د.عبدالقادر محمد القيسي*
بداية، ان موضوع المحامي وتقديمه الرشوة اصبحت ظاهرة سلبية دون قيام مجلس النقابة بخلق آليات للتصدي لظاهرة الفساد المهني (الرشوة)، والحد من امتدادها افقيا وتشعبها عاموديا..
واخطر ما في «الرشوة» انها تحولت الى سلوك أو ثقافة مزمنين لدى البعض، مما دعانا ان نؤشر على ذلك، مستندين على مشاهداتنا الميدانية في المحكمة الجنائية المركزية في ساعة بغداد من سنة 2005 الى 2012، حيث مارست عملي كرئيس غرفة المحامين، ومقالتنا هذه ليست فيها أي تجريح لمهنة المحاماة او لشخص المحامي؛ لجهة ان كل مهنة فيها الخائن والامين والرفيع والوضيع والجاهل والعالم، ثم ان بعض المحامين قد يسيء التصرف، ولا تدان المهنة كلها بذلك، وللنجاح في المحاماة شروط كثيرة، كعلم واسع في القانون والمهارة في استنباط الأدلة وسردها والمقدرة الخطابية والصدق والالتزام بأخلاقيات وآداب المهنة، وهناك ضرورة للوقوف على هذه الظاهرة المؤسفة؛ بعيدا عن القفز على الحقائق وتحريف الوقائع، ومقالتي تحت عنوان دعم مهنة المحاماة من خلال تصويب عملها والتأشير على المظاهر السلبية والجرمية، ونتمنى من قراء مقالتنا هذه ان يكونوا منصفين وشفافين بعيدا عن التجريح بالأخرين لان الاعتراف بالخطأ فضيلة ولو خليت قلبت، ونقول:
(المحاماة مهنة شريفة تؤدي خدمة عامة تعيش في ظل الحرية وتنمو في رحاب العدل وتعمل تحت راية سيادة القانون، وهي رسالة ذات غاية قومية وإنسانية نبيلة تستهدف الدفاع عن الحقوق الطبيعية والموضوعية للأفراد والأمة والوطن والإنسانية، وهي تسعى لتوفير العدل والحرية وسيادة القانون لكل المواطنين) .
ان الرسول (ص) وضع الأساس المتين لبناء المجتمع السليم ولاسيما فيما يتصل بقضية الرشوة فقال عنها رسول الله (الراشي والمرتشي في النار) ،(لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما).
فهي عمل لا أخلاقي ويتنافى مع الدين ومع صالح المجتمع، يقول تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون).
وحديث الرسول الاعظم قطع الطريق امام من يضع قائمة طويلة لتبرير دفع الرشوة او يسميها الاكرامية، ويتخذ قاعدة الضرورات تبيح المحذورات، وان حرية موكله تستوجب تقديم الرشاوى والغاية تبرر الوسيلة وغيرها من المبررات الواهية، لان الحديث النبوي الشريف واضح ولا يقبل الاجتهاد والتأويل، حيث أن انتشار الرشوة تضعف ثقة الأفراد في السلطة العامة ونزاهتها، وانتشارها يؤدي إلى الإخلال بالمساواة بين المواطنين وإثارة الأحقاد والضغائن والتباغض بينهم، ورواج الكيد والغش وكثرة السماسرة المتاجرين بحقوق الناس، حتى يغدو المجتمع غابة يكون البقاء فيها للقادرين على الدفع، وبخاصة، ان تقديم الرشوة، اثر على عمل بقية المحامين المهنين الذين يرفضون هذه الممارسة واثرت على المتهم والمدعي بطريقة مؤلمة، من خلال استنزاف موارده.
بغض النظر عن أخلاقيات المهنة، يتمادى بعض رجال المحاماة في عدد من التجاوزات القانونية، المكشوفة أحيانا والمتستر عنها في أغلب الحالات الأخرى، حيث يتفنن بعضهم، بحكم معرفتهم بشعاب القانون، في رسم سيناريوهات قد يذهب ضحيتها موكليهم من المواطنين، لينقلب بذلك رجل الدفاع إلى جاني في حق من ائتمنه على مصالحه، ولعل أبرز وجوه هذه التجاوزات، جريمة تقديم الرشوة، ومن صورها:
اولا : قبول المحامي بالتواطؤ ضد موكله، حيث يقبل بعض المحامون بتلقي رشاوي لأجل عرقلة إجراءات إحدى ملفات موكليهم أو لأجل غض النظر عن إجراء معين والاكتفاء بإجراءات أخرى قد تسمح بخسارة الدعوى المرفوعة؛ فكثيرة هي القضايا التي يمكن للإنسان ربحها في حالة استطاعته شراء ذمة دفاع خصمه، وفي احدى الدعاوى الشرعية قام محامي الزوجة بالتوقيع على محضر استلام الاثاث الزوجية لدى دائرة التنفيذ، لقاء مبلغ مالي ومن دون ان تستلم الزوجة أي قطعة اثاث وبدون علمها، كما أن الكثير من المحامين يُعقبون على أن المطلوب منهم هو القيام بتطبيق القانون، والتي لا تفضي بالضرورة إلى ربح الدعاوي التي يدافعون عنها، الشيء الذي يصبح معه تملص المحامي من مسؤولياته أمر غاية في السهولة، خصوصا أمام مواطنين بسطاء أغلبهم لا يعرف الكتابة أو القراءة، وبالأحرى دهاليز المحاكم وأسرارها، وحتى في حالة وجود بعض رجال المحاماة أمام مواطنين قادرين على التأكد من حسن سير قضاياهم، الظاهر أن العقوبات التأديبية المترتبة عن إخلال المحامي بواجبه، لا ترقى إلى مستوى التعويض عن الأضرار الناجمة، حيث غالبا ما يفسر ذلك الخطأ المهني بمجرد سهو، لا يعكس بالضرورة نية الإساءة للموكل أو لمصالحه.
ثانيا: ابتزاز بعض المحامين لأموال موكليهم تحت طائلة استعصاء الحصول على حكم إيجابي ( كالافراج او تقليل الحكم او اطلاق سراحه او أي حكم اخر) إلا إذا تم إرشاء ذاك القاضي أو غيره، فالارتشاء إذا كان أمرا واقعا، فإن استثماره من طرف المحامي يكون على وجهين، الوجه الأول، عبر عرض خدمة الوساطة لدفع الرشوة، وهي عملية لا يمكن للموكل التأكد من قيمتها الحقيقية، فتسمح للمحامي، بعد وساطته، بالحصول على مبلغ مالي قد يتجاوز قيمة الرشوة المسلمة، الوجه الثاني هو افتعال رشاوي وهمية في قضايا قد لا تحتاج إلا لبعض الإجراءات البسيطة.
أن المحاماة مهنة شريفة ونبيلة، وخدمة إنسانية قبل أن تكون تجارة، لكن هناك عدد من المحامين يتخطى ميثاق الشرف وأخلاقيات المهنة، والأحكام المنظمة للمهنة، وهناك محامين يشوب سلوكهم الانحراف والتصرفات التي تنم على عدم احترامهم للقانون، وتحقيقهم للثراء الفاحش على حساب المتقاضين، وفي فترة قياسية وقسم منهم لا تتجاوز صلاحيته (أ) او (ب)ولم يمضي على خدمته في مهنة المحاماة سنوات بسيطة، بل ان البعض منهم يمارس عمله خارج صلاحيته المدونة في الهوية، من خلال استغفال المحكمة وعدم تدقيقها لهوية المحامي بسبب كثرة الدعاوى.
والمثير للاستغراب، أن يقوم عدد محدود من ''المنتسبين للمهنة'' بالعمل من دون أي ضمير مهني، ويتعاملون بمنطق الاحتيال، خصوصا وأن منهم من يوهم موكله أو عائلته بتمكينه من حكم البراءة، في الوقت الذي يبقى المحامي مسؤولا عن عمل وليس نتيجة''، والتأكيد على أن القاضي فلان يطلب منه رشوة من أجل الحصول على هذا الحكم أو عقوبة مخففة.
المحامي يستطيع أن يتأكد من حقيقة التهمة ومدى مسؤولية موكله تجاهها ثم يحاول أن يجد ما يخفف الحكم عن موكله إذا كان مقتنعاً أن هناك ظروفاً توجب ذلك، ولكن ليس من حقّه بل لا يجوز له أن يحاول تبرئة موكله من التهمة الموجهة إليه وهو يعلم أن الحقيقة خلاف ذلك، حيث لاحظنا بحكم المشاهدات الميدانية، ان بعض المحامين والمحاميات يحاولون تحريف الحقائق وتزيفها من خلال الاتفاقات المظلمة برفع اوراق او تغيير افادات او التلاعب بإضبارة الدعوى بمساعدة البعض من القائمين على التحقيق، ومن خلال عرض رشاوى قيمة، تارة عينية ( كارتات او موبيلات ثمينة، او دواء غالي الثمن كما حصل ذلك في احدى المرات، او اثاث فخم وقد تصل الى عقار اذا كان التلاعب يؤدي الى نفي الاتهام نهائيا وغيرها كثير) وتارة اخرى مالية واكثرها بالدولار، وهناك بعض المحاميات والمحامين صعدوا من بورصة الرشوة من خلال الدفع المبالغ فيه، وفي احدى المرات ابلغتني احدى المحاميات انها دفعت 800$ لأجل قراءة دعوى، ومحام اخر اخبرني بانه اتفق على تدوين افادات موكله خارج العراق وانه دفع حزمة كبيرة من الدولارات لأجل انتقال القاضي والمحقق لذلك البلد وتم الافراج عنه( والعهدة على القائل) وغيرها من صور تقديم الرشاوى بتفنن وحماسة فائقة في كيفية تقديم الرشوة وضمان القبول، وقد كانت هناك عدة ممارسات من بعض المحامين والمحاميات بتقديمهم الرشوة تم كشفها وقد تم اقامة عليهم شكاوى جزائية وتأديبية، وبعضها انتهى بسبب التدخل لتفادي الإجراءات القانونية.
ان تجاوزات بعض المحامين في إفساد جهاز العدالة، ادت الى تراجع مهنة المحاماة من حيث النظرة عليها في المجتمع العراقي ونبلها، مؤكدين أن وجود الرشوة والفساد مرتبط بتشجيع بعض القضاة والقائمين على التحقيق على ذلك.
ولاحظت من خلال عملي في لجنة الشكاوى في نقابة المحامين ان هناك ادعاءات ترد من بعض المشتكين، بأن المحاماة فيها تشويه للحقائق من اجل الكسب المادي والمحامين يضعون اهتماماً لإتعابهم أكثر من مصلحة موكليهم ، وهناك محامون يصنعون الدعاوى، ويحبون أن تتصل الخصومة ولا تنفصم، وعلى اثر هذا التعليل والتحليل وصرف المال في سبيل اتصال الدعوى، سئم الناس منها واشتد بُغضهم لها، وصار صاحب الحق يتخلى عن حقه الواضح، استبقاء لراحته وتوفيراً لماليته ومن الشائع وسط العامة أن المحامين هم من يقومون بأدوار الوساطة في عمليات الرشوة داخل جهاز العدل، فهل هناك آليات لمراقبة هذه العملية؟
ان الرشوة موجودة في كل مجالات المجتمع وهي ليست حكما على القضاء وحده، وإلا فأي إدارة خالية من الرشوة؟
صحيح أن القضاء يأخذ هذا النوع من التميز بالنظر لحساسيته، لكن الصعوبة في إثبات وجود الرشوة، فحينما يلتزم كل من الراشي والمرتشي الصمت، كيف يمكن اكتشاف الرشوة. قد يحس الإنسان بوجودها من خلال طبيعة الحكم، ومن خلال بعض القرائن والعلامات، لكن هذا الإحساس لا يمكن اعتباره عنصر إثبات، كما أنه لا يكفي لمراقبة هذه الظاهرة عكس مجلس القضاء الاعلى المسؤول على جهاز العدالة التي تتوفر لديها إمكانية المراقبة، عبر مراقبة حسابات القضاة وتطور إمكانياتهم المادية، وكذلك عبر التصريح بالممتلكات، ولأن القضاة من يصدرون الأحكام وليس المحامون، فإذا كان القاضي نزيها ومستقيما في عمله، لا يمكن للمحامي وإن شاء التلاعب في قضية معينة أن يجد من يساعده.
- بشكل عام كيف يمكن للمحامي أن يساهم في إفساد أو إصلاح جهاز العدالة؟
أولا/ لابد للمحامي من تكوين قانوني قوي.
ثانيا/ ان مهنة المحاماة تتصف بالحيادية والتزام المبادئ الشريفة والمنافسة المشروعة وتطبيق قواعد السلوك المهني وتنشيط هذه القواعد والمبادئ بالفعل المنضبط بضوابط الشرع والقانون وان لا يتعامل المحامي مع موكله باتفاقات محاطة بظلمة الاستغفال واثبات أمور عن لسانه تختلف عن حقيقة أفعاله وأحداث تفريعات في الدعوى غير حقيقية، والموكل يفزع إلى المحامي لإيجاد متنفس لحقوقه التي قد تكون مهدوره، وان خطأ المحامي اشد إيلاما من غيره وأعمق غورا
ثالثا/ أن يؤمن أنه لا حل لمشاكل الناس أمام العدالة إلا بالتمسك بالقانون، لأن استعمال الرشوة اليوم لربح قضية تعني استعمال الرشوة من طرف خصم آخر، وبالتالي خسران قضية أخرى، هكذا لن ننتهي من دوائر قد تكون لك كما قد تكون عليك، يجب على المحامي أن يقتنع أن الحكم الحقيقي هو القانون والقاضي الذي يطبقه، حيث إن هذا الأخير من يعطي الحياة للنصوص القانونية، وهو الحاسم في إقرار العدل، صحيح أن هناك محامين وسطاء في الرشوة أو غيرها، هؤلاء لا يمكن تسميتهم محامين، إنهم سماسرة، لكن المهم هو أن هؤلاء الأشخاص لا يمكنهم السمسرة إلا لأنهم يجدون من يتعامل معهم، لذا أقول إن القاضي والقضاء هو الحاسم في الموضوع.
ونذكر مراراً انه لا يجوز أن تنسحب اثر هذه التصرفات والأخطاء على المهنة بذاتها أو على الملتزمين بأصولها، وآدابها واخلاقياتها، فالمحاماة مهنة قضائية تساهم في إحقاق الحق وتنير الطريق أمام القضاء في تطبيق الأحكام والأنظمة، فهي تساهم مساهمة أساسية في سير العدالة، فإذا صح القول بأن القضاء تجارة، فعندئذ يصح القول: إن المحاماة تجارة؛ لأنه من المؤكد إن هناك بعض الإساءات في الاستعمال أو التصرف كما يقع في أية مهنة أخرى، وهذه الإساءات يمكن أن تزداد في الأوقات التي يكون فيها المال صاحب السيادة، وخاصة حيث تكون الحاجات المادية قد تعددت بشكل عجزت عن إشباعها الوسائل المحددة.
مؤكدا ان الرشوة اخطر من الارهاب وهي حاضنة رئيسة له، وقد ساعد ضعف القيم والتقاليد وغيابها لدى البعض الى ضعف روح المواطنة، وتحول بعض الموظفين المواطنين الى مرتزقة اداريين غايتهم الرئيسة الحصول على الاموال بطرق ووسائل مختلفة، مضيفا ان هذه الظاهرة تهدد كيان الدولة وتضعف ثقة المواطن بالمؤسسات الحكومية التي ستكون ضعيفة ومخترقة وغير قادرة على تقديم خدماتها بالشكل الصحيح.
أن البعض من الراشين(محاميات ومحامين) دأبوا على تقديم الرشوة على شكل هدية، وذلك لأقناع المرتشي بمشروعيتها بل وأسوأ من ذلك أنهم استطاعوا تغليفها بالاطار الديني بقولهم ان الرسول r قد قبل الهدية حتى يتم اقناع المرتشي بأن هذه الهدية هي سنة حميدة ولا غضاضة في قبولها، وبطبيعة الحال فان من لديه قابلية ليرتشي فسيجدها ذريعة مناسبة لقبول الرشوة.
على المحامي أن لا يسهم في إفساد جو محاكم العدالة ولكن واجبه ورسالته تحتمان عليه أن يقوم بالإخلاص نحو موكلة ونحو المحكمة ونحو الهيئة الاجتماعية كلها , وأن لا يعتقد أن حق الدفاع معناه الالتزام باستخدام أية وسيلة بما فيها التقدم بمرافعة يعلم أنها كاذبة لأنه يجب أن يكون التزامه مقدس كونه أحد خدام العدالة .
هناك بعض المحامين وبحكم معرفتهم بالقانون، يتفننون في عمليات النصب على حقوق زبنائهم، باستعمال وسائل احتيالية من شأنها غش وخداع وتضليل يؤدي إلى الاستيلاء على أموال الآخر، وهو ما يمكن أن يقع مثلا حينما يستولي المحامي على أموال موكله بحجة تقديمها هدية هنا أو هناك لتحقيق المبتغى، أما إذا تصرف المحامي في أموال موكله لفائدته الشخصية، ودون إذن هذا الموكل، فإنه يقترف جريمة خيانة الأمانة نظرا للعقد الذي يربط الطرفين؛ وطبيعة عمل المحام.
وهناك شكوى مأخوذة من موقع النقابة، ما نصها:
(هناك مجموعة من الاشخاص يستأجرون مكان في غرفة محامين الكرادة / غرفة المحاميات لعمل الاستنساخ ولكنهم يمارسون التزوير - المستمسكات وصور القيد ووكالات السيارات من خلال محاميات استغلوا حاجتهن وبعد علم رئيس المحكمة بذلك منعهم من العمل وكتب بذلك الى رئيس محكمة الاستئناف الا ان المحاميات غيرن الحقيقة من خلال شهادتهن الباطلة بالنقابة بانهم لا يتحرشون بالمحاميات لتغطية التعامل بالتزوير لإقحام النقابة بمساعدة المزورين شركائهن بالعمل والتزوير ثابت قضائيا وبذلك تغيير للحقيقة واساءة لمهنة المحاماة وسمعتها وتزكية مزورين لا علاقة للنقابة بهم امام القضاء وما دافع شهادة المحاميات لهم وتغيير الحقائق نناشد ضمير نقيب المحاميين لأنصاف مصلحة المواطن وحمايته من الضرر)
ونؤكد، ان كل محام يسعى للشهرة من خلال تقديم الرشاوى وسلوك طرق غير مشروعة، بأنه أجوف وستؤدى به إلى الهاوية ويستهلك وقته وجهده وراء سراب لأن النجاح الحقيقي يأتي من خلال ما لديه من رصيد أخلاقي ومهني واحترام لنفسه ولموكله، فالشهرة المزيفة تنكشف في المرافعات والمذكرات وكتابة اللوائح وايجاد الحجج والادلة لتعزيز نفي الاتهام عن موكله وبحشد المسوغات القانونية لتحقيق سبل البراءة لموكله ورعاية شؤونه القانونية، حيث تظهر قدرة المحامي ومدى تمكنه من فهم القوانين والتشريعات.
تاريخ المحامي يقوم بناء على قدرته في كتابة المذكرات والمرافعات المباشرة والخبرة، ونادرا أن تجد من يجمع كل ذلك، بل اني اجزم بان الكثير من محامي المحكمة المركزية لا يعرفون الا متابعة معاملة في اروقة دائرة ما، وخصوصا المحاميات (قلة منهن يتفنن باللبس والمكياج والقيام ببعض المظاهر السلبية لنيل المنافع المادية والشهرة الخاوية) وهذا ليس تجني وانما عن مشاهدة ومعايشة لأكثر من ست سنوات ومما دعا النقابة لإصدار تعميم حول ذلك، فالمحاماة ليست أداء واجب نحو الموكل فقط وإنما القيام بإقرار العدل ونشره بين الناس من خلال تجليه الوقائع وبحثها وتكييفها القانوني الصحيح واعداد أدلتها وأسانيدها بما ينير السبيل امام القضاء .
الأكثـر من هذا، يواصل عدد من المحامين بالقيام بالإشهار لأنفسهم، من خلال عرض خدماتهم على عناصر الحراسات والمعتمدين والضباط، بتوزيع كارتاتهم لأجل جذب الزبائن، والتي يمنعها القانون وقواعد السلوك المهني لعام 1987، والمثير للاستهجان ان بعض المحامين والمحاميات يقومون باستقطاع جزء من اتعابهم واعطائها لذلك الضابط او المعتمد او المحقق وبطريقة تنال من هيبة شخص المحامي وتخرج من مالية الموكل، ولاحظت ظهور علاقة غير سليمة بين البعض من المحامين والمحاميات وذلك الضابط او المحقق من جراء ذلك وتصل الى بعض الاحيان الى رفع حاجز الخجل والاحترام والتقاذف بكلمات غير لائقة جهارا وعلنا، وهذه الممارسات لا تنسجم مع وقار ونبل مهنة القضاء الواقف.
ويرد هناك تساؤل: هل تتوفر لمجلس النقابة ما يكفي من الآليات والضوابط لرصد التجاوزات والبث فيها؟
صراحة، وبشكل عام، لا تتوفر لنقابة المحامين على ما يكفي من الأجهزة والكفاءات البشرية والتقنية لمواكبة ما يجري، لأن مهنة المحاماة لم تعد كما كانت من حيث عدد المتطوعين لممارستها، فالأفواج الكبيرة التي أصبحت تتخرج اليوم من كليات القانون لا تجد أمامها سوى مهنة المحاماة كملاذ من البطالة وبالتالي فممتهنو المحاماة اليوم ليسوا كلهم متشبعين بشرف المهنة ونبلها، فالأصل في المحاماة أنها مهن تطوعية وبدون مقابل، حيث كان يمارسها النبلاء المستغنون عن المقابل المادي الذي هو سبب كل المشاكل اليوم؛ الآن، لا بد من إعادة النظر في عدة أمور تتعلق بالمهنة، لهذه الأسباب هناك مقترح قانون منظم لمهنة المحاماة فيه باب ينص على تأسيس المعهد الوطني للمحاماة، ونعتقد انه يحد ولو بشكل بسيط من هذه التجاوزات.
نحن في بلد لا زال بعيد عن الديمقراطية، فالتصويت بمناسبة الانتخابات المهنية أو غيرها يتم وفق معايير ليست بالضرورة موضوعية فيتم انتخاب أشخاص اعضاء مجلس ليست لهم الكفاءة اللازمة لتحمل المسؤولية.
وهناك مجموعات داخل المهنة، ينطبق عليها قول "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"، كما أن هناك غيابا للتأطير والتكوين اللازمين، وبالنظر إلى وفود أعداد كبيرة من المحامين الجدد، الذين تجاوز عددهم الخمسين الف، وهو ما يجعل جهاز النقابة من الناحية العملية غير قادر على القيام بواجبه على اكمل وجه، هذا إذا افترضنا أن كل أعضاء المجلس يقومون بواجبهم، لأن الحقيقة أن هناك من يبحث عن عضوية المجلس فقط، لأجل التبجح بعضويته دون القيام بأي واجب، مثله في ذلك مثل بعض البرلمانيين الذين لا يذهبون إلى قبة البرلمان إطلاقا.
والملاحظ هناك تنافر يقع بمناسبة الانتخابات المهنية أو خارجها بين الألوان السياسية وبين الجذور العرقية والطائفية والانتماءات القبلية للسيطرة على أجهزة النقابة، الأمر الذي نتج عنه ما وصلت إليه النقابة في بعض مفاصلها، من إفراز تشكيلات متنافرة وغير منسجمة، لأن هم البعض، ليس هو الهم المهني المحض، بل هو الهم المصلحي الشخصي او السياسي أو الطائفي او القبلي أو العرقي، غير متناسين بان هناك قيادات نقابية مهنية تعمل لأجل نبل المهنة وشرفها، والخطأ يرجع إلى الناخبين الذين يتاجرون ويغامرون بمهنتهم بسبب العرق او الطائفة أو القبلية أو اللون السياسي، في حين أن هذه العلل من المفروض أن تكون مشجوبة لدى الحقوقيين.
لقد اصبحت سيرة المحامين والمحاميات الذين يقدمون الرشاوى ويمارسون مهنتهم خارج السياقات والاطر المهنية المستندة لقانون المحاماة وقواعد السلوك المهني، الوجبة الرئيسية علي كل مأدبة وفي المقاهي والتجمعات الشعبية وعلى الفيس بوك وغيرها، وللأسف الشديد فان ذلك المحام بأفعاله الدنيئة ادى الى غضب وازدراء المحترمين فيوجهون سهامهم واقوالهم ايضا، باتجاه (المحامين العراقيين المهنيين) فاصبحنا بذلك نشتم انفسنا بأنفسنا .
لقد اهدرت كرامة المحامين سابقا علي يد النظام المباد، الذي لم يكن يريد ان تقوم للمحامين قائمة، اما اليوم فكرامتنا تهدر علي يد بعض منا.
" وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ "
وتجدر الإشارة إلى أنه يتم، في أكثر من مناسبة، التجني على بعض المحامين من قبل بعض المواطنين، خصوصا عند خسارة بعض القضايا، فليس كل المواطنين مؤهلون لفهم دور المحامي أو فهم مستحقاته الموزعة بين مصاريف القضية وأتعابه، وهو الأمر الذي يخلق في حالات كثيرة احتجاجات وشكاوى مجانية.
ونقول اخيرا وليس اخرا، على المحامي، أن لا يهضم حق غيره، ولا يهمه أن كانت قضية موكله صحيحة أو غير صحيحة، وإنما الذي يهمه قبل كل شيء وبعده أن يكون موكله قد أدى إليه قيمة أتعابه، فعليه أن يترك تقديم الرشاوى والحيل التي يقدمها في مرحلة التحقيق او المحاكمة، ويراود الشهود عن خصمه حتى لا ينكشف الغطاء عن وجه الحقائق، أن كانت تُضعفُ حجة موكله أو تشتبه هذه الحقائق على الأقل، وان يبتعد المحامي عن تضليل القاضي ويقدم إليه تعبير القانون على ما يوافقه، ويدلل عليه بكل ما يصل إليه ذهنه من نصوص القانون، حتى يجري قلم القاضي بما يبرئ موكله من المؤاخذة لا بما يوافق الإنصاف ويفي بمقتضيات العدالة، فيصبح هم المحامي ويشغل باله وهو لا يبالي بعده أن يصير المجرم بريئا والبريء مجرما، لأنه لا يحترف بحرفة المحاماة لحماية الحق ونصرة المظلوم ولا غاية له منها إلا المال والمال فقط فكل من أعطاه المال من الخصمين فهو على حق في نظره.
نتمنى أن تكون عنايتكم باستقصاء أخر الكلام أتم منها في أولها ، وأن يأخذ الحق والقانون من المحامي منبرا
*الدكتور عبدالقادر محمد القيسي
رئيس غرفة المحامين السابق
في المحكمة المركزية في ساعة بغداد
الگاردينيا:نرحب بالأستاذ الدكتور/ عبدالقادر محمد القيسي في حدائقنا..
727 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع