بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة - الطبيب والقروية العاشقة / الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط
https://www.algardenia.com/maqalat/59645-2023-07-30-09-19-32.html
د.هيثم : وهل تسنى لك رؤيتها ثانية بعد حملة التلقيح؟
- كلا لم ارها بعد حملة التلقيح. لكنني رأيت والدها بعد مرور فترة من الزمن للغرض نفسه اي تلقيح باقي افراد القرية وقررت ان افاتحه بالامر لانني ما عدت اصبر على الامر. وقد سلمت امري الى الله.
د.هيثم : كيف فاتحته؟ اخبرني.
- لاول مرة دخل عيادتي وهو يمشي منتصباً دون ان ينحني بظهره وهذا دليل على تحسن حالته الصحية واختفاء الالام تماماً. كانت الابتسامة مرسومة على وجهه مما يشير الى ان معنوياته عالية. سلم عليّ بحرارة وشكر جهودي في علاجه فقلت له بانني اعاني من الم كبير ايضاً وبيده ان يشفيني. قلتها وانا اغرس ابرة اللقاح بذراعه. فتعجب لمقولتي هذه وقال، "أطبيب يداوي الناس وهو عليلُ؟". سألني عن مشكلتي فاخبرته بكل شيء من الالف للياء منذ اول لقاء لي مع ابنته فاطمة ببيته وحتى ما دار بيني وبينها في المدرسة حين اجرينا حملة التلقيح بمدرستها.
د.هيثم : كيف تجرأت وقلت له كل ذلك؟ بالتأكيد اخرج (الكلاشنكوف) واطلق عليك صلية مميتة.
- كلا يا هيثم والله كلا. لقد فاجأني بشيء لم اكن انتظره ابداً. قال انه يحبني كثيراً وانه يتمنى لو انني اخذ ابنته.
د.هيثم : تأخذها؟ تأخذها الى اين؟
- اخذها يعني اتزوجها يا هيثم. هو يتمنى لو اني اتزوج ابنته لاني كما قال انسان مثقف ولدي مستقبل واعد الا ان العادات والتقاليد تحول دون ذلك، واذا وافق على تلك الزيجة فإن اولاد عمها سوف لن يوافقوا ولن يهدأ لهم بال حتى يذبحونا نحن الاثنين فهم اشرار وقد دخلوا السجن مراراً عدة في السابق. توقفت عن الكلام اثر تلك الكلمات القاسية وبدأت الدموع تنهمر من عيني. بعدها تقربت منه وقلت، "يبدو ان الامر محسوم تماماً واني لا استطيع الزواج منها مهما حصل" قال، "لا يا ولدي لا تستطيع ذلك. فنحن نعاني كثيراً من عاداتنا وتقاليدنا البالية التي صارت تتحكم بكل شيء بحياتنا. انا آسف يا ولدي فانت انسان طيب القلب وكل أب يتمنى تزويجك ابنته. لكن الامور معقدة، معقدة للغاية". خرج من عيادتي وهو يهز برأسه من شدة الاسى وتركني مخضبٌ بهمومي وكأنني فقدت شخصاً عزيزاً عليّ.
د.هيثم : هل رأيت فاطمة بعد ذلك؟
- اجل رأيتها عندما ذهبت للناحية لاقوم ببعض الاجراءات الرسمية.
د.هيثم : وهل تمكنت من التحدث اليها؟
- اجل، بالرغم من ان العيون كلها تترصدنا كما لو كانت رادارات عسكرية لكنني لم اعد اتحمل فتقربت منها وقلت، "كيف حالك يا فاطمة انا اتوق اليكِ". قالت، "وانا ساموت من شدة الشوق اليك يا حبيبي. لكنني اخاف من ان يشي بنا احد لعائلتي لذلك ارجوك ابتعد عني الآن وتذكر انني ساحبك حتى لو بقي يوم واحد من عمري".
د.هيثم : طبعاً شجعك ذلك الكلام فتواعدت معها من جديد، اليس كذلك؟
- لا لم ارها ابداً لبضع شهور اخرى حتى وقع الحريق.
د.هيثم : حريق؟ اي حريق هذا؟ يا ساتر يا ربي، اخبرني.
- في يوم من الايام كنت جالساً بالمستوصف مع شلش وكان يحدثني عن اولاده ومشاكلهم فسمعنا سيارة اسعاف تصفر خارج المستوصف. علمنا وقتها ان هناك حادث طارئ وقع بالدهانة. خرجت انا وشلش نركض فوجدنا سيارة الاسعاف الوحيدة بالقرية تقف امام باب الطوارئ ويهم رجال الاسعاف بانزال مصابتين اثنتين منها. سألتهم عن الحالة قالوا بأن حريقاً شب ببيت المختار واصيبت خادمتهم وابنة المختار بحروق بالغة. اصابني هلع كبير وكدت افقد وعيي من شدة خوفي على فاطمة. ادخلتهما غرفة العمليات وصرت اعاين المصابتين. اتضح لي ان الخادمة قد تلقت اكثر قدر من الضرر إذ احترق جزء كبير من وجهها واغلب منطقة الجذع. اما فاطمة فقد اصيبت بحروق ثانوية بيدها اليسرى وساقها الايسر. واثناء قيامي بالاجراءات اللازمة دخل عليّ شلش ليخبرني بان المختار قد وصل الى المستوصف وهو في غاية القلق على ابنته وخادمته. طلبت منه كي يبقيه خارجاً لكي اتمكن من القيام بالعلاجات اللازمة لهما.
د.هيثم : وكم كان الضرر على الخادمة؟
- بكل امانة كان الضرر تقريباً 85% اي ان فرصتها للنجاة كانت ضئيلة جداً. اما فاطمة فلم يزيد الضرر عندها عن 5%.
د.هيثم : حمداً لله. وماذا حصل بعد ذلك؟
- بعد ان قمت بوضع الضمادات المخصصة للحروق على كلتا الحالتين خرجت فرأيت المختار بوضع يرثى له. حاولت ان اهدئ من روعه واطمئنه عنهما. لكن بداخلي كنت غير متفائلاً بنجاة الخادمة. واثناء حديثي مع المختار سمعت شلش من داخل الغرفة الثانية يصرخ ويقول، "تعال يا دكتور، تعال يا دكتور، ارجوك اسرع". ركضت الى غرفة العمليات فتبعني المختار دون ان ادري ودخل الغرفة بعدي. قال شلش" الخادمة زمرد بحالة جداً حرجة وقد توقف قلبها". اسرعت باخراج جهاز الصعق الكهربائي واردت ان اضعه على صدرها الا ان الاقطاب دخلت بصدرها لان القفص الصدري صار يتفتت ويتهاوى وما عاد متماسكاً مما جعل القلب يتوقف عن النبض. سألني المختار عنها فاخبرته بان الخادمة قد توفت ولا مجال لانقاذها. صار يبكي بحرقة وقال بان زمرد تربت في بيته كما لو كانت ابنته لانها كانت يتيمة الابوين وقد اصبحت كالاخت لابنته فاطمة. فادخلهما المدرسة سوية لانهما كانتا بنفس العمر وكانت زمرد من الطالبات المتفوقات. ادار رأسه نحوي وسألني عن ابنته فاخبرته بانها بخير وان الحروق سطحية لكنها فاقدة للوعي. طلبت منه الخروج من غرفة العمليات كي أتمكن من اسعافها بشكل سليم.
د.هيثم : وهل خرج؟
- اجل، نظر الى ابنته كي يطمئن عليها ثم خرج ليجلس خارج غرفة العمليات لاكثر من 3 ساعات حتى اتممت تضميد فاطمة وخرجت لاتحدث معه. فوجدته مطأطئاً رأسه ينحب ويبكي بحرقة شديدة على موت الخادمة زمرد. جلست الى جانبه ووضعت يدي فوق كتفه لاخفف عنه فاستدار نحوي واحتظنني وصار يبكي على صدري. بقي يبكي كثيراً وانا اخبره بان فاطمة بخير وسوف تتعافى عن قريب. فجأة جاء شلش وبيده سجل رسمي ليسأل المختار عن الاسماء الكاملة للمصابتين فطلب المختار مني ان يتحدث معي على انفراد.
د.هيثم : لماذا؟
- لا اعلم، لكنني طلبت من شلش ان يذهب لمعاينة فاطمة بغرفة العمليات كي اترك المجال للمختار حتى يتكلم بحرية. ولما ابتعد شلش واغلق الباب خلفه قال المختار، "ابنتي فاطمة هي التي ماتت وليست الخادمة زمرد". فاكدت له بانه غلطان وان ابنته فاطمة حية ترزق وان الخادمة هي التي توفت. لكنه طلب مني ان اتوقف عن الكلام واستمع اليه جيداً. فاطرقت لاستمع له فسمعته يقول، "بما ان وجه الخادمة تعرض لحروق شديدة ولا يمكن التعرف عليها. لذلك بامكاننا ان نقول بان فاطمة هي التي ماتت". فاستغربت كثيراً وسألته عن السبب قال، "هذه فرصة من الله سقطت بحجرنا وستمكننا من انقاذ ابنتي من اولاد عمها الاشرار. سوف تَكتُب في السجلات بان التي ماتت هي ابنتي فاطمة والفتاة التي كَتَبَ الله لها النجاة هي الخادمة زمرد".
د.هيثم : هذا جنون. كيف تستطيع فعل ذلك؟ سوف تدخل السجن بهذا العمل. وهل وافقت؟
- كلا طبعاً لم اوافق. قلت له بالضبط كما قلت لي انت الآن، واضفت كذلك ان ذلك العمل يعتبر تزويراً وقد نذهب جميعاً للسجن لكنه قال بانها الطريقة المثلى لكي نتزوج.
د.هيثم : من الذي سيتزوج؟
- انا وفاطمة طبعاً يا هيثم. لكنني اخبرته بان شلش يعلم بكل شيء. قال، "لا تبالي من شلش. فشلش بمثابة ابني لانني انا الذي ربيته وساقوم بارضائه بقرشين وسينتهي الامر عند ذلك". وقتها بدأت احاول هضم الفكرة والنظر فيما تقدم به المختار من اقتراح. وبينما نحن نتحدث جائنا شلش وهو مرتبك يتلعثم ولا يكاد يقوى على الكلام فسألته عن السبب قال ان الشرطة حضرت وتريد التحدث معي. خرجت انا والمختار فرأينا ضابط شرطة برتبة مقدم ومعه رئيس عرفاء. رحبت بهما وسألت عن سبب زيارتهما فاخبراني بانهما قد جائا للتو من منزل المختار بعد ان عاينا موقع الحادث وتحدثا مع رجال الاطفاء إذ علما منهم ان الحريق كان بسبب خلل في الصمام المثبت فوق قنينة الغاز لذلك فهو قضاء وقدر لكنهم ارادوا معاينة الفتاتين كاجراء قانوني وروتيني.
د.هيثم : لكنهم سيتعرفون على فاطمة، اليس كذلك؟
- هذا صحيح، لذلك صار المختار يشرح لهم ملابسات الحادث بينما دخلت انا غرفة العمليات ورحت اغلف وجه وشعر فاطمة تغليفاً محكماً كي لا تظهر ملامحها للشرطة. لم يأخذ مني ذلك الاجراء سوى بضع دقائق حتى رجعت للشرطة وسألتهم، "ما العمل الآن إذاً؟". قال الضابط يجب علينا ان نعاين المصابتين. ارتبك المختار وخاف من ان تفشل خطته بابدال الفتاتين لكنني نظرت بعينه واغمضت عيني وتبسمت واومأت رأسي بحركة بعثت بها برسالة تطمئنه ففهم الرسالة وتبسم.
د.هيثم : هل دخلوا للمعاينة؟
- اجل، نظروا الى المرحومة زمرد اولاً وقرأوا الفاتحة على روحها حين رفع شلش عنها الغطاء وقلت بانها فاطمة ابنة المختار. ثم تقربوا من فاطمة وسألوا عنها فاخبرتهم بانها الخادمة زمرد.
د.هيثم : الم يطلبوا فك اللثام عنها؟
- كلا، بما ان والدها كان حاضراً معنا اعتقدوا ان من الغباء ان يطلبوا مثل ذلك الطلب فانطلت عليهم الحيلة. خرجوا بعد ان طلبوا مني نسخة من شهادة الوفاة لزمرد التي اصبح اسمها فاطمة. في اثناء ذلك كان المختار يبالغ في تمثيل دور الاب الذي فقد ابنته ويصرخ للاعلى ويقول، "ربـــــــــي لماذا اخذت فاطمة ولم اشبع منها بعد. لقد تركتها امها امانة بعنقي وها هي اليوم ترحل بذلك الحادث الاليم".
بعد ان خرجت الشرطة رجعنا لكي نرتب عملية اخفاء فاطمة. فسألت المختار، "اين سنخبئ فاطمة إذاً؟" قال، "اسمع مني يا ابني مازن، بالبداية سنقول للناس بان فاطمة هي التي ماتت وزمرد بحالة جيدة لذلك ستقوم بتغليف وجه ابنتي اكثر بحيث سيصعب على الجميع التعرف عليها. بعد ذلك ساقوم باعطاء هوية زمرد الى ابنتي فاطمة بعد ان ابدل صورتها وسوف تتزوج بها انت ببيتك بمساعدة احد اصدقائي الحميمين وهو الشيخ محمد الامين الذي سيعقد لكما مهر اصولي امام الله وامام الشهود. ثم سنقوم بدفن زمرد على انها فاطمة في مقبرة عائلتنا وسنقيم لها مراسيم العزاء والفاتحة وبذلك سوف يقطع اولاد عمها الامل من الزواج منها. بتلك الاثناء سنقول بان زمرد تعافت قليلاً ورحلت الى مسقط رأسها في الانبار على عجالة لتستقر لدى خالتها هناك من دون عودة. الا ان فاطمة ستذهب معك ببيتك هنا بالقرية وستبقى مخبأة بداخل بيتك دون ان تخرج منه حتى تنتهي فترة عملك بالقرى والارياف. يا ترى متى ستنتهي المدة؟" اخبرته بانها ستنتهي بعد شهرين تقريباً. قال بان فاطمة ستبقى بداخل بيتي لشهرين دون ان تخرج منه ابداً حتى تنتهي المدة ثم تعود معي الى بغداد دون ان يراها احد لتصل الى بغداد بصفتها زوجتي زمرد.
د.هيثم : ومن هي زمرد؟
- زمرد هو اسم الخادمة التي قضت بالحريق وهو الاسم الذي اعطيناه لفاطمة. ماذا بك يا هيثم؟ شغل مخك قليلاً.
د.هيثم : وكيف نفذتم الخطة؟
- بذلك اليوم بقيت اعالج فاطمة عندي بالمستوصف واغطي وجهها بالشاش ولم اسمح لاي مخلوق كي يزورها مخافة ان يتعرف عليها. وبعد ان تعافت قليلاً، جلست معها واخبرتها بكل شيء وكذلك علمت بوفاة زميلتها زمرد فتأثرت كثيراً لكنها فرحت لانها ستتزوج مني.
د.هيثم : اعتقد ان نقلها من المستوصف الى بيتك كانت عملية صعبة جداً.
- هذا صحيح. بالبداية قررنا ان ننقلها بسيارة اجرة لكن شلش اخبرنا ان جميع سواق سيارات الاجرة بالقرية متبرين من السنتهم وسوف يوشون بنا لاهل القرية. لذلك اتصلت بالمختار والد فاطمة كي يوفر لنا سيارة من عنده فاخبرنا بانه بعث بسائقه الى بغداد ليشتري له بعض الحاجيات وسوف يعود بعصر ذلك اليوم. بقينا ننتظره حتى الساعة السابعة ليلاً حين اتانا المختار يقود سيارته بنفسه. اخرجنا فاطمة من المستوصف من الباب الخلفي مغطاة بعبائة كي لا تظهر ملامحها فهي اطول بحوالي 5 سنتمترات من زمرد. وفور جلوسها على المقعد الخلفي للسيارة جائت سيدة تدعى فخرية وصارت تتحدث مع المختار.
د.هيثم : ومن هي فخرية؟
- فخرية هي اخت زوجة المختار الثانية لكنها تمتاز بميزة سيئة للغاية. فالقرية كلها تسميها (واع) نسبة الى وكالة الانباء العراقية. لذلك كنا نريد ان نتجنب تقربها من فاطمة فتتعرف عليها وحتى لا ينتشر الخبر في الصحف الرسمية وغير الرسمية باليوم التالي.
د.هيثم : وكيف تصرفتم معها إذاً؟
- كان المختار في غاية الذكاء إذ قال لها ان مستأجراً جديداً جاء يبحث عن منزل ليستأجره. وبما انها لم تتمكن من دفع الايجار لاكثر من ستة اشهر لذلك قرر ان يعطيه بيتها لتخرج منه. هنا صارت تبكي وتولول وتقول "اين ساذهب انا واولاد اخي؟ هل سترمينا بالشارع يا مختار؟" فاخبرها بان لا تبالي لانه سيعطيها غرفة في سطح بيته لكنها قالت بانها تعاني من الآم بالركبة ولا تستطيع تسلق السلم كل يوم. نظر اليها المختار وقال، "إذاً، قللي من غيبتك ونميمتك وسوف اتركك تسكنين ببيتك الحالي وساجد للمستأجر بيتاً غيره ليستأجره. فرحت كثيراً وتوارت عن الانظار كالبرق قبل ان يغير المختار رأيه.
د.هيثم : جميل جداً، تخلصتم منها، اكمل عملية النقل.
- ادخلنا فاطمة بداخل السيارة كما اخبرتك فجلست على المقعد الخلفي وهي مغطاة بعبائة كي لا يتعرف عليها احد وتوجهنا بها الى بيتي. وما هي الا دقائق ولحق بنا الشيخ محمد الامين الذي تفحص بطاقة فاطمة الجديدة باسم زمرد وبدأ بعقد القران. كانت فاطمة مشدوهة ولا تدري ماذا يجري حولها. فهي في غاية السعادة لانها ستصبح زوجتي لكنها كانت حزينة لان المرحومة والدتها لم يتسنى لها ان تحضر عقد قرانها. كذلك كانت حزينة على زميلتها الخادمة زمرد التي كانت بمثابة اختها. على العموم، كان شلش واحد اعوان المختار شاهدين على الزواج وهكذا اصبحت فاطمة زوجتي بشكل رسمي ولكن باسمها الجديد.
د.هيثم : وماذا حصل بداخل بيتك، بعد الزواج اخبرني؟
- بالبداية كانت فاطمة حزينة جداً على خادمتها ورفيقتها بحيث كانت تبكي كثيراً. خصوصاً عندما كانت تصلنا اصوات تلاوة القرآن الآتية من بعيد من بيت المختار على روحها هي لكنها بالحقيقة كانت على روح المسكينة زمرد. الا ان في اليوم الرابع بدأت نفسيتها تتحسن وتستوعب ان الحياة فيها موت وحياة وانها يجب ان تحمد الله على انها اصبحت زوجة من تحب وتخلصت من كابوس اولاد عمها.
د.هيثم : هل تمكنت من ان... اقصد هل قمت انت وهي بــ...؟
- اجل باليوم الرابع وهذا امر طبيعي. لقد كانت تلك الفترة اجمل فترة قضيتها بحياتي. فقد كانت فاطمة او (زمرد) سيدة منزل من الطراز الاول وكانت تعتني بي عناية كبيرة. بقيت معي بالبيت ولم تخرج منه ابداً حتى اكتملت فترة القرى والارياف ورجعت معي بعدها الى بغداد كزوجتي لاعرفها باهلي واقاربي والتي صار اسمها زمرد ببطاقة الخادمة المرحومة زمرد كما اخبرتك سابقاً.
د.هيثم : وماذا حل بها بعد ذلك؟
- بعد ان رجعنا الى بغداد واستقرينا بمنطقة المسبح في المنزل الذي ورثته عن ابي باشرت العمل بالاقامة القدمى في مدينة الطب ورجعت زمرد في العام التالي الى الدراسة بعد ان تحصل لها والدها على شهادة نقل من اعدادية الشرق الاوسط للبنات بالدهانة باسم زمرد فاكملت السادس العلمي هنا ببغداد ثم دخلت كلية الصيدلة.
د.هيثم : يا سلام، نهاية سعيدة رائعة. اتمنى ان اقابلها يوماً.
- بالتأكيد تكون قد قابلتها فعلاً (اولريدي) لانها صاحبة الصيدلية التي بجانب مبنى عيادتك.
د.هيثم : مستحيل، أهي السيدة الجميلة الرشيقة الطويلة التي في الصيدلية؟
- اجل هي بعينها. واسميت صيدليتها باسمها (صيدلية زمرد).
د.هيثم : انها قصة ولا حتى في الخيال، لقد انتصر الحب اخيراً. وماذا عن الاولاد؟
- رزقنا الله بفتاة جميلة اسمها جواهر وهي صيدلانية ايضاً وتعمل مع والدتها.
د.هيثم : سازورهما فوراً واهنئ زوجتك بنجاحها العظيم.
- بل ستأتي لزيارتنا بالبيت انت وعائلتك وسوف تقوم زوجتي باعداد الدولمة المميزة التي لا يقوى على عملها احد لا في الشرق ولا في الغرب.
د.هيثم : وبعدها سوف نستدعيكم على الكبة الموصلية التي لا يقوى على عملها احد لا في الشمال ولا في الجنوب.
- اجل يا صديقي سيكون ذلك من دواعي سرورنا.
د.هيثم : لازال سؤال واحد يدور ببالي ويحيرني كثيراً يا مازن.
- تفضل هيثم اسأل سؤالك واكمل طعامك.
د.هيثم : ماذا حل بالمختار والد زوجتك؟
- كان عمي عبد الفتاح يزورنا باستمرار في بغداد وقد تمكن من لقاء حفيدته جواهر عدة مرات. إذ كان يحبها حباً جماً ويحملها اينما تجول بالدار ويأتي لها بالالعاب حتى اصبح لدينا معرض لدمى الباربي. لكن الاجل وافاه بعد عامين من ولادتها فعملنا له مجلس عزاء وفاتحة على روحه الطاهرة ببيتنا في بغداد.
د.هيثم : رحمه الله، لولاه لما تمكنت من الزواج من زمرد.
- فعلاً، هذا صحيح.
تمت
1057 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع