
بقلم احمد فخري
قصة (ابراهيم) الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط:
https://algardenia.com/maqalat/69766-2025-12-05-08-27-46.html
جلس الطفل ابراهيم الى جانب جده في القطار العائد من العاصمة الاسبانيا مدريد رجوعاً الى مدينة ماربيا في جنوب اسبانيا. كان الاثنان يحملان مشاعر مختلفة تماماً. فالجد امين كان يعتقد انه سيتمكن من التعرف على والد حفيده ابراهيم الحقيقي كي يتمكن من كسب حسنة لدى خالقه فيقوم بتسليمه له حتى يبقى يعاني من الوحدة بعد موته لكن ذلك لم يحصل. اتضح له ان ذلك الرجل المدعو اسحاق الذي قابله بالفندق كان نصاباً كما هو الحال مع من سبقوه من النصابين لانه رفض اجراء فحص الحمض النووي لمقارنة دمه مع دم ابراهيم وهذا يؤكد على انه محتال. اما ابراهيم فقد كان بمنتهى السعادة لسببين: الاول هو انه سيبقى مع جده امين وذلك من شدة حبه الفائق والغير متناهي له إذ يعتبره المثال الاعلى في القوة والشهامة والاخلاق النبيلة. والثاني هو مدى سعادته في الاوقات الجميلة التي قضياها بمدريد خصوصاً مدينة الملاهي التي لم تبقى لعبة الا وجربها مع جده امين. هنا خطرت له فكرة فسأل جده،
ابراهيم : متى ستتوقف عن محاولة التخلص مني يا جدو؟ لقد مررنا بتلك القصة اكثر من عشرين مرة. كل مرة منها كنت تتحدث مع رجال نصابين محتالين كان همهم الوحيد هو الحصول على المال الذي تذكره في اعلاناتك.
امين : والله انا اعترف يا ابني بانني كنت احمقاً. فقد حاولت ان اعمل الخير واكسب حسنات لدى رب العالمين لكن يبدو ان الله يريدك ان تبقى معي حتى اموت.
ابراهيم : ولماذا تموت؟ انت رياضي وقوي وتتناول العقاقير التي يكتبها لك الاطباء كل يوم خصوصاً العقار المضحك الذي اسمه (اتفسفسين).
امين : اولاً، كل انسان يموت يا حبيبي. الم تحفظ الآية التي تقول (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) فانت قرأتها وحفظتها جيداً. ثم ان اسم الدواء هو (اتروفستاتين) يا مشاغب.
صار ابراهيم يقهقه ثم قال،
ابراهيم : هذا الاسم صعب عليّ كي انطقه. ولكن قل لي يا جدو، لو فرضنا انك مت (لا سامح الله طبعاً). فماذا سيحل بي؟
امين : اخبرتك مراراً وتكراراً لكنك لا تريد ان تركز معي. قلت لك في حالة موتي ستتولى السيدة كرستينا رعايتك. وقتها ستقوم بتربيتك كما كنت اربيك في حياتي. وعندما تبلغ الثامنة عشر من عمرك ستصبح حراً طليقاً لانك ستحمل المسؤولية على اكتافك وستتمكن وقتها من التصرف بالمال الذي ساتركه لك. وفي ذلك الحين بامكانك ان تبقى في اسبانيا لانك تحمل الجنسية الاسبانية او تعود الى وطنك الاصلي المغرب.
ابراهيم : انا اريد ان ازور المغرب كسائح فقط لكنني تعودت على اسبانيا وارغب ان ابقى فيها.
امين : هذا شيء يرجع إليك يا ولدي.
ابراهيم : دعك من هذا الموضوع واجبني: لماذا لم يختطفوا القطار هذه المرة ايضاً كي نحصل على المزيد من الاثارة؟
ضحك امين بصوت عالٍ ثم قال،
امين : يا لك من طفل شقي، هل تعتقد ان المجرمين يختطفون كل رحلة قطار نركبها؟ حبيبي تلك الحادثة كانت على محض الصدفة فقط ولن تتكرر.
ابراهيم : إذاً ساعود لقرائة مجلتي وامري لله.
امسك بالمجلة بينما وضع امين رأسه على مسند الكرسي ليأخذ قيلولة قصيرة. لكنه ظل يفكر بالامر. وصار يتسائل في ذهنه ويقول: يا ترى من هي عائلة ابراهيم الحقيقية؟ لماذا تنازلوا عنه بهذه السهولة حينما تاه عنهم؟ لماذا لم يحاولوا البحث عنه في ماربيا؟ انا لا اشك أبداً انه من المغرب لانه كان يتلفظ ببعض الكلمات المغربية الدارجة عندما عثرت عليه. ولو فرضنا ان ابويه من المغرب وجاؤوا به الى ماربيا لغرض السياحة، فلماذا لم يحاولوا البحث عنه بكل تلك السنين التي خلت؟
بعد مرور بضع ساعات وصل القطار الى ماربيا فهبط الجد وحفيده من القطار وخرجوا للشارع ليركبوا سيارة اجرة تقلهم الى منزلهم وهناك وجدوا السيدة كرستينا في انتظارهم. اخذت الحقائب من امين ودخلوا جميعاً البيت فقال ابراهيم انه سيذهب مباشرة الى غرفته لانه اشتاق كثيراً للعبه. اما امين فقرر ان يأخذ قيلولة قصيرة يرمي فيها مشقة السفر التي تكبدها اثناء رحلة مدريد الفاشلة. بقي امين نائماً لاكثر من ساعتين حتى استيقظ على صوت رنين هاتفه النقال. جلس على السرير ورفع الهاتف ليضعه على اذنه وقال،
امين : الو من الطالب؟
الرجل : هل لا زلت تتذكر صوتي يا كابتن امين؟
امين : يا الهي، لا اصدق، العميد نور الدين؟
نور الدين : خسئت يا ظالم، اسمي الآن اللواء نور الدين.
امين : مستحيل! هل رفّعوك لتصبح لواءاً يا حشرة. الف الف مبروك حبيبي. متى تم ترفيعك؟
نور الدين : قبل سنة يا كابتن.
امين : كم انا مشتاق اليك يا عزيزي.
نور الدين : لكنك لم تتصل بي منذ فترة طويلة وتقول انك مشتاق اليّ. ما هذا الهراء؟
امين : اجل لديك الحق، كنت مشغولاً جداً بالآونة الاخيرة والله.
نور الدين : اي انشغال هذا؟ انت متقاعد وليس لديك همٌ سوى حفيدك ابراهيم.
امين : بالحقيقة هذا ما كان يشغل بالي كثيراً فقد كثرت محاولات النصابين الذين يدّعون انهم ذويه وانهم يريدون استرجاعه مقابل المكافئات المالية التي كنت اعدهم بها في الاعلانات. فقد رجعنا للتو من رحلة فاشلة الى مدريد لنقابل شخصاً زعم انه والد ابراهيم.
نور الدين : هل تتذكر ما قلته لك آخر مرة ام انك أصبت بالزهايمر يا عجوز؟
امين : لا لم انسى ما قلته لي. طلبت مني ان انسى موضوع عائلة ابراهيم واستمتع باوقاتي معه حتى يأخذ الله امانته.
نور الدين : هذا صحيح. لكنك لا تزال تنبش الارض لتخرج الديدان. الم يحن الوقت كي تترك الامر الآن؟
امين : بالحقيقة كان هناك شيء واحد فقط اريد البحث عنه. هل ستساعدني كعادتك ام ستتخلى عني هذه المرة؟
نور الدين : انت تعلم جيداً انني لا يمكن ان ارفض لك طلباً. تكلم ماذا يدور ببالك؟
امين : اريدك ان تتحقق من شخص معين سابعث لك اسمه الآن.
نور الدين : ولو انني افضل ان تترك الامر برمته، لكنني وعدتك وسوف لن اخلي بوعدي. تفضل اعطني الاسم.
امين : الشخص الذي اريدك ان تتحرى عنه هو شخص مغربي يدعى (اسحاق موسى حييم).
نور الدين : حسناً سجلت الاسم عندي. ساقوم بالتحري عنه كاملاً وساوافيك بالمعلومات فور حصولي عليها.
امين : شكراً لك يا اخي العزيز.
نور الدين : لا شكر على واجب. استودعك الله.
امين : حفظك الله ورعاك سيادة العميد اقصد سيادة اللواء.
نور الدين : الله معك يا كابتن.
امين : أي كابتن هذا؟ انا لم اقود طائرة منذ سنين طويلة.
نور الدين : ستبقى احسن كابتن بنظري. استودعك الله اخي الحبيب.
اغلق الخط معه وتوجه الى الحمام كي يتوضأ ويؤدي الصلاة. وبينما هو جالس على السجادة إثر الانتهاء من الصلاة سمع صوت رنين جرس البيت تبعه نداء من السيدة كرستينا تصرخ باعلى صوتها وتقول "جائك السيد بلحاج يا امين".
لبس امين جبته المغربية التي يعتز بها كثيراً على عجالة ونزل السلم مسرعاً ليلتقي بصديق عمره بلحاج فرآه واقفاً في وسط غرفة الاستقبال متكئاً على عصاه ينظر بعينه ويقول،
بلحاج : ماذا حصل معكم يا امين؟ هل التقيتم الرجل؟ هل كان نصّاباً كالبقية ام انه ابو ايبو الحقيقي؟
امين : في البداية قال انه ابو ايبو وانه فقده عندما جاء برحلة سياحية مع زوجته الى ماربيا عندما ضاع منه هناك. قال انه يهودي وهذا يعني ان ايبو يهودي كذلك قال ان دينه لا يسمح له باعطاء عينة من الحمض النووي لغرض المقارنة.
بلحاج : وهل صدقته؟
امين : لا طبعاً لم اصدقه. اخبرته بان شرطي الاساسي للتخلي عن ايبو هو اجراء فحص الـ DNA. ودون ذلك فانا لن اتفاوض معه من اجل الولد. وبعد ان رآني مصراً على الفحص، استسلم وطلب مني المال بدلاً عنه لكنني لم اعطه قرشاً واحداً.
بلحاج : عفاك يا امين. لقد آن الاوان كي تتوقف عن محاولاتك البائسة للبحث عن اهل ايبو فهو سعيد بالعيش معك وانت سعيد به كذلك.
في هذه النقطة اراد ان يخبره عن الحديث الذي دار بينه وبين اللواء نور الدين عبر الهاتف لكن شيئاً ما منعه. اراد ان يبقي الامر سراً حتى يحصل على نتائج ايجابية تلافياً للاحراج. وإن لم يحصل فانه سوف يدفن الموضوع تماماً بعد ذلك الى الابد. هنا قرر ان يغير الموضوع قال،
امين : ما رأيك بلعبة الطاولي مع شاي اخضر مغربي؟
بلحاج : انت تعلم انني لا استطيع مقاومة تلك الاغراءات. هيا دعنا ننتقل الى طاولة الطعام لانها مرتفعة بعض الشيء واشعر براحة اكبر وانا انتصر عليك فيها.
امين : تنتصر عليّ في احلامك يا صاحبي. سابعثك الى بيتك وانت تبكي وتنحب حظك الذي اوقعك بين مخالبي.
جلس الصديقان على الطاولة وبدأ اللعب بشكل هادئ في بادئ الامر ولكن بعد قليل اشتد الحماس وصاروا يطرقون الاحجار على الخشب بصوت مرتفع اسمع جميع من في الدار. جائهم ابراهيم مبتسماً وقال،
ابراهيم : يا سلام، لقد عادت البهجة والوئام الى بيتنا وذلك كله بفضل العم بلحاج.
بلحاج : بل بفضلك انت يا محتال. ها... خبرنا ماذا تريد؟
ابراهيم : انا لا اريد شيئاً. انا ابدي اعجابي فقط بسعادتكما وانتما تلعبان الطاولي وترميان الاحجار وكأنكما تريدان كسرها.
امين : يبدو ان عمك بلحاج صار يفهمك ويفهم الاعيبك جيداً. انا اتفق معه. ما الامر ماذا تريد يا ولد؟
ابراهيم : بالحقيقة هناك شيئ بسيط جداً ولكن بالامكان ان يتأجل حتى تنتهوا من اللعب.
بلحاج : لا، تكلم الآن. ما المشكلة، ماذا تريد؟
ابراهيم : بالحقيقة يا اعزائي لدي طلب صغير جداً لا يكاد يستوجب قلقكم. فقد نظمت المدرسة رحلة كشفية في الغابات لمدة اسبوع. لذلك قررت ان... اقصد اردت ان اخذ رأيكم في... اقصد ربما تستطيعون ان...
جائه الرد من جده إذ قال،
امين : طلبك مرفوض رفضاً قاطعاً. هذه الامور خطيرة وانا لا اريد ان اجازف بحياتك.
بلحاج : لا تبالغ يا صديقي، فالرحلات الكشفية آمنة جداً وتكون برعاية ومراقبة اساتذة الطلاب فيوفرون لهم الحماية اللازمة من كل الاخطار. انا ارى ان الولد يجب ان يذهب مع زملائه.
فور اكماله جملته. هجم عليه ابراهيم وغمره بذراعه حول عنقه وراح يقبله ويشكره كثيراً. ثم قال،
ابراهيم : ارجوك يا عمي بلحاج ، اقنع جدو كي يوافق على الرحلة. حفظك الله ورعاك. هيا اقنعه. اتوسل اليك.
بلحاج : دع الولد يذهب يا امين. فالامر في غاية الامان. لماذا تريد منه ان يتخلف عن زملائه؟
امين : حسناً وافقت ولكن. يجب ان تبقى قريباً من استاذك اغلب الوقت. لا تتجول وتسرح وحدك كما تفعل معي عندما نخرج الى البلدة القديمة فاقوم بالبحث عنك كالمجنون. كل طعامك جيداً ولا تتملص من الوجبات كما تفعل معنا هنا.
ابراهيم : مفهوم مفهوم حبيبي جدو. صدقني سوف لن اتناول سوى الجراد والافاعي والصراصير.
ضحك الجميع ثم رمق امين حفيده بنظرة مشوبة بالحذر وسأله،
امين : متى ستبدأ الرحلة؟
ابراهيم : الرحلة سوف تنطلق من هنا بتاريخ 24 من هذا الشهر اي بعد اسبوعين من الآن.
امين : حسناً حبيبي. ساوقع الورقة التي جئت بها لاعلم استاذتك انني موافق على مشاركتك.
ابراهيم : يا سلام... انت اعظم واحسن واحن جد بالعالم.
قبّل جده وشكر عمه بلحاج ثم رجع الى غرفته في الطابق العلوي ليجلب ورقة التخويل. هنا قال بلحاج لصاحبه بصيغة الهمس.
بلحاج : يجب ان لا تضيّق الخناق كثيراً على الولد. والا سيبدأ بالنفور منك يا امين.
امين : اجل لكنني ساصاب بالجنون طوال فترة غيابه. ماذا سافعل وحدي هنا؟ سيدمرني القلق.
بلحاج : إذاً انها مسألة انانية من طرفك، لانك تخاف على نفسك من الوحدة اليس كذلك؟ طيب يا اخي لماذا لا تستغل فرصة غياب ايبو وتسافر انت الآخر الى مكان ما؟ اذهب الى جنوب فرنسا او لندن او بانكوك واستمتع بالمساج والـ (هاپي ايندنغ) Happy Ending.
امين : سافكر بالامر.
بلحاج : جيد جداً فكر بالأمر. والآن انظر لقد غلبتك بالطاولي من جديد.
امين : طبعاً تغلبني لانني كنت افكر برحلة حفيدي ايبو.
بلحاج : دائماً تتستر خلف الحجج الواهية لتغطي فشلك باللعب. يجب ان تعلن بجميع المحطات الفضائية عن عدم استطاعتك التغلب عليّ. دعنا نلعب دوراً آخر ما رأيك؟
بقي الصديقان يلعبان الطاولي لفترة طويلة حتى جاء وقت الغداء فاستدعتهم السيدة كرستينا لتناول الطعام. وبعد الغداء مباشرةً استأذن بلحاج وقال ان عليه ان يعود لداره لاخذ دواء القلب الذي نسي ان يحضره معه. بعد ان غادر صديقه بلحاج، جلس امين وحده يفكر ويناقش نفسه عن وجهة يستطيع السفر اليها اثناء فترة غياب حفيده ابراهيم برحلة الكشافة. فجأة سمع رنين هاتفه فنظر اليه ليعلم انها مكالمة من صديقه اللواء نور الدين من المغرب فابتسم وضغط على الزر الاخضر ليتحدث معه قال،
امين : حدثني نور الدين، هل عثرت على شيء؟
نور الدين : بل عثرت على اشياء واشياء وبلاوي زرقة. يبدو ان صاحبك اسحاق موسى حييم معروف لدينا جيداً ولديه ملف كبير يكاد يكون بحجم قاموس الفرنسي-عربي. وقتها وبذكاء كبير نفذ من القاء القبض عليه قبل 6 سنوات ليختفي تماماً من على شاشات الرادار. انه مطالب من قبل السلطات المغربية حياً ام ميتاً. كان في السابق قد ورد اسمه في التحقيق مع مجرم آخر يدعى عزرا صوموئيل.
امين : لا اصدق ما اسمع. واين هو عزرا صوموئيل الآن؟
نور الدين : عزرا صوموئيل كان يقطن بضيافتنا في سجن (عين برجة) لفترة طويلة ثم نقل الى سجن (عين عكاشة) بعد ان وقع تلف لجدران السجن. الآن هو هناك في عين عكاشة.
امين : هل يمكنني ان اتحدث اليه؟
نور الدين : بامكانك ان تفعل به ما تشاء لانه انسان يشكو منه نزلاء السجن والحراس ورئيس السجن على حد سواء. ولكن كيف ستتحدث معه؟ بالهاتف مثلاً؟
امين : كلا، ساتي بنفسي لاحقق معه. ساصل الدار البيضاء يوم 24 من هذا الشهر.
نور الدين : يا سلام. هل سيتكرم علينا سيادة الكابتن مستشار جلالة الملك ويتنازل كي يأتي لزيارتنا؟ انه شيء لا يصدق. ساكون بانتظارك بالمطار ولكن ما هي ساعة الوصول؟
امين : لا اعلم بعد. ساحجز الرحلة وسأعلمك بساعة الوصول.
نور الدين : حاول ان تختار وقت الوصول مع فترة الغداء كي اجهز لك كسكسي مغربي لانك بالتأكيد لم تذقه منذ سنوات عديدة.
امين : اي سنوات تتحدث عنها يا صديقي؟ الاسبوع الماضي فقط كان طعامنا كسكسي طبخته لنا مدبرة المنزل السيدة كرستينا.
نور الدين : هذا كسكسي مزور لانه مطبوخ على يد امرأة اسبانية. انا اتحدث عن الكسكسي الاصلي.
امين : سنرى عزيزي سنرى. وكما اخبرتك بانني سابعث لك بتفاصيل الرحلة على رسالة نصية.
نورالدين : حسناً عزيزي انا ساكون في انتظارها.
اغلق الخط مع صديقه نورالدين وفتح حاسوبه كي يبحث عن رحلات الى المغرب فحصل على رحلة مناسبة قام بحجز كرسي لنفسه فيها ثم اخذ المعطيات وارسلها لصديقه على الفور. وبعد ثوانٍ تسلم من صديقه رسالة رد تعلمه بانه استلمها فعلاً وانه سيكون بانتظاره بمطار الدار البيضاء.
بعد اسبوعين وقف ابراهيم بباب البيت ينتظر حافلة المدرسة التي ستقله الى نقطة تجمع الكشافة. بقي جده ينظر اليه من الشباك ويبعث اليه بالقبل الهوائية حتى ركب الحافلة لتأخذه بعيداً. انتصب امين من الاريكة وتوجه فوراً الى غرفة نومه كي يستعد ويأخذ حقيبته التي امتلأت بملابس وادوية سوف يحتاجها وادوية اخرى وضعها من باب الاحتياط. وعندما تأكد من جواز سفره وبطاقة الائتمان والمال الذي سيحتاجه في المغرب. سحب ورائه الحقيبة فقابلته السيدة كرستينا وقالت،
كرستينا : لا تتأخر يا امين ارجوك. سوف يشتاق اليك ابراهيم.
امين : ابراهيم وحده الذي سيشتاق اليّ؟
كرستينا : ولماذا تريد احراجي؟ اجل ساشتاق اليك كثيراً امين. انت تعرف قدر معزتك عندي.
امين : الم نتفق ان لا نفتح هذا الموضوع مجدداً؟ هيا تعالي وظميني كي اتعطر برائحتك الزكية.
كرستينا : ساشتاق اليك كثيراً يا روحي.
امين : تركت معك كل ما سيلزم البيت من المال ولكن إذا احتجت الى المزيد فاتصلي بجارنا بلحاج. سوف يقوم بالواجب.
كرستينا : انتبه لنفسك حبيبي امين.
فجأة سمعوا صوت بوق سيارة الاوبر فسحب حقيبته وخرج مسرعاً. وضع امتعته في حقيبة السيارة الخلفي ثم نظر للخلف ليجد كرستينا تمسح دموعها. بعث لها بقبلة هوائية ودخل السيارة ليعطي ارشاداته ويقول، "الى المطار لو سمحت".
بعد ساعتين هبطت طائرته بمطار كازابلانكا فسحب امين حقيبته وصار يسير في اروقة المطار حتى رأى امامه التمثال فتحدث اليه وكانه يسمعه إذ قال،

** تمثال بمطار كازابلانكا
امين : الا زلت تحرس بلادي ايها الذئب؟
فجائه صوت من خلفه يقول،
نور الدين : الذئب الحقيقي هو انت يا كابتن امين. ستبقى تحرس البلاد حتى وانت مغترب.
التفت الى صاحبه واخذه بالاحضان ثم قال،
امين : كيف سمحوا لك بالدخول الى هذه القاعة يا متسول؟
نور الدين : انسيت من اكون يا رئيس النشالة؟ انا لواء الشرطة نور الدين الحسيب (إن كنت ناسي افكرك).
امين : يا الهي كم اشتقت اليك يا صديقي.
نور الدين : حمداً لله لانك وصلت وقت الغداء. فالكسكسي ينتظرنا في بيتي.
امين : وانا متشوق لتناول تلك الوجبة التي صرعتني عليها يا رجل. هيا دعني انهي اجرائات الجمارك والتحق بك.
نور الدين : اي الجمارك هذه التي تتحدث عنها؟ فقط اعطني جواز سفرك ودعنا نتوجه الى الخارج مباشرة.
اعطى امين جواز سفره لصاحبه نور الدين فسلم ذلك الجواز لاحد اعوانه وامسك بحقيبة امين وسارا مباشرة الى بوابة الخروج.
فور خروجهما من باب الـ VIP الخارجي وجدوا سيارة سوداء ليموزين تنتظرهما فدخلا فيها قال نور الدين وهو يُرجِعْ لأمين جواز سفره،
نور الدين : اذهب الى الدار يا مناف.
مناف : حسناً سيدي. الحمد لله على سلامتك سيدي كابتن امين.
امين : شكراً جزيلاً عزيزي مناف. كيف حالك وكيف حال العائلة؟
مناف : كلهم بخير ويدعون لك بالخير وعلى خير.
نظر الى صاحبه وقال،
امين : الجو عندكم لا يختلف كثيراً عن الجو باسبانيا.
نور الدين : انت محظوظ جداً، لاننا عانينا من موجة امطار غزيرة في الاسبوع الفارط كادت تغرق (كازا) واهلها. اما اليوم فهو جو معتدل. لقد جئت وجلبت معك الجو اللطيف.
امين : اخبرني يا نور، متى سنذهب للفندق؟
نور الدين : ايعقل هذا؟ انت ستبقى بظيافتي طوال مدة بقائك هنا بكازا.
امين : انا اشكرك كثيراً يا اخي ولكن ارجوك اسمح لي لانني حجزت الفندق واود ان ابقى فيه إن لم يكن لديك مانع.
نور الدين : اي مانع هذا يا رجل انا اردت ان احتفي بك لكنك مصر على المبيت بالفندق.
امين : ارجو منك المعذرة لكنني افضل ذلك.
نور الدين : إذاً ستتناول الغداء عندي ثم تذهب للفندق.
امين : ومتى سنذهب لسجن عكاشة؟
نور الدين : تحدثت مع مأمور السجن وسمح لنا بالمقابلة غداً.
امين : هذا جدول يفرحني جداً.
نور الدين : والآن اخبرني يا لص يا محتال، هل كرستينا هي مدبرة منزلك فقط ام انها...
امين : فقط مدبرة منزل لا تقلق من ذلك عزيزي.
دخل الرجلان منزل نور الدين الفاخر فاعجب امين بالاثاث والترتيب وجمال التصميم قال،
امين : بيتك جميل جداً. متى سكنت فيه؟
نور الدين : قبل سنة تقريباً. اهداه لي جلالة الملك ادريس بعد ترفيعي لرتبة لواء.
امين : الف مبروك.
فجأة جائتهم مدبرة المنزل واخبرتهم بان الطعام صار جاهزاً. جلسا على الطاولة الكبيرة التي تتسع لاكثر من 20 شخصاً وتناولا اشهى الاطعمة إذ ان المدبرة قامت باعداد اطباق كثيرة منها الكسكسي والطاجين بنوعين بالدجاج والكفتة والرفيسة والبولفاف تبعتها باطباق كثيرة من (الشهيوات) او الحلويات المغربية الرائعة. نظر امين الى كل ذلك وقال،
امين : لديك الحق يا ابن امي. الطهي المغربي بايدي مغربية لا يُعلى عليه.
بعد ان اكملا تلك الوجبة الدسمة وتناولا بعدها الحلويات ثم شربا الشاي الاخضر الشهير التفت امين الى صاحبه وقال،
امين : والآن؟
نور الدين : الآن سنلعب الشطرنج لعبتنا المفضلة كما كنا نلعبها سابقاً.
امين : هل تقصد اللعبة التي لم تتمكن من التغلب فيها عليّ؟
نور الدين : سوف نرى.
بقي الصديقان يلعبان الشطرنج حتى حل المساء فبدأ امين يتثائب قال،
امين : لقد غلبني النعاس يا ابن امي. يجب ان اعود للفندق.
نور الدين : سوف آخذك الآن للفندق وتنام نوماً هانئاً. سنتوجه الى (عين عكاشة) غداً إن شاء الله بعد الساعة 12 ظهراً.
امين : هذا شيء يسعدني جداً.
بعد ان ودع امين في الفندق وعاد نور الدين الى بيته. صعد امين الى غرفته واغتسل ثم توجه للسرير لانه كان يشعر بتعب شديد. وبعد ان دخل الفراش الوثير تذكر ادويته فقام من جديد وتناول الادوية ثم عاد الى الفراش ونام نوماً عميقاً. وفي صباح اليوم التالي تناول وجبة الافطار بداخل غرفته ثم اتصل باسبانيا ليتفقد الوضع هناك. اخبرته كرستينا بان كل شيء على ما يرام وليس هناك داعي للقلق.
بقي امين بغرفة الفندق ينتظر صديقه وينظر الى الساعة كل قليل حتى اصبحت تشير الى 11:45 ارتدى حذائه ونزل الى بهو الفندق كي ينتظر صاحبه. ولما اشارت ساعته الى الثانية عشر بالضبط نظر الى البوابة الرئيسية للفندق فشاهد صاحبه نور الدين يدخل منها فوقف وصار يبتسم. تصافح الرجلان وتوجها نحو السيارة في طريقهما الى سجن عكاشة. فور الوصول هناك فتحت لهم الابواب بشكل ملفت للنظر وكأن رئيس دولة قد جاء للزيارة. دخل الرجلان سيراً على الاقدام بداخل اروقة السجن فسأل نور الدين مأمور السجن،
نور الدين : اين السجين يا عبد الكريم؟
عبد الكريم : جئنا به الى مكتبي سيادة اللواء.
نور الدين : إذاً دعنا نذهب الى مكتبك مباشرة.
دخل مأمور السجن الى مكتبه يتبعه نور الدين وامين فشاهدوا سجيناً جالساً على احدى الكراسي. صرخ به مأمور السجن وقال. "قف ايها الكلب هل انت جالس ببيت ابوك؟". وقف السجين وهو يرتعد خوفاً فقال له المأمور،
عبد الكريم : يا عزرا، لقد جاء اليوم اناس مهمين يريدون التحدث اليك. اريد منك ان تجيبهم على جميع اسئلتهم بكل صدق. واذا كذبت بكلمة واحدة، كلمة واحدة فقط فانت تعلم ماذا يعني البقاء بالحبس الانفرادي مع ابو الريش.
سأل امين باستغراب وقال،
امين : من هو ابو الريش؟
عبد الكريم : ابو الريش هو سجين عندنا شديد البأس مفتول العضلات لكنه مثلي ويحب مضاجعة السجناء.
امين : حسناً دعني اسألك يا عزرا. هل تعرف احداً اسمه اسحاق موسى حييم؟
بقي عزرا صامتاً لبضع ثوانٍ حتى انهال عليه مأمور السجن بصفعة على صدغه وقال،
عبد الكريم : إذا بقيت صامتاً ساجلب ابو الريش ليداعبك هنا بمكتبي وامام اعين الجميع.
عزرا صوموئيل : ساتحدث، ساتحدث، لا تجلب ابو الريش ارجوك.
التفت الى امين وقال، اجل اعرفه فهو اخو المرحومة زوجتي. كنا في الماضي نعمل سوية لكنني لا اعلم اين هو الآن ولا ماذا يعمل.
امين : ما نوع العمل الذي كنتما تمارسانه؟
عزرا صوموئيل : كنا نعمل بالتجارة.
اضاف مأمور السجن ليقول،
عبد الكريم : الاتجار بالاطفال.
امين : بكم كنتم تبيعون الطفل الواحد؟
عزرا صوموئيل : كان سعرنا محدوداً لا يتغير. 5 آلاف يورو للطفل الواحد.
امين : ما شاء الله. عمل نزيه. وكيف كانت تجري اعمالكم؟
عزرا صوموئيل : كنا نأخذ الاطفال المشردين من الشوارع في المغرب، فأقوم باطعامهم وتنظيفهم وكسوتهم هنا بالمغرب. ثم أبيعهم داخل البلاد وخارجها.
امين : انا لست مهتماً بتجارتكم بالداخل. فقط تجارتكم بخارج البلاد. كيف كانت تجري؟
عزرا صوموئيل : كان لدي قارب ذو محرك واحد اخذ الأطفال به من المغرب الى اسبانيا واسلمهم لنسيبي اسحاق المقيم باسبانيا كي يقوم بتسليمهم للعوائل التي تريد شراء اطفال.
امين : هل قلت شراء اطفال؟
عزرا صوموئيل : اجل اغلبهم كانوا من العوائل الثرية التي لم يحالفهم الحظ كي ينجبوا اطفالاً فيشتروا اطفالنا ويتبنوهم. بصراحة انه عمل انساني نبيل.
امين : هل تذكر طفلاً يدعى ابراهيم؟
عزرا صوموئيل : ابراهيم، ابراهيم، ابراهيم، لا سيدي لا اذكره. كم كان عمره 7 او 8 سنوات ام ربما اكثر من ذلك؟
امين : كلا، كان عمره اقل من سنتين.
عزرا صوموئيل : لا سيدي. نحن لم نكن نتعامل مع اطفال بهذا السن. لان مشاكلهم كثيرة ويصعب علينا ابقائهم احياء حتى يحين موعد تسليمهم.
عبد الكريم : هل انت متاكد من كلامك يا عزرا؟
عزرا صوموئيل : دقيقة، دقيقة سيدي، تذكرت. قبل حوالي 6 سنوات اخبرني اسحاق عبر الهاتف بطلب غريب بعض الشيء لانه كان غير مألوف لدينا. قال ان هناك اميرة سعودية تقضي اجازاتها في ماربيا باسبانيا وتريد شراء طفل رضيع. لقد وعَدَتْ بمنحنا 50 الف يورو. وعندما اخبرها اسحاق بان لديه ما تريد. طلبت منه ان يجلبه باسرع وقت ممكن كي ترجعه معها الى السعودية. لذلك بذلت جهداً كبيراً كي اوفر طفلاً رضيعاً لاخذه معي لاسبانيا حتى نجني منه ثمناً دسماً. لكنني لم اجد طفلاً بهذا السن بذلك الوقت القصير.
امين : إذاً كيف حصلت على ابراهيم؟
عزرا صوموئيل : ذهبت الى مستشفى وصرت ابحث عن طفل رضيع هناك.
هنا سأله اللواء نور الدين قال،
نور الدين : ماذا كان اسم المستشفى؟
عزرا صوموئيل : مستشفى الاقليمي الحسني سيدي.
هنا غمز نور الدين لامين بمعنى ان هناك مستشفى حقيقي بهذا الاسم. نظر الى عزرا وقال،
نور الدين : واصل حديثك يا عزرا.
عزرا صوموئيل : ذهبت الى قسم الولادة وبحثت عن طفل رضيع هناك لكنني لم اتمكن من الوصول الى غرفة ايداع الاطفال الرضع لان حراس كثيرون كانوا يجوبون الممرات. بقيت اتجول بالردهات من دون فائدة. كدت افقد الامل حتى سمعت ممرضتين تتحدثان فيما بينهما قالت الاولى للثانية،
الاولى : كم ان قلبي يحترق على المسكينة خديجة لانها تعرف انها مصابة بالسرطان وستموت عن قريب.
الثانية : وماذا عن ابنها الصغير؟ ماذا سيحل به يا ترى؟
الاولى : مسكين ابراهيم انه يُقَطّع القلب لانه صغير جداً وقد تخلى عنه والده منذ ان ولد لان ابويه لم يكونا متزوجين اي انه ابن حرام.
الثانية : كم كنت اتمنى لو انني قادرة على ايوائه ووضعه مع اولادي. لكن زوجي سوف يرفض ذلك رفضاً قاطعاً.
الاولى : وانا كذلك لا استطيع اخذه لبيتنا لان امي ستشك بشرفي وتقول بانني قمت بانجابه بصورة غير شرعية عن طريق الزنى.
الثانية : وماذا سنفعل له الآن إذاً؟
الاولى : كل ما نستطيع فعله هو ان نجعله ينام باحدى الغرف الخالية بالمستشفى ونقوم باطعامه حتى يشاء الله.
الثانية : جزاك الله خيراً يا اختي.
عندما سمعت تلك المحادثة وجدتها فرصة ذهبية كي اخذ ذلك الصبي لاعطيه للاميرة السعودية في ماربيا فنحصل على المال الوفير. تبعتهم ورأيتهم يدخلون احدى غرف المستشفى. قاموا باعطاء الطعام لطفل كان عمره لا يزيد عن سنة ونصف. فعلمت انني وصلت الى ضالتي. انتظرت حتى خرجن من الغرفة فدخلت انا بعدهم وقمت بتخدير الطفل وحملته بحضني وغطيته بمعطفي ثم خرجت من باب المستشفى الخلفي مسرعاً. وعندما وصلت الى بيتي اتصلت بالهاتف مع منسق العمليات في اسبانيا واخبرته انني قد حصلت على طلبه. فاتصل منسق العمليات بنسيبي اسحاق في ماربيا واخبره بان الطلب قد اصبح جاهزاً.
امين : منسق عمليات ها؟ حقاً منظمين جداً. ومن هو منسق العمليات؟ وما هو اسمه؟
عزرا صوموئيل : لا اعرفه سيدي. انه لم يكن يفصح عن اسمه لانه كان يستعمل آلة تشفير الاصوات كي لا يتعرف عليه احد ولاننا كنا نتعامل معه بكامل السرية للحفاظ على هويته.
عبد الكريم : اخبره يا عزرا والا جلبت لك ابو الريش. هيا تكلم يا سجين. من هو منسق العمليات؟
عزرا صوموئيل : اقسم لك سيدي بانني لا اعرف اسمه ولا شكله. كان يعيش في اسبانيا ويتعامل مع اسحاق فقط ولا يأتي الى المغرب نهائياً. كان يتكلم بالانكليزية فقط للتمويه.
امين : واصل حديثك إذاً. ماذا حصل بعد ذلك؟
عزرا صوموئيل : بعد ان اخذت الطفل الى بيتي، قامت المرحومة زوجتي بغسله في الحمام ومعالجة رأسه من القمل ثم البسته بعض الملابس القديمة لاولادي. بقي عندنا بضعة ايام حتى جاء وقت نقله الى اسبانيا. اخذته بقاربي من طنجة في الليل وقمت بمجازفة كبيرة كي انقله الى سواحل ماربيا باسبانيا. وعندما وصلت هناك وجدت نسيبي اسحاق ينتظرني على الساحل ويشير اليّ بضوء بطارية. اخذ مني الولد وتوارى بجنح الظلام.
نور الدين : هل تلقيت حصتك من تلك الصفقة؟
عزرا صوموئيل : لا طبعاً. فور عودتي الى المغرب رأيت حرس السواحل بانتظاري. قالوا انهم تلقوا بلاغاً عبر الهاتف من شخص مجهول. اعطاهم وقت وصولي الى المغرب بالضبط.
نور الدين : باعتقادك، من هو الشخص الذي بلغ عليك ووشى بك؟
عزرا صوموئيل : بالتاكيد نسيبي اسحاق الكلب. لانه اراد ان يحتفظ بالمكافئة وحده لان المبلغ كان كبيراً جداً. 50 الف يورو.
نور الدين : هل اتصلت باسحاق بعد ان القي القبض عليك؟
عزرا صوموئيل : كلا. حاولت الاتصال به عدة مرات من السجن لكنه كان لا يجيب على مكالماتي.
امين : ماذا حل بالطفل بعد ذلك؟
عزرا صوموئيل : لا اعلم. من المؤكد انه قام بتسليمه الى المرأة السعودية وتحصل على المكافئة كاملة ليتقاسمها مع منسق العمليات لكنه لم يشأ ان يعطيني حصتي من الصفقة انا متأكد من ذلك.
امين : ما الذي جعلك متأكد من ذلك؟
عزرا صوموئيل : لانني بعد ان رجعت بالقارب وحدي الى المغرب وجدت خفر السواحل تنتظروني هناك فالقوا القبض عليّ. وهذا يدل على ان اسحاق هو الذي ابلغ عني كي يقوم بالتهام المكافئة ويتقاسمها مع منسق العمليات.
امين : هل اخبرك ذلك بنفسه؟
عزرا صوموئيل : كلا. انقطعت اتصالاتنا بعد ان دخلت السجن.
امين : ولكن لماذا ترك ابراهيم على الساحل يا ترى ولم يقوم بتسليمه للسيدة السعودية؟
عزرا صوموئيل : لا علم لي بذلك.
نظر امين الى اللواء نور الدين وسأله،
امين : هكذا وجدته على الساحل وانت تعرف باقي القصة.
هنا سأل نور الدين عزرا وقال،
نور الدين : لدي فضول ان اعرف هوية منسق العمليات. هل تعتقد انك تستطيع سؤال اسحاق عنه؟
عزرا صوموئيل : منذ ان القي القبض عليّ. انقطعت علاقتي مع اسحاق الكلب نهائياً.
امين : دعني اسألك سؤالاً اخيراً يا عزرا، اليس لديك عنوان قريبك اسحاق؟ الا تعلم اين يسكن؟
عزرا صوموئيل : اسحاق ليس قريبي، انه كان نسيبي فقط. ولا يشرفني ان يكون لي قريب مثله. فقد اكل حقي ولم يمنحني قرشاً واحداً من الصفقة بعد ان خاطرت بحياتي وجلبت له الطفل. آخر مرة تحدثت اليه قبل الحادثة سألته عن مكان سكنه فقال انه يسكن بمنطقة اسمها (كندا ريال) بمدريد. كان ذلك قبل ست او سبع سنوات مضت.
امين : باي شارع؟
عزرا صوموئيل : لا اعلم.
عبد الكريم : تكلم يا سجين والا!!!
عزرا صوموئيل : اقسم لك بشرفي سيدي. انا لا اعلم والا لكنت اخبرتك.
نور الدين : ما رأيك يا امين؟
امين : ساحاول البحث عنه. ولكنني على اقل تقدير عرفت ان والدة ابراهيم تدعى خديجة وهذا يعني ان ديانة الولد هو الاسلام. بكل الاحوال فانا اشكرك شكراً جزيلاً سيادة المأمور.
عبد الكريم : وانا سعيد لانك حصلت على بعض المعلومات التي كنت تبحث عنها وانا جداً سعيد لخدمة سيدي اللواء نور الدين.
اشار المأمور برأسه لاحد حراس السجن كي يدخل ويأخذ السجين فيرجعه الى مأواه. بعدها خرج امين وصاحبه اللواء نور الدين وركبا السيارة ليعودا من حيث اتوا. وعندما تحركت السيارة سأل نور الدين صاحبه قائلاً،
نور الدين : ما رأيك بكل ما سمعناه؟
امين : ربما كان اسحاق لا يزال بمدريد لكن الأهم من كل ذلك هو الشخص الذي كان يترأس العملية (المنسق) والذي لم يذكر اسمه بعد.
نور الدين : حسناً والآن، ماذا ستكون مشاريعك اليوم؟
امين : بما ان لدينا اسبوعاً كاملاً في كازا فانا احن لزيارة مناطقها وحواريها. واتوق اكثر للصلاة بمسجد الحسن الثاني اولاً والباقي عليك الاختيار.
نور الدين : إذاً دعنا نذهب للمسجد الآن ونصلي العصر ثم نقوم بعمل جولة جميلة بكازا كي تستعيد ذكرياتك.
امين : انا موافق.
بدأت جولتهما بزيارة المسجد ثم قام نور الدين باخذ صاحبه الى جميع الاماكن الجديدة التي شيدت بالمدينة حديثاً إذ كان يأخذه صباح كل يوم من الفندق ولا يرجعون الا في وقت متأخر من المساء. وبعد ان مضى الاسبوع بشكل سريع اخذ نور الدين صاحبه الى المطار وودعه كما استقبله ثم طلب منه زيارات مستقبلية كثيرة.
رجع امين الى اسبانيا ليهبط بمطار ماربيا ويركب سيارة اجرة اقلته الى بيته. وفور وصوله البيت كانت كرستينا وابراهيم وصديقه المقرب بلحاج في انتظاره واقفين امام البيت. رحبوا به كثيراً لكنه اخبرهم بانه سيسافر مرة اخرى بنفس اليوم الى مدريد العاصمة فاصيب الجميع بالدهشة حين قال،
بلحاج : هل اعجبك الترحال بهذا القدر لانك لا تريد البقاء معنا؟ الم تشتاق الينا يا امين؟
امين : اعذروني يا احبابي لكنني مضطر للمغادرة الى مدريد لبضعة ايام وساعود باسرع وقت ممكن. هذه المرة ساذهب الى مدريد بالطائرة.
ابراهيم : لكنك وصلت للتو يا جدو. وانا لدي الكثير من الحديث لاخبرك به عن رحلتي الكشفية.
امين : اعلم ذلك حبيبي لكن الامر مهم جداً ويجب ان اذهب الى مدريد لاسوي بعض الامور العالقة.
هنا سأله صديقه،
بلحاج : هل الامر يتعلق بجواز سفرك؟
امين : اجل، يجب ان اجدد الجواز في السفارة. لانهم كادوا يسببون لي مشكلة كبيرة بالمغرب الا انني وعدتهم بان اجدده فور رجوعي الى مقر اقامتي في اسبانيا.
بلحاج : إذا كان الامر كذلك فاذهب واكمل الاجراءات وعد الينا باسرع وقت فقد احتد الشوق بنا اليك ولسماع اخبار الوطن.
بعد ان تناول فنجان شاي اخضر. وقف امين وقال، "يجب ان اذهب الآن على الفور".
وبعد ساعتين وصل امين مطار مدريد ليأخذ سيارة اجرة تقله الى فندق ماريوت بمنطقة بويرتا دي اميريكا بقلب العاصمة مدريد. وضع حقيبته بالغرفة وخرج ثانية ليركب سيارة اجرة وطلب من السائق اخذه الى Policía Municipal de Madrid المركز الرئيسي لشرطة مدريد. فور دخوله المركز طلب مقابلة العميد خوسي ماريا ديباربي رئيس عمليات شرطة مدريد. فانتظر قليلاً ثم جائه احد منتسبي الشرطة وقال، "سيادة العميد بانتظارك يا سيد امين". تبع امين ذلك الشرطي وادخله مكتب العميد فوقف ليرحب بامين ترحيباً حاراً إذ قال،
خوسي ماريا : انت لا تعرف كم انا سعيد بزيارتك سيد امين. تفضل اجلس اهلاً وسهلاً بك.
جلس امين على الاريكة في مكتب العميد وفتح الموضوع حين قال،
امين : انا شاكر جداً للحفاوة التي ابديتها لاستقبالي سيادة العميد.
خوسي ماريا : لقد اخبرتك سابقاً واكرر ما قلته بانني جاهز لتقديم اي خدمة تطلبها مني.
امين : وهذا ماكنت ارجوه منك سيدي. والآن دعني اسألك سؤالاً مهماً، هل تتذكر حفيدي الصغير؟
خوسي ماريا : وكيف استطيع ان انسى ذلك الفتى الذكي الرائع ابراهيم.
امين : الم اخبرك كيف تعرفت عليه؟
خوسي ماريا : اذكر انك قلت بانك لقيته على شاطئ مدينة ماربيا ثم قمت بتبنيه لاحقاً.
امين : بالضبط، كلامك جداً دقيق. لكنني رجعت للتو من المغرب من كازابلانكا بالتحديد ووقفت على الطريقة التي قام تجار البشر بتهريبه من المغرب الى اسبانيا. اعتقد انني عرفت اسم المهرب والمكان التقريبي لسكنه.
خوسي ماريا : احقاً ما تقول؟ نحن هنا لدينا قوانين صارمة جداً ضد تجار البشر ولدينا سياسة عدم التسامح معهم مطلقا فنضربهم بقبضة من حديد كلما امسكنا باحد منهم. اخبرني الآن ما هو عنوانه؟
امين : مع شديد الاسف لا اعرف عنوانه بالتحديد بعد، لكني اعتقد انه يسكن بمنطقة تسمى (كندا ريال).
خوسي ماريا : اجل هذا كلام منطقي لان منطقة (كندا ريال) يسكنها كل المهاجرين الغير شرعيين وتجار المخدرات والمجرمين لكنها منطقة كبيرة جداً وتأخذ مساحة شاسعة من مدريد وإذا لم يكن لديك عنوان محدد فمن الصعب جداً الوصول اليه.
امين : ماذا تنصحني إذاً؟
خوسي ماريا : انصحك ان تتصل بمخبرك كي يعطيك مكاناً محدداً بداخل (كندا ريال) لان مساحتها كبيرة جداً كما اسلفت.
امين : سابحث انا بنفسي إذاً.
خوسي ماريا : انا لا انصحك بفعل ذلك سيد امين. لانها من اخطر مناطق مدريد.
امين : ساجرب حظي سيادة العميد.
خوسي ماريا : إذاً تذكر ان تتصل بهاتفي الشخصي مباشرة إن وقعت بمأزق. اكتب رقمي عندك. 0923211117
امين : سجلته عندي سيادة العميد.
خوسي ماريا : والآن دعني اقوم بضيافتك على قهوتي المفضلة.
امين : سوف لن اقول لا للقهوة.
بقي امين جالساً مع عميد الشرطة لمدة نصف ساعة ثم استأذن منه وعاد الى الفندق كي يرسم استراتيجية عمل تمكنه من الوصول الى المهرب اسحاق لان جميع الاجوبة ستكون عنده. وعندما حل الليل ارتدى ملابس رياضية وسترة دافئة ثم خرج من الفندق ليركب سيارة اجرة وقال للسائق، "خذني الى كندا ريال". هنا سأله السائق عن مكان محدد بداخل تلك المنطقة لكنه قال انه يريد الذهاب الى قلبها.
وقفت سيارة الاجرة بوسط منطقة كندا ريال فنزل منها امين وصار يتجول بالشوارع القذرة فرأى الكثير من مدمني المخدرات وهم يحقنون انفسهم بسائل ابيض يميل الى الصفار. رأى الكثير من فتيات الليل يرتدين ملابس بالكاد تغطي اجسادهن واطفال بسن حفيده او اكثر بقليل يدخنون السجائر ويبيعون الواقيات الذكرية. ظل يتجول بين الشوارع الضيقة حتى رأى باراً يدعى La bebida feliz أي المشروب السعيد. فتح الباب ودخل البار ليجد ان جميع من فيه صار يبحلق بوجهه وكأنه كائنٌ قد هبط عليهم من الفضاء. حياهم بالاسبانية لكنه لم يسمع رداً واحداً من احد. جلس خلف البار وطلب عصير برتقال فجائه النادل وقال،
النادل : من انت، لماذا جئت الى هنا، ماذا تريد؟
امين : قلت لك اريد عصير برتقال.
النادل : نحن لا نقدم هذا المشروب هنا. هيا اخرج.
امين : إذاً اريد عصير التفاح.
النادل : نحن لا نقدم هذا المشروب ايضاً. اذهب الى مكان آخر ولا تسبب لنا المشاكل ارجوك. انت في المكان الخطأ.
امين : إذا قمت بمساعدتي فسأذهب على الفور.
النادل : وكيف استطيع مساعدتك؟
امين : انا ابحث عن رجل اسمه اسحاق موسى حييم. اين استطيع ان اجده؟
النادل : ليس هناك احد بهذا الاسم.
بتلك اللحظة اقترب منه رجل ذو بشرة سوداء وقال له،
الرجل الاسود : يجب ان تغادر فوراً. هذا المكان ليس آمناً لك سيدي.
قالها ورجع الى الطاولة التي كان يجلس خلفها. فجأة، احاط به اربعة رجال وصارو يضيقون الخناق حوله حتى امسكوا به واخرجوه خارج البار وصاروا يكيلون له اللكمات ليسقطوه ارضاً ثم صاروا يركلونه باحذيتهم حتى خيل اليهم انه مات فتركوه ورحلوا. بقي امين راقداً على الارض حتى سمع صوت نفس الرجل ذو البشرة السوداء يقول له،
الرجل الاسود : هل انت بخير يا سيدي؟
امين : من انت وماذا تريد مني؟
الرجل الاسود : انا لا اريد منك شيئاً، انا اسمي هودان.
امين : من اي بلدٍ انت يا هودان؟
هودان : انا صومالي سيدي.
امين : ولماذا انت هنا بهذه المنطقة القذرة؟
هودان : لانني مليونير وابحث عن استثمارات كي ابني اكبر فندق في اسبانيا. هاهاها. سيدي امازحك، انا مهاجر غير شرعي ولا املك اوراقاً رسمية بهذا البلد. اين تريدني ان اكون؟ بقاعة البرلمان او بدار الاوبيرا مثلاً؟
امين : اجل، اجل فهمتك يا هودان.
هودان : ولكن الم احذرك من قبل. الم اقل لك ان المكان غير آمن؟ لماذا لم تغادر البار على الفور؟
امين : لانني ابحث عن رجل يهمني وعليَّ ان جده.
هودان : من هو هذا الشخص؟
امين : رجل اسمه اسحاق موسى حييم. هل تعرفه؟
هودان : ومن لا يعرف ذلك الخنزير الحقير. انه شرير جداً ولا انصحك التعامل معه.
امين : لكنني يجب ان اعثر عليه. الامر شخصي جداً.
هودان : هل نصب عليك بشيء، ام باعك مخدرات مغشوشة؟
امين : لماذا تقول ذلك؟ هل هو مشهور بالنصب؟
هودان : هذا الرجل بامكانه ان يعمل كل شيء شرير حتى يبتز الاموال من العباد. انه الشيطان بعينه. من الافضل الابتعاد عنه فهو مصدر جميع المخدرات بهذه المنطقة وهو يمتلك جيشاً من المجرمين والقتلة بامكانهم ان يمحوك من على وجه الارض. الافضل لك الابتعاد عنه. الرجال الذين ضربوك وطرحوك ارضاً هم من رجاله.
امين : واين يكون مقره الدائم؟
هودان : انه مثل القَدَرْ ينزل عليك بكل مكان وبكل زمان.
امين : هذا كلام الشعراء لا ينفعني. انا اريد مكانه، اريد عنوانه.
هودان : بالحقيقة انا اعرف مكانه ولكن...
امين : ماذا؟ هل تريد المال مقابل ادلائك بمكانه؟
هودان : لا ليس المال ولكن التعامل مع مثل هكذا بشر يعتبر امراً خطيراً جداً.
امين : انت فقط دلني على مكانه واترك الامر لي يا هودان.
هودان : هل ستكون هناك مكافئة لي؟
امين : إذا اخذتني اليه ورأيته بام عيني فانا سوف امنحك مكافئة مجدية. ما رأيك بـ 500 يورو؟
هودان : بهذا المبلغ استطيع ان ادلك على اسحاق ووالده واجداده جميعاً. هاهاها.
امين : هيا إذاً دعنا نذهب.
مشى امين مع هودان لمدة ربع ساعة حتى دخلوا في زقاق ضيق قال،
هودان : بداخل هذا الزقاق يسكن الرجل الذي تبحث عنه اسحاق. الافضل ان نقف هنا كي نترقبه حتى نستطيع ان نراه بوضوح. وقتها ستتأكد من انه هو الشخص الذي تبحث عنه.
امين : إذا كنت متأكد من منزله فدعنا نداهمه باسرع وقت.
هودان : لا، انا لا انصحك بفعل ذلك. ففي بعض الاحيان يكون معه بعضٌ من افراد عصابته ويكونون مسلحين دائماً.
امين : حسناً دعنا ننتظر هنا إذاً.
بقي الرجلان واقفان حتى شارف ضوء النهار ان يبزغ عليهم فقال هودان،
هودان : ربما لم يبات في بيته اليوم يا استاذ امين. دعنا نرحل الآن ونعود غداً فانا لم اعد احتمل من شدة التعب، اشعر ان جفوني صارت تنغلق وحدها.
امين : حسناً هيا نعود.
وفورما همو بالعودة سمعوا اصوات طفل صغير يصدر من البيت يقول بالعربية وبلهجة مغربية،
الطفل : لا اريد الذهاب اليهم، لا اريد الذهاب اليهم. اتوسل اليك يا عمي. اريد ان ابقى هنا.
اسحاق : انا لم استدعيك كي تذهب الى حفلة شاي. اغلق فمك وتعال معي يا ابن الزانية.
الطفل : اتوسل اليك يا عمي انا لا اريد ان يتبناني احد. فانا لدي عائلة في طنجة. عندي ام واب ولدي 4 اخوة.
اسحاق : اغلق فمك والا قتلتك في الحال.
ضرب اسحاق الطفل على رأسه فاغمي عليه. فتح الحقيبة الخلفية للسيارة ورماه فيها.
دمدم امين بصوت خافت وقال،
امين : إذاً لديه ضحية جديدة بالضبط كما قال لي عزرا صوموئيل في السجن بالمغرب. وقتها اكد لي بان هذا الكلب اسحاق يمارس الاتجار بالاطفال. احمد الله انني اصريت على فحص الحمض النووي قبل تسليم حفيدي ابراهيم اليه والا كان سيصبح سلعة للبيع مثل هذا الطفل المسكين. دعنا نذهب يا هودان.
هودان : الا تريد ان تلقي القبض عليه؟
امين : ليس الآن فانا لست مسلحاً وليس لدي التخويل لفعل ذلك. ساخبر الشرطة وهم سيقومون بالباقي.
هودان : وماذا افعل انا.
امين : انت شاهد مهم. لذلك اريدك ان تأتي معي الآن. وبما ان الصباح بدأ يهل، سآخذك الى مقهى نتناول فيه وجبة الافطار. بعدها سنعود الى شرطة مدريد لنبلغ عن مكانه.
هودان : لكنهم سوف يرحلونني من اسبانيا يا سيد امين. قلت لك بانني اعيش هنا بشكل غير شرعي. الامر ليس بهذه السهولة.
امين : ثق بي يا هودان. رئيس الشرطة صديقي وسوف لن يضرك ابداً.
بعد ان تناولا وجبة دسمة باحدى المقاهي اشار امين بيده ليوقف سيارة اجرة فانطلقا بها الى المركز الرئيسي لشرطة مدريد. نزل الاثنان معاً ودخلا المركز ثم طلب امين مقابلة العميد خوسي ماريا ديباربي رئيس الشرطة. اقتادهم احد العناصر الى مكتب العميد فطرق امين الباب ليسمع العميد يقول، (اديلانتي).
دخل امين ومعه هودان فوقف العميد ورحب بهما ثم جلسا امامه وقال،
امين : سيادة العميد، دعني اعرفك على السيد هودان. انه شاهد مهم في القضية.
خوسي ماريا : نتشرف بك سيد هودان. وبك سيد امين.
امين : بالبداية اريد ان تعدني بشيء سيد خوسي. لا اريدك ان تؤذي هذا الشاب. فقد ساعدني كثيراً في بحثي عن المجرم.
خوسي ماريا : اعدك بذلك تفضل.
هنا بدأ امين يشرح للعميد كيف عثر على كل المعلومات التي ادت الى الوصول لاسحاق موسى حييم. وفتح المجال لهودان كي يقول كل ما عنده. وبعد ان استجوب العميد خوسي ماريا الشاهد هودان وتاكد من صحة اقواله سمع امين يقول،
امين : والآن ما رأيك يا سيادة العميد؟
خوسي ماريا : عمل رائع سيد امين سننطلق فوراً لنمسك الثور من قرنيه.
امين : هذا ما كنت اتمناه. فانت حقاً (تورّيرو) او حتى (ماتادور).
خوسي ماريا : شكراً على هذا الاطراء، هيا تفضلا معي.
خرج العميد من مكتبه وتوجه الى قاعة كبيرة فيها الكثير من عناصر الشرطة. نادى باعلى صوته كي يجمعهم ثم بدأ يقول لهم بانه ينوي مداهمة مقر أحد تجار البشر وبالتحديد (الاتجار بالاطفال) اسمه اسحاق موسى حييم ثم راح يعطيهم معلومات استلمها للتو من امين وهودان حتى صار الجميع يعلم بكل المعطيات. توجه الرجال الى غرفة تبديل الملابس وصاروا يرتدون بزاتهم القتالية المحصنة وخرجوا ليتسلموا الاسلحة الاتوماتيكية ثم نظر قائدهم الى العميد وقال،
القائد : نحن مستعدون سيادة العميد. ولكن ما هي خطتك سيدي؟
خوسي ماريا : سينتشر رجالك في المناطق المتفرقة والشوارع المجاورة لمنزل المشتبه به كي لا يثيروا الانتباه. ثم نقوم بنصب كمين له خارج المنزل لنترقبه. وعندما يخرج من بيته نقوم بالقاء القبض عليه. حاولوا جهد امكانكم ان لا تستخدموا السلاح الا بالضرورة القصوى.
القائد : وما نوع الكمين؟
خوسي ماريا : سنطلب من روزالينا فرانسيسكا ان تأتي معنا لتمثل دور الطفلة.
القائد : هل تعتقد انه سينخدع بروزالينا فرانسيسكا؟
خوسي ماريا : اولاً طول روزالينا متر و10 سنتمترات وهذا يجعلها اقصر من ابني الذي عمره 4 سنوات. ثانياً صوتها الناعم الذي يشبه صوت الاطفال ووجهها اللطيف القشيب بامكانه ان يخدع اي انسان. فانا الذي قضيت عمري بقسم الابحاث الجنائية نويت ان اطردها عندما قدّمت للعمل معنا. قلت لها ارجعي لنا بعد 20 سنة عندما تصبحين بالغة. لكنها ضحكت ضحكتها (الكيوت) وقالت ان سنى 25 سنة سيدي.
القائد : هل تعرف روزالينا مدى الخطر الذي تقوم به بتلك المهمة سيدي؟
خوسي ماريا : انها هي من جائت الى مكتبي وتطوعت لتلك المهمة. اتفقنا ان تكون كلمة السر هي (الثور الهائج) حتى نداهم البيت وندخل لننقذها.
القائد : حسناً هيا بنا إذاً.
خرج الجميع الى منطقة (كندا ريال) وانتشروا بشكل منظم ومنسق حول منزل اسحاق حتى لا يشعر اي احد عن نيتهم وتواجدهم. وقف العميد وامين وهودان يراقبان العملية عن كثب واضعين السماعات في اذنهم يستمعون الى المكرفون الذي خبأوه بداخل ملابس روزالينا. اعطى القائد اشارته لروزالينا فمشت الفتاة وهي ترتدي ملابس اطفال مزركشة وبيدها مصاصة الى ان وصلت بيت اسحاق. ضغطت على زر الجرس وانتظرت قليلاً حتى انفتح الباب وخرج اسحاق يرتدي بنطالاً قصيراً وقميصاً فضفاضاً قالت،
روزالينا : مساء الخير يا عمو.
اسحاق : اهلاً حبيبتي. ماذا تريدين؟
روزالينا : اين ماما؟
اسحاق : هل قلت ماما؟ ما اسم امك يا حلوتي؟
روزالينا : اسمها ماريا. الا تعرف ماما؟
اسحاق : بالتأكيد اعرفها. انها بالداخل. هل تريدين ان تدخلي اليها.
روزالينا : كلا يا عمي سانتظرها هنا حتى تنتهي من عملها. فعلينا ان نعود الى البيت.
اسحاق : لكن الوقت متأخر وسوف يكون خطراً عليك إذا بقيتِ وحدك تنتظر ين امك امام الباب لانها قد تتأخر قليلاً.
روزالينا : هل بيتك آمن؟
اسحاق : بالتأكيد آمن. تعالي والعبي مع ابني هوزي. انه بسنك تقريباً. ما عمرك؟
روزالينا : عمري 7 سنوات يا عمي. ساصبح 8 بعد 3 شهور و4 ايام.
اسحاق : إذاً انت بسن هوزي بالضبط. ادخلي يا حبيبتي لا تخافي.
روزالينا : حسناً سادخل ولكن يجب ان تسرع امي كي نعود الى البيت.
اسحاق : ساطلب منها ان تنجز عملها باسرع وقت. لا تخافي.
دخلت روزالينا منزل اسحاق ولم يعد بالامكان مشاهدتها لكن الجميع كان يستمع الى حديثها مع اسحاق عبر المكرفون اللاسلكي. فسمعوا اسحاق يقول،
اسحاق : هل انت جائعة؟ او ربما تريدين شرب كأس من الحليب.
روزالينا : لا اريد شيئاً. فقط اريد امي.
اسحاق : اجلسي ايتها الطفلة المشاغبة والا ساضربك ضرباً مبرحاً.
هنا قال امين للعميد،
امين : يجب ان تتحركوا الآن. انه ينوي ضربها.
خوسي ماريا : لا انتظر يا امين. فهي شرطية ممتازة وتعرف كيف تعتني بنفسها. دعنا نستمع.
روزالينا : انت لم تقل لي عن اي ضرب. لماذا تضربني وانا فقط اريد امي.
اسحاق : امك مشغولة الآن. تعالي الى عندي.
روزالينا : قلت لك ابتعد، ابتعد اريد ان اخرج من بيتك.
اسحاق : هل تعتقدين دخول بيتي مثل خروجه. انت ستبقين هنا لتجربي ضيافتنا مع باقي زملائك يا حلوة.
روزالينا : هل قلت زملائي؟ انا ليس لدي زملاء يا عمو.
اسحاق : سوف تتعرفين عليهم في القبو.
روزالينا : اترك يدي ولا تسحبني. انا اريد ان اخرج ارجوك عمي.
اسحاق : تعالي ايتها الساقطة. لماذا تريدين ان تسببي المشاكل؟
روزالينا : لا اريد ان اسبب المشاكل. اترك ذراعي ارجوك اترك ذراعي.
اسحاق : انظري الى هذا القبو المظلم. انه جميل ورومانسي ستتعرفين على زملائك الجدد هنا.
روزالينا : انت انسان حقير. قلت لك اريد ان اخرج.
اسحاق : هيا انزلي يا ساقطة.
بقي الجميع يستمع الى المحادثة ولم يسمعوا سوى وقع اقدام. بعدها قالت،
روزالينا : ماذا يفعل كل هؤلاء الاطفال هنا يا سيدي؟
اسحاق : انهم سيكونون اخوانك من الآن فصاعداً.
روزالينا : الآن عرفت انك حقاً (الثور الهائج).
اسحاق : بل ابوك هو الثور الهائج الذي خلف طفلة جميلة مثلك، ساجني الكثير من المال من ورائك.
وعندما سمع القائد كلمة السر قال باللاسلكي، "الى جميع الوحدات، الى جميع الوحدات، تحركو الآن فوراً". تقدم رجال السوات وانقسموا الى قسمين حسب الخطة المرسومة لمداهمة المنزل. فريقاً منهم استدار خلف المنزل ووقف امام الباب الخلفي بينما فريق آخر وقف امام باب الشارع الرئيسي ووجهوا بنادقهم الآلية ثم اعطى القائد اوامره لحامل المقلاع ان يقوم بكسر الباب فهزه بيده ليضرب الباب بقوة فانفتح الباب وتهافت رجال السوات يصرخون باعلى اصواتهم محدثين جلبة كبيرة. فسمعوا من بعيد صوت روزالينا تقول انا هنا في القبو. دخل الرجال من باب القبو ونزلوا الى الاسفل ليروا منظراً مهولاً. في اسفل السلم رأوا اسحاق ممسكاً برقبة روزالين وسكين كبير وضعه على رقبتها قال، "ابتعدوا هيا. دعونا نخرج". فاجابه القائد قائلاً،
القائد : سوف تخرج من هنا على جثتي. لن ادعك تنعم بيوم واحد خارج هذا القبو مهما كانت الظروف. ارمي السكين والا نفذت فيك حكم الاعدام.
اسحاق : ليس هناك حكم اعدام باسبانيا يا سيادة المقدم.
هنا سمعوا روزالينا تصرخ بصوتها الناعم وهي تجرد اسحاق من السكين وتطعنه بفخذه. فصرخ اسحاق صرخة مدوية من شدة الالم.
امسك القائد بروزالينا وسحبها الى الخلف ثم ضرب اسحاق بلكمة كادت تفصل رأسه من جذعه ثم امر بتثبيت الاصفاد على معصميه.
خرجت روزالينا خارج منزل اسحاق فرآهاه الجميع وهي تبتسم وتقول، (اولّي، ڤيڤا اسپانيا) اي تحيا اسبانيا. ركض نحوها العميد خوسي ماريا واحتظنها، راح يطبطب على ظهرها وقال،
خوسي : احسنت يا روزالينا انت انقذت الموقف. انا فخور بك وبشجاعتك عزيزتي.
روزالينا : نا سعيدة لانني تمكنت من تقديم المجرم على طبق من ذهب سيدي.
رجع الجميع الى مركز الشرطة بينما نقل اسحاق بالاسعاف تحت حراسة مشددة الى مستشفى مدريد المركزي للصليب الاحمر بسان خوزي وسانتا عديلا.
<< معد مرور سبعة ايام بمركز شرطة مدريد <<
وقف امين مع هودان بباب مكتب العميد خوسي ماريا وطرق الباب فسمع صوت العميد من الداخل ينادي باعلى صوته وبنبرة غنائية (اديلانتي). فدخل الرجلان ليجدا العميد واقفاً يرحب بهماً ترحيباً حاراً ويقول،
خوسي ماريا : اهلاً وسهلاً سيد امين وسيد هودان. كنت اتوقع مجيئكما. لقد استدعيتكم اليوم لغرض مهم جداً. تفضلا بالجلوس.
جلس الرجلان فسأل امين،
امين : ما هي حالة اسحاق سيادة العميد؟
خوسي ماريا : المتهم عالجوه وهو الآن على احسن ما يرام كما اخبرني الاطباء بالمستشفى لذلك سنقوم باستجوابه اليوم.
امين : هل ساستطيع ان القي الاسئلة عليه سيدي؟
خوسي ماريا : اجل ولكن من خلالي فقط. انها بروتوكولاتنا هنا بالشرطة.
امين : حسناً هذا جيد. دعنا نبدأ.
خوسي ماريا : إذاً تعالا معي الى غرفة الاستجواب وستجلسان بهدوء تام. وللعلم فقط فان اسحاق لديه محاميه الشخصي. واي تصرف خارج عن البروتوكول سيؤدي الى افشال العملية وقد يجعله يفلت من العدالة. مفهوم؟
امين : مفهوم سيادة العميد.
هودان : مفهوم سيدي.
أُدخِلَ اسحاق الى غرفة الاستجواب وربطوا اصفاده الحديدة بمشبك فولاذي على الطاولة. اجلسوه امامهم فجلس محاميه الى جانبه ليبدأ العميد بالسؤال،
خوسي ماريا : سيد اسحاق. بما انك تعافيت من اصابتك فبالامكان استجوابك اليوم. هل انت مستعد؟
همس المحامي باذنه فقال،
اسحاق : نعم.
خوسي ماريا : انت متهم بجريمة الاتجار بالبشر وبالتحديد بالاطفال ونقلهم من المغرب الى اسبانيا ثم بيعهم باثمان باهضة لمن يرغب بها. هل تقر وتعترف بذلك؟
اسحاق : ان عملي هو عمل خيري بحت. لانني انتشل الاطفال اليتامى الذين يعانون من البرد والجوع من الشوارع واقوم بتسليمهم لعوائل غنية هنا في اسبانيا كي يتبنوهم ويربوهم افضل تربية ويدرّسونهم بافضل المدارس. فإن كانت تلك جريمة فنعم انا مذنب بعمل الخير.
خوسي ماريا : لكنك تتقاضى مبالغ باهضة مقابل ذلك. وهذا يعني انها تجارة. دعني اسألك سيد اسحاق. بعد ان عالجوك في مستشفى مدريد المركزي للصليب الاحمر. كم دفعت لهم اجور مقابل علاجك؟
خوسي ماريا : لم ادفع شيئاً.
خوسي ماريا : بالطبع لم تدفع شيئاً لان تلك المستشفى تعمل عمل الخير. وعمل الخير يكون دائماً دون مقابل. وإذا اخذوا منك مقابل خدماتهم يكون مستشفى اهلي ويسمى ذلك العمل وقتها عمل تجاري.
اسحاق : طيب انت تعرف كل شيء فلماذا تسألني إذاً؟
خوسي ماريا : لان ذلك جزء من بروتوكول التحقيق. ام ربما تعتقد اننا لا نلتزم بالبروتوكولات سيد اسحاق؟
اسحاق : قلت لكم انني بريء وكنت اعمل لدى ضميري فقط. انا كنت انقذ اطفالاً من الشوارع كانوا يعانون من الجوع والفاقة.
هنا اشار العميد بيده الى امين وقال،
خوسي ماريا : هل تعرف هذا الرجل؟
اسحاق : كلا، لا اعرفه.
اصيب امين بالغضب قال،
امين : الم نتقابل في فندق ماريوت وادعيت وقتها انك ابو ابراهيم؟
اسحاق : كلا، هذا كذب وافتراء. انا لم اقابل احداً. انت تفتري علي لاسباب لا اعرفها. انا لم اراك في حياتي.
هنا سأله العميد وقال،
خوسي ماريا : هل انت متأكد انك لم ترى السيد امين بحياتك؟
اسحاق : اجل انا متاكد.
بهذه النقطة اشار بيده لاحد اعوان الشرطة كي يعرض مقطع فديو على الحائط يجسد لقاء اسحاق بامين بمقهى فندق ماريوت التقطته كامرا امنية بالفندق قال،
خوسي ماريا : الست هذا انت يا اسحاق؟ كيف تكذب بالتحقيق؟ الكذب بالتحقيق هو بمثابة اعتراف بالجرم.
هنا همس المحامي باذن موكله فالتزم اسحاق الصمت.
خوسي ماريا : دعك من كل هذا. الم نمسكك مسك اليد وانت تحتجز 13 طفالاً؟
همس المحامي باذن موكله مرة ثانية فالتزم اسحاق بالصمت.
خوسي ماريا : إذا كنت تلتزم بالصمت بكل ما تقدم فاننا مجبورون الى احالتك للنيابة العامة وتوجيه تهمة الخطف والاتجار بالبشر وهناك سيقومون بتحويل القضية الى المحكمة لانها ستحكم عليك بالسجن وسوف لن ترى احفاد اؤلئك الاطفال الذين كنت تختطفهم.
هنا همس هودان باذن العميد خوسي ماريا فقال،
خوسي ماريا : لدينا شاهد آخر يريد الادلاء بشهادته. تفضل سيد هودان.
هودان : انا رأيت اسحاق وهو يدفن جثة رجل قام بقتله في البار ثم امر رجاله بدفنه في منطقة تبعد بضعة كيلومترات عن مدريد.
خوسي ماريا : هل لديك ادلة على ما تقول سيد هودان؟
هودان : اجل لدي مقطع فديو لعملية اطلاق النار بداخل البار ولدي فديو اثناء الدفن. تفضل سيادة العميد هذه الفلاشة تحتوي على الفديوهات المسجلة بالسر من خلال هاتفي، نقلتها فيما بعد الى هذه الفلاشة بمساعدة احد المهاجرين الغير شرعيين.
وضع العقيد الفلاشة في الحاسوب وعرض مقطع الفديو على الجميع فتبين كل من كان موجوداً ان عملية الاغتيال قد وقعت بالفعل وان مجالاً للمراوغة لم يعد موجوداً. فسأل،
خوسي ماريا : ما هو رد فعلك الآن سيد اسحاق؟ هل ستنكر ما رأينا بام اعيننا؟ هل لديك تعليق؟
بقي اسحاق صامتاً لبعض الوقت ثم وضع رأسه بين كفيه وصار يبكي. ثم هز برأسه بشكل فسره الجميع على انه الاعتراف الضمني بالذنب. فقال امين،
امين : ارجوك سيد امين هل تعرف من هم اهل ابراهيم؟ افعل فعل خير ولو لمرة واحدة في حياتك.
خوسي ماريا : اي شيء تقوله لمساعدة السيد امين سوف يخفف عنك الحكم يا اسحاق وسنقول بانك تعاونت معنا في كشف الحقائق.
رفع اسحاق رأسه ونظر الى امين ثم قال،
اسحاق : طلبت من شخص ان يبحث عن طفل رضيع نعطيه لاميرة سعودية ثرية في اسبانيا. فعثر قريبي على ذلك الطفل بمستشفى في المغرب واحضره لي على ظهر قارب فاستلمته على شواطئ ماربيا.
خوسي ماريا : ماذا كان اسم ذلك الشخص وما صلتك به؟
اسحاق : كان هذا الشخص نسيبي اسمه عزرا صوموئيل. كنا نعمل سوية بالتجارة. إذ كان يزودني بالاطفال واقوم انا ببيعهم.
خوسي ماريا : وماذا حصل مع ذلك الطفل؟
اسحاق : سلمني الطفل على شاطئ ناغويليس بماربيا. اخذت الطفل وذهبت به الى الفندق الذي كانت تقطن به الاميرة. لكنها لم ترغب باخذه مني لانها كانت تريد طفلاً رضيعاً لا يزيد عمره على بضع شهور، وابراهيم كما تعلمون كان عمره سنة ونصف. حاولت اقناعها بشتى الطرق لكنها رفضت رفضاً قاطعاً وقالت بانها لا تريده. خرجت منها واخذت ابراهيم معي وسرت به بشوارع ماربيا المقفرة فرأيت مفرزة شرطة تقوم بتفتيش السيارات. اصبت بالهلع وخفت ان يمسكوني مسك اليد مع الطفل ابراهيم ثم يحققوا بالامر فتنكشف القضية برمتها لذلك قررت التخلص منه. استدرت بالسيارة وصرت اسير بالشوارع الضيقة كي اتفادى الشرطة حتى رأيت نفسي امام شاطئ ناغويليس. وقتها تخيلت انني ربما استطيع ان ارجعه لنسيبي عزرا كي لا تراه الشرطة معي. لكنني علمت ان نسيبي قد رحل عائداً الى المغرب. اصبت بالجنون فتركت الولد على الشاطئ وهربت لانجو بنفسي.
خوسي ماريا : هل ابلغت الشرطة الاسبانيا عن مكان ترك الطفل كي يعتنوا به؟
اسحاق : كلا، لكنني اتصلت بالشرطة المغربية وبلغت عن نسيبي نكاية به لأنه لم يعثر على طفل رضيع وكلفنا ذلك مبلغاً كبيراً.
خوسي ماريا : إذاً وضحت الصورة بالكامل يا سيد امين. اعتقد باننا تمكنا من اثبات جذور حفيدك ابراهيم.
امين : هناك شيء اخير سيادة العميد اتمنى ان تساعدني به.
خوسي ماريا : ما هو سيد امين. اي شيء تطلبه سانفذه بدون تردد.
امين : هذا الشاب هودان. لقد خاطر بنفسه وجاء يشهد بالقضية وقدم ادلة كانت الاساس في اثبات التهمة على اسحاق. الا ساعدته وتكون قد ساعدتني بشكل غير مباشر.
خوسي ماريا : انا وعدتك وانا سوف انفذ وعدي لاننا ما زلنا سنعرض كل شهاداته للنيابة العامة والمحكمة لذلك اعتقد انني ساطلب من وزارة الداخلية منحه الاقامة الموقتة في اسبانيا.
ابتسم هودان وامسك بوجه امين وقبله ثم استدار وقال،
هودان : سيدي العميد. انا جداً شاكر لك لما قدمت لي.
امين : هل انتهى دورنا سيادة العميد؟ انستطيع المغادرة الآن؟
خوسي ماريا : لا ليس بعد سيد امين. هناك امر جداً مهم علينا معرفته من اسحاق. الا وهو هوية الرجل الذي كان يعمل منسقاً لعمليات التجارة باسبانيا. فهويته مهمة جداً لأنه هو الذي كان يبحث عن زبائن يتمكن من خلالهم تصريف البضاعة (الاطفال).
اسحاق : انه ليس رجل. انها امرأة تدعى السيدة كرستينا ثوبييتا. هي التي كانت تقوم بتفحص السوق ومعرفة اي من العوائل الثرية تريد شراء الاطفال. وكانت تعلمني فاقوم بالتصال بنسيبي بالمغرب.
خوسي ماريا : لكن نسيبك عزرا قال ان منسق العمليات رجل. فكيف تقول لي انها امرأة؟
اسحاق : لقد كانت تستعمل جهاز لتشفير الاصوات وتحول صوتها الى صوت رجل عندما تتحدث معه هاتفياً. وتكلمه باللغة الانكليزية.
وقف امين وهو في غاية الغضب وسأل اسحاق،
امين : هل تعرف اسمها الكامل؟
اسحاق : اجل، اسمها كرستينا ثوبييتا كوبانا.
امين : يا الهي، يا الهي، لا اصدق... انها مربية ابراهيم تسكن معنا في منزلنا منذ سنين طويلة وبالتحديد بعد ان تبنيت ابراهيم. يجب ان اعود الى ماربيا فوراً. انها قد تخطفه من جديد.
خوسي ماريا : هل تريدني ان اطلب من شرطة ماربيا القاء القبض عليها؟
امين : اجل، اجل على الفور. ساتجه الى ماربيا بالطائرة الآن.
خوسي ماريا : لكننا قد نحتاجك للشهادة فيما بعد سيد امين.
امين : ساعود الى مدريد لا تقلق. الآن يجب ان انقذ حفيدي من يد تلك الساقطة.
بعد مرور 3 ساعات هبطت طائرة خطوط اسبانيا الداخلية بمطار ماربيا. وفور سيرها على مدرج المطار فتح امين هاتفه فوجد رسالة صوتية من العميد خوسي ماريا يعلمه فيها ان كرستينا ثوبييتا كوبانا قد اصبحت تحت الاحتجاز لدى مركز شرطة ماربيا الرئيسي.
خرج امين من مبنى المطار وركب سيارة اجرة ليطلب من السائق اخذه الى مركز شرطة ماربيا الرئيسي. لم تمضي سوى دقائق ووصل امين مبنى مركز الشرطة وهو في غاية القلق. هناك طلب مقابلة رئيس المركز. فور دخوله مكتب الرئيس وجد العقيد خوان انتونيو جالساً وراء منضدته وامامه جلست كرستينا والى جانبها حفيده ابراهيم. قفز ابراهيم الى جده واخذه بالاحضان وقال،
ابراهيم : جدي حبيبي، حمداً لله لانك جئت. انهم يقولون كلاماً غريباً عن الخالة كرستينا. انا لا اصدق ما يقولون.
امين : حتى انا لا اصدق ما سمعت لكنها الحقيقة يا ولدي.
هنا سمع العقيد خوان انتونيو يقول،
العقيد خوان : اجلس سيد امين رجاءاً.
جلس امين على الكرسي امام كرستينا التي كانت مطأطئة رأسها وهي تبكي بصوت مسموع وسألها،
امين : هل ما يقولونه صحيح يا كرستينا؟ هل كنت انت المنسقة للاعمال القذرة لتجارة الاطفال؟
لكن كرستينا لم تنطق بكلمة واحدة. هنا سمع العقيد يقول،
العقيد خوان : لقد بحثنا في غرفتها بداخل منزلك في ماربيا فوجدنا كراسة هواتف وجدنا فيها رقم هاتف مغربي سألنا نضيرنا في مدريد عنه قال انه رقم قديم لعزرا صوموئيل نسيب اسحاق موسى حييم المحتجز حالياً في مدريد.
وقف امين وهو في قمة الذهول واقترب من كرستينا ثم وضع يده على كتفها وقال،
امين : لماذا يا كرستينا؟
كرستينا : امين ارجوك اسمعني. عندما بدأت العمل عندك كان لدي خطط شريرة اردت منها استرجاع ابراهيم وبيعه لزبون آخر لنسترد بعضاً من المال الذي خسرناه. لكن المنظمة انهارت برمتها وكل واحد منا صار يعمل بشكل منفرد. ولما وجدت منك الاخلاق النبيلة ووقعت بحب ابراهيم قررت ان اغير اسلوب حياتي فقررت وقتها ان اعمل لديك فعلاً كمربية لاعتني بابراهيم وتخليت عن جميع مخططاتي السابقة لان حناني لابراهيم اصبح حقيقياً يضاهي حنان الام لولدها. لذلك ارجوك انا اطلب منك ان تصفح عني فقط ولا اود ان يخفف عني اي حكم. انا استحق كل عقاب ستقرره المحكمة بحقي لانني اقترفت ذنباً لا يغتفر ولن تمحى سيئاتي باي فترة اقضيها بالسجن. بالحقيقة في الماضي كنت افكر بذلك كثيراً بيني وبين نفسي وكنت اريد تسليم نفسي للعدالة. لكن شيئاً واحداً كان يمنعني وهو حبي الشديد لك ولابراهيم. وفراقكما كان سيحزنني اكثر.
امين : ليس هناك ما يمكن قوله اكثر مما قيل يا كرستينا.اتمنى لك اقامة طويلة وغير مريحة بسجون ماربيا.
العقيد خوان : إذا ما ادينت بالمحكمة وسوف تدان بالتأكيد لا شك في ذلك، فسوف ترحل الى سجن في ضواحي مدريد يا سيد امين.
نظر امين الى حفيده وقال،
امين : هيا يا ايبو، يجب ان نعود للبيت فعمك بلحاج ينتظرنا.
*** تمت ***

897 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع