وادي الثعابين - حكاية من الحرب المنسية

                                                            

                                     بسام شكري


وادي الثعابين- حكاية من الحرب المنسية

عند انسحاب الجيش العراقي من الأراضي الإيرانية في بداية الثمانينات وتمركزه على الحدود العراقية واتخاذه مواقع دفاعية كنت في القاطع الأوسط من الجبهة وقد انسحبنا على عجلة من امرنا وتركنا الاثقال الغير قادرين على حملها والغير ضرورية ومعظمها كانت اعتدة لمختلف أنواع الأسلحة ومواد بناء الملاجئ المحصنة وطبعا تركنا ملاجئنا التي قمنا ببنائها كما هي دون تفكيكها واعادتها للعراق , لم نكن نعرف مقرنا الجديد وقد تم نقلنا بسيارات الايفا والكاز 66 وعجلات الواز الصغيرة وقد بدأ الانسحاب عند الفجر وقد دخلنا الى الحدود العراقية من طريقنا التقليدي وتحولنا الى منطقة تقع خلف قطعاتنا التي كنا قد انسحبنا منها وصلنا المنطقة الجديدة في الساعة الثالثة عصرا تقريبا دخلنا الى شارع مبلط قديم قد تخرب قسم منه جراء القصف المدفعي والشارع يمتد من الأراضي العراقية الى الأراضي الإيرانية ويقطع جبلين مرتفعين ويستمر الى وادي كبير يحتوي تقريبا على خمسة وعشرين قرية إيرانية وقد كان نصيبنا الجبل الأيمن وفتحة الشارع المؤدية الى الوادي الإيراني الكبير والشارع الممتد الى داخل ايران وقد كان الجبل الآخر في الجهة اليسرى على شكل قطع حاد لا يمكن اتخاذه موقع عسكري وقد تمركزت قوات عراقية أخرى بعد القطع الحاد على الجهة اليسرى وزرعت المنطقة تحتهم بالألغام و كان في الوادي عند فتحة الجبل الذي من جهتنا عين ماء عذب تجري باتجاه الأراضي العراقية .

في تلك الليلة نمنا في العراء واتخذنا نقاط حراسة على رأس الجبل وقد قمنا بحمل الأسلحة المتوسطة فقط الى اعلى الجبل بصعوبة بالغة حيث ان صعود الجبل بدون اثقال يستغرق خمسة وأربعين دقيقة وكانت اسلحتنا المتوسطة هي الهاونات والرشاشات البي كي سي اليوغسلافية , في اليوم التالي وعند بزوغ الفجر بدأنا العمل في بناء مواقع قتالية لنا في راٍس الجبل المطل على الجانب الإيراني وقمنا ببناء مواضع لنومنا في حافة الجبل من الجانب العراقي لكي نحمي انفسنا من القصف الإيراني وقد كان العمل متعبا جدا حيث ان الجبل كان صخري واجرد من النباتات حيث كان يتم نقل الرمل من الأسفل الى الأعلى بالأكياس وكنا نجمع الصخور لعمل المواضع ونستعمل الازميل والمطرقة في حفر الأرض لعمل شقوق نمشي في داخلها لحماية انفسنا من القصف الإيراني وكنا فعليا ننحت في الصخر في الكثير من الأماكن التي تصادفنا صخور قوية , وقد استغرقت عملية انشاء المواضع القتالية وملاجئ النوم أسبوعا كاملا وقد قمنا ببناء مواضع للنوم كذلك باستغلال بعض التجاويف في الجبل والتي كانت مليئة بالزواحف كالأفاعي والورل المختلفة الألوان والورل هو حيوان يشبه التمساح وقريب على أبو بريص وحجمه يبدأ من شبر واحد الى متر ونصف وكلما كبر حجمه زادت شدة الوانه التي تصبح فاقعة وقوية كالأحمر والاصفر والازرق وعندما نقترب منه ينفخ نفسه فيصبح حجمة كبيرا وقد قتلنا كمية كبيرة منه في بداية تمركزنا في تلك المنطقة البكر وبعد اسبوع تم احضار البغال وقد ساعدتنا البغال في نقل المياه يوميا من الوادي الى اعلى الجبل وكان مع البغال جندي واحد يقوم برعايتها واطعامها وكانت البغال بالنسبة لنا مخلوقات غريبة علينا نحن سكان المدن فهي اكبر من الحمير وبحجم الخيل قليلة الفهم شديدة التحمل حيث كنا نتعب خلال صعودنا الجبل وكانت البغال تستمر بالصعود وخلال الأشهر الأربعة التي قضيناها في ذلك المكان انتحر بعض البغال من كثرة العمل عليها حيث كانت تلقي انفسها من اعلى الجبل وتسقط في الأرض الحرام أشلاء ممزقة .
لقد كانت الجبهة التي امامنا عبارة عن وادي فسيح في نهايته نهر صغير عليه جسر قد تهدم جزء منه جراء الحرب واكواخ مبني بعضها من الحجر ومعظمها من الطين منتشرة في المساحة الواسعة بشكل عشوائي وكانت فارغة من السكان وخلف الجسر المتهدم كانت هناك سلسلة جبلية عالية كانت رؤوسها مكللة بالثلوج في فصل الصيف وكان الوادي هو المنطقة المحرمة علينا ولم نكن نخرج دوريات للعدو من تلك الجهة بسبب وعورة الجبل حيث انه من الجانب الإيراني منحدر بشكل يستحيل صعودهم الينا او نزولنا الى الأسفل وكنا نقوم بالدوريات والكمائن كل ليلة في جهة الشارع الذي يمتد الى داخل الأراضي الإيرانية بين الجبلين وكنا نتقدم الى داخل الوادي الفسيح قبل حلول الظلام بقليل وننسحب قبل طلوع الفجر وعند فتحة الجبل كانت هناك مدرعتان عراقيتان تقفان في مرتفع يطل على الشارع الممتد الى الجانب الإيراني من الجهة اليمنى للجبل والمدرعات تابعة الى مفرزتان لمقاومة الدروع وكانوا يستعملون صواريخ ميلان الفرنسية وصواريخ مارلوتكا الروسية وكانت تلك الصواريخ تكنلوجيا قديمة مقارنة بالتطور في الأسلحة في الوقت الحاضر وهي صواريخ حرارية ومدى الصاروخ ثلاثة كيلومتر ويتم اطلاقه بواسطة قاعدة صغيرة من الحديد عليها سكتين تعمل ببطارية تشبه بطارية السيارة وفي نهاية الصاروخ سلك حيث يتم اطلاق الصاروخ ويقوم الرامي بتوجيه الصاروخ بواسطة عصى معدنية طولها عشرين سنتمتر تقريا في نهاية السلك حيث يقوم برفع او خفض الصاروخ او توجيهه باي اتجاه اخر والصاروخ في حالة انطلاقته البطيئة لكن الصاروخ كان فتاكا جدا ويخترق الدروع ويدمرها وكان لكل قاعدة اطلاق أربعة مقاتلين يكون اثنين او ثلاثة في الخدمة دائما وكان لكل مدرعة سائق وكانت المفرزتين بقيادة نائب ضابط والجميع من خريجي الجامعات والمعاهد العليا ومن سكان مدينة بغداد وكانت معظم اجسامهم كبيرة وقوية لتتناسب مع مهمتهم وكانت المفرزة الأولى بمسؤولية عريف من مسيحيي الموصل وكان من سكنه بغداد الجديدة والثانية بمسؤولية عريف من سكان منطقة الشعلة وكان الجميع في الفة محبة وتفاهم واحترام كبير لأمر المفرزتين وكنت ازورهم للتعرف عليهم والاستمتاع بمنظر جريان المياه من العين التي كانوا يستحمون بها ويستعملونها لغسل الملابس والصحون وفي احدى تلك الزيارات الأسبوعية وفي حدود الساعة الرابعة عصرا ونحن نجلس تحت في الوادي اسفل فتحة الجبل قرب العين ونشرب الشاي صرخ جندي من فوقنا هدية في البداية لم افهم شيء لكن جميع افراد المفرزتين وبسرعة خاطفة اخذوا أسلحتهم الشخصية وحملوا صناديق صواريخ إضافية وبطارية الى منتصف الجبل حيث نصبت قواعدهم في قطع مستوي في مساحة تقارب ثمانية امتار تطل مباشرة على فتحة الحبلين من الأعلى وصعدت معهم حيث كانت هناك اربع صواريخ معدة للإطلاق وموجهة باتجاه العدو وعلى بعد مسافة كبيرة شاهدنا ثلاث سيارات عسكرية إيرانية تتجه الينا للمرور بين الجبلين الى داخل أراضينا وقد اصدر آمر المفرزتين امرا ً بعدم اطلاع الصواريخ الى ان تصبح العجلات الثلاثة في مرمى الصواريخ وبعد دقائق وصلت العجلات الثلاثة وكانت الأخيرة تجر ورائها مقطورة ماء وكان الرماة قد صوبوا الصواريخ باتجاه الشارع لمسافة كيلومتر ونصف تقريبا وبسرعة البرق انطلق صاروخين الأول أصاب العجلة الأولى والثاني أصاب العجلة الثالثة وفي لحظات تم تجهيز صاروخين اخرين للإطلاق , ولم يصاب أي جندي إيراني في السيارات الثلاث لكنها توقفت عن الحركة واخذت الأخيرة بالاحتراق فخرج من الأولى ثلاث جنود هرب اثنان باتجاه الوديان البعيدة وهرب الثالث باتجاهنا لأنه نزل من الباب التي في اتجاهنا وكان ضخم وطويل ومن السيارتين الآخرتين خرج جندي واحد من الثانية وثلاثة جنود من الأخيرة التي تجر مقطورة الماء وقد هربوا كذلك الى الوديان واختفوا جميعا واما الجندي الإيراني الذي هرب باتجاهنا واصبح تحت مرمى نيراننا فقام احد رماة الصواريخ بتصويب بندقيته اليه فنهره امر المفرزة وقال له لا تقتله فنحن في أراضينا الان ندافع عن انفسنا وليس لقتلهم ومن تلك العبارة تعلمت درسا وحكمة مازالت في ذاكرتي , بقيت العجلات الثلاثة في ارض الحرام ولم يتجرأ الطرفين من التقدم اليها , في اليوم التالي في فترة الظهيرة كنت مع رفاقي الثلاثة في المرصد في اعلى قمة الجبل نلعب الدومينو وصوت الراديو الترانزستور يملئ المكان ونحن في نشوة الاستماع الى ام كلثوم , لقد كان المرصد عبارة عن غرفة تم حفرها تحت الأرض جدرانها تم تقويتها بأكياس الرمل وسقفها من خشب سكة القطار الصلبة وفوقها طبقات من الأتربة و الصخور وفي المرصد فتحة كبيرة على طول المرصد يطل على جهة العدو تم وضع رشاشة متوسطة من نوع البي كي سي اليوغسلافية وناظور بعيد المدى وناظور عادي وكان المرصد طبعا بدون باب حيث يمكن الدخول اليه من فتحة جانبية خلال شق ارضي عمقه متر ونصف تقريبا , ونحن جالسين نضحك في قمة الانسجام وفجأة دخل علينا شخص اشقر اللون ذو لحية كثيفة جدا يرتدي جاكيت عسكري وقد تحزم بنطاق فوق الجاكيت وبيده اليمنى بندقية جي سي الامريكية ووقف في مدخل المرصد , توقف الجميع عن اللعب وبقي صوت ام كلثوم يملئ المكان وبدون ان يتكلم احد علمنا ان ضيفنا الأشقر هذا هو إيراني وبضخامته ومفاجأة دخوله علينا تسمرنا في أماكننا وكانت بنادقنا معلقة على الحيطان وذلك الأشقر الضخم في داخل المرصد وقد سد باب الملجأ بجسمه وفجأة فقد كسر الصمت احد المقاتلين الجالسين في مقابلي قرب الباب وكان كردي من مدينة كركوك فقال له السلام عليكم فرد عليه السلام بلكنة غريب ثم تكلم معه بالكردي فلم يفهم عليه ثم كلمه بالتركماني ولم يفهم كذلك وفي تلك الاثناء لاحظت المقاتل الجالس في الزاوية البعيدة يحرك يده ببطء للوصول الى حربة كانت على الأرض بينه وبين المقاتل الكردي الذي يقابلني كنّا قد استعملناها قبل قليل في فتح احدى علبة الفاصوليا وبقيت عيني مسمّر عليه وفجأة قام المقاتل الكردي بالإشارة الى ضيفنا الأشقر بالجلوس معنا على الأرض وسحبه من يده ففهم الأشقر المطلوب ووضع بندقيته جانبا وجلس ولاحظنا انه متعب وشفته مقشرة وبيضاء اللون تدل على العطش فناوله المقاتل الكردي ماء فشربه وهو غير مصدق ينظر الينا جميعا والتقت احدنا الى الزاوية وسحب علبه جبن مثلثات وخبز وعلبة لبن أب وحفنة من تمر الزهدي وقدمها له وبعد ان شعرنا بالارتياح وذهب شيئا من التوتر الذي كان يسود بيننا قمت انا للخارج لأعمل الشاي ولأخبر أي مقاتل قريب بوجود إيراني عندنا في المرصد ولم اجد أحدا ً وبسرعة عملت الشاي ورجعت الى الداخل حتى لا اثير الشك لدى الضيف وعندما دخلت كان قد وضع ظهره الى الجدار واخذ يأكل بشراهة فأعطيته الشاي وناوله احد المقاتلين سيكاره فارتاح نفسيا وظهرت ابتسامه خجولة على وجهه , كل ذلك ونحن الأربعة عيوننا على سلاحه المركون بجانبه على الجدار نريد ان نخطفه منه وفي نفس الوقت لا نريد الاشتباك معه بعد ان قمنا بمعجزة التفاهم معه ولم تطول تلك اللحظات المرعبة الا وسمعنا صوت كلام من بعيد اثنين من المقاتلين فقمت من مكاني الى الخارج بعد ان كسبت ثقة الأشقر باني لن أقوم باي عمل ضده عندما خرجت في المرة الأولى وعملت الشاي له , خرجت حتى رأيت المقاتلين يمشون في داخل الشق باتجاهنا وقد حملوا بنادقهم على اكتافهم فخرجت من المرصد وهرولت اليهم وانا اطلب منهم الحضور بسرعة الى المرصد لان عندنا إيراني اعتقد الاثنين في البداية انني امزح وما ان حاولت اخذ بندقيه احدهم منه بالقوة حتى علموا ان الموضوع صحيح وطلبت منهم الهدوء لان الرجل هادئ وجالس على الأرض يأكل معنا لكن سلاحه بجانيه فاتجهنا الى المرصد وقبل الدخول رأيت ثلاثة من المقاتلين في الجهة الأخرى اشرت عليهم بيدي الحضور بسرعة الى المرصد وخلال لحظات اصبح المرصد مليء بالمقاتلين والكل يتكلمون ويضحكون والاشقر يحاول مجاملتنا بابتسامة خفيفة , لقد اخذنا الأشقر الى مقر اللواء وتم التحقيق معه فتبن انه احد جنود العجلة التي قمنا بضربها يوم امس وقد لجأ الينا بعد ان بات ليلته في العراء في البرد الشديد ولم نعرف سبب لجوئه حيث اخذ الى بغداد للتحقيق معه هناك , بعد فترة من تلك الحادثة كنت قد خرجت في دورية الى المنطقة الحرام التي باتجاه الشارع وكان الليل طويلا في الدورية في ليلة مظلة بدون قمر وفي الفجر انسحبنا وعدنا الى مواقعنا وقد كانت الساعة الخامسة تقريبا وكنت متعبا جدا لم أتمكن من صعود الجبل الى الملجأ للنوم فدخلت في ملجا صغير في بطن الوادي قرب فتحة الجبل وكان هناك سرير فارغ عند الباب فسلمت على احد المقاتلين الذي كان قد انهى صلاته واستأذنت للنوم في السرير فرحب بي وتمددت على السرير الذي هو عبارة عن قطعة من الاسفنج موضوعة على خشبة مستطيلة فوق أكياس الرمل ومخدة وبطانية وتمددت على ظهري وسحبت البطانية وكان جسمي حارا نتيجة للمشي والتعرق وقد احسست بشيء بارد تحت ابطي الأيمن واعتقد انه عرق بارد قد نزل من تحت ابطي الى الأسفل , لقد كانت نومة جميله جدا بعد ليلة متعبة مليئة بالترقب والحذر وبعد حوالي ساعتين وقد اشرقت الشمس وسمعت أصوات المقاتلين في الخارج استيقظت من النوم وقمت برفع البطانية فشعرت بحركة وحرارة تحت ابطي عندها رفعت يدي ونظرت فرأيت افعى بنية اللون تنفخ علي وقد تمددت من تحت الابط لغاية ركبتي وما هي الا أجزاء من الثانية حتى قفزت مذعورا من السرير وخرجت من الملجأ وانا غير مصدق انني قد قضيت ساعتين وتلك الافعى تحت ابطي وقد اخبرني المقاتل الذي في ذلك الملجأ انه كان يلاحظ تلك الافعى تمر بين أكياس الرمل وقد مرت من امامه في احدى المرات وهو يصلي داخل الملجأ , وعند عودتي الى مكاني اخبرت رفاقي المقاتلين عن تلك الحادثة فاخبروني انه تحت الجبل وتحتنا بالضبط هناك وادي مليء بالثعابين وقد ازداد فضولي للتعرف على ذلك الوادي وفي نفس الليلة نزلت الى اسفل الجبل لأنها كانت استراحتي بعد ليلة الدورية القتالية وكانت هناك مجموعة من خمسة مقاتلين يجلسون ويتسامرون في الهواء الطلق ويجلسون على اسرة تم عملها من الاخشاب وتجلس على قطع من الأحجار الكبيرة وعليها قطع من الاسفنج وقد عملوا أربعة اسرة كل اثنين متقابلين ويشربون الشاي ويدخنون السجائر فجلست معهم وقد فرحوا بوجودي واخذنا الحديث الى ان صارت الساعة العاشرة تقريبا وفجأة قال لي نائب ضابط يجلس امامي ارفع رجلك واجلس على السرير فسالته لماذا قال لي من الأفضل لان هذا الوقت هناك ثعبان يمر من هنا في هذا الوقت يوميا ولم ارفع رجلي بل قمت بتحريكها الى الامام والخلف وبعد دقائق شعرت بحرارة قرب قدمي المتدلية في الظلام الدامس وسمع الجميع صوت يشبه صفير الريح وشممت رائحة تشبه رائحة الخيار فقال لي المقاتل الذي بجانبي بصوت منخفض اسمع فحيح الثعبان ينفخ لا تتحرك لكني في تلك اللحظة اصابني التوتر وقفزت واقفا ً على السرير وانتزعت قطعة من الخشب الذي تحت قدمي وكان طول الخشبة مترين تقريبا ومربعة الشكل وثقيلة وهي من تلك الاخشاب التي نستعملها لعمل سقوف الملاجئ امسكت الخشبة من منتصفها وضربتها في ارض المسافة التي بيني وبين السرير المقابل في ذلك الظلام الدامس وشعرت بان هناك شيء دفع الخشبة الكبيرة باتجاهي وبقيت ادفع والخشبة ترجع اليّ وكأن هناك من يدفعها وهذا قد اكد لي اني قد اصبت الثعبان وبلحظة قام احد المقاتلين بإشعال عود ثقاب فراينا ثعبان ضخم ذو راس كبيرة سوداء وفي راسه بعض الشعيرات وكأنه عجوز زنجي اصلع عندها قام الجميع بإشعال عيدان ثقاب فرائنا شيئا مرعبا لقد كان هناك مجموعة من الثعابين عددها من ستة الى ثمانية خلف ذلك الثعبان الضخم وهي تحاول المرور بيننا فصرخ نائب الضابط الذي يكبرنا بسنوات عديدة لا تتحركوا حتى تمر الثعابين ولا تستفزونها , توقف الجميع عن الحركة ولم يتوقف اشعال عيدان الثقاب والترقب من هجوم الثعابين علينا وقد وقفنا جميعا على الاسرة ومرت دقيقتين كأنها سنة مرت الثعابين من بيننا بعد ذلك تركنا المكان وصعدت انا الى مكاني في اعلى الجبل وفي اليوم التالي وانا نازل من الأعلى رأيت رفاق الامس وقد تجمعوا حول الثعبان الذي اصبته يوم امس في الظلام وبدون ان اعرف وكان ما يزال حيا وظهره مكسورة وبعد مناقشات كثيرة قام احد المقاتلين بقتل الثعبان وقمنا بدفنه في نفس المنطقة وفي نفس الوقت قام المقاتلين الذين بقرب المكان بتغيير مكانهم واتخذوا موقعا مرتفعا عن الأرض خوفا من انتقام الثعابين وتجنبا للاحتكاك بهم.
لقد قضيت ذكريات جميلة في تلك المنطقة وعندما اتذكرها الان اشعر بالحنين اليها وأتمنى زيارتها للتعرف على ما جرى عليها من متغيرات طول الفترة الماضية التي تزيد على السبعة وثلاثين عاما ولكن تلك الأمنية شبه مستحيلة طبعا لان المنطقة أصبحت ضمن تاريخ الحرب المنسية.

الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

929 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع