو غرام الواحد ينتج احد عشر قدحاً من العصير وهذه نسب ثابتة لديهم.
كما ويشير ايضاً بأن اغلب الزبائن يفضلون العصائر ذات الطعم الحلو، ولهذا السبب اكتسب الزبيب شهرة اكثر من عصائر التمر الهندي والنومي بصرة والليمون وغيرها، كونها حامضة الطعم.. اضافة الى شهرته في كردستان بشكل خاص، اذ يفضلونه على باقي العصائر.
وفي عودة إلى الكاكا علي نعرف منه بأن عمر محله لايتجاوز العشرين عاماً لكنه نال شهرة لم يكن يتوقعها، اذ كان لديه زبائن من دول مختلفة يأتون خصيصاً اليه ليأخذوا طلباتهم والتي يتم ارسالها الى دولهم عبر قناني خاصة وهؤلاء من مصر والامارات ولبنان والبحرين.. اما الان فروادنا هم أهالي بغداد فقط.
من المهم القول هنا بأن الثلج لايضاف الى عصير الزبيب لانه يفقده طعمه المعروف ويجعل تركيزه خفيفاً، بل يتم تبريده عبر حافظة تبريد عالية القدرة مما يبقيه محافظاً على نكهته وجودته والذي يعتقد بأنه من الاسباب المهمة لشهرة منتوجه.
اما بشأن فوائده يقول: لقد اجريت دراسة مفصلة في جامعة لوس انجلوس، اذ تم اعطاء شربت الزبيب بمعدل كوب واحد يومياً لاشخاص مقابل آخرين تم اعطاؤهم كوب برتقال يومياً وكانت النتائج بعد خمس سنوات مذهلة، حيث اثبتت الدراسة بأن شربت الزبيب يحتوي على مواد لها فاعلية حبة الاسبرين التي تحد من الاصابة بالجلطة الدماغية والقلبية.. كونه يساعد في التقليل من لزوجة الدم وبالتالي يساعد على سهولة جريانه الى جميع انحاء الجسم.
كذلك اثبتت الدراسة نفسها بأنه يحتوي على مواد مضادة للاكسدة، تتحد مع الجزيئات الحرة المسماة Free Radicles والتي تسبب مرض السرطان عند وجودها داخل الجسم البشري، وعند اتحادها تتكون مواد غير ضارة تطرح خارج الجسم، وبذلك يعد عنصر وقاية ضد هذا المرض.
واخيراً فانه يحتوي على كمية عالية من ملح البوتاسيوم والذي يكون مع السكريات الموجودة فيه مادة غذائية جيدة لتعويض الجسم ما يفقده من سوائل واستعادة حيويته بعد حالات الاسهال والجفاف.
اما السيد عزيز الموسوي احد زبائن المحل الدائمين فيقول: منذ عشر سنوات وانا اشتري عصير الزبيب لي ولعائلتي، لانه مفيد للمعدة على حد قوله.. اضافة الى انه يجعلني اشعر بالارتواء بعد شربه، وقد اصبح تقليداً لدي ايام شهر رمضان حيث اشتري كيساً منه يومياً وذلك لاستعماله مع الفطور، حتى اصبحت عائلتي تفضله على باقي المشروبات الغازية والعصائر.. كما ويؤكد بأن هناك الكثير ممن يحبذ اكل الصمون مع الشربت لوحدهما بدلاً عن احد الوجبات الغذائية، وآخرون يفضلونه عندما يأكلون الجبن الابيض وخصوصاً عند وجبة الافطار.
اما السيدة ام داليا فتؤكد بأن هناك معتقداً شعبياً متوارثاً يقول بأن تناول الزبيب قبل الفطور يزيد الذكاء ولذلك كان يقدم للتلامذة والطلبة قبل ذهابهم الى الامتحانات.
اذن وبرغم اصرار اغلب اصحاب المحال المختلفة بكونهم يمتلكون اسراراً خاصة بصناعتهم.. وكذلك اختلاف آراء الزبائن من محل الى محل، او ان بعضهم لم يعر له اي اهتمام والاخر يفضله على باقي العصائر.. تبقى نظرة الزبون الى نظافة المحل واحساسه بطعمه الجيد هي الفيصل الذي يلغي اسرار اصحاب المحال.
603 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع