التشبّث بحب غارب!

                                         

                               زينب حفني

صرّح الروائي (ريتشارد روسو) الحاصل على جائزة (بوليتزر) للآداب والبالغ من العمر 62 عاماً، أنه يرفض نشر روايته الجديدة (تدخلات) والمكونة من أربعة أجزاء على الإنترنت بصيغة كتاب إلكتروني، وأنه بهذه الخطوة يُرسل تحية حب للكتاب المطبوع، إضافة إلى أنه أراد بعث رسالة ضمنية للناس يحثهم من خلالها على شراء الكتب الورقية، بعد أن بات الكتاب الإلكتروني يُهدد استمرار المكتبات وصناعة الكتاب الورقي.

هل بالفعل الكتاب الإلكتروني أصاب الكتاب الورقي في مقتل؟! هل بالفعل سينتهي الكتاب المطبوع مستقبلاً كما يتنبأ البعض؟! كذب المتنبئون ولو صدقوا! فقد أُعلن مؤخراً أن البريطانيين أنفقوا 3,3 مليار جنيه استرليني على الكتب المطبوعة بزيادة 4 في المئة عن العام الماضي بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلادهم، وهو ما دفع رئيس رابطة الناشرين البريطانيين إلى القول بأن قطاع النشر ببريطانيا في حالة جيدة.

هذه النسبة لا تعني بأن الكتاب الورقي غير مهدد، فقد أُعلن أيضاً بأن نسبة مبيعات الروايات الإلكترونية قد ارتفعت بنسبة 149 في المئة. وهذا يُشير إلى أن إيقاع الحياة السريع جعل أغلبية الناس تفضل قراءة الكتب التي ترغب فيها، على الأجهزة الخاصة بعرض الكتب التي انتشرت وأصبحت لها أسواق رائجة.

ما زلتُ من هواة القراءة الورقية، وكثيرون مثلي يقفون في الخندق نفسه، فالمتعة التي يُحققها لي الكتاب المطبوع وأنا ممسكة بدفتيه لألتهم سطوره، متعة لا يُحققها لي الكتاب الإلكتروني من وجهة نظري، مرددة هذا القول كثيراً بين صديقاتي وأقاربي من الشباب الصغير الذين يُخالفونني في رأيي ويعتقدون بأنني أتشبّث بحب غارب! أقول لهم مازحة... «ما الحب إلا للحبيب الأوّل، ومهما أخرج لنا العالم ثورات في عالم النشر، سيظلُّ الكتاب المطبوع رفيقي الحميم وحبّي الأوحد».

الصراع بين القديم والحديث، سيظل معركة شرسة تُطال كافة مناحي الحياة. فالتقليديون وغالباً ما يكونون من كبار السن، يتمسكون بما شبّوا عليه، بعكس الشباب الباحث دوماً عن الصرعات الجديدة، والذين يهرعون خلف كل بريق أخّاذ.

أعترف بأنني لحد اليوم، أحرص على كتابة أي رواية جديدة لي بقلم الرصاص والممحاة التقليدية، ثم أشرع عند الكتابة الثانية لها بتسطير حروفها على الإنترنت. من الصعب على الأديب أن يتخلّص من عادته التي استمر عليها سنوات طويلة، وأعتقد بأن هذا الأمر ينطبق على محبي الكتاب المطبوع الذي ألفوا رائحة الورق، ويستمتعون بتقليب أوراقه، وإنْ كان هذا الأمر يختلف مع الأدباء الشباب الذين ولجوا إلى ساحة الأدب حديثاً.

المعركة من وجهة نظري لم تُحسم بعد، والكتاب المطبوع سيظل مُغرياً للكثيرين، وخصوصاً أن عالمنا العربي لم يصل بعد لمرحلة متقدمة في مجال النشر الإلكتروني. هذا لا يعني بأنني ضد نشر الكتاب الإلكتروني بل أشجّع عليه لأن أي أديب غاية أمله أن يصل فكره إلى أكبر قدر من الناس، والكتابة الإلكترونية ستُحقق له هذه الأمنية الكبيرة.

أحد مبتكري جهاز «كوبو» لقراءة الكتب إلكترونياً، يعتقد بأن 90 في المئة من معدلات القراءة ستكون لمصلحة الكتب الإلكترونية، ولكنني أرى بأن الروايات تحديداً ما زالت تلقى رواجاً بمعارض الكتب العربية، لذا من الصعب التكهّن بمستقبل الكتاب الورقي.

جميعنا يشعر بالحنين إلى كل ما هو تقليدي، خاصة إذا كان مرتبطاً بذكريات طفولته. الذكريات مثل الحبل السرّي للإنسان يُقطع منه لحظة ولادته، لكن تظلُّ علامة السرة دليلاً دامغاً على وجودها حتّى رحيل صاحبها عن الدنيا. ليس كل جديد منفّر، وليس كل قديم مكروه. المهم أن نستمتع بكل الأشياء من حولنا التي ترتقي بعقولنا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

860 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع