اضطهاد العلماء والمفكرين :23- نجيب محفوظ أشهر روائي عربي (ت2006)

                                                   

                       الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

روائي مصري مرموق ،حاز على جائزة نوبل للاداب لعام 1994 . ولد في عام 1911 ، وهو اول عربي ينال مثل هذه الجائزة العالمية .

كان نجيب اديبا ومفكرا وثائرا على تقاليد بلاده ، وقد كره الاعيب السياسة وخلطها بالدين ، فهو يقول :” في جميع رواياتي ، قد تجد بين رواياتي وقصصي اهمالا للحب، ولكنك سوف تجد السياسة فيها، لانها المحور الرئيسي لتفكيري .”  اذ لاداعي لرجال الدين ان يوجهوا سياسة البلاد او ان يتحكموا بحرية الفكر .
 كان روائيا متميزا والاكثر شهرة في البلاد العربية : ألف38 رواية وكتب حوالي 100 قصة قصيرة . وسبعة من رواياته تحولت الى افلام ناجحة، ترجمت افضل رواياته الى الانكليزية والفرنسية، وربما الى لغات اخرى وخاصة ثلاثيته (بين القصرين ) .
صار نجيب محفوظ من ضمن الذين هدده رجال الدين المتعصبون بالموت، واعيد تكفيره مرة ثانية عندما دافع عن الروائي الهندي-البريطاني سلمان رشدي وكتابه ( آيات شيطانية ) .
كانت بداية نجيب محفوظ هو ترجمته عن الانكليزية  موضوعا تاريخيا عن مصر القديمة في عام 1932 بعد تخرجه من جامعة فؤاد الاول بالقاهرة، من قسم الاداب ثم درس الفلسفة ،ووصل الى مرحلة الماجستير ولكنه ترك الجامعة وتعين موظفا في حقل الاعلام ،واستمر طويلا .
  كانت اولى كتاباته الادبية  ميله  للقصة القصيرة، ولذلك اصدر مجموعة له في عام 1939 . اشهر رواياته في شبابه هي (زقاق المدق) و(بين القصرين ) بثلاثة اجزاء والتي ترجمت الى اللغتين الانكليزية والفرنسية . الف نجيب محفوظ اكثر من 15 رواية ، ونشر خمسة مجموعات من القصص القصيرة . كان اكثر الروائيين المصريين خصبا واهمية ، سعى فيها الى الدخول في النفس البشرية ومعاناتها ،واعطى نموذجا لاعماق الانسان العربي الذي كانت تحف به مجموعة من التقاليد القديمة البائسة والتقاليد العصرية ، فكان عليه ان يصارع الزمن لكي يصل الى تقاليد جديدة . وقد اهتم بكفاح الطبقة الفقيرة وانتقد الطبقة البروجوازية .
 عمل نجيب معظم حياته موظفا حتى احيل الى التقاعد في عام 1971 . وبعد انتهائه من ثلاثية بين القصرين ،دخل نجيب في حالة صمت ادبي ،ثم انتقل الى مستوى اعلى وهي الرمزية الواقعية، وهو يتامل الكون والاديان بعد ان قرا التوراة والانجيل، وقرأ عن سير الانبياء ، فقرر ان يلبس هؤلاء الانبياء، لباس شخصياته الجديدة في رواية وضع لها الخطوط العريضة، وراح يكتب فصلا فصلا في الملحق الادبي الاسبوعي لجريدة الاهرام ، وكان ذلك في عام 1950 وهي روايته الجدلية (اولاد حارتنا ) . لكن لما  تبين للقراء ،من فحواها ان جوهرها يعتمد على مناقشة بعض  الانبياء الرئيسيين في التوراة والانجيل والقران ، مشيرا الى صفاتهم  باسلوب رمزي، وربما  نقدي : اعترض عليها الازهر ،فاجبر على التوقف عن نشرها ، كما هدد  في حالة نشرها خارج مصر ، فانه سيعد خارجا على الاسلام . لكن في عام 1967 ،اي بعد حرب حزيران ، وجد الوقت مناسبا لنشر اهم رواياته من الناحية الفكرية :  (اولاد حارتنا) في بيروت وفي دار الاداب ، اي بعد 17 عاما على تاليفها . واستقبلها المثقفون العرب بالدهشة والاستغراب وذلك لوضع خلفية لشخصياته مشابهة الى حد ما الى احداث في حياة كلا من الانبياء موسى ويسوع (عيسى) ومحمد . وسرعان ماترجمت الرواية الى الانكليزية والفرنسية والاسبانية واعتبرت ابرز رواية عربية  جدلية وفكرية ، حافلة  بالاشارات الخفية تحت جناح شخصياته الشعبية .
 في عام 1994 ،تقدم  الروائي مع  ثلاثية بين القصرين وبقية رواياته من اجل نيل جائزة نوبل في الاداب ، فحصل عليها في نفس العام وهي ارفع جائزة ادبية في العالم ، مع توصية بأهمية رواية ( اولاد حارتنا) والدعوة الى ترجمتها الى بقية  اللغات الرئيسية في العالم . وبعد حين من انتشارها في البلاد العربية وغيرها ، ادرك النقاد انها رواية رمزية تتحدث في ماوراء السطور ، وان الشخصيات الثلاث الرئيسية في الرواية وهم كلا من الجبلاوي ورفاعة وقاسم يشبهون في بعض وقائع من سيرتهم وافعالهم كلا من الانبياء الثلاثة موسى ويسوع (عيسى) ومحمد ، وان اناس الحارة ماهم الا صورة مصغرة من العالم الجديد الذي رسمه . وقد ذكر بعض النقاد العرب ان الرواية تدل على انحراف نجيب محفوظ عن الاسلام ،ودعى رجال الدين في مصر الى اتلاف الرواية ومحاسبة نجيب محفوظ . لذلك تقرر منع تداولها او نشرها . وفعلا اتلفت النسخ الباقية في دكاكين الكتب في مصر، ولم تطبع مرة ثانية حتى الان  ( 2014 ) . والف الشيخ عبد الحميد كشك كتابا في الرد على رواية محفوظ وقال عنها ان فيها اشارات لاتليق.
وافتى شيخ اخر بجواز قتله، صاحب ذلك حملة نقد غير موضوعية  ضد هذا الروائي الفذ . يذكر ان معظم رواياته تحولت الى افلام ناجحة ، وقد قام نجيب بكتابة النص السينمائي مع بعض التعديلات على النص الاصلي .
 تتألف رواية اولاد حارتنا ، من 114 مقطعا او فصلا (عدد سور القرآن الكريم ) ،وقد اعجب بها كل من قرأها .
تاثر نجيب محفوظ بالفلسفة والمنطق الارسطي ، وعرف اصول البحث والنقد بقول الحقيقة حتى اذا كانت مرة ، كما هو واضح من رواية (اولاد حارتنا ) الجدلية . كما تاثر  بالكاتبين المشهورين طه حسين و سلامة موسى . وقد كتب عنه بموضوعية اشهر كتاب مصر من امثال :   طه حسين ويوسف الشاروني ورجاء النقاش ولويس عوض وغالي شكري و غيرهم منهم كاتب هذه السطور متاثرا بروايته زقاق المدق لانها تمثل بصدق وعمق حياة الطبقة شبه الفقيرة في البلاد العربية .
قال نجيب محفوظ عند تسلمه جائزة نوبل :” ان هذا التقدير يسعدني ويسعد الادباء من قومي بالجلوس بكل جدارة بين ادبائكم العالميين الذين نشروا اريج البهجة والحكمة في دنيانا المليئة بالشجن . لقد تلاشت الامبراطوريات وامست خبرا من الماضي،ولكن الحق والعدل سيبقيان ما دام في البشرية عقل يتطلع وضمير ينبض .”
  في مساء يوم الرابع عشر من  تشرين اول (اوكتوبر) من عام 1994 ، وهو في عمر الثمانين ، وبينما كان يتمشى ، كان هنالك  شاب يسير خلفه يتبعه وبيده سكينة حادة ، اخفاها تحت سترته، فلما وجد فرصة ،رفع  هذا الشاب السكين وغرزها في رقبة  اعظم روائي عربي حتى الان ، فسقط مضرجا بدمائه ، وضلت السكينة مغروزة في رقبته والدماء تسيل منها  حتى وصل المستشفى . فلما القي القبض على المجرم ،ذكر في اعترافه ان احد رجال الدين وهوالشيخ عبد الحميد كشك ، افهمه ان نجيب محفوظ الف رواية (اولاد حارتنا) وهي رواية تدعو الى الفسق والعهر والفجور؟! ، ولذلك توجب قتله حسب الشريعة .
بعد ان سمع  نجيب محفوظ ما ذكره المجرم ،اصيب الروائي بصدمة نفسية  وخيبة امل من مجتمعه ،خاصة بعد معاناته في المستشفى لفترة طويلة ،بحيث امكن انقاذه بصعوبة من الموت بعد اجراء اكثر من عملية له ،كما  اصيبت اصابع يده اليمنى بالشلل ،وصار  يعتمد على شخص في الكتابة منذ ذلك الحين حتى وفاته في عام 2006 ، اي لمدة حوالي 12 سنة قضاها في الاعتزال والحسرة .
 يعد نجيب محفوظ احدى الشخصيات المائة المؤثرة في المشرق في القرن العشرين . فهو روائي متميز ومفكر عربي ثار على السياسين والاعيبهم وخاصة خلطهم السياسة بالدين . كما انتقد رجال الدين الذين يتدخلون في الاتجاهات الفكرية في البلاد .
 وقد ذكرت موسوعة ويكبيديا بالانكليزية انه كره التطرف الديني وانتقده ، ونادى بالتقاء الاديان . توفي هذا الروائي الرائد  في عام 2006 . ومن اهم اقواله : ان العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى لو لم يؤمن بها . وصف نجيب محفوظ بالانكليزية :Naguip Mahfouz ,Son of Two Civilizations, the Eastern and Western Civilizations ،اي ا انه ابن التقاء الحضارتين الشرقية والغربية .

 المصادر
1- ar.wikipedia.org
2- en.wikipedia: org

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1216 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع