هيفاء زنگنة
يبدو ان آمال الحالمين بالوحدة العربية، المنسية حاليا، على وشك ان ترى النور وفق مسار طالما شهده تاريخ الامة العربية المعاصر. المسار المعني هو وحدة الحكومات في قمع شعوبها.
في توأمة استبدادها. وآخر المبادرات، في هذا المجال، نابعة من النظام العراقي على الرغم من صعوبة تصديق بعض ما يدور من احداث في العراق اما لبشاعتها او لفرط غرابتها، وما تحمله من مفارقات بعيدة كل البعد عن حدود المألوف.
فللعقل حد معين للتقبل يصل بعده الى نقطة يرفض فيها تقبل اي شيء ما لم يتم تحويله الى شكل جديد ليتقبله. ويبدو للمتابعين للشأن العراقي، بان حدود العقل لم تعد تتسع لغرائب حقبة حزب الدعوة وأمينه العام ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ( من بين القاب اخرى) نوري المالكي. وآخر الغرائب الصادرة عن المالكي توجهه الى الحكومة المصرية، أو، الحاكم الفعلي الجنرال عبد الفتاح السيسي. مؤكدا وقوفه، بقوة، الى جانبها ‘في فرض سيادة القانون وبسط الأمن والسلم الأهلي ‘مناشدا اياها’ ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتفويت الفرصة على أعداء مصر وشعبها’. معربا عن بالغ قلقه ‘نراقب بقلق بالغ التطورات الأمنية الجارية والتي راح ضحيتها العديد من القتلى والجرحى في مؤامرة تستهدف النيل من إرادة الشعب المصري العزيز′. داعيا ‘المصريين كافة إلى نبذ العنف والجلوس إلى طاولة الحوار درءا للفتنة التي يريد من يقف وراءها النيل من دور مصر الريادي’.
ان كل جملة في هذه الرسالة، المعنية ظاهريا بالحرص على الشعب والامن والدور الريادي المصري، تشكل كذبة لامثيل لها، حين تقارن بممارسات المالكي في العراق، آخذين بنظر الاعتبار الصلاحيات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية الهائلة التي يتمتع بها وحزبه. مما يستبعد امكانية وصف دورهما بانه مجرد فاشل سياسي. انه شيزوفرينا شخص ورضا، او سكوت (لئلا نتهم بالتعميم) حزب على شخص أمينه العام ، وهو يشهر تهمة الارهاب على رقبة كل محتج ومتظاهر. أنه يعمل وفق قانون ارهابي شرّعه الإحتلال الأمريكي في مرحلة ‘الحرب على الإرهاب’ التي أدخلته في مأزقه الراهن، والتي يجهد الغرب في تجاوزها. واذا كان مقياس ضرورة تغيير الحكم، عسكريا بمصر، هو فشل الاخوان المسلمين، في تحقيق أي انجاز لصالح الشعب، خلال عام واحد فقط من تبوأهم الحكم، ألا يصح استخدام المقياس ذاته، للتطبيق في العراق، بعد مرور ما يقارب العقد من الزمن، على فشل حكومة الاحتلال وتخريبها الطائفي الذي تغلغل الى بنية المجتمع ؟ أم ان ازدواجية المعايير تعني ان فشل حكومة مرسي يعني نجاح حكومة المالكي؟
ان تحذير المالكي لنظيره السيسي، صاحب السلطة الحقيقية بمصر اليوم، من ‘أعداء’ مصر وشعبها و’الفتنة’ و’المؤامرة’،، انما يساهم في حفر ذات الخندق الذي حفره بالعراق حين يصف، في كل كلمة يلقيها، من يعارضه، بالارهابي او عدو الشعب العراقي. انه، باستهانة لامثيل لها، يصف المعتصمين بانهم ‘أعداء مصر وشعبها’. وهم الذين اعتصموا بالآلاف، على مدى اسابيع، في ساحات عاصمتهم ومدنهم المختلفة، والذين تم استهدافهم واعدامهم رميا بالرصاص، باسلحة الجيش والشرطة، امام انظار العالم كله. وليكونوا من يكونون: اخوانجية او قومجية او ليبرالجية.
ما هو سبب اعلان المالكي وقوفه بقوة بجانب الحاكم العسكري محمد السيسي ومن قبله بشار الاسد في سورية؟ هل لسلوكهما المتماثل ازاء المتظاهرين والمعتصمين في بلديهما؟ أم انها وحدة المستبدين اينما كانوا؟ حيث سبق المالكي السيسي في استهداف المتظاهرين في الفلوجة اولا ثم قتل المعتصمين في الحويجة، وتواصل قواته حملة اغتيال قادة التظاهرات وتصفيتهم بشكل يومي. فلم لم يقم المالكي، كما ينصح السيسي بـ اممارسة أقصى درجات ضبط النفسب ايامها؟
ماذا عن دعوته ‘المصريين كافة إلى نبذ العنف والجلوس إلى طاولة الحوار درءا للفتنة’؟ اليس هذا هو المضحك المبكي بعينه؟ أم لعله بات يصدق اكاذيبه التي يغمر بها العراقيين، عادة، فصار يتوهم بان من واجبه تعميمها على شعوب العالم كله؟
لقد اثبتت سنوات حكم حزب الدعوة، بشخص أمينه العام، ان ترجمة شعار ‘نبذ العنف والجلوس إلى طاولة الحوار’، في الواقع العراقي، يعني الاعتقال والمداهمات، التعذيب والاغتصاب، الفساد بانواعه، وتمزيق نسيج المجتمع العراقي، عبر تحويل الطائفية من عارض مؤقت الى مؤسسة طاغية. ويكفينا مثالا تجاهل وقمع آلاف المتظاهرين، في العديد من المحافظات والمدن، منذ 25 كانون الاول / ديسمبر وحتى اليوم. وكانت تظاهرات ساحة التحرير ببغداد، عام 2011، قد تحولت، منذ يومها الاول، الى ‘قمع لحرية التجمع بشكل وحشي’، حسب تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الدولية.
والأدهى من ذلك، تباهي المالكي، يوم 14 آب 2013، بأنه ‘ قد تم بحمد الله اعتقال اكثر من 800 مطلوب من الارهابيين للقضاء وقتل العشرات في اشتباكات مسلحة معهم’، ضمن حملة اعتقالات ومداهمات واسعة أطلق عليها أسم ‘ الثأر للشهداء’. فهل سمعتم، بالله عليكم، برئيس وزراء يقود حملة ثأر؟ ضد من ؟ الا تكفي الدعوة الى الثأر وما تحمله من تحريض على العنف وشرعنة القتل لاعتقاله ومساءلته قضائيا؟ واذا كان ‘التحريض على العنف أو الكراهية أو القتل’ و’التمييز بين العراقيين’ من بين الاسباب التي يستخدمها النظام لمنع التظاهرات واتهام المتظاهرين بجرائم جنائية، وفق تعليمات 2011، الا يتوجب تطبيق التعليمات ذاتها على المالكي الذي يصف نفسه بانه ‘رجل دولة القانون’؟
في تقرير هيومان رايتس ووتش، الصادر منذ ايام، بعنوان ‘العراق: يجب الكف عن منع المظاهرات’ تفاصيل دقيقة حول معاملة النظام للمتظاهرين واستحالة حصولهم على ترخيص وفق تعليمات 2011 التي ‘تمنح على نحو مؤثر سلطة مطلقة للسلطات لتحديد من يحق له تنظيم مظاهرة’ .وتعرض شباب حاولوا التجمع في ساحة التحرير، ببغداد، 2 آب/أغسطس، للاعتقال والضرب والتهديد، وحسب شهادة احد الشباب: ‘ ‘قام الجندي بضربنا وركلنا، ووصفنا بالخونة، وسألنا عمن دفع لنا المال حتى نتظاهر’. كل ذلك، لمجرد انهم ‘حاولوا الاحتجاج على الفساد واستمرار الانزلاق نحو العنف في العراق’. ووجهت الشرطة إلى الأشخاص المعتقلين تهمًا وفق المادة 240 من قانون العقوبات، التي تعتبر ‘مخالفة الأوامر الصادرة عن الشرطة’ عملا إجراميا، لأنهم حاولوا التظاهر دون ترخيص.
ان رسالة المالكي تبين ان الحكام، في مرحلة نشوة الاستبدادي، تجمعهم رابطة دماء شعوبهم الملطخة لأيديهم. انها الدماء التي دفعت ليدي ماكبث، في مسرحية ماكبث لشكسبير، الى الأرق المميت لأنها ادركت بان مشاركتها في جريمة قتل سيغطي يديها بالدماء الى الابد ولن تتمكن كل عطور الجزيرة العربية من تخليصها من رائحة الدم. فلا عجب ان يتوحد المستبدون، على الرغم من خلافاتهم، ليحققوا وحدة الاستبداد. والامثلة كثيرة تمتد بين حكام البلدان العربية، لا شعوبها، من المحيط الى الخليج.
956 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع