حان الآن موعد نزع الأحذية

                                  


                        علي السوداني

سأنبشُ الليلةَ وأفتّشُ وأبحوشُ في خزنة الإعلان والإشهار الذي يصلحُ أن يصيرَ غطاءً ولحافاً وستراً للناس الفقراء والمحرومين ، الذين إنْ رأيتَ إليهم ، فكأنكَ رأيتَ بشراً عراةً مثل الذين أفرغتْ أمهاتهم الطيبات ، حمولتهنَّ منهم أوّل مرة .

ما جاء بي إلى فتح تلك الباب ، هو ذلك الإعلان الباذخ الذي ظهر فيه المغنّي الوسيم القويّ وائل كفوري ، مُشهراً آخر ألابيمهِ وقد شال عنوانهُ اسم المغنّي . ظهر وائل في هذه الترويجة الرحيمة من دون قنادر تستر قدميه ، وبهاي الطلّة يكون الفتى قد منحَ الآباء عذراً عظيماً لإعطاء الأذن الطرشاء لأبنائهم الملحاحين على شراء حذاءٍ جديد . أيضاً سيكون بمقدور الأمّ الحيرانة بأوشال معاش الدرويش ، أن تشتري لإبنتها الفائرة الناهدة ، بنطال كاوبوي عتيق من سوق البالة ، سعره من سعر ساندويجة فلافل بائتة ، وتقوم بعمل ثلمات وشقوق وروازين توزّعها فوق رجلَي البنطرون والأرداف وإحدى المؤخرتين البارزتين ، فإن زعلت البنت الدلّوعة أو الولد الشقيّ ، فإنّ الأم المشلوع قلبها ، ستطعنهما بحجة أنّ هيفاء ونانسي وتامر وحشداً من الناس المدججة بالدولار وبالذهب ، يطلعون على القوم وينطّون من على الشاشات ، حفاةً ببناطيل ممزّقة وهم على ضحكٍ وفخرٍ وزهوٍ مبين .
سيكون مشهد النائبات والنائبين وهم حفاة تحت القبّة ، منظراً لا يجعلهم بموضع شبهةٍ أو مَضحَكة . سيتدرّع الرجل بان كي مون بهذا السند المثبت ، ويردّ عتبَ سَكَنَة خيَم اللجوء العراة الحفاة ، ويُشهر بعيونهم الجائعة الغائرة ، صورَ نجماتٍ جميلات من غير هدوم أو وريقات توت ، ونجومٍ من غير قنادر .
نحن الآن بمنعرج خيرٍ وبركةٍ وحلّ ، وما هي إلّا كمشة أيامٍ محسوبات ، حتى نرى الناس الخارجة من صباح الرزقِ والعافية ، وهي تمشي وتتبختر في الشوارع والمطاعم والمعامل والمقاهي والحانات والمانات ، حافيةً حتى من آثار نعالٍ عتيق . سيخرج رئيس الدولة ورأسها العالي ، حافياً يغنّي ، وقدّامهُ أُمّ عيالهِ تتمايل ، فإنْ شمَّ رائحة غضبٍ على وجوه الرعية التعبانة العريانة المهانة المُذلّة التالفة ، سيصيح بهم صيحةَ صائحٍ واثقٍ إذا عاطَ :
اعصبوها برأسي وامرأتي حمّالة السعد ، فأنا ذهبتُ مذهبَ وائل كفوري وعمرو ذياب وشيرين ، وأنجلينا جولي وبراد بيت وجوليا روبرتس وعلي السودانيّ ومنتظر الزيديّ والعمّ الطنبوري ، وخالة أمبراطور اليابان وصاحبة كاظم الساهر البديعة المرصوصة الشهيّة التي ترقصُ حافية القدمين ، والسواد الأعظم من ركّاب تايتانيك الفقراء ، الذين غرقتْ أحلامهم وأوهامهم اللذيذة ، قبل أن ينوشوا عتبة إيطاليا ، أوغرفة ممكنة ببطنِ ملاذٍ آمنٍ رحيم .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

661 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع