المناصحة في العراق بين الأماني والطموح

                                                     

                             د.وليد الراوي


مدخل :

لم اكتب عن هذا المشروع المثير للجدل والذي قد يسبب الاتهام لكاتبه بشتى انواع التهم من قبل بعض الفصائل المسلحة الموجودة في الساحة العراقية
كما قد لايلاقي هذا المشروع الاهتمام والعناية من قبل بعض السياسيين والمسؤلين المتنفذين وذلك لعدم وجود نية صادقة وحقيقية لانقاذ العراق , بل تراهم سببا في ازمة العنف والقتل.
من خلال البحث والتقصي في مجال مكافحة الارهاب تبين ان الاسلوب الذي تمارسه القوات العسكرية والامنية العراقية في هذا المجال قد زادت وتيرة العنف والتطرف والانتقام  مثل ما كانت تفعلة الاجهزة الامنية المصرية بحق الجماعات الجهادية الاسلامية المصرية , حيث الاتهام بدون ادلة وممارسة اقسى انواع التعذيب وصولا الى التهديد اوممارسة اغتصاب النساء والرجال ,ومن نتائج تلك السياسة ان غالبيية عناصرتنظيم القاعدة في العراق الان هم عراقييون بسبب رغبتهم في الانتقام حيث تصاعدت وتيره التاييد والكسب والانتماء الى التنظيم.
غالبا ما يسعى المحققين على اخذ الاعترافات بالقوة والتعذيب ليعترف المتهم على جريمة التي لم يرتكبها وقد يطلق سراحه.
بعد كل عملية مسلحة تشن الاجهزة العسكرية والامنية حملة اعتقالات عشوائية تستهدف مكونا محددا هو "المكون السني" ,حيث تقدم هذه القيادات الميدانية موقفا لمراجعها معلنة القضاء على زمر الارهاب, وفي الحقيقة تم اعتقال ابرياء وتوجه لهم التهم وفق المادة 4 ارهاب, ولنا في حديث "السيد عزت الشابندر" الاخير خير شهادة بحق المعنيين بملف الامن والارهاب.
من نتائج هذه الاعمال تسنى لتنظيم القاعدة من كسب اعداد جديدة  ينتظرون فرصة الانتقام اذا ما اتيحت لهم وقد وجدوا ذلك في تنظيم القاعدة حصرا.
ان الموضوع مدار البحث يركز على تنظيم القاعدة وليس الجماعات الارهابية الطائفية الاخرى والتي تعجز الالاف مشاريع المصالحة والمناصحة عن تغيرر سلوكهم الاجرامي , بالرغم من انهما يتشاركان في نفس الاهداف الاجرامية ويتقاسمان بعض اليات العمل .
ان العمل بمشروع المناصحة هو عملية اصلاح اجتماعي وانساني تتخاطب اولا مع شريعة الدين الحنيف وقد فسر المفسرون الحديث الشريف ( انصر اخاك ظالما او مظلوما) فقيل كيف تنصره وهو ظالما فقيل بالنصح والارشاد وارشاده الى الطريق الصحيح.


المقدمة:
عانى ومايزال يعاني العراق من الارهاب المنظم والذي تقوده دولة العراق الاسلامية(تنظيم القاعدة), حيث يستهدفون كافة مؤسسات الدولة العراقية بالاضافة الى الناس الابرياء .
لقد حصد ارهاب تنظيم القاعدة في العراق ارواحا اكثر مما حصد من القوات الامريكية وحلفائها وفي نفس الفترة الزمنية.
حاولت دول العالم كافة ومنها العراق والتي قاست من هذا الارهاب الاسود ان تضع برامج لمكافحته , معتمدة في غالبها على المواجهة المسلحة والتي لم تستطيع من القضاء على هذه الجماعات بل قد تزيد من ردة فعلهم مثلماهو حاصل في العراق وسوريا واليمن والمغرب العربي  وغيرها من البلدان.
طبقت المملكة العربية السعودية برنامج أطلقت عليه " المناصحة " معتمدا على الحوار مع المتطرفين, بالرغم من اختلاف ظروف العراق عن السعودية في نواحي كثيرة الا انه من الممكن صياغة برنامج يتناسب مع العراق وظروفه الخاصة.
المناصحة لغة:
ناصحَ  يناصح مٌناصحة فهو مٌناصٍح  والمفعول مٌناصَح, ناصح فلانٌ فلانا اي نصحَ كل منهما الآخر.
المناصحة اصطلاحا:

عملية حوار لتغييرافكارومعتقدات  اشخاص وجماعات متهمة بالارهاب باستخدام برامج معينة.
نبذة تاريخية:
 يذكر لنا التاريخ الاسلامي كيف جرت محاولات عديدة ادت الى تغير معتقدات الكثير عبر اسلوب سلمي ناجم عن حوار من خلال طرح المفاهيم  ويمكن القول بانها عملية مقارعة الفكر بالفكر, ويزخر تاريخنا الاسلامي بكثير من الامثلة ولنا في الاية القرانية الشريفة ( ادعٌ الى سبيلٍ ربَك بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة وجادٍلهم  بِالتي هي أحسنٌ) دليل على الدعوة للحوار الفكري المبني على الموعظة الحسنة التي تدخل القلوب برفق لا بالزجر والاكراه
وما المنهج السلمي في نشر الدعوة الاسلامية الا تجسيدا لهذه الاية الكريمة في سلوك المسلمين مع المشركين فكيف الحال اذا خلق حوار بين المسلمين الذين تجمعهم مشتركات اساسية ومن اهمها الايمان بالله ورسوله(صلى الله عليه وسلم).
التجربة السعودية
بدات السعودية  عام 2003 في اعتماد تجربة تاهيل المعتقلين الذين سلمتهم القوات الامريكية من الذين كانوا في سجن غوانتنامو والذي بلغ عددهم(520) معتقل ومعهم من القي القبض عليه من قبل الاجهزة الامنية السعودية, اطلق على التجربة تسمية  ( المناصحة) بالرغم من ان دولا كثيرة مارست برامج مشابهة وقبل السعودية مثل مصر حيث نفذت تجربة مشابهة لم تؤتي ثمارها بل ادت الى نتائج عكسية اذ يلاحظ ان الذين اجتازوا هذه التجربة " التجربة المصرية" خرجوا اكثر تشددا وتطرفا ومثال ذلك ( الدكتور ايمن الظواهري) فقد كانت التجربة المصرية فاشله منذ البداية لانها اعتمدت على منهج (غسل الدماغ) وقد صاحبها عنف شديد وصل الى حد اغتصاب الرجال.
شمل المنهاج على البرامج التالية:
1. برنامج شرعي.
2. برنامج اجتماعي.
3. برنامج نفسي.
4. برنامج تاريخي.
5. برنامج علمي.
6. برامج فنية ومهنية.
7. برنامج رياضي.
8. محاضرات متنوعة.
وقد اعتبرت وزارة الداخلية السعودية ان تجربة المناصحة قد نجحت وبشكل ملفت للنظر , حيث تم اعادة تاهيل ما نسبته 95% من المشمولين بالبرنامج واصبحوا مواطنين  يمارسون حياتهم بشكل طبيعي بالرغم من ان وزارة الدفاع الامريكية  تذكر ان (61) من قدامى مقاتلي القاعدة ومن اصل (520) نقلوا الى السعودية , استأنفوا القتال مع تنظيم القاعدة.

هل تصلح التجربة في العراق؟؟

عند الحديث عن امكانية نجاح مشروع المناصحة في العراق اذا ما طبق , يرى الباحث بوجود معوقات هامة يحب العمل على ازالتها كي نظمن نجاح العملية , ومن جملة الامور التي يجب معرفتها , ماهي الاسباب الرئيسة لوجود الجماعات الارهابية في العراق  وماهي دوافع عملهم ومبررات الاستمرار بها, سيما ان تاريخ العراق المعاصر لم يشهد حركات او جماعات ارهابية تتخذ الدين الاسلامي منهجا لها  الا بعد الاحتلال الامريكي عام 2003.
من خلال متابعة عمل الجماعات الارهابية المسلحة يرى الباحث ان الكثير من الاجانب الذين عملوا مع الجماعات المسلحة وخصوصا تنظيم القاعدة قد غادروا العراق الى افغانستان ولم يبقى منهم  الا القلة القليلة والتي لازالت تشغل مناصب قيادية عليا مثل( وزارة الحرب) او (وزارة ولجان الهيئات الشرعية ) او بعض مناصب الامرة مما قد يوثر ايجابيا في نجاح البرنامج بسبب غياب المقاتلون العرب والذين يشكلون محور اساسي في زيادة التطرف والتكفير.
ان هذه التجربة اذا ما درست بعلمية مع مراعات ظروف التطرف في العراق وتامين كافة مستلزمات نجاحها ستكون بالتاكيد تجربة ناجحة تقلل من الارهاب وجرائمه وستكون احدى اهم وسائل مواجهة الارهابيين لاسيما اذا تمكنا من اعداد بعض المشتركين في البرنامج كعناصر فاعلة ودعاة خير ونبذ التطرف والارهاب  في المجتمع العراقي.


المعوقات الاساسية:
1. وجود اكثر من جماعة مسلحة في العراق وتختلف فيما بينها  في الجانب العقائدي مما يعقد منهج المناصحة.
2. لازالت بعض مبررات عمل تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة القريبة منه فكريا قائمة في العراق ومن اهمها, ازدياد وتيرة العنف والتهجير والاستهداف من قبل احزاب وميليشيات طائفية معلومة.

شروط النجاح:
1. تاسيس هيئة عليا لمشروع المناصحة .
2. تامين شخصيات علمية كفؤه تمتلك العلم وقوة الحجة .
3. تامين شخصيات علمية وشرعية كفوءة  تتجانس فكريا مع المشمولين بالبرنامج وهذا يعني تامين شخصيات سلفية تحاور السلفيين وصوفية تتحاور مع الصوفيين وهكذا.
4. اشراك بعض رجال الدين او الدعاة من الذي سبق ان ساهموا في نشر التطرف وتكفير المخالف مثل الشيخ (م-ص) الذي انظم مؤخرا لوزارة المصالحة كمستشار وغيره .
5. العمل على ازالة مسببات الاحتقان و التطرف الديني والطائفي.
6. التاكيد على ان القوات الامريكية قد غادرت العراق ولم يعد لها وجود ونفوذ , على ان تعد برامج تلفزيونية لاابراز ذلك بالدليل العلمي بغية  اسقاط احد اهم ذرائع الجماعات المسلحة.
6.تامين فرص عمل للمشتركين في برنامج المناصحة
7. العمل على ازالة كافة التبعات القانونية بحق المشتركين في البرنامج.
8.اشاعة روح العدل والمساوات بين ابناء الوطن.
9. قيام الحكومة العراقية باصدار بعض القرارات ومنها قانون العفو.
10. تقديم هديا عينية للناجحين في البرنامج ومساعدة العزاب منهم  على الزواج .
11. محاولة دمج الذين يجتازون البرنامج في مؤسسات الدولة الخدمية مع اعطائهم مناصب بسيطة تجعلهم يشعرون من خلال ذلك بالمسؤلية امام الشعب العراقي من خلال عملهم في خدمة المواطنين.
12. عزل كل جماعة مسلحة تتجانس فكريا في برنامج مستقل وليس دمجهم جميعا .
13. تتولى الهيئة او اللجنة العليا للمناصحة مسئولية الاشراف الاعلامي  لتكريس روح الاعتدال ونبذ التطرف والعنف وباسلوب يعتمد على وقائع التاريخ الاسلامي البهيج وعدم اثارة بعض الجوانب الخلافية الحساسة.
14. اصدار توجيهات مركزية ملزمة لائمة وخطباء المساجد عبر الوقف الشيعي والوقف السني على التركيز في خطبهم على نشر روح الاخوة والتآخي ورفض تكفير المخالف واستهدافه .
15. إدخال العناصر التي سلمت نفسها الى القوات الامنية  في البرنامج.
16. تاسيس معسكر خاص اقرب ما يكون الى نادي رياضي تؤمن به مستلزمات نجاح المشروع , على ان يعزل فيه كل جماعة فكرية على حدة وعدم مزجهم لكي لاتتكرر تجربة معتقل بوكا الذي اصبح مدرسة يدرس بها فكر (السلفية الجهادية).
17. تامين مكتبة اسلامية في المعسكر تجهز بكتب تنشر التسامح والاعتدال وتنبذ التطرف صادرة من رجال دين من نفس عقيدة السجين.

الخاتمة.
1.من خلال دراسة الكثير من الجماعات الارهابية وآلية عملهم يرى الباحث ان اعتماد العناصر الارهابية في كسبها على العلاقات والاواصر العائلية بدرجة كبيرة لما له من تاثير عاطفي وعقائدي , وفي حالة نجاح هذا البرنامج المطبق على بعض من عناصر هذه الجماعات الارهابية وعودتهم الى المجتمع كعناصر جيدة فسيكون ردة فعل ذلك على اقاربهم ومعارفهم من الذين لازالوا مع التنظيمات الارهابية بالاضافة الى تغيير فكر وسلوك الكثير ممن سيدخلون في البرنامج .
2. العمل بصدق على ازالة كافة ممارسات  الاقصاء والاحتقان الطائفي لانها اصبحت الوقود الدائم والذي لاينضب لتنظيم القاعدة.

الدكتور وليد الراوي
باحث في شوؤن تنظيم القاعدة

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

343 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع