قد فات قطارين - الصراع الأساسي هو ضد التخلف

                                                                               

د سعد عبد الوهاب شاكر
عالم وطبيب عراقي مقيم في المملكه المتحده
قد فات قطارين - الصراع الأساسي هو ضد التخلف

منذ نشوء الدوله العراقيه الحديثه والعراقيين متجزئين في كافه انواع الصراعات . وصف الملك فيصل الاول بعض هذه الصراعات في رسالته الشهيره في الثلاثينات. كان هناك صراع بين الوطنيين الذين كانوا ضد الإنكليز والوطنيين الذين تعاملوا مع الانكليز من اجل ما رأوه مصلحه بلدهم، كان هناك خلاف بين من يعملون من اجل الوطنيه العراقيه وبين دعاه العروبه، كذلك صار هناك صراعا بين القوميين والشيوعيين تلاه صراع بين البعثيين والشيوعيين تبعه صراع بين الضباط القوميين والبعثيين وبعدها صراعات البعثيين مع الكثير من هؤلاء وغيرهم. وكذلك منذ ١٩٢٣ والجيش العراقي والدوله العراقيه في حرب بعد اخرى مع الاكراد.

هذا هو ملخص الملخص لقصه عمرها قرن من الزمن تقريبا ولكن هذا الملخص هو مدخلي للنقطه الجوهريه. المسأله هي أن كل هذه الصراعات خائبة لانها حاربت أعداء ثانويين او وهميين، هي لم تحارب "العدو الأصلي". بلى مع كل الدم الذي سال، من دخلوا في هذه الصراعات لم يحاربوا العدو الأساسي. العدو الأساسي هم ليسوا "اذناب الاستعمار" او الشيوعيين او القوميين او الإسلاميين من الشيعه او السنه، العدو الأساسي هو ليس العميل فلان او الزعيم الأوحد او القائد الضروره، او مرتدي العمامه او لابس الشروال، العدو ياسيداتي وسادتي ببساطه هو التخلف.
خرج العراق كغيره من الدول العربيه من قرون الحكم العثماني وقد فاته قطارين رئيسيين من قطارات البشرية المهمه، الاول هو قطار ثوره التنوير الفكري الأوربي التي فصلت الدين عن الدوله والقطار الثاني هو قطار الثوره العلميه والصناعية التي ولدت في القرن السادس عشر. لم يكن عدم ركوب هذين القطارين في وقتهما خطأ العراقيين او السوريين او اللبنانيين، ضلت الدوله العثمانيه نائمه حينما فاتتها هذه القطارات، بقى ساده الخلافه في الآستانة في قصورهم مع الجواري والخصيان حينما سار العالم الغربي في مسيره لم يشهد التاريخ مثل سرعتها وسعتها وتأثيرها الى الإمام. كان نوري السعيد يقول ما معناه انه "لا يبدو ان الذين يلومونا يعرفون بؤس ما ورثنا".

المعركه الأساسيه كانت ومازالت هي ضد التخلف متمثلا (لا حصرا) بالتمسك بأطراف خزعبلات الدين لا الدين نفسه، التشبث بالعشائريه والطائفيه والتمسك بالاديولوجيات الخائبه والوطنجيه والقومجيه العقيمة وكبت الحريات الانسانيه، ومنها حريه المرأه وغلق باب الانفتاح على الحضارات وعلى العالم.

جائت الايديولوجيات التي تشبث بها الناس لتحقيق التغير المرجو ولكنها راحت دون تأثيرات جوهريه. من هذه الايديولوجيات هي الماركسيه والشيوعيه والبعث، كلها جائت ورحلت دون ان تمسك بقرن وحش التخلف وتحاربه وتنتصر عليه. محاربه التخلص من سلاسل التخلف لم تكن قويه الى حد ان يصير لها أمل بالنصر. ما حدث في حاله البعث مثلا هو انه بدأ كحزب علماني قومي اشتراكي ولكنه بعد ان ورّط البلاد بأخطائه تشبث بالتخلف للخلاص من ورطاته، فصار الرجوع الى الريفية والعشائرية والحملة الايمانيه. وكردستان ليست احسن، نشأت في الستينات حركه "تقدميه" للخروج من سلاسل الحكم العشائري العائلي ولكن القوى "التقدمية" ضلت ومازالت ضعيفه امام السد العائلي العشائري المنيع الذي ضَل يسود الى الان. وبعد ٢٠٠٣ سادت الأحزاب الدينيه الشيعيه التي تعود مناهجها الى ١٤٠٠ عام مضت, وكذلك اندادهم من السنه هم  متشبثون بهذا الشكل او ذاك بافكار ماقبل الثوره الصناعية.
لقد فشلت حركه ميدان التحرير في مصر من تضع التطور والحداثة واقع التنفيذ، ابتلعتها الحركه الاسلاميه وقوه الجيش المصري المساوم. وفي العراق لا يوجد اضعف دليل على بزوغ حركه جديه على الساحه بقوه فاعله للتطور والتقدم.
المجتمع بحاجه الى منهج فكري سياسي حداثي وطني، تبنى عليه حركه سياسيه تدخل في معركه ضاريه وطويله وشاقه مع التخلف وقوى التخلف. لاشك ان الطرف الاخر سيسعى لان يحولها الى معركه قد تصير داميه، هي تلك معركه الانتصار على التخلف. هدف المعركه هو تغير واقع مرت عليه مئات السنين، فشلت من قبل في تغيره حركات وحركات. لن يكون هذا سهلا. لابد من ان يلحق المجتمع العراقي بالقطارات التي فاتته من مئات السنين، ستبقى هناك مقاومه ضاريه للمسيرة في درب التقدم. ادري ان مقالتي هذه وصف لواقع محزن ولكن هذا هو الحال. لكن الأمل هو حينما سيمشي الشعب يوما في طريق الحق والتقدم سيسحق بقايا التاريخ. الناس عطشى لولاده قياده فكريه وسياسيه لها الشجاعه والمعرفه والدرايه لان تبدأ وتقود مسيره الخروج من التخلف.
د سعد عبد الوهاب شاكر
عالم وطبيب عراقي مقيم في المملكه المتحده

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1009 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع