من دفتر الذكريات ... مدفع الافطار .....!

                                                 

                          بدري نوئيل يوسف  ـ السويد

             

في احدى الامسيات كانت حفيدتي جالسة بالقرب مني في غرفة الجلوس وأنا اقلب محطات التلفزيون وأخيرا استقر رأي على محطة عراقية تبث نشرة الاخبار وصور المعارك والجنود يتراكضون والمدفعية تقصف وتدمر المنازل والأبنية وتحرق الاخضر واليابس .
قالت حفيدتي باستغراب : يوجد تمثال لمدفع ملفوفة فوهته امام الكنيسة الكبيرة في ستوكهولم . وفي احدى مرات كنا بزيارة مع المدرسة للكنيسة وسئلنا المعلمة المرافقة لنا ، لماذا المدفع فوهته ملفوفة ( معقودة) .
أجابت المعلمة السويدية : معنى هذا اننا لا نريد الحرب ونحن في السويد لن ندخل حربا منذ اكثر من مائتان سنة وكانت حيادية في الحروب العالمية .
سألتها باستغراب : وكيف حفظتي كل هذه الكلمات والجمل التي تضرب على وتر من يطلق هذه المدافع .
ابتسمت وقالت : معلمتنا تحدثت عن هذه المدافع التي تقتل ولا تعرف كبير وصغير وانتشار هذه الايام انواع من المدافع لكنها قاتلة ومدمرة ومفزعة وتطلق منذرة بموت زؤام وحرمان وبطالة وجوع متحدية كل الحقوق الانسانية .
ثم قالت للطلاب جمعيا : كلكم معي اهتفوا فلتخرس المدافع والقاذفات بأنواعها ولتسكت البنادق الى الابد اصواتها
قلت لها : يا ليت معلمي بلدي يقتدون ويعلمون طلابهم مثل ما تعلمكم معلمتكم على القيم الحضارية والمواطنة الصالحة وحق الانسان في الحياة .
قالت : جدي ... هل كان عندكم في العراق مدافع يطلقونها عندما كنت بعمري .

                 

ابتسمت وقلت لها : نعم كان هناك مدفع واحد مسالم لا يستعمل في الحرب ويسمى بلهجة الموصل (طوب غمضان  ، والطوب كلمة تركية يعني المدفع ) يحكي دفتر ذكرياتي عن السنين الخوالي أي قبل ستون سنة في مدينتي الموصل وكان هذا المدفع منصوبا بعيد عن مركز المدينة والمناطق السكنية وكان يقع في الضفة اليسرى لنهر دجلة قرب الجسر الحديدي القديم منذ مطلع الاربعينات و بقي يرمي قذائفه في شهر رمضان المبارك عند صيام المسلمين ، وتطلق اطلاقة مدفع واحدة عند الافطار .
حشوه المدفع عبارة عن خرق وقطع من الاقمشة البالية ، يجمعوها قبل حلول شهر رمضان ، ويقوم بعض من جنود  صنف المدفعية في الجيش بإطلاق القذائف ، والبلدية تزود الجهة المسئولة عن المدفع بما يحتاج من كميات البارود لغرض اطلاق المدفع .
وبعد انتهاء ايام العيد ينسحب جنود المدفع مع مدفعهم الى موقع عسكري .ولن نشاهد المدفع الى قدوم رمضان جديد أو احد الاعياد .
كان يزور المدفع الصغار والكبار ونسمع صوته الهادر منهم يجتمعون خلف المدفع وآخرين من يقف على الجسر القديم قبيل غروب الشمس لمشاهدة اطلاق قذيفة المدفع ، وكانت الخرق الصغيرة وقطع الاقمشة البالية تتطاير وتتناثر في الهواء وبعضها تحترق وتهوي في نهر دجلة بعد ان تتمزق الى آلاف القطع .
بعد عدة سنوات تطورت صناعة الأسلحة و تقنيات حديثة استخدمت الحشو الكاذب (الخلب) بدل الخرق ويتكون من قذيفة فارغة تحدث صوتا عاليا يعادل قوة القذيفة الحقيقية .
كان مدفع الافطار مسالما فهو لا يقتل احد وصوته المدوي لا يفزع احد لان الكل كان ينتظر اطلاقه و صوته إيذان
للجميع بتناول الطعام بعد ساعات من الصيام ، وكل عائلة تفرش امامها ما لذ وطاب من انواع الاطعمة . وأصبح جزءا
من طقوس شهر رمضان ويسمع صوته عند الافطار و السحور  والأعياد .       
قالت مستفسرا :  هل يستعمل المدفع  الى يومنا هذا .
قلت لها : لا اعلم لكن محطات التلفزيون تبث صورة وصوت المدفع وقت الافطار ويصرخ من كان ينتظره  (ضغَبْ الطوب ) ، واعتقد حاليا التلفونات الذكية تقوم بتنبيه الصائم موعد الافطار وليس ضرورة استعمال مدفع الافطار
اما كيف اصبح المدفع .
معلومة تاريخية :
عند تنظيف احد المدافع الحربية في عهد الخديوي اسماعيل في مصر انطلقت قذيفة المدفع عن طريق الصدفة ودوى صوتها في سماء القاهرة والصدفة الثانية كان موعد أذان المغرب في احد أيام رمضان ، اعتقد الناس ان تقليد جديد للإعلان عن موعد الافطار ، اعجبت ابنة الخديوي بهذه الصدفة وأصدرت امراً بإطلاق قذيفة مدفع وقت موعد الافطار  .  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

868 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع