قصة قصيرة المتوحد / الجزء الاول

                                                    

                           بقلم أحمد فخري

   

قصة قصيرة المتوحد/الجزء الاول 

في الصباح الباكر من يوم الاثنين دخلت سامانثا محطة سانت بانكريس مسرعةً تسحب ورائها حقيبتها ذات العجلات الاربعة تأمل ان لا يفوتها القطار. توجهت مباشرة الى مكتب التذاكر وسألته،

سامانثا : هل استطيع شراء تذكرة الى مارگيت لو سمحت؟
موظف : ما نوع التذكرة ودرجتها يا انسة؟
سامانثا : اتجاه واحد وبالدرجة الثانية لو سمحت.
موظف : بالتأكيد، المبلغ 30.32 باوند.
سامانثا : اردت رحلة باتجاه واحد وليست مرجعة.
موظف : انها فعلاً باتجاه واحد سيدتي. فالمرجعة تكلف 42.45 باوند.
سامانثا : يا ساتر! انا لم اطلب رحلة الى نيويورك... حسناً تفضل هذه 31 باوند.
اعطاها تذكرتها وارجع لها الفائض ثم اردف قائلاً،
موظف : القطار سيتحرك الساعة 8:25 اي بعد 14 دقيقة من الآن على الرصيف رقم 11. الرحلة مباشرة وستدوم ساعة و 34 دقيقة.
سامانثا : شكراً لك سيدي.
جرت حقيبتها وابتعدت عن مكتب التذاكر تبحث عن الرصيف، رفعت رأسها الى الاعلى وتفحصت لوحة البيانات السوداء. طابقتها مع تفاصيل رحلتها ثم نظرت الى ارقام الارصفة فعلمت يقيناً ان قطارها يقف على رصيف رقم 11 كما اخبرها الموظف فاستدارت يساراً ومدت في سيرها كي تصل الى الرصيف المطلوب قبل ان يتحرك القطار. ولما بلغته رأت القطار مازال واقفاً يركبه المسافرون من جميع ابوابه المفتوحة فدخلت هي الاخرى من اقرب البيبان لها بمؤخرة القطار. قرأت تذكرتها فادركت انها في المقطورة (ف) سارت بداخل القطار من مقطورة لاخرى حتى وصلت ضالتها فدخلتها وجلست على احدى الكراسي بالقرب من الشباك. وما هي إلا دقائق وشعرت باهتزاز القطار فعلمت ان رحلتها قد ابتدأت. ارجعت رأسها الى الوراء واغمضت عينيها كي تسترخي قليلاً لانها لم تأخذ قسطاً كافياً من النوم بالليلة السابقة مما جعلها تحظى ب 4 ساعات فقط. لم تمر سوى ثوانِ الى وغطست بحلم غويط رأت فيه امها ابيكيل وهي تدعوها للطعام ، قالت، "لقد اعددت لك كعكة الجبنة التي تحبينها يا سام. اجلسي ودعينا نتناولها سوية يا حبيبتي" جلست سامانثا ورفعت الشوكة تنوي الشروع بالاكل لكنها رأت الكعكة تنهار وتتحول الى ثعبان متين من نوع اناكوندا. حاولت طعن الثعبان بالشوكة دون جدوى فصار يكبر ويرتفع للاعلى حتى اصبح غليظاً جداً وبدأ يقرب منها ويلتف حول عنقها فيخنقها. صرخت قائلةً انجديني يا امي، لقد تحولت كعكتك الى افعى ساموت. اجابتها امها وقالت لا تخافي يا حبيبتي هذا اخوك بورس انه يداعبك ويلعب معك لعبة من العابه السخيفة. الكعكة ليس بها ثعبان يا ابنتي. فصارت تصرخ باعلى صوتها وتقول لا لا لا انها تخنقني انجديني يا امي ساموت. وفجأة امسكت بكتفها سيدة كبيرة السن، ايقظتها وقالت،
السيدة : استيقظي يا آنسة كنت ترين كابوساً بمنامكِ، لا تخافي.
سام : لقد رأيت حلماً مخيفاً جداً.
السيدة : كنت تصرخين وتقولين انها افعى، انها افعى.
سام : الخوف كان بادر عليّ اليس كذلك؟
السيدة : نعم يا عزيزتي، لقد سمعكِ جميع من في المقطورة.
سام : انا آسفة.
فتحت السيدة حقيبتها اليدوية واخرجت قنينة ماء بلاستيكية اعطتها لسامانثا. شربت من الماء قليلاً وشكرت السيدة قائلةً،
سام : شكراً لك سيدتي على ايقاضي، الاجدر بي الآن الذهاب لمقطورة الطعام اريد ان اتناول افطاري.
تركت مكانها وسارت رجوعاً الى مؤخرة القطار. راحت تتنقل من مقطورة لاخرى حتى رأت على احداها يافطة كتب عليها (الكافتيريا). كانت المقطورة خالية من الزبائن ولم يكن هناك نادل خلف المنضدة. كبست على الجرس الموضوع فوقها كي تجلب انتباه النادل فجائها رجل طويل داكن البشرة قال لها،
النادل : تفضلي، كيف استطيع خدمتك؟
سام : هل لديكم ما يؤكل؟
النادل : لدينا الشطائر والپاي والكيك والتشبس.
سام : ما نوع الشطائر؟
النادل : لدينا شطائر الهام وشطائر البيض وشطائر الجبنة.
سام : اريد شطيرة بيض لو سمحت.
النادل : وماذا تشربين معها؟
سام : اريد شاياً ابيضاً لو سمحت.
غاب النادل قليلاُ ثم عاد بشطيرة بيض وكأساً بلاستيكياً رقيقاً يحتوي على الشاي بالحليب قال،
النادل : 4 جنيهات ونصف.
اخرجت بطاقة ائتمان واعطتها له فقام بمسحها بجهازه ثم ادار الجهاز نحوها كي تدخل الرقم السري. ضغطت على الارقام الاربعة فاصدر لحناً يشير الى صحة الصفقة ثم ارجع البطاقة اليها. ادخلت البطاقة بمحفضتها ثم امسكت بالشطيرة بيدها اليسرى والشاي بيدها اليمنى الا انها احست بحرارة الكأس المفرطة. كانت درجة حرارة الشاي مرتفعة الى درجة بحيث ارادت ان تتخلص من الكأس وتضعه على احدى الطاولات فانتابها توتر شديد. تفحصت المكان حولها لتجد طاولة خالية بجانب الشباك فاسرعت اليها كي تتخلص من قدح الشاي. الا انها من فرط ارتباكها ارتطمت باحد الركاب الذي دخل الى الكافتيريا للتو، فاندلق الشاي الساخن على قميصه وصار يصرخ متألماً ويقول، "اللعنة، اللعنة، اللعنة". شعرت سام بخجل كبير وسقطت من يدها شطيرة البيض على الارض. صارت تبحث بحقيبتها اليدوية عن منديل ورقي كي تمسح به قميص الراكب الا انه صرخ بوجهها ثانية وقال،
الراكب : ابتعدي عني لا تلمسيني ابتعدي.
سام : انا آسفة يا سيدي لم اقصد ان المسك. لقد دلقت الشاي على قميصك عن غير قصد واردت ان امسحه وحسب.
الراكب : لقد لمستيني، لقد لمستيني، لقد لمستيني، انا لا اريد احداً ان يلمسني، لا اريد احداً ان يلمسني.
سام : انا آسفة جداً. دعني اشتري لك شاياً او قهوة لاقدم اعتذاري.
الراكب : الاعتذار ليس ضرورياً. انت لم تقصدين ما فعلت.
ادار رأسه الى جهة الشباك وصار يتحدث معها وكأنه يخجل من النظر بوجهها. انتاب سام شعور غريب، ما بين الخوف والفضول نحو هذا الراكب. ارادت فقط ان تتحدث معه لتطيب خاطره فقالت،
سام : هل بامكانك ان تجلس معي بينما اتناول افطاري؟
الراكب : اجل لكن افطارك اصبح على الارض. لا يجوز ان تلتقطيه وتتناوليه لانه اتسخ واصبح ملوثاً بالجراثيم.
سام : ساشتري غيره الآن لا تقلق.
الراكب : لا، لا، انا الذي حرمتك من افطارك. انا الذي من سيشتري لك الافطار.
سام : حسناً، كما تشاء. اريد شطيرة البيض وشاياً ابيضاً.
الراكب : اجلسي انت على الطاولة هناك وساحضر لك افطارك بنفسي.
ذهبت سام وجلست على الطاولة وهي تبتسم وتحاول ان تفسر شخصية ذلك الراكب الغريبة، اهو مجنون ام غبي؟. جلست وانتظرت لما يقرب من 5 دقائق حتى رأته يرجع بصينية فيها قدحين وشطيرتين. وضعها على الطاولة وجلس امامها. نظرت الى وجهه وفتحت الحديث،
سام : انا اسمي سامانثا.
الراكب : اسمك سامانثا اجل اجل الاسم سامانثا. نعم سامانثا.
سام : وانت؟
الراكب : انا جالس الى جانب سامانثا.
سام : اجل اقصد ما اسمك؟
الراكب : انا؟ اجل انا سامي.
سام : كلا انا اسمي سام، ما اسمك؟
الراكب : انا سامي. اسمي ساميول.
سام : ما هذه الصدفة الغريبة. اسمي واسمك متشابهين تقريباً.
سامي : هذا غير صحيح، فانا ساميول وانت سامانثا.
سام : هل اعجبتك الشطائر؟
سامي : كيف تعجبني وانا لم اتذوقها بعد؟ انا مازلت اتكلم معك.
سام : انا آسفة يا سامي، لقد الهيتك بالكلام.
سامي : اجل، اجل الهيتيني بالكلام. يجب ان تسكتي كي استطيع ان اتناول افطاري.
انتابها شعور بالامتعاض لانه يبدو عليه غضٌ متغطرس. فكيف تجلس مع شخص من هذا القبيل؟ بالرغم من انه شاب وسيم. ربما هو متكبر بسبب وسامته. على العموم قررت ان تنتهي من طعامها وتتركه فترجع الى مقعدها لانها في غنى عن هذه النماذج من البشر.
سامي : عادي جداً.
سام : ماهو عادي؟
سامي : الطعام. سألتيني عن الطعام وانا اجيبك بعد ان تذوقته.
سام : انا آسفة جداً.
سامي : الجميع يتأسف معي ويقولون اني مجنون.
سام : كلا انا لا اعتقد ذلك.
سامي : انا مصاب بمتلازمة اسبرجر.
سام : وما هي هذه المتلازمة.
سامي : الكثير من الناس يسميها التوحد لكن اسمها العلمي متلازمة اسبرجر.
هنا علمت سام سبب تصرفات هذا المخلوق الغريبة. لقد شعرت بتأنيب الضمير لانها ظنته مجنوناً. لكنها تعلم جيداً ان المتوحدين غالباً ما يكونوا خارقي الذكاء.
سام : الى اين انتَ ذاهبٌ يا سامي؟
سامي : انا ذاهبٌ لازور طبيبتي الدكتورة پالمر.
سام : هل هي طبيبة نفسية؟
سامي : انا لست مجنوناً يا انسة. انها طبيبة عامة وهي انسانة لطيفة. لم يسبق لها الزواج لكنها الان بسن السبعين وتمانية شهور. هي التي بقيت الى جانبي واشرفت على تدريسي عندما كنت طفلاً.
سام : هل هي قريبتك؟
سامي : انا ليس لدي اقرباء. انا يتيم الابوين، وقد عثر عليّ على باب ملجأ للايتام بمدينة ماركيت ثم قامت الدكتورة پالمر بالعناية بي عندما اكتشفوا عندي ما يسمونه التوحد. وانت ما هي وجهتك؟
سام : انا ذاهبة لازور امي بماركيت.
سامي : هل هي امك الحقيقية؟
سام : كلا، انا مثلك يا سامي، يتيمة الاب والام وقد تبنتني السيدة ابيكيل ماكنتوش واعطتني لقبها فاصبح اسمي الكامل سامانثا ماكنتوش. بعد ان مات ابي بحادث سير فعملت والدتي عندها كمدبرة منزل لكن امي الحقيقية توفت عندما كان عمري سنة واحدة لذلك قررت ان تبقيني عندها بدلاً من ان تاخذني منظمة الرعاية الاجتماعية. ولأنها غنية جداً فقد وافقوا على طلب التبني بسرعة قياسية. كان لديها حفيد واحد من ابنها المتوفي في حرب الفوكلاند. وقد تربى معي ببيتها الكبير. لكنه كانا يكرهني ويسميني (ابنة الخادمة) لكني كنت دائماً اقول له بانني ابنة السيدة ابيكيل. استمر كرهه لي حتى كبرت وانتقلت لادرس السكرتارية بمعهد پتمانز بلندن.
سامي : إذاً انت تعملين سكرتيرة سكرتيرة سكرتيرة الآن؟
سام : اجل بمكتب للمحامين يسمى فارول اند فارول.
سامي : ولماذا تزوريها الآن؟ هل انت في اجازة؟
سام : اجل، طلبت اجازة خاصة من عملي لمدة اسبوع كي ازور امي لانها اتصلت بي هاتفياً وقالت انها بامس الحاجة لي. وهي تعتقد انها في خطر كبير من حفيدها بورس.
سامي : ولماذا تعتقد انها بخطر كبير منه؟
سام : قالت عندما اخبرته بانها سجلت منزلها الكبير باسمي جن جنونه وقال بانه احق بالبيت مني.
سامي : لا اعرف ما اقول.
سام : لم يكن بورس يحبها منذ الصغر، وعندما كبر كان يريد موتها باقرب وقت كي يرث جميع املاكها ومن ضمنها البيت.
سامي : هل لها الكثير من الاملاك؟
سام : اكثر مما تتصور. هي غنية غناءاً فاحشاً وسوف تترك كل ما تملكه لبورس. هي ارادت فقط ان تمنحني بيتها. لكن ذلك لم يرق له. دعنا من هذه السيرة، وانت يا سامي هل اكملت دراستك؟
سامي : اجل.
سام : هل وصلت للجامعة؟
سامي : اجل.
سام : وما هو تخصصك؟
سامي : علم الجريمة الكريمينولوجيا؟
سام : يا سلام. هذا شيء رائع. هل حصلت على البكلوريوس؟
سامي : اجل.
سام : هل حصلت على شهادة اعلى من البكلوريوس؟
سامي : اجل.
سام : وما هي؟
سامي : لدي لدي لدي دكتوراه بعلم الجريمة والتحليل الافتراضي.
سام : شيء عظيم. واين تعمل؟
سامي : اعمل بشرطة سكوتلانديارد. قسم الابحاث والدراسات الجنائية. انا برتبة ملازم اول.
سام : لكن هيئتك توحي بانك صغير السن، كم عمرك؟
سامي : انا عمري 28 سنة ونصف ويومين، وانت؟ كم عمرك؟
سام : عمري 24 سنة. دعنا نرى قابلياتك في التحليل. هل تستطيع ان تحلل حالتي مثلاً؟
سامي : طيب، طيب، طيب، انت غير متزوجة، رومانسية كثيراً، لديك قطة سوداء وتعانين من الصداع المزمن، وكذلك تعانين من مشاكل بالمعدة. لديك مبلغاً متواضعاً بالبنك وسيارتك المفضلة هي الميني. لونك المفضل هو البنفسجي. تحبين ارتداء الملابس الضيقة. اما وزنك فيبلغ 8 ستون اي 50 كيلو. وطولك 5 اقدام و7 انجات. لديك هوس بمظهرك وتحبين ان تكوني جميلة دائماً.
بدأت تصفق وتقول،
سام : مستحيل! لا اصدق، برافو انت محقق ناجح. لقد اصبت بكل شيء قلته. كيف عرفت كل ذلك؟
سامي : هناك مؤشرات تعلمت كيف اقرأها ما بين السطور وهذا ما يجعل علم الجريمة قريب الى قلبي.
سام : اخبرني الآن كيف توصلت الى كل مؤشر عندي، لدي فضول واريد ان اعرف.
سامي : حسناً، انت غير متزوجة لان اصبعك خالي من خاتم الزواج وليس له اثر على اصبعك. انت رومانسية لان الكتاب الذي بحقيبتك اليدوية كتاب رومانسي وقد لمحته عندما دفعت ببطاقة الائتمان للنادل. لديك قطة سوداء لان شعرها مازال عالق على كتفك. تتناولين حبوب الصداع لان لديك علبة بانادول ذات سعة 300 حبة وقنينة كافيسكوم السائل للمعدة بداخل حقيبتك اليدوية. اشتريت افطارك من البائع ببطاقة ائتمان من نوع دَبيت كارد والتي تمنح للحسابات المتواضعة. سيارتك المفضلة هي الميني لانك كنت تنظرين بشغف اليها عندما مررنا من موقف به مئات السيارات. لونك المفضل هو البنفسجي لان الميدالية المعلقة على حقيبتك لونها بنفسجي. تحبين ارتداء الملابس الضيقة لان فستانك ضيق ويكاد يتقطع عند منطقة البطن. اما الطول والوزن فهو تقدير شخصي. لديك هوس بمظهرك وتحبين ان تكوني جميلة دائماً لان علامات قضم اضافرك واضحة للعيان وهي تشير الى متلازمة اونيكوفجي onychophagy.
سام : انت حقاً بارع بعملك، شيء لا يصدق. اتمنى ان لا تستطيع تحديد نوع ملابسي الداخلية.
سامي : هذا شيء يسير انت ترتدين سروالاً من نوع جي ست...
وضعت يدها على اذنيها كي لا تسمع ما يقول فتوقف عن اكمال تحليله وقال،
سامي : انا آسف.
والآن دعني اسألك، قلت انك ستزور طبيبتك ولكن هل ستقيم عندها؟
سامي : كلا، انا لا استطيع ان اسكن عند الدكتورة پالمر لانها تعيش بشقة صغيرة جداً بعد ان تقاعدت من ممارسة الطب. هي تعيش الآن بمرتب تقاعدي متواضع. انا ساسكن بفندق يدعى كازابلانكا. لانه قريب من شقتها.
سام : اما انا، فساسكن ببيت امي ابيكيل لانه كبير جداً ويحتوي على 26 غرفة نوم. هي دائماً تخصص لي جناحاً كاملاً يتالف من غرفة نوم وصالة وحمام خاص بداخل بيتها الكبير متى ما زرتها.
سامي : اتمنى لك لحظات سعيدة مع امك.
ودعت سامي وشكرته على تحليلاته والوقت الممتع الذي قضته معه ثم رجعت الى مقعدها في المقطورة (ف) وبقيت جالسة تطالع المناظر الجميلة للريف الانجليزي من الشباك لكن الجو كان كئيباً والسماء ممطرة إذ ان حبات المطر كانت تلتصق بالشباك وتسيل الى الخلف محدثةً خطوطاً متوازية تبدو وكأنها انهار صغيرة. اخرجت كتابها بعنوان "اضواء المدينة" الذي بدأته منذ بضعة ايام وصارت تقرأه بشغف. كان الكتاب عبارة عن قصة غرامية حزينة تحكي عن شاب فقير متسكع يرى فتاة عمياء تبيع الورد على قارعة الطريق فيقع بحبها من اول نظرة فيتتبعها الى بيتها ليكتشف انها تعيل جدتها المسنة في منزل متواضع. يدخل حياتها ويسألها فتقول له انها تود ان تجمع المال كي تجري عملية جراحية لاستعادة بصرها. فيقرر صاحبنا ان يقدم لها المال باي طريقة كانت. بالبداية يعمل كزبال ثم يعمل كملاكم مما يعرضه للضرب المبرح ثم يحصل على مبلغ كبير من المال يعطيها لحبيبته كي تجري العملية. وبعد ان اجرت العملية وابصرت لم تتعرف عليه."
بعد مرور ساعة أعلِنَ بالمذياع انهم شارفوا على الوصول الى محطة مدينة ماركيت. مسحت سام دموعها ووضعت كتابها بحقيبتها اليدوية وانزلت حقيبة ملابسها من الرفوف العليا استعداداً للنزول من القطار. توقف القطار تماماً فبدأ الركاب يغادرون المقطورات، سارت سام معهم حتى دخلت صالة المحطة ثم خرجت من هناك الى الشارع. اشارت بيدها فاوقفت سيارة اجرة. وضعت حقيبتها بصندوق السيارة ثم جلست على الكرسي الخلفي. دخل السائق امام المقود على جهة اليمين ونظر اليها وسألها،
السائق : الى اين وجهتك؟
سام : 40 نورث بارك رود لو سمحت. اتعرفه؟
السائق : بالتأكيد.
تحركت سيارة الاجرة وصارت تسير بشوارع ماركيت الجميلة. بقيت تطالع المحلات التجارية والشوارع العريضة تستعيد منها ذكريات طفولتها فهي تعرف كل الشوارع وكل الازقَة بالمدينة الساحلية الخلابة. وقبل ان يصلوا الى الشارع الذي يكمن فيه بيت امها علمت ان سيارة الاجرة ستستدير يميناً حتى ان سائق السيارة لم يحبط توقعاتها فاستدار يميناً ليبرز لها البيت. ولكن عندما دخلت الشارع صار البيت امامها وقد تبدل لونه الى الازرق. شعرت بخيبة امل كبيرة لكنها قالت، "ربما ملت امي من اللون الابيض فدهنته بالازرق، دعنا نرى". وقفت السيارة امام البوابة الرئيسية للبيت فخرجت منها ورجعت الى مؤخرتها لتسترد حقيبتها. سارت السيارة، فسحبت حقيبتها ورائها ثم ضغطت على جرس الباب ووقفت تنتظر سماع صوت امها من خلف المذياع. لكن احداً لم يرد عليها او يفتح لها الباب. عادت فضغطت على الجرس ثانية ووقفت تنتظر. هذه المرة ايضاً لم يفتح لها احد الباب. انتابها غضب كبير فاستدارت وعادت ادراجها باتجاه الشارع الرئيسي. اوقفت سيارة اجرة مارة من امامها وركبتها فسألها السائق،
السائق : الى اين يا انسة؟
سام : خذني الى اي فندق على ان لا يكون غالي الثمن لو سمحت.
سارت بها سيارة الاجرة وبدأت تتجول بشوارع مار كيت ثم وقفت امام احدى الفنادق فنزلت ودخلت الفندق ساحبة حقيبتها ورائها. سألت لدى الاستعلامات،
سام : هل لديكم غرفة شاغرة؟
الاستعلامات : اجل يا انسة.
سام : اريد غرفة لو سمحت.
الاستعلامات : مفرد لو مثنى؟
سام : مفرد.
الاستعلامات : ساعطيك غرفة في الطابق الثاني.
سام : جيد، كم يبلغ ثمن الغرفة؟
الاستعلامات : انها 31 جنيهاً بالليلة.
سام : يا الهي! حسناً اريدها لليلتين فقط.
اكمل موظف الاستعلامات اجرائات التسجيل وتسلم منها مبلغ 62 جنيهاً ثم اعطاها مفتاحاً تدلت منه قطعة معدنية طويلة وثقيلة. سارت نحو المصعد وضغطت على الرقم 2 فصعد بها للطابق الثاني حيث انفتح الباب لتخرج منه وتسير بالممر حتى عثرت على غرفتها 206. دخلتها وكان منظر السرير يناديها ويسحبها اليه سحباً كالمغناطيس. القت بكل امتعتها على الارض وارتمت على وجهها لتنام نوماً عميقاً. باليوم التالي استيقظت مبكراً لكنها فضلت البقاء في السرير لانها لم تتمكن من الوقوف على قدميها حتى سمعت اصوات صراخ مرتفعة تأتي من الممر خارج الغرفة. وقفت بالقرب من بابها لتتسنط من خلاله كي تعرف سبب الزعيق وتشبع فضولها. تبين لها انه شجار بين رجل وامرأة. تغلب عليها الفضول وارادت ان تعرف المزيد عن سبب الشجار. فتحت الباب فرأت منظفة الفندق واقفة امام بابها وهي في حيرة من امرها. سألتها،
سام : ما الامر؟ هل هناك مشكلة؟
المنظفة : اعتقد انه شجار. السيدة التي في الغرفة المجاورة اكتشفت ان زوجها يتحدث بلطف كبير مع موظفة الاستعلامات فقامت بضربه بحقيبتها اليدوية ثم دخلا غرفتهما واكملا شجارهما بداخل الغرفة.
بهذه الاثناء لمحت رجلاً يبتعد عنهما. كان شكله ولون شعره يشبه الشاب الوسيم الذي التقته بالقطار. فنادته وقالت، "توقف، هأي انت توقف". الا انه لم يستجب لندائها واستمر بالسير مبتعداً عنها باتجاه المصعد. ركضت ورائه فامسكت بكتفه وادارته واذا بها تتأكد انه نفس الرجل الذي قابلته بالقطار لكنه بدأ يصرخ،
سامي : لا تلمسيني، لا تلمسيني، لا تلمسيني.
سام : لماذا تبعتني؟ اخبرني. من الذي بعثك كي تتبع تحركاتي؟ تكلم.
وضع يديه على اذنيه وصار يقول،
سامي : لا تصرخي، لا تصرخي، لا تصرخي.
سام : حسناً انا لن اصرخ ولكن قل لي، لماذا تتبعني؟
سامي : انا لم اتبعك. جئت لازور طبيبتي الدكتورة پالمر. الدكتورة پالمر تكون طبيبتي. هي انسانة طيبة متقاعدة.
بدأت سام تشعر ان هناك مؤامرة تحاك ضدها، نظرت حولها فرأت نزلاء الفندق الذين خرجوا من غرفهم وصاروا يتفرجون عليهما فقالت لهم،
سام : رجاءاً اتصلوا بالشرطة. هذا الشخص يلاحقني ويريد ان يلحق بي الاذى.
اخرج احد النزلاء هاتفه المحمول من جيبه فوراً وطلب الشرطة وكأنه كان يتوق لعمل ذلك حتى يخبرهم بما يجري هنا بالفندق. اغلق الهاتف وقال،
النزيل : الشرطة في طريقها الينا.
سام : سنرى ما هي المؤامرة ومن الذي ارسلك لكي تتبعني.
وما هي الا دقائق وانفتح باب المصعد فخرج منه رجل شرطة لا يقل عمره عن 60 سنة. قال،
الشرطي : ما الامر؟ ماذا يجري هنا؟ لماذا اتصلتم بنا؟ من الذي اتصل؟
النزيل : انا اتصلت بك سيدي بناءاً على طلب من هذه الآنسة التي تقول ان هذا الرجل قام بالاعتداء عليها.
هنا تدخلت سام وقالت،
سام : انا لم اقل ذلك. فقط قلت انه يطاردني. بالامس التقيته بالقطار في طريقنا الى ماركيت واليوم رأيته يتبعني بالفندق.
الشرطي : هل تحدث معك هنا؟ هل طرق بابك؟ هل راقبك وتابعك بعينه؟
سام : كلا، انا رأيته فقط وهو يبتعد عني بالممر ولما ناديته استدار وتأكدت انه نفس الشخص الذي التقيته بالقطار.
نظر الشرطي الى سامي وسأله،
الشرطي : هل هذا صحيح؟
سامي : انا لم اتتبعها، لم اتتبعها، لم اتتبعها، يا حضرة الشرطي، لو انك سألت لدى الاستعلامات ستجد انني حجزت غرفتي بالهاتف من لندن قبل اسبوعين. جئت لازور طبيبتي.
كان كلامه صادماً على سام لانه قال انه حجز بالفندق؟ ايعقل ذلك؟ هل جائت بطريق الصدفة الى نفس الفندق؟ سألت وقالت،
سام : ما اسم هذا الفندق؟
النزيل : انه فندق كازابلانكا.
سام : يا الهي ماذا فعلت؟ انا آسفة جداً. اجل ما قاله هذا السيد هو الحق. لقد اخبرني انه سينزل بفندق كازابلانكا عندما كنا بالقطار.
الشرطي : ولماذا اخبرتينا انه يلاحقك إذاً؟
سام : لانني عندما جئت الى هذا الفندق بالامس، طلبت من سائق سيارة الاجرة ان يأخذني الى اي فندق بلا تحديد. ولما اوصلني هنا لم اتحقق من اسم الفندق. والا لكنت ساتذكر انه نفس الفندق الذي اخبرني عنه السيد سامي بالامس. ارجوك يا سيد سامي انا آسفة. ارجوك يا حضرة الشرطي، انا اعتذر. لقد قمت بحماقة كبيرة ليسامحني الجميع. انا غبية.
سامي : اجل اجل اجل انا قلت لها انني ذاهب الى فندق كازابلانكا عندما كنا بالقطار.
سام : لا عليك يا سامي. هل تذكرتني؟
سامي : اجل اجل اجل تذكرتك انت سامانثا جئت لتزورين امك وتعملين كسكرتيرة بمجمع للمحامين يسمى فارول اند فارول ولديك قطة سوداء وتقرأين القصص الرومانس وترتدين...
قاطعته وقالت،
سام : اجل، انت محق. تتذكر كل شيء قلته لك. لانك الا تنسى شيئاً؟
سامي : انا لا انسى شيئاً، لا انسى شيئاً.
الشرطي : إذا كان الخلاف كله مجرد سوء تفاهم فدعني اذهب وارجع لمركز الشرطة.
سام : شكراً لك وانا اكرر اعتذاري. يا، يا.
تفحصت شارته التي على صدره فقرأت اسمه وقالت،
سام : يا سارجنت كريمر.
نظرت بعين نزيل الفندق ورفعت حاجبها كي تقول له، "كفاك فضولاً" فعاد الى غرفته واغلق بابه. نظرت الى سامي وقالت،
سام : عزيزي سامي، انا جداً آسفة لما بدر مني فانا متوترة جداً. لقد ذهبت الى بيت امي ثم قرعت الجرس ولم يفتح لي احد. ربما لم يكنوا بالبيت!
سامي : هذا غير صحيح. هم لم يرغبوا بفتح الباب.
سام : احقاً ما تقول؟ ولماذا؟
سامي : يجب علينا ان نعرف السبب. ساتي معك بعد ان ازور الدكتورة پالمر. وعدتها بالامس ان اتناول الافطار معها اليوم.
سام : حسناً هذا هو رقم هاتفي. هاتفني حالما تنتهي من زيارتك للدكتورة.
نزل سامي بالمصعد بينما دخلت سام الى غرفتها وبعد نصف ساعة خرجت منها ونزلت الى الطابق الارضي. دخلت قاعة كتب عليها "المطعم" جلست على احدى الطاولات فجائتها نادلة وقالت،
نادلة : لدينا افطار انكليزي او قاري.
سام : اريد الافطار القاري مع شاياً ابيض لو سمحت.
ذهبت النادلة فصارت سام تستكشف المكان حولها فرأت خمس او ست طاولات مشغولة بنزلاء الفندق. اخرجت كتابها "اضواء المدينة" وصارت تقرأه. وبعد بضع دقائق رجعت النادلة تحمل بيدها صينية عليها فنجان شاي وزبدة وقطعة من الهلال (كرواسون) وحاوية زجاجية فيها مربى وقطعة خبز مدورة. وضعته امامها وسألت،
نادلة : هل هناك شيء آخر؟
سام : كلا، شكراً.
تناولت افطارها ثم رجعت الى غرفتها ودخلت الحمام وصارت تضع احمر الشفاه والكحل ثم عدلت ملابسها وارتدت معطفها ثم نزلت الى الطابق السفلي ثانية. سلمت نفتاح الغرفة الى مكتب الاستعلامات وخرجت من الفندق. رفعت رأسها الى الاعلى فقرأت يافطة الفندق والتي كتب عليها "فندق كازابلانكا، النوم والافطار" ابتسمت وقالت، "كانت فعلاً صدفة عجيبة". بدأت تسير بشوارع ماركيت لكنها وجدت نفسها تفكر بسامي وبتقاطيعه الجميلة وشعره البني وعيونه الخضراء. لكنها تبسمت وتسائلت، "لماذا افكر به؟ هل دق الجرس؟ لا ابدأ، مستحيل، هو شرطي وانا...وانا... لحظة واحدة اقصد يعمل لدى الشرطة وانا سكرتيرة. ولكن لماذا يجب ان يكون الشرطي مع الشرطية والسكرتير مع السكرتيرة والطبيب مع الطبيبة؟. لا استطيع ان اخفي اعجابي به. فهو ذكي لابعد الحدود واعاقته... واعاقته... ان صح التعبير فهي ليست اعاقة وانما هو غريب الاطوار بعض الشيء. يووووووه، لقد استعمر ذلك الشاب تفكيري كله. والآن دعني اذهب لامي وازورها. كلا، كلا قال سامي اننا سنذهب سوية. دعني ازور مدينة الالعاب واسترجع ذكرياتي من هناك فقد صرت على مرمى حجر منها. اعتقد ان اسمها كان (ارض الاحلام)"
دخلت مدينة الالعاب فقابلتها الالعاب الالكترونية ونافورة النقود. "كم خسرت نقودي وانا احاول ان اجعل جبل النقود يسقط كي اجني ثروة كبيرة. الا انهم صمموها كي تسرق المال ولا تعطيه. ومع ذلك فالذكريات جميلة حتى لو كانت مؤلمة، هي تضل جميلة متى ما استرجعناها".
سارت قليلاً فوجدت نفسها بالقرب من دولاب الهواء الكبير. "دعني اركب دولاب الهواء فانا اتذكر ان الفرد يستطيع رؤية بيت امي عندما تكون العربة باعلى الدولاب". وقفت بالطابور حتى جاء دورها فاجلسها العامل على الكرسي واغلق عليها قضيب الامان فتحرك الدولاب ليحمل المزيد من الركاب. ولما بدأ الدولاب يدور صارت تنظر باتجاه منزل امها كلما تصل الى القمة. لكنها باحدى المرات رأت سيارة امها الرصاصية الفخمة من نوع (بنتلي) تدخل المراب. فرحت كثيراً وعلمت ان امها رجعت للبيت. صممت ان تذهب الى المنزل فور حصولها على مكالمة هاتفية من سامي. هنا تسائلت، "لماذا انتظر سامي؟ فانا كنت ساكنة بذلك البيت كل فترة طفولتي؟" لكنها اقنعت نفسها وقالت، "بما ان امي قالت بالهاتف انها تريد مساعدتي فربما لديها مشكلة مع حفيدها. وبما ان سامي خبير في الشرطة فهذا يعني انه سيعرف كيف يتصرف بمثل تلك الحالات". تمشت قليلاً حتى رأت كشكاً صغيراً لبيع النقانق كتب على يافطته (الكلاب الساخنة). طلبت من البائع ان يعمل لها واحدة بالبصل والخردل مع الكيتشوب. فسألها،
البائع : اتريدين شرب اي شيء معه؟
سام : اريد قنينة ماء لو سمحت.
اخذت شطيرتها وتمشت قليلاً حتى جلست على اريكة خشبية كي تتناول الشطيرة. لكنها عندما ازالت المنديل الورقي منها سمعت رنين هاتفها فارتبكت وقالت، "هذا سامي". دست يدها بحقيبتها لتخرج الهاتف على عجالة فاسقطت الشطيرة على الارض. فتحت الهاتف وقالت،
سام : هل فرغت من زيارة الطبيبة؟
سامي : اجل، قلتِ انكِ تريدين الذهاب الى بيت امك. الا زلت تريدين ذلك؟
سام : اجل طبعاً. اين انت الآن؟
سامي : انا بالقرب من مدينة الملاهي. وانت؟
سام : انا بداخل مدينة الملاهي. ساخرج اليك فوراً. انتظرني رجائاً.
سامي : سانتظرك سانتظرك سانتظرك بالقرب من نافورة النقود، اتعرفينها؟
سام : اجل اعرفها جيداً. ساكون عندك خلال نصف دقيقة.
اغلق الهاتف بوجهها دون ان يودعها. فاستغربت لكنها ابتسمت وقالت، "يجب ان اتعود عليه". التقطت شطيرة النقانق من الارض ورمتها بحاوية النفايات ثم سارت باتجاه بوابة الخروج فرأته واقفاً هناك، بدأ شعوراً غامراً بالسعادة ينتابها ويعصف بقلبها. كانت تجربة لم يسبق ان مرت بها مع حبيبها السابق اريك. اما سامي فقد كان لديه سحر غامض يصعب عليها ترجمته. هل هي معجبة بصفاء قلبه ام باخلاقه العالية ام بتلقائيته اللا محدودة ام ربما بوسامته وذكائه.
سام : هل تأخرت عليك؟
سامي : اجل، قلت نصف دقيقة وتأخرتِ دقيقة و14 ثانية.
سام : انا آسفة على التأخير. دعنا نذهب الآن.
استقلا سيارة اجرة وطلبت من السائق ان يأخذهما الى 40 نورث بارك رود. لم تستغرق الرحلة سوى خمس دقائق حتى وصلا منزل امها. انزلتهم سيارة الاجرة ورحلت. ضغطت سام على الجرس وبعد قليل سمعت صوت رجل بالمذياع يقول،
الرجل : من هناك؟
سام : اهذا انت يا بورس؟
بورس : اجل ومن انتِ؟
سام : انا سام. جئت بالامس من لندن كي ازور امي ابيكيل. هل هي بالبيت؟
بورس : ادخلي يا سام.
ضغط سام على زر القفل فانفتح الباب. دخلت سام مع سامي وسارت بالممر المحاذي للحديقة الامامية وقبل ان تطرق الباب فتح الباب رجل يبدو عليه بسن 30 او 31 وقال،
بورس : تعالي يا سام.
همت سام كي تضمه الى صدرها الا انه صدها براحتيه وقال،
بورس : ماذا تريدين؟ لماذا جئت الى هنا؟ ومن هذا الذي معك؟
سام : ما هذه المقابلة البذيئة يا بورس؟ هذا الشخص صديقي اسمه سامي.
مد سامي يده كي يصافح بورس الا ان بورس لم يأخذ بيده وقال،
بورس : جدتي توفت قبل يومين.
سام : مـــــــــــاذا؟ ماتت؟ كيف؟ لقد تحدثت معها بالهاتف قبل ثلاثة ايام. كانت تبدو بصحة جيدة.
بورس : الموت لا يعطي انذار احياناً.
همت سام بالدخول لكن بورس وضع يده حاجزاً امامها وقال،
بورس : الى اين؟
سام : انا داخلة للبيت. ما مشكلتك؟
بورس : هذا بيتي انا الآن. وبامكاني ان أدخِلَ اليه من اشاء.
سام : وكيف لا تسمح لي بالدخول؟ انا تربيت...
قاطعها بكل وقاحة وقال،
بورس : لم يعد لك مكان ببيتي. لقد قامت جدتي بالكثير من الحماقات وبددت اموالها كي تربي متسولين ببيتها. ولكن زمن الحماقات قد ولى. الآن وقد ورثت البيت عنها سوف لن ادع الرعاع مثلك الدخول الى هنا. هيا ارجعي من حيث اتيت وتسولي بعيداً عني.
شعر سامي ان من واجبه التدخل والدفاع عن سام قال،
سامي : ارجوك يا سيد بورس تكلم بادب مع السيدة سام فهي لم تقل ادبها معك.
بورس : اذهب انت ايضاً ايها المتخلف ذهنياً.
تقدم خطوة الى الامام ورفع يده كي يصفع سامي، الا ان سامي امسك بيد بورس وقال له،
سامي : ارجوك لا تفعل ذلك. فسوف ترتكب جنحة إذا فعلت.
لكن بورس لم يمتثل لتحذير سامي وسدد له لكمة سريعة وقوية. سحب سامي بدنه الى الخلف لتذهب لكمته بالهواء. سدد بورس لكمة ثانية الى سامي فسحب بدنه الى الخلف ثانية وتكرر المشهد. علم بورس وقتها ان سامي ليس انساناً ضعيفاً كما يبدوا. نظر الى سام وقال بصيغة الامر،
بورس : خذي قمامتك وارحلي من هنا ايتها المتسولة الحقيرة.
دخل البيت واغلق الباب. صارت سام تبكي وعادت ادراجها نحو الباب الخارجي. تبعها سامي وقال،
سامي : لا عليك يا سام، لا عليك يا سام، ارجوك لا تبكي، هذا الشخص فظ الاخلاق. لا تبكي ارجوكِ انت افضل منه خلقاً. لانه لو كان يقيّم للسنين التي عشتوها معاً لما نعتك بمثل هذه الصفات. ارجوك لا تبكي. لكن لديه الحق ان يستقبل اي شخص ببيته الآن.
سام : لكن يا سامي هذا البيت ملكي انا. فلقد اخبرتني امي ابيكيل انها سجلت بيتها باسمي.
سامي : ربما تراجعت عن قرارها وعادت فسجلته باسم اخوكِ، اقصد ذلك الشخص المدعو بورس.
سام : لا يمكن يا سامي، انا متأكدة ان هناك امر مريب في القضية. فامي لا تغير رأيها مهما حصل.
سامي : سنتحقق من ذلك فيما بعد. كوني مطمئنة ولا تحزني ارجوكِ فان حزنك يسبب لي الالم.
خرج الاثنان من بوابة البيت الرئيسية، اوقفوا سيارة اجرة ورجعوا بها. دخلا باب الفندق الزجاجي فقالت،
سام : تعال معي الى غرقتي يا سامي فانا مستائة وحزينة جداً، لا اريد ان ابقى وحدي.
سامي : حسناً حسناً حسناً ساتي معك.
دخل الاثنان غرفة سام فجلست هي على سريرها بينما جلس هو على الكرسي امامها لتكمل بكائها وصارت الدموع تنهمر من عينيها. مد سامي يده ومسح دموعها بيده بكل حنان وصار يقول لها،
سامي : ارجوك لا تبكي. انا هنا عندك يا سام. لا داعي للبكاء ارجوكِ.
سام : هل رأيت ذلك السافل الحقير كيف كان اسلوبه بالحديث معي؟ لم ارى بحياتي انساناً فظاً مثله. كان هذا ديدانه منذ طفولته. هل لاحظت شيئاً يا سامي؟
سامي : اجل بالطبع اعتقد انه كان يكذب.
سام : هل تقصد ان امي لم تمت بعد؟
سامي : لا اعلم، لكنه عندما ذكر وفاة امك صار يحك رقبته ثم وجهه وهذا يدل على عدم الارتياح في صياغة جملته مما يشير الى اقباله على الكذب.
سام : وكيف سنعرف إذا كانت لا تزال حية؟
سامي : هذا امر يسير. بامكاننا ان نذهب الى بلدية ماركيت ونسأل هناك بقسم التسجيل المدني.
سام : حسناً ولكن ليس اليوم لانني متوترة جداً، اريد ان اتناول وجبة غدائي فانا اشعر بجوع مميت.
سامي : وانا جائع كذلك. دعنا نذهب لتناول الطعام. ما رأيك بوجبة السمك والبطاطة (فش اند ݘيبس)؟
سام : لا يا سامي اريد ان اجلس باحدى المطاعم واريح اعصابي حيث نأكل وجبة جميلة، ما رأيك؟
سامي : المطعم جيد، المطعم جيد، دعنا نذهب للمطعم. ولكن اي مطعم؟
سام : لا اعلم. اريدك ان تختار المطعم بنفسك.
سامي : حسناً انا اعرف مطعماً جيداً يقع بالقرب من الساحل. بامكاننا ان نتمشى اليه لانه ليس بعيداً عنا.
خرج الاثنان من الفندق وسارا باتجاه الساحل ثم انعطفا يساراً حتى وصلا الى المطعم. كتب على اليافطة (مطعم العوامة والمحار، إذا كنت غير راضِ عن طعامنا فلا تدفع الفاتورة).
سام : يبدو انهم واثقون من الطعام الذي يقدمونه حتى يكتبوا هذه الجملة على اليافطة.
سامي : كنت دائماً اتناول وجباتي هنا بهذا المطعم عندما كنت اسكن بماركيت. انا متيم بالاسماك.
سام : لست متيماً بالاسماك اكثر مني. فانا اعشق الاسماك كثيراً.
سامي : هذا يعني اننا اكتشفنا اول شيئ مشترك بيننا.
سام : هناك الكثير من الامور المشتركة بيننا يا سامي. أولاً تقارب اسمينا، ثانياً حبنا الغير متناهي للسمك، ثالثاً نحب تناول شطائر البيض مع الشاي في الصباح. هل تذكر؟
سامي : اذكر، اذكر، اذكر، عندما دلقت الشاي على قميصي وقمت بمسح القميص بمنديلك ثم ذهبت انا واشتريت شطيرتان لي ولك مع فنجان شاي ثم...
قاطعته وقالت،
سام : اجل اذكر كل ذلك. لقد كانت صدفة جميلة.
سامي : لم تكن جميلة لهذا الحد فقد اتسخ قميصي.
ضحك الاثنان وطلبا الطعام من النادل. قال سامي،
سامي : انا اقترح المحار في البداية كمقبل. ثم ساطلب سمك الحدّوق المشوي مع البطاطا المشوية بالفرن.
سام : وانا نفس الطلب.
جلسا ينتظران الطعام فاخرج سامي هاتفه النقال وصار يلتقط لسام صوراً ثم تركت كرسيها وجائت بجانبه قرّبَت وجنتها من وجنته حتى تلامست الوجنات فاخذا صورة مشتركة ثم عادت الى مقعدها.
احضر النادل المحار وجلب معه انصاف الليمون ثم وضعه امامهما. صاروا يعصرون الليمون فوق كل محارة ويأكلون ما بداخلها وفجأة صرخ سامي ووضع يده على عينه وقال،
سامي : اي، لقد تدفق عصير الليمون من بين اصابعك واصاب عيني.
سام : انا آسفة جداً. لم اقصد ذلك. ارجوك سامحني. دعني امسح عينك بهذا المنديل.
مسحت عين سامي بكل حنان لكنه بدأ يضحك وقال،
سامي : كنت امازحك يا سام. عيني بخير. لقد شاهدت هذه الحركة باحدى الافلام.
ضربته بيدها على كتفه وقالت،
سام : كم انت لئيم. تخيلت ان عينك احترقت من عصير الليمون.
بعد ان انتهوا من طعامهم اقترحت سام ان يتمشوا على الساحل. خرجا يتمشان سوية على الساحل فشعرت سام بالهواء البارد. خلع سامي معطفه ووضعه على كتفها. شعرت شعوراً غريباً عندما قام بهذا التصرف. فحبيبها السابق لم يحلم ابداً التصرف معها بذلك الكم من الحنان. ان يتخلى عن راحة جسده على حساب دفئها وراحتها. كانت تلك اللحظة قد حفّزت سام كي تحدد مشاعرها وتقرر اهو الاعجاب ام، ام، ام هو؟ لا لا مستحيل.
قضوا باقي اليوم كله وهم يسيرون ويتسكعون بالمدينة الصغيرة التي قضوا فيها طفولتهم. وعندما جاعا ثانية تناولا وجبة السمك والبطاطة من احدى الاكشاك بوسط المدينة. بدأ التعب والالم يدب باقدامهم واجسامهم قالت سام،
سام : لقد تأخرنا كثيراً والساعة الآن هي الحادية عشر ليلاً. دعنا نعود الى الفندق.
رجعا الى الفندق فودعها سامي خارج غرفتها وسار بالممر. دخل غرفته وغير ملابسه ثم دخل الحمام وصار يفرّش اسنانه. عاد ودخل سريره الا انه لم يتمكن من النوم فوراً بل استمر بالتفكير بسام وكيف مسحت عينه بالمنديل بكل حنان ضناً منها ان الليمون قد حرق عينه فابتسم وقال، "تصبحين على خير يا عزيزتي". باليوم التالي وفي تمام السابعة والنصف استيقظت سام على طرقاً قوياً ومتواصلاً على بابها. فتحت الباب فوجدت سامي واقفاً مبتسماً بوجهها يقول،
سامي : هيا استيقظي يا سام، دعنا نتناول وجبة الافطار.
سام : حسناً يا سامي ولكن امهلني نصف ساعة كي اغير ملابسي ثم التحق بك. انتظرني ببهو الفندق بالاسفل.
سامي : وهل يستغرق تبديل الملابس نصف ساعة؟
سام : نحن الاناث نحتاج لاوقات اطول منكم. حتى ان نصف ساعة قد تكون قليلة.
سامي : حسناً سانتظرك تحت بالقرب من مكتب الاستعلامات.
اغلق بابها وهبط الى الطابق السفلي ليجلس على احدى الكراسي امام المصعد ينتظرها. وبعد اكثر من نصف ساعة بقليل انفتح المصعد وخرجت منه سام وقد ارتدت فستاناً اخضراً قصيراً وحذاءاً اخضراً عالياً. كان مكياجها متواضعاً الا انه كان انيقاً فقد اختارته بعناية فائقة. ابتسمت بوجهه وقالت،
سام : هل تأخرت عليك؟
سامي : اجل اجل اجل قلت نصف ساعة لكنك تأخرتِ 37 دقيقة وربع.
سام : انا اعتذر. هيا دعنا نتناول وجبة الافطار.
اختارت طاولة بالقرب من الشباك وجلسا ينتظران النادل. جاء النادل واخذ طلبهما وذهب ثم عاد بعد قليل بفناجين شاي واناء مليء بالحليب. صب سامي الحليب وسألها،
سامي : ساصب الحليب بفنجانك وعليك اخباري متى اتوقف.
سام : توقف، هذا يكفي شكراً.
امسكت بالفنجان ووضعته على شفتيها، ترشفت منه فنظر اليها وركز عليها وهي تترشف منه. شعر ان امراً غريباً يزعجه لم يكن يعرفه. صار يحاول تحديد ذلك الامر ثم ادار رأسه بعيداً عنها. لاحظت سام انزعاجه واصابها الفضول فسألته،
سام : ما المشكلة يا سامي؟ هل انت بخير؟
سامي : كلا، انا لست بخير، انا لست بخير ابداً.
سام : لماذا. ما الذي يقلقك؟ هل تشكو من شيء؟
سامي : لا اعلم لا اعلم لا تسأليني ارجوك لا اعلم، انا متوتر جداً.
ادار سامي رأسه وصار ينظر من الشباك. ابتسمت سام وسحبت حنكه بسبابتها كي ينظر بعينها وسألته،
سام : هل الامر يتعلق بي؟
سامي : اجل اجل اجل انا لا اعلم ماذا يجري عندما اتطلع بعينيك. ينتابني شعور لم احسسه من قبل.
سام : اهو الاعجاب يا سامي؟ هل وقعت بحبي؟
سامي : لا اعلم لا اعلم لا اعلم انا فقط متوتر واشعر بانني اخاف عليك واود لو احميك وان لا اتركك تبتعدين عن عيني. فما هو هذا الشعور؟
سام : انه الشعور بالحب يا روميو؟ لقد استطعت ان القي القبض على قلبك.
سامي : انا لم افهم قصدك. كيف تلقين القبض على قلبي؟
سام : اقصد انك وقعت بحبي. اليس كذلك؟
ابتسم وادار وجهه بعيداً ولم يتمكن من الاجابة. ضحكت وامسكت بحنكه ثانية وادارته نحوها فصار ينظر بوجهها ثم قبلته من شفتيه قبلة قصيرة فوقف وقال،
سامي : ماذا فعلت؟ ماذا فعلت؟ ماذا فعلت؟
سام : هل اغضبك ذلك؟
سامي : اجل اغضبني لا لا لا لم يغضبني لكنه غير اعتيادي. انا لم... انا لم اعتد على...
سام : انت لم تقبل فتاة من قبل اليس كذلك؟
سامي : هذا صحيح، لم اقبل فتاة.
سام : وهل اعجبتك القبلة؟
سامي : اجل اعجبتني القبلة كثيراً ولكن ذلك لا يمكن ان يقع بيننا.
سام : لماذا يا سامي؟ هل انا بشعة لهذه الدرجة؟
سامي : بالعكس انت لست بشعة ابداً انت اجمل فتاة بكل الدنيا ولكن لا يمكن ان تقبلي واحداً مثلي. فانا اعاني من متلازمة اسبرجر. انا متوحد وانت طبيعية.
سام : بن كل الناس معوجون وغير طبيعيون ماعداك يا سامي. انت انسان ذكي طيب القلب وسيم، حنين، صادق ولا يهمني رأي الناس فيك.
سامي : انا وسيم؟
قالها وهو يبتسم بخجل.
سام : اجل انت وسيم جداً يا سامي.
سامي : هل هذا يعني اننا سنتزوج.
ضحكت قليلاً وقالت،
سام : تمهل يا سامي. لقد التقينا بالامس فقط. ربما نتزوج بالمستقبل إن توافقنا. دع الامور تسير مع الوقت وسوف نرى فانا ايضاً معجبة بك كثيراً.
سامي : اليوم اريد ان ازور الدكتورة پالمر هل تريدين ان ترافقيني؟
سام : بالطبع هذا سيسعدني جداً، سنزورها سوية وساتعرف عليها.
سامي : إذاً دعنا نذهب بعد الافطار مباشرة ما رأيك؟
سام : كلا يجب ان نشتري لها باقة ورد اولاً.
سامي : ولكن لماذ؟ حسناً انت تفهمين بهذه الامور الاجتماعية افضل مني. دعنا نشتري الورد. لا مانع لدي.
تجولا خارج الفندق قليلاً حتى عثرا على متجر لبيع الزهور اشتروا منه باقة جميلة وركبا سيارة اجرة فاعطى سامي عنوان الدكتورة. وعندما وصلا، ضغط سامي على الجرس الذي كتب عليه اسم الدكتورة پالمر فاجابتهم على المذياع وقالت،
پالمر : من هناك؟
سامي : انا سامي يا دكتورة.
پالمر : تفضل حبيبي سافتح لك الباب.
سُمِعَ ازيز الباب فدفعه فانفتح. ساروا بالممر ثم التفت سامي اليها وقال،
سامي : الدكتورة تسكن بالطابق الاول. هل تريدين ان نأخذ المصعد ام نتسلق السلم؟
سام : انا افضل السلم. دعنا نتريض قليلاً.
عندما وصلا طابقها وقفا امام باب منزل الدكتورة لكنه قبل ان يطرق الباب فتحته وقالت،
پالمر : اهلاً حبيبي تفضل، اوه لديك ضيفة جميلة معك؟
سامي : اجل انها صديقتي يا امي اسمها سام وربما ستصبح زوجتي بعد فترة من الزمن إن توافقنا. هل تأذنين لها بالدخول؟
پالمر : بالتأكيد، فصديقتك تكون صديقتي. تفضلي عزيزتي، ابريق الشاي على النار.
ادخلتهم الدكتورة الى الصالة وذهبت للمطبخ كي تحضر الشاي ولما رجعت وجدت سامي واقفاً بمنتصف الغرفة يحمل باقة الورد.
سامي : لقد احضرنا لك هذه الباقة ونتمنى ان تعجبك.
پالمر : تعجبني؟ انها رائعة. هي من نوع الزنبق الابيض الذي احبه كثيراً. كانت سكرتيرتي زوي تضعه فوق مكتبي كل صباح. شكراً لكما اعزائي.
سامي : شكرا لك يا دكتورة.
پالمر : والآن، الا عرفتني على الآنسة بشكل مفصل؟
سامي : اجل انها سامانثا ماكنتوش بامكانك ان تناديها سام. جائت معي بنفس القطار من لندن حيث التقينا لاول مرة وقد دلقت الشاي على قميصي بالخطأ.
پالمر : اتشرف بمعرفتك يا سام. هل قال ان لقبك ماكنتوش؟ هل لديك اي صلة قرابة من ابيكيل ماكنتوش؟
سام : اجل انها تكون امي. اقصد انها تبنتني وكنت اناديها امي تربيت مع حفيدها.
پالمر : اعتقد ان اسمه بورس اليس كذلك؟
سام : اجل سيدتي حفيدها اسمه بورس. يبدو انكِ تعرفيها.
پالمر : كيف هي احوال ابيكيل وكيف صحتها؟ هل هي بخير؟ منذ اكثر من سنة وانا لم احضى برؤيتها. فقد كنتُ طبيبتها قبل عشر سنوات ثم بعدت عني لانها قررت ان تسجل نفسها لدى طبيب آخر يدعى د.اولڨر هنتر.
سام : مع شديد الاسف، امي توفت قبل ثلاثة ايام يا سيدتي.
پالمر : يا الهي، ما هذا الخبر المحزن! انا اسفة جداً. تعازيي الحارة يا ابنتي. ومتى ستعملون مراسيم الدفن؟
سام : لا اعلم بعد لان بورس قابلنا بالامس مقابلة مشينة واراد الاعتداء على سامي ولم يتسنى لي الاستفسار عن امي. قال ان المنزل منزله.
پالمر : هذا غريب لانني اتذكر ان المرحومة قالت انها ستكتب البيت باسم ابنتها المتبناة اي انت. فلماذا غيرت رأيها؟
سامي : نحن ايضاً نتسائل يا دكتورة، وليس لدينا الجواب.
سام : ولكن كيف سنعرف إن كانت قد غيرت رأيها عن عدمه؟
پالمر : انا اعرف ابيكيل جيداً. فان اصولها من سكوتلندا وهي عنيدة كالبغل. إذا اتخذت قراراً فلا تتراجع عنه ابداً. اذكر يوماً انها قالت لي، "انا لا اتراجع عن رأيي حتى لو تأكدت اني على خطأ"
سامي : إذاً هناك امر غير منطقي بكل ذلك. تأكدي يا دكتورة انني ساحقق بالامر.
پالمر : انا مستعدة لان اساعدكما باي شيء تطلبانه مني.
سام : شكراً لك يا دكتورة. انا ممتنة منك.
پالمر : وانا سعيدة بعلاقتك مع سامي فهو بمثابة ابني الذي لم الده. لذلك ارجو ان تعتبريني مثل امكِ.
سام : يشرفني ذلك سيدتي.
سامي : اكتبي لي عنوان الدكتور اولڨر هنتر لو سمحت يا امي.
كتبت له عنوان الدكتور اولڨر هنتر ثم تناول الجميع الشاي مع البسكويت وجلسوا عندها قرابة الساعتين ثم ودعوها وخرجوا.
سامي : يجب علينا ان نزور مكتب الارشيف بالبلدية. هل تريدين ان تأتي معي؟
سام : اجل بالطبع فالامر يخصني مباشرة. دعنا نذهب.
ركب سامي وسام سيارة اجرة وتوجها بها الى البلدية. طرق سامي الباب ودخل مع سام. كان موظف الارشيف رجلاً مسناً يجلس خلف مكتب كبير وعليه الكثير من الملفات والاوراق وعلبة ملئى بالاقلام.
سامي : السلام عليك سيدي.
الموظف: وعليكم السلام تفضلا، كيف استطيع مساعدتكما؟
سامي : اردنا ان نستفسر عن السيدة ابيكيل ماكنتوش. هل كان البيت الذي تسكنه مسجلاً باسمها؟
الموظف: من انت وما صلتك بالموضوع؟
اخرج سامي شارته وقال،
سامي : انا المحقق الملازم اول ساميول كاربنتر من سكوتلانديارد. وهذه حبيبتي سامانثا ماكنتوش جائت بالامس الى ماركيت بامل ان تزور امها لكنها صدمت بخبر وفاتها. فهل بامكانك ان تخبرنا عنها؟
الموظف: رحمك الله يا ابيكيل، كانت انسانة عظيمة. اجل هذا صحيح، كان البيت باسم سامانثا ماكنتوش لكن ملكية البيت تغيرت قبل وفاتها واصبحت الآن باسم حفيدها بورس ماكنتوش.
سامي : هل قامت بالمجيء بنفسها وغيرت حجة البيت؟
الموظف: لا، جاء حفيدها بورس يحمل توكيلاً عاماً قام بتغيير الحجة. ان ذلك امر قانوني وطبيعي.
سام : ماذا لو ان امي لم تمنحه التوكيل سيدي؟
الموظف: لا اعرف ذلك. انا قرأت التوكيل بنفسي وكان قانونياً وموثقاً لدينا بالبلدية. اعدته لها محاميتها السيدة كارون فريزر.
هي محاميتها وتتولى شؤونها القانونية منذ سنين طويلة.
سامي : وماذا عن تسجيل الوفاة؟
الموظف: يجب عليك الاستفسار بالشؤون المدنية بالمكتب الذي يقابل مكتبي عبر الممر.
سامي : شكراً لك سيدي.
خرج سامي وسام من مكتب موظف التسجيل العقاري ودخلا المكتب المقابل الذي كتب عليه (الشؤون المدنية). قرع سامي الباب ودخل فقال،
سامي : السلام عليكم سيدي.
الموظف: وعليكم السلام تفضلا. انا اسمي مالكولم سميث، كيف استطيع مساعدتكما؟
سامي : اريد ان ارى معلومات عن وفاة السيدة ابيكيل ماكنتوش.
مالكولم : ما هي صلة القرابة بينك وبينها؟
سامي : هذه ابنتها سامانثا ماكنتوش. وانا حبيبها الملازم اول ساميول كاربنتر محقق في سكوتلانديارد.
مالكولم : لدي شهادة وفاة من طبيبها الخاص الدكتور اوليفر هنتر. الشهادة كتب فيها ان سبب الوفاة هو السكتة القلبية.
سامي : هل شرحت جثتها؟
مالكولم : ولماذا تشرح جثتها؟ السيدة ماكنتوش كانت كبيرة في السن وقد حصلنا على تقرير من طبيبها الخاص اوليفر هنتر الذي يعالجها منذ اكثر من 10 سنوات. كذلك عليها توقيع السارجنت جيمسن من شرطة ماركيت. فلماذا تشرح جثتها؟
سام : أين دفنت امي؟ اقصد باي مقبرة؟
تصفح الملف وقال،
مالكولم : انها لم تدفن.
ابتسمت سام وصاحت،
سام : هل ما زالت جثتها بالبيت؟ هل ساتمكن من تقبيلها وتوديعها؟
مالكولم : كلا، لقد أحرقَتْ. وقد قامت محرقة الحياة الابدية بحرقها.
سام : يا الهي، تموت ثم بعد يومين من موتها فقط يتم حرقها. ايعقل ذلك يا سامي؟
سامي : لا يا سام. هناك امر غير طبيعي. يجب ان ابحث بالامر. ساصل الى قاع القضية عاجلاً ام آجلاً. كوني مطمئنة.
سام : طالما انت معي يا سامي فانا مطمئنة. شكراً لك سيدي على المساعدة.
مالكولم : العفو. دعوني اقدم لكما تعازيي.
خرجت سام وسامي من مكتب الموظف ومئات الاسئلة تحوم فوق رأسيهما لكن سام عرفت ان الذي سيظهر الحقائق للسطح سوف لن يكون افضل من حبيبها سامي.
سامي : الآن اريد ان اذهب الى السوق لاشتري بعض الاشياء.
سام : حسناً دعنا نذهب الآن.
دخل سامي احدى المتاجر لبيع الالعاب يدعى (هامليز) وسأل البائعة،
سامي : اريد سبورة لو سمحتِ.
البائعة : لدينا سبورة معدنية سوداء باطار خشبي هل هذا يناسبك سيدي؟
سامي : اجل اجل اجل. وهل لديكم طباشير ملون؟
البائعة : نعم ها هي علبة الطباشير.
سامي : اريد ثلاثة علب. واريد كذلك شريط لاصق من الجهتين.
دفع سامي ثمن المشتريات والتفت لسام وقال،
سامي : لدي الآن كل ما احتاجه، دعينا نعود للفندق.
سارت سام خلفه وهي في حيرة من امرها لا تعلم لماذا اشترى كل هذه الاشياء.

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1273 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع