في الذاكرة : الأمطار والمجاري بالأمس ! وكارثة غرق بغداد في العراق الجديد !ّ!.

                                                       

                                                      الدكتور / عمر الكبيسي                             


في الذاكرة : الأمطار والمجاري بالأمس ! وكارثة غرق بغداد في العراق الجديد !ّ!.

في عام 1991 وفي شهر كانون الثاني شهدت بغداد موجة أمطار شديدة بالترافق مع وابل من أمطار القصف الجوي المستمر على سماء بغداد في اعتى عدوان جوي شنته القوات الامريكية واكثر من 30 دولة معها ومن قواعد امريكية واوربية وعربية محيطة .
أذكر إني كنت في حينها أسكن في حي الخضراء  وفي صباح يوم جمعة ، خرجت لألقي نظرة في الشارع وبسبب ارتفاع مسكني عن مستوى الشارع وعدم تأثره بمستوى المياه فيه هالني منظر امتلاء الشارع بمياه الامطار وانسداد منافذ التصريف ودخول الماء الى الدور المنخفضة وتجمع السكنة في مدخل الدور قسم يحاول رصف ممر بالطابوق وقسم يحاول وضع سدود وحواجز ترابية ، وكان قصف الطائرات مستمرا والسماء ملبدة بالغيوم واعمدة الدخان ترتفع جراء حرائق متعددة هنا وهناك فيما يستمر هطول المطر . ربما بسبب كوني لم أكن متضررا من دون من حولي بمستوى الماء بالشارع أو ربما بسبب كون ان لي كلمة بين الجيران وشباب المحلة كوني طبيب معروف وضابط كثيرا ما كانوا يطلبون مني فحص مريض او علاج او وساطة او ربما لحافز داخلي بوجوب فعل شيئ وجدت في نفسي حثا كبيرا لفعل شيئ يخفف من معاناة جيراني  وفعلا  رجعت الى البيت وغيرت ملابسي ببدلة عمل نسميها ( هارفون ) وحملت معي بعض أدوات العناية بالحديقة (مسحاة وفاس وهيم ) وخرجت باتجاه فوهة التصريف والمياه تصل الى مستوى الركب ، تجمع شباب ورجال الشارع حولي مستغربين محاولين منعي من فعل اي مجهود لعدم جدواه ولن يفتح المجاري الا عمال الأمانة وقسم آخر استنكر ان يسمحوا لي القيام بهذه المهمة ربما حسبوا نقيصة بمنزلتي ، قلت لهم سأحاول عمل شيئ مهما كانت النتيجة مما دفع بهم جميع للعمل معي ، وأذكر جيدا أننا رفعنا غطاء المنفذ الحديدي الكبير والثقيل وعلى عمق ما يقارب قدمين في الماء المتراكم بعد ان ربطناه بحبل حديدي سحبته بسيارتي ،

 كانت مهمة النزول الى داخل حوض التصريف أصعب مهمة بعد ان أحطنا الفتحة في فاصل من البلوك والنايلون ، ولكي لا يتبادر لأي منهم اني اترفع عن هذه المهمة نزلت انا في حفرة المنفذ الكبيره وبدأت بتهييج نفايات (سيان) القعر بحذائي وافراغ المياه بصفائح  (تنك) كان الشباب يفرغوها حتى اصبح منفذ الحفرة واضحاً، بدأنا بعدها نرفع النفايات والاحجار وبقايا صحون ومواعين كانت ضمن  نفايات الحفرة ، أسفرت بالنهاية عن انفتاح المنفذ الى المجرى الرئيسي على عمق مترين تقريبا ، أذكر بعدها كيف تماسك ابناء المحلة واحدا بالآخر كي يسحبوني مع شاب آخر من داخل الحفرة ، كم كانت الفرحة لدي وكأني عثرت على كنز عندما إنهال الماء بعد رفع فواصل البلوك لتنهال مياه الشارع بصوت الشفط العالي ودوامة الماء تنشفط وبأقل من ساعتين كان كل شيئ قد انتهى من خلال منفذ واحد ، أذكر اني قلت لهم انا تعلمت طريقة فتح شرايين القلب بالبالونات في انكلترا وايطاليا وايرلندا لفترة بدورات تدريبية لآكثر من سنة ، واليوم أخترعنا طريقة لفتح المنهولات بكفاءة بساعتين وضحك الجميع فرحين ومعجبين بالإنجاز كما أذكر من بين من كان معنا بالإنجاز قاضٍ ومدير شرطة وحتى معاون محافظ بغداد في حينها من سكنة الشارع ،  تم بعد ذلك فتح بقية المنافذ بجهد اسهل و وقت أقصر بعد ان تم تصريف مياه الشارع ، كما  امتدت واستمرت أيادي الشباب بالعمل لتنظيف الشارع والأرصفة حتى أصبح الشارع كأنه معبد حديثا واتفق الجميع ان يتم تشجير الارصفة بعمل تعاوني مماثل تم بعد ذلك ليصبح الزقاق (الشارع) واحد من أجمل وانظف الآزقة في المحلة .
لا يمكن أن انسى هذا الحدث من ذاكرتي وانا متأكد ان جميع جيراني من سكنة الشارع يذكرون ذلك جيدا لغاية اليوم . حدث ذلك وبغداد تحت قصف كثف لعدوان آثم .
 
لماذا تغرق بغداد اليوم ، بعد عشرة سنوات من تأسيس العراق الديمقراطي الجديد ، وموازنة العراق تفوق المائة مليار دولار ، ومقاولات أمانة بغداد وحفرياتها وفق ما يصفون قائمة على قدم وساق ؟ أين مشروع الصرف الصحي للرصافة الجديد بعد ان تم انفاق الالاف الملايين من الدولارات عليه ؟ أين القيم الاجتماعية والإرثية في المجتمع ، لماذا لم تتوقد لجان شعبية لإنقاذ الناس ، أين منظمات العمل المجتمعي والتعاوني ، أين منظمات الاحزاب والكتل الدينية ، لماذا لا يتم تطوع شباب الجامعات والتنظيمات المهنية لإغاثة الأحياء السكنية المتضررة ؟ من سيعوض المتضررين ؟ هل يعقل ان تبقى شوارع بغداد كانها أنهار جارية دون إجراء بعد مرور ثلاثة أيام ؟ هل ممكن ان تمر هذه الكارثة التي ستمتد نتائجها المهددة لحياة العراقيين لأشهر دون عقاب أو حساب ؟ .  
 
أي عمل جماعي تعاوني طوعي شبابي لإنقاذ ضحايا ومتضرري كارثة الآمطار في يغداد أو في عموم المحافظات المتضررة  لو كنتم فعلتوه هو أفرض وأوجب بل أثوب وأكبر عند الله من تسيير المواكب واللطميات  أيها المتشبثون بالدين والأئمة تشبثا والمتلبسون بالعمة عن مكر وجهل لا عن حكمة ويقين ! لو كنتم علماء مصلحون أو ساسة راشدون .{jacomment off}
 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

752 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع