
بقلم احمد فخري
قصة (ابراهيم) - الجزء الاول
اسبانيا 2010
جلس الطفل ابراهيم ذو الثمان سنوات الى جانب جده في مقصورة القطار القادم من ماربيا متجهاً الى العاصمة الاسبانية مدريد. ظل الفتى ينظر من الشباك متاملاً المناظر الخلابة المارة من امامه بسرعة البرق. فقال لجده،
ابراهيم : ارأيت يا جدو انا كنت على حق، لو اننا سافرنا بالطائرة الى مدريد لما تسنى لنا ان نرى كل هذه المناظر الجميلة.
امين : بالحقيقة انت لم تكن تهمك المناظر الجميلة بقدر ما كنت ترغب تجربة ركوب القطار.
هنا خطرت فكرة ببال الفتى اراد الاستفسار عنها فسأل جده،
ابراهيم : إذا كان ذلك الرجل الذي نحن ذاهبون للقائه بمدريد هو فعلاً ابي فلماذا لم يأتي بنفسه الى مدينتنا ماربيا. لماذا لم يزورنا ويعّرف عن نفسه هناك؟
امين : يا حبيبي يا ايبو، الرجل قال ان اموره المادية لا تسمح بذلك، لذا انا الذي طلبت منه ان يكون لقائنا في .
ابراهيم : ماذا لو لم نكتشف انه والدي الحقيقي؟ ماذا سنفعل وقتها؟
امين : على الاقل سنزور مدريد وسنستكشف مناطقها الخلابة التي طالما تقتَ لتتعرف عليها. لا تنسى انك لم ترى العاصمة من قبل وكُنْتَ دائماً تصدع رأسي وتقول،"متى سنزور مدريد؟ متى سنزور مدريد؟"
ابراهيم : اجل لكنك قلت انني ساقابل والدي الحقيقي هناك هذه المرة اليس كذلك؟
امين : هذا صحيح ولكن سبق لنا وأُصبنا بخيبات امل كثيرة في السابق فقط لنكتشف لاحقاً انهم كانوا نصابين لا يهمهم اي شيء سوى المال.
ابراهيم : إذاً، لماذا عرضت مبلغاً كبيراً في الاعلان لتكافئهم يا جدي؟
امين : لانكَ كنت ترى الكوابيس في نومك فاشفقت عليك وقمت بكل ما اقدر عليه كي اريحك واعيدك الى احضان ابويك. ولهذا السبب نشرت الاعلان بالمحطة. لكننا يا عزيزي لم نحصل على النتائج المرجوة في السابق. والآن دعني اسألك سؤالاً مهماً حبيبي: هل تحب العيش معي يا ايبو؟ فانت معي منذ 6 سنوات اليس كذلك؟ فحين وجدتك على ذلك الساحل كان عمرك وقتها لا يتجاوز السنتين. كنت بالكاد تخرج بعض الكلمات وتعوضها بالإشارات والحركات.
ابراهيم : طبعاً يا جدي، انا احب العيش معك. انت طيب القلب وحنون وتريد دائماً ان ترضيني. لم تشعرني يوماً بانك لست جدي الحقيقي وانا احبك كثيراً. لقد علمتني العربية والفرنسية والاسبانية. فماذا اريد اكثر من ذلك؟ اتمنى ان ابقى معك دائماً. ثم من قال لك ان هذا الرجل لا يكذب؟ من قال انه والدي الحقيقي؟
امين : دعنا نرى يا حبيبي. ربما سيصدق الحظ هذه المرة ويطلع الرجل ابوك. فانا هرمت الآن وأجد صعوبة في الاهتمام بشؤونك وحدي حتى لو كانت كرستينا تعتني بك. هل تعرف كم عمري الآن يا ولد؟
ابراهيم : ربما 100 او 200 سنة؟
امين : لا يا حبيبي، لا تبالغ كثيراً. انا فقط 70 سنة.
ابراهيم : لكنك لا تزال شاباً، انظر الى رأسك، حتى ان غالبية شعرك لم يصله الشيب بعد. كذلك انت رياضي لانك تخرج كل يوم بعد صلاة الفجر لتركض في الطقس البارد. وتغلب العم بلحاج بالشطرنج في بيتنا بماربيا.
امين : في الماضي كانت لدي حياة كريمة امضيت جلها لحاية مبادئي وقيمي في وطني لكنني اليوم اقضي خريف العمر بسلام هنا في اسبانيا. فالعيش معك يسعدني كثيراً وكذلك انا احب صحبة عمك بلحاج فهو صديقي الوحيد بهذه الدنيا.
ابراهيم : هل هو اكبر منك سناً؟
امين : ليس كثيراً، انه قرابة ال 75 سنة الآن. هو ايضاً يعيش في اسبانيا منذ اكثر من 40 سنة ولديه الجنسية الاسبانية.
ابراهيم : ماذا كنت تعمل في بلدك المغرب يا جدي؟
امين : ايبو حبيبي، اخبرتك مئة مرة سابقاً، انا كنت الحارس الشخصي لجلالة الملك حسين وبعد ان توفاه الله صرت الحارس الشخصي والطيار لابنه جلالة الملك ادريس. وبعد ذلك بدأت السنين تأخذ مني مأخذها فطلبتُ من جلالته ان يسرحني كي اقضي بقية عمري بسلام.
ابراهيم : هل كان الملك يحبك؟
امين : اجل كان جلالة الملك ادريس يحبني كثيراً ويغدق علي بالمال واثمن الهدايا قبل توليه العرش وبعد توليه العرش.
ابراهيم : الهذا لم تكوّن لنفسك اسرة في المغرب؟
امين : اجل، والدي كان يخدم الملك الأب جلالة الملك حسين طوال حياته ولم يرزقه الله سوى ولداً واحداً. وعندما توفاه الله، بقيت انا برعاية جلالة الملك ادريس. هو الآخر كان يحبني ويرعاني. قام ابوه الملك حسين بإدخالي بافضل المدارس وبعثني بعدها ببعثة الى فرنسا لدراسة الطيران فاصبحت الطيار الشخصي لجلالته. ثم بعد وفاته، اصبحت المرافق الشخصي لجلالة الملك الجديد سيدي ادريس.
ابراهيم : وهل كنت تقود طائرة الملك بنفسك؟
امين : في البداية نعم كنت اقودها لمدة 9 سنوات. لكنني بعد فترة من الزمن وعندما ضعف بصري جعلني جلالته اراقب الرحلات في كبينة طائرته الشخصية.
ابراهيم : ولماذا لم تستقر بالمغرب بعد التقاعد؟
امين : لانني كنت احب العيش في اسبانيا وقد اشتريت بيتاً هنا. انه بيتنا الذي نسكن فيه حالياً في ماربيا.
ابراهيم : هل لديك الكثير من المال يا جدي؟
امين : الحمد لله. جلالته لم يبخل علي باي شيء. لكنني كنت افضل عدم طلب المال منه.
ابراهيم : ماذا لو احتجت الى المزيد من المال؟
امين : سوف لن احتاجه بإذن الله لكنني متأكد من ان جلالته سوف لن يتوانى ولا للحظة واحدة كي يبعث لي باي مبلغ اطلبه.
ابراهيم : إذاً، اطلب منه مبلغاً كبيراً من المال لي يا جدي.
امين : حبيبي ايبو، كل ما املكه هو لك وسوف اطلب من الله ان يمكنني حتى اساندك باي شيء، سواءاً كنت تعيش عندي او إن عثرنا على والديك وعدت الى المغرب.
ابراهيم : انتَ جدٌ حنينٌ جداً. انا بداخلي اتمنى ان لا يكون هذا الرجل ابي الحقيقي فانا اريد ان اظل بكنفك لاعيش معك.
امين : لا تقل ذلك يا عمري. انا متأكد من ان قلب امك يحترق كل يوم منذ ان فقدتك وعثرتُ انا عليك بالساحل بتلك الليلة الظلماء.
ابراهيم : كم بقي من الوقت؟
امين : سنصل محطة پويرتا دي أتوتشا بعد ساعتين تقريباً. والآن اخبرني هل صليت صلاتك، ام نسيت كعادتك؟
ابراهيم : انا اااا... باحقيقة اااا... لا لم اصلها؟
امين : إذاً اقضي صلاتك الآن ثم اجلس لتتصفح مجلتك.
وقف ابراهيم وفرش السجادة على الارض، ادى صلاته بداخل المقصورة ثم جلس وأمسك بمجلة اخرجها من جيب حقيبته الحمراء وصار يتصفحها بينما امال امين رأسه على مسند الكرسي ليغرق بقيلولة قصيرة. وفجأة شعر الاثنان بهزة شديدة تنبئ بتوقف القطار فامسك ابراهيم بذراع جده، هزها بقوة وقال،
ابراهيم : استيقظ يا جدو لقد وصلنا مدريد.
فتح امين عينيه ونظر من الشباك ليتبين الامر فعلم ان القطار قد توقف فعلاً في مكان نائي لا يشبه محطات القطارات قال،
امين : لا يا ولدي، هذه ليست المحطة. انه توقف مؤقت بوسط الطريق لسبب ما. ربما ينتظرون مرور قطار آخر من الجهة المعاكسة او ما شابه. سيزاول القطار الرحلة بعد قليل، لا تقلق.
ابراهيم : حسناً ارجو ان لا يتأخر كثيراً لانني اتوق لرؤية مدريد.
رجع ابراهيم الى قيلولته واغمض عينيه من جديد بينما بقي ابراهيم واقفاً ينظر من الشباك يتأمل المنظر الجميل على الريف الاسباني. ظل واقفاً لبعض الوقت ثم صرخ بحماس،
ابراهيم : استيقظ يا جدو انظر، لقد رأيت رجال الننجا يركضون في الحقول.

امين : كم ان مخيلتك واسعة يا ايبو، ليس هناك رجال ننجا حقيقيون. نحن في اسبانيا ولسنا باليابان. رجال الننجا كانوا في اليابان فقط قبل قرون مضت وقد جُعِلوا حراساً ومقاتلين بسبب الثارات بين القبائل وبين ملوك اليابان وقتها.
ابراهيم : لكنني رأيتهم بام عيني للتو يا جدو صدقني، كانوا يلبسون القناع الاسود على رؤوسهم ويحملون سيوفاً او ربما بنادق على ظهورهم رأيتهم يركضون بالمزارع.
قهقه امين قليلاً وقبّل ابراهيم من وجنتيه ثم قال،
امين : كم ان مخيلتك خصبة يا شقي. حبيبي انت واهم جداً. يبدو انك تقرأ الكثير من المجلات التي تتحدث عن فن الدفاع عن النفس.
ابراهيم : حسناً، انت لا تصدقني ولكن دعني اسألك سؤالاً واحداً: لو فرضنا ان رجالاً اشراراً دخلوا القطار ليخطفوا القطار بمن فيه، فهل تستطيع مقارعتهم؟
امين : لو فرضنا ان رجالاً دخلوا فعلاً ليخطفوا القطار فانا اقوم بحصد عددهم اولاً ثم ادرس ستراتيجية قتالية معينة بعد التأكد من كل المعطيات، ثم اقوم بفعل شيء ما كي احميك انت يا ايبو لانك على رأس قائمة اولوياتي. لا تخف كثيراً، سوف لن يقع اي مكروه. نحن في اسبانيا ولسنا بتكساس. شيئاً مثل هذا لن يحصل هنا.
ظل القطار واقفاً لاكثر من نصف ساعة حتى بدأ أمين يتململ وقرر ان يغادر مكانه كي يقف على سبب التأخير. فقال لحفيده،
امين : ساذهب الى الامام لاستقصي الامر. لان بقائنا هنا قد يطول قليلاً يا ايبو. اريدك ان تجلس بمكانك ولا تغادر المقصورة نهائياً. أفهمت؟
ابراهيم : ولكن يا جدو. اريد ان اراك وانت تقاتل رجال الننجا فتنتصر عليهم.
امين : ها قد عدت الى هلوستك. صدقني ليس هناك ننجا ولا بطيخ. ساذهب على جناح السرعة واعود اليك ثانية. ارجوك ابقى في مكانك جالساً هنا ولا تغادر المقصورة ارجوك. اسمع كلامي ولو لمرة واحدة فقط (پور فاڤور).
اسدل ابراهيم رأسه حزناً وقال،
ابراهيم : حسناً يا جدو كما تشاء. سابقى هنا وحدي ولكن لا تتأخر.
امين : لا اريدك ان تخرج خارج المقصورة ابداً فتتوه عني. أفهمت؟
ابراهيم : فهمت، فهمت، لكن حاول ان لا تتأخر كثيراً. اقتل جميع الاشرار وعد اليّ على جناح السرعة.
فتح امين باب المقصورة ليخرج منها ثم اغلق الباب ورائه فنظر من خلال الزجاج المثبت على اعلاه ليطمئن على حفيده فرآه جالساً ينتظره. مشى يساراً باتجاه مقدمة القطار. بقي يمشي حتى شاهد باباً زجاجياً يفصل بين العربتين. نظر من خلاله فوجد من بعيد رجلاً يرتدي قناع رأس اسود يحمل بيده رشاشة ويصرخ على المسافرين المرعوبين باعلى صوته يقول، "لا اريدكم ان تتحدثوا والا قتلتكم جميعاً" علم امين وقتها ان حفيده ابراهيم فعلاً قد رأى الخاطفين واعتقدهم من مقاتلي الننجا. أرجع رأسه للوراء بسرعة فائقة كي لا يدع الخاطف يشعر بوجوده وقف يفكر قليلاً ثم قرر ان لا يتدخل بما لا يعنيه. انه في غنىً عن المشاكل، فهو في اسبانيا لغرض التقاعد والاسترخاء وقد بعث له الله ذلك الفتى كي يربيه ويحميه ويعتني به حتى يعود يوماً الى ذويه. هنا قال مع نفسه، "مؤكداً هؤلاء الخاطفين يسعون الى المال ويريدون سلب مقتنيات المسافرين ثم يرحلون بعدها من حيث اتوا. سارجع الى مقصورتي وابقى مع ايبو حتى تنتهي الازمة". رجع الى المقصورة وفتح الباب فوجد المقصورة خالية. بدأ يشك انه فتح المقصورة الخاطئة لذلك خرج من المقصورة من جديد كي يتثبت من رقم المقصورة فنظر للاعلى وتأكد من ان رقمها هو 126 قال، "انها بلا شك مقصورتنا ولكن اين ايبو يا ترى؟ قلت لذلك الشقي ان لا يبرح المكان فلماذا خرج؟ يا لك من ولد عنيد" . وقف بوسط المقصورة يفكر ملياً ثم قال، "بما انني مشيت يساراً باتجاه مقدمة القطار قبل قليل. وبما ان ايبو غير موجود بالمقصورة الآن. فهذا يعني ان هناك احتمال واحد فقط. لقد خرج من المقصورة واتجه يميناً باتجاه مؤخرة القطار. لكننا في العربة ما قبل الاخيرة بمؤخرة القطار. سابحث عنه هناك". استدار وامسك بمقبض باب مقصورته كي يفتحه ويخرج فتفاجأ برؤية رجل طويل القامة نحيف البنية يرتدي قناعاً اسوداً ويمسك بيده اليسرى يدَ ابراهيم وبيده اليمنى مسدساً موجهه على امين. دخل الجميع المقصورة ثم قال،
الخاطف : اجلس بمكانك ولا تصدر اي صوت ايها الرجل العجوز.
امين : من انت ولماذا تمسك بحفيدي؟
الخاطف : إذا كنت تريد ان يبقى حفيدك القذر حياً فاسمع كلامي واجلس ولا تثير المشاكل.
ابراهيم : انا قلت لهذا الرجل المجرم انك بطلٌ يا جدي وانك سوف تقضي على جميع افراد عصابته.
امين : اخرس يا ايبو.
هنا بدأ الخاطف يضحك ويقول،
الخاطف : سيكون منظراً مسلياً وانا ارى كهلاً عجوزاً يقاتلني. هيا يا جدي الخرف ابدأ بالقتال.
ابراهيم : يا اخي، حفيدي هذا طفلٌ صغيرٌ لا يعي ما يقول.
الخاطف : إذاً ارجع الى الوراء واجلس على الكرسي الذي خلفك.
ادار الخاطف رأسه ونظر الى ابراهيم وقال له،
الخاطف : وانت اذهب واجلس الى جانب جدك العجوز.
كان امين جالساً على احدى المقاعد فاقترب منه ابراهيم ليجلس الى جانبه فجأة قال ابراهيم للخاطف،
ابراهيم : انت جبان لانك تقف خلف سلاحك. لو كنت شجاعاً لقاتلت جدي من دون سلاح.
اثار كلام الطفل غضب الخاطف فهوى بمسدسه على وجه الطفل ليسيل الدم من طارف فمه. ولما رأى امين ذلك المنظر، جن جنونه فانتصب على الفور وقام بحركة خفيفة وسريعة ليجرد الخاطف من سلاحه ثم وقف امامه وجهاً لوجه. لكن الخاطف اراد ان يصرخ كي يستغيث ويجلب انتباه رفاقه الباقون. لذا علم امين لا مفر من اسكات الخاطف بشكل نهائي. رمى امين المسدس من يده على المقعد ثم لكم الخاطف على صدغه لكمةً شديدة وقوية أفقدته الوعي على الفور ليسقط على اثرها ارضاً دون حراك. صرخ ابراهيم فرحاً وهو يقول،
ابراهيم : عفاك يا جدي، انا فخور بك. انت حقاً اقوى من رجل الننجا هذا. كنت اعتقد ان رجال الننجا هم الاقوى قاطبةً لكن جدي اقوى منهم جميعاً.
امين : اسكت، اسكت يا ايبو فقد يسمعك باقي الخاطفين ويأتون الى هنا. اريدك ان تغلق فمك ودعني اتولى الامر بمفسي من الآن فصاعداً.
اصبح امين على يقين ان الخاطفين سوف لن يتركوهم وشأنهم إذا علموا بما فعل برفيقهم الذي صار ممدداً على الارض بداخل المقصورة. صار امين ينظر حوله فلم يجد اي مكان يستطيع ان يخبئ خلفه المجرم الممدد على الارض. ماذا لو استيقظ من غيبوبته؟ انه بالتأكيد سوف يبدأ بالصراخ وسيتهافت عليه المزيد من الخاطفين. لكن من قال ان هناك المزيد من الخاطفين؟ دعني اسأل ابراهيم،
امين : حبيبي ايبو، كم كان عدد رجال الننجا الذين رأيتهم من الشباك؟
ابراهيم : كانوا كثر. ربما كانوا اربعة يا جدو.
فكر الرجل ثم قال، إذاً هناك المزيد وقد يكونوا اربعة او اكثر. لذا فإن المواجهة حتمية لا محال. دعني استقصي الامر بنفسي. نظر الى حفيده وقال له،
امين : سأذهب لاواري هذا المجرم واضعه بداخل المرحاض المجاور لقمرتنا. خذ انت الشريط الطبي اللاصق وعالج به فمك لانه ينزف، اريدك بعدها ان تجلس هنا ولا تبرح مكانك.
ابراهيم : حسناً يا جدي البطل. انا جداً سعيد بهذه المغامرة.
وقف امين بباب المقصورة وتفحص الممر جيداً فسمع الكثير من الضجيج الصادر من بعيد من جهة اليسار. لكن الممر كان خالياً. لذلك رجع ودخل المقصورة ثانيةً وصار يجر الخاطف من قدميه حتى وصل به الى المرحاض .فتح باب المرحاض وادخله فيه ثم اجلسه على الكرسي ثم اراد غلق الباب لكنه توقف وفكر ان الخاطف القذر قد يستعيد وعيه ويهاجمهم من جديد اوباسوأ الاحوال قد يطلب النجدة من رفاقه فيتكالبون عليه. لذا قرر التخلص منه بشكل نهائي. وقف الى جانبه وامسك برأسه ثم لواها بقوة شديدة وبسرعة عالية تسببت بقطع الحبل الشوكي فمات على الفور. بحث عن اي شيء يستطيع استخدامه فرأى حمّالة مناديل الورق، كسرها واخرج منها قطعة معدنية حادة استعملها ليقفل بها باب المرحاض من الخارج حتى لا يأتي الخاطفون الباقون ويكتشفون امر زميلهم. خرج امين من المرحاض وادخل القطعة المعدنية بداخل القفل وادارها بعكس اتجاه عقرب الساعة حتى سمع قلقلة المفتاح فانغلق الباب بشكل محكم وظهرت كلمة (مشغول) باللون الاحمر. رجع امين الى مقصورته ليجد ابراهيم ممسكاً بمسدس الخاطف يتفحصه. جرده منه بسرعة فائقة وقال،
امين : هذه ليست لعبة يا ايبو. انها سلاح خطير يقتلون به البشر.
ابراهيم : لكنك اخطر منه لانك قارعت ذلك المجرم دون ان تطلق عليه النار. هل قمت بقتله؟
لم يرد على سؤال حفيده قال،
امين : دع عنك هذا الآن. يجب ان نجلس بمقصورتنا حتى يأتي رجال الشرطة فيسيطروا على الوضع.
ابراهيم : وكيف ستعرف الشرطة بما يجري هنا؟ ربما لم يكن لديهم علم برجال الننجا.
امين : ساتصل بهم الآن. اريدك ان تقف بباب المقصورة لتراقب احتمالية مجيء المزيد من الرجال الاشرار.
ابراهيم : هل تإذن لي كي اقاتلهم انا بنفسي هذه المرة؟
امين : لا يا حبيب انت لا زلت صغيراً. كل ما اريده منك هو ان تنذرني إذا جاء احدهم صوبنا.
ابراهيم : حسناً سيدي. انا الآن جندي مقاتل بامرتك وانت القائد.
امين : إذاً تحرك ايها الجندي وابدأ بالمراقبة. هذه مهمتك لهذا اليوم.
وقف ابراهيم على باب المقصورة وصار يراقب الممر بحماس كبير بينما اخرج امين هاتفه النقال وضغط على الارقام 112. بعد قليل سمع صوت انثوي يقول له باللغة الاسبانية،
الطوارئ : خدمات الطوارئ تفضلوا.
امين : اريد ان ابلغ عن حادث خطف لقطار.
الطوارئ : ساحيلك الى الشرطة الوطنية على الفور. انتظر لحظة لو سمحت.
بعد قليل سمع صوت رجل على الهاتف يقول،
الطوارئ : الشرطة الوطنية تفضلوا؟
امين : انا راكب على قطار ومعي حفيدي. تعرض قطارنا قبل قليل للخطف من قبل رجال مسلحين. نريد منكم العون.
الطوارئ : باي قطار انت وما هو رقم الرحلة؟
امين : القطار انطلق من ماربيا الساعة السابعة من صباح اليوم. توقف بمدينة قرطبة ثم واصل السير باتجاه مدريد بعدها توقف بمنتصف الطريق. بكان ناء.
الطوارئ : اين انتم بالتحديد هل يمكنك معرفة ذلك؟
امين : اعتقد اننا على مسافة ساعة او اكثر بقليل من العاصمة مدريد. سابعث اليك الاحداثيات.
الطوارئ : ابعثها على الرقم 0992221274هذا سيكون اسرع من ان تبعثها على رقم 112.
امين : حسناً ستصلك الاحداثيات بعد ثوانٍ.
ضغط امين على ازرار هاتفه ثم ارسل الاحداثيات للشرطة الوطنية. وما هي سوى لحظات وبدأ هاتفه يرن فاجاب ليسمع نفس الصوت يقول له،
الطوارئ : بأي عربة وأي مقصورة تجلس انتَ؟
سكت امين قليلاً ثم اغلق الخط بوجهه. فسأله حفيده مستغرباً،
ابراهيم : لماذا لم تعطهم رقم المقصورة كيف سيأتون لنجدتنا إذاً؟
امين : لأنه نفس صوت الشرطي الذي اعاد الاتصال بي من جديد. ففي الحالات الاعتيادية، يتصل بي شخص آخر غيره لانه حدث جلل ومن المفترض ان تكون جميع قوى الشرطة الوطنية مستنفرة الآن.
ابراهيم : هل تعتقد ان شخص آخر يكون صديقاً للخاطفين هو من اجاب على مكالمتك؟
امين : اجل، هذا احتمال كبير يا حبيبي.
ابراهيم : وما العمل الآن؟
امين : سنعتبر ان الشرطة الوطنية ليس لديها علم بالحادث لحد الآن لذلك ساقوم بالخطة باء.
ابراهيم : وما هي الخطة باء؟
امين : الآن ساتصل باحد اصدقائي ليساعدنا.
ابراهيم : هل هو واحدٌ من رجال الشرطة؟
امين : كلا. انه مذيع ويعمل بمحطة تلفزيون 24XHORAS
ابراهيم : وما ادراك انه لا يعمل لدى العصابة التي اختطفت القطار؟
امين : انا اعرف ذلك الشخص جيداً. لحظة واحدة يا حبيبي دعني اكلمه.
هنا بدأ امين يتحدث باللغة العربية مع شخص ما ثم انهى المكالمة فقال حفيده،
ابراهيم : من النادر ان اراك تتحدث بالعربية يا جدي؟ ولكنها لغة غريبة نوعاً ما.
امين : انها اللغة العربية وبلهجة مغربية. كنت احاول ان اعلمك اياها لكنك رفضت التعلم الا ما ندر لذلك بقيت تتحدث بالاسبانية التي تعلمتها من الروضة والمدرسة. كل الذي تستطيع قوله هو (بزّاف).
ابراهيم : لكنني حافض(قل هو الله احد) و(انا اعطيناك الكوثر) و(الحمد).
امين : اجل، اجل عفاك يا حبيبي.
ابراهيم : هل صديقك الذي اتصلت به للتو يقطن بالمغرب الآن؟
امين : كلا، انه رجل مغربي لكنه يسكن في اسبانيا ويعمل باشهر محطة تلفزيون وطنية.
ابراهيم : وكيف سنعرف إن صاحبك سيقوم بنشر الخبر؟
امين : سوف اتابع بث المحطة التلفزيونية على هاتفي الذكي.
ابراهيم : هل هذا ممكن يا جدي؟
امين : بالتأكيد. انتظر لحظة ودعني افتش عن القناة. ها قد وجدتها انتظر لحظة.
بعد قليل خرجت مذيعة القناة على الشاشة الصغيرة وقالت، "خبر عاجل، قام مسلحون باختطاف القطار القادم من ماربيا متجهاً الى العاصمة مدريد. وقد ابلغت المحطة الحرس الوطني فاخبرونا بانهم في طريقهم الآن الى هناك. سنقوم بتغطية حية لما يجري بمكان الحادث. لقد ارسلنا مراسلينا عن طريق البر والجو الى عين المكان وسنوافيكم بمجريات الامور باقرب وقت ممكن. ابقوا معنا".
ابراهيم : جدي انهم يذيعون الخبر. كم هذا مثير. متى سيصلون إذاً؟
امين : سنرى الطائرات وهي تحاصر المكان عن قريب. سوف يبعثون الكثير من المركبات.
بقي امين وابراهيم ينتظرون وصول الشرطة بفارغ الصبر. فجأة سمعوا اصوات طائرات سمتية تأتي من كل الجهات. بعدها وقفت شاحنات من بعيد وافرغت جيشاً كبيراً من قوات التدخل السريع (سوات) بدأوا بالانتشار ليشكلوا حلقة دائرية حول القطار. قال امين،
امين : لقد وصلت القوات وسوف يسيطرون على الوضع. لا تقلق يا ايبو.
ابراهيم : الحمد لله. انا سعيد بذلك.
امين : دعنا نتابع البث الحي على محطة التلفزيون.
فتح الهاتف من جديد فسمع المذيعة الحسناء تقول، "قام الخاطفون باستعمال مكبرات الصوت لينذروا الشرطة بعدم الاقتراب وطلبوا منهم الابتعاد عن القطار والا فانهم سوف يقتلون الركاب الواحد تلو الآخر".
ابراهيم : هل هذا يعني انهم سيقتلوننا يا جدو؟
امين : لا تقلق يا ايبو. سوف لن ادعهم يقتربون منك.
ابراهيم : انت لا تزال تحتفض بمسدس الخاطف، اليس كذلك؟
امين : اجل لكنني لا انوي استعماله فنحن غير معنيين بالامر. انه فقط لحالات الطوارئ.
فجأة بدأوا يسمعون اصواتاً وضجيجاً مرتفعاً يأتيهم من مقدمة القطار ثم بدأت الاصوات تقترب منهم شيئاً فشيئاً. بهذه اللحظة سمعوا باب عربتهم ينفتح ويتدفق منه المسافرون جميعاً ومعهم احد الخاطفين يقودهم كالخراف ويصرخ عليهم باعلى صوته كي ينقلهم جميعاً الى آخر عربة بـذيل القطار. وعندما وصلوا امام باب مقصورة رقم 126نظر الخاطف اليهم باستغراب وسأل بحدة،
الخاطف : لماذا انتم لا تزالون هنا؟ لماذا لم تنضموا الى باقي الركاب؟ هيا اخرجوا وتعالوا مع البقية.
خرج امين من المقصورة ممسكاً بيد حفيده ابراهيم وانضموا الى باقي الرهائن. حتى وصلوا للعربة المجاورة بمؤخرة القطار فتكدسوا وتدافعوا جميعهم هناك في صالة مغلقة تخزن فيها البضائع والبريد عادةً. بدأوا يجلسون على الارض بكل مكان وبكل زاوية من تلك الصالة. كان هناك خاطفين يحرسانهم ببنادق اوتوماتيكية. وقف احدهم ببداية المقصورة والثاني بمُأخّرتها وظلوا يصرخون على الركاب كي يجلسوا ويهدأوا ويمتنعوا عن الكلام. همس ابراهيم باذن جده قائلاً،
ابراهيم : متى ستقوم بعملك البطولي؟ هيا اسحب المسدس من جيبك واقتلهما.
امين : التزم الصمت يا ايبو. هؤلاء الاشرار خطرين جداً. قد يطلقون النار علينا او على احد من الركاب. ارجوك لا تتكلم.
جاء احد الخاطفين واعلن للجميع، "يبدو ان احدكم قام باستعمال هاتفه النقال ليبلغ الشرطة. اعطونا جميع هواتفكم الآن يا سفلة. فقط لعلمكم، من يحتفظ بهاتفه سوف يُقْتَلْ"
بدأ الركاب باخراج هواتفهم من جيوبهم وصاروا يرمونها بحاوية بلاستيكية وضعها الخاطف امامهم. وعندما القوا جميع الهواتف قال، "لا اريدكم ان تتكلموا بكلمة واحدة والا سأقتلكم".
خرج ذلك الخاطف وعاد الى مقدمة القطار تاركاً ورائه خاطفٌ واحد فقط يراقب الاسرى. سمع الجميع من بعيد قائد الخاطفين يخاطب الشرطة من مقدمة القطار عبر مكبر الصوت ويقول، "إذا لم تنفذوا مطالبنا باحضار 10 ملايين يورو فسوف نقوم بقتل راكبٍ واحدٍ كل 60 دقيقة".
همس ابراهيم باذن جده وقال،
ابراهيم : كيف ستتمكن الشرطة من احضار المبلغ خلال ساعة واحدة؟ اعتقد ان هذا مستحيل. اليس كذلك يا جدو؟
امين : دعنا نرى ما سيحدث. لا تتكلم يا ايبو ارجوك.
بقي المسافرين يرتعدون من شدة الخوف لساعة كاملة حتى دخل بعدها احد الخاطفين وأخذ امرأة من بين الرهائن واقتادها الى مقدمة القطار ثم سمع الجميع صوت طلق ناري مدوي ليقتلها ويقذف بجثتها الى خارج القطار. سمعوا بعدها قائد الخاطفين يخاطب الشرطة من جديد من خلال مكبر الصوت ويقول، "لقد مرت اول ساعة ولم تجلبوا لنا المال، انا منحتكم فرصة ساعة واحدة فقط، من الآن فصاعداً ساقوم باعدام راكب واحد كل نصف ساعة هل سمعتم كل 30 دقيقة، القرار يعود لكم". بعدها سُمِعَ احد رجال الشرطة يرد على قائد الخاطفين من بعيد يقول، "نحن نعمل جاهدين كي نحضر لكم المال باسرع وقت ممكن لكن الامر ليس بهذه السهولة، المسألة تتطلب بعض الوقت، توقفوا عن قتل المزيد من الرهائن ارجوكم".
اجاب رئيس الخاطفين قائلاً، " كذلك نريد منكم طائرة سمتية تقلنا الى مطار نحدده لها فيما بعد". فاجابه رجل الشرطة وقال، "سنلبي جميع مطالبكم ولكن توقفوا عن قتل الرهائن رجاءاً".
ابراهيم : اعتقد يا جدو انهم سيقتلون شخص آخر اليس كذلك؟
امين : اجل ايبو. ولكن يجب ان افعل شيئاً. لا يمكنني ان ابقى مكتوف اليدين هكذا.
نظر امين الى الركاب وسألهم بصوت هادئ جداً كي لا يُسمِعَ الحارس الواقف خارج باب المقصورة قال،"من منكم مستعد لان يقاوم الخاطفين؟". نظر الرجال الى بعضهم البعض وهزوا برؤوسهم بمعنى النفي. كرر امين المحاولة لعلمه ان الخاطفين سوف لن يتوانوا عن قتل راكب جديد حتى يحصلوا على مطالبهم قال، "صدقوني يا اخوان هؤلاء المجرمين سيأخذون فرداً آخر منا وسيقتلونه. انا اعرف جيداً ان الشرطة لن تستطيع توفير الفدية ولا الطائرة السمتية التي طلبها الخاطفون بهذه السرعة. فكروا بالامر جيداً". لكن احداً منهم لم يبادر باي شيء. بقوا على هذه الحالة لبعض الوقت حتى دخل الصالة احد الخاطفين من جديد وامسك بيد طفل صغير لا يزيد عمره عن سنتين اسمه پاكو. صار پاكو يصرخ بصوت مرتفع ويستغيث. حاول ابويه الامساك به ومنع الخاطف من اخذه لكن الخاطف شهر سلاحه بوجههم فاجبرهم على التراجع وترك الطفل يذهب مع الخاطف. وبعد ان غادر الخاطف مع الطفل قال ابو الطفل لامين،
ابو الطفل : انا ساتي معك لاساعدك.
امين : هل خضعت للتدريب على السلاح من قبل؟
ابراهيم : اجل، كنت اعمل كحارس بمطار اوفييدو. تدربت على استعمال المسدسات والبنادق الآلية.
امين : ما اسمك؟
ابو الطفل : اسمي خيسوس سيفيلانتيس.
امين : حسناً خيسوس. امسك بهذا المسدس وسنحاول ان نقارعهم انا وانت.
خيسوس : هل المسدس محشو؟
امين : اجل فيه 9 طلقات. لقد تأكدت من ذلك.
خيسوس : من اين حصلت عليه؟
امين : انسى الموضوع.
خيسوس : إذاً هيا بنا.
امين : انتظر يا خيسوس. اسمع خطتي اولاً. اريدك ان تقف وتختبئ بالقرب من باب العربة التي نحن فيها الآن. وعندما يدخل احد الخاطفين الذي يحرس قاعتنا هذه تقوم انت بضربه على رأسه بمقبض المسدس ليفقد وعيه.
خيسوس : وكيف سنجعله يدخل ويأتي الى عندنا؟
امين : سنطلب من الركاب جميعاً كي يقوموا بالصراخ بصوت مرتفع كي يستدرجوه.
خيسوس : فكرة سديدة.
امين : اذهب انت خلف الباب الآن وتأهب حتى اعطيهم الاشارة.
بهذه اللحظة سمع الجميع صوت الطلق الناري من بعيد ثم رميت جثة الطفل پاكو الى خارج القطار فصرخ الركاب من هول الحدث. هنا طلب امين من باقي الرهائن ان يصرخوا باعلى أصواتهم ويعملوا جلبة كبيرة كي يستدرجوا الخاطف الواقف خلف الباب. فصاروا يصرخون ويصرخون بصوت مرتفع وفعلاً دخل الخاطف كي يهدئ الركاب لكن خيسوس رفع المسدس كي يضربه على رأسه، الا ان الخاطف كان اسرع من خيسوس فقام بتفادي ضربته ثم جرده من سلاحه وضربه باخمص بندقيته على وجهه فسقط خيسوس على الارض. هنا قفز امين عليه وامسك برقبته من الخلف وجرده من بندقيته. بقي الاثنان يتقاتلان حتى تغلب امين عليه واخرج من خصر الخاطف خنجراً مسنناً كبيراً ذبحه به. وقف خيسوس وصار يركل جثة الخاطف انتقاماً لموت ابنه پاكو. لكن امين هدّأ من روعه وطلب منه ان يتمالك اعصابه قال،
امين : يجب ان تهدأ يا خيسوس. لدينا مهمة اكبرالآن، مازال هناك المزيد من الخاطفين في مقدمة القطار، عددهم اثنان على اقل تقدير.
خيسوس : دعنا نذهب اليهم. اريد ان انتقم لابني. اريد ان اقتلهم جميعاً.
امين : على رسلك يا رجل. سوف ترتكب حماقات واخطاء جسيمة عندما يتملكك الغضب وقد يودي ذلك بحياتك او حياة شخص آخر من الركاب. تمالك اعصابكيا رجل ارجوك.
تمشى خيسوس بداخل العربة قليلاً ثم استدار نحو امين وقال،
خيسوس : حسناً انا جاهز. دعنا نذهب.
اخذ امين بندقية الخاطف واخذ خنجره ليضعه بيد احد الرهائن وطلب منه ان يتسلح به تحسباً لاي امر طارئ ثم اشار برأسه لخيسوس وتوجه الى باب المقصورة. فتحها وخرج فتبعه خيسوس. اراد ابراهيم ان يتبعهم لكن امين طلب منه البقاء مع باقي الرهائن فرجع وجلس على الارض وهو منزعج يتأفف.
خرج الاثنان، وكان امين في المقدمة فمروا بالعربة التي كانت مقصورة امين تكمن فيها. نظر الى باب المرحاض ليجدها لا تزال منغلقة. امسك بمقبضها ودفعه ليتأكد منه فعلم انه مازال موصداً بشكل محكم وكلمة (مشغول) لا تزال ظاهرة. فسأله خيسوس،
خيسوس : هل تريد الذهاب الى المرحاض؟
امين : كلا، قمت بوضع احد الخاطفين بداخل هذا المرحاض من قبل.
خيسوس : ماذا لو استيقظ وصار يعمل جلبة كبيرة؟
نظر بوجهه وابتسم ابتسامة خبيثة ثم قال،
امين : سوف لن يستيقظ.
خيسوس : انت رجل عظيم يا سيد... ما اسمك؟
امين : اسمي امين.
خيسوس : هل تقصد كما نقول في الصلاة؟
امين : اجل انت على حق. كما تقولون بصلاتكم.
خيسوس : لماذا؟ ألست كاثوليكياً؟ لا استطيع ان اتخيل كيف ان لا يكون احد يتدين مثلنا. ما هو شعورك عندما تذهب للآخرة وانت كافر؟
امين : اترك عنك هذا الموضوع الآن ودعنا نركز على مهمتنا. اسمع مني جيداً، سنترصد للخاطفين ثم نقوم بستراتيجية خاصة بنا لنتغلب على سبلهم.
خيسوس : يبدو انك متمرس في اعمال مقارعة الاختطاف، اليس كذلك؟
امين : شيئ من هذا القبيل. والآن اسمع مني جيداً، اترك مسافة بضعة امتار بيني وبينك. حاول ان لا تظهر عندما نكون واقفين على خط مستقيم واحد.
خيسوس : لا افهمك. الا تريدني ان اتبعك؟
امين : اجل ارديك ان تتبعني ولكن عندما نكون كلانا على خط مستقيم واحد ظاهر للعيان، اريدك ان تتخلف الى الوراء.
خيسوس : لماذا؟
امين : ليس هناك مجال للشرح. فقط نفذ ما اقوله لك يا خيسوس.
خيسوس : حسناً. انت المدير.
مشي الاثنان باتجاه مقدمة القطار ببطئ شديد يستغلون حاسة سمعهم ابشع استغلال لانهم يعلمون انهما إن ظهرا للخاطفين فسيؤدي ذلك الى تبادل اطلاق نار. وذلك ليس من صالحهما.
بقي الإثنان يسيران بحذر شديد حتى توقف امين ورفع قبضته للاعلى مشيراً لصاحبه بالتوقف فتوقف خيسوس. التفت اليه وقال له وهو يشير باصبعه وبالهمس،
امين : هناك خاطف واحد في العربة الثانية ينظر بعيداً عنا. لقد رأيته من خلال الباب الزجاجي. سأحاول ان أسحبه الى عندنا كي يأتي الى عربتنا ثم أضربه انا على رأسه. سنحاول عدم اطلاق النار قدر المستطاع، مفهوم؟
خيسوس : اجل فهمتك.
قام امين بطرق الباب الزجاجي طرقة واحدة بقطعة نقود مما تسبب بصوت مرتفع اثار انتباه الخاطف. استدار الخاطف ومشى باتجاه الباب وصار ينظر من خلال زجاجه دون ان يفتحه. بقي ينظر لكن امين وخيسوس تواريا عن الانظر بداخل المقصورات الفارغة فلم يرى الخاطف سوى ممراً خالياً. بقي ينظر ويتفحص كثيراً حتى اعتبر ذلك الصوت شيئاً عابراً وليس هناك ما يثير قلقه فعاد ووقف بنفس موقعه الاول. هنا طرق امين على الباب مرة ثانية بقطعة النقود على الزجاج. فجن جنون الخاطف وعاد مسرعاً كي يتفقد الامر. نظر من خلال الباب الزجاجي فلم يرى اي شيء. هنا قرر ان يفتح الباب ويدخل الى العربة التي كان فيها امين وخيسوس. فور دخوله المركبة ضربه امين بقبضة يده عدة مرات لكن الخاطف كان شديد البأس فلم يسقط. تلقى الضربات ثم عاد وضرب امين فاصابه في اعلى رأسه ليسقط امين على الارض. هنا انتاب خيسوس الهلع الشديد عندما رأى امين يسقط على الارض لذلك سحب اقسام المسدس واطلق عليه ثلاثة طلقات متتاليات اصابت صدر الخاطف، فخر على الارض ومات. صرخ امين على خيسوس وهو راقد على الارض قال،
امين : لماذا اطلقت عليه النار. سوف ينهال علينا باقي الخاطفين.
خيسوس : رأيتك تسقط ارضاً فخفت كثيراً من ان يهجم علي لانني لا اجيد القتال باليد مثلك لذلك قتلته.
امين : حسناً لا بأس يا خيسوس. الآن سيأتي باقي الخاطفين بسرعة هائلة.
خيسوس : ما هي الخطوة التالية؟
امين : ضع المسدس في خصرك وخذ البندقية مع العتاد من هذا الخاطف المقتول وخبئ الامشاط في جيبك لاننا قد نحتاج اليها لاحقاً وارجع الى آخر مقصورة بهذه العربة وتهيأ لاطلاق النار عندما اعطيك الاشارة.
خيسوس : وماذا ستفعل انت؟
امين : سادخل المقصورة التي امامنا وساختبئ فيها لاترصد قدومهم.
خيسوس : حسناً سافعل ما امرتني به.
تقدم امين ودخل اول المقصورات بالعربة وجلس القرفصاء كي لا يظهر من خلال زجاج باب المقصورة.
بتلك اللحظة سمع خلفه طرقاً على الشباك. ادار امين رأسه ليتبين الامر فرأى احد رجال الشرطة من فرقة السوات معلقاً بحبل خارج الشباك يؤشر له. سار نحو الشباك وفتحه فدخل الرجل وقال لامين بصوت منخفض،
رجل السوات : ما هو الاواضع هنا؟
امين : انا وزميلي قمنا بقتل 3 من الخاطفين واستولينا على أسلحتهم. قام زميلي باطلاق النار على احدهم قبل قليل فنتوقع ان يأتي المزيد من الخاطفين الى هنا عن قريب.
رجل السوات : ارجع انت الى الوراء مع باقي الرهائن. ساتولى انا الامر من الآن فصاعداً. سوف اقوم بـ...
فجأة سمع امين طلق ناري يصدر من وراء ظهره. قام احد الخاطفين باطلاق النار على رجل السوات ليسقطه ارضاً. وبدون تردد رفع امين البندقية واطلق عليه صلية اردت الخاطف قتيلاً على الفور. نظر امين من الباب ليرى إن كان هناك المزيد من الخاطفين لكن احداً منهم لم يأتي. ظل اصبعه على الزناد استعداداً لاي امر طارئ حتى رأى شخصاً قادماً من مقدمة القطار. وجه عليه بندقيته كي يقتله لكن القادم كان احد رجال الشرطة من فرقة السوات فناداه قائلاً،
رجل السوات : توقف توقف لا تطلق النار انا من فرقة السوات.
امين : ماذا عن باقي الخاطفين في مقدمة القطار؟
رجل السوات : لم يبقى منهم سوى رئيسهم. والآن هو قيد الاعتقال. لقد ثبتُّ الاصفاد على معصميه بنفسي.
امين : حمداً لله.
رجل السوات : وانت، ما اسمك؟
امين : اسمي امين ماهر. انا مغربي ومقيم في اسبانيا.
رجل السوات : ماذا عن زميلنا من فرقة السوات؟
امين : انه على الارض. لقد تلقى رصاصة من احد الخاطفين بصدره.
دخل امين مع رجل السوات المقصورة وتفحصا الشرطي المستلقي على الارض فوجوداه لا يزال على قيد الحياة. تفحص مكان اصابته فسمعه يقول،
رجل السوات : اصابته الرصاصة في سترته الواقية انه بخير لكنه سيعاني من الم شديد في صدره.
امين : حمداً لله.
رجل السوات : اين باقي الركاب؟
امين : انهم في مؤخرة القطار. اقتادهم الخاطفون هناك واجلسوهم على الارض.
رجل السوات : احسنت يا رجل. انت فعلاً رجل مثالي. هل يساعدك احد؟
امين : اجل احد الركاب اسمه خيسوس تطوع ليساعدني. انه يختبئ باحدى المقصورات بهذه العربة.احذر منه فهو مسلح.
رجل السوات : ساناديه كي لا يطلق النار علينا، قال وهو يصرخ،"انت يا خيسوس ارمي سلاحك ارضاً، نحن رجال الشرطة، الامور تحت السيطرة. لقد تدخل رجال السوات وكل شيء على ما يرام الآن". انفتح باب احدى المقصورات وخرج خيسوس حاملاً بيده المسدس. نظر الى امين ورجل السوات وسلم السلاح له. تكلم الرجل باللاسلكي المثبت على فمه وقال، "كل شيء على ما يرام، لقد سيطرنا على الوضع بالكامل". ابعثوا لنا فريق المتفجرات كي يتفقدوا القطار برمته".
اقترب رجل السوات من امين وقال،
رجل السوات : نحن نشكرك كثيراً. انت وحدك سهلت علينا مهمتنا.
امين : لا لست وحدي. قلت لك سابقاً لقد ساعدني السيد خيسوس.
رجل السوات : على العموم سوف نخرج جميع الركاب من القطار الآن تحسباً من الفخاخ التي قد يكون قد زرعها الخاطفون. وسننقلكم بحافلات خاصة الى العاصمة.
امين : اعتقد بانكم ستحققون مع الركاب هناك كل على حدة، اليس كذلك؟
رجل السوات : اجل ولكن التحقيق لن يطول كثيراً لاننا حصلنا على جميع الخاطفين الاحياء منهم والاموات.
امين : لقد تركت لكم واحداً اضافياً بداخل المرحاض الذي في العربة الثانية قبل الاخيرة كهدية. للأسف سوف لن يفتح لكم الباب بنفسه لان الباب موصد باحكام. عليكم كسره.
رجل السوات : يبدو انك قمت بالواجب تجاهه.
ابتسم امين بوجهه.
رجل السوات : والآن عد الى باقي الركاب كي تغادر معهم في الحافلة التي تنتظركم خارج القطار.
رجع امين الى المقصورة التي حُبِسَ فيها اكثر من 50 مسافراً. وفور فتحه للباب وقف امام الجميع وقال،"سيداتي سادتي، ابشركم بان حالة الاختطاف قد انتهت وان الخاطفين قد القي القبض على جلهم، والباقي صاروا من عداد الاموات".
صفق الجميع لامين ولخيسوس الذي احتظن زوجته واجهشوا بالبكاء على وفاة ابنهم الصغير پاكو.
>>> بعد مرور ساعات في مدريد <<<
بداخل مقر شرطة بلدية مدريد الرئيسي بمنطقة كاسا دي كامپو تجمهر حشد كبير جداً من ركاب القطار ورجال الشرطة ورجال السوات مع كم هائل من الصحفيين ومراسلي محطات التلفزة ومعهم طبعاً امين وحفيده ابراهيم. فجأة سمعوا احد العناصر يطلب من الجميع الهدوء ثم طلب خروج كل من ليس له صلة بحادث الاختطاف الى خارج المبنى لان التحقيق سيبدأ بعد قليل. ولما خرج جل من ليس له صلة بالموضوع طلب العميد خوسي ماريا ديباربي ان يبدأ التحقيق بدأً باستدعاء امين وخيسوس. بدأ يستمع اليهم وكيف قاما بالعملية البطولية في مقاومة الخاطفين والقضاء على غالبيتهم وكيف تعاونوا مع رجال التدخل السريع (سوات) كي يسيطروا على الوضع دون ان يصاب المزيد من الركاب باذى.
بعد ان انتهى التحقيق مع امين وعلموا انه متقاعد من خدمة ملك المغرب وانه اصبح اليوم يقيم باسبانيا بشكل دائم. هنا سأله العميد بشكل ودي،
خوسي ماريا : بالنسبة لابراهيم، هل هو حفيدك من ابنك ام من ابنتك؟
امين : لا هذا ولا ذاك. انا عثرت عليه على شاطئ ماربياً قبل 6 سنوات وقد تُرِكَ وحيداً هناك. اشفقت عليه واحضرته الى بيتي فصار يعيش عندي لفترة من الزمن. وبعد مرور شهرين اعلمت الشرطة بالحالة فطلبوا مني تسليمه الى السلطات الرسمية وبالتحديد لدى مكتب خدمات الرعاية الاجتماعية. ابديت لهم رغبتي في تبني الولد فقالوا انني بعد ان اودعه بمكتب خدمات الرعاية الاجتماعية، اقوم باجرائات التبني في مدريد بمكاتب شؤون العائلات وبعدها إن وافقوا على حالتي المعيشية وبالامكان وقتها ان اتبناه رسمياً.
خوسي ماريا : كم عمره الآن؟
امين : 8 سنوات حضرة العميد.
خوسي ماريا : وما هي ديانته؟
امين : انه مسلم مثلي انا طبعاً.
خوسي ماريا : هل هو سعيد بالعيش معك؟
امين : بالتأكيد انه يحبني كثيراً وقد ابدى تفوقاً غير مسبوق بالمدرسة وهو دائماً في ترتيب الخمسة الاوائل بصفه.
خوسي ماريا : باي لغة تتحدث معه؟
امين : بالاسبانية طبعاً والعربية باللهجة الدارجة المغربية.
خوسي ماريا : هل تختلف اللهجة الدارجة المغربية عن اللغة العربية؟
امين : اجل كثيراً.
خوسي ماريا : حسناً اعتقد ان التحقيق قد انتهى بالنسبة لك الآن ولكن لدي سؤال اخير سيد امين: هل ستبقى مع حفيدك في مدريد؟
امين : اجل لفترة اسبوع على الاقل.
خوسي ماريا : إذاً ساتركك تذهب بسلام ولكن ارجوك اعطنا اسم الفندق الذي ستقطن به خلال فترة بقائك في مدريد.
امين : لقد حجزت بـفندق ماريوت والعنوان هو Sevilla, 2, Centro, Madrid
خوسي ماريا : اتمنى لك اقامة مريحة سيد امين دعني اعبر لك مرة اخرى عن مدى امتناني لجهودك بانقاذ اكثر من 50 شخصاً بمن فيهم سائق القطار ومساعده.
امين : كان ذلك من دواعي سروري.
خوسي ماريا :دعني في النهاية ان اقدم اعتذاري عما جرى لك في بلدنا.
امين :يقول المثل، ما لا يقتلك يجعلك اقوى.
خوسي ماريا : كلام جداً صحيح. ارجوك سيد امين. اتصل بي باي وقت إن كنت بحاجة الى اي مساعدة فانا اجد نفسي مدان اليك بما فعلته لنا بعملك البطولي في رحلة القطار. واتمنى ان تأتي لزيارتي باي وقت شئت. وتطلب مني ما شئت.
امين : شكراً لك سيادة العميد. هل نستطيع الذهاب الآن؟
خوسي ماريا : بالتأكيد سيد امين وداعاً.
خرج امين فوجد ابراهيم نائماً على احد الكراسي وقد قامت سيدة من الركاب بتغطيته بمعطفها. ازال المعطف عنه وشكرها كثيراً ثم حمل حفيده على كتفه وخرج الى الشارع ليشير الى سيارة اجرة كي تقله الى فندق ماريوت. وفور وصولهما هناك استقبلوهم بحرارة ونقلوا امتعتهم الى الجناح الملكي في الطابق التاسع ثم اسطحبهم احد المساعدين الى المصعد ليأخذهم الى مكان اقامتهم. وضع امين حفيده على السرير الوثير وغطاه باللحاف ثم اطفأ عليه النور واغلق الباب ليذهب هو الى غرفته ويترك امتعته هناك. بعدها غير ثيابه ودخل الحمام ليغتسل ويتوضأ كي يؤدي الصلوات التي تجاوزها اثناء فترة التوتر في رحلة القطار المتعبة. بعدها دخل غرفة نومه وفرش سجادته واقام الصلاة ثم خلد لسرير كبير وثير رمى فيه كل الارهاق والتوتر والهموم والمخاوف. لم يتمكن من النوم في الحال لان فكره كان منشغلاً بابراهيم وتسائلات كثيرة كانت تزدحم برأسه كما تزدحم السيارات بشارع الرشيد، "ماذا لو اتضح ان هذا الرجل ليس نصاباً وانما هو فعلاً ابو ابراهيم الحقيقي؟ هل سيأخذه على الفور؟ وما هي يا ترى حالته المادية؟ هل هو غني ام فقير؟ هل سيتمكن من توفير حياة كريمة له كما وفرتها له خلال السنين الستة الماضية؟ هل سيقبل ايبو ان يتركه ويعيش في بيت عائلته الاصلية؟ والسؤال الاهم هو، هل سيسمحون له بزيارة ايبو بعد ان يستقر مع والديه الاصليين؟
بقي يحاور نفسه لاكثر من 4 ساعات حتى استسلم للنوم واستبدل تسائلاته ومخاوفه بكوابيس اثارت اعصابه وتسببت له بالمزيد من التوتر العصبي وتيبس في عضلات رجله. وفي الصباح الباكر استيقظ ابراهيم وركض الى سرير جده ليوقظه من النوم. فامسك به جده وراح يقبله وقال له،
امين : هل ارتحت بالنوم حبيبي ايبو؟
ابراهيم : اجل يا جدي. انا جداً متحمس كي ارى العاصمة مدريد. الى اين ستأخذني اليوم؟
امين : انت متحمس كي ترى العاصمة ولست متحمساً كي ترى والدك الحقيقي؟
ابراهيم : بالحقيقة انا اتمنى ان لا يكون حقاً والدي. لانني احبك كثيراً يا جدي وافضل العيش معك. والآن قل لي الى اين ستأخذني؟
امين : كنت افكر ان آخذك في رحلة سياحية بالحافلة لنتجول في ارجاء مدريد.
ابراهيم : وبعد ذلك؟
امين : سنتغدى بمنطقة (گران ڤيا).
ابراهيم : وبعدها؟
امين : سنعود للفندق كي نستريح قليلاً ثم نستعد للسهرة. لقد حجزت مقعدين في مسرح يجري فيه استعراض حي لرقصات الفلامينگو.
ابراهيم : يا سلام. هذا رائع. وبعد ذلك؟
امين : بعد ذلك سنكون متعبين جداً فنعود الى الفندق كي ننام وانا ساتصل بذلك الشخص بالهاتف كي نقابله في الغد.
ابراهيم : كم ان ذلك امراً مملاً. اتمنى ان لا يطلع والدي الحقيقي.
امين : لا تقل ذلك يا حبيبي.
ابراهيم : حسناً جدو، انا آسف.
كان ذلك اليوم من اسعد ايام ابراهيم وجده لانهما تجولا بعدة مناطق جميلة ومثيرة في العاصمة مدريد وقضوا وقتاً ذهبياً كان بمثابة توديع أخير بين الجد وحفيده لان امراً ما كان يقول لامين بان الشخص الذي سيقابله في الغد سيكون ابو ابراهيم حقاً. وفي المساء عاد الاثنان من جولتهما يعانون من شدة التعب والسعادة المفرطة التي اجتاحتهما فتوجها الى اسرّتهم بشغف كبير كي يمنحوا اجسادهم ما كانت تستحقها.
وفي اليوم التالي استيقظ امين على صوت هاتف الغرفة الارضي. اجاب عليه فسمع موظف الاستعلامات يقول،
الاستعلامات : صباح الخير سيد امين، هناك زائر لديك يدعى السيد اسحاق.
امين : اجل، اجل، رجاءاً ادله الى المقهى في الطابق الارضي واطلب له قهوة وساوافيه على الفور.
الاستعلامات : بالتأكيد سيد امين.
اغلق امين الخط مع موظف الاستعلامات ثم هم ليوقظ حفيده ابراهيم حتى يرى والده لاول مرة لكنه تراجع باللحظة الاخيرة وقال. "دعني اتحدث مع الرجل اولاً ثم اعرّفه على ابراهيم فيما بعد". اجل ذلك الحل افضل.
انتصب من فراشه وتوجه الى الحمام ليهيئ نفسه. وبعد ربع ساعة نظر الى المرآة الطويلة فاعجب بمنظره. اخذ مفتاح الغرفة الالكتروني وتوجه نحو المصعد. وفور وصول المصعد الى الطابق الارضي انفتح الباب وخرج منه امين وصار يمشي بخطوات بطيئة وثابتة نحو كافتيريا الفندق يراوده شعور بالاسهال. تذكر حالته عندما كان طفلاً صغيراً ويأتي موعد الامتحان بالمدرسة فيراوده الشعور نفسه. لكن الامتحان هذه المرة اصعب بكثير وسيعيده الى حالة الوحدة التي كان يعاني منها قبل دخول ابراهيم الى حياته. دخل المقهى وعمل مسحاً على جميع الطاولات بالمقهى فرأى فتاتان مراهقتان جالستان بالطاولة الاولى. في الطاولة المجاورة جلس بمفرده رجل اسمر البشرة عمره يتراوح بين الاربعين والخمسين سنة. خلفه جلست عائلة تتكون من اب وام وابنتهما الصغيرة التي ترتدي فستاناً احمر. بقي يحدق بالطاولات الثلاثة فاتخذ قراراً لا يقبل الشك. اقترب من الرجل ونظر اليه ثم سأله بالاسبانية،
امين : سيد اسحاق؟
اجابه الرجل بالعربية وبلهجة مغربية قال،
الرجل : سامحني يا اخي، انا اسحاق والد ابراهيم.
هنا بدأ امين يتحدث معه بالعربية فسأله،
امين : قهوة؟
الرجل : اجل قهوة مع كرواسون لو سمحت فانا جوعان.
اشار امين بيده لنادلٍ كان واقفاً بالقرب منهم وطلب القهوة والكرواسون ثم قال،
امين : اسمي امين ماهر من القنيطرة.
الرجل : انا اسمي اسحاق موسى حييم من....
قاطعه امين وسأله،
امين : هل انت يهودي؟
اسحاق : اجل.
امين : يبدو انك لست ابو ابراهيم.
اسحاق : وكيف عرفت ذلك؟
امين : انا اعرف ابراهيم جيداً. لقد تأكدت منه عندما تبنيته لان ديانته مسلم.
اسحاق : وكيف عرفت ان ديانته مسلم؟
امين : لانه مختون.
اسحاق : لكن اليهود ايضاً يختنون الاطفال.
امين : ماذا قلت؟
اصيب امين بصدمة كبيرة. لم يكن يعرف تلك الحقيقة. كيف لم تخطر بباله ان ابراهيم قد يكون يهودياً! عاد وسأله،
امين : هل تختنون الاطفال حقاً؟
اسحاق : اجل نحن ايضاً نختن اولادنا من قبل رجل دين (حاخام) تحت طقوس دينية معينة.
امين : لقد اخذتني على حين غرة يا اخي.
اسحاق : لماذا تقول هكذا؟
امين : لم يخطر ببالي ابداً ان ابراهيم قد يكون يهودياً. فالاسم شائع كثيراً بالمغرب. وعندما التقيته كان يتكلم بعض الكلمات العربية فافترضت انه مغربي مسلم. ولكن اخبرني سيد اسحاق كيف وقعت عملية فقدانه.
اسحاق : كان ذلك قبل ست سنوات. كنت تاجراً مرموقاً بالدار البيضاء. لكنني تعرضت لصفقة كبيرة ادت لاصابتي بالافلاس مما اضطرني لبيع بيتي وبقيت انا وزوجتي نسكن ببيت احد الاقارب. بقينا في بيت قريبي لمدة ثلاث سنوات. حملت زوجتي آن ذلك وولدت ابننا الوحيد ابراهيم. بعدها قام قريبي هذا بمنحني مبلغاً كبيراً كي استطيع مزاولة عملي في التجارة والحمد لله نجحت الصفقة وجنيت منها مبلغاً لا بأس به وبعد ان تحسنت اوضاعنا قررت ان اسعد زوجتي وابني الصغير افرام برحلة الى اسبانيا. جئنا الى اسبانيا برحلة كان المفروض ان تدوم اسبوعاً واحداً فقط. لكننا لم نكن نتوقع ان الحظ سينعكس ضدنا فيضيع ابننا الوحيد افرام فاخبرنا السلطات بذلك. استمر البحث عنه اكثر من شهرين حتى نفذ المال الذي كان معي فقررنا العودة الى الدار البيضاء لان الشرطة الاسبانية اكدت لنا ان البحث عنه سيستمر. بقينا متمسكين بالامل لسنين طويلة كي يرجع افرام الينا لكن ذلك لم يحصل. فبدأنا نقطع الامل حتى رأينا الاعلان الذي وضعته انت بمحطة 24 HORAS فبدأ الامل يعود الينا كي نلتقي بابننا.
امين : وهل رزقكم الله اولاداً غيره؟
اسحاق : اجل، افرام لديه اخت واخ، سارا وفريدون.
امين : اريد ان اوضح شيئاً مهماً جداً سيد اسحاق. انا احب ابراهيم كثيراً واعتبره حفيدي. لقد تبنيته رسمياً هنا باسبانيا. لكنني اعي انكم تتوقون لاسترجاع ولدكم ابراهيم او كما تسمونه افرام. لكنني يجب ان اتبع البروتوكول الرسمي بمثل هذه الحالات.
اسحاق : الامر لا يستحق بروتوكولات سيد امين. الولد سيعود الى احضان ابويه ثم تمنحني المكافئة التي وعدت بها والتي كانت 50 الف يورو وتنتهي القصة. اليس كذلك سيد امين؟
امين : اجل لكنني يجب ان اجري فحص الحمض النووي بينكما للتأكد من ان ابراهيم هو ابنك الحقيقي.
اسحاق : ولماذا هذا الفحص؟ الا تصدق بانه ابني؟
امين : كلا، يجب ان اجري الفحص والا فانا سوف لن اتنازل عنه وسوف يبقى عندي.
اسحاق : لكن الفحص الذي تتحدث عنه يعتبره ديننا شيئاً محرماً. علماً بان الولد قد يكون ابننا إذا تطابق مع امه فقط. وبمعنى آخر فاليهودي ليس يهودياً إن لم تكن امه يهودية. الاب وحده لا يمنحه الشرف كي يكون من ديننا.
امين : هذا هراء سيد اسحاق مع احترامي لكم ولدينكم. القانون يقول إذا كانت جيناتك وجينات ابنك متطابقة فإنني ساتنازل لك عن الولد وتنتهي القصة. بامكانك مطابقة جينات والدته معه وسوف اقبل بذلك التطابق ايضاً.
اسحاق : لكن والدته في المغرب الآن في الدار البيضاء وليست هنا في اسبانيا.
امين : لا اعلم اين تكون. بامكانها ان تكون بالمغرب او بالمانيا او بجزر الواقواق. لن تستلم الولد مني الى بعد تطابق الحمض النووي وهذا آخر ما عندي. انا آسف.
اسحاق : لكنك ستحرم ابوين من ابنهما يا سيد امين. الا تخاف الله؟
امين : لانني اخاف الله فانا اريد ان اتحقق من هويتكم قبل ان اسلمكم الولد.
اسحاق : إذاً انت ترفض تسليمه لي وهذا سيجعلني اتخذ اجرائات اخرى يا سيد امين.
امين : اعمل ما يحلو لك. حتى السلطات الاسبانية التي وثّقتُ تسجيل تبني ابراهيم تؤيد كلامي بشرط تطابق الحمض النووي. غير ذلك فـ nada.
اسحاق : طيب لدي حل آخر. اعطني المبلغ المتفق عليه الآن وساذهب الى الدار البيضاء لاحضر زوجتي شولا كي تأتي وتعطيكم عينة من حمضها النووي.
امين : سيد اسحاق، انت تاجر وتعرف كيف تتم الصفقات. المضمون اولاً ثم المكافئة بنفس هذا الترتيب وليس قبل ذلك ابداً.
اسحاق : طيب لدي حل افضل. ما رأيك ان تعطيني نصف هذا المبلغ؟
امين : المقابلة انتهت سيد اسحاق. حفيدي ابراهيم ليس صفقة تجارية تجريها مع مُصَدّرٍ بالخارج. قال لي ابراهيم ان منح المال كان خاطئاً لكنني لم اصدق كلامه. وداعاً.
اسحاق : سوف تندم على ما تفعل سيد امين. لدي اساليب ساتبعها لاحصل على الولد.
امين : هل تهددني يا سيد اسحاق؟
اسحاق : اجل، لانك تتلاعب بمصير ولد عِبْري لديه نفس مراحل ما وقع للنبي موسى عندما وضعته امه بالسلة ورمته بالنهر.
امين : انت تهلوس سيد اسحاق، المقابلة انتهت.
اسحاق : انتظر سيد امين على الاقل اعطني الف يورو لكي أعود بها الى المغرب...
لكن امين وقف وترك الرجل جالساً على الطاولة فسمعه يقول،
اسحاق : على الاقل ادفع ثمن القهوة والكرواسون فالاسعار بهذا الفندق غالية جداً.
لكن امين لم يرد عليه وتوجه الى المصعد كي يعود الى جناحه. فور دخوله الجناح رفع هاتف الغرفة الارضي وطلب من الاستعلامات عدم ازعاجه بالمستقبل إذا كان نفس الشخص يعود لطلبه. هنا جائه ابراهيم يفرك عينيه ويقول،
ابراهيم : هل خرجت من الغرفة يا جدو؟
امين : اجل، خرجت الى اسفل الفندق والتقيت بالشخص الذي كان يدّعي انه ابوك.
ابراهيم : هل كان حقاً ابي؟
امين : كلا يا حبيبي. انه نصاب كالباقين. كل ما كان يبغيه هو الحصول على المال.
ابراهيم : ارجو ان تتوقف عن محاولات التخلص مني يا جدو. فانا احبك كثيراً واريد البقاء معك حتى اموت.
امين : حماك الله يا ولدي. اجل لقد تعلمت درساً قاسياً وانا احاول ان ارضي ضميري كي ارجعك الى ابويك الاصليين. من الآن فصاعداً ستنتهي هذه المحاولات البائسة.
ابراهيم : يا سلام، انا سعيد بقرارك هذا يا جدي. دعنا نذهب للسينما اليوم.
امين : بامكاننا ان نذهب الى السينما هذا اليوم لكنني كنت افكر بشيئ آخر.
ابراهيم : شيئ آخر؟ شيء مثل ماذا يا جدو؟
وضع امين كتيب صغير مكتوب عليه مدينة الملاهي.

صرخ ابراهيم باعلى صوته فرحاً وقال،
ابراهيم : طز بالسينما واللي يحب السينما واللي يروح على السينما. دعنا نذهب الى مدينة الملاهي.
هل سيبقى ابراهيم في كنف جده المحب وتحت رعايته محافضاً على دينه ليكبر شاباً مسلماً؟ ام ان اسحاق سينفذ تهديده ويأخذ ابنه المزعوم بالقوة؟ هل سيلجأ اسحاق لاساليب غير قانونية فينفذ ما يريد ام انه سيرضى بالامر الواقع ويترك ابراهيم لجده امين؟ ستعرف الاجوبة على تلك التسائلات بالجزء الثاني من هذه القصة.

1195 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع