حظ أمحيسـن ! .. الحلقة السادسة عشر

                                            

           

حظ أمحيسـن ! مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد في 9 نيسان / 2003

 
حظ أمحيسن / ح/ 16  تم تنقيحها

  في الثامن من مارت سنة 1963، وبينما كان "أمحيسن" عائداً من (الِرينََك) أي السوق الشعبي, بعد شراءه "باقة" من الزهور لإهدائها إلى أستاذته مدرسة اللغة الروسية ، ..بمناسبة عيد المرأة العالمي،..وبالصدفة التقى في المصعد مع فتاة جميلة,.. في حدود الثامنة عشرة من عمرها ,..أبهرته بجمالها, فركز النظر عليها، وبادلته النظرات مع بســمة خفية,..تشبه لحد ما بسـمة "الموناليزا",..

                              
 
                                 الموناليزا

ثم ركزت نظرها على الزهور,..مظهرة أعجابها  بجمالها وبندرتها في مثل هذا الموسم ، لأن الطقس في موسكو مازال شتوياً, ولذا تستورد الزهور من مصيف "سـوجي" جنوب الأتحاد السوفيتي .

                                                                                        

باقة الزهور  
شعر "أمحيسن" برغبة  للتحرش المهذب مع تلك الفتاة فقطف زهرة من الباقة وقدمها لها مع كلمات التهنئة بمناسبة عيد المرأة العالي، فشكرته بعبارات معبرة عن فرحتها ,..فردت اليه ثقتة بنفسـه,..وزال خوفه من التحدث مع الجنس الآخر!, الذي هيمن عليه منذ أن مُنعَ من اللعب أيام الطفوله مع حبيبته "جميله" فهل ياترى ستكون هذه الفتاة بدل ضايع لجميله؟,.. وعلى أية حال, فقد دب فيه شـعورغريب يوحي اليه بمعرفة ســابقة مع هذه الفتاة, ولهذا تشجع وطلب عنوانها، ولكنها لم توافق, وأخبرته بأنها طالبة تدرس اللغة الفرنسية بنفس الطابق الذي يدرس فيه اللغة الروسية, ومن سـوء "حظ أمحيسن" أنه لم يتكهن بأن الوردة التي قدمها لها ستكون الصفحة الأولى لأهم  قصة سـتؤثر في مسـيرة حياته و لم يحدس في ما الذي يخبأ له     الزمن مع هذه الشحرورة ؟, وها هو الآن  وبعد اكثر من 50 سـنة, يتذكر تلك اللحظة التي قطف فيها الزهرة  من (باقة) الورد وقدمها كهدية لها في عيد المرأة في8/3/1963 ! ,..ولذا أتصلت في هذا اليوم, بمحيسن الموافق 8/3/2014 ,أي بعد مرور نصف قرن على اول لقاء له مع تلك الفتاة الشحرورة وما أن سـمع صوتي ,صمت كأبي الهول !,.. وضلَ صامتاً لفترة,.. ثم سـمعت نحيباً مَزق كبدي, ولم أتعجب لأني مطلع على مأساته  بكل تفاصيلها منذ تعرفه بتلك الفتاة !
وبعد برهة من الزمن ,..رحب بي من دون ان يستفسر عما أطلبه منه كعادته !, وقال : أنك مثلي,.. مشكلتك " الذاكرة " التي تنغص عليك حياتك,. وتجعلك لا تنسى أية خاطرة من ماض الزمان !, ولذا  وقبل أن أسـمع سـؤالك ,..سـأسـمعك أغنية لكاظم الساهر, عنوانها:
ســــلمتك بـيد الله, ياريت ما شــفـتـك وشـجابك عليه!؟


سلمتك بيد الله يا محملني أذية
يا ريت ما شفتك وش جابك عليّه
ما أرضى بلا حب ولا أترجاه منك
يا ظالم لا ترحم ما يبجيني عذابك
ما أشكي وأتألم لا يغرك شبابك
دنيا وبيها أعيش غصباً عني وعنك
ما أرضى بلا حب ولا أترجاه منك
أنا أعرفك وأعرف طبعك
تريد المجروح ( الملجوم ) يتبعك
وأعرف من تتألم تظلم
اللي يعرفك هو الل يحكم
يا ظالم لا ترحم ما يبجيني عذابك
ما أشكي وأتألم لا يغرك شبابك
دنيا وبيها أعيش غصباً عني وعنك
ما أرضى بلا حب ولا أترجاه منك
لا تجامل وتقلي شلونك ؟؟
ما تهزني بدموع عيونك
لا تحاول بالحب تخدعني
وبطيبة ورقة تعاملني
يا ظالم لا ترحم ما يبجيني عذابك
ما أشكي وأتألم لا يغرك شبابك
دنيا وبيها أعيش غصباً عني وعنك
ما أرضى بلا حب ولا أترجاه منك

                                               

وفي اليوم التالي لعيد المرأة, اي في 9/3/1963 تشاء الصدف ان يلتقي " أمحيسن " بتلك الفتاة ، فيهرع نحوها، رامياً عليها التحية, فرحبت به وسارت معه أو قل: سار معها باتجاه المصعد، ودار بينهماحديث عام, مـستفسراً عن صحتها ودراستها، فأجابته بكل لطف ومودة ، ثم استفسرت منه عن أحواله وسكنه ودراسته !,..وكان يجيبها بكل صراحة .
لم يفكرأمحيسن بأي قرار لرسم علاقة جديدة, ومع ذلك ألح بطلب عنوانها كلما ألتقى معها أثناء الذهاب والأياب لمكان دراستها, ولكنها لم توافق,..وفي أحد الأيام وبعد أن داهم (كيوبيد) مشاعرها ,..طلبت هي منه رقم تلفونه !,..لتتصل به في الوقت الذي تراه مناسباً.
توطدت العلائق مع تلك الفتاة ، وفي الحال برزت اول عقبة,..فقد أعلمته برفض والدها اية علاقة مع اي أجنبي ,..ولذا طلبت منه  أن يكون اللقاء سـرياً,..وفي مكان عام.
 ومرت الأيام, وبانت بوادرالمشاعر العاطفية, أوحب من الوع العصري المهذب,ولم يستطع منع عواطفه وأنما بدأت تزداد أستعاراً !
بدأ أمحيسن يحدس أنه أعمى البصيرة, سائراً في طريق مظلم!,..حيث أدرك  خطوره العلاقة الجديدة,ولكنه فقد الأرادة لأتخاذ القرار الصائب, وكتب:  
هذا موبيت الفرس, أطفر النهرمادامه ضيك!
 في نهاية السنة الدراسية 1963،طلب والد الفتاة " آليـ...كا "  مقابلة  "أمحيسن" في سكنه في الجامعة, ودار حديث متزن بينهما ، حول ضرورة فسخ العلاقة مع أبنته فوراً!,.. ثم تطور الأمر وبدأت الضغوط تنهارعليه,..أهمها من قسم الأجانب بالجامعة,ومن أستاذته المشرفة على دراسته, وبعض القاده في أتحاد الطلبة العراقي ، يطالبونه  بترك الفتاة آليـ...كا " كي يتجنب المتاعب ويتجنب العقاب ,..ولذا خطرت بباله فكرة الأبتعاد عنها والسفر الى مصيف سوجي, لا خوفاً من التهديدات , ولكن احتراماً لشـخصية والدها وتحليه بالأخلاق الحميدة هي التي أجبرته على أحترامه, ولذا طلب منه التحدث على انفراد,.. وهكذا أختلى أمحيسن  به واقترح عليه أن يمهله مُهلة أمدها شهرا  واحدا,.. ويمنع أبنته من اللقاء معه ، حيث قرر السفر بمناسبة العطلة الصيفية إلى مصيف "سُوجَّي" ، فوافق الوالد على المقترح، وشكر  أمحيسن على نبله وشهامته ومحافظته على ابنته ، فهو لم يَمسسها !,..اي ما زالت عذراء, بالرغم من أن ذلك مباح لأي فتاة اذا ما بلغت الثامنة عشر من عمرها,وبالرغم من تلك الحقيقة, فقد عاملها بمنتهى الشـهامة  ، وأكد والدها صحة ذلك وشكره .
وصل أمحيسن مصيف "سُوجي" فوجد فراغاً عاطفياً لم يستطع التغلب عليه ,..ولذا قررالتعرف على اي فتاة من أجل طمر مشاعره, وأجمل صورة تزاح بصورة أخرى !
 وفي أحد الأيام، رغب بشراء نوع معين من واين أسمه "جُورنْي كلازا" أي العيون السود من مخزن مجاور لسكنه في المنتجع ,  وكانت البائعة صبية جميلة أو قل آية في الجمال،.. فهي تحفة فنية ، .. ومن تضاريس جسمها ومعالم وجهها, تنبأك بانها مهجنة من أم روسية وأب قوقازي،.. وراح " أمحيسن" يحملق بها "كلأبله", فابتسمت له برقة ، ولبت طلبه وقالت له: من له هذه العيون الســود لا يحتاج لمثل هذا المشروب !
                  

فتاة من منطقة القوقاز
 فرَح " أمحيسن " لإطرائها، وتكسرت الأطواق الرهيبة التي خنقته منذ ترك علائقه في موسكو،...وهكذا راح ببادلها الحديث بشيء من الجرأة، ووافقت على اللقاء معه مساءاً بعد نهاية عملها وكتبت  له عنوان (الكافتيريه اي مطعم شعبي) لتناول المشروب والعشاء!
أستعد أمحيسن للموعد وكاد أن يطير من الفرح !,..وراح يكتب السيناريو في ذهنه, لكي يصل الى ما يتمناه كل شاب,..وأسرع قبل الموعد متجهاً نحو المطعم وفق العنوان ,..وفي الساحة  المحيطة بالمطعم وقف على بُـعد يرصد قدوم صديقته القوقازية ,..فجلب أنتباهه بكاء شيخ تجاوز السبعين من عمره يبكي بمرارة ,..فدنى منه وحدثه باللغة الروسية لمعرفة سبب بكائه فقال والدي ضتربني ووبخني!,..تعجب أمحيسن من رواية هذا الشيخ وتصوره مختل عقلياً ,..فسأله وأين والده فقال الشيخ أنه صاحب مخزن المأكولات القريب من الكافتريا ,ولم يصدق أمحيسن ما سمعه , وأراد التأكد بنفسه, ..وهكذا دخل (الدكان) وأشترى من البائع الطاعن بالسن!,..علبة سكاير,..ثم أستفسر منه عن ما سمعه من ذلك الشيخ الجالس في الساحة  فأبتسم الشيخ الهرم وقال: صحيح!,..فلقد أعتدى على جده !

   
 
محمد لابارانوف  أكبر معمر(122 سنة) من قرية سييبر باكوفكا أحدى جمهوريات القوقاز
فتح أمحيسن فاه كالعادة,..وفهم العجوز ما يدور بذهن هذا الغريب,.. فستلطفه ,..وقال له أن لم تصدقني أسأل جده صاحب الكافتيريا هناك( وأشار بيده) الى نفس الكافتيريا التي سيتعشى بها مع صديقته القفقاسية ! ,..لم يستطع أمحيسن الأستمرار بالحديث مع هذا الشيخ الهرم,..فقد أقترب موعد اللقاء مع صديقته,..وسيعلمها بما شاهده وسمعه ,..وما أن خرج من الدكان حتى أطلت القوقاسية وكأنها حورية في أبهى زينة,..فأنشرح فؤاده وتوجه نحوها وعانقها بالطريقة الروسية ,..وأصطحبته نحو الكافتريا ,..وما أن شاهد أمحيسن صاحب الكافتريا الهرم حتى ذُهل من المفاجءة,..فحد صديقته بما رأى وسمع,..وأيدت ذلك وقالت له: أن شعب القوقاز يمتاز بطول العمر , وأن الدولة شيدت عدة مراكز طبية للبحث عن الأسباب ,مستخدين آلا ف القردة كحقل تجارب!, وبحركة ذكية طلبت القوقازية من أمحيسن أن يطلب لهما المشروب والعشاء قبل نفاذه,..وفوراً, لبى أمحيسن طلبها ونادى على العاملة , ودونت الطلب ,..وأنغمست الفتاة في أحاديث عن الحياة الأجتماعية وحرية الشباب في مزاولة حريتهم ولكن ليس أمام الناس , بل في مكان منعزل, حيث أن الدولة تمنع الغزل المفضوح !
أنتهت السهرة (يابسه وتمن ),..ونهضت الفتاة وطلبت من أمحيسن توصيلها,..وكانت فترة قاسية ,..ولكن ووفق ما تعلمه" ياغريب كن أديب",..وهكذا ودعها وردد من  بيتاً من شعر بن زريق البغدادي : "ودعته وكان بودي لو يودعني صفو الحياة على أن لا أودعه " !


  

بعد انتهاء فترة الأجازة، شعر " أمحيسن " بنوع من الأستقرار, وتعهد مع نفسه على عدم بناء علاقة وثيقة مع أي فتاة أخرى!
 عاد أمحيسن إلى مقر دراسته، فوجد "أليـ..كا" التي طلب من والدها أبعادها عنه في انتظاره عند باب غرفته في الجامعة، فعانقته بكل شوق ووجدها أكثر أندفاعاً في عواطفها معه,..وقد فاق كل ما تحدثت عنه كتب الغرام!
 بدأ أمحيسن  يفكر بالزواج بها ، ولمَ لا ؟,.. فهي صبية في مقتبل العمر، متعلمة ومن اسرة محترمة,.. وجمالها ملفت للنظر,..وقد تعلقت به بشكل جنوني وتصدت لأهلها بعدم تركه! ,..
واضافة الى ذلك, سوء الأوضاع السياسية في العراق آنذاك,.. وعدم وجود أي أمل بالعودة، فقد قطع الحكم الجديد المنحة المادية عن  الطلبة الدارسين في الأتحاد السوفيتي ، وطلب منهم العودة أو تغيير مكان دراستهم الى أي دولة عدا الدول الاشتراكية، أي الاِنتقال إلى أيّ من الدول الغربية أو أمريكا.
   
يتبع في الحلقة / 17
 
للراغبين الأطلاع على الحلقة الخامسة عشر:

http://www.algardenia.com/maqalat/9362-2014-03-12-08-41-01.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع