مسلسل مغتربون قصة المليون دولار/ الحلقة الثانية

 بقلم أحمد فخري

مسلسل مغتربون قصة المليون دولار -الجزء الثاني

من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط:

https://www.algardenia.com/maqalat/62840-2024-04-02-09-57-37.html

اخرج هيثم هاتفه من جيب سترته الداخلي واتصل بزوجته في بريطانيا فسمعها ترد عليه وتقول،كيرا : اهلاً حبيبي، هل تم بيع البيت؟

هيثم : اي بيت هذا الذي تتحدثين عنه؟ اتضح ان بيتنا قد استملكته المليشات المارقة ولم يبقى لنا شيئ هنا.

كيرا : اقسم بالله اني توقعت ذلك. الم اقل لك انه امر غير مضمون؟ لعنهم الله. لا عليك حبيبي لا تحزن، فنحن بامان هنا في بريطانيا ولدينا بيت جميل في بورموث. ارجع من ذلك البلد الذي اصبح مرتعاً للارهاب. فانا عن قريب سالد المولودة الجديدة. هل قررت على اسم لها؟

هيثم : اجل قررت ان اسميها ماري.

كيرا : لأن ابنة اختك اسمها ماري، اليس كذلك؟

هيثم : اجل وانا وقعت في غرامها. لو ترينها يا كيرا لتعجبت من جمالها وتجاعيد شعرها الذهبية وخفة دمها ولسانها الطويل وذكائها المفرط.

كيرا : البنات دائماً هكذا حبيبي. انا سعيدة لانك قابلت عائلتك بعد غياب طويل. متى ستعود الى هنا إذاً؟ ام ربما لم تشتاق الينا بعد!

هيثم : وهل يعقل ذلك؟ ساحجز اليوم على اقرب رحلة متاحة وارجع اليكم. لانني اشعر بالاختناق، انا اختنق هنا ببلدي يا كيرا. لقد سئمت من العراق، بلدي لم يعد بلدي وليس لي سوى بريطانيا وطناً بعد الآن.

كيرا : اخبرني عن موعد وصولك فلربما ساتمكن من استقبالك بالمطار إن لم يطلبوني بالمستشفى. من يدري! فقد تراني حاملة ماري الجديدة بيدي حينما تصل.

هيثم : ساخبرك فور حصولي على موعد للرحلة. قبلاتي لحبيبي كرستوفر وداعاً.

اغلق الهاتف معها وقبّل ماري التي كانت تجلس الى جانبه ثم امسك بهاتفه كي يحجز على رحلة العودة. لكنه لم يعثر على رحلة تلائم ميزانيته سوى بعد اسبوع ونصف. أخرج بعدها البطاقة الصفراء ذات الاطار الذهبي ليحجز على تاكسي مع السائق اسكندر حتى يأخذه للمطار عندما يسافر. وبعد اسبوع سألته اخته،

جانيت : هل ستأتي معنا الى الكنيسة؟

هيثم : بالحقيقة اشعر بالم في معدتي. لماذا لا تتركوني وحدي في البيت وساقوم بالاستعداد للسفر.

جانيت : هيا يا هيثم لا تحاول اختلاق الاعذار مثل الاطفال. تعال معنا كي نحضر الاجتماع. فانت محروم من اجواء الايمان في بريطانيا.

هنا جائت ماري الصغيرة وقالت بدلال،

ماري : الا تحب ان تأتي معي عمو خالو؟ هل اصبحت تكرهنا؟

جلس القرفصاء واصبح لمستواها وظمها الى صدره ثم حملها ووقف بها وراح يقبلها قال،

هيثم : وكيف لي ان ارفض طلبك يا روح عمو خالو.

جانيت : عظيم، إذاً هيا اصعد الى غرفتك، ارتدي افضل ملابسك ودعنا نذهب الى الكنيسة مع بعضنا البعض.

دخل هيثم الكنيسة مع جانيت واطفالها الخمسة وجلسوا على احدى الارائك الامامية القريبة من القس. ليبدأ الاجتماع. كان حديث القس عن محبة الرب للبشرية وكيف انه لن يتخلى عنهم وعن مشاكلهم واحزانهم وانه كلما ابقوه الى جانبهم وفي قلوبهم كلما اصبح يعمل كي يبعث الامل والسعادة بارواحهم. كانت تلك الكلمات بمثابة المرهم الذي صار يداوي جروحه بعد ان نُهِبَ البيت الذي عاش فيه طفولته من قبل اناس لصوص قتلة احتلوه واخذوه عنوة. وفي نهاية مراسم الاجتماع خرج الجميع من الكنيسة وهم متفائلين بقدرة الخالق على ان يداوي كل جروح البشر كما قال القس. ركبوا سيارة جانيت وعادوا بها الى المنزل.

وبعد مرور بضع ايام اخريات اعلن هيثم للجميع انه سوف يرحل الى بريطانيا عن قريب وسوف يبحث هناك عن محامي بريطاني شاطر مقتدر من اصول عراقية ليساعده في استرجاع بيت والدته من ايدي العصائب. شعرت جانيت والاطفال بحزن عميق لانهم تعودوا على هيثم واحبه الصغار والكبار على حد سواء. بذلك اليوم اراد هيثم ان يخرج وحده الى شارع فلسطين ليغير مزاجه ويعيد ذكريات الطفولة هناك فاتصل بسائق التاكسي اسكندر حتى يأخذه الى ساحة بيروت. وفي الطريق سأله،

اسكندر : هل قررت العودة الى بريطانيا إذاً يا استاذ؟

هيثم : اجل لانني اعرف محامياً بارعاً بامكانه ان يأتي معي الى بغداد في المرة القادمة ليرفع قضية على العصائب.

اسكندر : لكنني لا انصحك بذلك ابداً. لانهم مجرمون وقد يسببوا لك الكثير من الاذى.

هيثم : وهل هناك اكثر اذىً مما فعلوه بنا يا اسكندر؟ هل يعقل يا ناس؟ بيت كامل يسرق وتنتقل ملكيته لشخص آخر بشكل رسمي وقانوني؟

اسكندر : انت لست الوحيد ممن سرق عقاره. انا انصحك بان تعود الى بريطانيا وتنسى الموضوع ولا تفعل اي شيء يعرضك ويعرض اهلك للخطر. فانت تتعامل مع مجرمين قتلة.

هيثم : سوف نرى يا اخي اسكندر، سوف نرى. سافكر بما قلته من الآن وحتى يوم السفر.

اسكندر : اتصل بي حينما تقرر. لان بامكاني ان اخذك للمطار لو حجزت معي مسبقاً.

هيثم : سافعل ذلك يا اخي فانا لا اثق باحد غيرك.

وفي يوم السفر اغلق هيثم حقيبته وانزلها الى الطابق الارضي ليرى الجميع بحالة اكتئاب شديدة. راح يقبلهم جميعاً ويجلس معهم في صالة الاستقبال وصار يحدثهم عن امكانية زيارته المستقبلية مع اطفاله في الصيف القادم. وفجأة سمعوا صوت بوق السيارة فعلموا ان التاكسي قد وصل ليأخذ هيثم الى المطار. خرجوا جميعاً معه وكان جوزيف واقفاً معهم لانه اخذ اجازة قصيرة خاصة من الورشة بذلك اليوم كي يودع فيها نسيبه. وضع هيثم حقيبته في صندوق السيارة الخلفي ثم عاد اليهم وراح يقبلهم من جديد الواحد تلو الآخر ثم مسح دموعه براحة يده وجلس على الكرسي الخلفي للسيارة. لوح اليهم بيده وطلب من اسكندر ان ينطلق. بقي يلوح لهم حتى اختفوا من ناظريه. عدل من جلسته في المقعد الخلفي استعداداً لرحلة العودة. لكنه اثناء سير سيارة الاجرة في طريقها الى المطار لم يشعر بالراحة في مجلسه. كان هناك شيء في الظلام يمسس بساقه فيضايقه ويقلق راحته. مد يده للاسفل ليتفحص الامر فعثر على حقيبة دبلوماسية ثقيلة الوزن من النوع السميك الى جانب ساقه الايسر.

سحبها اليه ووضعها على حجرة ليتفحصها جيداً فعلم يقيناً انها ليست حقيبة من حقائبه. في بداية الامر شك ان يكون السائق اسكندر هو صاحبها لذلك قرر ان يسأله قال،

هيثم : هل لديك حقيبة دبلوماسية يا اسكندر؟

اسكندر : لماذا تسأل؟

هيثم : لا لسبب فقط اردت ان اعرف.

اسكندر : آخر مرة ملكت حقيبة من هذا النوع هو عندما تخرجت من الجامعة. بعدها اهديتها لاخي الاصغر بالموصل. لماذا تسأل؟

هيثم : فقط اردت ان اعرف. انه الفضول فقط يا عزيزي.

هنا بدأ هيثم يحاور نفسه ويقول، "عسى ان تكون هذه الحقيبة قد تركت من قبل احد الركاب المساكين. ربما تحتوي على اوراق ومستندات رسمية مهمة. سافتحها كي ابحث عن اسم صاحبها او عنوانه او اي شيء استدل به كي اطلب من اسكندر حتى يعيدها اليه بعد ان يوصلني للمطار". فتح الحقيبة فاصيب بالدهشة الصادمة. بدأت عيناه تقدحان من هول المنظر. صار يتعرق فاغلقها ثانية. فكر ملياً ثم قرر فتحها من جديد. نظر بداخلها ليجد حزماً منضدة من الاراق النقدية من فئة المئة دولار مرصوصة بشكل منتظم تملأ الحقيبة برمتها ولم تترك فيها اي خواء. يا الهي هناك مبلغ كبير جداً. دعني اتأكد من السائق. ربما هو الذي تركها ولم يرغب ان يصرح لي بها. دعني أسأله مرة ثانية،

هيثم : اخي اسكندر لا تتضايق من تطفلي ولكن، كم تملك من المال؟

اسكندر : صدقني يا اخي. كلما تحصلت على الف دينار قمت بصرفه على عائلتي.

هيثم : الم تدخر اي قرش ابيض ليوم اسود يأتيك من دون انذار؟

اسكندر : ابداً. وهل هناك ايام اكثر سواداً من التي نعيشها اخي هيثم؟ انظر الى عملي انظر الى ملابسي. انا لا احتكم على اكثر من الاجرة التي احصل عليها كل يوم واذا مرضت لا سامح الله تبقى عائلتي بلا طعام، ولكن لماذا تسأل؟

هيثم : فقط اردت ان اضيع الوقت وادردش معك.

اسكندر : هذا جيد فلدينا على الاقل 45 دقيقة قبل ان نصل الى المطار.

هنا فتح الحقيبة الدبلوماسية من جديد واراد ان يتأكد من ان الاوراق النقدية التي تملؤها الحزم اصلية، فقد شاهد بالافلام والمسلسلات البوليسية عندما يضع بعضهم الورقة النقدية الاولى اصلية ثم تتبعها اوراق بيضاء مغشوشة. اخرج حزمة منها وصار يمرر اصبعه فوقها فوجد الاوراق التي تحتها اصلية. "يا الهي، هناك مبلغ كبير جداً من المال، ربما 200 او حتى 300 الف دولار. هذا امر جلل. كيف وصلت هذه الحقيبة الى يدي؟ من وضعها تحت قدمي كي اعثر عليها يا ترى؟

هنا قرر العودة الى بيت اخته جانيت فقال للسائق،

هيثم : اسمع يا اسكندر، اريدك ان تستدير بسيارتك وتعود الى منزل اختي.

اسكندر : لماذا يا استاذ؟ هل نسيت شيئاً مهماً؟ الا تريد العودة الى عائلتك ببريطانيا؟

هيثم : لقد غيرت رأيي ولا ارغب السفر اليوم.

اسكندر : لكنك ستخسر ثمن تذكرة الطائرة. انها تكلف كثيراً هذه الايام.

هيثم : هذا غير مهم ساشتري تذكرة اخرى غيرها فيما بعد. قلت لك استدر وارجع.

اسكندر : كما تحب يا استاذ. ساعود بك الى بيت الاخت بزيونة.

دخلوا دواراً كبيراً، وبدلاً من ان يكملوا الطريق باتجاه المطار، قام السائق بالالتفاف الكامل حولها والعودة من حيث اتى. ولما وصل بيت اخته نزل من السيارة حاملاً الحقيبة الدبلوماسية السوداء بيده واتجه مسرعاً صوب باب البيت. فناداه اسكندر قائلاً،

اسكندر : انتظر يا استاذ، ماذا عن حقيبتك الكبيرة التي في الخلف؟

هيثم : اجل، اجل، لديك الحق لقد نسيتها. ارجوك ضعها على الرصيف وارحل شكراً. خذ هذه مئة دولار هدية مني اليك.

امسك اسكندر بالورقة النقدية وراح يقبلها ثم ودعه وتوارى عن الانظار. حمل هيثم الحقيبة الدبلوماسية وسحب الاخرى ورائه ثم ضغط على الجرس ليراه مرقس من الشباك فيقول،

مرقس : انه خالو. لقد عاد خالو يا جماعة. تعالوا وانظروا معي.

خرج الجميع وصاروا يرحبون بهيثم من جديد. دخل غرفة الاستقبال وجلس ثم قال، "اريد من الجميع ان يغادر الغرفة". همت جانيت والاطفال بالخروج لكنه امسك بيد اخته وقال،

هيثم : ابقي انت بمكانكِ يا جانيت اريد ان اتحدث معك على انفراد.

جانيت : ما الامر يا هيثم؟ لماذا عدت؟ هل أُلغِيَتْ رحلتك؟ فانت تركت منذ 30 دقيقة فقط ولم يتسنى لك بلوغ المطار بعد. لماذا عدت الينا اخبرني.

هيثم : اسمعي مني جيداً يا اختي. لقد وقع لي شيء غريب. غريب جداً، انه اغرب من الخيال.

جانيت : هل واجهت مشكلة في الطريق؟

هيثم : كلا، انها ليست مشكلة لكنها اقرب للمعجزة. انظري،

فتح الحقيبة وادارها ليجعل اخته جانيت تنظر الى محتواها.

فتحت جفنيها للآخر وبحلقت بالحقيبة وكأنها رأت شبحاً يقف امامها ثم بدأت تتحدث بكلمات غير مفهومة،

جانيت : هل جائتك... هل رأيتها... اعني هل وجدتها... ما هذا؟ هل ما اراه صحيحاً؟

هيثم : اجل يا جانيت اجل. لقد عثرت على هذه الحقيبة بداخل سيارة الاجرة في طريقي للمطار.

جانيت : ربما هي للسائق.

هيثم : كلا انها ليست له. لقد سألته اكثر من مرة فاخبرني بانه لا يملك سوى قوت يومه، "اعطنا خبزنا كفافنا اليوم واغفر لنا خطايانا"، هكذا يقول الانجيل. لقد منحنا الرب اياها.

جانيت : انه حقاً امر لا يصدق. انها فعلاً معجزة يا هيثم. لقد استجاب الرب لدعوتك بعد ان غبت عن زيارته بالكنيسة كل تلك السنين. لقد حن علينا ورحمنا لاننا تعرضنا للاحتيال حين شفطوا بيتنا.

هيثم : وانا حللتها مثلك تماماً. لقد تحدثت مع نفسي وتسائلت كثيراً، هل كان التدخل الإلهي له يد في القضية؟ هل لانني بدأت بالذهاب الى الكنيسة ليرجع ايماني الى قلبي بقوة؟ هل نظر الرب في مشكلتي واراد ان يعوضني عما سلبه المارقون مني؟ ام ربما كان صاحب الحقيبة يعول عليها ليطعم عائلته؟ بالحقيقة، لو كان يريد ان يطعمهم لكسب قوت يومه بالدينار كما يفعل هذا السائق المسكين. هناك اناس كانوا لا يحلمون بامتلاك دينار واحد في ايام الخير، واليوم اصبحوا يتعاملون بالمليارات. اجل انها هبة من عند الرب. انا متأكد من انها تساوي على الاقل نصف مليون او ربما اكثر. انه المبلغ الذي كنا سنحصل عليه من بيع منزل الوالدة. لقد عوضنا الله به وبالعملة الصعبة. لذلك قررت العودة الى بيتك لامنحك حصتك.

جانيت : حصتي؟ ماذا تقصد؟ هل قلت حصتي؟ اخي هيثم، انت الذي عثرت عليها وانت صاحب المال. فلماذا تمنحني حصة منه؟

هيثم : بل نحن كلانا سُلِبْنا من حقنا. لقد قام اللصوص المارقون القتلة بانتزاع حقنا من بيت الوالدة لذلك اراد الله ان يكافئنا ويعوضنا. فهل تريديني انا ايضاً ان استولي على حقك؟ كلا يا اختي، سنقتسم المال بالتساوي. انه لنا ولعوائلنا.

جانيت : وكم هو المبلغ الاجمالي؟

هيثم : لا اعلم بالضبط. بامكاننا ان نحسبه الآن. خذي انت النصف وانا اخذ النصف الآخر كي نعد المال ثم نقتسم المبلغ الاجمالي بالتساوي.

جانيت : هل نطلع الاولاد عنه؟

هيثم : كلا. بامكاننا فقط ان نطلع زوجك جوزيف عندما يعود من عمله.

جانيت : إذاً دعنا نحسب المال. فحزمات النقود وضعت على طبقتين علوية وسفلية. سآخذ الطبقة العليى لاعدها وانت تعد الطبقة السفلى.

بدأ الاخ واخته يعدان لاكثر من ساعة كاملة وعند الانتهاء اعلنت،

جانيت : مجموع الطبقة العليى هو 499900 دولار

هيثم : مجموع الطبقة السفلى هو 500000 دولار بالضبط. اي ان الحقيبة كانت تحتوي على مليون دولار اصلاً.

جانيت : لكن هناك فرق 100 دولار بين المجموعتين.

هيثم : هذا لاني منحت منها سائق السيارة 100 دولار عندما اوصلني الى هنا. انه مسكين ويستحق الصدقة.

جانيت : إذاً كان فيها مليون دولار بالكامل. يا الهي، كل واحد منا سوف يحصل على نصف مليون دولار.

هيثم : ولكن المشكلة هي كيف سانقلها معي الى بريطانيا؟ فالجمارك في مطار بغداد ومطار لندن سيكتشفونها لا محال.

جانيت : سنفكر في تلك المشكلة فيما بعد. دعنا نضع المال بالحقيبة ونخفيها بمكان آمن كي نتباحث مع جوزيف عن كيفية التصرف بها.

هيثم : ربما سيتمكن زوجك من فتح ورشة تصليح خاصة به كي يكون الدخل كله بجيبه بدلاً من ان يعمل اجيراً يومياً، فتتحسن ظروفكم المعيشية.

جانيت : وما هي الخطوة التالية يا هيثم؟

هيثم : لدي صديق حميم اعرفه منذ الطفولة اسمه ليث سوف استشيره في عملية اخراج المال من العراق. لانه متخصص بمثل هذه العمليات.

جانيت : هل يعمل صاحبك هنا بزيونة؟

هيثم : كلا، لديه مكتب بالكرادة. ساذهب الى مكتبه لاتحدث اليه وساعود لاحقاً.

جانيت : اذهب عزيزي، حفظتك مريم العذراء.

ضغط على هاتف سائق التكسي اسكندر لكن هاتفه كان مغلقاً. فتعجب كثيراً لان خطه لا ينغلق ابداً. حاول مرة اخرى فوجده مازال مغلقاً. لذلك سأل اخته عن رقم شركة تاكسيات اخرى فاخبرته انها تتعامل احياناً مع شركة مضمونة اسمها شركة الغزالي ستتصل بها. تحدثت بهاتفها ثم قالت انهم سيرسلون سيارة اجرة ستصلنا خلال نصف ساعة. هنا صار هيثم يلعب مع الاولاد على لعبة الاكس بوكس. ولما وصل التاكسي ودع الاولاد وركب السيارة لتأخذه الى مكتب صاحبه ليث بالكرادة.

وقفت سيارة الاجرة امام مكتب صغير له باب زجاجي مطل على شارع مزدحم. دخل هيثم وحيى السكرتيرة ليخبرها برغبته في مقابلة ليث. اخبرته ان ليث لم يصل بعد، بامكانه الانتظار. جلس هيثم على كرسي وثير فاحضرت له قدحاً من الشاي. راح يترشف منه ويتأمل المكتب الذي أُثث بطريقة انيقة جداً. وما هي الا ربع ساعة ودخل صاحبه الى المكتب فوقف هيثم وحياه ليمسك بيده ويستدعيه الى داخل غرفته. دخل الرجلان الغرفة فجلس ليث خلف منضدته الكبيرة بينما جلس هيثم امامه فسأل،

ليث : كم مضى من الوقت يا رجل؟ 10، 20 سنة؟

هيثم : بل هي 30 سنة يا ليوثي. قضيتها ببريطانيا والآن لدي عائلة صغيرة متألفة من زوجة وولد واحد وطفلة بالطريق.

ليث : رزقك الله بالذرية الصالحة ان شاء الله. والآن قل لي، كيف استطيع مساعدتك؟

هيثم : لا ادري إن كنت تعلم او لا تعلم فالوالدة قد توفت منذ بضع سنين وبقي بيتها شاغراً. لذلك قررنا انا واختي جانيت ان نبيعه ونقتسم المبلغ فيما بيننا. لكن كما تعلم، بريطانيا ومشاكل الضرائب فيها. لذلك قررت ان الجأ اليك كي تجد لي حلاً. فقد فكرت ان احول المبلغ الى تركيا عن طريق مكتبك وبذلك استطيع ادخاله الى بريطانيا بشكل متقطع على فترات متباعدة خلال اجازاتنا الصيفية.

ليث : ولماذا تأخذ ذلك المنحى؟ لدي حل سيريحك اكثر.

هيثم : يا ريت عزيزي ليث (الله ويدك).

ليث : بامكاني ان احوله الى مكتبنا في اجويررود بلندن بنفس اليوم الذي تسلمني اياه هنا في بغداد ما رأيك؟

هيثم : وكم هي تكلفة التحويل؟

ليث : شريكنا بلندن يتقاضى 4 بالالف. ولكن كم هو المبلغ الاجمالي؟

هيثم : لدي مبلغ قدره 499900 دولار نقداً.

امسك ليث بآلة حاسبة امامه وصار يكبس على مفاتيحها ثم قال،

ليث : سنطرح 4 / 1000 من المبلغ لتصبح الكلفة 2000 دولار تقريباً. ستستلمها بالباوند الانكليزي بمبلغ اجمالي قدره 497900. هل يناسبك ذلك؟

كاد هيثم يرقص مما سمعه من صاحبه قال بحماس كبير،

هيثم : اجل، اجل انه قدر ممتاز. ساحضر لك المبلغ غداً لتحوله.

ليث : وسوف تستلمه زوجتك بنفس اليوم في لندن، عليها ان تقدم معلومات كاملة مع جواز سفرها.

هيثم : هذا شيء مفروغ منه.

ليث : تعال غداً واجلب معك المبلغ وسوف يتم ارساله على الفور بينما تتناول الشاي عندي بمكتبي.

هيثم : ساتصل اليوم بزوجتي كيرا لاخبرها كي تستعد فتأخذ اجازة من المستشفى لانها تعمل ممرضة هناك.

ليث : والآن، ابقى معي قليلاً ودعنا نسترجع ايام الطفولة فلقد اشتقت اليك كثيراً.

هيثم : لا يا ليوثي، يجب عليّ ان اعود الى بيت اختي وساتصل بزوجتي من هناك.

ليث : طيب اخي، حفظك الله ورعاك.

هيثم : وداعاً يا صديقي العزيز.

بعد ان قبّل صاحبه وودعه وداعاً حاراً، خرج هيثم من المكتب وهو في قمة السعادة لان صديقه قدّم له حلاً لم يكن يحلم به ابداً. خصوصاً وان مسألة الذهاب الى تركيا لاكثر من مرة برحلات مكوكية كانت ستثقل عليه المصاريف كثيراً ناهيك عن تكاليف السفر والفنادق في اسطنبول وما الى ذلك. بقي يفكر في الامور التي بامكانه شرائها عندما يعود الى بورموث. فهناك الكثير من المشاريع المؤجلة مثل الاعتناء بالحديقة الصغيرة خلف داره وسيارته التي دخلت سن التقاعد والبدلات التي يحتاج لارتدائها كل يوم والتي هي من جزء من متطلبات العمل بمجال العقارات كذلك الكثير من الالعاب التي طلبها منه ابنه ولم يتمكن من شرائها. وبينما هو يسبح بدنيا الاحلام اثناء سيره على احدى الارصفة بمنطقة الكرادة سمع رنين هاتفه فاخرجه من جيبه ونظر الى الشاشة ليجد مكالمة من شخص (مجهول). فتح الخط ووضع الهاتف على اذنه ليقول،

هيثم : الو، تفضلوا من الطالب؟

فسمع صوت رجل مجهول يقول،

الطالب : كيف حالك يا عمو خالو؟

هيثم : من انت وماذا تريد؟

الطالب : انا لا اريد سوى سلامتك و... ربما المليون دولار التي سرقتها مني.

هيثم : اي مليون؟ يبدو انك تتكلم مع الشخص الخاطيء. انا لم اسرق...

قاطعه الرجل حين قال،

الطالب : اسمع يا غبي، الطفلة ماري عندي وإن لم تعيد نقودي اليوم على الساعة السابعة مساءاً كحد اقصى فسوف تستلم جثتها.

هيثم : انتطر يا اخي دعني اتحدث اليها لو...

اغلق الرجل الهاتف.

يا الهي لقد خطفوا الطفلة ماري ابنة جانيت. ولكن ربما كان اتصالاً كاذباً. دعني اتصل باختي لاتأكد.

ضغط على رقم اخته فاجابت قائلة،

جانيت : اهلاً هيثم، هل تم كل شيء على ما يرام مع صاحبك في الكرادة؟

هيثم : دعكِ من هذا الآن. اين ماري؟

جانيت : ماري؟ اي ماري؟ اتقصد ابنتي؟

هيثم : اجل، اجل ماري. اين هي الآن؟ هل هي معك؟

جانيت : كلا، انا خَرَجْتُ لانتقي بعض الاثاث الجديد للبيت لاننا لم نغيره منذ الاستعمار العثماني. ابنتي ماري الآن مع جارتنا ام صفاء.

هيثم : ارجوكِ اتصلي بجارتك ام صفاء وتأكدي ان ماري لا تزال معها بالبيت.

جانيت : ساتصل الآن وارجع اليك.

بقي هيثم يسير في شوارع الكرادة بتوتر كبير ينتظر اتصال اخته كي تطمئنه على الطفلة ماري. وبعد اكثر من خمس دقائق التي مرت عليه وكأنها خمس سنين رن هاتفه فاجاب عليه مسرعاً وسأل،

هيثم : هل هي مع ام صفاء؟

جانيت : كلا، قالت انها خرجت لتلعب في الشارع لكنها اختفت لانها نادت عليها كثيراً ولم تجيب. ماذا هناك يا هيثم؟ اخبرني بحق المسيح.

هيثم : اتصل بي شخص مجهول وقال انه اختطف ماري وانه يريد استعادة المليون دولار التي سرقتها منه.

جانيت : يا الهي هذا يعني انهم من الفصائل، لقد اختطفوا ماري، ما العمل يا هيثم؟ سيقتلون ابنتي. ما العمل اخبرني؟ كيف سنتصرف؟

هيثم : سنعيد اليهم المال طبعاً كي نسترد ماري. وليذهب المال الى الجحيم.

جانيت : لكنني صرفت منه للتو مبلغ 5000 دولار. دفعتها عربون للاثاث الجديد.

هيثم : هل بامكانك استرداد المبلغ منهم؟

جانيت : في العادة لا يوافقون على اعادة العربون ولكن ساحاول ان اخبرهم بعملية الخطف. لماذا لا تعود للبيت كي نجد حلاً هناك؟

هيثم : ساتي فوراً.

اغلق الخط مع اخته ولوح بيده لسيارة اجرة من الشارع وطلب من السائق الذهاب مسرعاً الى زيونة. وفي هذه الاثناء اتصلت به جانيت لتخبره ان صاحب الاثاث رفض اعادة العربون. وحين وصل البيت دخله وكأنه مجنون فرأى اخته قد وصلت البيت قبله وهي تبكي وتولول في مشهد وكأنه يوم عاشوراء. حاول تهدئتها لكن دون جدوى. كان صراخها يملأ الدار وكان الاولاد يبكون معها. وبهذه اللحظة دخل جوزيف والقلق بادٍ عليه سأل،

جوزيف : هل عثرتم عليها؟

جانيت : لقد خطفوها يا جوزيف. سوف يرجعوها جثة هامدة. هذا ما نسمعه كل يوم. سوف تموت ابنتي. ليتهم خطفوني انا بدلاً عنها.

هيثم : انتظري يا جانيت. ربما سنردها يا اختي.

جوزيف : اختي، هل قلت اختي يا مجرم؟ كل ذلك بسببك. كنا مرتاحين ونعيش بامان حتى جئت الى بغداد لتهدم حياتنا. انت المجرم الحقيقي. سوف لن اسامحك إذا قاموا بايذاء ابنتي ماري. لقد أعمى الطمع قلبك يا سافل.

جانيت : يا حبيبتي يا ماري. اين انت الآن يا روحي؟ اين انت يا وردتي الجميلة؟ هل انت جائعة؟ هل يؤذونك؟ هل قتلوك يا روح امكِ؟

هيثم : لحظة واحدة سنرجع المال اليهم هذه الليلة وستعود ماري، لا تتشائموا.

جوزيف : وكيف تريد ان يكون التشائم إذاً يا عبقري؟ اين المبلغ الآن؟

هيثم : لقد صرفت منه 100 دولار فقط وصرفت جانيت منه 5000 دولار لكن الباقي كله موجود. سوف نحاول ان نقنع الخاطفين بان...

بهذه اللحظة عاد هاتف هيثم يرن. نظر اليه ليقول "انهم الخاطفون. هدوء جميعاً" فتح الخط فسمعه يسأل،

الخاطف : هل تأكدت ان ماري ليست بالبيت؟

هيثم : اجل لكنني يجب ان اتحدث الى ماري، فمن قال انها على قيد الحياة؟

الخاطف : بالتأكيد هذا حقك، انتظر لحظة.

سمعه هيثم ينادي على ماري فاستلمت الهاتف منه وقالت،

ماري : اهذا انت يا عمو خالو؟

هيثم : اجل حبيبتي. هل انت بخير؟

ماري : اجل، هذا الرجل احضر لي لعب كثيرة وطعام كثير. وانا العب والهو واتفرج على التلفاز.

خطفت جانيت الهاتف من يد اخوها هيثم وقالت،

جانيت : انا ماما يا حبيبتي ماري. هل ضربوك هل اعتدوا عليك يا عمري؟ اين انت الآن؟

هنا سحب الخاطف الهاتف منها وقال،

الخاطف : ساتصل بكم الساعة السابعة مساءاً وساخبركم كيف ترجعون لي حقي.

هيثم : اردت ان اخبرك فقط ان...

لكن الخاطف اغلق الخط.

جانيت : يا الهي، يا ربي، سيقتلون ابنتي. سنعطيهم كل ما يريدون، سنبيع بيتنا هذا، سابيع نفسي إن لزم الامر. يجب عليك ان تتصرف يا جوزيف. اعملوا شيئاً يا ناس. ساموت لو وقع شيء للطفلة المسكينة. انها طفلة بريئة.

هيثم : اعتقد ان الوقت يداهمنا وليس هناك مجال للحصول على مثل هذا المبلغ بوقت قصير. لدي فكرة اتمنى انها ستوفر الحل للمشكلة.

جوزيف : ما هي يا رأس المصائب؟ اتحفنا بافكارك النيرة.

جانيت : اخرس انت يا جوزيف، اخبرنا يا هيثم، ما هي فكرتك؟

هيثم : ساتصل بزوجتي كيرا ببريطانيا واجعلها تبعث تكملة المبلغ عن طريق الوسترن يونيون وقد نحصل على الحوالة فوراً.

اخرج هاتفه من جيبه وتفحصه فوجد فيه شحن 5%. صرخ باعلى صوته، "اريد الشاحنة التي بغرفتي اقصد بغرفة ماري في الطابق العلوي".

تسلق مرقس السلم كالمجنون واحضر شاحنة الهاتف ليضعها بكبس الكهرباء. بعدها ضغط هيثم على رقم زوجته ببريطانيا فسمع الهاتف يرن ثم اجابت قائلة،

كيرا : الو هيثم، كيف حالك حبيبي؟

هيثم : حالي جداً سيء يا كيرا، اسمعي مني جيداً. اريدك ان تساعديني بامر جداً جداً مهم وجداً جداً خطير. اسحبي من حسابنا المشترك 4500 باوند وحويليه عن طريق مكتب الوسترن يونيون الذي بآخر الشارع الرئيسي لبورموث الى اسمي، هل تعرفين المكتب؟

كيرا : اجل اعرفه ولكن لماذا تحتاج الى المال؟ كان المفروض ان تأتي انت بالمال لا ان تصرفه هناك.

هيثم : اسمعي مني يا كيرا، ليس لدي الوقت للاخذ والعطاء. ابنة اختي مخطوفة وسوف يقتلونها إذا لم نعطيهم هذا البلغ. اسرعي ارجوك.

كيرا : طيب، طيب ساذهب الآن.

هيثم : فورما يتم تحويل المبلغ، هاتفيني ثانية واخبريني عن رقم الحوالة.

كيرا : حسنا انا خارجة الآن على الفور.

هيثم : هيا اذهبي الآن سانتظر منك اتصالاً. ارجوك اسرعي ارجوك ارجوك.

اغلق الهاف مع زوجته وقال،

هيثم : اطمئنوا، سوف تبعث لنا كيرا المبلغ من حسابنا المشترك.

جوزيف : لكنك طلبت منها 4500. وليس 5000.

هنا وضحت له زوجته قائلة،

جانيت : لقد طلب هيثم 4500 پاوند يا جوزيف وهذا يساوي 5000 دولار.

هيثم : ستذهب زوجتي الآن الى مكتب الوسترن يونيون وستحوله لي. هل هناك مكتب وسترن يونيون قريب منا؟

جوزيف : اجل هناك مكتب في شارع الربيعي.

هيثم : فورما تتصل بي كيرا وتخبرني بانها اودعت المبلغ هناك ببريطانيا فسوف نذهب الى المكتب ونقبضه منهم نقداً.

جوزيف : وماذا عن المئة دولار التي تصرفت بها حضرتك بكل كرم واعطيتها للسائق؟

هيثم : هذا مبلغ ضئيل ساغطيه من عندي هنا. فقد جلبت معي بعض المال.

بقي الجميع متوتراً ينتظر مهاتفة كيرا لزوجها. وبعد مرور ساعتين ونصف رن هاتف هيثم فالتقطه وفصله عن الشاحن لانه اصبح يشير الى 100%. وضعه على اذنه فسمعها تقول،

كيرا : انا الآن في المكتب بوسط البلد، لقد ارسلت المبلغ للتو. بامكانك الحصول عليه الآن فوراً.

هيثم : لا تغادري المكتب وابقي في مكانك. سنذهب الى مكتبهم هنا ببغداد. وفور استلامنا الحوالة ساخبرك كي ترجعي الى البيت. اكتبي لي رقم الارسالية نصاً.

كيرا : طيب هيثم، انا انتظرك هنا.

اغلق الخط معها فرأى اخته تقول،

جانيت : لقد خرج جوزيف وادار محرك السيارة. دعنا نركب معه لنذهب الى شارع الربيعي.

اراد الاطفال ان يذهبوا معهم لكن امهم منعتهم وقالت بان الكبار فقط هم الذين سيذهبون. وبعد عشر دقائق اوقف جوزيف السيارة امام مكتب الوسترن يونيون ونزلوا كالمجانين دون ان يغلقوا ابواب السيارة. تحدث هيثم مع الموظف هناك فطلب منه جواز سفره. سلمه الجواز وبعد ان تأكد من ان هيثم هو صاحب الجواز قام باعطائه مبلغ 4450 دولاراً. اخذها منه والتفت الى اخته وزوجها فسمع جوزيف يقول،

جوزيف : الم اقل لكم ان المبلغ ناقص؟

هيثم : اغلق فمك يا جوزيف. دعني اتصل بزوجتي كيرا لاخبرها بان الحوالة قد وصلت.

ضغط على رقم زوجته فسمعه يرن رنة واحدة لترد عليه زوجته وتقول،

كيرا : ماذا يا هيثم؟ هل وصلك المبلغ؟

هيثم : اجل كيرا، المبلغ معنا شكراً حبيبتي. الآن سوف نعطيه للخاطفين وسنسترد الطفلة منهم.

كيرا : ساصلي من اجلها. ارجوك طمّني عندما ترجع الطفلة اليكم.

اغلق الهاتف مع زوجته وقال،

هيثم : الآن علينا ان ننتظر هاتف من الخاطفين كي نسلمهم المبلغ ونسترد ماري.

جوزيف : لقد حصلت حالات كثيرة في بغداد ان سلموا المبلغ للخاطفين لكنهم يقومون بقتل الرهينة.

جانيت : الله يستر، لا تقل هذا الكلام يا رجل. ابقي ايمانك بالله. دعنا نعود للبيت الآن لنجهز باقي المبلغ.

دخل الثلاثة البيت فذهبت جانيت واحضرت الحقيبة الدبلوماسية التي تحتوي على المال واضافوا اليها المبالغ الاخرى وصاروا يعدونها من جديد حتى اعلن هيثم قائلاً،

هيثم : المبلغ كاملاً الآن، اصبح مليون دولار.

جوزيف : واحسرتاه، كان لدي احلام كثيرة بهذا المبلغ.

جانيت : ابنتي اهم كثيراً من المال. اتمنى ان تعود لنا سالمة.

هيثم : انشاء الله.

بقي الجميع بحالة توتر كبير ولم يسمعوا اي اتصال من الخاطفين. وبعد مرور ساعة اتصل الخاطف ليقول،

الخاطف : ها، ماذا فعلتم؟

هيثم : المبلغ جاهز، هل ستسلمنا الطفلة؟

الخاطف : اذهب الى مطعم اسمه مطعم ابو سمينة في الجادرية وستعطيهم المبلغ هناك.

هيثم : وتسلمني الطفلة بنفس الوقت؟

الخاطف : اولاً ساعد المبلغ واتأكد انه كاملٌ 100% . بعدها سوف تصلك الطفلة.

هيثم : سؤأل واحد لو سمحت. كيف عرفت انني انا الذي اخذت الحقيبة؟

الخاطف : لقد حققنا مع سائق التاكسي المرحوم اسكندر فاعطانا عنوان اختك في زيونة.

هيثم : لماذا تقول عنه مرحوم؟

الخاطف : لاننا انهينا معاناته في هذه الحياة.

اغلق الخط بعد تلك الجملة. نظر هيثم الى جوزيف وقال،

هيثم : لقد قتلوا سائق التكسي اسكندر المسكين. ولهذا لم يكن يرد على اتصالاتي. ولكن كيف اصل الى مطعم ابو سمينة؟

جوزيف : انه في الجادرية، انا اعرفه جيداً. خذ الحقيبة وتعال معي.

خرج هيثم وجوزيف بالسيارة وانطلقا مسرعين متجهين الى المطعم. ولما وصلا هناك رأى المطعم خالياً من الزبائن. جاء احد العمال عليهم وسألهم قائلاً،

عامل : لقد جاء رجل وقال انكم ستحضرون حقيبة دبلوماسية وتسلمونها لي. هل احضرتم الحقيبة معكم؟

نظر جوزيف بوجه هيثم متسائلاً، فاومأ هيثم برأسه كي يعطي الحقيبة للنادل. امسك النادل بالحقيبة ودخل المطبخ. قال جوزيف،

جوزيف : سوف نخرج الآن.

بعد مرور نصف ساعة وبينما كان الرجلان بالسيارة راجعين الى البيت بزيونة سمعا صوت هاتف هيثم يرن فاجابه ليسمع صوت الخاطف يقول،

الخاطف : لقد حسبنا المبلغ فاتضح انه كامل لذلك سوف تصلك ابنتك عن قريب.

هيثم : هل ستحضروها الى...

لكن الخاطف اغلق الخط.

جوزيف : ماذا قال؟

هيثم : قال ان المبلغ كاملاً وانهم سوف يحضرون ماري.

جوزيف : ان شاء الله.

وصلت السيارة البيت فخرجت جانيت والاولاد ليستقبلونهما، لكنهم اصيبوا بخيبة امل. فقد كانوا يتوقعون ان تأتي ماري معهم. دخلوا غرفة الاستقبال فقال جوزيف،

جوزيف : لقد سلمناهم المبلغ. وبعدها اتصل احد الخاطفين وقال انه قام بعد المبلغ وانه سوف يجلب لنا ماري.

فرح الجميع بهذا الخبر لكنه فرح مشوب بالشك. بقوا ينتظرون وينتظرون وينتظرون حتى مرت اكثر من ثلاث ساعات. فجأة سمعوا الباب الرئيسي ينفتح وتدخل منه الطفلة ماري لتفتح ذراعيها وتقول بالانكليزية،

ماري : I am back guysها قد عدت يا شباب.

ركضت امها اليها وحملتها لتمطرها قبلاً وتظمها الى صدرها. التف حولها اخوانها ثم حملها ابوها وصار يقبلها واخيراً تمكن هيثم ان يلتقطها من ابوها وراح يقبلها فسألها اخوها،

حنا : هل انت بخير؟ هل ضربوك هل جوعوك؟

ماري : كلا، كانوا يعتنون بي كثيراً وقد منحوني الكثير من اللعب وفتحوا لي التلفاز لاتفرج على بيبي باص باللغة الانكليزية. لقد استمتعت بوقتي كثيراً. ليتهم يخطفونني من جديد.

جوزيف : ما هو بيبي باص باللغة الانكليزية؟

ماري : انه افلام رسوم متحركة يا عربنچي، هكذا وصفك عمو خالوا.

جانيت : حمداً لله. لقد عادت الطفلة ساقوم بشعل شموع بالكنيسة. لم اكن اتصور انها ستعود ابداً.

هيثم : وانا ساحجز على اقرب رحلة الى بريطانيا.

جوزيف : بما ان الطفلة قد عادت الآن فلماذا تسافر انت يا هيثم؟ ابقى معنا قليلاً فانت قد وصلت منذ قليل.

ايدت الكلام جانيت وتسائلت،

جانيت : هذا صحيح يا هيثم، لماذا تعود؟

نظر الى اخته وزوجها والحزن بادٍ في عينيه هز رأسه وقال،

هيثم : (من البصرة طلعت ولا عود، وما بجيبي جگارة ولا عود، وما اريد اسمع كمنجة ولا عود). دعوني يا أحبابي ارجع ادراجي لارى عائلتي هناك ببريطانيا. فلقد اكتفيت مما اصابني من توتر في العراق الديمقراطي الجديد. إذا بقيت هنا اكثر من ذلك فربما ساسبب لكم المزيد من الكوارث. بالاضافة الى ذلك، اريد ان اكون متواجداً يوم تولد ماري.

ماري : لكنني مولودة واقف امامك هنا بحسني وجمالي. هل اصبت بالزمايمر؟

نظر اليها وقال،

هيثم : اولاً اسمه الزهايمر حبيبتي. اما ماري فهي ابنة خالك الجديدة التي ستلد باي وقت الآن.

ماري : اها، اتمنى ان تكون جميلة وذكية مثلي.

هيثم : اتمنى ان تكون نسخة مطابقة لك حياتي فانا احببتك كثيراً.

ماري : وانا احببتك ايضاً لانك عاقل ولا تعمل المشاكل مثل باقي الناس.

قالتها وهي تنظر الى والدها جوزيف. هنا تسائلت جانيت قائلة،

جانيت : الا زلت تفكر باحضار محامي من بريطانيا لتأتي به الى بغداد وتطالب بالبيت؟

هيثم : لا ابداً، لقد تبت وتعلمت درساً لن انساه في حياتي. تعلمت ان التعامل مع الاشرار لا يولد الا الشر. سارحل وانسى الموضوع وعوضي على الله.

باليوم التالي حجز هيثم رحلة العودة على متن طائرة الخطوط الجوية العراقية كي يسافر خلال ثلاثة ايام.

<<<<<<<<<<

وبعد ثلاثة ايام اي بيوم السفر

رن هاتف السيدة سراب صاحبة صالون سراب للتجميل. المكالمة كانت من شخص مجهول لم يظهر اسمه على شاشة هاتفها لكنها عرفت الطالب تماماً واجابته قائلة،

سراب : ها، هل سافر صاحبك؟

. اجل سافر. رأيته يركب الطائرة ويعود الى بريطانيا بلا عودة.

سراب : هل ارجع اليك اموالك؟

. اجل لقد اعادها كاملة حتى آخر دولار.

سراب : وهل تعتقد انه سيعود الى بغداد مع محامي ليطالب ببيت امه من جديد؟

. لا اعتقد ذلك. استعملنا معه طريقة تسمى (مصيدة الفيران). فقد قمت باللازم وانزلت الرعب بقلبه وقلب اخته عندما خطفت الطفلة ماري.

سراب : أه صحيح، نسيت ان اسألك، من الذي ارجع الطفلة الى بيتها بعد الاختطاف؟

. انا طبعاً. فانا الذي خطفتها من الشارع وانا الذي ارجعتها للشارع بالقرب من دارها لانني قمت بتوصيل خالها لزيونة عندما وصل الى بغداد كذلك اخذته بعدها الى شارع فلسطين لذلك اعرف العنوان جيداً.

سراب : لكنك جازفت كثيراً باموالك عندما وضعت الحقيبة الدبلوماسية بالكرسي الخلفي.

. لا ابداً، لقد علمت انه شخص ساذج وسوف تنطلي عليه الحيلة لانه سيضحي بالمال مقابل الطفلة.

سراب : ماذا لو لم يتنازل عن المال؟

. لو لم يتنازل عن المال لكنت ساصفيه هو وعائلته جميعاً حتى عائلته ببريطانيا. هذا مليون دولار يا حبيبتي. كل ما خسرته بهذه الصفقة هي النقود (البرطيل) الذي منحته للموظف الكهل بمديرية التسجيل العقاري. لكنه بصراحة كان ممثلاً بارعاً يستحق الـ 500 دولار. لكننا ربحنا كثيراً في الصفقة.

سراب : والله انت حقاً ذئب يا اسكندر. ولكن لدي تساءل في ذهني كاد يؤرقني، كيف عرفت بمجيء هيثم الى بغداد ورغبته ببيع منزل والدته؟

اسكندر : لدي شريك في بريطانيا اسمه عزيز العاني. عزيز هذا هو الصديق المقرب لهيثم ويسكن ببورموث في بريطانيا، عرف عزيز من هيثم كل التفاصيل واخبرني عنها وعن موعد وصوله الى بغداد فتربصت له بالمطار ونقلته الى منزل اخته بزيونة.

سراب : ونعم الصديق. طيب يا عزيزي وداعاً الله ومحمد وعلي وياك.

همت سراب باغلاق الخط لكن اسكندر ناداها قائلاً،

اسكندر : سراب، سراب انتظري عندي لك خبر دسم سيبعث الفرحة في قلبك.

سراب : تكلم اسكندر فاخبارك كلها مفرحة ومربحة.

اسكندر : هناك مغترب آخر جديد سوف يأتي بالطائرة الى بغداد من (سكوتلندا) خلال اسبوع. لديه عقار بالمنصور ويريد بيعه. اسمه صهيب المصرف.

سراب : يا سلام عليك يا اسكندر يجب ان اطلق عليك لقب صياد الغزلان او ربما صياد العقارات. فالمنصور حقاً بحاجة الى فرع من فروع صالونات سراب للتجميل. اجل انا موافقة. قم باللازم ويدي بيدك.

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1070 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع