من تراث أبي القاسم الطنبوري في السياسة بالعراق

                                                     

                              أ.د. محمد الدعمي

عندما رشق صحفي شاب مغمور الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، بحذائه بقي الرئيس وسواه من الجمهور الأميركي في حيرة من أمرهم حيال تفسير عقلاني لما فعله هذا الصحفي الذي تلقى هو الآخر حذاءً طائرًا في أحد الاجتماعات العامة، بأوروبا، على أغلب الظن. ومرد حيرة الرئيس والإعلام الأميركيين هو أن الأحذية في الثقافة الأميركية الشائعة لا تمثل شيئًا قذرًا أو محتقرًا، فالأميركان يضطجعون على أفرشتهم بأحذيتهم: هي لا تفارق أقدامهم إلا عندما تتجاوز درجة الحرارة حدًّا عاليًا، فيعمدون إلى استبداله بالمكشوف من “الخف” أو “الشبشب”. وهم لا يخجلون من ارتداء الأخير أمام الكاميرات وفي الأسواق والأماكن العامة. ويشمل هذا حتى المشاهير من النجوم والسياسيين.

أما في ثقافتنا الشائعة، فيعد الحذاء أو الخف من اللوازم القذرة التي لا ينبغي الدخول في الأماكن النظيفة أو المقدسة منتعلين إياها. لهذا اشتهرت شخصية “أبي القاسم الطنبوري” التي يفترض أنها عاشت في بغداد أو البصرة في العصر العباسي: أبو القاسم هذا يختلف عن سواه في اعتزازه بحذائه درجة أنه رقعه وصلحه عشرات المرات تجنبًا لاستبداله أو لشراء بديل له. وهكذا صار أبو القاسم الطنبوري من ظرفاء التراث الشعبي العربي والإسلامي، يعرفه أبنائي، كما يعرفه أبناء من جايلني في المغرب العربي أو في أي بقعة أخرى من عالمنا العربي المترامي.
لذا، وبعد الشرح والتفصيل، أدرك الأميركان ما الذي كان الصحفي الشاب أعلاه يقصده عندما رشق الرئيس السابق بحذائه، الأمر الذي جعل مقدمي البرامج الفكاهية في الفضائيات الأميركية يتندرون بهذا الحادث حتى اللحظة، إذ ترمى عشرات “المدس” والأحذية على مقدم البرنامج، وعليه تجنب تيار الأحذية والمداسات دون أن يصاب.
وإذا كان أبو القاسم الطنبوري من معطيات الفولكلور العراقي المضحك، فإن بقاء النظرة الدونية للحذاء راحت تطفو على سطح السياسة العراقية اليوم من آن لآخر. ودليل ذلك، هو ظهور النائب المعزول لرئيس الوزراء، السيد بهاء الأعرجي، في مؤتمر صحفي يعلن فيه بأنه سيضع متهميه بالإثراء غير الشرعي تحت أقدامه (بمعنى تحت حذائه)، وذلك قبل أن يعزله رئيسه. وقد انتشر هذا المقطع من تصريحات السيد الأعرجي على شبكات التواصل على نحو مكثف فظيع، درجة أنه طلب منع عمل هذه الشبكات أو إيقاف خدماتها من قبل الدولة!
أما الحال الثانية التي تستحق ملاحظة المتابع، خاصة المهتم بالتراث القديم، فقد قدمها نائب رئيس الجمهورية المعزول كذلك، السيد إياد علاوي، إذ إنه قد وصف وظيفته السيادية الرفيعة بأنها “لا تساوي حذائي”! بمعنى أنه لا يستبدلها بحذائه، كناية عن اختقارها وعدم الاعتداد بمنصب رفيع كهذا!
ويجدر بالذكر، في سياق توظيف الأحذية سلاحًا أبيض، أن عضوة البرلمان العراقي، النائبة عالية نصيف قد فعّلت استخدام الحذاء في المناقشات السياسية السلمية بإحدى جلسات البرلمان، إذ إنها رشقت زميلا لها من أعضاء مجلس النواب بحذائها عندما اختلفت معه في الرأي، وبقي البرلماني المستهدف يعاني من الجروح المادية والاعتبارية من سيدة محترمة لأشهر.
من هنا، بقي سر الأحذية والأقدام من أكثر الاستفهامات المحيرة التي تدور في خلد متابعي الحياة السياسية في العراق اليوم، للأسف.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

620 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع