التدين في أميركا

                                                                

                                       د.منار الشوربجي

لفتت انتباهي العناوين المثيرة لعدد من الصحف الأميركية والغربية عموما الأسبوع الماضي، والتي تحدثت عن «انحسار نسبة التدين» داخل المجتمع الأميركي. فالجارديان على سبيل المثال استخدمت عنوانا لافتا قالت فيه «الولايات المتحدة أقل مسيحية. وزيادة في نسبة غير المؤمنين». والهافنجتون بوست خرجت بعنوان يقول «أميركا أقل مسيحية وأقل تديناً».

والذي لفت انتباهي في عناوين تلك الصحف أنها توحي بعكس ما أعرفه عن طبيعة المجتمع الأميركي، الأمر الذي جذبني لقراءة موضوعاتها فورا.

فما أعرفه هو أن المجتمع الأميركي، على عكس الصورة النمطية الشائعة عنه، يعتبر من أكثر مجتمعات العالم المتقدم تدينا على الإطلاق. والولايات المتحدة، رغم أن دستورها يؤكد الفصل بين الدين والدولة، إلا أنه لا يوجد فيها فصل بين الدين والسياسة، والدين حاضر بقوة في العمل السياسي الأميركي.

فالخطاب السياسي الأميركي حافل بالمفردات المستمدة مباشرة من الكتاب المقدس وبالعبارات ذات الدلالات الدينية التي لا تخطئها العين. ورغم أن الدستور يحظر إيجاد أي معيار ديني لتولي الوظائف العامة، إلا أن المرشحين للمناصب المختلفة لا يكفون عن الحديث عن تدينهم وعلاقة الدين بحياتهم ورؤيتهم للعالم.

بل إن عددا من رجال الدين لعبوا أدواراً مختلفة في الحياة السياسية كان على رأسهم مارتن لوثر كنج، بل وترشحوا لتولي المناصب المختلفة بدءاً بالقس جيسي جاكسون في يسار الساحة السياسية ووصولاً للقس بات روبرتسون في أقصى اليمين.

وعندما قرأت الموضوعات التي نشرتها تلك الصحف وجدتها تركز على تحولات لا تغير من الصورة العامة التي أعرفها عن المجتمع الأميركي. فتلك العناوين كانت عبارة عن تغطية صحفية لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة بيو حول الدين في المجتمع الأميركي.

وهو الاستطلاع الثاني الذي تجريه المؤسسة، التي تحظى باحترام واسع، في العقدين الأخيرين. فقد أجرت استطلاعا حول الموضوع نفسه في 2007 بما يحقق فرصة جيدة للمقارنة والوقوف على التحولات الدقيقة في مسألة الدين والسياسة في الولايات المتحدة. وقد عدت إلى دراسة مؤسسة بيو نفسها فوجدت ملاحظتي صحيحة من أن التحول الحادث لم يغير بعد من الصورة العامة.

فعلى سبيل المثال، يقول مقال الجارديان في متنه إن «نصيب المسيحية بين الشعب الأميركي ينخفض بشدة، بينما يزداد بوضوح عدد البالغين من الذين لا يؤمنون بالله أو يفضلون عدم الانتماء لأي دين»، وإن هذا التحول يؤثر على الأميركيين «في طول البلاد وعرضها وفي كل المجموعات العمرية والديمغرافية ولكنه أكثر وضوحا بين الشباب».

لكنك، عزيزي القارئ، إذا ما قرأت تقرير مؤسسة بيو نفسه ستجد أنه صحيح بأن نسبة الأميركيين المنتمين لأحد الأديان قد انخفضت بنسبة 5% إلا أن نسبتهم إلي مجموع السكان تظل مرتفعة للغاية بالمقارنة بالمجتمعات المتقدمة.

إذ تظل نسبة المنتمين للأديان المختلفة بين الأميركيين 77% من مجموع السكان. ومن بين هؤلاء فإن المؤمنين منهم بوجود الله لا تزال 97%، أي النسبة نفسها التي كشف عنها استطلاع بيو لعام 2007. ومن بين المنتمين للأديان أيضاً لا يزال أكثر من 64% منهم يعتبرون أن الدين «مهم للغاية في حياتهم» و66% منهم قالوا إنهم يصلون يومياً.

أكثر من ذلك، فإن 61% من بين الذين قالوا في استطلاع الرأي إنهم ليسوا منتمين لأي دين، يؤمنون بوجود الله، بينما تزداد بنسبة 7% عن استطلاع عام 2007 نسبة الأميركيين المهتمين بالجوانب الروحية عموماً. ويقول الاستطلاع إن المؤمنين بوجود الله بين الأميركيين عموماً يصل إلى 89% وهى نسبة مرتفعة للغاية إذا ما قورنت بالمجتمعات الصناعية الكبرى.

ولا تزال العلاقة بين الديني والسياسي على حالها دون تغير يذكر. فلا يزال الكاثوليك منقسمين بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بينما تنتمي النسبة الأعلى لليمين الديني الأنجليكاني للحزب الجمهوري وتنتمي النسبة الأعلى من المنتمين للكنائس السوداء للحزب الديمقراطي. وتظل النسبة الأعلى من غير المنتمين للأديان مرتبطة بالحزب الديمقراطي.

لكن التغير المهم الحادث في المجتمع الأميركي هو ذلك المرتبط بالشباب، خصوصا بين الذين ولدوا في العقد الأخير من القرن العشرين. فتلك هي الفئة العمرية الأقل تديناً وارتباطاً بالأديان عموماً. وقد أوضح الاستطلاع أن 38% منهم فقط يعتبرون أن الدين له أهمية كبيرة في حياتهم، بينما لا يداوم على الصلاة اليومية بينهم سوى 39%.

غير أن أهم ما توضحه دراسة بيو هو أن هناك علاقة طردية بين الفئة العمرية والارتباط بالدين. فنسبة الارتباط بالدين والتدين تنخفض كلما انخفضت سن المستطلعة آراؤهم. فنسبة المتدينين بين من تخطوا الستين أعلى منها بين الذين تخطوا الخمسين.

وتنخفض نسبة التدين بين من تخطوا الثلاثين بالمقارنة بمن تخطوا الأربعين وهكذا. ورغم أن هذه النسب تظل طفيفة إلا أنها تمثل مؤشراً بالغ الأهمية في حال استمرارها لأنها تعني أن نسبة التدين في الولايات المتحدة مرشحة للانخفاض بشكل كبير عبر العقود المقبلة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1286 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع