الفجوة بين المال والصوت اليهودي في أميركا

                     

                           د. منار الشوربجي

من الأمور التي تستحق متابعتنا، نحن العرب، في المرحلة المقبلة ما إذا كانت المفارقة التي تحملها السياسة الأمريكية بخصوص مواقف اليهود الأمريكيين ستستمر أم أنها ستتلاشى مع أول انتخابات قادمة. والمفارقة التي أقصدها هي أن أصوات اليهود مع أحد الأحزاب بينما أموالهم مع الحزب الآخر!

تذكرت هذه المفارقة حين نشرت «واشنطن بوست» تقريرا الأسبوع الماضي عن ارتفاع التمويل الذي يحصل عليه الجمهوريون بنسبة ضخمة في الفترة الأخيرة. فقد ذكر المدير التنفيذي «لائتلاف اليهود الجمهوريين» أن منظمته شهدت «انفجارا»، فيما تجمعه من أموال، رفض الإفصاح عن حجمها، ولكنه أكد أن منظمته تسعى لأرقام قياسية مع موسم الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستجرى في نوفمبر من العام القادم.

والحقيقة أن ما جاء في واشنطن بوست حول الارتفاع القياسي في تمويل اليهود الأمريكيين للجمهوريين لا الديمقراطيين لم يبدأ البارحة، وانما أكد على التطور الحادث في الولايات المتحدة منذ فترة وازداد بشدة مع ما يبدو من توتر بين البيت الأبيض (الديمقراطي) ونتنياهو، ثم إعادة انتخاب الأخير.

فقد نشرت النيويورك تايمز منذ فترة تقريرا بالأرقام حول زيادة نسبة ما حصل عليه جمهوريون بعينهم من تمويل في انتخاباتهم الأخيرة بالمقارنة بديمقراطيين انخفض تمويلهم. كما نشرت عشرات الصحف والمجلات عن تلك الظاهرة من قبل. لكن ما تشير إليه البحوث هو أن التمويل ليس ممثلا للجماعة اليهودية الأمريكية.

فالذين يقدمون التمويل حفنة قليلة من أصحاب الملايين الذين لهم مواقف بعينها وأجندة سياسية يريدون تحقيقها، وهم لا يمثلون بالضرورة الناخب اليهودي. فعلى سبيل المثال، فإن الملياردير اليهودي الأمريكي شيلدون أدلسون، صاحب الأسهم الأعلى في تمويل المرشحين الجمهوريين، والذي يدعم اليمين الإسرائيلي أيضا، لا يقدم الدعم فقط عبر تمويل عدد من المنظمات اليهودية الأمريكية التي تميل نحو اليمين ولكنه عضو بالهيئات التنفيذية لعدد آخر منها.

وبالتالي، فإنه ومع عدد محدود من الممولين أصحاب الملايين تزداد الفجوة في مسألة التمويل لصالح الحزب الجمهوري دون أن يعني ذلك بالضرورة أنه يمثل أغلبية اليهود. فوفق آخر استطلاعات الرأي، لا يزال 61% من اليهود الأمريكيين يعرفون أنفسهم بأنهم في خانة الحزب الديمقراطي. وهي نفس نسبة اليهود تقريبا التي أعطت أصواتها لأوباما في انتخابات 2012.

غير أن ما يستدعي الانتباه ويدفعني للقول بأن تلك المفارقة تستحق المتابعة متغيرات ثلاثة. أولها هو تلك النسبة من اليهود الأمريكيين التي لا تزال تعطي أصواتها للحزب الديمقراطي. صحيح أنها لا تزال نسبة حاسمة في صالح الديمقراطيين، إلا أنها تمثل انخفاضا عن النسبة التقليدية التي عرفتها أمريكا للسلوك التصويتي لليهود الأمريكيين.

فطوال العقود الماضية، كانت نسبة اليهود الأمريكيين التي تعطي أصواتها لمرشحي الحزب الديمقراطي تدور حول 75%، أي أكثر أو أقل قليلا باستثناءات قليلة للغاية.

ومن هنا، فإن انخفاض تلك النسبة إلى 61% يطرح السؤال حول ما إذا كان الانخفاض متغيرا مؤقتا أم أنه سيأخذ في التناقص. الأمر الثاني المهم هو أن تحولا ملحوظا ومعاكسا حدث في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، وهو أن نسبة أعلى من اليهود الأمريكيين تخلت عن إحجامها التقليدي عن انتقاد إسرائيل علنا..

وهو ما جاء استجابة بالأساس لتحول جيلي، إذ إن شباب اليهود الأمريكيين في أغلبيتهم يرفضون الامتناع عن انتقاد انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان والقانون الدولي. أما المتغير الثالث والحاسم والذي يطرح بقوة السؤال حول الفارق بين الصوت والمال اليهودي هو ترشح هيلاري كلينتون للرئاسة.

ذلك لأن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون تحظى بتأييد لا محدود من الملياردير اليهودي الأمريكي حاييم صابان. والمعروف أن مواقف صابان، الديمقراطي، وشيلدون أدلسون، الجمهوري، متطابقة فيما يخص إسرائيل. بل إن الرجلين يقومان معا بدعم الكثير من المنظمات المناصرة لإسرائيل.

وصابان أعلن منذ العام الماضي أنه سيسعى بكل ما أوتي من قوة من أجل أن تدخل هيلاري كلينتون البيت الأبيض كرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية بعد أن عاشت فيه كسيدة أولى طوال ثمانية أعوام هي فترة حكم بيل كلينتون. وتأييد صابان لهيلاري كلينتون معناه أن مواقفها لن تختلف عن المواقف التي يتبناها هو وأدلسون.

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

428 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع