رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة / الحلقة الرابعة والعشرون

                                           

رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة/24

           

  

  

 إقليم كردستان - الحاضر والمستقبل
محاضرة عن الوضع الكردي أمام مجموعة من المثقفين في عمان

لا نريد هنا الدخول في تاريخ الكرد وأصولهم ومناطقهم ولغتهم ودورهم عبر التاريخ وثوراتهم وحكمهم على مناطق جغرافية ... الخ لأنها مدونة معروفة لدى الجميع، لأني أشعر أن هناك أسئلة لدى الجميع عن الظرف الحالي وسوف أشرح الأسئلة التي أشعر بأنها في ذهن الكثير ... وبعدها نعطي المجال لمن له تعليق أو سؤال على موضوع الكرد، علماً بأني لست مخولاً من قبل القيادة السياسية الكردية، ولكني سأطرح قناعاتي كمواطن عراقي أولاً، ثم كردياً يعتز بكرديته.
1- فلسفة إقليم كردستان أو إستراتيجيته:
أ- من الناحية السياسية:
لقد استثمرت حكومة إقليم كردستان التي تدار من قبل الحزبيّن الكرديين الرئيسيين (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) نصوص دستور جمهورية العراق لعام 2005 التي منحت الحق للإقليم بتشريع دستور للإقليم وانتخاب مجلس نواب وتعيين حكومة للإقليم وسلطة قضائية، وهي على هذه الصورة أنجزت السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية). وعينت للإقليم ممثل في السفارات العراقية في الخارج يتابع شؤون الإقليم ومصالحه السياسية والاقتصادية.
في تقديري خطوات حكومة  الإقليم على صعيد السياسة الخارجية هي إيجاد قبول من عدد من الدول بطموح ومستقبل الكرد بتفعيل مبدأ تقرير المصير والقبول بانفصال الإقليم عن دولة العراق عندما يتوافر الوضع الإقليمي والدولي بقبول دولة كردية في المنطقة.
أما على صعيد علاقة إقليم كردستان بالحكومة الاتحادية فهي في تقديري وطبقاً لما كشفت عنه ممارسات السنوات الثمانية الماضية، فإن العلاقة بينهما صورية، حيث تتمتع حكومة الإقليم بكامل السلطات على الإقليم دون الرجوع إلى المركز...
والملاحظ أن حكومة المركز هي الأخرى لا تتدخل في شؤون إقليم كردستان ... وفقاً لعدد المقاعد النيابية على المناصب في الرئاسات الثلاث والوزارات كافة طبقاً لسياسة المحاصصة.
كما أن الصراعات بين الكتل السياسية في بغداد لا تعني كثيراً حكومة إقليم كردستان، إلا بالقدر الذي يسمح بإبداء النصيحة.
ولا شك فإن الحماية التي وفرت للإقليم منذ عام 1991م سهلت للحزبين الرئيسيين الكرديين إشاعة ثقافة استقلال الإقليم عن المركز عبر المناهج التربوية والإعلامية، من خلال الإشارة إلى سياسات الحكومات العراقية السابقة بالتعامل مع المنطقة الكردية، وخاصة آثار الحروب التي حصلت عند إرسال الجيش والشرطة لقمع الأعمال المسلحة (الثورات والانتفاضات) التي شهدتها المنطقة عبر عقود من الزمن ... وبلا شك كان لها أثرها البليغ على عقول الناشطة والشباب، خاصة بعد أن لمسوا مزايا الحرية والأمن العام اللذان سادَا المنطقة (كردستان العراق) بعيداً عن تأثير حكومة المركز على الإقليم (كردستان) ...
ب- من الناحية الاجتماعية:
منذ عام 1991م شهدت منطقة إقليم كردستان تغييراً كبيراً من خلال اعتماد مؤسسات التربية والتعليم مناهج مستقلة عن مناهج الحكومة المركزية، كما استقلت السياسة الإعلامية سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة، وعمدت على إشاعة ثقافة القومية الكردية والآثار السلبية من ممارسات الحكومات المركزية السابقة وخاصة فترة حكم حزب البعث الذي أكدّ على القومية العربية متجاوزاً القومية الكردية، مما خلق مناخاً صالحاً لغرس وتجذير فكرة التمسك بالقومية الكردية وزرع طموح تكوين دولة كردية تنطلق من العراق لينضم لها أكراد إيران وتركيا وسوريا، واعتبار ذلك حقاً مشروعاً كفلتهُ القوانين الدولية والإنسانية ... ولذلك فإن الجيل الحالي للأكراد لا يعرف اللغة العربية ولا الثقافة العربية ولا الانتماء لموروث العلاقات بين عرب العراق والأكراد على مدى عقود من الزمن ...
وفي تقديري فإن غياب سياسة متوازنة من قبل الحكومات المركزية عبر سنوات طويلة في التعامل مع حقوق الأكراد ومطالبهم، ومن أبسطها حق التعليم باللغة الكردية وإناطة إدارة شؤون المنطقة إلى أهلها، ومنحها قدراً من الحكم الذاتي وتحجيم تجاوزات كثير من المسؤولين العرب الذين أنيطت بهم مسؤولية إدارة المنطقة ولَدّتْ أرضاً خصبة للحزبين الكرديين الرئيسيين إشاعة الثقافة التي تحدثنا عنها آنفاً ... وعليه فإن رَدّمْ هذه الهوة بين أبناء الشعب الواحد بعربه وكرده بحاجة إلى مؤسسة مشتركة من العرب والكرد لوضع سياسة تربوية وإعلامية مقرونة بأفعال على الأرض تسعى لغرس ثقافة جديدة تؤكد على الأخوة والتسامح والتاريخ والدين المشترك والآمال والطموح لبناء دولة مدنية عصرية متطورة موحدة ... منطلقين أن عصر اليوم هو عصر الدولة الكبيرة وليس الصغيرة، وأن الاختلاف في القومية أو الدين أو المذهب في كل دول العالم ليس سبباً كافياً للانفصال والتجزئة والتفتيت التي تسعى لها الدول الاستعمارية ورأس حربتها إسرائيل في المنطقة ...
ج- من الناحية الاقتصادية:
تسعى حكومة إقليم كردستان أن تأخذ حصتها من الموازنة العامة لتتولى إنفاقها بمعرفتها لمصلحة الإقليم. كما تسعى إلى الحصول على حصة من النفط المستخرج والمُصدر من آبار النفط المكتشفة في كردستان، في مسعى لتحقيق قدر أكبر من الاعتماد على النفس والسعي لجلب استثمارات خارجية لتسريع سياسة البناء والإعمار لتأسيس نواة دولة مستقلة على المدى المنظور ...
أعتقد لابد من تبني آليات مبرمجة من الحكومة المركزية للقيام بزيارات سياحية لمنطقة إقليم كردستان، وإقامة مهرجانات وندوات مشتركة تعزز من الأخوة العربية، وتزيل تدريجياً ما تم زرعهُ عبر السنوات الماضية من الحساسية في التعامل مع العرب منطلقين من عمق العلاقة التاريخية في الأرض والدين والمصير والآمال ... لتحاشي انكفاء الكرد ضمن الإقليم بمعزل عن إخوانهم عرب العراق ...
2- السقوف العالية لمطالب إقليم كردستان:
بلا شك أن الحكومات المركزية منذ عام 2003 لم تكن إلا حكومات طائفية بامتياز تسعى لتحقيق مغانم ومكاسب طائفية في إطار توافقات مع إيران التي يدرك الجميع أنها مرجعيتهم في إدارة شؤون الحكم في العراق، وعليه من الطبيعي أن يسعى الكرد إلى الحصول على أكبر المكاسب من الحكومة المركزية سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، فضلاً من أن حكومة المركز سادها شيوع ظاهرة الفساد المالي والإداري الذي ينخر مفاصل الدولة برمتها، مما حفز الكرد لرفع سقف مطالبهم خشية تكرار صراعات الماضي التي جلبت الدمار على منطقة كردستان، ناهيك عن افتقار الحكومة المركزية إلى الصدقية بالإيفاء بالوعود والاتفاقات التي تبرمها مع الكرد مع غيرهم من الكيانات السياسية الأخرى، إضافة إلى التعامل مع نصوص الدستور بشكل انتقائي، مما ولد أزمة ثقة دفعت بلا شك الكرد إلى عدم الاطمئنان بأنهم إزاء حكومة مدنية علمانية هادفة إلى بناء مؤسسات لكل العراق بعيداً عن العنصرية والطائفية والمناطقية والجهوية.
أعتقد أن الأسلوب الذي تدار به الدولة العراقية يشجع الكرد على التفكير جدياً بالانفصال عندما لا يجدوا مستقبلاً واعداً مع نظام حكم فرضتهُ المحاصصة والفساد والترهل والحزبية والصراعات الدموية على مدى السنوات الثمانية المنصرمة ... ولكن لو قدر لقيادة البلاد من حكومة من التكنوقراط العابرين للعنصرية والطائفية والحزبية والمناطقية يتسمون بالمؤهلات والمهارات وعفة الذمة المالية وبعقول مفتوحة على حقوق المواطنين بصرف النظر عن انتمائهم، وجادين في إشاعة سيادة القانون، وتفعيل نصوص الدستور، وتعديله بما يكفل دورهُ ليكون عقداً اجتماعياً يشيع ثقافة الأخوة والتسامح والعدل في توزيع الحقوق في فرص العمل والإعمار والاستثمار لأمكن التجسير من فوق مخلفات الماضي، للانطلاق إلى عالم أرحب في العلاقة لبناء دولة مدنية عصرية تتسع للجميع ...
3- فدرالية الإقليم:
بلا شك كان طموحاً للحزبين الكرديين الرئيسيين وتم تأكيده دستورياً، وحقق للأكراد مكاسب كبيرة جداً سياسة واجتماعية واقتصادية لا يمكن إنكار تمسكهم بها لمزاياها العديدة، وأن بناء المؤسسات تم على أساس الفدرالية من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وحتى على مستوى الجيش والأجهزة الأمنية لقد ضمنت الفدرالية استغلالاً فعلياً استحال معه تواجد أية قوات للحكومة المركزية على أراضي إقليم كردستان بما يقلق أمن المنطقة أو طموحات أهاليها ...
4- دور الكرد في وحدة العراق:
لقد نصت المادة (1) من الدستور العراقي لعام 2005م (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي، "وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق").
إن تذييل نص المادة (1) بعبارة وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق، يقيد بأن الكرد متمسكين بوحدة العراق طالما يتمسك الآخرون بتطبيق نصوصه وفي مقدمتها المادة (140) من الدستور ذات الصلة بمصير كركوك التي يؤكد الكرد على أنها كردستانية، وكذلك المناطق الكردية المتنازع عليها ... إذن حرص حكومة إقليم كردستان على وحدة العراق مشروط بما تقدم ...
5- مرتكزات القيادة المركزية بالانفصال:
يستند إلى تفعيل المادة (140) من الدستور التي حسب تقديرهم ستحسم عائدية كركوك إلى إقليم كردستان وكذلك المناطق الكردية المتنازع عليها، والاثنين تتوافر فيهما موارد نفطية وطبيعية غنية تُمهد لتوفير موارد لبناء دولة (كردستان)، وعلى مستوى السكان فإن الثقافة السائدة في المنطقة أن مزايا الانفصال أكبر من مزايا البقاء في إطار دولة العراق، وبشأن الموقف الإقليمي والدولي فإنهم يراهنون على استعدادهم لتقديم تنازلات لصالح الدول الغربية مقابل توفير مساحة دولية لقبول ولادة دولة كردية مستقلة في المنطقة وهو حق مشروع (حق تقرير المصير) ... خاصة وأن الحزبين الكرديين الرئيسيين قد عمل منذ عقود مع عدد من الدول الغربية والإقليمية لإنضاج قناعتها بدعم هذه الدولة الكردية الحديثة التي تتعامل مع مصالحها بإيجابية عالية، وتفعيلاً أخلاقياً لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وستكون مسالمة وتسهم في السلم والأمن الإقليمي...
6 و 7- السياسة الكردية:
تتعامل القيادة الكردية مع طموحات الإقليم في الانفصال في المدى المنظور والمتوسط والبعيد على أساس قراءة الوقت، والاستمرار بالسعي الحثيث مع دول العالم ومنها الإقليمية لإنضاج قناعتها بأهمية وضرورة تشكيل دولة كردية مستقلة في المنطقة لتحجيم آثار المنازعات والأطماع في المنطقة. وتعزيز الأمن والاستقرار الذي يسهم في الاستثمار والإعمار للشركات الأجنبية التي تبحث عن مصالحها ومصالح بلدانها...
8- دور القيادة الكردية في هذه المرحلة:
ترشح من خلال السنوات الماضية حيادية الدور الكردي أحياناً وانحيازها أحيانا أخرى عندما تؤمن الطائفة الحاكمة الشيعية مصالحها، ولذلك فإن اتفاقها مع الأحزاب الطائفية الشيعية كان له السبق على تحالفها مع الكيانات الوطنية الأخرى، ظناً منها أن الأخيرة ممكن أن تحقق مطالبها أكثر من الأطراف الأخرى، خاصة بعد أن أفرزت المرحلة الماضية أن حكومة الجعفري والمالكي لم تتعامل مع المسألة الوطنية العراقية إلا من منظور إيراني ... وأكثر من مرة صرح مسعود البرزاني إذا اشتعلت الحرب الأهلية في العراق فإننا نعلن الانفصال لإقليم كردستان...
في تقديري بحكم عدم طائفية الحركة الكردية منذ العشرينات من القرن الماضي كان بإمكان قياداتها أن تلعب دوراً إيجابياً لإصلاح العلاقات العربية – العربية داخل العراق، ولكنها لم تفعل بمستوى الجدية التي تحتاجها المرحلة، ولعل سبب ذلك هو أسلوب الشيعة في إدارة الدولة الذي أسهم في سلبية الكرد في المصالحة الوطنية بين عرب العراق.
9- الموارد المائية:
كانت هذه الموارد سبباً للنزاع بين الحزبين الكرديين عام 1996م ولحساسية الموضوع يتوجب على حكومة المركز وحكومة الإقليم عقد ندوات وإعداد دراسات تنصف كل الأطراف وتُفعّل قواعد القانون الدولي التي تقرر حقوق الارتفاق بين المنبع والمصب في كل دول العالم ولابد من موقف موضوعي وأخلاقي من الكرد لاعتماد قواعد القانون الدولي تعزيزاً للعلاقات الأخوية ومنعاً للصراعات، لأن المياه مصدر الحياة في بلدان العالم.
10- السياسة الخارجية الكردية:
تنحصر في بناء أسس لقبول مشروع دولة كردية في المستقبل من خلال عرض استعداد القيادة الكردية على فتح أسواق كردستان للاستثمار والإعمار وسوق للبضائع مع أمن وسلام في المنطقة سواء مع تركيا أو مع إيران أو مع الدول العربية الراغبة بالانفتاح على منطقة كردستان ...
11- القيادة الكردية وإسرائيل:
منذ إبرام مصر اتفاقية كامب ديفيد ولحقتها الأردن ثم فلسطين في أوسلو، سمح هذا الواقع للقيادة الكردية بالتعامل مع إسرائيل بحساسية أقل عما كان عليه العمل في السابق، وقد صرح طالباني أكثر من مرة أن الكرد ليست لديهم مشكلة مع الكيان الصهيوني لأن الأخير اغتصبت أرضاً عربية وليست كردية.... فضلاً عن إدراكهم بأن عدم معاداتهم لإسرائيل يجلب لهم رضا الغرب على تطلعاتهم، ولا يخفى أن إسرائيل خدمت الحركة الكردية في ستينات القرن الماضي لمواجهة النظام العراقي المركزي، وزادت مساحة التعاون في ظل حكومة صدام حسين.
وفي اعتقادي علاقة كردستان بإسرائيل يمكن تحديدها من خلال سياسة عربية رصينة لأمن كردستان كغيرها من دول العالم تحركها المصالح فإذا وجدت أن مصالحها أكثر من العرب تحجم علاقاتها بإسرائيل والعكس صحيح ... ويجب أن لا نلقي اللوم على القيادة الكردية بقدر إلقائها على الأنظمة العربية غير المبدئية في التعامل مع القضية الفلسطينية واحتلال الأراضي العربية منذ عام 1967.
12- علاقة الإقليم بتركيا وإيران:
تحرص القيادة الكردية على علاقات طيبة مع البلدين واستعدادها لتقديم ضمانات أنها لن تكون مصدر ضرر على أمن البلدين، وأنها مستعدة لأن تكون سوق مفتوحة للبضائع والمصالح لكلا البلدين لضمان موافقتهما الإقليمية على دولتهم الناشئة.
13- علاقة الإقليم بالقوات المسلحة للحكومة المركزية:
تم شرعنتها بالدستور بأن قوات الأمن في الإقليم هي الكفيلة بفرض الأمن في الإقليم ولا يمكن دخول أية قوات مسلحة من المركز إلا بموافقة حكومة الإقليم، وهنا ضمنت القيادة الكردية حرية تصرفها بالإقليم أرضاً وشعباً دون حق الحكومة المركزية بالتدخل ... فضلاًَ من أن قوات الإقليم من حيث العدد والتأهيل والتدريب والتسليح والانتماء والولاء أفضل عشرات المرات من القوات المركزية المتعددة الولاءات الضعيفة الاختيار والتأهيل والتدريب والانتماء، والاختراقات بسبب الولاءات الحزبية والطائفية ...


الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
16 أيار 2011
 للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/maqalat/16384-2015-04-30-10-56-15.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

517 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع