قصة قصيرة المرأة الحديدة - الجزء الثاني

                                                         

                            بقلم أحمد فخري

قصة قصيرة المرأة الحديدة - الجزء الثاني

من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط:

https://algardenia.com/maqalat/49929-2021-07-13-10-08-17.html

باليوم التالي امسكت رافدة بيد آية وخرجت بها مرتديةً ملابس جميلة وسارتا بالشارع حتى وصلتا الى بيت جارتهما سعاد التي لا تبعد عنهما سوى 4 منازل. رحبت بهما وادخلتهما الصالة ثم احضرت لهما الشاي والكليݘة فدخلت عليهما فتاة عشرينية جميلة ترتدي ملابس من الواضح انها مقتناة من الخارج وتفوح منها روائح زكية. سلمت عليهما وجلست بجانب آية. قالت،

آية : مرحباً بك بوطنك وببيتك يا اخت فاتن.
فاتن : شكراً عزيزتي آية. انا اسمع عنك كثيراً من الوالدة لكنني لم احظى بلقائك من قبل.
آية : انا كذلك. صرت اسمع من الخالة سعاد ان لها ابنة بايطاليا وانها فرصة جميلة لنلتقي الآن. عطرك جميل جداً. ما اسمه؟
فاتن : انه يدعى DKNY.
آية : هل هو عطر ايطالي؟
فاتن : كلا انه عطر امريكي فرنسي وهو قصة كفاح لسيدة تدعى دونا كاران. الآن يعتبر من اشهر العطور العالمية.
آية : انه حقاً مثير للاعجاب. متى كانت آخر زياراتك للعراق؟
فاتن : جئت قبل 4 سنوات. زوجي دكتور بالهندسة الجينية ويعمل استاذاً بجامعة پاليرمو بجزيرة صقلية.
آية : انا جداً سعيدة لانك جئت لتزوري الوالدة.
فاتن : بالحقيقة ان سبب زيارتي له شقان، الاول كما اسلفت لزيارة الوالدة والوقوف على صحتها، والثاني هو لزيارتك انت والتحدث معك.
آية : التحدث معي انا؟ ما هذا؟ هل انت تمزحين؟
فاتن : انا لا امزح ابداً. دعيني اخبرك بالقصة كاملة لو تأذني لي.
سمعت حديثهم رافدة فتوقفت عن الكلام مع جارتها سعاد ونظرت الى فاتن كي تستمع الى القصة.
آية : تفضلي يا فاتن انا استمع اليك.
فاتن : قبل حوالي شهر تقريباً ذهبت الى القنصلية العراقية بروما كي انهي بعض الاجرائات الرسمية هناك ولكي أجدد جواز سفري فاخبروني ان معاملتي ستستغرق بعض الوقت حتى يوقع عليها القنصل لذا انتظرت بالاستعلامات وجلست على طاولة وضعت فوقها بعض المجلات والجرائد مبعثرة وخالية من كل ذوق لأنها لا تصلح ان تكون صالة قنصلية. المهم التقطت احداها كي ابدد بها الوقت وبالصدفة كانت مجلة الف باء. صرت اتصفحها حتى وقعت عيني على مقالة اجريت معك وانت تتحدثين فيها عن تصاميمك للازياء فجذبت انتباهي واردت ان اخذ المقالة معي كي يطلع عليها زوجي. قطعت الصفحة من المجلة ووضعتها بحقيبتي اليدوية. وعندما رجعت الى بيتي عرضتها على زوجي وطلبت منه ان يقرأ المقالة عن جارة امي ببغداد. اعجب بها كثيراً وقال، "لو كانت هذه السيدة هنا باوروبا، لجنت الكثير من المال". وبعد تلك الحادثة بايام اخبرني زوجي انه سيجلب معه للبيت زميله الذي يعمل معه بالجامعة وهو بروفيسور يدعى سلفادور تشيبولا. هو استاذ بالفلسفة وعلم النفس. جلس البروفيسور بالصالة وصار يتحدث معنا بشتى المواضيع. كان لطيفاً وخفيف الظل للغاية. سألته عن عائلته فقال ان زوجته توفت قبل 7 سنوات ولديه ابنة واحدة تدعى فرنݘيسكا، تسكن بمدينة كتانيا، تعمل كمصممة ازياء وتعيش مع زوجتها هناك. تصورت ان انكليزيته ضعيفة فصححت له كلامه وقلت، اتقصد مع زوجها؟ فاجاب، كلا انها متزوجة من سيدة جميلة تدعى ڨالنتينا. انهما يسكنان بمنزل واحد وكلتاهما مصممتا ازياء. هنا اردت ان افتخر ببلدي واخبره ان العراق فيه مصممات للازياء ايضاً فعرضت عليه المقالة التي كُتِبَتْ عنك واخبرته ان صاحبة هذه المقالة هي جارة امي بالعراق فنظر الى الصور وقال، هل تأذنين لي بعرضها على ابنتي فرنݘيسكا؟ فقلت له بالتأكيد يا بروفيسور. انها ليست ذات اهمية. لقد سرقتها من مجلة بقنصليتنا. قال، تأكدي انني ساعيدها لك لاحقاً. بعد ان تناول الدولمة عندنا، خرج وهو بكامل السعادة فقد كانت تلك اول تجربته له مع الطعام العراقية وقد اعجب بها كثيراً لكنه اشتكى من التخمة. ودعناه خارجاً حتى ركب سيارته وتوارى تحت جنح الظلام. وبعد يومين اتصل بي زوجي قال ان البروفيسور سلفادور يريد زيارتنا من جديد فرحبت بالفكرة وقمت باعداد الطعام. لكننا تفاجئنا حين حضر وكان معه سيدتان في غاية الجمال. عرفهما علينا وقال، هذه ابنتي فرنݘيسكا وزوجتها ڨالنتينا جائتا من كاتانيا خصيصاً كي يتحدثا معكِ. رحبت بهما بشكل لائق واجلستهما الصالة فجلسن الى جانب بعضهما على الاريكة. قال البروفيسور، من بعد اذنك مدام فاتن، عرضت الصور على ابنتي وزوجتها وقد ابدوا اعجاباً كبيراً جداً بالتصاميم ويريدان مني ان اتصل بجارة امي بالعراق كي تاتي لتعمل معهما. عقبت ڨالنتينا وقالت، عندما اطلعت على الصور وجدت فيها لمسة من روح سلڨادور دالي. وان انظمامها الى فريقنا سيكون بغاية الاهمية اما فرنݘيسكا فقالت ، لقد تحدثنا سوياً وقررنا ان نمول رحلتك الى بغداد كي تقنعي السيدة المصممة حتى توافق على الانضمام الى فريقنا. فما هو رأيك؟. قلت لهن، بصراحة انا تفاجأت كثيراً من هذا العرض. وإذا لم يكن لدى زوجي مانع فانا مستعدة للذهاب الى بغداد كي ازور اهلي وبنفس الوقت اتحدث مع تلك السيدة بخصوص ذلك. ولكن ما هي شروط العمل لديكم وكم سيكون حصتها من التصاميم؟ فانا اعرف السيدة آية لانها جارة والدتي وبامكاني التحدث معها بسهولة، لكنني لا استطيع ان اعدكم بانها ستوافق على عرضكم. فقالت فرنݘيسكا، المهم انها ستكون جداً راضية من الناحية المادية. فالمال هو امر ثانوي عندنا. قلت لها، على العموم يجب ان اتباحث مع زوجي بخصوص رحلتي. فاجاب سلفادور، إذاً سنترك لكما الوقت الكافي كي تتفقا فيما بينكما. وعندما خرج الضيوف من بيتنا سألت زوجي عن مبدأ سفري الى بغداد فاخبرني ان الفكرة رائعة لانه يريد ان يتفرغ لامتحانات السمستر القادم. وها انا ذا جئت هنا لاطرح عليك الفكرة. فما هو رأيك؟
آية : بالحقيقة لقد فاجاني عرضك هذا ولم يكن في الحسبان. اغادر العراق؟ هل يعقل ذلك؟
فتطوعت رافدة وكأنها الام الحنونة لآية وقالت،
رافدة : انها توافق. انا متأكدة من ذلك، انها موافقة.
استدارت صوب آية وقالت،
رافدة : قولي لهم انك موافقة. هيا.
فاتن : ولماذا انت متاكدة يا خالتي بهذا القدر؟
رافدة : لانها تعرضت للكثير من المعاملة السيئة من قبل ابناء بلدها وتجاهلهم لمواهبها. لقد عانت الامرين من زوجها لما كانت متزوجة به. وبعد ان تطلقت منه حرمها من رؤية ابنها الوحيد. بقي يحاربها حتى بعد ان تركت الديوانية ولجأت الى بغداد ليبعث اناس خلفها كي يحرقوا مصنعها. وعندما حاولت انشاء مصنع جديد آخر بالديوانية قام زوجها بخلق الاكاذيب والتأثير على قرار البلدية فرُفِضَ مشروعها. كذلك قام بتحريض البنك كي يرفضوا طلبها لتحصل على القرض اللازم لبناء المشروع جديد هنا ببغداد. المسكينة تتلقى الضربات من كل حدب وصوب لكنها لا تستسلم ابداً. هيا قولي شيئاً يا آيوش، ما هو قرارك؟ قولي انك موافقة. قولي انك ستبدأين بداية جديدة ببلد جديد مع اناس جدد وتوكلي على الله.
آية : حسناً، ساذهب الى ايطاليا.
بقيت آية تحاول تأمين كل المواد حتى لا تحتاج رافدة الى شيء اثناء غيابها. وفي يوم السفر ارتدت فستاناً من تصميمها خاطته لاول مرة مع استاذتها مدام كرستينا ثم اعدت حقيبتها ووضعت فيها ملابس تكفي لكي تمكث شهراً كاملاً هناك لانها لم تكن متأكدة من انها ستبقى بايطاليا بشكل دائم. انزلت الحقيبة الى الطابق السفلي فرأت الخالة رافدة واقفة بوسط الصالة تنظر الى الاعلى تترقب نزولها.
رافدة : حبيبتي آية. انت تعرفين انني احبك كثيراً واخاف عليك كما لو كنت ابنتي ولا اريد فراقك ابداً. لكنني متأكدة ان لديك كمّاً هائلاً من العطاء بامكانه ان يرفعك الى القمة. لذلك لا تبخلي عليهم بشيء من عبقريتك. نحن سنبقى هنا نتمنى لك الخير وندعوا من الله ان يوفقك ويثبّت خطاك.
آية : انا لم اشعر بالدفئ والسعادة والطمأنينة الا باحضانك يا امي الحنونة مع عمي عبدالله بهذا البيت الجميل.
رن الجرس ففتحت آية الباب لتجد فاتن واقفة امامها تسأل،
فاتن : هل انت جاهزة ايوش؟
هزت آية رأسها بينما راحت تمسح دموعها بعد ان قبلت رافدة وخرجت ساحبة حقيبتها ورائها. ركبتا سيارة اجرة وانطلقت بهما الى مطار بغداد بينما سكبت رافدة خلفهما الماء كي يرجعا سالمين. في الطريق للمطار سألت فاتن،
فاتن : هل ركبت الطائرة من قبل؟
آية : كلا، انا اكاد اموت من الخوف. خصوصاً واني تابعت الكثير من الافلام الوثائقية عن حوادث الطائرات عندما كنت ببيت طليقي بالديوانية.
فاتن : لا عليك يا آية، الطائرة هي اأمن واسطة نقل على وجه الارض.
آية : قصدك بالسماء.
ضحكن على ملاحظتها وواصلن السير حتى وصلن مطار بغداد الدولي. فور دخولها الطائرة جلست آية بمقعدها بالقرب من الشباك سألتها،
فاتن : ها كيف تجدين الطائرة؟
آية : انها تماماً مثلما كنت اراها بالتلفاز لكنها اكبر بكثير. فانا كنت اعتقد ان الانسان يضطر الى خفض رأسه عندما يكون واقفاً بداخلها. لكن الامر اتضح انه عكس ذلك.
فاتن : ما عليك الآن سوى الاسترخاء والتمتع بالرحلة التي ستدوم 5 ساعت. فننزل وقتها بمطار روما ونغير الطائرة هناك كي نطير الى پاليرمو.
آية : حدثيني عن پاليرمو فانا اتشوق لمعرفة المزيد عنها.
فاتن : تعتبر پاليرمو العاصمة لجزيرة صقلية. تقع في الجزء الشمالي من الجزيرة وتضم كاتدرائية پاليرمو التي تعود للقرن الثاني عشر وبها المقبرة الملكية، بينما يشتهر مسرح ماسيمو الكلاسيكي الجديد بعروض الأوبرا. يوجد أيضًا في المركز قصر نورماني، وهو قصر ملكي بني في القرن التاسع، وقصر كابلا بلاتيني المغطى بالفسيفساء البيزنطية. تشمل الأسواق المزدحمة سوق شارع بالارو المركزي و فوجيريا بالقرب من الميناء.
آية : يا سلام، لقد تشوقت لان اراها.
فاتن : سوف تريها وسوف لن تنظري ورائك يا آية، لانك تعرضت للكثير من الاذى على يد اقرب الناس اليك وحتى البيروقراطية المقيتة لم ترحمك بل ضغطت عليك وشائت دفنك تحت الارض فانتزعت ابنك من بين احضانك. ولكني اريد ان اخبرك بامر مهم جداً. لا اريدك ان تبحلقي كثيراً بالسيدتان الاثنان فرنݘيسكا وڨالنتينا اللتين ستعملين معهما لانهما...
آية : ماذا؟ هل هما معاقتان؟
فاتن : لا انهما مثليات. يعني انهما مع بعضهما البعض.
آية : هل تقصدين انهما... كما نقول بالعراق (باجيات)؟
فاتن : اجل باجيات. بايطاليا يعتبر المثلي انساناً طبيعياً ولا يُبعَد او يتجنبه احد. وبامكانه ان يتزوج بعقد رسمي. وهذا هو الحال مع فرنݘيسكا وڨالنتينا فهما متزوجتان من بعضهما البعض كما اخبرتك ببغداد.
آية : ولكن ماذا عنك؟ الا ترين ان ذلك شيء مقزز وانها ضد مشيئة الله والطبيعة؟
فاتن : بداخلي انا ارفض هذا الشيء بالتأكيد لكنني تعودت على هذا الحال بايطاليا وكما يقول المثل، "عندما تكون بروما فافعل ما يفعله الرومان".
آية : حسناً ساحاول جهد امكاني ان اخذ الامور بشكل طبيعي.
عندما وصلت الطائرة اخيراً الى مطار پاليرمو الصغير بالمقارنة بمطار روما العملاق وجدت آية وجوه المستقبلين تبتسم واناساً يرحبون بها رغم عدم معرفتهم بها لكن الاكثر غرابة كان طلاقة فاتن باللغة الايطالية. فقد كانت تسترسل بالشرح اينما ذهبت في المطار وخارجه. فور خروجهما من بناية المطار شاهدت آية يافطة كبيرة كتب عليها اسمها ومجموعة كبيرة من الناس وقفوا يحيونها ويرحبون بها مع انها لم تتمكن من التعرف على اي منهم. تفحصت اليافطة الزرقاءالكبيرة بثلاث لغات ترحب بها.
آية : يا الهي، انظري يا فاتن لقد كتبوا يافطة كبيرة ترحب بي.
فاتن : انها بثلاث لغات كي يتأكدوا من انك ستشعرين بوطنك الثاني.
آية : وكيف كنا نقول عنهم كفار وشياطين؟ كم كنا خاطئون بظنوننا الغبية.
فاتن : ها هي فرنݘيسكا مقبلةً صوبنا. اعتقد انها ستتحدث بالانكليزية معنا.
فرنݘيسكا : اردت ان اكون اول شخص يرحب بك بايطاليا.
آية : انه لشرف عظيم ان اتي واكون بينكم يا سيدة فرنݘيسكا.
فرنݘيسكا : ارجوك نادني فرنݘيسكا فقط.
آية : شكراً لك فرنݘيسكا.
فرنݘيسكا : دعيني اعرفك على زميلتي وحبيبتي وزوجتي ڨالنتينا.
آية : تشرفت بمعرفتك يا ڨالنتينا وشكراً لحضورك كي تستقبليني.
ڨالنتينا : بل هو شرف عظيم لي ان استقبلك اليوم بايطاليا. ارجو ان يكون لدينا اعمال كبيرة بالمستقبل.
فتح سائق باب الليموزين البيضاء فنظرت اليها وتفحصتها لتجد مركبة بالامكان مشاهدتها فقط على شاشات التلفاز للملوك والامراء والمشاهير. جلست بالكرسي الخلفي من السيارة مع ڨالنتينا وزوجتها فرنݘيسكا وجلست امامهم فاتن فسارت بهم لفترة من الزمن حتى وصلوا الى حي هادئ جميل. وقفت السيارة ليهبط السائق من مقعده فيفتح الباب لآية. دخلوا الى بيت كبير فاره تتبعهم خادمة المنزل.
فرنݘيسكا : هذا هو بيت ابي سلفادور تشيبولا لكن البيت رائحته كريهة جداً هاهاها.
استغربت آية من هذه الملاحظة لكن فاتن شرحت لها،
فاتن : انها تمزح معك يا آية لان لقبهم (تشيبولا) وهذه الكلمة تعني (البصل) بالايطالية.
آية : احمدي ربك ان لقبك لم يكون ثوماً.
ضحك الجميع على ما قالته آية. اضافت فرنݘيسكا،
فرنݘيسكا : ستبقين بضيافتنا هنا بهذا البيت حتى ترين اعمالنا كلها. فإن قررت البقاء والعمل معنا فاننا سنخصص لك منزلاً خاصاً بك وسنسجل الحجة باسمك.
آية : بصراحة، هذا اكثر بكثير مما توقعت. انا شاكرة لكم جميعاً على كل شيء.
**==**
بالايام التي تلت. بدأت آية تتأقلم على محيطها الجديد لانه يختلف كلياً عما تعودت عليه في العراق. فالناس جميعهم صادقين وصدوقين، يتحلون بالنزاهة والتعفف من الحيلة والمكر والغيرة والتآمر على الغير. باول يوم عمل، جلست آية مع شريكتيها ڨالنتينا وفرنݘيسكا بمدينة كتانيا وعقدوا اجتماعاً مطولاً حول موسم الشتاء الجديد قالت،
ڨالنتينا : هناك ثلاث محاور سنقوم بالعمل عليها وهي الملابس الداخلية المثيرة (لونجوريه) والملابس اليومية (كاجوال) واخيراً ملابس السهرة. ساهتم انا باللونجوريه وستهتم فرنݘيسكا بالكاجوال اما انت يا آية فسوف تتخصصين ببدلات السهرة.
ڨالنتينا : طبعاً اخترنا لك ذلك لاننا اعجبنا كثيراً بتصاميمك على المجلة. فما هو رأيك؟
آية : انا اعتقد انني جداً سعيدة بهذا الخيار ولكن كيف تريداني ان اقوم بالتصميم؟
ڨالنتينا : نفضل لو انك تصممين الفساتين حسب الذوق الغربي، اي ان الجسد يكون اكثر مكشوفاً وعارياً.
آية : هذا ليس بمشكلة وهل لديكم مرسم؟
فرنݘيسكا : بامكانك ان تبدأي بالمرسم اليدوي على الورق ثم سنقوم بتنظيم دورة مكثفة كي تتمكنين من التصميم على الحاسوب. هل هذا يعجبك؟
آية : بالتأكيد انا متشوقة لاتعلم الاساليب الحديثة في تصميم الملابس.
فرنݘيسكا : الدورة ستبدأ بعد عطلة نهاية الاسبوع القادم وسيقوم السيد اوزڨالدو باعطائك الدروس على الحاسوب. ستكون لك 6 حصص بالاسبوع من الاثنين وحتى السبت ولمدة 4 ساعات لكل حصة. وبهذه الاثناء ستعودين هنا وتعملين بالطرق التقليدية على الورق.
آية : وما هو الهدف؟
ڨالنتينا : هدفنا سيكون الاول من نوفمبر لاننا سنعرض الملابس الشتوية وستكون لدينا 25 قطعة لكل واحدة منا.
فرنݘيسكا : سنصرف لك مبلغ 3000 يورو مبدئياً كي تذهب لمصاريفك الشخصية وبامكانك ان تطلبي المزيد إن اردت حتى نستلم الوارد من اول انتاجنا في شهر نوفمبر.
آية : شكراً لكما. انا متأكدة بانني ساكون عند حسن ظنكما. لان ذلك سيزيدني فخراً كي يوضع شعاركم (اليگانس) على فساتيني.


                                            

          
ڨالنتينا : نحن متأكدون من ذلك ايضاً. والآن دعينا نبدأ.
سحبتها ڨالنتينا من يدها وتجولت بها في قاعات المكتب حيث اخذتها الى المرسم وارتها المطابع هناك ثم ادخلتها مخزن المواد الاولية والاقمشة ومكائن الخياطة بجميع الانواع والاحجام وراحت تتفحص الرفوف الطويلة التي تحتوي على الخيوط بانواعها واحجامها والوانها. تذكرت عملها مع ام طارق ببغداد وكيف انها كانت تعاني عندما كانت تريد اختيار الوان لخيوط معينة فلا تجدها وتبقى تبحث عنها طويلاً بشارع النهر حتى ترضى بأختيار اقرب الالوان للقماش المراد خياطته، لكن هنا لا يحصل ذلك ابداً فجميع الالوان التي يتخيلها العقل البشري موجودة هنا بهذا المخزن كلها مصنفة تحت اسماء وفئات ومجاميع تجهلها آية بالوقت الحالي. خرجن من هذا المخزن ودخلن مخزناً آخر للمواد الجاهزة فاطلعتها على الملابس التي قمن باعدادها في الماضي. انبهرت آية بالاقمشة والالوان الزاهية وبدأت تلتمس الفرق ما بين التصاميم ببلدها والتصاميم بالغرب. راحت ترسم اشكالاً وتصاميماً ثم تقوم بتعديلها وقصها كله بمخيلتها قبل ان تبدأ بوضع قلم على ورقة. كانت السعادة تكاد تنفر من صدرها فهي لم تكن لتتخيل يوماً كل هذا بعد ان عانت الكثير بوطنها. وعند الانتهاء من تلك الجولة الممتعة اخذتها الى مرسمها وقالت،
ڨالنتينا : سيكون هذا مكان عملك الدائم، بامكانك ان تطلبِ اي شيء فنوفره لك فوراً. هل لديك اسئلة؟
آية : اجل سوأل واحد فقط، متى ابدأ؟
ڨالنتينا : الآن فوراً. ساتركك وحدك مع افكارك ومخيلتك وابداعاتك.
خرجت ڨالنتينا من القاعة فجلست آية امام المرسم والتقطت القلم الاسود وخطت اول تصميم لها بايطاليا. رسمت مخططاً عاماً

                                              

               
لفستان، نظرت اليه وقالت "كلا، اريد الاول ان يكون اخاذاً، اريده ان يكون صارخاً بالوجه، اريده ان يقيم الدنيا ولا يقعدها. سابدأ من جديد" قطّعت الورقة التي رسمت عليها ثم بدأت برسم فستان آخر، هذه المرة فيه اكثر ابداعاً واكثر جاذبية. بقت تعدل فيه وتضع اللمسات عليه حتى دخلت عليها فرنݘيسكا وقالت،
فرنݘيسكا : الم تشعري بالجوع؟
آية : ما زلت قد بدأت للتو.
فرنݘيسكا : مرت عليك اكثر من 5 ساعات وانت ترسمين. يجب ان تأكلي. ما رأيك بالذهاب معي الى المطعم لان زوجتي سوف تذهب لعقد اتفاق مع احدى الوكالات. لقد غيرنا الوكالة القديمة التي كنا نتعامل معها والآن نحن بصدد توقيع عقد مع وكالة جديدة للاعارضات.
آية : وكيف يتم العمل مع تلك الوكالة؟
فرنݘيسكا : نقوم بالاتصال بهم وقتما نشاء كي يبعثوا لنا بعارضة او اكثر. فتحضر العارضة ونبدأ بتجربة الملابس عليها ثم يقوم مصورنا بالتقاط الصور كي نستطيع تخيل المنظر العام.
ابتسمت آية وقالت بسرها، "الله يرحم تلك الايام التي كنت اجعل من الخالة ام طارق ترتدي فساتين السهرة المثيرة كي استطيع ان اراها عليها. مع ذلك كانت المسكينة ترفض خلع حجابها".
خرجت السيدتان وسارتا بشوارع كتانيا. حتى دخلتا مطعماً كبيراً فيه طاولات منسقة بشكل فني رائع حيث ان كل طاولة مصممة كي تشبه الكلية البشرية. جلستا امام بعضهما البعض وطلبت فرنݘيسكا سمك ابو سيف المشوي على الفحم مع السلطة والبطاطس المهروسة ثم نظرت الى آية بتسائل. اومأت آية برأسها بمعنا انها ستختار نفس الصحن. تركهم النادل لينفذ الطلب وبعد قليل عاد وبيده شريحتي خبز مغطاة بالطماطم ومغرقة بزيت الزيتون. قالت،
فرنݘيسكا : هذه تقاليدنا بايطاليا، هذا الصحن الصغير يفتح الشهية.
اكلت السيدتان شرائح الخبز المحمصة اللذيذة ثم اخذها النادل واستبدلها بصحن صغير به المعكرونة المغطاة بالصلصة الحمراء.
فرنݘيسكا : هذه ايضاً من تقاليدنا، انها تحرك المعدة وتجعلها مستعدة لاستقبال الوجبة الرئيسية.
تلى ذلك كله الوجبة الرئيسية فبدأت آية ومضيفتها تتناولان السمك الشهي فاعجبت آية بلحم ذلك السمك وقالت بسرها، "ليس لدينا من هذا السمك بالعراق ولا حتى بالبصرة. انه حقاً لذيذ". ولما صارت آية تحس بالتخمة احضر النادل حلوى صغيرة فلم تتمكن آية من مقاومة شكلها. لكنها اصيبت بالصدمة عندما جائهم النادل بفنجاني قهوة اكسبريسو. سألت آية عن طريق المزاح،
آية : هل يتوقعون منا ان نخرج من هذا المطعم على ارجلنا ام انهم سيحملونا الى السيارة؟
ضحكت فرنݘيسكا وقالت،
فرنݘيسكا : لا زال هناك وجبة اخيرة. انها المثلجات (جيلاتي) لكننا سوف لن نتناولها هنا بهذا المطعم. سنذهب الى مقهىً آخر يعمل المثلجات بشكل رهيب.
خرجت السيدتان من المطعم وركبتا سيارة فرنݘيسكا. اوقفت السيارة بالقرب من مقهيين متقابلين يفصلهما شارع عريض واحد قالت،
فرنݘيسكا : بامكانك ان تذهبي للمقهى الذي على اليمين وتنتظريني هناك. سالتحق بك بعد بضع دقائق.
آية : لا عليك، ساذهب واختار طاولة جيدة لنا.
راحت آية باتجاه الكافتيريا التي اشارت اليها فرنݘيسكا فوجدتها ممتلأة وليس هناك طاولات شاغرة فعبرت الشارع للمقهى المقابل واختارت طاولة تطل على الشارع. بعد قليل جائتها فرنݘيسكا وقالت،
فرنݘيسكا : قومي يا آية. قلت لك الكافتيريا التي هناك وليس هذه.
آية : وما الفرق، كلها كافتيريات متشابهة.
فرنݘيسكا : تعالي معي، وساخبرك فيما بعد.
خرجتا من المقهى ودخلتا المقهى الاول عبر الشارع. وبعد ان جلستا سألت آية،
آية : والآن قولي لي، ما الفرق بين هاتين المقهيين؟
فرنݘيسكا : المقهى الذي جلستِ فيه اولاً تابع لعائلة رومانو اما الثانية فهي لعائلة ݘيبولا. ونحن لا نجلس بمقهى رومانو ابداً.
آية : لماذا؟ انا لا زلت لا اعرف الفرق بينهما.
فرنݘيسكا : دعنا نقول اننا ليس مرحبٌ بنا هناك.
آية : اها، اجل، اجل، الآن فهمت. انها تابعة للـ...
وضعت راحة يدها بالقرب من فمها وهمست بصوت خافت، "المافيا؟".
فرنݘيسكا : اجل هذا هو السبب.
بعد ان اكملا وجبة السعادة كما اسمتها آية رجعتا للمكتب فتوجهت الى مرسمها وصارت ترسم وتمسح ثم تقطع الاوراق ثم ترسم من جديد. بقيت على هذا الحال حتى مرت بضعة ايام فاعلنت لزميلاتها ان الفستان الاول جاهز وتريدهما ان يستدعيا احدى عارضات الازياء من الوكالة كي تجربه عليها. ارادتا ان يشاهدا ذلك الفستان قبل التجريب لكن آية رفضت وقالت ستروه عندما تستعرضه العارضة. اتصلت ڨالنتينا من هاتفها النقال ثم عادت وقالت،
ڨالنتينا : الوكالة سترسل لنا عارضة فوراً.
وما هي الا ربع ساعة ودخلت عليهم فتاة حسناء طويلة القامة ذات شعر كستنائي طويل قالت، "انا اسمي ازابيلا من الوكالة، انا جاهزة للعمل". اخذتها آية وأدخلتها غرفة التبديل وراحت تلبسها الفستان بعدها خرجت وانظمت الى زملائها وزميلاتها الذين جاؤوا من كل الاقسام كي يشاهدوا اول انتاج لها. وبعد قليل خرجت العارضة مرتدية فستاناً ابيضاً فبانت وكأنها ملاك.

            

صرخت ڨالنتينا،

ڨالنتينا : cazzo.
تبعتها فرنݘيسكا وقالت،
فرنݘيسكا : Gazzo, viva Italia
آية : ما هذا؟ الم يعجبكما تصميمي؟ لقد تصورت انه سينال اعجابكما. انا آسفة.
ڨالنتينا : حبيبتي آية نحن نقول گاتسو عندما نعجب بشيء الى ابعد الحدود. انا لا اصدق ما فعلتِ. انه اجمل فستان سهرة رأيته في حياتي.
فرنݘيسكا : انتِ بارعة يا آية. سوف يكون فستانك نجم عرض الازياء هذا الموسم.
آية : ربما انتما تجاملانني.
ڨالنتينا : اسمعي يا آية، المجاملة نتركها بالمنزل وقت الحفلات اما بالعمل فليس هناك مجال للمجاملة. انت اثبتِّ لنا انك اهلاً لان تكوني الافضل بيننا وستبقى فساتينك تتألق بين المعروضات في ميلانو.
آية : وهل هذا معرض كبير؟
ڨالنتينا : گاتسو. انه اكبر معرض ازياء بالعالم. اسمعي يا آية، يلتأم معرض ميلانو مرتين بالسنة في مدينة ميلانو الاول بشهر ايلول / تشرين اول وهو للالبسة الرجالية اما الثاني فهو في شباط / اذار من كل عام. اي اننا سوف نشارك بالثاني في العام المقبل. المعرض سيدوم اسبوعاً كاملاً يتضمن 124 حدث، 61 عرض، 57 عرض تقييم المالي. سيقيمون من خلاله انتاجات جميع صالونات الازياء الايطالية العالمية خلال الستة شهور التي سبقت.
آية : يا الهي، وهل سيشارك فستاني بمثل هذا المعرض؟
فرنݘيسكا : فستاني؟ هل قلتِ فستاني؟ هاهاها. حبيبتي كل واحدة منا عليها انتاج ما يقرب من 40 الى 50 قطعة ثم نقوم بتصفيتها ونختار منها الافضل حتى نشارك بـ 10 او 20 قطعة لكل واحدة منا.
آية : إذاً علينا البدأ بالعمل المكثف من الآن كي نستطيع ان نلحق بمعرض الربيع.
فرنݘيسكا : الآن بدأتِ تعرفين اهدافنا. ولكن يجب ان لا ننسى المعرض المحلي القادم هنا بكتانيا في الخريف.
بدأت الامور تتوضح اكثر امام آية وشعرت انها اصبحت تمسك بملجم الفرس وانها بالمكان الصحيح الذي كانت تروم الوصول اليه تذكرت شيئاً ببالها وضحكت، "البغلة الأمّية".
كانت الايام التي تلت، ايام عمل دؤوب حثيث اخذ كل اوقاتهن وصارت علاقتهن ببعض جداً متينة وقوية حتى جاء يوم المعرض المحلي بكتانيا فوقعت الصدمة. كانت الجماهير تتكالب على انتاجات آية اكثر من انتاجات شريكتيها الاثنتين. وعند انتهاء المعرض استدعيَ رئيس قسم الحسابات بالشركة كي يطلعهم على حالات الطلبيات والمبيع فجائتهم الصدمة التي كانت غير متوقعة كالتالي:
1) ملابس لونجوريه من تصميم ڨالنتينا حققت 120 الف يورو.
2) ملابس الكاجوال من تصميم فرنݘيسكا حققت 230 الف يورو.
3) فساتين السهرة من تصميم آية حققت 890 الف يورو.
اي ان انتاج آية حقق مبيعاً بقدر 71%. وانتاج ڨالنتينا حقق 13%. وانتاج فرنݘيسكا 18%وبذلك ستوزع الارباح بعد طرح التكاليف التي بلغت 52 الف يورو. كل واحدة حسب نسبة انتاجها.
ڨالنتينا : انا موافقة.
فرنݘيسكا : وانا موافقة ايضاً.
آية : انا غير موافقة نهائياً.
فرنݘيسكا : لماذا يا عزيزتي؟ هل تريدين حصة اكبر؟
آية : بالعكس. انا اريد ان تطرح التكاليف من المداخيل ثم يقسم الباقي علينا نحن الثلاثة اي اننا سنحصل على نفس النسبة جميعنا بالتساوي.
رئيس قسم الحسابات : هذا لا يجوز يا مدام آية. انه مخالف للقانون الاساسي بالشركة.
آية : إذاً علينا تعديل القانون الاساسي ونجعله اكثر عدلاً على الجميع. انا اقترح تعديل القانون ما رأيكن؟
فرنݘيسكا : كما تشائين يا آية ولكنك تظلمين نفسك.
ڨالنتينا : انا اضم صوتي لصوت فرنݘيسكا بالاعتراض لكننا نريدك ان تكوني سعيدة بيننا. اجل انا موافقة ايضاً.
وبهذا حصلت كل واحدة منهن على 396 الف يورو. رفعت الجلسة وخرجت السيدات الثلاثة يتمتعن بنصرهن الكبير فصببن كأسين شامبانيا للزوجين ثم صبو شمبانيا من زجاجة اخرى لآية قالت،
ڨالنتينا : دعنا نشرب نخب نصرنا المؤزر. اطمئني يا آية هذه الشمبانيا بدون كحول.
رفعن كؤوسهن وشربنَ النخب فقالت آية.
آية : بل سنرفع كؤوسنا لنجاح مرتقب بمعرض ميلانو الكبير في الربيع المقبل.
بينما ترشفت آية من مشروبها تذكرت طليقها وقالت بسرها، "البغلة الأمّية قد حققت ارباحاً اليوم لم تحلم بتحقيقها طوال السنين التي عملت بها يا دكتور".
اخذت الفتيات فترة استراحة لمدة اسبوع كي يتمكنّ من استجماع طاقاتهن والبدء بالعمل لفترات طويلة استعداداً لمعرض ميلانو. كانت كل واحدة منهن تعمل بمعزل عن الاخرى خوفاً من ان تبدي رأيها بتصاميم زميلتها فيتشوش ذهنها. بقين هكذا حتى جائت فترة عيد الميلاد فاخبرتهما فرنݘيسكا بانها تود ان تعمل حفلاً كبيراً بمنزل والدها البروفيسور بمناسبة رأس السنة الجديدة. وافقن جميعاً واتفقن ان الفساتين التي سيرتدينها بالحفلة ستكون من تصميم آية. وبيوم 31 كانون الاول اي آخر يوم من ايام السنة وقف البروفسور سلفادور يتحدث مع فاتن وزوجها بقاعة الحفلة بمنزل البروفيسور فجأة سمعوا لغطاً وضجيجاً مرتفعاً فساروا نحوه ليروا المدعوين يتجمعون حول النساء الثلاثة اللواتي دخلن الى القاعة وصاروا يصفقون لهن فرحب بهم سلفادور وصار الكل يحيي الكل فذهبت آية الى فاتن وقبلتها وصرن يتحدثن بالعربية بينما كان الجميع يتحدث بالايطالية.
فاتن : ما هذا يا فتاة؟ ما هذا الجمال؟ بالحقيقة وبدون اي تحيز انت تبدين اجمل سيدة بهذا الحفل وفستانك الاجمل على الاطلاق. اهو من تصميمك؟
آية : فستاني وفساتين ڨالنتينا وفرنݘيسكا كذلك. كلها من تصميمي.
فاتن : انا لم اكن خاطئة لما رشحتك لهن عندما رأيت المجلة بالسفارة. لقد رفعت رؤوسنا عالياً. انت اول امرأة عراقية تشتهر بالتصميم وترفع راية العراق خفاقة.
آية : كفاك مبالغة يا فاتن. فاين انا من زها حديد؟
فاتن : كل واحدة منكن لها مجالها وابداعاتها.
آية : اجل لكن شهرتها عالمية. اما انا فلا شيء امامها.
فاتن : بالعكس يا آية ستشتهرين مثلها او اكثر. والآن اخبريني الا تودين زيارة العراق؟
آية : بالطبع اريد ذلك ولكن بعد معرض ميلانو ان شاء الله. سيلتأم المعرض بين شهري شباط / اذار. وبعدها ساخذ فترة اجازة من العمل لازور بها العراق.
فاتن : انا ايضاً انوي زيارة اهلي ببغداد بتلك الفترة. دعنا نذهب سوياً.
آية : فكرة رائعة.
وعندما اطفئت الانوار ليسدل الستار على العام المنصرم بدأ العد التنازلي من 10- 9 - 8 - 7 - 6 - 5 - 4 -3 -2 - 1
فصرخ الجميع وصار الكل يقبل الكل ويهنؤوا بعضهم البعض على حلول السنة الجديدة فجأة سمعوا اصوات انفجارات في الخارج فارتعبت آية وسألت فاتن،
آية : ما الذي يجري؟ هل هناك هجوم من قبل المافيا؟
فاتن : هاهاها لا يا حبيبتي هذه العاب نارية. تعالي الى الخارج كي نتفرج عليها.
خرجتا خارج قاعة الاحتفال الى الحديقة ليشاهدوا اربعة من الخدم يطلقون الصواريخ الى السماء فترتفع وتنفجر لتعمل اشكالاً رائعة تسر الناظرين. بقي الاحتفال والشرب والرقص حتى ساعة متأخرة من صباح اليوم التالي لكن آية لم تتمكن من المقاومة فذهبت واعتذرت من جميع الحاضرين. ركبت سيارتها المرسيدس وانطلقت بها باتجاه منزلها. وما ان دخلت المنزل حتى توجهت فوراً الى الطابق العلوي حيث استحمت بدوش سريع ودخلت سريرها الوثير وغطت بنوم عميق. باليوم التالي كان يوماً مملاً لها لانها بقيت جالسة ببيتها دون عمل لذلك رفعت سماعة الهاتف واتصلت بالخالة رافدة ببغداد وزفت لها خبر نيتها العودة بشهر آذار او نيسان ففرحت رافدة كثيراً واخبرتها ان ام طارق جالسةً بجانبها فتحدثت معها وحيتها بحرارة ووعدتها ان تزورها عندما تعود للعراق.
بعد انتهاء عطلة رأس السنة رجعت آية الى مكتبها يملأها حماس كبير كي تطرح تصاميم بامكانها ان تعمل هزة ارضية بعالم الازياء في ميلانو لان كل المشاريع توقفت واصبح مجهود النساء الثلاثة منصب نحو معرض ميلانو. اعدت آية 75 فستاناً وطلبت من الوكالة ارسال اربع عارضات كي يستعرضن الفساتين فجلست فرنݘيسكا وڨالنتينا مع باقي العاملين بالشركة من مصورين وفنيين وحتى المنظفين. جلس الجميع بالقاعة كما لو كانوا زبائن يريدون تقييم الفساتين. وقفت آية مع العارضات تلبسهن الفساتين وتتاكد من منظرهن كي يكون باعلى درجات الاناقة. بدأ العرض فدخلت العارضة الاولى ترتدي فستاناً اسوداً قصيراً وباكمام قصيرة. بعد خروجها دخلت عارضة اخرى بفستان احمر مورد بورود بيضاء ووردية وتوالت العارضات باستعراض جميع المجموعة التي اعدتها آية. وبعد الانتهاء منها صفق لها الجمهور المصغر وراحوا يثنون عليها مجهودها الذي انفقته بتلك الفساتين. نظرت آية لشريكاتها وقالت،
آية : هل وقع اختياركن على اي واحد من هذه الفساتين. ايهم سيقدم وايهم سيرفض؟
فرنݘيسكا : لا، لا يمكنني ان افضل واحداً على الآخر.
ڨالنتينا : وانا كذلك اعتقد ان كل فساتينك جميلة ومن الصعب رفض اي منهن. قومي انت يا آية بالاختيار. اعتقد انك ستدخلين بـ 45 فستاناً هذا العام.
آية : حسناً ساقوم بالاختيار بنفسي.
بعد بضعة ايام قامت شريكاتها بعمل استعراض لمنتوجاتهن فاعجب الجميع وكانوا يتحلون بحماس كبير رغم توترهن ورغبتهن بان يكون ادائهن اكثر من رائع.
معرض ميلانو
وصلت 5 مركبات نقل للبضائع الى مقر شركة اليگانس فقام الموظفون والموظفات بتحميل الملابس الجاهزة كي تنقل الى ميلانو بالطريق البري. بينما ركبت آية مع شريكتيها بطائرة خاصة انطلقت بهم بالجو. بقيت آية تقرأ القرآن بسرها فانتبهت فرنݘيسكا لحركة شفاهها لتسألها،
فرنݘيسكا : ماذا بك يا آية هل انت تصلين لانك خائفة من الطائرة؟
آية : بل انا خائفة من الفشل. فميلانو هو الامل الذي وضعنا فيه كل ثقلنا لذلك اطلب من الله ان يوفقنا ويسدد خطانا.
فرنݘيسكا : لا تقلقي يا آية. تصاميمنا سوف تنجح اطمئني. بعد نصف ساعة هبطت الطائرة بمطار ميلانو فخرجت السيدات الثلاثة من الطائرة يرتدين ملابس رائعة كلها من تصميم آية. بعد الخروج من صالة المغادرة فوجؤوا باستقبال حافل من قبل الجمهور والصحفيين. كانوا على علم مسبق بموعد الوصول. حالما وضعن اقدامهن خارج بوابة المغادرة هجم عليهن الصحفيون والمصورون (الپاپاراتزي) وطلبوا من آية ان تلقي كلمة لكنها نظرت الى فرنݘيسكا التي كانت تقف بجانبها كي تتحدث معهم بالايطالية. قالت،
فرنݘيسكا : قمنا بالمشاركة بهذا المعرض كما فعلنا بالسنين الخمسة السابقة لكننا جهزنا مفاجئة كبرى هذا العام.
قاطعتها احدى الصحفيات وقالت،
صحفية : اخبرينا عن هذه المفاجئة.
فرنݘيسكا : لو اخبرتكم عنها لما اصبحت مفاجئة لكن كل ما اريد ان اقوله هو اننا كنا نشارك بالونجوريه والكاجوال وكان هذا تخصصنا. الا اننا سنشارك بالفساتين هذا العام لاننا محظوظون بانضمام آية مصممة الفساتين الى فريقنا.
صحفية : من هي آية؟
فرنݘيسكا : ستعرفون كل شيء عنها لاحقاً. الآن نحن متعبات ونريد ان نسترد طاقتنا بعد هذه السفرة المتعبة.
خرجت السيدات خارج قاعة المطار فوجدن سيارات ليموزين مستعدة لتأخذهن الى فندق شاتو مونفور ذو الخمس نجوم والذي يعتبر اغلى وافضل فندق بميلانو. اعطي النساء جناحين متجاورين. فدخلت آية جناحها الخاص لتنصدم بما رأت من ترف حيث ان تلك كانت فرصتها الاولى كي تنزل بفندق من هذا الوزن. كان جناحها يتألف من صالة واسعة وغرفة نوم وحمام. دخلت غرفة النوم لتجد صالة اخرى تصلح لان ينام فيها الملوك والامراء.

      

                  صالة النوم بفندق شاتو مونفور

تمشت قليلاً وتفحصت الغرف، ابتدأت بصالة النوم وراحت تنظر الى السرير والستائر والديكور الرائع فتبسمت وترائت لها صورتها وهي تجمع اغراضها من بيت جارتها سمية لان زوج سمية كان ينوي طردها من بيته دون مراعاة لاحاسيسها. دخلت الحمام واخذت دوشاً ساخناً ثم خرجت وهي تشعر بالانتعاش الكامل. صارت الروائح تفوح من جسدها جراء استعمالها للزيوت وانواع الصابون الذي وضعوه لها بالحمام. لفت فوطة وردية حول شعرها واردته الى الخلف ثم لفت فوطة ثانية حول جذعها لتجلس على السرير. نظرت حولها ثم استلقت على ظهرها لتحس بالراحة التامة التي يوفرها هذا النوع من الاسرة. فهو مصمم بتقنيات خاصة تدعى (الرغوة ذات الذاكرة). بقيت ارجلها متدلية من السرير واذرعها مفتوحة الى الجانبين تنظر الى السقف ويراودها شعور بالنصر القادم لا محال وانها يجب ان لا تدع اي شيء او اي عائق يفشل مساهمتهم بالمعرض لانه سيشكل النقطة المفصلية لمسيرة حياتهم المهنية. وبينما هي تستمتع بتلك اللحظات الساحرة سمعت طرقاً على الباب. وقفت واسرعت بارتداء فستان كي تتمكن من فتح الباب الا ان الشخص عاد وطرق ثانية فنادته من خلف الباب وقالت، "ستو اريفاندو" بمعنى انا آتية. وبعد ان انتهت من ارتداء فستانها على عجل فتحت الباب لترى نادلاً يحمل صينية عليها زجاجة شمبانيا وكأسين من الكرستال الخالص قال،
النادل : سيدتي هذه زجاجة شمبانيا هدية لك من ادارة الفندق.
آية : اشكر لي الادارة واخبرهم باعتذاري عن عدم استطاعتي قبول الهدية لانني لا اتعاطى الكحول.
النادل : سيدتي، الادارة تعلم ذلك، لذا بعثوا لك بشمبانيا خالية من الكحول.
اخذت الصينية منه وادخلتها الى الصالة "لقد درسو كل زبائنهم قبل دخولهم الفندق. يا ترى كيف عرفوا انني لا اشرب الخمر؟" وضعت الصينية على الطاولة وسط الصالة ورجعت الى غرفة النوم كي تكمل استعداداتها فامسكت بمجفف الشعر وراحت تجفف شعرها ثم قامت بطلاء المرطبات على جسدها وراحت تضع الماكياج على وجهها. بعدها نزلت الى مركز الفندق لتسأل الاستعلامات،
آية : هل لديكم صالون حلاقة بالفندق؟
موظف الاستعلامات : لدينا صالون يعمل به اوزڨالدو پروڨالي اشهر مصفف شعر بايطاليا.
آية : كيف يتم الحجز عنده؟
موظف الاستعلامات : متى تودين ان يصفف شعرك؟
آية : غداً بعد الظهر قبل ان يبدأ المعرض.
موظف الاستعلامات : ساحجز لك موعداً معه سيدتي الآن.
رفع الهاتف وتحدث بالايطالية ثم رجع لها وقال،
موظف الاستعلامات : لديك حجز غداً على الساعة الثالثة بعد الظهر.
بعدها تركت الاستعلامات وجلست بالمقهى التابع للفندق ثم طلبت ابريق شاي وراحت تدقق حولها لتجد اناس من كل الجنسيات يجلسون بالمقهى ويتحدثون بلغات مختلفة كانت تجهلها. لفت انتباهها زوجين افارقة يتحدثون الانكليزية ولكن بلهجة غريبة لم يسبق لها ان سمعتها. وبعد قليل حضر الشاي فوقعت على الفاتورة وصبت لنفسها فنجاناً. رفعته الى شفتها لكنها قبل ان تترشف منه رأت فرنݘيسكا وڨالنتينا مقبلات عليها فابتسمت وقالت،
آية : حمداً لله. تصورت انني اسكن وحدي بهذا الكوكب الواسع. ماذا فعلتما؟
فرنݘيسكا : رتبنا ملابسنا بالدولاب ثم اخذنا حماماً سريعاً ونزلنا في امل ان نلقاك هنا. وانت، ماذا فعلت؟
آية : لقد قمت بحجز موعد في صالون الحلاقة هنا. يقال ان صاحبه مشهور جداً.
ڨالنتينا : بالتأكيد انت تمزحين يا آية. الا تعرفين اوزڨالدو پروڨالي؟ انه اشهر مصفف شعر بايطاليا إن لم يكن بالعالم.
آية : اجل صحيح كانت جدتي تصفف شعرها لدى والدته بالبصرة.
انفجرت السيدات الثلاثة من الضحك وصرن يتباحثن بتفاصيل المعرض لليوم التالي. بعد ذلك خرجن في جولة بشوارع مدينة ميلانو الجميلة. وعند الانتهاء من تلك الجولة رجعن الى الفندق فاعتذرت آية منهن وقالت انها تود ان تحضى بنوم مبكر استعداداً للغد. رجعت آية لغرفتها ونامت على سريرها الوثير تفكر بما سيحدث بالمعرض المرتقب. استيقظت باليوم التالي على رنين الهاتف فرفعت السماعة لتسمع ڨالنتينا تقول،
ڨالنتينا : بونجورنو آية
آية : بونجورنو ڨالنتينا
ڨالنتينا : كومي فا؟
فهمت سؤالها لكنها لم تستطع الاجابة عليه بالاطالية فقالتها بالانكليزية،
آية : انا بخير شكراً. كيف كانت ليلتكما؟
ڨالنتينا : نمنا نوماً عميقاً لاننا كنا متعبات جداً. والآن ما هي مخططاتك؟
آية : بعد الافطار ساخرج لاتمشى قليلاً بشوارع المدينة ثم اعود بعد الظهر كي اذهب الى صالون الحلاقة.
ڨالنتينا : إذاً سنلقاك بالصالون.
عندما قارب الوقت من الساعة الثالثة رجعت آية الى الفندق وتوجهت مباشرة الى الصالون لتدخل ممراً مليئاً بالمحال التجارية الراقية بقيت تسير حتى عثرت على صالون الحلاقة. دخلته فوجدت رجلاً وسيماً باواخر العشرينات من عمره قالت له،
آية : لدي الشرف ان اتعرف عليك يا سيد اوزڨالدو پروڨالي.
الرجل : آسف سيدتي انا مجرد موظف الاستقبال هنا. اوزڨالدو پروڨالي بالداخل ينتظرك.
شعرت بالخجل ولم ترد عليه بل سارت بالاتجاه الذي اشار اليه فدخلته لترى رجلاً خمسينياً يستقبلها ويقول،
الرجل : اهلاً وسهلاً بك سيدتي،
ارادت ان تتأكد من انه هو الشخص المنشود لذلك قامت بالتعريف عن نفسها وقالت،
آية : انا آية.
الرجل : دعيني اقبل يدك يا اميرة ميلانو الجميلة، انا اوزڨالدو پروڨالي في خدمتك، وانا سعيد جداً بلقائك. كل ايطاليا سعيدة بلقائك يا وردة الشرق الجميلة.
آية : شكراً لك سيدي. هل بامكانك ان تصفف شعري؟ اريد تسريحة وقورة يلتف بها شعري وينسدل الى الجانبين.
اوزڨالدو : يا الهي! ماذا تقوبين؟ هذه جريمة يا سيدتي وانا غير مستعد ان اشارك فيها. من الظلم ان يختفي جمالك هذا خلف شعرك الحريري الجميل. دعيني اعمل لك تسريحة أظهر بها جمال وجهك الساحر ليزيده جمالاً. سيقطّر من وجهك العسل بعدها.
قهقهت آية وقالت،
آية : كم ان كلامكم معسول. هل تعتقد حقاً انني جميلة؟
اوزڨالدو : مامّا ميّا، ݘيرتو، تعالي معي هنا يا سيدتي وانظري الى هاتين العارضتين الجالستين هناك. ما رأيك بجمالهن؟
آية : انهن فاتناتٌ حقاً.
اوزڨالدو : انهن جميلات فقط لانهن يخضعن لمقص حلاقين من امثالي ويرتدين الملابس الثمينة ويضعن المساحيق وجميع انواع المكياجات على وجوههن. ازيلي هذه الاضافات، ستجدي لهن وجوهاً عادية. لكنك جميلة جداً دون كل الاضافات. يجب عليك ان تثقي بنفسك. دعيني امنحك تسريحة ستجعل كل العارضات تنتابهن الغيرة منك.
آية : حسناً انت الخبير. دعنا نرى.
بدأ اوزڨالدو يعمل بطريقته الاحترافية فيقوم بقص خصلات من شعرها تارة ويمشطها ويضع عليها المساحيق تارة اخرى ثم يجفف شعرها ويطلق عليه رذاذاً من بخاخات متعددة حتى انتهى بتسريحة جميلة جداً. نظرت بالمرآة الى نفسها وقالت،
آية : يا الهي، لا اصدق، انت حقاً فنان. كم المبلغ لو سمحت؟
اوزڨالدو : انا لا اريد منك نقوداً. كل ما اريده هو ان توعديني بان ترجعي الى عندي وتخبريني برأي الناس فيكِ بعد التسريحة. ثم تأذنين لي بتقبيل يدك.
آية : لك وعداً مني.
خرجت آية من الصالون بمعنويات مرتفعة جداً تشعر شعور قائد الجيش عندما ينتصر بمعركة كبيرة ودامية مع اعدائه.
رجعت الى غرفتها وصارت تهيء نفسها واوراقها حتى سمعت طرقا على الباب. فتحته فرأت شريكتيها واقفات بكامل الاناقة،
ڨالنتينا : ما هذا يا فتاة؟ لقد دمرتينا بجمالك. انا لا اصدق.
فرنݘيسكا : الحق يقال اننا اضعنا الكثير من المال على العارضات. كان الاجدر بآية ان تعرض كل ملابسها.
آية : كفاكن مزاحاً. هيا دعنا نذهب للمعركة. فانا متحمسة جداً لسفك الدماء فاليوم سوف لن نأخذ اسرى.
نزلوا الى الطابق السفلي حيث قابلهن سائق الليموزين واقتادهن للخارج. فتح لهن ابواب السيارة ليدخلنها فتنطلق بهن وتسابق الريح. ولما شارفوا على الوصول للمعرض رأت آية جمعاً غفيراً من المعجبين والصحفيين والمصورين يقفون بباب المعرض. قالت،
آية : يا الهي، انظروا كل هذؤلاء الناس. كيف سنتخلص منهم.
فرنݘيسكا : بالعكس يا آية، نحن نريدهم ان يستقبلونا بهذا الهرج والمرج. ان ذلك جزء من عملنا.
ڨالنتينا : فقط ابتسمي واتركي لنا الحديث.
فتح السائق الباب فنزلت السيدات الثلاثة كما لو كن نجمات هوليود ليتكالب عليهن الناس يمطروهن بالاسئلة. وقفت فرنݘيسكا واخبرت الجميع بانهم سيرون مفاجئة الموسم. انها المصممة آية التي ستبهر العالم بتصاميمها المبتكرة التي ستقلق نوم نظرائها العالميين المشهورين.
دخلن وجلسن على الطاولة المخصصة لهن بالقرب من خشبة المسرح الممتد. وبعد نصف ساعة ابتدأ العرض وراح عريف الحفل يقدم مجاميع المعروضات حسب المصممين. فدخلت اول وجبة من الازياء للمصمم الايطالي ڨرساݘي. تبعه جورجيو ارماني ثم ميوݘا پرادا. كان قلب آية يخفق بتسارع شديد لان دورها قارب على البدء فغادرت كرسيها وذهبت الى خلف الكواليس كي تشرف على اعداد عارضاتها المرتقب. بقيت خلف الستار فسمعت عريف الحفل يقول، "والآن الى مفاجئة الموسم، مجموعة اليگانس لمصممة الازياء الجديدة..... آية". صفق الجمهور فارسلت آية اول عارضة بفستان احمر طويل له فتحة عالية من الامام تلته بفستان اسود عاري الصدر ولديه ذيل طويل يزحف خلف العارضة ثم صارت العارضات يتوالين على خشبة الاستعراض الطويلة. ولما انتهت من آخر عارضة سمعت عريف الحفل يقول والآن وبكل فخر اقدم لكم المصممة آية فسمعت التصفيق. ظهرت للجمهور تحتضن عارضاتها لتجد جميع من في القاعة منتصبين يحيوها ويصفقون بحرارة. لكن ترحيبهم دام اكثر من المصممين الكبار سابقاتها. بدأت تشك انهم ربما يجاملونها لانها من العراق. لكن التصفيق لم يتوقف لفترة طويلة جداً فعلمت انها فعلاً حققت النجاح الذي كانت تصبو اليه. راحت تحيي الجمهور وتبعث لهم القبل الهوائية فيصرخون لها بكلمات الاعجاب بالايطالية. رجعت الى خلف الكواليس لتجد شركتيها فاتحين اذرعهن ليحضنوها بآن واحد. ويهنئوها على ما حققته من نجاح غير مسبوق. رجعت معهم الى الطاولة وجلست تراقب باقي المعروضات لباقي المصممين. وعندما انتهى العرض رجعت السيدات الثلاثة الى الفندق وهن في غاية السرور قالت آية،
آية : لدي زجاجة شمبانيا بجناحي ستأتون معي لنفتحها ونحتفل هناك.
دخلن جناح آية وصرن يرفعن الكؤوس ويشربن نخب النصر المؤكد. باليوم التالي عدن الى المعرض وبقين هناك حتى راقبت آية العرض باكمله. اما اليوم الثالث فكان يشهد عرض اللونجوريه من تصميم ڨالنتينا فحضي باعجاب الجمهور وترحيبهم. بعد اليوم الرابع الذي عرضت فيه تصاميم فرنݘيسكا انتهت مهمتهم فركبوا بالطائرة ليرجعوا الى مقرهم بكتانيا. بعد يومين جلس المحاسب معهم باجتماع مصغر وقدم لهم تقريراً طويلاً بنفقات المعرض بما فيها اجور العارضات ونفقات الفندق والمواصلات وما الى ذلك ثم عرج نحو المداخيل والطلبيات ثم انتهى بالارباح ليصل الى ربح كل واحدة من المصممات الذي بلغ مليون و200 الف يورو. صرخت ڨالنتينا وقالت،
ڨالنتينا : گاتسو، لقد نجحت يا آية، لقد نجحت يا فرنݘيسكا لقد امسكنا بقرن الثور. مبروك علينا يا بنات.
آية : گاتسو طعم النجاح لديه طعم كبير.
فرنݘيسكا : هل تعرفين معنى كلمة گاتسو بالحقيقة؟
آية : كلا ولكني اسمعكم تقولوها عندما تكونون فرحين.
فرنݘيسكا : الافضل انك لا تعرفين. هيا قوموا ودعونا نتعانق.
وقفت السيدات الثلاثة وتعانقن جميعاً. قالت ڨالنتينا،
ڨالنتينا : والآن يا آية ما هي مخططاتك القريبة والبعيدة؟
آية : بالطبع البعيدة ستكون العمل بشكل دائم هنا بايطاليا اما القريب فقد قررت ان اذهب باجازة لمدة شهر الى العراق. اريد ان احاول ايجاد ابني.
ڨالنتينا : لديك الحق يا صديقتي. سنصلي من اجلك كي تنجحي بمسعاك وتجتمعين بابنك.
بعد يومين اتصلت آية بصديقتها فاتن وراحت تنسق معها الرحلة فاتفقتا على ان تكون بآخر شهر اذار. اتصلت آية هاتفيهاً بالخالة رافدة واخبرتها انها ستعود لبغداد يوم 30 اذار على الخطوط الجوية العراقية.
بمطار بغداد وقفت رافدة وبصحبتها زوجها عبد الله ووقفت الى جانبهم ام طارق وعائلة فاتن يترقبون وصول ضيوفهم العائدين من الغربة. وبعد نزول الطائرة وانتظار طويل بدأ المسافرون يخرجون من بوابة المغادرة دافعين امامهم امتعتهم فوق عربات المطار. من بعدي لمحت رافدة آية، نادتها فانتبهت اليها آية وركضت نحوها كي تحتضنها وتقبلها من وجنتيها ثم صار جميع النساء يهللن ويرمين الحلوى بالهواء لتنزل على رؤوس المستقبلين والمسافرين وشرطة المطار وحمالي الحقائب. ركبت آية سيارة مع الجميع ورجعن الى منزل رافدة فجلسن هناك وصرن يتحدثن عن الفترة التي غابت بها آية عنهم فحدثتهم عن المعارض وعن نجاحها وشهرة منتزجها بعدها سألتها رافدة،
رافدة : هل لديك سبب محدد في العودة يا ابنتي؟
آية : اجل يا خالتي، اريد ان ابحث عن ابني سمير. يجب ان ارجع للديوانية واحاول ان اتحاور مع ابوه كي يسمح لي بمشاهدته فقد طفع الكيل وانا اريد ابني.
رافدة : ارجو من الله ان يجمعك به وان لا يفارقكما ابداً. ولكن دعيني احذرك من ذلك الوغد الشرير. لا تتركي له المجال كي يؤذيك كما كان يفعل في السابق.
فكرت آية بسرها وقالت، "سوف لن اتركه يلعب بي وبابني ثانية. ساذهب للديوانية خصيصاً لاقتله وانهيه الى الابد"
باليوم التالي انطلقت آية بسيارتها متجهة الى اليدوانية لتصلها بالمساء فتوجهت الى الفندق لتنام فيه. استيقظت مبكرةً في الصباح اليوم التالي واتصلت برقم كانت قد احتفضت به لفترة طويلة فرفع الهاتف قالت،
آية : السلام عليكم، اريد ان اتحدث مع ابو ليلى.
ابو ليلى : انا ابو ليلى تفضلي. من انت؟
آية : انا آية. لا اعلم إن كنت ستتذكرني يا عمي فقد جئت مرة الى الديوانية وطلبت منك كي تبحث لي عن قطعة ارض حتى ابني عليها مصنعاً للملابس، هل تذكر ذلك؟
ابو ليلى : جل اذكر ذلك جيداً. انت جئت من طرف السيد حسين المحامي اليس كذلك؟
آية : اجل ادلني المحامي حسين عليك لذلك اردت ان استفيد من خدماتك لكن لم تكن هناك قسمة ولم نتمكن من العمل سوية.
ابو ليلى : وكيف يمكنني ان اخدمك الآن.
آية : اريدك ان تدبر لي سلاحاً. افضل ان يكون مسدساً صغيراً.
ابو ليلى : انا آسف يا سيدتي انا تركت تلك الحياة منذ زمن بعيد. بامكانك ان تسألي حسين عن ذلك. فانا رجل على باب الله.
آية : اجل انا اعلم كل شيء. واعلم انك اصبحت رجلاً مستقيماً بعد خروجك من السجن. لكن فقط اخبرني، لو فرضنا انني ابحث عن مسدسٌ صغير فماذا ستكون كلفته.
ابو ليلى : ربما 200 دولار.
آية : انا مستعدة لدفع 1000 دولار. هل تعرف احداً يستطيع ايجاد واحد لي.
ابو ليلى : هل قلتي 1000 دولار؟
آية : اجل كاش، وسوف لن ابوح بمصدره حتى لو شنقوني.
ابو ليلى : ساحاول ان اجد لك شيئاً.
آية : سانتظر منك مكالمة. انا بهذا الرقم 97235
ابو ليلى : سجلت رقمك وساتصل بك بعد قليل.
اغلقت الهاتف معه وصارت تترقب رده لانها ستملك اخيراً القوة التي تهدم بها ذلك المجرم الوغد وتنهي حياته. بعد نصف ساعة سمعت الهاتف يرن فاجابت وقالت، "نعم"
ابو ليلى : لقد عثرت لك على مسدس صغير بحجم 22 ملم.
آية : هل يمكننا ان نلتقي واخذه منك؟
ابو ليلى : ساتي فوراً.
بقيت تنتظره نصف ساعة حتى التقاها بمقهى الفندق واعطاها علبة تشبه علب الاحذية فاخرجت حزمة من النقود واعطتها له. شكرها الرجل وخرج مسرعاً. رجعت لغرفتها لتتأكدت من احتوائه على رصاصات سبعة ثم وضعته في حقيبتها وخرجت قاصدةً عيادة د.عبد الستار. صعدت السلم وسارت نحو باب العيادة ببطئ شديد وعندما اصبحت امام الباب تفاجأت بعدم وجود اليافطة المعلقة على الباب باسم الدكتور. بقيت مترددة قليلاً وظنت ان عبد الستار ربما غير مكان عيادته او انه قرر تغيير اليافطة. وقفت مترددةن هل تقرع الجرس ام تذهب لتفتش عنه بمكان ثاني. استجمعت شجاعتها وضغطت على زر الجرس ففتحت لها طفلة صغيرة قالت،
الطفلة : من انت وماذا تريدين؟
آية : اين امك؟ نادها يا حبيبتي.
ركضت الطفلة بالداخل واغلقت الباب بوجه آية. بقيت آية تنتظر لدقائق حتى انفتح الباب ثانية وخرجت سيدة نحيفة ترتدي بدلة نوم قالت،
السيدة : نعم اختي، ماذا تريدين؟
آية : انا ابحث عن الدكتور عبد الستار. لقد كانت عيادته هنا.
السيدة : اجل هذا صحيح ولكنه لم يعد هنا. والعيادة اغلقت منذ فترة طويلة. نحن نسكن يهذه الشقة الآن.
آية : واين هو الآن؟ هل تعرفين مكان عيادته الجديدة؟
السيدة : سمعت انه بمصح خاص بعد ان تركته زوجته ازهار.
آية : باي مصح هو؟
السيدة : دعيني اسأل زوجي فهو يعرفه بشكل جيد.
دخلت الدار وتركت الباب مفتوحاً فسمعتها تسأل زوجها ثم رجعت وقالت،
السيدة : يقول زوجي انهم اخذوه الى دار رعاية الاحسان بحي رمضان لكنه لا يعرف العنوان.
آية : شكراً لك يا اختي. ساجده بنفسي. وداعاً.
ركبت آية سيارتها وتوجهت الى حي رمضان. صارت تبحث هناك حتى رأت اطفال يلعبون الكرة بالشارع فسألتهم عن دار رعاية الاحسان لكنهم اخبروها بانهم لا يعرفون مكانها. سارت قليلاً فرأت شرطي مرور اوقفت سيارتها بالقرب منه فجائها وقال،
الشرطي : لا يمكنك الوقوف هنا يا اختي.
آية : انا لا اريد الوقوف هنا، اردت فقط ان اسألك عن دار رعاية الاحسان هل تعرفه؟
الشرطي : اجل انه في الشارع القادم امامك على اليسار. ستجدين يافطة كبيرة باسم الدار.
آية : شكراً لك اخي.
سارت بسيارتها واستدارت يساراً فرأت يافطة دار رعاية الاحسان. اوقفت سيارتها ودخلت الدار فرأت سيدة محجبة ترتدي ملابس بيضاء، سألتها عن الادارة فادلتها. طرقت الباب ودخلت فرأت رجلاً اسمراً يجلس خلف مكتبه. رفع رأسه ونظر اليها فحيته قائلة،
آية : السلام عليكم حضرة المدير.
المدير : تفضلي اختي، ماذا تريدين؟
آية : جئت اسألك عن مريض لديكم اسمه عبد الستار الحسناوي.
المدير : اجل انه الدكتور عبد. وما هي صلتك به؟
آية : انا طليقته وام ابنه. انا اعمل بالخارج وجئت اليوم لارى ابني فاخبروني ان الدكتور عندك بدار الرعاية.
المدير : اجل انه بعمبر رقم 4 بامكانك ان تخرجي من مكتبي وتستديرين يميناً وتمشين لآخر الممر فتجدين العمبر.
آية : شكراً لك سيدي.
سارت آية بالممر كما ادلها المدير حتى وجدت العمبر المنشود، ادخلت يدها بحقيبتها لتهيء المسدس وتسحب اقسامه وترجعه بالحقيبة ثم دخلت من الباب لتجد رجالاً نائمين على اسرتهم بقيت تتفحص وجوههم الواحد تلو الآخر حتى وصلت الى آخر سرير فرأت ممرضة تجلس الى جانب كرسي متنقل بعجلات يجلس عليه رجل مسن جدأ. دققت بجهه فتعرفت عليه. انه طليقها عبد الستار لكنه يبدو وكأنه قد اصبح بالتسعين من عمره لديه لحية بيضاء طويلة ووجهه متجعد مع انها تعلم جيداً ان عمره لازال بالستين. قالت،
آية : اهذا انت يا عبد؟
لكنه لم يجبها، بدأ يرتعش ويهز برأسه ثم رفع رأسه ونظر اليها. شاهدت ان احدى عيناه مغلقة ويرى فقط بعين واحدة. قالت، الممرضة : انه لا يقوى على الكلام يا سيدتي. من انت؟
آية : انا طليقته. هل بامكاني التحدث اليه؟
الممرضة : انه لم يتكلم منذ ان اصيب بمرض الرعاش (باركنسنز).
آية : ولكن حسب علمي ان مرضى الرعاش يستطيعون الكلام.
الممرضة : اجل هذا صحيح عندما جاؤوا به الى هنا قبل ستة اشهر كان يتكلم بصعوبة لكنه الآن لا يقوى على الكلام او السير لانه يفقد اتزانه ويسقط على الارض. كلما مر الزمن عليه تفاقمت حالته واصبح غير قادرٍ على السيطرة على نفسه في قضاء حاجاته لذلك نلبسه الحفاضات.
آية : هل بامكاني ان اتحدث معه على انفراد لو سمحت؟
الممرضة : بالتأكيد فالمسكين تركته زوجته عندما اصيب بمرضه وطلقته بالمحكمة بعد ان استولت على جميع املاكه. يقال انها تزوجت من شاب لا يزيد عمره عن 20 سنة. ساترككما واعود بعد قليل.
خرجت الممرضة من القاووش فقربت آية من عبد وقالت له،
آية : ها عبد، كيف حالك؟
راح رأسه يهتز ونظر بوجهها بعين واحدة. ابتسمت وقالت له،
آية : هل وصلتك يد الله وسحقتك العدالته الالهية واصبحت كالصرصار القذر. اصبحت اعوراً وتبول وتتغوط على نفسك يا مغرور؟ كم كنت ظالماً متجبراً لئيماً. تعاملني بازدراء وتحقير. هل تذكر كيف كنت تضربني وتسميني البغلة الأمّية؟ ام ربما اثر عليك المرض واصبحت مجرد قطعة من قمامة لا تقوى على الكلام ولا النطق بالسباب البذيء الذي كنت تتفوه به عليّ وعلى ابنك. اين ذهب ذلك الظلم والخسة والحقارة والغرور؟ لقد اشبعتني ضرباً فقط لانني تأخرت في اعداد الطعام لابن عمك. لقد نسيت قول الله "الم يعلم بان الله يرى" لقد اذللتني واذيتني وضربتني وحطمتني نفسياً واخذت مني ابني. اخبرني يا سافل، اين ابني؟ اين سمير؟ هل ضحيت به من اجل انانيتك وشهواتك الرخيصة؟ واين هي ازهار التي تزوجتها ازهار التي احببتها واردت ان تقضي معها باقي ايام عمرك؟ هل تركتك واستولت على كل شيء؟ هل تعلم انها تزوجت من مراهق صغير يستطيع ان يعطيها ما لم تتمكن انت منه يا فاشل. كم انت ناقص يا كلب. الآن اخبرني اين ابني؟
لم يجبها لكنه رفع اصبعه الوسطى بوجهها وبقي يهز برأسه ويديه.
آية : اسمع مني ايها القمامة. جئتك اليوم كي انتقم منك واقتلك بهذا السلاح.
اخرجت المسدس من حقيبتها ومسكته امامه وجهه كي يراه.
آية : اردت ان اطلق عليك النار عدة طلقات ابدأها بخصيتيك ثم اقدامك ثم يديك ثم انهيك بطلقة واحدة على رأسك.
صار يختض لما سمع كلامها هذا.
آية : الآن صرت تخاف وترتعد يا سافل. ولكن لا، لا لا لا سيكون من الخطأ ان اقتلك فترتاح وانحرم انا من ولدي. كلا يا عبودي كلا. ساتركك كما انت لان الله سبقني وعاقبك في الدنا قبل الآخرة. انت لا تستحق رصاصات الرحمة لانك لم ترحمني بالماضي. ستبقى سابحاً ببولك وغائطك تعاني سنين طويلة تحت رحمة الممرضات حتى يشاء الله وينهي اجلك فتموت كالكلاب الضالة وتدفن بقبر ليس عليه اسم حتى. نظرت الى يسارها فشاهدت الممرضة آتية صوبهم من بعيد قالت،
الممرضة : يبدو ان المريض قد تازم سيدتي. الافضل ان تغادري.
آية : وداعاً حبيبي ابو سمير. ادعو لك الشفاء العاجل. سوف لن ازورك ثانية.
نظرت الى الممرضة وقالت،
آية : حسناً ساغادر الآن ولكن الا تعرفين مصير ابني سمير.
الممرضة : كل ما اعرفه ان زوجته ازهار رمت الولد في الشارع فقام بعض الناس الطيبين باخذه. لكني لا اعرفهم ولا اعرف مكانهم.
آية : شكراً لك يا اختي. ارجوك اعتني به كثيراً. فالموت سيكون راحة له. يجب ان يبقى غارقاً ببوله وغائطه حتى لا يشعر بالبرد.
خرجت من الدار وذهبت الى شرطة محافظة الديوانية لتجد ابن عم زوجها السابق الضابط فيصل. حيته فنظر اليها وقال بتهكم،
فيصل : ماذا جاء بك الى الديوانية ثانية؟ اعتقدنا اننا ارتحنا منك ومن مشاكلك وبلاياك.
آية : لم أتي كي ازورك يا فيصل. انا ابحث فقط عن ابني سمير. الا تعرف اين هو؟
فيصل : بعد ان اصيب عبد الستار بمرضه، طلّقته زوجته وتزوجت رجلاً آخراً. اردت ان اخذ سمير كي اربيه ببيتي من باب الشفقة لكن زوجتي رفضت ذلك. لذا قامت امرأة ثانية باخذه ووعدت بتربيته.
آية : ما اسم تلك المرأة الكامل؟
فيصل : لقد كانت جارتك بالبيت الذي كنت تسكنين به مع عبد الستار. الا تذكريها؟
آية : اجل، اجل اذكرها. انها سمية السيدة الطيبة. انا احبها كثيراً. ولكن اين هي الآن؟
فيصل : لا اعلم. لقد اخذت الولد ورحلت. لا احد يعلم الى اين ذهبت او اين تسكن.
آية : طيب شكراً.
خرجت آية من المركز ورجعت الى الفندق جلست بغرفتها تبكي وتفكر. "اين ابني؟ اين ذهبت به سمية؟ انها انسانة طيبة ولا يمكن ان تؤذيه ولكن اين هي؟ دعني اتصل بالخالة رافدة ببغداد فهي تعرفها، ربما تعرف مكانها. رفعت سماعة الهاتف واتصلت برافدة فاجابتها وقالت،
رافدة : ابنتي آية، حمداً لله انك اتصلتِ. كنا في حيرة من امرنا لاننا لم نجد سبيلاً للاتصال بك. ابنك سمير معي الآن هنا ببيتي ببغداد. جائت به سمية من الديوانية.
آية : دعيني اتحدث معه يا خالتي ارجوك.
انتظرت قليلاً حتى سمعت صوت ابنها يقول،
سمير : الو ماما، كيف حالك يا ماما؟ انا مشتاق اليك كثيراً.
آية : انا بخير يا حبيبي.
سمير : اين انتِ الآن؟ لماذا لا تأتين لتأخذيني؟
آية : انا في الديوانية الآن. سارجع الى بغداد فوراً وساراك يا حبيبي ويا فلدة كبدي ويا روحي، امك فداك يا عمري. ابقى ببيت رافدة يا عمري ولا تخرج خارجاً. افهمت؟
سمير : لا تتأخري يا امي. انا انتظاركِ.
آية : حبيبي، نادي لخالتك سمية اريد التحدث اليها.
سمية : اهلاً بك يا آية، ارجعي الى بغداد نحن بانتظارك.
آية : شكرا حبيبتي، انا راجعة الآن على الفور. فقط مسافة الطريق حبيبتي سمية.
اغلقت الهاتف وحزمت امتعتها ثم خرجت من الفندق لتأخذ الطريق الخارجي باتجاه بغداد. كانت الفرحة تغمرها وراحت تغني طول الطريق اغنية (الطير المسافر) لنجاة الصغيرة. شعرت ان الطريق بين الديوانية وبغداد قد اصبح طويلاً جداً ورحلة العودة الى بغداد اخذت وقتاً اطول من رحلة المجيء. وفي الطريق الى بغداد مرت فوق جسرٍ صغير يمر من فوق نهر، اوقفت السيارة ورمت المسدس فيه ثم واصلت سيرها. بعد بضع ساعات اوقفت سيارتها امام بيت رافدة ودخلت مسرعة ليقف الجميع ويستقبلها بالزغاريد والدموع. نظرت فوجدت ابنها قد اصبح شاباً وسيماً واقفاً بوسط الصالة. ركضت نحوه واشتبكا سوية باحضان بعضهما البعض، بقيت آية تقبله وتمسح على رأسه، تبكي وتقول اصبحت رجل يا حبيبي اصبحت وسيماً جداً. وعندما شاهدت سمية مقبلة صوبها تركت ابنها واحتضنت سمية وصارت تبكي وتقول،
آية : شكراً حبيبتي سمية لا اعرف كيف اجازيك يا عمري. اشكرك لانك اعتنيت بابني.
سمية : كيف لا وانت كنت دائماً بقلبي. لكن ظروفي سائت كثيراً خصوصاً بعد وفاة زوجي.
آية : اجل سمعت ان زوجك قد توفى رحمه الله. جئت وبحثت عنك بالديوانية لكن السيدة التي اشترت منك الدار هي التي اخبرتني بوفاة زوجك.
دخلت رافدة الصالة وقالت،
رافدة : هيا يا احبابي، العشاء جاهز.
وقف الجميع ليتناولوا وجبة العشاء فسمعوا دخول شخص من الباب. نظروا نحوها واذا بها ام طارق قالت،
ام طارق : هل هناك مكان لي على مائدتكم؟
آية : حبيبتي ام طارق، مكانك بوسط قلبي يا عمري. تفضلي واجلسي معنا.
التف الجميع حول المائدة ، جلست آية وبجانبها سمير بينما جلست امامهم ام طارق ورافدة وبدأوا يناولون الطعام. كانت اصواتهم عالية جداً يستجمعون الذكريات الجميلة والمؤلمة. وبينما كانت آية تتحدث مع صديقاتها كانت تنتهز الفرصة وتقبل ابنها سمير لانها تشعر انها لم تكتفي من تقبيله. ثم راحت تحدثهم عما جرى بينها وبين عبد الستار عندما زارته بدار الرعاية وكيف لفضته زوجته وتزوجت من شاب بسن ابنها وكيف كانت ستقتله بالمسدس لكنها عدلت عن قرارها باللحظة الاخيرة.
بعد مرور ثلاثة اسابيع اقلعت طائرة الخطوط الجوية العراقية من مطار بغداد وعلى متنها آية وابنها سمير. بعد ان انطفأت علامة ربط الاحزمة فتحت آية وابنها احزمة مقاعدهم فسألها سمير،
سمير : كيف ستكون رحلتنا يا امي؟
آية : ستنزل بنا الطائرة بمطار روما ثم نركب طائرة اخرى من هناك لتنقلنا الى پاليرمو حيث ينتظرنا السائق لاخذنا الى كتانيا.
سمير : واين سنقيم هناك؟ بالفندق؟
آية : لا يا حبيبي، سنقيم ببيتنا. لقد اعدوا لك غرفة خاصة.
سمير : انا خائف من اللغة يا امي. كيف ساتفاهم معهم؟
آية : ساضعك بمدرسة لغة تتعلم فيها الايطالية. ثم تلتحق بالمدرسة المتوسطة عندما تفتح ابوابها بشهر ايلول.
سمير : وماذا عن خالاتي بالعراق.
آية : لقد قمت باعطاء خالتك ام طارق مبلغاً كبيراً ستتمكن من خلاله انشاء مصنع خياطة صغير وتجدد آلاة الخياطة التي عندها لترتزق منه. وسوف توظف الخالة سمية كمديرة فيه.
سمير : وماذا عن الخالة رافدة؟
آية : لقد وضعت لها مبلغاً كبيراً بالبنك كي لا تحتاج الى اي نقود بالمستقبل ابداً فتعيش مع زوجها عبد الله بكرامتهما.
سمير : انا جداً متشوق لان ارى بيتنا بايطاليا وابدأ حياة جديدة هناك.
آية : سوف لن ترى ما رأيته من الظلم والقهر والمآسي بالعراق.
سمير : احبك يا امي. لا تتركيني بعد اليوم.
آية : احبك يا فلذة كبدي. فديتك بروحي يا روحي.

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1097 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع