ثقافة التعايش المرفوض!

                                           

                             زينب حفني

ماذا يجري لو عمَّ الأمن والسلام أوطاننا العربيّة؟ ماذا يحدث لو آمنّا بفكرة التعايش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، واقتنعنا بأن الحياة تقوم على الاختلاف والتباين وليس على المعتقدات الواحدة؟ هل سينقلب نظام الكون؟ هل ستتصادم الكواكب السيّارة؟ هل ستهتز الجبال وتتساقط صخورها على الأرض محدثة دويّاً هائلاً؟ هل ستهيج أمواج البحار وتندفع مياهها نحو اليابسة لتغرق الأرض بمن عليها؟ بالتأكيد لن يحدث شيء من هذا!

هذه التساؤلات دارت في خاطري وأنا أتابع على التلفاز، المشهد الدموي المؤلم الذي حدث مؤخراً ببلدة سيهات الواقعة بمحافظة القطيف ببلادي. حادثة إرهابيّة دنيئة نفّذها ثلاثة أشخاص بهجوم مسلّح على إحدى الحسينيات، مخلّفاً الهجوم خمسة قتلى من ضمنهم فتاة في مقتبل العمر، ذهبت ضحيّة أفكار دينيّة مشوّهة! بجانب إصابة عدد من المواطنين. انتهى الخبر كالعادة بالشجب من القنوات السعوديّة وحرص الإعلام على استضافة عدد من رجال الدين، ليعلنوا جهاراً استنكارهم لما جرى، ثم ينفضُّ المجلس وينصرف الجميع لحياته الطبيعيّة!

نحن لحد الآن لم نُمسك برأس الحيّة! ونكتفي بالترحّم على القتلى وإظهار تعاطفنا مع أسر الضحايا! ثم تعلو أصوات المثقفين السعوديين المستنيرين بوجوب سن قانون رادع لجرائم الطائفيّة، وعلى كل من يسعى لتأجيج الفرقة بين أبناء الوطن الواحد. للأسف ما زال هذا المطلب حبيس الأدراج، ولم يُؤخذ على محمل الجد من قبل الجهات المختصة المسؤولة عن هذا الملف الحساس! وإن كانت هذه المسألة من وجهة نظري قد بدأت تأخذ أبعاداً خطيرة، مما يستوجب محاصرة أسبابها ومعالجتها بحكمة وإلا ستكون العواقب وخيمة!

الأمر الآخر المخجل! الأخبار التي تصلنا بين حين وآخر من أوروبا! فقد أهتم الإعلام الفرنسي تحديداً بالمحاكمة المزمع عقدها بعد أيام قليلة في حق زعيمة حزب الجبهة الوطنيّة اليميني المتشدد بفرنسا، بسبب انتقادها صلاة المسلمين بالشوارع عندما تمتلئ المساجد بهم، وعلى الأخص وقت صلاة الجمعة، مشبهة ذلك بالاحتلال النازي!

أنا ضد العنصرية المقيتة التي يُمارسها عدد من الساسة الغربيين في حق المسلمين المهاجرين، لكننا مصابون بانفصام في الشخصيّة! المتطرفون بأغلبية أوطاننا العربيّة يرفضون فكرة التعايش مع أصحاب الملل والطوائف والمذاهب الأخرى بحجّة أنهم مارقون وخارجون عن ملّة الاسلام، وبالتالي يمنعونهم من إقامة شرائع دينهم أو طقوسهم حتّى لا يلوثوا فكر أبنائنا بل ويُبيحون قتلهم، في الوقت الذي يُطالبون الغرب باحترام شريعتنا وحقّنا بممارستها في أي مكان!

ليس خافياً على أحد أننا تركنا الحبل على الغارب للأفكار المتطرفة أن تتوغّل بمجتمعاتنا، إلى أن أصبحت جزءاً أساسياً من ثقافتنا الحديثة، وإن كان البعض يرى بأن موروثنا الفكري القديم ليس بريئاً، وإنما هو الآخر متورّط فيما آلت إليه أحوالنا! التساهل مع رجال الدين المتشددين والسماح لهم بالترويج للفكر الضال، هو أسُّ البلاء لمساهمته على مدى عقود طويلة في ترسيخه بأذهان الأجيال الصاعدة! وقد أستخدم الغرب هذه الورقة بمهارة لإثارة الفوضى في أوطاننا من أجل رسم خريطة شرق أوسطي جديد! ولو لم يلمس الغرب بيديه هذه الآفة التي توغّلت داخل عقول شبابنا، لما نجح في تحقيق مراده الذي أصبح قاب قوسين ونحن لاهين في نزعاتنا وخلافاتنا!

ثقافة التعايش المشترك أصبحت اليوم مرفوضة بأغلبية أوطاننا، مما يستوجب جز هذه الأفكار الهدّامة من جذورها، إذا أردنا بالفعل خلق مجتمعات آمنة متماسكة، يحتار المتربصون في كيفيّة اختراقها للعبث بها وتقطيع أوصالها! إنني لم آتِ بجديد ولكن ما دام الأمل بقلبي قائماً، لا بد من الالحاح الدائم لتحقيق هذه الأماني الشبه مستحيلة!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع