في البحرين.. كلنا شيوخ

                                        

                            دلع المفتي

يستقبلك موظف المطار بقوله «الحمد لله على السلامة يا الشيخة». وحين تخرج لتستقل تاكسي يسألك السائق «الى أين يا الشيخة؟».

في الفندق يحييك موظف الاستقبال قائلاً «هلا بيج يا الشيخة».. وبعد أن تسمع اللقب في كل مكان، ستقتنع حتماً بوضعك الجديد، فلطالما أنت ضيف البحرين إذن أنت شيخ، ولسان حالهم يقول إنك وطئت أرضنا، فأصبحت من شيوخنا، سنضعك في منزلتهم. وقد جسدوا المثل العربي عملياً، فتحوّلوا هم الى ضيوف وتركونا لنكون أصحاب البيت.
هكذا البيوت تكبر بكرم أهلها، وكذلك البلدان مهما تكن صغيرة، فهي تكبر بالألفة والمحبة والعفوية التي تجبرك على أن تكون على سجيتك، مثلهم تماماً، بلا تعقيدات المدن المعاصرة ومكر أهاليها، فهذا التهذيب الجماعي الذي تجده في البحرين وليد قرون من العادات المؤسّسة على قيم تربت عليها الأجيال واحداً تلو الآخر. إنها أحد أسرار الحضارات الغائرة في التاريخ، لا تغيرها الحداثة ولا تورّطها ألاعيب المعاصرة والمدنية، وبها حافظ الناس على أهم عناصر تقوية وبناء المجتمعات: التعاون.. الإيثار.. الاحترام.
السيدة البحرينية التي تسألني عن وجهتي، وقد أوحت لها فطرتها بأني غريبة فأبدت رغبتها لتقديم المساعدة، والسائق الذي أوصلني الى الصيدلية وبقي في انتظاري لأنه يعلم، وبالفطرة أيضاً، أنه لا ينتظر من أحد أن يطلب منه كيف يكون «جنتلمان»، وفق تعبيراتنا المعاصرة، ونماذج أخرى التقيتها تدل على طريقة بناء الحضارات وسر بقائها مهما عصفت بها الأيام!
وللأسف كادت أن تعصف، إذ تحدثني صديقتي أنه بعد الأحداث المؤسفة التي جرت مؤخراً، قضت أمها شهورا وهي تبكي، لا لسبب الا لأن صديقتها الأقرب لقلبها شيعية، وكانت خائفة أن تفقدها بعد أن انقطعت أخبارها عنها. وبعد مدة ليست بقصيرة اكتشفت أن السيدة الأخرى قضت أيامها باكية على صديقتها السنية. فما كان منهما- وهما في السبعينات- الا أن التقطتا صوراً لهما معاً وعرضتاها وهما ترفعان اشارات النصر، ونشرتاها على الانستغرام كيدا بكل من يريد سوءاً بالبلد الجميل. فهذا الشعب الطيب لم تتشكل صداقاته ومصاهراته وجيرته على أساس المذهب، الجميع تعلّم وعمل مع بعض لتكوين علاقاتهم ببساطتهم وحسن نواياهم، لذلك وقفوا مع المفصولين وأهالي المعتقلين، ضمدوا جراحهم سوية، لينهضوا معاً.
بيد أن قدري في كل زيارة لدولة خليجية أن أجد ما ينغّص علي فرحتي، وكما حصل معي في دبي وفي أبوظبي، ها أنا في البحرين تعتصرني الغيرة، فهذا البلد الصغير والفقير نسبيا مقارنة بجاراته، يبني صرحاً معمارياً رائعاً على ضفاف الخليج، يضم متحفاً ومسرحاً ومعارض تابعة لوزارة الثقافة (التي لا نملك مثيلها في بلدنا). أزور متحف البحرين الوطني، وأقارنه بمتحفنا وأحمرّ خجلاً. أشاهد مسرح البحرين الوطني ولا أستطيع مقارنته بشيء، فنحن وببساطة لا نملك مسرحاً، لا وطنياً ولا غيره، أحكي لصديقتي البحرينية، فترفع حاجبيها دهشة: الكويت ما فيها مسرح؟ أرد بخجل: لا، فتعود: الكويت! لا أصدق وهي التي كانت رائدة في الفن والأدب والثقافة بين دول الخليج. فأجيب: كانت يا عزيزتي.
إن كانت الكويت لؤلؤة الخليج، والإمارات دانته، فإن البحرين قلب الخليج الدافئ، فحافظوا عليها كرمى لله، فهذه الجزيرة الصغيرة تسكن قلبك ومن الصعب عليك أن تتقبل أي نبأ يكدّرها.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

851 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع