أيام زمان ..الجزء الثالث - التدخين

    

        أيام زمان ..الجزء الثالث -التدخين

    

زراعة التبغ في العراق بدأت منذ 350 سنة تقريباً بطريقة بدائية، وما لبثت إن تطورت بعد أن أدخلت الأساليب العلمية الحديثة لزراعته، وتنحصر زراعة التبوغ في المناطق الشمالية من العراق خصوصاً، في السليمانية وأربيل وبعض المناطق في الموصل وكركوك، وهذه المناطق تنفرد بمناخ بارد نسبياً ودرجة الرطوبة عالية، وهو أفضل مناخ لزراعة التبوغ.

      

وتمتاز تبوغ المناطق الجبلية بجودتها وصفاء أنواعها ورائحتها الطبيعية وصغر حجم أوراقها، أما تبوغ المناطق السهلية فتأتي بالدرجة الثانية من حيث الجودة والنوعية والصفات المميزة لها. والتبغ العراقي نوعان، التبغ المحسن وهو أرقي الأنواع والتبغ غير المحسن أو الخردة، ولكل نوع عدة درجات من حيث الجودة والمواصفات. فالممتاز يجب أن يكون حاصل منطقة جبلية وغير مصاب بأمراض وصغير الأوراق مشبعة بمطاطية ذا لون احمر فاتح أو اصفر برتقالي براق. أما الممتاز من غير المحسن فيجب أن يكون من حاصل منطقة جبلية أو شبه جبلية ولون أوراقه احمر أو احمر قاتم براق، وان يكون طعمه حارا مقبولاً وذا نكهة طيبة جيد الاحتراق وغير مصاب بأمراض أما التنباك، فقد بدأت زراعته في العراق منذ نحو مئة سنة، وكانت زراعته في ذلك الوقت حرة ومنذ تأسيس دائرة الري أصبحت زراعته بإجازة منها، وحددت مناطق زراعته. والتنباك العراقي نوعان، الهندي وهو النوع الرئيس الشائع الاستعمال وخاصة عند مدخني النارجيلة، ويصنع منه أيضا النشوق (البرنوطي) وكذلك (السويكة). والنوع الثاني هو العراقي أو ما يعرف بالشيرازي.
تعد إدارة انحصار التبغ أحد المؤسسات الإدارية الاقتصادية المهمة في العراق، تولت تحسين وتنظيم زراعة وتجارة وصناعة محصول التبغ، لاسيما كونه أحد المحاصيل النقدية الرئيسة، مورد اقتصادي مهم الألاف الآسر في المناطق الشمالية التي اشتهرت بزراعته، وكذلك التجار وأصحاب المعامل في مناطق العراق الأخرى، تبنت الإدارة مشروعاً اقتصادياً تمثل في الاحتكار الكامل للتبغ المزروع في البلاد ، إذ أخضعت زراعته وتجارته وصناعته الى شرط الحصول على الإجازة ، وأصبحت الإدارة مستقلة في أمورها الإدارية عام 1952 وحققت إيرادات مالية لخزينة الدولة.
إن أقبال الأسواق الخارجية العالمية، جعل من التبغ العراقي والتنباك أحد الصادرات المهمة في اقتصاد العراق، وذلك بسبب ما يمتاز به التبغ والتنباك العراقي من مستوى الجودة، ما دعا الحكومة الى تأسيس المديرية العامة لمصلحة صنع السكائر، والتي نافس إنتاجها السكائر الأوربية والأمريكية،

      

خاصة المصنع الذي أقيم في مدينة السليمانية، والحكمة كانت من إقامة هذا المصنع ترجع الى أن المنطقة الشمالية من العراق غنية بمزارع التبوغ، ففي هذه المنطقة الجبلية تكثر زراعة التبوغ وتوافرت المواد الخام بجوار المصنع ما قلل التكاليف، وساعد على سير عجلة الإنتاج بانتظام في ذلك الوقت من تاريخ العراق.

   

حيث كانت تنتج ملايين السكائر يومياً من هذا المصنع الذي اندثر الآن، وكانت الوحدات التي تعمل في المصنع أوتوماتيكية ضخمة في جميع مراحل الإنتاج، فتحقق الاكتفاء الذاتي للعراق، علاوة على التصدير للخارج.
يعود تاريخ أول معمل ميكانيكي في العراق الى العام 1926 باسم معمل دخان وسكائر، وسجلوا أول علامة فارقة وضعت على علبة السجائر باسم (غزالة)، ثم توالت بعدها إنشاء العديد من المعامل الأهلية خلال الثلاثينيات، تم دمج المعامل الأهلية حسب قانون التأميم، وسميت بالشركة العامة للدخان العراقية،

      

سعت الشركة منذ ذلك الحين الى تطوير منتجاتها من السكائر، بإدخال المكننة في العمليات الإنتاجية والتجديد المستمر في خطوط الإنتاج، والى تنويع منتجاتها حيث تم إنشاء مصنع لإنتاج الشخاط الأمين عام 1965، تمتلك الشركة موقعين للإنتاج في بغداد الأول هو معامل بغداد، ويضم الموقع مطبعة متخصصة لطباعة احتياجات الشركة من المواد الورقية، لأغراض التعبئة والتغليف، أما الموقع الثاني فهو معمل النصر، والذي تم النصب والتشغيل التجريبي فيه عام 1988 ، تغير اسم الشركة واصبح اسمها الشركة العامة للتبوغ والسكاير بموجب قانون الشركات العامة عام 1997.

              

معمل بغداد أحد أقدم معامل الشركة منذ تأسيسها عام 1963، وهو متخصص بإنتاج السكائر ومنتجاته هي سكائر سومر كنك سايز، وكانت منتجات الشركة من السكائر تغطي حوالي 75% من السوق المحلية، وذلك لجودتها ومطابقتها الى المواصفات القياسية، وفرض الرسوم الجمركية على المستورد مما سبب في ارتفاع أسعارها، وبالتالي تمكن المنتج المحلي من منافسة المنتوج الأجنبي وبقوة.
السجائر العراقية بأنواعها وشهرتها وأشكالها، كانت تشكل نوعا من العلامات المتميزة لهذه الصناعة، التي اختفت من الأسواق فمنها، (الجگاير المزبن) هي عباره عن ورق أسطواني ملفوف بواسطة مكائن خاصه ويكون رفيع القطر، وفي نهايته من جهة الفم يوجد زبانه، أي توصيله لا يكون موجود بها التبغ، وتباع على شكل ضبات أم خمسين أو أكثر من قبل محلات بيع التبغ والمزبن.

              

أما سجائر (جگاير) اللف، فهي جگاير يتم لفها من قبل شارب الجگاره، حيث يملك علبه خاصه بالتبغ وأشهر أنواع التبغ هو التبغ العدني حيث كان يبيعه أحدهم بالكاظم، يوضع التبغ داخل العلبة ومعه دفتر الورق الشفاف، الذي يلف التبغ، ويوجد نوعين من الدفاتر الورقية وهما بافرا، والآخر هو الرشيد أي فقط ماركتين موجودة منهما، وبعض الناس أو المدخنين ليس لدية علبة (قوطيه للتبغ)، بل يحمل معه كيس من القماش، ويضع التبغ والورق بداخلة، ودائما هذا الكيس موضوع بعب المدخن. وظهرت مكينه صغيره للمدخنين تقوم بلف الورقة حول التبغ.
وفي أواسط القرن الماضي اشتهر التدخين لجگاير اللف، بحملها أو وضعها على نهاية عود طوله حوالي 20 سم، مزروف داخليا، ويتم التدخين عبره ويسميه البغداديون بتخم جگاير اللف، هذا التخم يصنع ليس فقط من الخشب ولكنه طور في مرحلة ما، وخاصة للميسورين وأصحاب الذوات فكان يتم تصنيعه من حجر اليسر أو السندلوس أو الكهرب وهي نفس مادة حجر السبح.
ويتم التدخين عن طريق الغليون والذي يسميه العراقيون بالسبيل ولكنه مزعج من وقت لأخر يجب إشعال النار بالتبغ، إذا لم يتم السحب للدخان عبره فتنطفأ شرارته، مما تستوجب استعمال الشخاطه أو القداحة لإعادة إشعال التبغ
أما في شمال العراق وخاصة الرجال الكبار المدخنين، يستخدمون طريقه معينه وغريبه بالتدخين، وهي تتضمن استخدام عيدان مأخوذة من أغصان أشجار معينه وبالمناطق الجبلية ،يكون داخلها مجوف وقطر العودة الخارجي حوالي 10 ملم، بينما القطر الداخلي ليس اكثر من عدة مليمترات، وطول العود حوالي 30 سم وفي نهايتها توضع الجگاره ويتم سحب الدخان من الطرف الأخر، وتتميز هذه العودة بخفة وزنها وان جوفها الخشبي يمتص ذرات القطران والنيكوتين والجزيئات السامه الموجودة بالدخان، أي أن هذا السطح الداخلي يعمل عمل فلترة للدخان، وتقليل السموم الواصلة لرئتي المدخن، وأيضا يحصل إحساس لدى المدخن بأن الدخان الواصل للفم يكون بارد وليس حار، ويجدر التنبيه هنا بأن هذا الكلام غير علمي ومبرهن أي يجب توخي الحذر من هذا الكلام ولكن ما سرد هو ما معروف لدى المدخنين.
بدأت صناعة السكائر وإنتاجها في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين، وبأنواع متعددة حسب الشركات المنتجة، ولكنها كانت تأخذ شكل السكائر الأجنبية بالشكل والتغليف، عدا كون التبوغ كانت عراقية وخاصة من مناطق كوردستان العراق، وقسم أخر كان يستورد لحساب هذه الشركات من أمريكا اللاتينية والهند،
وامتازت السكائر العراقية بجودتها ونقاوة تبوغها، وبأنواع متعددة منها في المراحل الأولى لغاية عام 1960، تقريبا كانت الأنواع: غازي، لوكس، تركي ـ الأهلية ـ ملوكي، الجمهورية.

                           

وللعلم كانت السجائر بالبداية في الخمسينات من القرن الماضي بدون فلتر مثل سجائر الجمهوري وغازي ولوكس، تطورت صناعة السكائر على مراحل واهمها المرحلة الأولى في ستينات القرن الماضي وأنتجت سكائر الجمهورية وهي سكائر لوكس القديمة، وبغداد، أطلس، الرشيد، وسومر الأزرق والأسود سن طويل وامتازت بنوعيتها عالميا وكانت البعض من هذه الأنواع تنتج وتعبا في فترة السبعينات والثمانينيات في بلغاريا.

                 

ولابد من الإشارة الى ملحقات السكائر ومستلزماتها من القداحات والشخاط والعلب وأواني أعقاب السائر وكان يتفنن بها الناس، الولاعة القديمة هي أداة صغيرة محمولة ومرافقة للشخص المدخن عموماً يستخدمها لإشعال سيكارثه بالدرجة الأولى أو إشعال النار أو حرق أي شيء يريد حرقه بواسطة اللهب الذي تنتجه هذه الأداة ، لهذه الأداة القديمة أسماء كثيرة منها ( الولاعة )، وقد سميت بهذا الاسم لأنها تولع النار أي تشعلها، بواسطة اللهب الصادر منها ، وتسمى كذلك ( القداحة )، لأنها تولد ناراً عند القدح بالحجر الموجود داخلها، ويسميها العامة ( جداحة ) كلفظة شعبية ، وتسمى أيضاً ( الزنـاد )، لوجود زِناد يتم من خلاله القدح وهو ما يماثل زناد البندقية أي به تشتعل نار القداحة، من خلال الاحتكاك بين الحجر والزناد (عجلة صغيرة ) ليتولد اللهب ، تتكون الولاعة القديمة من علبة صغيرة مصنوعة من المعدن ذات حجر وزناد تشتعل بالبنزين أو النفط أو نحوهما لوجود الفتيل في رأسها الذي ينتهي بقطعة من القطن المشبع بالوقود داخل أسطوانة صغيرة مملؤة بالوقود المذكور ويكون مكانها داخل علبة الولاعة ، وعندما يراد ملأ الأسطوانة تستخرج من اسفل الولاعة وتملأ ثم تعاد الى مكانها.

                           

إن تاريخ استخدام الولاعة من قبل الناس تاريخ قديم، فقد استخدمت ما يقرب من مائة عام بعد توفر الوقود والاستغناء عن علب الكبريت (الشخاط) المصنع في الخارج، لتجنب الإسراف في شراء تلك العلب من كبريت الشخاط آنذاك.
ومن القداحات التي اشتهرت أيام زمان قداحة أم الفتيلة، زناد، حجر، أم البنزين وهي بأنواع متعددة. منها الغازية وأشهرها رونسون والشخاط أبو ثلاث نجمات أو أبو السفينة الخليجية وشخاط الشمع والشخاط الورقي. وكانت السكائر الأجنبية في حقبة الأربعينات والخمسينات منتشرة وهي أنواع متعددة منها الإنكليزية والأمريكية: كريفن أ، أبو البزون، بلايرس أبو البحار، جاستر فيلد، لاكي ستراك، سوبراني، كاميل أبو الجمل، أبو الديك، ثري فايف ثلاث خمسات، بلاك اند وايت. وكانت جميع هذه الأنواع بدون فلتر وتعبأ بحجم صغير ذو عشرة سجائر، أو حجم متوسط ذو عشرين سيجارة وفي علب ورقيه أو بحجم خمسين سيجارة ومعبأة في علبه معدنيه وجميع السجائر الأجنبية تفتح من الأعلى بخلاف السكائر العراقية التي كانت تفتح جانبيا الى أن تطورت الصناعة في نهاية الستينات ظهر الفلتر في السجائر الأجنبية وبعض من السكائر القديمة ومن الأنواع التي كانت تسود السوق آنذاك:

     

روثمان ، كريفن ، كنت ، سالم بالنعناع ،كونسليت بالنعناع ، مارلبورو ،ونستون، بنسون اند هيدجز، ديموريه ، مور، جيتم الفرنسي، فايسروي، والأسواق مليئة بأنواع لاتعد ولا تحصى وأكثرها مقلده وغير خاضعه لضوابط صحيه أو فحوصات مختبريه، ومن السجائر العربي المستوردة كانت من الأردن ،ريم ، فيلاديلفيا . ومن مصر كانت كليوباترا..

       

المصدر:
المخطوط والموسوم (الموروث الشعبي العراقي) رحيـم المبارك.
محمد حسن الجابري
بغداديات عزيز الحجية

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

683 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع