قصة قصيرة - الطبيب والقروية العاشقة / الجزء الاول


بقلم أحمد فخري

قصة قصيرة - الطبيب والقروية العاشقة / الجزء الاول

في فجر يوم الاثنين سار الدكتور هيثم بخطى سريعة على الرصيف بمنطقة الباب الشرقي قاصداً عيادته. اثناء سيره كان يدمدم اغنيته المفضلة ويقول، "يغدلي كم يغدلي سمغا قتلتيني". مر من امام محل زحل التجاري لبيع الادوات المنزلية ومطعم تاجران ولبن اربيل وصيدلية زمرد ومكتب الشرق الادنى للسياحة ومكتب زينة العقاري. كان يقرأ اسماء المحلات والاعلانات التي علقت فوقها وعلى واجهاتها الزجاجية دون ان يبالي بشيء، وفجأة مر من امام مدخل صغير بباب خشبي قديم لم يبقى له لون يستدل عليه باحدى البنايات ليلاحظ يافطات معدنية كثيرة علقت على جانبيه. كان ذلك المنظر مألوفاً لديه ولم يفكر يوماً ان يقرأ ما كتب عليها. الا ان اليوم كان مختلفاً عن باقي الايام إذ قرر ان يقرأها من باب الفضول فاثار انتباهه ما كان محفوراً على احداها بخط الرقعة، (الدكتور مازن احمد الوتري/ طب عام). "بأساً، هذا الاسم ليس غريباً عني" بقي يقلب صفحات ذاكرته صفحة تلو الاخرى محاولاً البحث عن صاحب ذلك الاسم. لكن على ما يبدو فإن الزمن ترك بصماته العميقة وتمكن من محو أجزاء كبيرة منها لذا لم تسعفه سرعة البديهة التي كان مشهوراً بها في شبابه. لم يتوقف عند تلك اللوحة كثيراً بل واصل سيره لبضع عشرات من الامتار حتى وصل مدخل العمارة التي تقبع فيها عيادته. دخلها وصعد السلم الى الطابق الاول ليجد باب عيادته مفتوحاً. دخله فرأى سكرتيرته الجميلة ديانا ذات الاربعة وعشرين ربيعاً بتنورتها القصيرة جداً جالسة خلف مكتبها تدون البيانات والمواعيد بالكراسة وجلس بعض من المراجعين على جانبي منضدتها الصغيرة. حيا الجميع بتحية مهذبة مقتضبة فوقفت ديانا على الفور وقالت،

ديانا : صباح الخير دكتور، لدينا الآن ثلاثة مراجعين ينتظرونك.

د.هيثم : طيب طيب ديانا، ساستدعي المراجع الاول بعد قليل.

تبعته ديانا الى داخل مكتبه واغلقت الباب ورائها لتضيف بصوت خافت بينما قربت فمها من اذنه،

ديانا : وهناك سيدة اسمها مدام جانيت اتصلت بالهاتف عدة مرات وقالت انها تريد موعداً مستعجلاً لان حالتها سائت ليلة امس وقد تبولت في سريرها من جديد.

د.هيثم : طيب، طيب ساتولى امرها فيما بعد. دعيني ارتب اموري اولاً. احضري لي فنجان القهوة ثم ادخلي المراجع الاول لو سمحت.

ديانا : امرك دكتور.

ارتدى الدكتور معطفه الابيض ووضع سماعته حول عنقه بينما واصل دمدمته، "انتي على دينكِ وانا على ديني (ولكي مفجوعة) صومي خمسينكِ واصوم ثلاثيني". جلس على الكرسي الدوار وصار يسترجع الاسم الذي قرأه قبل دقائق، "الدكتور مازن احمد الوتري، يا ترى اين سمعتَ بهذا الاسم! اوه لقد اصبحتَ مثل جدتك مادلين يا جحش. الله يرحمكي يا جدة مادي، في طفولتنا كنا نضحك عليها كثيراً كلما اصيبت بالنسيان، وها انا اليوم اعاني منه تماماً كما عانت المسكينة. ايه انه الخرف الذي يصيب الكبار جميعاً هذه الايام. وكما يقول المثل (الزهايمر من امامكم والپامپرز من خلفكم، اين المفر؟)". فجأة سمع طرقاً على الباب لتدخل سكرتيرته الحسناء من جديد حاملة صينية معدنية صغيرة عليها فنجان قهوة ساخن يخرج منه البخار الكثيف، تطوف حوله رغوة مثيرة ومعه كأس من الماء يوحي الى انه تعرق من شدة البرد. وضعته فوق طاولة الدكتور فقال لها، "شكراً عزيزتي، سادق لك الجرس لتدخلي المراجع الاول بعد قليل، اما الآن فدعيني استمتع بقهوتك المميزة يا حلوتي". قالها وهو يطبطب على فخذها الابيض العاري فتبسمت بوجهه معلنة قبولها لتلك الدعابة الجريئة وغادرت الغرفة. وبعد ان ترشف السائل السحري اللذيذ ارتفعت معنوياته لاعلى الدرجات، استدار الى يمينه وضغط على زر الجرس فدخل عليه المراجع الاول ليبدأ الدكتور مزاولة عمله الروتيني كما هو حاله كل يوم. نسي طبيبنا الموقر ما كان يشغل باله في الصباح الباكر وراح يركز على امراض مراجعيه وعلاجاتهم ويرد على هواتفه المتلاحقة حتى دخلت عليه السكرتيرة لتقول،

ديانا : لقد خرج آخر مراجع يا دكتور. الساعة الآن هي الثانية ظهراً. هل تحتاجني بشيء آخر؟

د.هيثم : اجل، اجل انا متأسف كان علينا ان نغلق العيادة قبل نصف ساعة. بامكانك ان تذهبي للبيت يا ديانا.

ديانا : شكراً دكتور. سانتظرك حتى تخرج لاحكم الباب خلفك.

وضع الدكتور سماعته فوق المنضدة وخلع معطفه الابيض ليعلقه على الشماعة ثم تفقد مفاتيحه بجيبه وخرج من باب العيادة الخارجي فرأى ديانا واقفة بالقرب من الباب تملأ وجهها ابتسامة عريضة. مر من امامها ونزل السلم فقط لتخرج خلفه وتحكم غلق الباب بعد ان تطفئ الانوار جميعها. نزل د.هيثم الى الباب الرئيسي للعمارة واستدار يميناً باتجاه موقف السيارات اين تقبع سيارته ثم عاد يدمدم ويقول، "فتوا على بابها عم تنقش الوغدي، راس ابغتا من ذهب وبغيسما هندي". وبينما هو يسير على الرصيف مر مجدداً من امام باب تلك العمارة التي اثارت فضوله في الصباح الباكر وتفحص اليافطة بترويّ هذه المرة عسى ان يستعيد الذاكرة المهترية (الدكتور مازن احمد الوتري/ طب عام / الطابق الارضي) "يا اخي اين مر عليّ ذلك الاسم؟ تذكر يا جحش احمر". هنا تمكن منه فضوله وقرر ان يدخل العيادة ليسأل الطبيب بنفسه. طرق باب العيادة فانفتحت تلقائياً على اثر طرقه. دخل صالة الانتظار ليجدها خالية من المراجعين. خطى بضع خطوات الى الامام فدخل غرفة الطبيب ليرى الضوء مازال منيراً. طرق على الباب واقتحمها فشاهد طبيباً نحيف البنية يرتدي معطفاً ابيض، جالساً خلف منضدته يسجل ملاحظاته فحياه قائلاً،

د.هيثم : السلام عليكم دكتور.

- وعليكم السلام. انا آسف يا اخي فالعيادة مغلقة الآن، بامكانك العودة بعد الساعة الخامسة.

د.هيثم : انا لست مراجعاً. انا الدكتور هيثم سامي يوسف. لقد لاحظت اسمك على باب العمارة التي امر منها كل يوم. اعتقد اني سمعت باسمك من قبل لكنني لا اتذكرك بكل صراحة. لذلك اردت ان ادخل والقي عليك التحية.

خلع د.مازن نظارة القراءة ليضعها فوق منضدته وارتدى نظارة طبية اخرى ليتفحص د.هيثم من الاعلى الى الاسفل ثم رسم ابتسامة عريضة على وجهه وقال،

- يا سلام يا د.هيثم، الا تذكر الاقامة في مستشفى ابن البيطار؟ لقد كنا نقيم هناك سوية.

د.هيثم : لا... مستحيل... د.مازن؟ انت كنت من جامعة بغداد اجل، اجل لقد تذكرتك جيداً الآن.

- وانت كنت من جامعة الموصل. يا الهي، ماذا حل بك يا د.هيثم وكيف عثرت عليّ؟ لقد مضى اكثر من عشرين سنة.

د.هيثم : بل هي 25 سنة يا د.مازن، ارأيت كيف تمر السنين؟ انه حقاً ربع قرن. فعلاً امر لا يصدق.

- تفضل اجلس، هل تخصصت يا د.هيثم؟

د.هيثم : اجل، لقد سافرت الى بريطانيا وتخصصت بامراض المسالك البولية في كلية كوينز وانت؟

- انا لم اتخصص. بل اكتفيت بشهادة الطب.

د.هيثم : ولكن لماذا؟ فقد كنت افضل طبيب مقيم بين مجموعتنا وكان الاطباء الكبار يميزونك عنا لانك كنت دائماً تقدم الاجابات الصحيحة بسرعة فائقة كما لو كنت قد حفضت كتاب "گرايز اناتومي" بالكامل.

- اجل كانت ايام جميلة حقاً. لكن كما يقول المثل "تجري الرياح بما لا تشتهي (البلام)" هاهاها. والآن اخبرني، هل لديك عائلة؟

د.هيثم : انا يا دكتور لدي ثلاثة اولاد اطباء و7 احفاد سيصبحون اطباء بالمستقبل. وانت؟

- انا تزوجت منذ امد بعيد ولم انجب سوى ابنة واحدة فقط. فهي ريحانة قلبي.

د.هيثم : وهل مررت بظروف قاسية منذ ان افترقنا؟

- اجل. كانت الظروف بامكانك ان تسميها غريبة بعض الشيئ.

د.هيثم : احكي لي عنها يا دكتور.

- كلا، الوقت لا يسمح لذلك الآن فانا اكاد اموت من الجوع وبامكاني ان اكل فيلاً كاملاً، لذلك دعني استدعيك الى مطعم اكتشفته حديثاً وسوف اخبرك بكل ما وقع لي هناك.

د.هيثم : انا موافق على دعوتك ولكن دعني اخبر زوجتي بالامر كي لا تنتظر رجوعي للبيت.

اخرج د.هيثم هاتفه النقال من نوع سامسونغ واتصل بزوجته ليخبرها على سبب تأخره واضاف انه سيتناول وجبة الغداء مع احد زملائه القدامى. التقط صورة للدكتور مازن وارسلها لزوجته فسأله د.مازن.

- لماذا التقطت صورتي؟

د.هيثم : انها النساء يا صديقي العزيزي، حتى بعد كل تلك السنين يجب على زوجتك ان تتأكد من انك لا تخونها. ارسلت لها صورتك كحجة غياب. والآن هيا يا مازن دعنا نذهب لمطعمك الذي اكتشفته حديثاً فتخبرني بكل شيء.

خرج الصديقان مشياً على الاقدام بعد ان اغلق د.مازن عيادته واحكم بابها. سارا حتى بدأت روائح الشواء تقتحم انوفهم لتزيد من احساس الجوع بداخلهم. دخلا المطعم فرحب بهما صاحب المطعم ترحيباً كبيراً وقتادهما الى افضل طاولة لديه ليضع لهما كأسين من اللبن المدخن ثم يمسك بدفتر صغير ويقول،

صاحب المطعم : اوامر الدكاترة؟

- احضر لنا مشاوي من كل الانواع على ذوقك يا ابو حمزة وكثر الطرشي الله يرضى عليك.

صاحب المطعم : كما تشاء يا دكتور مازن.

- لديهم طرشي نجفي رهيب يا هيثم، انه معمول بعصير الرمان.

ذهب ابو حمزة فنظر هيثم الى د.مازن وسأله،

د.هيثم : كيف اكتشفت هذا المطعم يا مازن؟

- لقد دعاني اليه احد مرضاي بعد ان عالجته من مرض مستعصي. فقد كان لديه عطل (بالصالنصة) بواسير.

ضحك الاثنان بآن واحد ثم علّق،

د.هيثم : كم اشتقت الى احاديثك والى خفة دمك المميزة يا مازن. وسوف استدعيك إلى وجبة انا ايضاً.

- شكراً لك عزيزي هيثم، ولو انني اعلم ان هذا الكلام ليس من صميم قلبك.

د.هيثم : لماذا؟ لانني مصلاوي اليس كذلك؟

ضحك الصديقان ضحكة مدوية من جديد ثم قال،

د.هيثم : والآن اخبرني ماذا حل بك وما هي قصتك؟

- اوووووف يا هيثم. ماذا اقول لك! بما انك مُصِرّ على تقليب الماضي فدعني اقص عليك قصة القرى والارياف كاملة من دون زيادة او نقصان.

د.هيثم : كلي اذان صاغية حبيبي تفضل.

- بعد ان اكملت 6 سنوات بالكلية الطبية ذهبت لاعمل الاقامة الصغرى حيث التقينا انا وانت في ابن البيطار وكان ذلك عام 1990. بعدها افترقنا، كل منا ذهب باتجاه مختلف. انا خدمت عسكرية بمستشفى الرشيد العسكري بعد الـ (يس يم) والزحف على التراب والمرور من خلال الاسلاك الشائكة. وكانت تلك الفترة الذهبية بحياتي إذ لم تصادفني اي مشاكل هناك. وبعدها ارسلتني وزارة الصحة الى قرية تدعى الدهانة.

د.هيثم : الدهانة! اين تقع هذه القرية؟ أهي في الچبايش؟

- لا، انها قرية صغيرة نائية تبعد حوالي ساعة عن مدينة الحلة باتجاه الشرق.

د.هيثم : حسناً اريد ان تقص علي القصة بالتفصيل الممل.

- حسناً. ذهبت الى محطة القطار في بغداد لاستقل القطار من هناك. وصلتها بوقت متأخر وكاد القطار يرحل من دوني إذ بدأت عجلاته تدور ببطئ شديد. صرت اركض ساحباً ورائي حقيبتي ذات العجلات حتى وصلت بها الى باب آخر المقطورات بذيل القطار. امسكت بالقضيب الى جانب الباب ثم وضعت قدمي على العتبة الحديدية وفتحت الباب ثم رميت بحقيبتي الى داخل المقطورة لاتبعها بجسدي بقفزة خفيفة لا يقوى عليها سوى مهرجي السركس. وفور دخولي المقطورة رأيت ثيابي قد تبعثرت على ارضية المقطورة بعد ان انفتحت الحقيبة. فسارعت كي الملم الملابس واعيدها بداخل الحقيبة لكني سمعت صوتاً من خلفي يقول، "البطاقة". قلت له "دعني انتهي من التقاط الملابس يا سيادة التيتي". لكنه كرر كلمة "قلت لك بطاقتك، هيا خلصني" وقتها فقدت صوابي. رميت الملابس على الارض وانتصبت لالتفت اليه واقول بصوت مرتفع، "هـــــــــــــل كنت تظن انني ساركب قطارك اللعين دون ان احصل على بطاقة؟ الا ترى انني في مأزق؟ فملابسي كلها سقطت على الارض واتسخت؟ اليس لديك القليل من الصبر؟" قال، "هذه مشكلتك انت. لو اني انتظرت كل راكب لساعات طوال لما تمكنت من تنفيذ عملي فانا لدي اكثر من 400 راكب". هنا علمت انني اتحدث مع انسان جاهل منغلق السريبرل، لذلك اخرجت بطاقتي من جيبي ووضعتها بوجهه. أمسك بها وقطعها بآلته ثم ارجعها لي ورحل وهو يهز برأسه. رجعت ولملمت حوائجي من جديد لاضعها بالحقيبة ثم مشيت بالممر الضيق كي ابحث عن مكاني المخصص بالقطار. كان ذلك لا يبشر بخير ابداً فقد بدأت العملية بغليان الدم والآن يجب ان اعثر على القمرة المدون رقمها بالبطاقة. وبعد سير طويل عثرت عليها فدخلتها لاجد بداخلها مسافر واحد فقط وهو من الاوزان الثقيلة جداً. جلست امامه وحييته بادب فرد التحية. وضعت حقيبتي على الشبكة التي فوق الرأس ثم جلست امامه. قال،

المسافر : يبدو انك وصلت متأخراً.

- اجل كان هناك اكتضاض رهيب بالشوارع.

المسافر : هل انت ذهاب الى الحلة؟

- اجل.

المسافر : هل انت ذاهب لغرض السياحة؟

- كلا، ساقيم هناك لمدة عام كامل.

المسافر : بوسط الحلة؟

- كلا، بقرية نائية تدعى الدهانة.

المسافر : إذاً انت طبيب (لحيمي) اليس كذلك؟

- هذا صحيح.

المسافر : انا ابن الحلة. (الحلة حلتنا... هاهاها) لكن يا دكتور الدهانة بعيدة جداً عن مركز المدينة تكاد تكون في اقصى الشرق.

- اعلم ذلك. لكني لا اعرف كيف اصل اليها؟

المسافر : ليس امامك خيار سوى ان تأخذ سيارة اجرة تنقلك الى هناك.

- هذا ما نصحني به بعض زملائي عن كيفية التنقل هناك.

المسافر : بما انك طبيب فدعني استشيرك بشيء.

- تفضل.

المسافر : كيف استطيع تخفيف وزني؟ فانا الآن 180 كغم او اكثر بقليل.

- ليس هناك وصفة سحرية يا اخي. لديك امران يجب عليك اتباعهما، الرياضة والالتزام بحمية ناجعة.

المسافر : وغير الرياضة والريجيم، اليس هناك طريقة اسهل؟ فانا اعشق الطعام.

- كلا.

المسافر : حسناً ساحاول وامري الى الله. دعني اسألك سؤال آخر: لماذا اشعر بالاحماض تدخل فمي عندما انام؟

- هذه الحالة تسمى ارتداد الاحماض (اسيد ريفلوكس). وسببها انك تتناول الطعام قبل النوم بوقت قصير وبما ان هناك صمام يمنع رجوع الاحماض الى المعدة فمن الارجح ان هذا الصمام قد اصيب بالتلف لذلك ترجع الاحماض الى حلقك.

المسافر : وهل هناك علاج دوائي؟

- اجل هناك حبة تتناولها صباح كل يوم لتمنع حدوث ذلك. بامكانك ان تطلبها من الطبيب.

المسافر : هل لك ان تكتب اسمها لو سمحت.

- الطبيب يعرف اسمها ومع ذلك ساكتبه الآن.

كتبت له (ﭘـانتوﭘـرازول) على ورقة صغيرة واعطيتها له.

بعدها تظاهرت بالنوم كي اتخلص من الحديث مع ذلك المسافر الذي اراد ان يمطرني باستشاراته التي لا تنتهي.

وصل القطار مدينة الحلة في ساعة الظهيرة وفور وصولي هناك خرجت من المحطة وانا اتضرع جوعاً. ركبت سيارة اجرة وطلبت من السائق ان يأخذني الى قرية الدهانة. وفي بداية الرحلة سألت السائق إن كان هناك مطعم بالطريق لكنه سخر مني وقال بان هذه المناطق لا تشبه بغداد. لذلك اقترح علي ان اشتري شطيرة بيض وعمبة من على قارعة الطريق فوافقت. توقف امام احد الباعة المتجولين وطلب لي شطيرتين وقنينة بيبسي فاعدها البائع واعطاها للسائق. دفع له السائق ثمنها واعطاني اياها ثم قال، "الف عافية، استمتع بالشطائر فالطريق طويل لقرية الدهانة. والآن سامحني على سؤالي، هل انت طبيب؟ فلا يذهب لتلك المناطق النائية سوى الاطباء" فقلت له، "نعم، سابقى بالدهانة لمدة سنة لاكمل فترة القرى والارياف". جلست على المقعد الخلفي اتناول الشطائر واشرب البيبسي الساخن من القنينة وكأنه شاي حتى انتهيت من طعامي تماماً. لكنني اثناء الرحلة بدأت اشعر بمغص بسيط. بدأ المغص يزداد شيئاً فشيئاً حتى تحول الى غثيان.

د.هيثم : (فوود پويزننغ)، لقد اصبت بتسمم غذائي.

- هذا صحيح. لكنني لم ابالي كثيراً وقررت ان اتحمل حتى نصل الى القرية. الا ان حالتي سارت نحو الاسوأ لذلك طلبت من السائق ان يتوقف كي اتقيأ. اوقف السيارة وانتظرني حتى تقيأت وافرغت كل ما بداخل معدتي ولم يبقى فيها شيئاً. رجعت السيارة فواصل السائق سيره. الا ان امراً آخراً بدأ يداهمني.

د.هيثم : اصابك الاسهال طبعاً.

- هذا صحيح. بدأت اشعر انني اعاني من الاسهال وان علي ان ادخل المرحاض. لكن كما تعلم باننا كنا نسير بمنطقة نائية فطلبت من السائق ان يتوقف باقرب تواليت. فضحك عليّ بصوت عال وقال باننا (بالمنگطعة) وانني استطيع ان انهي الامر (بالچول) لان امامنا حوالي نصف ساعة قبل ان نصل الدهانة. الا انني رفضت ذلك رفضاً قاطعاً واخبرته بانني لا يمكن ان اقضي حاجتي الا بمرحاض اصولي. هنا اقترح علي ان نقف عند احدى البيوت التي ستواجهنا ونطلب منهم الاذن باستعمال مرحاضهم. فوافقت وامري الى الله. سار حوالي 15 او 20 دقيقة اخرى ثم وقفنا امام منزل ذو طابقين يبدو عليه انه لشخص مرموق بالمنطقة فنزل السائق يتحدث مع اهل الدار. بعدها عاد الي وقال لا مانع لديهم فهم يرحبون بك لاستعمال مرحاضهم.

د.هيثم : هذا عظيم انحلت مشكلة التواليت يا مازن.

- لا ليس عظيماً ابداً يا هيثم. فقد اتضح ان مرحاضهم شرقي اي انني ساضطر لان اجلس القرفصاء كي اقضي حاجتي. وبما انني لم اعتد على مثل تلك المراحيض، فقد عانيت كثيراً حتى طلعت السموم من جسدي. وبعد ان خرجت من الحمام توجهت الى المغسلة كي اغسل يدي فجابهتني فتاة في العشرين من العمر لتمدني بمنشفة اجفف بها يدي. شكرتها ونظرت بوجهها فصدمتني عيناها الخضراء ووجهها الذي هو اجمل من اي امرأة شاهدتها بحياتي ولا حتى بافلام هوليود. اما شعرها فهو اسود طويل يتدلى من رأسها لينزل فوق اكتافها فيصل حتى مؤخرتها. اما صوتها فهو اشبه بصوت المطربة اسمهان يا هيثم.

د.هيثم : اجل، اجل بدأت القصة تحلو. هيا اريد المزيد من التفاصيل. ماذا كانت ترتدي.

- كانت الفتاة ببيتها لذلك كان من الطبيعي انها ترتدي (دشداشة بازة).

د.هيثم : اكمل.

- ابتسمت بوجهي، حيتني بادب وقالت، "تفضل جفف يداك يا دكتورنا"

د.هيثم : وكيف عرفت انك دكتورهم؟

- يبدو ان السائق اخبرهم بذلك عندما كنت بالمرحاض.

د.هيثم : اكمل، اكمل ارجوك فانا متحمس جداً.

- لم اتمالك نفسي فسألتها عن اسمها قالت "اسمي فاطمة وانا ابنة المختار عبد الفتاح".

د.هيثم : وماذا حصل بعد ذلك؟ هل اطلت الحديث معها؟ هل قالت لك شيئاً آخر؟

- قالت ان اباها طريح الفراش يعاني من الآم شديدة وحبذا لو استطيع ان القي نظرة عليه.

د.هيثم : وطبعاً كشفت عليه اكراماً للعيون الخضراء.

- اجل هذا صحيح. دخلت معها غرفة نوم والدها فوجدت رجلاً في السبعين من العمر يعاني من الآم في الظهر. قال انه كلما انحنى قليلاً نحو الارض تبدأ الآلام وكأنها خناجر مغروسة في ظهره. لذلك اعطيته حبة 400 ملغم إبوپروفين مع حبتين باراسيتامول وكتبت له مرهم ڤولتارين ثم اخبرته بان عليه الحصول على حزام طبي يشتريه من الصيدلية ليربطه على اسفل الظهر ويحاول ان لا ينحني حين يحاول التقاط الاشياء من الارض بل يثني بركبتيه وينزل بهما الى الاسفل بظهر مستقيم. وعندما تتحسن حالته يأتيني الى المستوصف ليدعني اعالجه بشكل افضل. هنا سألني المختار، "وما فائدة الحزام؟" قلت له، "عندما يكون لك اخ او ابن عم او صديق حميم يقف معك بالشدائد وتعتمد عليه بكل شيء فماذا تسميه؟" قال، "اسميه حزام ظهري". قلت له، "شكراً لقد وصلت الفكرة". تبسم وشكرني كثيراً واراد ان يعطيني نقوداً لكنني رفضت رفضاً قاطعاً وطلبت منه ان يزورني بالمستوصف عندما تتحسن حالته. ودعته وخرجت من غرفة نومه فتبعتني فاطمة.

د.هيثم : من المؤكد انها طبعت على شفتيك قبلة ساخنة اليس كذلك؟

- واين تعتقد نفسك؟ في باريس او نيويورك مثلاً؟ كلا طبعاً، شكرتني بادب وهي تبتسم بوجهي ثم امسكت بيدي لتصافحني. شعرت وقتها ان تياراً كهربائياً قد تسرب الى جسدي من خلال اناملها.

د.هيثم : يا سلام بدأت القصة تحلو. أكمل، أكمل.

بهذه اللحظة جاء النادل حاملاً صينية معدنية كبيرة عليها ما لذ وطاب من الاطعمة المشوية. صفها على الطاولة ثم رحل. بدأ الصديقان يتناولان الطعام ثم واصل د.مازن سرد القصة.

- لحسن الحظ لم يكن معنا احد، ارتبكت كثيراً وسحبت يدي من يدها ثم خرجت من المنزل مسرعاً لاجد السائق واقفاً امامي. ركبت السيارة من جديد حتى نواصل الطريق الى المستوصف الذي اصبح قريباً جداً منا على مشارف قرية الدهانة. وفي الطريق سألت السائق عما يعرفه عن المختار. قال، انه انسان طيب القلب ومحبوب جداً لدى جميع سكان القرية وابنته فاطمة هي الابنة الوحيدة وكذلك لديه اولاد اربعة من زوجته الاولى.

د.هيثم : الآن دخلنا بالجد. اكمل.

- وصلنا المستوصف الذي كنت قد ذهبت من اجله فاستقبلني المضمد (شلش) وقال انه يعمل هنا بمثابة طبيب منذ 22 سنة وسيكون يدي اليمنى بالمستوصف. كذلك اخبرني ان وزارة الصحة قد جهزت لي منزلاً صغيراً قريباً من المستوصف بامكاننا الذهاب اليه فوراً فوافقت. ركب شلش معنا بسيارة الاجرة وصار يدلنا على البيت. ولما وصلنا هناك نزلت من السيارة وصرت اتفحصه وإذا به مشتمل صغير متواضع يشبه الكثير من المشتملات في بغداد، لكنه يفي بالغرض. دخلته ففوجئت بوجود الكثير من الزوار بداخله.

د.هيثم : يا الهي، هل زارك جميع سكان القرية؟

- كلا، انا اتحدث عن الصراصير يا رجل. كانت تلك الكائنات تصول وتجول بكل مكان من البيت لذلك كان لزاماً علي ان اقوم بحملة مكافحة كبيرة لاتخلص منها قبل ان افعل اي شيء. وضعت امتعتي بغرفة النوم وخرجت لاحاسب السائق ففوجئت بانه يرفض أخذ اجرته.

د.هيثم : لماذا؟

- قال انه تلقى الاجرة من ابنة المختار ثم رحل السائق فرجعت ودخلت بيتي الجديد. وباليوم التالي استيقظت مبكراً وحلقت ذقني بماء بارد لان السخان كان معطلاً ثم توجهت الى المستوصف سيراً على الاقدام فقد كان يبعد حوالي 300 او 400 متر عن بيتي. وفور وصولي المستوصف وجدت حشداً كبيراً من المراجعين ينتظرني على احر من الجمر. البعض منهم لم يكن مراجعاً بالمعنى الصحيح، بل جاؤوا ليرحبوا بالطبيب الجديد.

د.هيثم : هذا شيء جميل.

- اجل انهم طيبون للغاية. على العموم بدأت اعالج مرضاهم وارحب بالباقي حتى خرجوا جميعاً ولم يبقى احد بالمستوصف. جائني شلش وقال انه سيذهب الى بيته لان زوجته تنتظره على الغداء. خرجت انا كذلك متوجهاً الى السوق لاشتري الخضروات واللحوم وباقي لوازم البيت وخصوصاً المبيدات. لكنني شعرت وكأنني على موعد مع القدر إذ اثناء تجوالي بالسوق رأيتها من بعيد...

قاطعه صديقه وقال،

د.هيثم : رأيت ابنة المختار فاطمة، اليس كذلك؟

- اجل، كانت ترتدي عبائة سوداء لكنني تمكنت من التعرف عليها من بعيد. فاقتادني قلبي نحوها دون ان اقصد. ولما رأتني كان الحماس بادياً عليها هي الاخرى ففور ما رأتني سقط الكيس الذي كانت تحمله بيدها وتبعثرت الفواكه والخضروات منه على الارض. وبدلاً من ان تنحني لتلتقطها، وقفت تنظر الي بعينيها الخضراويتين وتبتسم وكأنها تعرفني منذ امد بعيد. اقتربت منها وحييتها فتكلمت معي باقتضاب وقالت انها لا تستطيع ان تتحدث معي هنا امام اعين جميع من في السوق. فسألتها، "واين استطيع ان اتحدث اليك إذاً؟" قالت، "هذا امر مستحيل، ارجوك لا تسبب لي الاحراج فالعيون كلها تتجه صوبي لان الكل يعرف اني ابنة المختار". قلت لها، "لكنني اردت ان اعاتبك لانك دفعت اجرة التاكسي" فقالت، عيوننا لك يا دكتورنا العزيز. اقصد لانك عالجت والدي". سألتها، "هل تقضين جل وقتك في الاسواق؟" ضحكت ثم قالت، "انا طالبة بالصف السادس علمي باعدادية الشرق الاوسط للبنات يا دكتوري العزيز، والآن يجب عليك ان ترحل ارجوك". علمت انني يجب ان اتركها لكي لا اسبب لها المزيد من المشاكل. التقطتُ ما سقط منها من الارض وسلمتها الكيس ثم ودعتها ورجعت لاشتري بعض الطماطم. كان ذلك اللقاء بمثابة مطر شديد انهمر فوق رأسي لينعش روحي فقد علمت انها مهتمة بي كما اني مهتم بها لكن اموراً كثير تحول دون علاقة طبيعية بيننا.

د.هيثم : لماذا لم تمسك بها للحديث اكثر؟ عليك اللعنة؟

- لم استطع يا هيثم، كيف؟ سيكون ذلك انتحاراً بلا شك. اكتفيت فقط بابتسامة قصيرة من بعيد فردت عليها بابتسامة اقصر هزت بها كياني وجعلتني اشكر الله لانني اصبت بالتسمم الغذائي. بدأت بوادر الامل تتكشف عندي وصرت استبشر خيراً بالمستقبل. علمت وقتها انني قد اضعت الكثير من وقتي بدراسة طب البشر وتركت دراسة لغة القلب والحب والمشاعر الوجدانية.

د.هيثم : بالتأكيد، انه امر مهم جداً، هذا شيء لا ينكر، اكمل حديثك.

- على العموم، بعد ان رجعت الى بيتي بالمشتريات وضعتها بالمطبخ دون ان امسسها. ذهبت الى فراشي، استلقيت فوقه على ظهري وصرت افكر بفاطمة. لم يكن في بالي اي شيء سوى ذلك الاسم الذي اقتحم تفكيري ووجداني وجعلني اسيراً لذلك الجمال وتلك العيون المميزة والشعر الحريري الطويل.

وبعد مرور ثلاثة ايام جاء المختار عبد الفتاح والد فاطمة وجلس ينتظرني بالمستوصف. ولما رأيته اثناء دخولي فرحت به فرحاً كبيراً. ادخلته العيادة وكنت على وشك ان اصارحه بكل شيء واخبره بانني مغرم بابنته. لكن شيئاً من العقل والحكمة منعني من تلك الحماقة ولانه بالامكان ان يكون آخر حديث اجريه مع انسان بهذه الدنيا. فالقرويون ينظرون الى تلك الامور بشكل مختلف تماماً عما ننظر اليها نحن. فقط ادخلته الى عيادتي وقمت باجراءات مطولة لفحص فقراته ثم اخبرته بان حالته ستتحسن اذا استمر بارتداء الحزام الداعم لانه سيسند الفقرات ويريح عظلات الظهر. طلب مني المزيد من الحبوب المسكنة فكتبت له وصفة جديدة من (الترامادول) واخبرته ان يشتريها من الصيدلية ونصحته بعدم الاسراف بتناولها كي لا يدمن عليها. كان ممتناً جداً لاهتمامي بصحته وكنت اتمنى لو استطيع ان اسأله عن فاطمة لكن صوت الحكمة كان يقف لي بالمرصاد ويمنعني من حماقة مثل تلك.

د.هيثم : لا تقول ان الامر قد انتهى عند ذلك والا سوف اقتلك.

- لا، لا، لم ينتهي بعد انتظر يا هيثم. خذ هذا السيخ بدل من ان ترتكب جريمة.

د.هيثم : تباً لسيخك الملعون اريدك ان تكمل القصة.

- حسناً. لم ارى فاطمة لاكثر من خمس شهور كاملة وظننت انها نستني تماماً حتى وصل امر من وزارة الصحة يقضي بتطعيم القرية باكملها والبدء بطلاب المدارس الاربعة ضد مرض السحايا. كان ذلك الخبر باذني كالسمفونية الاربعين لموتزارت. اخيراً ساتمكن من الدخول الى مدرسة فاطمة وربما ساتمكن من رؤيتها ثانية. وبغياب الحياة الاجتماعية بتلك القرية كما نتمتع بها نحن في بغداد فقد اصبح لقاء فاطمة هو شغلي الشاغل بالحياة.

د.هيثم : وهل طعمتها؟

- انتظرنا لبضعة اسابيع حتى وصلت امپولات التطعيم بصناديق كارتونية كبيرة قمنا بتخزينها بمكان بارد داخل المستوصف كي نباشر الحملة باقرب فرصة. تأكدت من ان شلش سيتمكن من اعطاء الابر بالشكل الصحيح ثم اتصلت بمديرة المدرسة كي نستطيع تحديد موعدٍ لتطعيم الطالبات.

د.هيثم : وطبعاً فاطمة كانت غائبة بذلك اليوم. اليس كذلك؟

- كلا انت غلطان. المهم دعني اكمل لك الحديث: حددت المديرة يوم الجمعة لتطعيم المدرسة باكملها كي لا يؤثر على دروس الطالبات. فحملنا كمية كبيرة من صناديق التطعيم وابر (دسپوزابل) ذات الاستعمال الواحد وقصدنا اعدادية الشرق الاوسط للبنات بسيارة اجرة. كانت المديرة في استقبالنا وقد خصصت لنا مكتبها ومكتب المعاونة كي نجري فيه عملية التطعيم. دخلنا حاملين الصناديق معنا بمساعدة فراشة المدرسة وقسمناها الى قسمين متساويين كي توضع بمكتب المديرة وبمكتب المعاونة. كانت الفتيات قد اصطففن على شكل طابورين طويلين. مررت من امام الطابور الاول وانا انظر الى الفتيات بشكل لا يجلب الانتباه عساني استطيع ان المح فاطمة. لكنني لم اشاهدها في الطابور الذي اسطف امام غرفة المديرة. لم اتمكن من فعل شيء لان امري سينكشف لو قررت ان اغير مكاني مع مكان شلش في غرفة المعاونة لذلك قررت ان اباشر بالتطعيم وامري الى الله فامامنا ما يقرب من 250 طالبة.

د.هيثم : إذاً لم تتمكن من رؤية حبيبة القلب.

- انتظر لحظة، كم انت عجول! انا آتٍ اليك بالحديث. بدأت بتطعيم اول طالبة بعد ان سجلت المديرة اسمها تلتها الطالبة الثانية والثالثة وهكذا دواليك. الا ان بعض الطالبات كن خائفات جداً من الابرة لذلك ابدين تردداً في تلقي التطعيم. لكن المديرة كانت حازمة معهن إذ كانت تأمرهن بعدم المياعة والدلع لان ذلك لمصلحتهن. وفجأة برزت امامي فاطمة وهي تقف بالطابور خلف اربعة من زميلاتها.

د.هيثم : لكنك قلت انها لم تكن واقفة بطابورك.

- هذا صحيح، لقد علمت منها فيما بعد انها طلبت من خادمتها زمرد التي تدرس معها بالمدرسة كي تستبدل طابورها بطابور الخادمة. المهم، بدأ الطابور يتحرك ببطئ شديد حتى وصلت فاطمة الى عندي. كانت المديرة تقف الى جانبي وتراقب العملية كما لو كانت شاهين شرير متأهب يتابع فريسته. لم اتمكن من ان ابدي اي شيء لفاطمة لكن القتاة كانت في غاية الذكاء. بدأت تصرخ وتقول بانها خائفة. صارت المديرة تطمئنها وتطلب منها عدم الخوف الا ان فاطمة بدأت تبكي وتمانع بشدة. هنا تدخلت وقلت للمديرة، "يا حضرة الست لمعان، ارجوكِ اخرجي من المكتب ودعيني اقنع الطالبة بنفسي فهي ابنة المختار عبد الفتاح والمختار صديقي وهو بنفس الوقت احد مرضاي وبامكاني اقناعها". فوافقت المديرة وخرجت لتغلق الباب ورائها. بقيت انا وفاطمة بمفردنا في المكتب. فنظرت اليها وتقربت منها ثم قلنا بآن واحد جملة واحدة فقط (انا اعشقكِ) (انا اعشقكَ). امسكت بيدها وقلت لها بانني ساموت لو لم اقترن بها فقالت بان ذلك اكثر شيء تبتغيه بحياتها لكن الامر مستحيل لانها ستُنْتَهى"

د.هيثم : سحقاً، ماذا يعني ذلك؟

- انه يعني ان لديها اولاد عم وسوف ينهون اقترانها باي شخص غريب. فسألتها وما هو الحل إذاً؟ قالت، ليس هناك حل. ساكون اجمل ذكرى بحياتها وسوف لن نتمكن الاقتران ببعضنا البعض ابداً.

د.هيثم : عليهم اللعنة. ما هذه العادات التافهة؟ انهم حقاً جحوش.

- هذه هي عادات وتقاليد القرويين يا هيثم.

د.هيثم : وماذا فعلت بعدها؟

- لمست خدها بكفي الايمن وطلبت منها عدم اليأس فالله معنا. ثنت رأسها واغمضت عيناها وكأنها نامت فوق كفي بعد ان قبلته. قلت لها، "هل تدركين باني لم احب انسان بحياتي بقدر حبي لك؟" كذلك اخبرتها بان علاقتي مع والدها جيدة وسوف افاتحه بالامر. لكنها توسلت اليّ بشدة وطلبت مني عدم ذكر اي شيء لوالدها المختار لانه سيقوم بذبحها على الفور. وبهذه الاثناء دخلت علينا المديرة واستفسرت مني فاخبرتها بان الطالبة فاطمة وافقت على تلقي اللقاح.

د.هيثم : وهل رأتك وانت تلمس خدها؟

- كلا، سحبت يدي عند سماعي صوت الباب وهو ينفتح.

ترى كيف ستنتهي هذه العلاقة؟ هل سيتمكن د.مازن من اقناع والد فاطمة على تزويجها له؟ ام ربما سيخطفها ويتزوجها بالسر؟ ماذا لو سمع بها اولاد عمها وقاموا بذبحهما؟ انت على موعد لتعرف كل ذلك بالجزء الثاني.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

634 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع