عادل شهاب الاسدي
جورج غارسيا .. يعمل بروح الإسلام وليس مسلما !
بطل حكايتنا من كولومبيا واحدٌ من بلدان أمريكا الجنوبية الواقع بين سهول اللاتوس شمالا وحوض الأمزون جنوبا . انه بلد الروائي الأشهر ( غابريل غارسيا ماركيز) . ولم تك حكايتنا من نسج الخيال ولا هي من بنات الأفكار بل هي مشاهدة عينية وحقيقية لنموذج قلّ نظيره في واقعنا الحالي . انه جورج غارسيا . عرِفتُهُ بعد ان عرضته أحدى الفضائيات وهو بصحبة الطباخ العالمي ( التشيف جيمي ) .عاش غارسيا طفولة بائسة في موطنه فعرف الحرمان والعوز وعضه الفقر بنابه مئات المرات. وجد جورج نفسه على قارعة رصيف من أرصفة أحدى مدن الولايات الأمريكية بعد ان انضمَ إلى قائمة المهاجرين ممن هربوا من واقعهم القاسي ألى الحلم الأمريكي الكبير. هناك عانى ما عانهُ : تسكع في الطرقات ونام في الحدائق وتحت الجسور والأنفاق ؛ حتى تمكن في النهاية من الحصول على فرصة عمل كسائق في إحدى المدارس ، ثم استطاع أن يفتح مطعما في بيته الصغير المستأجر . فماذا فعل ؟ .
دأب على إعداد كميات من وجبات الطعام كان يضعها في صناديق ويمضي بها إلى تجمعات المتشردين والمهاجرين الجدد القادمين من بلده ومن بلدان أخرى . كان يتفقد أولئك الجائعين المعوزين فيأتيهم ليلا بوجبة عشاء وأحيانا يمنحهم وجبة إضافية ساخنة مع وجبة إفطار لليوم التالي، حتى انهم باتوا ينتظرون قدومه كل ليلة وكأنَّ عمله هذا قد أصبح منهاجا أو نشاطا ضمن أنشطته اليومية دون كلل او ملل .حتى أضحى مصدرا لبلوغ سعادته حتى صار يذكرنا بـ (كحاتم طي) كولومبيا وما جاورها من بلاد ، علما بأنه لم يعرف او يسمع بحاتم طي ذلك الرجل العربي الذي اشتهر بكرمه ، أو أنه رجل صالح تقي يعمل بروح الإسلام الحنيف كريما سخياَ محسناً لكل من يجده جائعا أو محتاجا..قال الله تعالى في محكم كتابه : ( بلى من أسلمَ وجههُ لله وهو محسنٌ فله أجره عند ربهِ ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون - البقرة آية 112) ، وقال سبحانه وتعالى : ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).وهنا يصور لنا سبحانه منزلة الكريم وكيف يكون الكرم شرطا لبلوغ مرتبة التقوى ! ترى هل لجورج الكولومبي نصيب فيما تعنيه هذه الآية الكونية العظيمة ؟..الجواب نعم دون ريب ..
تذكرنا هذه القصة أو الحكاية الصغيرة والكبيرة بمفهومها ومعناها الإنساني الكبير ، بمحدثي النعمة في بلدنا أثرياء الحرب راكبي الموج ! أشبه بمناشير الخشب (صاعد واكل نازل واكل) على حد تعبير المثل المصري ! شغلهم الشاغل هو جمع المال مهما اختلفت الطرق وتعددت الأساليب .
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الهُمَزة( ويلٌ لكل هُمزَةٍ لُمَزة * ألذي جمع مالاً وعدده * يحسب أن مالهُ أخلَده * كلا لَيُنبَذَنَّ في الحطمة ) صدق الله العظيم .
هل نلقى اليوم منهم نموذجا كنموذج جورج هذا ؟ وهل يكرسون من أموالهم إعانات مجزية للفقير والمتعفف ولصلة الرحم ولأيتام الحروب والارهاب والأرامل والمريض والمحتاج وإبن السبيل والباحثُ عما يقيم أوده ؟ هل تُصدق أن بعض هؤلاء يتفاخرون ويتنابزون ويراءون في عطاياهم ، هل ساهم بعضهم في مشروعٍ خيري ؟ هل تصدق أن فئة من أثرياء واقعنا الجديد وبدلاَ من أعمال البر والإحسان يتحولون إلى ديناصورات ومصاصي دماء ؟ نتحدث اليوم عن ان عالم الغرب على أنه مادي بحت ! وعالمنا روحاني بحت ! فهل ينطبق هذا على حكاية جورج الكولومبي الذي يعمل (بروح الإسلام وليس مسلما ) ؟! أسألوا السوق وحيتانه واللصوص والبلد المنهوب و السراق وآكلي السحت !
1122 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع