الياسمين المنسي قصة من قصصي القصيرة

                                            

                       سوسن سيف باريس

الياسمين المنسي

يدور الصبي بين المطاعم الفاخرة وهويحمل عقود الياسمين لبيعها للطظبقة الميسورة وكان هذا المطعم يطل على البحر بأضوائه الباهرة فتنعكس صورتهكلها فيه وتصبح هذه البقعة في البحر مهرجانا للضوء واللون رغم الليلة الحالكة السواد
يدخل الصبي في كل ليلة وبيديه الاثنتين عقود الياسمين ليملأ المكان بضوع الساسمين ويشيع البهجة هنا وهنالك . عرف الوجوه كلها هنا رجل عجوز بملبسه الفاخر واناقته الطاغية ونظارته الذهبية يحلس وحيدا في الركن ذاته‘وهناك شاب وشابة بشكلهما الاستقراطي الانيق وبشرتهما الشفافة الحريرية بطعم النعمة والرخاء والبسمة المضيئة باسنانهما البيضاء المتألقة. وزوجان زوج وزوجة متوسطا العمر يترددان أحيانا لهذا المطعم وشابان يتعانقان في حالة عشق غريبة تحت ضوء الشموع الحمراء التي كانت تزين معظم الموائد . كانوا يسمحون له بالدخول لأن البعض قد يفكر بأقتناء عقد من الورد الحقيقي رغم ما تضعه السيدات الثريات من مجورات غالبة حول اعناقهن البضة
الصبي يتحرك بين الموائد بوجهه الهزيل وعينيه الزرقاوين وشحوبه الغريب
يتوغل بين تلك الوجوه التي يخشاها كثيراوطالما أبعده أصحابها بقسوة دون أن يشتروا شيئا لقد أعتاد لغة السخرية والاهانة والاحتقار والرفض ‘ تعلم أن يغادر دون أن يفتح فمه حتى سأله أحدهم: هل أنت أخرس ؟فهز رأسه بالنفي دون أن تخرج الكلمات .
على الرغم من صغر سنهُ تذكر وجه أمه الحزين واختيته الصغيرتين ولا شيئ غير التسول مع الياسمين في الليل للألئك المترفين الذين لا يشترونه في النهار ولا يدفعون تلك القطع الصغيرة التافهة من النقود فكان يبقى ساهرا متعبا ً بسنه الصغيرة تلك
كانت أمه تصنع له تلك الأطواق البسيطة وتعمل فيها طول الليل والنهار لتوفر لقمة العيش ‘ هي تبيع بغضها في النهار‘حين تقف في ناصية الشارع وهو يذهب هناك عند البحر حيث يتواجد ملتقى المترفين الاثرياء وقد كانوا في الماضي يشترون منه وشيئاً فشيئاً ماتت تلك الرغبات في اقتناء عقد رخيص كهذا رغم عطره الذي لا يقاوم ‘ ولم يعد أحد يلتفت للصغيرأو يسأله عن ثمنه ‘ كان هذا العالم الغريب يضيف عليه الحناق ويلغي وحوده وينسى عقود الياسمين الجميلة النضرة ولا يراها أخذ بحس يذالك الخدر في قدميه وبالجوع يسحق معدته الخاوية وهويحوم بين الموائد التي اكتظت بأصتاف الطعام الفاخرة من شرائح لحوم البط الذهبية واللحوم المحمرة الأخرى بكل أنواعها الى الكافيار الروسي الذي كان يبدو كالؤلؤ الأسود الى الدجاج امشامخ فوق تلال الرز المتبلة وصحائف ثمار البحر الشهية والقواقع السوداء التي تتربع علىتلال الثلج البيضاء تلك الصحون والاطباق التي لم يقترب منها أو يجربها في سنوات عمرة القليلة بل يجهل حتى أسماءها أو يقدم أحد من هؤلاء الجالسين قطعة خبز صغيرة حتى الكلاب التي كانت ترافق بعضهم الكلاب المدللة التي كانت تجد لها مكانا دافئاً في تلك الأحضان تتلذذ بقضم البسكويت الخاص بها تلك الكلاب الجميلة ذات الفراء الناعم مثل ذاك الفراء الذي ترتديها السيدات هناك..نظر الى أطواق الياسمين اليوم لم يشتر منه أحد ولا طوقاً واحداً ‘ إنطفأت في عينيه ومضات الطفولة الغضة وارتسم فيهما تعبير من توسل غير مقصود أرجوكم يا سادة لاتنسوا الياسمين إنه ياسمين حديد إنه قطاف هذا النهار.. ولم يلتفت له أحد ولا الى توسلاته الصامتة وشعر بالخوف والقلق يتسرب الى نفسه وهل سيعود الى البيت خالي الوفاض ومثل ليلة امس واين سيذهب بأطواق الياسمين لو لم يشتري منه احد
خطرت برأس الصبي فكرة وسيعمل بها وليس له الخيار .. سيضع على كل مائدة طوق امن الياسمين ولن يطلب الثمن سيوزع الاطواق مجاناً هكذا مجتناً فهذا أفضل من أن يعود الى البيت به وقد أصابه الذبول وسيرميه قبل أن ترميه امه وهي تكظم غضبها ويأسها فهي الاخرى لا ترحم روحه الغضة
خطرت له الفكرة فبدأ بتنفيذها على الفور‘بدأ يتحرك بسرعة لوضع تلك الزهور على الموائد المكتظة بكل المطيبات .. مائدة الرجل والمرأة الشابان الغريبان ‘ الفتاة الجميلة مع خطيبها الانيق ‘ الرجل العجوز واناقته الطاغية.. كلهم كانوا غير مبالين الى العقد الملقى على المائدة وقبل ان يعلنوا الرفض كان الصبي يخلفي بعضهم أخذ الياسمين دون ان يفكر بدفع ثمنه وبعضم لم يعره التفاتاً فبقي هناك وبعضهم لم ينتبه لسقوطه على الارض وتحت الاحذية الفاخرة .. تحرك الثري العجوز وأخرج حافظة نقوده عندما لمح طوق الياسمين وهو على المائدة ووقف يتمتم بكلام غير واضح مان يسأل عن الصبي وكان يريد أ ن يعطيه حافظة النقود كلها ..أجل تحرك ولكن ببطأ واتجه الى باب المطعم وأحد العاملين يتبعه باحثين عن الصبي غير إن الصغير اختفى في ذلك الليل البهيم ‘والشارع الخالي بأضوائه الخافتة وصفوف السيارت الفخمة
وقف الرجل وبيده حافظة النقود وبسبب البرد عاد أدراجه.. وعلى الارض كانت هناك حزمة صغيرة من الياسمين ملقاة على سجادة الارض المزركشة ولم يعد الصبي الى هناك ثانية
1 * 3 * 2000
سوسن سيف باريس

https://www.youtube.com/watch?v=PNwmHHs9N_4

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1284 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع