بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة (هذه فرصتك الاخيرة) الجزء الاول
التاريخ هو الاول من شباط 1987 الساعة الحادية عشر واربعون دقيقة ليلاً. كانت شيماء ذات الـ25 عاماً ملقاة على ظهرها بوسط الزقاق مقطعة الثياب مثقلة بالآلام ما بين الغيبوبة والوعي غير مدركة بما يدور حولها، تشعر ان جميع اغضائها قد نملت وتلاشت. نظرت الى الاعلى لتراقب النجوم وهي تتوارى بين كتل الغيوم السوداء. بقيت طويلاً بهذه الحالة حتى بدأت تستعيد وعيها قليلاً وتستوعب ما يجرى بحالها. نظرت حولها فرأت الظلام يخيمُ على كل شيء. المطر يهطل عليها بقطرات صغيرة جداً كالابر يغرق وجهها فتختلط معه دمعاتها وتضيع. عادت فرفعت رأسها الى السماء ثم نظرت حولها من جديد فلم تجد سوى حاوية نفايات نتنة تدلت منها اكياس شفافة، اوراق مقطعة، علب طعام فارغة وزجاجات نبيذ مكسرة مبعثرة. وضعت راحة يدها على الارض كي تستند عليها وتنهظ لكنها لم تقوى على ذلك فهوت وارتطم كوعها بالارض مسبباً لها الماً شديداً. استدارات بجسدها حتى اصبح صدرها يلامس الارض وبدأت تحبي على بطنها ببطئ شديد نحو الحاوية النتنة ولما بلغتها امسكت بعجلتها واستندت عليها ثم وقفت لكن الالم الذي بظهرها لم يسمح لها الوقوف باستقامة فتمّت منحية القامة هنيهة ثم امسكت بالحاوية القذرة واتكأت عليها لتنتصب واقفة بجذعها. نظرت الى الارض فشاهدت ملابسها المبعثرة بكل مكان فصارت تلتقطها وترتديها من جديد. وبينما هي تلبس بدأت تصل الى مسامعها اصوات بعيدة تأتي من المنازل بالزقاق المظلم. لم يخطر ببالها سوى ان تطرق على احدى الابواب وتطلب النجدة ولكن من ذا الذي سيقدم المساعدة لفتاة باكستانية بهذا الحي الابيض؟ لم يكن لديها الكثير من الخيارات كي تتبطر لذا امسكت باحدى مطارق البيبان النحاسية وطرقت بشدة. لم يستجيب احدٌ على طرقها فهوت بالمطرقة من جديد ثم بقيت واقفةً ترتعش من شدة البرد والالم لدقائق معدودة حتى يأست واستدارت لتحاول الطرق على باب منزلٍ آخر، لكن الباب انفتح فجأة وخرجت منه سيدة بيضاء اربعينية قالت:
السيدة : هل استطيع مساعدتك؟
شيماء : ارجوك اسعفيني. انا احتاج لمساعدة.
السيدة : ماذا بك؟ ماذا وقع؟
شيماء : لقد تم الاعتداء علي هنا امام منزلكِ قبل قليل. صرختُ واستغثتُ كثيراً لكن احداً لم يسمعني.
السيدة : يبدو عليك بحالة سيئة جداً. آثار عنف تبدو واضحة على وجهك وذراعيك والدم يسيل من انفك. ادخلي الى الداخل لو سمحتِ.
دخلت شيماء بيت السيدة الطيبة ببطئ شديد وما ان خطت خطوة واحدة بالداخل حتى خرت كالشمعة على الارض مغشياً عليها. صارت تحلم بالاعتداء اللئيم الذي وقع عليها للتو كما لو كانت تتابع مقطع فيديو وصار وجه الرجل يبرز امامها مراراً وتكراراً بينما كان يولج بها. كانت تصرخ وتستنجد وتتوسل وهو يضحك ويمطرها بكلماته النابية وتلميحاته اللئيمة الجارحة "اصمتي ايتها الفاجرة الووگ" هي تقول له اتوسل اليك اتركني ارجوك لكنه لم يستمع اليها بل كان قد اغلق اذنيه وعقله وضميره بعد ان انتصبت غرائزه وصار كالثور الهائج. كان يضحك ويقهقه وهو يولج بداخلها ويكرر كلمة "جميلة، جميلة". حاولت ان تدافع عن نفسها لكنه كان اقوى منها فلم تتمكن من الافلات من قبضته الشديدة. صارت تصرخ وتصرخ لكن احداً لم يسمعها كي يهرع لنجدتها. فجأة فتحت عينيها لتجد نفسها بالمشفى واصوات طنين الاجهزة يأتي من كل صوب. نظرت حولها لترى السيدة التي فتحت لها الباب جالسة بجانب سريرها ممسكة بكتاب تقرأه. ولما أحست ان شيماء قد استفاقت من غفوتها قامت من كرسيها ودنت من السرير،
هيذر : انا اسمي هيذر فروستومز، جئتِ الى بيتي تطلبين المساعدة فاتيت بك الى المشفى بسيارتي.
شيماء : شكراً لك يا سيدة فروستومز انا تعرضت لاعتداء دنيء.
هيذر : كم كان عدد المعتدين؟
شيماء : واحد فقط.
هيذر : هل قام بـ... اقصد هل...
شيماء : اجل، اجل،اغتصبني.
هيذر : لا تقلقي، نحن الآن بصالة الطوارئ والمشرفة الاجتماعية بالمشفى قالت بانها اخبرت الشرطة وهم في طريقهم الينا الآن.
نزلت شيماء من السرير ودخلت الحمام. مكثت بضع دقائق هناك ثم خرجت ورجعت الى سريرها. واصلت حديثها قائلةً،
شيماء : شكراً لك سيدتي. انا آسفة جداً لاني اخرجتك من بيتك بمثل هذه الساعة المتأخرة من الليل. كم الساعة الآن؟
هيذر : الواحدة بعد منتصف الليل. هل تسكنين هنا؟ اقصد بمدينة ليدز؟
وبهذه اللحظة دخلت ممرضة بدينة ترتدي بزة بيضاء قالت،
الممرضة : اتصلت الشرطة قبل قليل وطلبوا منا عدم معالجة جراحك وكدماتك لانهم في الطريق.
شيماء : لا تكترثي لكلامهم يا حضرة الممرضة. عالجيني ارجوكِ فانا اشعر بآلام كبيرة.
هيذر : هذا لا يجوز يا عزيزتي. الا تريدين ان يأخذوا عينات من دمك ومن السائل المنوي كي يضعون ذلك الساقط ابن الزانية بالسجن؟
شيماء : حتى لو فعلوا ذلك. فهو سيفلت من العقاب كما فعل بالمرة السابقة.
هيذر : مــــــــــــــــاذا؟ اتعرفين الجاني؟ هل سبق لنفس الشخص ان اعتدى عليك؟
اغمضت شيماء عينها وهزت برأسها وصارت الدموع تنهمر من عينيها بغزارة.
هيذر : كيف حصل ذلك ومتى؟
وبتلك اللحظة دخل رجل وامرأة بلباس الشرطة الرسمي ومعهم عنصرٌ آخر بلباس مدني يحمل معه حقيبة كبيرة. وضع الحقيبة على الطاولة واخرج منها كاميرا احترافية. وقفت الشرطية امام شيماء وقالت،
الشرطية : نحن من شرطة غرب يوركشاير المركزية. انا المحققة العريف بات وهذا المحقق العريف رودز وهذا المحقق ولكنز وهذه الضابطة الدكتورة فَيرݘايلد. جئنا كي نسألك عن الاعتداء الذي وقع عليك يا سيدتي. ارجو منك الرد على بعض الاسئلة لو سمحت،
بات : الاسم؟
شيماء : شيماء رسول جاد الله.
بات : تاريخ الميلاد؟
شيماء : 1/4/1962
بات : هذا يعني ان عمرك 25 سنة اليس كذلك؟
شيماء : اجل.
بات : الجنسية؟
شيماء : بريطانية.
بات : العنوان؟
شيماء : 24 شارع ولسون الثالث BD8 7SG / ليدز.
بات : هل لديك عمل؟
شيماء : اجل، اعمل عاملة في محل لكوي الملابس بنفس الشارع الذي اسكنه رقم 9.
بات : حسب علمنا ان السيدة هيذر فروستومز عثرت عليك امام بيتها بزقاق سافرون وقامت باحضارك للمشفى. ما الذي دفعك للذهاب الى زقاق سافرون؟
شيماء : كنت راجعة من عملي لانني كنت اعمل على الطلبيات المتراكمة التي اجبرني عليها مديري فاضطررت البقاء متاخرة لانهائها وتسليمها باليوم التالي. وزقاق سافرون على طريق منزلي.
بات : هل تعرفين اسم الشخص الذي اعتدى عليك؟
شيماء : اجل، اسمه سَلوِن ادمز.
بات : وكيف عرفت اسمه؟ اقصد هل اخبرك باسمه قبل ان يعتدي عليك؟
شيماء : لقد سبق وان قام باغتصابي قبل 5 سنوات.
بات : كيف يكون الشخص الذي قام بالاعتداء عليك اليوم هو نفس الشخص الذي اغتصبك قبل 5 سنوات؟ هل انت متأكدة؟
شيماء : اجل، كما اكون متاكدة من اسمي.
بات : اريدك ان تحكي لنا بالتفصيل ما حدث معك بالامس او قبل ساعات.
شيماء : ليس هناك الكثير. خرجت من محل عملي وسرت بنفس الطريق الذي اسير به كل يوم عائدة الى منزلي. ولما صرت بزقاق سافرون خرج لي فجأة فاندهشت كثيراً وتعرفت عليه فوراً. قلت له ماذا جاء بك الى هنا؟ الا انه لم يكترث لما قلت واقترب مني ثم صار يضع يده القذرة على نهدي ويسحبني اليه كي يقبلني. صرت ادفعه واتوسل اليه لكنه كان اقوى مني. بقي يسحبني الى عنده حتى صار يزيل ملابسي ولا يكترث لتوسلاتي فهددته بان اصرخ لكنه اخرج خنجره ووضعه على رقبتي واستمر بتعريتي حتى اصبحت بلا ملابس تماماً. انزلني ارضاً ودخل بي. كنت اتوسل اليه واخبره بان لا يفعل لكنه لم يكترث لما كنت اقول. بقي يولج بي والخنجر فوق رقبتي حتى اخذ ما اراد مني ثم تركني ووقف يغلق سرواله.
بات : هل اغتصبك بالمرة الاولى هنا بليدز ايضاً؟
شيماء : كلا، اغتصبني بمدينة برادفورد.
بات : ماذا حصل وقتها؟ احكي لنا القصة بالتفصيل.
شيماء : قبل اكثر من خمس سنوات كنت طالبة بالجامعة واسكن في منزل عائلتي بمدينة برادفورد. وكما تعلمون ان هناك اقلية كبيرة من الاسيويين. عائلتي هي من اصل باكستاني لكني ولدت ببرادفورد ولا اتكلم اي لغة غير الانكليزية. وعندما يكون هناك اقلية كبيرة تكون هناك عنصرية بشعة. المهم، كنت انا طالبة ادرس التاريخ بجامعة برادفورد وكانت جامعتي تبعد بضعة اميال عن منزلي لذا كنت استقل الحافلة كل يوم في الذهاب والاياب. والدي يملك مطعماً باكستانياً يرتزق منه وكان محبوباً لدى جميع افراد المنطقة من البيض وغير البيض الا ان بعض الشبان العنصريين كانوا يتسكعون باغلب احياء برادفورد ومن بينها حينا. جلب انتباهي لفترة غير قليلة رجلاً طويل القامة ابيض البشرة احمر الشعر نحيف البنية له لحية خفيفة ووجه قذر يبرز امامي اينما ذهبت ويمطرني بكلماته النابية وصفات عنصرية مكروهة. كنت اتجاهله ولا انظر بوجهه الا انه كان مصراً على مضايقتي وازعاجي.
بات : ما هي الصفات العنصرية؟
شيماء : كان يستعمل كلمة ووگ (WOG) كثيراً.
بات : لماذا ابقيت ذلك لنفسك؟ لماذا لم تخبري احداً عنه؟
شيماء : لقد اخبرت عائلتي وصديقتي المقربة حفصة وبعض من زملائي بالجامعة اخبرتهم جميعاً بما حصل معي لكنهم نصحوني بتجاهله والابتعاد عنه وعدم الاكتراث بتلميحاته وتهديداته. اخبرت حبيبي حسن الذي احببته حباً عذرياً لاكثر من ثلاث سنوات لكنه لم يختلف عن الباقين بشيئ. قال ان ذلك التافه سوف لن يجرؤ على عمل شيء لانه جبان. لكن الحقيقة ان حبيبي حسن كان هو الجبان ولم يشأ ان يلتحم معه كي يحميني. والان دعيني اكمل لك القصة: في يوم من الايام وبينما كنت راجعة الى البيت بوقت متأخر من مكتبة الجامعة. دخلت في متنزه كي اقصر المسافة على نفسي في طريقي نحو موقف الحافلات. الا ان ذلك الحقير كان يترصد لي بداخل المتنزه. خرج امامي فجأة وبدأ يضربني ضرباً مبرحاً ثم طرحني ارضاً وبدأ يقطّع ملابسي الواحدة تلو الاخرى واثناء ذلك كان يمطرني باقذر وابشع الكلمات التي يصعب علي تكرارها. كنت اصرخ واستنجد لكنه كان يهددني بخنجره ويتوعدني بالذبح إن لم اسكت. بقينا على هذه الحالة لما يقرب من عشرين دقيقة حتى اخذ ما اراده مني.
بات : اتقصدين انه اغتصبك؟
شيماء : اجل اغتصبني وتركني عارية ثم وقف وتبول على كامل جسدي بينما كنت ملقاة على الارض ملطخة بدمي وهرب بين ثنيات الليل.
بات : وماذا حصل بعد ذلك؟
شيماء : حاولت ان اغطي جسدي بملابسي المقطعة ومشيت ببطئ شديد اجرجر اقدامي خلفي باتجاه اقرب مركز للشرطة. لا اعلم كيف عثرت عليه لكن كل ما اذكره انني دخلت المركز واخبرت العريف بما حصل فصار يدون اقوالي ثم طلب مني الجلوس على الكرسي امامه حتى يأتي الطبيب العدلي. وبعد اكثر من ساعتين دخل الطبيب وطلب مني ان اخلع جميع ملابسي او ما تبقى منها. ترددت في البداية الا انني بالنهاية اذعنت لما طلب مني املاً بان يساعدهم في القبض على المجرم. التقط صوراً للكدمات التي كانت موزعة على كامل جسدي ووجد ان العملية الجنسية كانت قد اخذت عنوة دلالة على وجود اغتصاب. بعد ان انهى الطبيب كل اجرائاته طلب من ممرضته ان تساعدني كي ادخل الحمام واغتسل لان رائحتي كانت مقززة من البول الذي كان يغطي كامل جسدي.
بات : وماذا حصل بعد ذلك؟
شيماء : بعد ان اعطيتهم اوصاف المجرم ومكان وقوع الحادث. ارسلوا فريقاً من عناصر المخبر الجنائي الى موقع الحادث واعطوني بعض الملابس من عندهم ثم طلبوا مني ركوب سيارة شرطة كي تأخذني الى منزلي لكني رفضت.
بات : ولماذا رفضت فالوقت كان متأخراً وانت كنت تعانين من آلام كبيرة وكدمات بكامل جسدك؟
شيماء : كنت اخاف ان تعرف عائلتي بما حصل فتقوم بضربي هي الاخرى او حتى قتلي حفظاً للعرض.
بات : لكنك لست مذنبة فالرجل هو الذي اعتدى عليك وليس لك ذنب بما حصل.
شيماء : هذه هي عاداتنا البالية وتقاليدنا المزرية، الفتاة يجب ان تبقى عذراء حتى يوم زفافها. ماذا اعمل؟
بات : وماذا قلت لعائلتك عن حالتك المزرية عند وصولكِ إذاً؟
شيماء : قلت لهم انني تعرضت لحادث دهس بالطريق فساعدني بعض الناس واعطوني ملابس من عندهم. وقلت لهم ايضاً ان السائق الذي دهسني هرب من موقع الحادث.
بات : ماذا حصل بعد ذلك؟
شيماء : باليوم التالي قام احد اصدقاء والدي باخباره عن الاعتداء بالتفصيل لانه قرأه باحدى الجرائد المحلية فجاء والدي للمنزل وهو يستشيط غضباً. صار يناديني ويكرر باعلى صوته "شيماء الزانية اين انت يا شيماء الزانية" حتى نزلت من غرفتي فامسك بشعري وانزلني ارضاً. صار يركلني بقدمه ويضربني بقبضة يده بقسوة كبيرة. اعتقدت وقتها انني ساموت من شدة الضرب. استلمني بعد ذلك اخي الاصغر وصار هو الآخر يؤدي واجبه الديني والاخلاقي وصار يضرب بكل ما اوتي من قوة. كنت كالشاة المنذورة للذبح. الجميع يتفرج على ذبحها ويتلذذ بالمنظر وكانهم ينتظرون حصتهم من اللحم. حتى والدتي التي كانت اكثر حناناً عليّ من اي انسان في هذه الدنيا، وقفت تنظر بحقد كبير وتعابير وجهها تقول دعها تموت دعها تتمزق ويتبخر عنا هذا العار.
بات : بعد ذلك؟
شيماء : بعد ان تلقيت قسطاً هائلاً من الضرب والركل والتوبيخ والاهانات والكلمات النابية تركوني اسبح بدمي بعد ان امرتهم امي بالقائي خارج الدار كما لو كنت كيساً من القمامة. بعدها جائت احدى الجارات الباكستانية بحيّنا وساعدتني على الوقوف، اتكأت على كتفها ومشينا الى منزلها الذي كان يبعد بضعة منازل عنا. هناك ضمدت جراحي وبقيت معها لمدة اسبوعاً كاملاً دون ان يسأل عني اي احد من اهلي. بعد ذلك، ذهبت الى مركز الشرطة كي استفسر عن الجاني فاخبروني بانهم امسكوا به وانهم سيصفّونه مع بعض الرجال باستعراض لتحديد الهوية خلف المرآة كي احاول التعرف عليه. وقف 8 رجال امامي وطُلِب مني ان اتفحص وادقق بوجوههم كي اتعرف على الجاني. نظرت الى الرجال الثمانية امامي وبدأت أحدق بوجوههم بالتسلسل وعندما وصلت الى الرجل رقم (5) قلت "هذا هو" فامره الشرطي بالمذياع ان يتقدم خطوتين الى الامام. قلت، "يا الهي انه هو هذا الوحش القذر هو الذي اغتصبني". طلب مني الشرطي ان ادقق بوجهه جيداً وان انظر اليه مرة ثانية لكنني اخبرته بانني متأكدة دون ادنى شك. لذا اخرجوني الى غرفة ثانية وسقوني ماءاً وطلبوا مني ان ازودهم بعنواني لانهم اتصلوا بعنوان عائلتي فاخبرتهم والدتي بانني لم اعد اسكن بذلك العنوان. لذا قمت باعطائهم عنوان جارتنا التي آوتني عندها.
بات : وماذا حصل بعد ذلك؟
شيماء : تحدث معي نائب المدعي العام وقال أن امكانية كسب القضايا من هذا النوع ستكون صعبة للغاية. لكنني كنت مصرة على محاسبة الجاني وتقديمه للعدالة. بعثت لي المحكمة موعداً والذي صادف 3 اشهر بعد وقوع الحادث. وبيوم انعقاد الجلسة بالمحاكمة جاء المتهم لابساً بدلة سوداء انيقة وكان قد حلق رأسه وذقنه. منظره كان يوحي الى انه رجل مهم في المجتمع. محاميه كان بارعاً جداً واكد للمحكمة ان الحادثة لم يكن فيها شهود وانه يتلخص بـ (كلمتي ضد كلمته) لان المتهم لم يكن يعرفني ولم يرني من قبل في حياته وانه كان بصحبة عدد كبير من اصحابه المقربين وقت وقوع الحادث. سألوا جميع زملائي عما إذا قمت انا باخبارهم بملاحقة ذلك الوغد لي فانكروا جميعاً خوفاً من انتقام المجرم حتى حبيبي حسن كان مع باقي المنكرين. دامت المحاكمة ثلاثة شهور. بعد ذلك اصدرت المحكمة حكماً بتبرئة المجرم السافل واخلاء سبيله.
بات : وبعد ذلك؟
شيماء : اكتشفت انني حامل من ذلك الوغد السافل.
بات : وكيف عرفت انك حامل من المغتصب؟
شيماء : لانه لما اغتصبني كنت عذراء ولم يمسسني رجل من قبل كما اخبرتك قبل قليل. لذلك اخبرت جارتي التي كنت عندها. وبعد مدة قالت جارتي بانها تتعرض للكثير من النقد والاستهزاء والتهكم اللاذع من قبل باقي الجيران بالمنطقة بعد ان بدأت بطني تنتفخ، كانوا يقولون انها قامت بفتح ملهى للدعارة بمنزلها. لذلك طلبت مني ان اجد سكناً آخر قبل ان الد طفلتي. قامت باعطائي مبلغاً جيداً من المال وودعتني بكل حب واعتذرت لتصرفها معي بهذه الطريقة. تفهمت سبب تصرفها فخرجت من بيتها وكنت قد قررت مغادرة مدينة برادفورد برمتها. وقع اختياري على مدينة ليدز لانها مدينة كبيرة وسوف لن يتعرف علي احد هناك. فور وصولي الى ليدز بقيت في فندق رخيص من نوع B&B اي (النوم والافطار) لعدة ايام حتى عثرت على غرفة صغيرة بعمارة من 4 ادوار. سكنت فيها شهراً واحداً فقط حتى ولدت ابنتي بهار ثم تعرفت على جارتي فلستي سميث السيدة العجوز ذات القلب الطيب. كانت تسكن وحيدةً ببيتها القريب من عمارتي فدعتني كي انتقل واسكن معها ببيتها فوافقت. وبعد مدة قصيرة عثرت على عمل في محل لكوي الملابس بنفس الشارع الذي اسكن فيه وبدأت اعمل هناك بينما كانت هذه السيدة تساعدني بكل شيء وتجالس ابنتي عندما اكون بالعمل. بقيت اعمل بذلك المحل لمدة 5 سنوات دون ان اصادف اي مشكلة.
بات : هل كانت السيدة فلستي سميث بيضاء البشرة؟
شيماء : اجل انها بيضاء كالثلج. لكنها كانت وحيدة وليس لها اي اقارب او اولاد يسألون عليها. لذلك اعتبرتني مثل ابنتها ولم تأخذ مني اي اموال مقابل سكني عندها.
بات : هل اتصل بك احد من افراد عائلتك خلال تلك الفترة؟
شيماء : ابداً. بالنسبة لهم كنت انا ميتة ولا يريدون سماع اخباري لانني لوثت شرف العائلة وفقدت عذارتي بسبب الاغتصاب.
بات : والآن اريد منك ان تسمحي للدكتورة فير ݘايلد كي تفحصك.
الدكتورة فير ݘايلد : اريد ان اخذ عينة من السائل المنوي الذي بمهبلك.
شيماء : لماذا؟
الدكتورة فير ݘايلد : كي نستطيع ان نطابق الحمض النووي الـ DNA للمعتدي.
شيماء : وما هو الـ DNA يا دكتورة؟
الدكتورة فير ݘايلد : انه اكتشاف جديد توصل اليه العلماء العام الماضي اي عام 1986. وقد استعمل في البحث الجنائي من قبل دكتور يدعى جفريز. استعملت البصمة الجينية في قضية حادثتي اغتصاب وقتل وقعت مابين عامي 1983 و1986. العملية بسيطة جداً نقوم بمطابقة البصمة الجينية للسائل المنوي الذي بداخل مهبلك مع عينة نأخذها من الجاني. وبذلك نتأكد من صحة كلامك مما يعطينا دليلاً مهماً وقاطعاً يمكّننا من ادانة المتهم وتلقيه العقاب الذي يستحقه.
شيماء : ولكن يا دكتورة انا قمت بالاغتسال تماماً اي انني قمت بتنظيف المنطقة بشكل كامل.
الدكتورة فير ݘايلد : يا الهي، كيف حصل ذلك؟ الم تخبرك الممرضات بعدم الاغتسال؟
شيماء : كلا.
الدكتورة فير ݘايلد : طيب لا عليك. الآن دعيني اسألك، هل قمت بالدفاع عن نفسك عندما هاجمك المجرم؟
شيماء : طبعاً، قمت بضربه على كتفه وعلى وجهه. لكنه وضع خنجره على رقبتي فتوقفت عن المقاومة.
الدكتورة فير ݘايلد : هل قمت بخدشه باضافرك؟
شيماء : كلا.
الدكتورة فير ݘايلد : هذا شيء مؤسف حقاً. حسناً يا شيماء لا تقلقي ساقوم بتدوين تقريري.
شيماء : يا حضرة الدكتورة اريد ان اسألك سؤالاً مهماً.
الدكتورة فير ݘايلد : تفضلي انا اسمعك.
شيماء : ماذا لو وقع حمل عندي هذه المرة كما حصل لي بالمرة السابقة؟ فانا لا اريد ان احبل ثانية من ذلك الوغد السافل.
الدكتورة فير ݘايلد : لا تقلقي يا شيماء. ساعطيك الآن حبة تدعى (حبة اليوم التالي).
شيماء : وما هي هذه الحبة؟
الدكتورة فير ݘايلد : انها حبة جيدة وامينة وتعمل حتى 72 ساعة بعد الجماع تمنع الحيامن من تلقيح البويضة. وبذلك تحميك من الحمل الغير مرغوب به.
شيماء : شكراً لك سيدتي.
اعطت الحبة لشيماء فتناولتها ثم قالت،
الدكتورة فير ݘايلد : والآن يجب ان تأتي معنا الى مركز الشرطة كي تسجلي محضراً هناك ضد المعتدي وتدلي باقوالك.
خرج فريق الشرطة ومعهم شيماء وذهبوا بها الى مركز الشرطة. ادخلوها غرفةً وصاروا يمطرونها بالمزيد من الاسئلة.
باليوم التالي في مكان آخر من مدينة ليدز بمكتب الادعاء العام رفع السيد جورج كارلايل هاتفه واتصل باحدى نائباته الآنسة زوي ولسن واستدعاها لمكتبه. بعد 5 دقائق طرقت الباب النائبة زوي فاذن لها وقال،
جورج كارلايل : صباح الخير زوي. اجلسي لو سمحت. هناك قضية مهمة اريد ان اعرضها عليك.
زوي : تفضل سيدي، ما هي؟
جورج كارلايل : لدينا قضية اغتصاب ولكنها من نوع مختلف.
زوي : ماذا تقصد من نوع مختلف؟
جورج كارلايل : انها مرتبطة بالعنصرية. فالجاني ابيض والمجني عليها من اصول باكستانية.
زوي : ولماذا اخترتني انا بالذات سيدي؟ فلديك الكثير من النواب هنا. هل لاني سوداء البشرة؟ ام لاني امرأة؟
جورج كارلايل : كلاهما معاً يا زوي. انت بدأت تعملين معنا منذ اكثر من 6 اشهر فقط وإذا ما ربحت هذه القضية فاننا جميعاً سنفوز معك. اولاً ستلَمّعين سمعة الادعاء العام وثانياً ستعطين زخماً كبيراً لمستقبلك المهني كونك مبتدئة بعملك.
زوي : يبدو من كلامك ان المعطيات تشير الى نجاح مؤكد.
جورج كارلايل : بالعكس يا زوي، فالمجني عليها قد اغتسلت عندما احضروها للمشفى ودمرت اهم دليل الا وهو الحمض النووي الدي ان اي..
زوي : ولماذا تعطيني قضية خاسرة إذاً؟
جورج كارلايل : لان الطبيبة التي فحصتها كانت متيقنة من ان الاغتصاب قد تم بالفعل لكن هناك امر اهم من كل ما تقدم فالمجني عليها اغتصبت مرتين من نفس الجاني بفارق زمني يبلغ 5 سنوات.
زوي : مـــــــــــاذا؟ ايعقل ذلك؟ كيف حصل هذا؟
جورج كارلايل : اغتصبها الجاني بمدينة برادفورد فرفعت عليه دعوة لكنها خسرت الدعوة ولم تثبت عليه التهمة فهربت من المدينة وهي حامل على اثر الاغتصاب وانتقلت الى مدينة ليدز. قام ابن الزانية بالبحث عنها لسنين طويلة وعندما وجدها بليدز قام باغتصابها ثانية.
زوي : يا الاهي ما هذا الوحش القذر؟ سيكون لي الشرف ان اضعه خلف القضبان سيدي. وهل هناك ادلة اخرى استطيع الاستفادة منها؟
جورج كارلايل : بالوقت الحالي لا توجد اي معلومات اضافية. لكنكِ تستطيعين الاستعانة باي من المحققين الذين يعملون لدينا او العمل مع محققي شرطة غرب يوركشاير.
زوي : انا قبلت القضية سيدي. ساستجوب المجني عليها غداً. ارجوك اعطني ملفها كي ادرس تفاصيله اليوم.
اخذت زوي الملف ورجعت به الى مكتبها.
باليوم التالي وصلت زوي الى منزل السيدة فلستي سميث وقرعت الجرس. فتحت فلستي الباب فابرزت زوي شارتها وقالت،
زوي : اسمي زوي ولسن نائبة المدعي العام اريد التحدث الى السيدة شيماء رسول جاد الله.
فلستي : تفضلي معي يا ابنتي، انها مستلقية بسريرها في غرفتها بالطابق العلوي لانها لم تذهب للعمل اليوم.
صعدت فلستي السلم وتبعتها زوي ثم نقرت على الباب فسمعت صوتاً يقول، "ادخــــــــل"
فلستي : عزيزتي شيماء، هذه السيدة زوي هي نائبة الادعاء العام جائت لتتحدث معك.
شيماء : تفضلي يا سيدة.
دخلت زوي ونظرت الى شيماء المستلقية على السرير فهالها المنظر الذي رأته. شاهدت الكدمات على وجهها والجروح والندبات واللواصق على جروحها وكأنها دهست بشاحنة ذات العشرين طناً. لم تتمالك زوي نفسها فذرفت دمعة على خدها فقامت فاستدارت بوجهها بعيداً ومسحتها بسرعة كي لا تراها شيماء. قالت بصوت مهدج مرتبك،
زوي : جئت لاتحدث معك سيدة رسول جاد الله. هل تسمح لك حالتك بذلك؟
شيماء : اجل، اجل، تفضلي سيدتي.
فلستي : انا ساعد لكما الشاي.
خرجت فلستي واغلقت الباب خلفها. دنت زوي من سرير شيماء وجلست على الكرسي القريب منه وقالت،
زوي : كيف تشعرين الآن يا سيدة رسول؟
شيماء : ارجوك نادني شيماء. انا بخير حضرة النائبة بالرغم من الآلام وخدوش بالحياء.
زوي : وانت نادني زوي. والآن اخبريني، كيف تشعرين بصراحة تامة؟
شيماء : اشعر وكأن السماء قد سقطت بجميع اجرامها فوق رأسي يا زوي. لا اعلم ان كنت قد قرأتِ ما دار بيني وبين الشرطة,
زوي : اجل قرأته بالتفصيل الممل لكني اريد ان اسمعه منك ثانية وبكل صدق كي اتمكن واياك ان نسقط ذلك الوغد بشر اعماله وان نمنعه من ان يرتكب مثل هذا العمل الرهيب ثانية لا معك ولا مع اي انسانة اخرى.
بدأت شيماء تسرد عليها تفاصيل حادثتي الاغتصاب الاولى والثانية ولم تترك اي معلومة دقيقة الا وذكرتها. بعد ان اكمتل شيماء سردها انتفضت زوي من الكرسي وسارت نحو شباك الغرفة وهي بحالة غثيان تقول بصوت خافت جداً، "ابن الزانية، ابن الزانية، لعنك الله، كم اود لو اطلق عليك النار ايها الوغد المتوحش"
شيماء : ماذا قلت يا سيدتي؟
زوي : لا شيء عزيزتي لا شيء. فقط كنت افكر بصوت مرتفع. والآن علينا ان نبدأ العمل. هل انت بحالة تمكنك من الذهاب معي؟
شيماء : اجل انا بخير. فان جسدي معبأ بعقارات مسكنات الآلام والمضادات الحيوية. لكنني استطيع الوقوف على اقدامي.
نهظت من سريرها وتوجهت الى خزانتها كي ترتدي ملابسها لكنها خرت ساقطة على الارض. هرعت زوي لنجدتها بينما دخلت فلستي الغرفة حاملة بيدها صينية بها اكواب الشاي والبسكويت. وعندما شاهدت شيماء على الارض. وضعت الصينية على المنضدة وركضت نحو شيماء، صارت تطبطب على وجهها وتقول، "اصحي ياحبيبتي انا هنا، انا معك". رفعت رأسها ونظرت الى زوي وقالت،
فلستي : اعتقد انها ليست بحالة تسمح لها الخروج معك اليوم. ارجو ان تؤجلي الخروج لوقت لاحق.
زوي : اجل، اجل انا اايدك تماماً. دعنا نرجعها الى السرير يا فلستي.
امسكا بشيماء وارجعاها الى سريرها فقالت،
زوي : انا سارحل الآن ولكن ارجوك يا فلستي، هذه بطاقتي الشخصية، بامكانك الاتصال بي وقتما شئتِ.
اخذت فلستي البطاقة الشخصية لزوي وودعتها من الباب الرئيسي. ركبت زوي سيارتها وكتبت على جهاز الملاحة عنوان الشارع الذي وقع فيه الاغتصاب. نزلت من السيارة ونظرت الى حاوية القمامة وشاهدت الدم الذي ما زال رطباً على الارض تماماً كما وصفته شيماء بتقريرها للشرطة. سارت نحو منزل هيذر فروستومز فرأت المزيد من قطرات الدم على الارض امام الباب. ضغطت على الجرس، فتحت هيذر الباب فعرفت عن نفسها واخرجت شارتها وعرضتها على هيذر قالت،
هيذر : اهلاً سيدة زوي. كيف استطيع مساعدتك؟
زوي : لدي بعض الاسئلة اريد ان اسألك عنها إن كان ذلك ممكناً.
هيذر : بالتأكيد، تفضلي.
دخلت زوي وتبعت هيذر الى غرفة الاستقبال وجلست على الاريكة، فعرضت عليها الشاي وقالت،
هيذر : شاي؟
زوي : كلا شكراً. اريد ان اتحدث معك وحسب.
هيذر : حسناً تفضلي.
زوي : ارجو ان تخبريني عن احداث ليلة الاول من شباط؟
هيذر : بالأمس اخبرت الشرطة بكل التغاصيل ولكن لا بأس ساخبرك انت ايضاً. كنت جالسة وحدي في غرفة الصالة التي نحن نجلس فيها الآن اتفرج على برنامجي المفضل بانوراما وفجأة سمعت احداً يطرق الباب.
زوي : متى كان ذلك؟
هيذر : قبل منتصف الليل بدقيقة او دقيقتين. فتحت الباب واذا بالسيدة شيماء تطلب المساعدة. ادخلتها بيتي وحال دخولها اخبرتني ان اعتدائاً وقع عليها وما ان دخلت بيتي حتى سقطت مغشياً عليها. فوراً اردت بالاتصال بالاسعاف لكن الخط كان معطلاً. بدأت احاول انعاشها كي تسترد وعيها دون جدوى. لذا جرجرتها ووضعتها بداخل سيارتي واخذتها للمشفى. والباقي تعرفينه جيداً.
زوي : هل كانت آثار العنف بادياً على وجهها؟
هيذر : طبعاً. لولا ذلك لما هرعت لمساعدتها دون حذر.
زوي : ماذا تقصدين بالحذر؟
هيذر : انها امرأة غريبة كما تعلمين فكيف اثق بها؟ ربما كانت تريد ايذائي فانا مدرسة في روضة اطفال واسكن هنا وحدي.
زوي : اجل فهمتك. على العموم إذا تذكرت اي شيء بالمستقبل ارجوك اتصلي بي على هذا الرقم.
اخرجت بطاقتها الشخصية واعطتها لهيذر ثم استأذنت وخرجت من بيتها متوجهة الى مركز شرطة غرب يوركشاير وطلبت مقابلة المحققة العريف باتريشا. ادخلها شرطي الاستعلامات الى الداخل وطرق الباب على مكتب العريف باتريشا فدخلا.
زوي : صباح الخير ايتها المحققة العريف باتريشا. انا زوي ولسن نائبة المدعي العام جئتك بخصوص قضية الاغتصاب الذي وقعت في الاول من شباط.
العريف باتريشا : بامكانك ان تناديني بات، هل تقصدين قضية شيماء ؟
زوي : اجل هذا صحيح. اردت ان انبش افكارك بما يخص القضية وماذا يقول لك قلبك؟
بات : ان قلبي يعلمني انها تقول الحق لكننا لا نعمل بمشاعرنا فقط مع الاسف ولكي نثبت التهمة على الجاني يتحتم علينا العثور على الدلائل المادية.
زوي : اريد ان اتعاون معك بشكل مكثف كي نحاول حل هذه القضية ولا نترك المجال لمحامي حذق يفشل مساعينا ويطلق العنان لوحش كاسر يغتصب النساء حسب رغباته وغرائزه القذرة.
بات : إذاً خذي رقم هاتفي بالمنزل وهاتفي بالعمل. وإذا لن تتمكني من الاتصال بي، فبامكانك ترك رسالة لدى مركز الشرطة.
زوي : وانت كذلك، خذي بطاقتي الشخصية واتصلي بي هاتفياً وقت ما شئت. دعنا نتعاون سوية ونشبك ايدينا مع بعضنا البعض كي نضع حداً لهذا المجرم وندفنه خلف القضبان. والآن اخبريني، هل عثرتم على الجاني؟
بات : كلا، لقد عثرنا على عنوان والدته بمدينة برادفورد لذا اريد ان اذهب اليها واتحدث معها.
زوي : هل تأذني لي ان ارافقك؟
بات : بكل سرور. انا غير متفرغة اليوم ولكن تعالي معي غداً على الساعة التاسعة وسنذهب لمقابلتها سوية.
باليوم التالي ركبت السيدتان سيارة المحققة بات من نوع لكسوس وانطلقتا قاصدين مدينة برادفورد. بالطريق سألت زوي،
زوي : هل انت متزوجة يا عريف باتريشا؟
بات : نادني بات وهو المختصر لباتريشا والجواب هو كلا، كنت متزوجة لمدة 15 سنة وعندما اصبحت اماً وتهدلت نهدايَ الى الاسفل واصبح لي بطن كبيرة نوعاً ما طلقني زوجي وتزوج من طفلة رضيعة لم تبلغ 22 سنة بعد. مع كل احترامي لسنك. وانت؟
زوي : انا لازلت عزباء لكن حبيبي توفى بحادث سير قبل عام ونصف. دعيني اسألك يا بات لماذا انت متأكدة من صحة اقوال شيماء؟
بات : شيماء انسانة رقيقة وهي تتكلم بهدوء وبثقة عالية تبعث بالراحة النفسية لمن يتحدث اليها. من حديثي معها شعرت وكأنها عانت كثيراً من الرجل الذي اغتصابها.
زوي : سوف نعلم اليوم إن كان ما يزال يسكن مع والدته ببرادفورد ام لا. فإن وجدناه فسوف القي القبض عليه فوراً وسارجعه معنا الى ليدز.
دامت رحلتهما اكثر من 50 دقيقة. وحين وصلا مدينة برادفور صار جهاز الملاحة الآلي يقتادهما ذات اليمين وذات الشمال حتى اعلمهما انهما وصلا الى هدفهما. نزلت زوي وبات من السيارة وصعدتا سلمتين ثم قرعتا الجرس. بعد دقيقة او اكثر بقليل انفتحت الباب وشاهدا سيدة سبعينية نحيفة ترتدي فستاناً قذراً مهترئاً تخرج منها رائحة الخمر بفمها سيجارة احترقت نصفها والرماد يكاد يسقط على الارض باي لحظة. نظرت اليهما وقالت،
السيدة : ما الامر؟ ماذا تريدان؟
زوي : انا زوي ولسن نائبة المدعي العام ومعي المحققة العريف باتريشا نود ان نتحدث معك لو سمحت.
السيدة : إذا كانت بخصوص فاتورة الكهرباء فسوف اسددها غداً لا تقلقا.
زوي : كلا سيدتي. جئنا من ليدز كي نتحدث معك بخصوص ابنك سلوين ادامز.
السيدة : ماذا عمل ابن الزانية هذا؟ هل اشتبك بمشاجرة ثانية؟
زوي : كلا سيدتي انها بخصوص عملية اغتصاب بليدز.
السيدة : انا لست متفاجئة من هذا القذر فهو ولد شرير ويسعى خلف المشاكل دائماً.
زوي : هل تأذنين لنا بالدخول كي نتحدث معك؟
السيدة : تفضلا الى الصالة. انا اسمي اوليفيا ادامز، بامكانكما مناداتي اوليف. مثل الزيتون هاهاها.
زوي : هل تسكنين وحدك بهذا البيت؟
اوليف : كان ابني يسكن معي حتى انتقل الى ليدز.
بات : متى انتقل الى ليدز؟
اوليف : قبل سنتين. كان ذلك بسبب شجار كبير دار بينه وبين احد اصدقاء السوء عندما اتهمه صديقه بالغش في لعبة القمار.
زوي : ولماذا هرب الى ليدز؟ اقصد لماذا لم يخبر الشرطة عن الشخص الذي كان يهدده؟
اوليف : لأنه سبق وان كسر له ذراعه عندما كانا يتمازحان. انا متأكدة انه لم يقصد ذلك.
زوي : هل تعرفين مكانه بليدز؟
اوليف : اجل اعرفه ولكن كم سيساوى عندك ذلك؟
زوي : وكم تريدين يا ترى؟
اوليف : اريد 500 باون وسأخبرك عن عنوانه.
زوي : ساعطيك 20 باونداً ما رأيك؟
اوليف : لماذا انت بخيلة بهذا الشكل؟ هذا المبلغ لا يشتري لي علبة سجائر هذه الايام، اعمليها 100.
زوي : هذه 50 باوند ليس معي اكثر. هل تريدينها ام نخرج؟
اوليف : كلا، كلا تمهلي، اعطني الخمسين هيا.
اعطت زوي ورقة من فئة 50 باونداً لوالدة سلوين فوقفت وذهبت الى المطبخ. بعد قليل عادت تحمل ورقة بائسة مجذوذة من جريدة اعطتها لبات. اخذتها منها وقالت،
بات : شكراً لكِ سيدتي. ارجو ان لا تبلغي ابنك بمجيئنا على الاقل خلال اليومين القادمين.
اوليف : لا تقلقي، فهو لم يعتاد ان يتصل بي كل يوم. آخر مرة اتصل بي قبل شهرين واراد مني نقوداً لكني لم اعطه شيئاً لانني سيدة فقيرة والكل يساعدني. هل تريدين مساعدتي؟
زوي : آسفة لا اقدر. شكراً لك سيدة اوليف سنذهب الآن.
خرجت بات وزوي من بيت اوليف وركبتا السيارة التي عادت بهما الى ليدز. وبالطريق سألت زوي،
زوي : متى ستذهبين لعنوانه؟
بات : لقد تأخر الوقت اليوم. ساذهب غداً.
زوي : هل بامكاني ان اتي معك؟
بات : بكل سرور. تعالي الى مكتبي غداً مع الساعة التاسعة صباحاً وسوف نذهب اليه سوياً.
باليوم التالي طرقت زوي باب مكتب المحققة بات ودخلت،
زوي : هل انت مستعدة يا بات؟
بات : اجل، اجل دعنا نذهب.
ركبت السيدتان سيارة المحققة بات فسألتها،
زوي : هل تعرفين العنوان الذي اعطتك اياه امه؟
بات : كلا، دعيني ادخله على جهاز الملاحة الآلي.
زوي : كلا، انت واصلي السياقة وانا سادخل العنوان على الجهاز فنحن لا نريد حادثاً الآن.
قامت بادخال العنوان فبدأ يعمل. صار الجهاز يقودهما بالاتجاهات الصحيحة كي يصلا الى منزل سلوين.
بات : يا الهي، انه يسكن على مسافة شارعين فقط من منزل الضحية. هذا يدل على انه جاء خصيصاً كي يؤذيها مما يخبرني انه كان يلاحقها طوال تلك الفترة كي يعرف مكان سكنها من دون شك.
زوي : جهاز الملاحة يعلمنا اننا وصلنا الهدف. انظري هناك رقم 23 امامك. اوقفي السيارة الى جهة اليسار.
بات : هيا دعينا ننزل.
نزلت السيدتان وسارتا باتجاه الباب فقرعتا الجرس. لكن احداً لم يفتح الباب. صارا يقرعان الجرس مراراً عديدة دون جدوى. بقيا واقفتين امام الباب لما يزيد عن 10 دقائق لكن احداً لم يفتح الباب. هنا نفذ صبر زوي وصارت تضرب على الباب بقبضة يدها بكل قوتها حتى انفتح الباب وظهر امامهما رجل طويل القامة ابيض البشرة احمر الشعر نحيف البنية له لحية مبعثرة لم يجري عليها اي تعديل منذ وقت طويل تفوح منه رائحة كريهة اختلط فيها الصنان مع نتانة الكحول فصارت تبعث بالغثيان. كان يرتدي ملابسه الداخلية المتسخة فقط ،
الرجل : ما الامر؟ ماذا تريدان ايتها الزانيتان. لماذا ازعجتموني في الصباح الباكر؟
بات : انا المحققة العريف باتريشا ومعي نائبة المدعي العام زوي ولسن نود ان نتحدث معك لو سمحت.
هنا علم سلوين ان الامر جاد جداً لذا غير من نبرة كلامه وقال،
الرجل : انا سلوين ادامز اسكن هنا. كيف استطيع مساعدتكما؟
بات : هل تعرف السيدة شيماء رسول جاد الله؟
سلوين : كلا. وهل يجب ان اعرفها؟
بات : كيف تنكر معرفتها وقد رفعت عليك دعوة اغتصاب قبل 5 سنوات بمدينة برادفورد؟
سلوين : اجل، اجل الآن تذكرت، اتقصدين تلك العاهر الحمقاء التي ادعت انني اغتصبتها بالمتنزه؟
بات : سيد ادامز اين كنت ليلة الاول من شباط؟
سلوين : كنت هنا بالبيت اتفرج على التلفاز.
بات : وماذا كان يعرض بالتلفاز؟
بات : كانت هناك مباراة لكرة القدم بين مانشيستر ينايتد وتوتنهام هوت سبورز.
بات : انت تكذب. هذه المبارات وقعت يوم 25 يناير اي 7 ايام قبل ذلك التاريخ. من كان يتابع المباراة معك؟
سلوين : والدتي طبعاً جائت لزيارتي من برادفورد وبقيت عندي لمدة اسبوع.
بات : انت تكذب مرة اخرى والدتك في برادفورد ولم تراك منذ اشهر.
سلوين : بل هي الكذابة تلك العجوز الساقطة.
وضعت الاصفاد على معصميه وقالت،
بات : السيد سلوين ادامز القي القبض عليك بتهمة الاعتداء على شيماء رسول جاد الله. اي شيء تقوله بالامكان ان يستعمل ضدك بالمحكمة هل تريد ان تقول اي شيء؟
سلوين : هذه الساقطة شيماء العنصرية تلاحقني منذ 5 سنوات فهي تكرهني وتريد ان تزجني بالسجن. انا بريء انا لم التقي بها منذ اكثر من 5 سنوات.
اتصلت بات بمركز الشرطة تعلمهم بانها القت القبض على المشتبه به سلوين ادامز.
زوي : علي ان اتركك تقومين بعملكِ يا بات دعيني اعود بمفردي وسالحق بك الى مركز الشرطة فيما بعد.
بات : حسناً، اعتني بنفسك.
دخلت العريف بات وبيدها المتهم سلوين ادامز مكبل اليدين من وراء ظهره وسلمته لاحد اعوان الشرطة كي يدخله زنزانة المركز ثم دخلت على مديرها الكابتن فلانيكان مدير المركز. انتفض المدير من كرسيه ونظر اليها بغضب وقال،
الكابتن فلانيكان : كيف تذهبين لمواجهة رجل خطير مثل هذا دون ان يكون بصحبتك احد يا بات؟
بات : سيدي انا احاول البحث عنه منذ فترة ولم يتسنى لي ان اعثر عليه. اضطررت ان اسافر الى برادفورد بالامس والتقي بوالدته حتى حصلت على عنوانه هنا بليدز. خفت ان افقده سيدي بينما انتظر الدعم.
الكابتن فلانيكان : وماذا لو فقدناك انت ايضاً يا بات؟ انت تعلمين جيداً ان البروتوكول يتحتم عليك ان تصطحبي شريكك معك بمثل هذه العملية.
بات : انا اعتذر سيدي سوف لن يتكرر ذلك انه وعد مني. والآن دعنا نستجوبه فوراً.
الكابتن فلانيكان : هل نسيتِ يا بات؟ علينا ان نستعرضه امام المجني عليها اولاً. يجب ان تستدعي الفتاة الباكستانية كي تتعرف عليه. والا فسوف نضطر الى تركه يرحل.
بات : حسناً ساتصل بها فوراً.
ذهبت الى مكتبها واتصلت بمنزل شيماء بالهاتف فاجابتها وقالت،
شيماء :انا شيماء من معي؟
بات : انا العريف بات. لدي بشرى سارة لك. لقد القينا القبض على الجاني المدعو سلوين ونريدك ان تتعرفي عليه من خلال استعراض الهوية. سوف يقع بالمصيدة هذه المرة ثقي بي يا شيماء.
شيماء : انا لدي ثقة كبيرة فيك يا بات لكنني لا اثق بالنظام القضائي بتاتاً فقد يجد له ثغرة قانونية ويفلت من العقاب مرة ثانية.
بات : ليست بهذه المرة صدقيني. انا والنائبة زوي ولسن واقفات بصفك وسوف لن يهدأ لنا بال حتى نضع ابن اللقيطة سلوين في الحبس. هل تستطيعين المجيء؟ اقصد هل تحسنت حالتك؟
شيماء : اجل، اجل لا تقلقي عليّ انا آتية فوراً.
ركبت شيماء سيارة اجرة وتوجهت بها الى مركز شرطة يوركشاير المركزية. دخلت من الباب الرئيسي فسألها شرطي الاستعلامات عن وجهتها قالت بان المحققة بات قد استدعتها بالهاتف فاذن لها بالدخول من المدخل الرئيسي لتجد العريف بات واقفةً بآخر الممر تنظر اليها والابتسامة تملأ وجهها.
بات : اسرعي يا شيماء اسرعي، ليس لدينا الكثير من الوقت.
شيماء : انا قادمة عزيزتي انا قادمة.
ادخلت شيماء الى غرفة مظلمة وعلى يسارها مرآة كبيرة وقف خلفها 9 رجال جميعهم يكاد ان يكونوا بنفس الطول والشكل. قربت شيماء من المرآة ثم صارت تحدق بوجوه الرجال المعروضين امامها الواحد تلو الآخر حتى وصلت الى آخر واحد فبدأت عروقها تتيبس، شعرت بمغص ببطنها واصيبت بالغثيان ثم استدارت وقالت الحمام ارجوكِ. اخذتها بات الى الحمام فتقيأت ثم غسلت وجهها وقالت،
شيماء : انا آسفة يا بات لقد استفرغت. انتابني شعور غريب وكأنني عشت مرارة لحظة الاغتصاب من جديد.
بات : لا عليك يا عزيزتي. كل ما يجب فعله الآن هو ان تتعرفي على الرجل الذي اعتدى عليك ودعينا ننتهي من هذه القصة.
شيماء : حسناً.
بات : هيا دعينا نرجع للقاعة.
رجعت السيدتان الى قاعة العرض وبدأت شيماء من جديد تستعرض الرجال التسعة بدقة متناهية تتفحص تقاطيع وجوههم، ولما وصلت الى الرجل التاسع وقفت امامه وصارت الدموع تنهال من عينيها وكأنها سيول. التفتت الى بات وقالت،
شيماء : انه هو. الرقم 9. هذا هو الحقير الذي اغتصبني ودمر حياتي.
بات : هل انت متأكدة؟
شيماء : متأكدة 100% بل مليون بالمائة.
امسكت بالمذياع وقالت، "رقم 9 تقدم خطوتين الى الامام" تقدم الرجل حاملاً الرقم 9 خطوتين فبحلقت شيماء بوجهه وشعرت وكأنه ينظر بعينها ويبتسم. التفتت نحو بات وسألت،
شيماء : هل يستطيع ان يراني؟
بات : كلا لكنه ذكي جداً وينظر بهذا الشكل كي يخيفك حتى تغيري من افادتك.
شيماء : وهل انا مجنونة؟ كيف اغير افادتي؟ اريده ان يتعفن بالسجون ويغتصبه المساجين هناك كما اغتصبني.
بات : سيحصل يا شيماء سيحصل. انتهى كل شيء. تعالي معي الى مكتبي ساعمل لكِ قدحاً من الشاي.
بعد اسبوع جائت صاحبة الدار السيدة هيذر مسرعة حاملة ظرفاً اصفر قامت بتسليمه لشيماء وقالت انه وصل للتو في صندوق الرسائل. فتحته شيماء فوجدت فيه رسالة رسمية من المحكمة تعلمها بان موعد المحاكمة سيكون يوم 10 من شهر حزيران الساعة العاشرة صباحاً.
شيماء : انه موعد المحاكمة يا هيذر. لقد حددوا موعداً لمحاكمة المجرم، يوم 10 حزيران.
هيذر : مبروك يا عزيزتي. الآن ستتمكنين من ان تبعثي ذلك الوغد الى سجن طويل الامد.
بهذه اللحظة دخلت ابنتها بهار الغرفة وسألت،
بهار : ما الامر يا امي؟
شيماء : انها رسالة من المحكمة يا حبيبتي.
بهار : هل سيضعونك سيريح امي. انا لا اريدها ان تتألم بعد الآن فقد عانت كثيراً.
شيماء : يا حبيبة امها يا بهار الجميلة.
بقي الجميع ينتظر المحاكمة بفارغ الصبر حتى جاء يوم العاشر من حزيران فودعت شيماء ابنتها واودعتها للسيدة هيذر فتمنوا لها التوفيق. ركبت سيارة اجرة سوداء بالحبس؟
شيماء : كلا يا عمري. بل انا من سينتصر هذه المرة.
بهار : هل ستأذني لي كي اذهب معك الى المحكمة يا امي؟
هيذر : كلا حبيبتي. سوف تبقين معي كي نلعب سوية بينما تذهب امك للمحكمة.
بهار : حسناً إذا كان ذلك وقالت للسائق، "مجمع محاكم ليدز المركزي بجادة اوكسفورد لو سمحت"
انطلقت بها سيارة الاجرة وما هي الا ربع ساعة حتى وقفت امام مجمع محاكم ليدز المركزي، نزلت شيماء من سيارة الاجرة وتوجهت نحو المدخل الرئيسي وهي متحمسة كثيراً.
686 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع