علي المسعود
لا تجعلوا من الحمقى والسذج مشاهير في السوشيال ميديا !!
الفيلسوف والروائي الإيطالي (أمبرتو إيكو) في مقابلة مع صحيفة لاستامبا الإيطالية يقول : " إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن يثرثرون في المقاهي فقط ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل مَنْ يحملون جائزة نوبل. إنه غزو الحمقى ". اليوم باتت وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا تصدر أشخاص تافهين لا يملكون محتوى مفيدًا أو قيم عليا أو مبادئ ، في حين يتم تجاهل أي محتوى مفيد ويحمل مضمون هادف . بالمقبل يبرز الفن القبيحً الذي لا يُناقش فكرة ولا يحل قضية ولا يلامس جوهر الوجود الإنساني . تلك التفاهة التي يقوم بها بعض من رواد هذه المواقع التي تزيد من شهرتهم وترفع عائدهم المادي ما هي إلا قذارة من إدارة هذه الحسابات، التي لا تهتم بالفرد ولا تهتم بما سيترتب على ما يتم بثه من محتوى، فتجد تلك المواقع تسعى لنشر أي محتوى فاضح أو منحط لأجل الحصول على متابعات و"لايكات" وحسب !! . في نظام التفاهة تُسيطر مجموعة من الأشخاص التافهين على جميع مناحي الحياة وتتم مكافأتهم على رداءتهم وتفاهتهم عوضًا عن مكافأة العاملين والجادين والمبدعين .
في كتاب (نظام التفاهة) للكاتب الكندي ألان دونو أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة كيبيك بكندا، تحديد لسمات التافهين و"المؤثرون " وطرق عملهم، ودورهم في تسميم كل القيم ، يتسللون إلى مفاصل الحياة، فيصيبونها في الابتذال والتهريج ، ويُوضح بعض الجوانب التي يغفل عنها الكثير من رواد التواصل الاجتماعي أو من يطلق عليهم "المؤثرون"، يجهلون هؤلاء أنهم يعيشون تحت سطوة لعبة تديرها مواقع التواصل الاجتماعي لجذب أكبر عدد من المشاهدات والمستخدمين . وسائل التواصل الإجتماعي تصنع وتصدر بعض التافهين وتصورهم على أنهم نجوم وقدوة ، فاليوتيوب مثلًا يقيم المحتوى بعدد المشاهدات بغض النظر عن محتواه وقيمته الفكرية أو العلمية أوالادبية .
ربما نجحت مواقع التواصل في "ترميز التافهين" ونلاحظ الكثير من تافهي السوشيال ميديا والفاشينستات الذين يظهرون لنا بمظهر الناجحين ، وتختزل عندهم معايير النجاح في الكسب المادي وللأسف الأمر هذا واقع الحال ، حيث أصبح الانسان الناجح اليوم من لديه عدد كبير من المتابعين الذين يعتبرونه مثالا لهم مهما كان المحتوى الذي يقدمه حتى وإن كان مرفوضاّ وتافهاّ . التيك توك اليوم يعتبر من أهم منصات التواصل الاجتماعي التي تبجل التفاهة وتساعد في إنتشارها من خلال استعمال تريند أغنية ورقصة ويصبح مشهور جدا . التيك توك يستهدف الفئة الشابة ويؤدي إلى تدمير أخلاقهم وطباعهم ، أصبح اليوم الأمرمخيف مع الأغاني الهابطة وحتى التحديات بين الشباب والاطفال التي تسببت في وفاة العديد منهم . وسائل دخلت بيوتنا عنوة ومن أبوابها الواسعة وبإحكام وأحتلت عقول أبناءنا وبناتنا والتي أثرت على سلوكياتهم واخلاقياتهم أتجاه الأسرة أولاّ ثم المجتمع ، وكانت سببًا رئيسيًّا لسيطرة التافهين على هذه الشبكات بتقديمهم لأعمال تافهة شكلًا ومضمونًا، والتي أدت إلى نبذ القيم الاجتماعية وإلغائها وتسطيح الثقافة والفكر . ولا يهم المحتوى بقدر أهمية الشهرة والنجومية والكسب المادي . نشاهد الزوج يصور أسرته، الزوجة تصور روتينها اليومي مع إبراز فاضح لمفاتنها، وتلك توزع النصح والارشاد الى الفتيات ، وكل هذا من أجل حصد الكثير من اللايكات والأرباح حتى ولو على حساب كرامتهم . الطامة الكبرى أصبحوا يتصدرون المشهد ويوجهون أفراد المجتمع كما يشاءون ، لأنهم يرون أنفسهم الأفضل وهم غير مدركين بعدم نضجهم وقلة وعيهم . هذا الأمر ساهم في ظهور أشخاص لا ثقافة لهم ولا مبادئ ولا أي محتوى حقيقي يقدمونه لمتابعيهم . لا شك أن وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي وفّرت لهؤلاء التافهين فرصة للظهور والانتشار ، وبعدها تطبّع الناس تدريجيا مع هذه التفاهة الإلكترونية، من خلال الدفع النكرات والجهلة الى تصدر المشهد الثقافي والتربوي ودفعت بهم إلى مدارج الشهرة ومصاعد النجومية .
أصبحنا نعيش عالم وعصر التفاهة ودخولك الى هذا العالم يعني دخولك عالم التفاهة المتنوع. هذا النظام الذي يسيطر على شبكة واسعة، ليس في محيطك فحسب، بل العالم من حولنا. يعمل على ترويج ونشر المحتوى الهابط ، طالما يحقق غايته وأهمها تغيب العقل للنشئ الجديد وتسطيح أهدافه في الحياة، ويجعل قيمة النجاح في عالم التواصل الاجتماعي هو كسب فقط ، وكي تكون ناجحاً في مجتمعك، فليس لك سبيل سوى كسب المال وبوفرة ملحوظة، بغض النظر عن طرق ووسائل الكسب . وهذا الذي دفع بمن يُطلق عليهم مشاهير التواصل الاجتماعي أو ( الفاشينستات) ، لتأكيد هذا المعنى، لقد وجدوا أن من أسهل طرق كسب المال هي صناعة التفاهة، التي قادتهم إلى البروز والشهرة والأضواء، و أفواج من المتابعين والمعلقين الجهلة والفارغين ، وصار الطريق نحو الثراء لا يتطلب مؤهلات ولا شهادات ولا خبرات . نظام التفاهة ومن يقفون وراءه بالدعم والتأييد والنشر والإعلام، إنما هدفهم كسر القيم والمعتقدات والثقافات والأعراف، وجعل الحياة بلا ضوابط ولا حواجز وموانع، سواء كانت على شكل تعاليم أو أعراف وقيم مجتمعية وأخلاقية، والدفع بالمجتمعات للانقياد الأعمى نحو نظام التفاهة، أوالعالم الذي يهيمن فية الأشخاص التافهين على معظم مناحي الحياة ، وعلى ضوء ذالك يتم مكافأة التفاهة والانحلال والوضاعة بدلاً عن الالتزام والفكر البناء والصوت الشريف والصادق الذي ينبض بهموم الناس ومعاركهم اليومية من أجل لقمة العيش . عند مشاهدة بعض البرامج التي تروِّج للثرثرة والنقاشات الفارغة والأغاني المبتذلة نعرف حجم المشكلة ، وحين يكون لهؤلاء التافهين ولهم متابعون بالملايين ويحققون دخلًا كبيرًا، وتقصدهم الشركات للترويج لمنتجاتها، فيجنون المزيد من المال والشهرة وينشرون التفاهة تلك هي الكارثة بعينها . أدعوا الى محاربة التافهين ولا نجعل من الحمقى مشاهير، ارتقوا قليلًا فالقاع قد امتلأ .
كلمة أخيرة : في زمن التفاهة وسيطرة التافهين هُدمت منظومة القيم وبرزت الأذواق المنحطة وطغت مصطلحات غريبة بعيدة عن الفهم والاستيعاب، مع غياب أصالة الفكر والطرح، لقد حاصرنا التافهين من كل حدب وصوب بالمشاهد والصور والأنحطاط ، وأصبح الإنسان المفكر المتأمل العميق مهددًا بالانقراض والاختفاء، ويبرز السؤال : هل بدأنا نعيش عصر انقراض القلم الرصين والفكر النبيل ؟ .
930 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع