تساؤلات حول العولمة والثورة التقنية

                                    

                     د.هاشم عبود الموسوي


منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي (القرن العشرين)، بدأ العالم يشهد العديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية المتسارعة والحادة التي طرأت على العالم فغيّرت خرائطه، مُشيعة في ثناياه قيم التهميش والتفرقة لاسيما التفرقة العنصرية والدينية،

وقد ترافق هذا مع تزايد التفاوت الطبقي في مستويات الغنى والفقر للشعوب والأفراد، وتغييب وعي الإنسان العادي بالقضايا المصيرية، وتحويل بؤر اهتمامه عنها نحو السعي وراء متطلباته المعيشية الخاصة التي ترافقت وشيوع قيم الاستهلاك في مفردات الحياة اليومية البسيطة التي بسطت جناحها لتغطي به كل ما يمكن أن تطاله من ملامح ثقافية وحضارية مُحيلة إياها إلى مادة للترويج والإعلان السلعي.
وقد بدى العالم بأكمله في حال من اغتراب كامل في ثناياه، والإنسان في حال من العجز والاستسلام.

وهناك سؤال: لماذا تنحو الرؤى الجديدة في معظم أفلام الخيال العلمي، التي تقدمها السينما الأمريكية تحديداً، منذ ثمانينات القرن الماضي، نحو تقديم عالم معتم مدمر موحش، تضيع فيه الحضارة الإنسانية لسبب أو آخر، كثيراً ما يكون هو تغلب التكنولوجيا والتمادي في استخدامها ، ليبدو البشر في تردٍ وضياع، وقد اختزلت الملايين من أعدادها إلى أعداد محدودة من الناس لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن يجمعوا أو يمثلوا كل أنماط البشر، وكل أنماط الحياة الإنسانية المعروفة؟ تؤشر مقارنة الملاحظات السابقة، وتساؤلاتها، وجود المظهر ذي الطابع السلبي الذي تمت الإشارة إليهِ، والذي يتبلور في ملامح تبدو كامنة في كل منها مثل: العزلة، والوحدة، ونفي المفهوم وانعدام القيمة، وضربها، والوحشة والغربة وهي ملامح توحي بغيابٍ ما، واغترابٍ ما، الأمر الذي يثير قضية تغييب واختزال القيم الدلالية الإنسانية، وما قد يتولد عنه من اغتراب.

لا تُمثل تساؤلاتي هذه حنيناً إلى ماضٍ معين، أو الإنحياز إلى نمط حياتي محدد (كنا قد تعودنا عليه)، أو رفض التطور العلمي والتقني بما يحمله من إيحاءات تلهب عقول المبدعين ومن ورائهم عقول المفكرين والمنظرين، في التعبير عن هذا التطور واستخدام أدواته وأفكاره في البحث عن الجيد والمبتكر في كل مجالات الإبداع، بقدر ما هو خشية على الحياة الإنسانية من تفاقم الاغتراب فيها وإثارة أهمية الوعي بالايديولوجيات الموظفة في تكوين نسيج مجتمعاتنا الحالية، من خلال محاولة النظر في عمق المستقبل، متمثلاً بالتقنية الرقمية. ولا أنطلق في هذا الطرح من منطلقات فكرية وايديولوجية تحاول الوقوف سلباً بوجه التطور التقني الكاسح، بل محاولة لإستقراء هذا التطور واستطلاع أبعاده ونتائجه والشعور بضرورة ترشيده في مجالات استخداماته والوعي بايديولوجيات توظيفه في كل مجالات ىالإبداع، ووضعه في خدمة الإنسان.


أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

632 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع