تحية للفاهمين

                                               

                             خالد القشطيني

لا يملك أحدنا غير أن يحيي هذا الموقف الشريف والحكيم الذي وقفه زعماء العراق من سائر الطوائف ضد مشروع القرار الأميركي بتسليح الكرد في كردستان والسنة في الأنبار والتعامل مع هذين القطاعين بمعزل عن الحكومة المركزية، بما يعني في الواقع تحقيق مخططات إسرائيل وإيران في تقسيم هذا البلد العربي الأصيل.

تقسيم العراق عملية في غاية الخطورة والطيش، ولا يقدم عليه غير الساسة الأميركان الذين يتحكمون في العالم «عمياوي» كما نقول. فهو لا يؤدي فقط إلى زعزعة كامل المنطقة العربية بالنظر لما للعراق من مكانة تاريخية وقومية واقتصادية فيها بل ويؤدي أيضا إلى تمزيق البلد وزجه في حروب داخلية دامية تستمر لسنوات وأجيال بشأن الحدود ومراكز الثروة وتوزيع المياه وحتى مصير العاصمة بغداد التي يعتز بها كل العراقيين.

أعترف بعين الوقت بأن تقسيم العراق فكرة راودت الكثيرين حتى بين أبنائه في ساعات برمهم ويأسهم حيال ما جرى فيه خلال السنوات القليلة الماضية منذ 2003. ولكنني أود أن أذكرهم بأن بضع سنوات من المنازعات والاضطرابات ليست سوى نقطة ضئيلة جدا من تاريخ دولة كالعراق يمتد وجودها لألوف السنين. يقول البعض إنها كيان خلقه الإنجليز وليس له سند تاريخي. هذا غير صحيح. قد يصح بالنسبة لحدوده وامتداده ولكن كانت هناك في هذه البقعة من العالم دولة تغير اسمها من عصر إلى عصر ولكن شخصيتها وهوية شعبها وحضارتها استمرت لما يقرب من عشرة آلاف سنة، وهو ما لا يمكن أن تدعيه كل هذه الدول الكبرى التي نعرفها اليوم.

هل قلت هوية شعبها؟ نعم. ومن معالم هذه الهوية عمق شكوكها وقلة تعلقها بالأديان والطائفية. هذه صفة ثابتة ومعروفة منذ أيام سومر وبابل. ولها جذورها الجيوفيزيائية التي تضيق هذه المقالة بشرحها. ولهذا فإنني آمنت باستمرار بأن هذه المنازعات الطائفية التي هزت العراق في السنوات الأخيرة ظاهرة وقتية ترتبط بالمرحلة السياسة التي تمخضت عن التغيير السقيم المفاجئ في 2003 وما أدت إليه من العركة على الكعكة لا بعمق الإيمان ولا بالحرص على الطائفة وطقوسها ومعتقداتها. وكما بدأت هذه المرحلة لا بد لها أن تنتهي وتزول ويستفيق العراقيون ويستأنفون نمط حياتهم الأقرب إلى العلمانية منه إلى التشدد الديني والطائفي.

الأوروبيون قوم معتادون على تقبل التطور والتأقلم والتغيير. يحولون بلدانهم وحياتهم بشيء من السهولة فيتحدون وينقسمون ويغيرون حدودهم من حين لآخر. بيد أننا نختلف ولا يسهل علينا تقبل التطور والتغير. اعتدنا لنحو قرن من الزمن أن نعيش ضمن هذه الدولة المتحدة الواحدة في العراق. لن يسهل علينا أن ننتقل من دولة واحدة لثلاث أو أربع دول. لا بد أن يوقع جماهيرنا في سلسلة طويلة من المشكلات والمصاعب العملية والعاطفية المأساوية.

دعونا نحيي أولئك الرجال الذين وقفوا وصرخوا في وجه الأميركان. كفى لعبا بمصائرنا وفق ما تمليه عليكم اللوبيات وقيادات المحافظين الجدد. إن كنتم تريدون الخير لنا فدونكم فلسطين. جربوا وافعلوا الخير لأهلها.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

501 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع