
د. سعد ناجي جواد*
صدمة الشعبين العربي والإسلامي بسبب تصويت الجزائر وباكستان في مجلس الامن
منذ ان تم توقيع اتفاقات كامب ديفيد، واعترفت مصر بدولة الإحتلال، ثم تلا ذلك انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يدعم حركات التحرر، وكذلك غياب القيادات التاريخية المتحدية للمشاريع الغربية، وظهور الولايات المتحدة كقوة وحيدة تفعل ما تشاء وتشتري من تشاء وتُرهِب من تشاء دون وجود اي طرف قادر على مواجهتها، استسهلت أنظمة وشخصيات وأحزاب في العالم الثالث، والوطن العربي خاصة فكرة الارتماء في حضن السياسة الأمريكية او إتباعها بدون مناقشة، حتى وان كانت هذه السياسة تعمل بالضد من مصالح الأمتين العربية والاسلامية، بل وصل الامر الى التعاون مع الكيان المحتل سرا وعلنا. ان تاتي هكذا مواقف متخاذلة من بعض الأنظمة العربية او الاسلامية التي قامت واستمرت بالدعم الأمريكي والغربي، او أنظمة تشعر بالعجز الاقتصادي، فهذا مفهوم وتعَّوَد عليه الشارع في الأمتين، ولكن ان يأتي هكذا موقف من الجزائر والباكستان فهذا يشكل صدمة ما بعدها صدمة او إذا أردنا ان نخفف العبارة فان ما حدث وفي اقل تقدير يبقى امر مستغرب جدا. المستغرب أكثر ان لا تكترث الحكومتين الجزائرية والباكستانية بنداءات المقاومة الفلسطينية التي ناشدتهما رفض القرار المجحف والظالم والذي لا يمثل ولا حتى 1% من طموحات الشعب الفلسطيني.
الكل يعرف ان الجزائر حصلت على استقلالها بالكفاح المسلح، وقدمت أكثر من مليون شهيد من اجل ذلك، واصبحت نموذجا لحركات تحرر اخرى حول العالم، مثل فيتنام وجنوب افريقيا وكوبا. وهذا الامر لم يكن ليحدث لولا اصرار الجزائريين على النضال والمقاومة، ولولا الدعم العربي الرسمي والشعبي لها. ومن المؤسف ان تنسى الجزائر ان أنظمة عربية تحررية آنذاك دفعت ثمنا غاليا بسبب مواقفها الداعمة للجزائر، مثل قيام فرنسا بتزويد اسرائيل بأحدث الطائرات المقاتلة والأسلحة المتطور لشن حربي 1956 و1967 على مصر في عهد خالد الذكر جمال عبد الناصر، وقالت صراحة انها فعلت ذلك بسبب دعم مصر للثورة الجزائرية. وكذلك فعلت مع العراق الجمهوري الذي اندفع هو الاخر في دعم الثورة الجزائرية بالسلاح والأموال، وردا على ذلك ساهمت فرنسا، مع بريطانيا والولايات المتحدة، ومن خلال شركات النفط التي يمتلكونها داخل العراق، بالإطاحة بالنظام الجمهوري الاول ولنفس السبب. اما باكستان فلقد حازت على الدعم العربي السياسي والاقتصادي منذ ان ظهرت كدولة في عام 1947، وظل الدعم لها مستمرا في مسعاها للحصول على السلاح النووي وفي كل مواجهاتها المسلحة مع الهند.
ان كل محاولات البحث عن سبب واحد مقنع يجعل الجزائر تتخذ هذه الخطوة لم تأت بنتيجة. والتبرير الجزائري الرسمي اقل ما يمكن ان يقال عنه انه يرسم بسمة ساخرة على وجه من استمع له، حيث قال بيان رسمي ان الجزائر تتخذ مواقفها بناءا على الدستور. أعترف بجهلي بمضمون الدستور الجزائري، لكني لا أعتقد ان هناك فقرة فيه تقول يمكن تجاوز حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، خاصة إذا ما تذكرنا ان الجزائر تحدت الولايات المتحدة والغرب والكيان الغاصب عندما استضافت مؤتمرا اُعلِنَ فيه عن قيام دولة فلسطين عام 1988. لا بل ان الرئيس الجزائري الحالي صرح مؤخرا انه كان هناك مخطط لقصف قصر الامم في العاصمة الجزائر اثناء استضافة الفعالية التي شهدت اعلان قيام دولة الفلسطينية، وان الجيش الجزائري تصدى له. واكد في نفس الكلمة (ان الجزائر قامت بواجبها تجاه فلسطين من منطلق الضمير ونصرة الحق). واذا ما أردنا ان نفكر بالطريقة والعقل السياسي الجزائري، فان الولايات المتحدة الأمريكية طرحت وايدت في 1 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، اي قبل ثلاثة اسابيع، قرارا في مجلس الامن يمنح المغرب الحق في ضم الصحراء الغربية وتطبيق قانون للحكم الذاتي فيها، وبالضد من رغبة الجزائر التي كانت ولا تزال تصر (وبعناد) على ان يكون هناك استفتاء لتقرير المصير في الصحراء، وامتنعت عن التصويت على ذلك القرار في إشارة لرفضها. لقد كانت الجزائر مطالبة (كأضعف الإيمان) ان ترد على الموقف الأمريكي الذي تقول انه اتى (ضد مصلحة الجزائر الوطنية)، وان تظهر للولايات المتحدة عدم رضاها عن موقفها تجاه القضية الصحراوية وتصوت وفق مبدا المعاملة بالمثل، ضد المشروع الامريكي بخصوص فلسطين. من استمع للكلمة المؤثرة التي القاها مندوب الجزائر (أيلول/سبتمبر الماضي) بعد إستخدام واشنطن لحق الفيتو لإفشال قرار لوقف إطلاق النار في غزة، والتي أدمعت عيون الكثير ممن تابعوها، لا يمكن ان يصدق ان نفس المندوب يرفع يده موافقا على قرار يهدف الى استمرار ابادة اهل غزة ويطمس حقوق الفلسطينيين.
وما يقال عن الجزائر ينسحب على باكستان التي وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني منذ قيامها كدولة، ولكنها هي الأخرى ايدت المشروع الأمريكي الأخير ولم تمتنع او ترفض، بينما هي امتنعت، اكراما للجزائر، عن التصويت للقرار الذي صدر بشأن الصحراء الغربية. وكلمة مندوب الباكستان المؤثرة ايضا بشأن عمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل في غزة التي تم تداولها بصورة مكثفة، يعجب أيضا كيف ان نفس المندوب يقوم بالموافقة على القرار السيء الأخير.
رحم الله المواقف العربية السابقة التي كانت لا تخشى أحد وتتخذ الموقف الذي يظهر تمسكها ببعض المواقف وفق مبدأي الأخوة والتضامن العربي، وخاصة في مجلس الامن. في عام 1990 بعد اجتياح القوات العراقية الخاطئ للكويت، وفي السنة التالية عندما شنت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا هجوما تدميريا على العراق، وسبق ذلك فرض حصار ظالم حصد ارواح أكثر من مليوني انسان عراقي، وقفت اليمن، الدولة العربية العضو في مجلس الامن آنذاك موقفا مشرفا تمثل في الامتناع عن التصويت او رفض اي قرار وجدت فيهه إساءة او ضرر للشعب العراقي، وظلت كذلك حتى نهاية فترة عضويتها في المجلس، (وساندتها كوبا آنذاك).
بصدور القرار الأخير وحصوله على تأييد اغلب الاعضاء (وامتناع روسيا والصين عن التصويت) تكون حلقة خذلان غزة وفلسطين عربيا وإسلاميا قد اكتملت، وصدق الشاعر طرفة بن العبد الذي قال:
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً
عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
لم يبق للشعب الفلسطيني ومقاومته إلا سواعد أبناءه وإصرارهم على الثبات في نضالهم حتى يحققوا أملهم وحلمهم في قيام الدولة الفلسطينية التي، للمفارقة، حصلت على تأييد اغلب دول اوروبا وامريكا اللاتينية وافريقيا. وهذا الهدف سوف يتحقق مهما طال الزمن.
*كاتب واكاديمي عراقي

780 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع