د.سعد العبيدي
في المعارك كل المعارك التي تدور في جميع المناطق والأزمنة هناك دروس وعبر، عادة ما يسميها العسكر بالدروس المستنبطة أو المستفادة، يحصلون عليها بعد التحاليل التي تجرى من خبرائهم للمعركة التي تنتهي تواً، ولا يمكن استثناء معركة الفلوجة من هذه الآلية المهمة وان لم تنته تماماً بعد، لكن علامات النصر الواضحة فيها تدفع الباحث أو المتتبع لشؤونها الى أن يستنبط بعض الدروس والعبر دونما الحاجة الى بذل المزيد من الجهد:
فالفلوجة المدينة العربية العريقة سقطت بيد الارهابيين الدواعش، دونما قتال يذكر أو بقليل من القتال الذي لا يرقى الى حسابه قتالا عسكريا محترفاً، وهناك بطبيعة الحال أسباب عدة بينها ذاك الكم الهائل من مخرجات التعبئة النفسية التضليلية للسكان الفلوجيين بالضد من المركز، والذي شرب مقلبه البعض من المواطنين وهماً بالخلاص من حكم لم يتفقوا مع طبيعته على أمل الحصول على آخراً ينسجم مع رؤاهم الدينية والقبلية، وكانت النتيجة حصاداً مراً لما يزيد عن السنتين لحكم يصعب تصنيفه شكلا من أشكال الحكم السائدة في الحضارة البشرية القائمة في وقتنا الراهن، وبدل من أن ينعموا بحكم ينسجم والشريعة الاسلامية التي يؤمنون بها عاشوا ظلماً متعمداً واضطراباً شديداً وتخلفاً قسرياً وتجهيلاً متعمداً ستمتد آثارها المباشرة وغير المباشرة لعشرات مقبلة من السنين، والعبرة من هذا كله هو أن تصديق عدو الدولة والمجتمع والايمان بوعود له مبهمة ومهما غلفت بغلاف الدين غير صحيح وغير دائم وان استمر لسنوات.
انه استنتاج أو اعتبار يسحبنا الى آخر قريب يتعلق بالخلاف مع الحكومة أو العملية السياسة أو حتى بعض المجاميع المشاركة في الحكم أو بعضها... خلاف يفترض أن يكون طبيعياً لا يسحب ولو القلة الى القتال بالضد أو حتى السكوت عن القتال بالضد أي الوقوف علي تل الحياد بين الدولة وأعدائها، لأن الدولة باقية وان مرت بظروف صعبة وأعدائها من الخارج على وجه الخصوص مثل الجماعات الارهابية زائلون حتماً وان جُملت صورتهم وان دعموا من جهات خفية، وَهُم بالتالي سيخرجون ويتركون الأتباع وحيدين في الساحة لا يقوى أحدهم على فعل شيء. والعبرة هنا هو أن الوقوف على خط الحياد بين الدولة وأعدائها خسارة، والسكوت عن ايذاء الدولة خسارة، واستخدام اساليب العنف والقتال للتعبير عن عدم الرضا هي الخسارة الأكبر.
ويلي هذا الاستنتاج وذاك آخر يتعلق بموضوع البقاء في المدينة التي تحتل من عدو مثل داعش، تبين أن لا فائدة منه لسببين، الأول هو أن تعامل الدواعش مع السكان كان سيئاً والثاني هو أن الاضطرار الى الخروج من البيت والحي والمدينة أثناء القتال اضطراراً فيه مخاطر تفوق كثيرا تلك التي تتعلق بتركها حال حصول الاحتلال.
ان الفلوجة تحررت من رجس الارهاب وتصرف أبناء القوات المسلحة بحكمة ووطنية وبإحساس عال للمواطنة، ودفع أهلها ثمناً باهضا من مالهم وحريتهم وأمنهم النفسي، وعاشوا أياما فيها رعب حقيقي مع الأسف. ومهما كانت الدروس والعبر فان الدرس الأوفى ان مدينة عراقية عادت الى حضن الوطن، عودة عساها أن تدفع كل العراقيين الى التسامح ونسيان الماضي سبيلاً الى بناء وطن فيه الأهل يختلفون ولا يتقاتلون.
742 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع