حماقة إنجليزية صغيرة أخرى

                                              

                             خالد القشطيني

الإنجليز يحبون الأشياء الصغيرة، بيوتا صغيرة وسيارات صغيرة ووجبات طعام صغيرة ويتقاعدون في قرى صغيرة. وعندما يحبون، يختارون امرأة نحيفة صغيرة ذات أنف صغير وفم صغير. انعكست هذه النفسية على سياساتهم. حماقاتهم أيضا صغيرة. لم يرتكبوا شيئا من تلك الحماقات التاريخية الكبرى كما فعل الألمان على يد هتلر والفرنسيون على يد نابليون والروس على يد البلاشفة.

سيقول القارئ: وماذا عن إمبراطوريتهم الكبرى؟ والجواب هو أنهم لم يفتحوها كما فتح الرومان أو المغول إمبراطوريتهم. كسبوا الإمبراطورية البريطانية عبر سلسلة من العمليات الصغيرة التي استغرقت عدة قرون.
من حماقاتهم الصغيرة قرار حكومة كاميرون، ذات الأكثرية الصغيرة في البرلمان، بإرسال وحدة عسكرية صغيرة من 125 جنديا لتدريب الجيش العراقي. جرى ذلك في الوقت الذي تتبع فيه هذه الحكومة سياسة تقشف في النفقات شملت تخفيض الميزانية العسكرية.
وهذا بعد أيام قليلة من تصريح وزير الدفاع الأميركي بأن الجيش العراقي لا يملك أي إرادة قتالية. وتجلى ذلك في هروبهم المخزي أمام شرذمة من فلول «داعش» في الموصل والرمادي، بل وكل مكان. فما يحتاجه الجندي العراقي هو ليس جنديا آخر يعلمه استعمال السلاح، بل يحتاج لخبير نفساني يغسل دماغه بحيث يجعله يرى الأسود أبيض والأبيض أسود. فالمفروض في أي جندي في طريقه للمعركة أن يفهم أنه قد يقتل في هذه المعركة. وبالتالي أن يكون لديه الاستعداد للموت فيها. ومشكلة العبادي أنه لا يوجد الآن في العراق أي مواطن لديه مثل هذا الاستعداد للموت دفاعا عن هذا النظام القائم.
النجاح العسكري المهم الوحيد الذي تحقق للحكومة كان في تحرير تكريت. وما فهمته من المتابعين للأحداث أن ذلك جرى بفضل كتيبة من الحرس الثوري الإيراني وضباط إيرانيين. وطبعا قاتل هؤلاء ببسالة لأن لهم حافزا قويا للبسالة، وهو الاستيلاء على بلد غني.
صدرت في الأيام الأخيرة أصوات من الساسة الأميركان يطالبون أوباما بإرسال الجيش الأميركي إلى الشرق الأوسط لتنظيف المنطقة من هذه الفوضى وإقامة النظام فيها. وهو بالفعل ما تتطلبه هذه الأحوال المأساوية التي أخذت تهدد حتى استقرار القارة الأوروبية وتمزق حياة الملايين من الأبرياء.
دعونا من المكابرة والجعجعة. وإذا لم تكن لدينا العزيمة للقتال، فلتكن عندنا الشجاعة للاعتراف بأننا في منطقة الهلال الخصيب عجزنا وفشلنا في تدبير شؤوننا. هذه حالة مرضية تقتضي عملية جراحية تتطلب تدخلا عسكريا على نطاق واسع يعيد الأمور لما كانت عليه في أول الطريق بفرض سلطة دولية تتولى كنس الساحة وإدارة شؤون البلاد على مدى طويل يكفي لخلق رجال من نوعية جديدة تفهم معنى المسؤولية والعصرنة والتحديث وتنمية شعب واع مزود بروح العلم والمعرفة بعيدا عن الخرافات والشعوذات والضلالة.
هذه عملية مكلفة بالنسبة للغرب وحماقة كبيرة بالنسبة للإنجليز ليست من مزاجهم. لا أدري كيف سيمكن تسديد نفقاتها من واردات المنطقة ذاتها. فلماذا يتحمل المواطن الغربي ثمن حماقات مواطنين أشقياء وحكام جهلاء؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

675 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع