ذكّر إنْ نفعت الذكرى!

                                          

                               زينب حفني


نحن العرب ذاكرتنا هشّة، نحتاج بين حين وآخر لمن يضربنا على رؤوسنا بمطرقة من حديد كي يُنشّط ذاكرتنا ويُنبهنا على هشاشة وضعنا، ويلفت انتباهنا لأخطائنا التي لا تتوقّف عن التراكم يوماً بعد يوم حتّى أصبحت كالجبل الصلب من الصعوبة تفتيت صخوره! وعندما تقع مصيبة مؤلمة، نجزُّ على أسناننا ونقول بنبرة نادمة..

يا ليتنا حاولنا تفادي ذاك الخطأ قبل وقوعه على أمِّ رؤوسنا لنحفظ أمن مجتمعاتنا! لكن مشكلتنا كما أننا أمّة لا تقرأ كذلك، نحن أمّة لا تنظر أبعد من موطئ قدميها، سرعان ما تمسح دموعها بباطن كفّها وتُكمل طريقها وكأن شيئاً لم يكن! بعكس الغرب الذي يضع نصب عينيه كل حادثة قاسية تمرُّ به ويُحلل أسبابها ويستخلص منها عِبراً تصبُّ في مصلحة مجتمعاته.

كانت مدينة نيويورك قد احتفلت مؤخراً بإعادة افتتاح مركز التجارة العالمي الذي تمَّ تفجيره منذ 13 عاماً في أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وسواء كان بن لادن هو المسؤول عن تفجيره أو تمَّ بأيدٍ خفيّة ليكون ذريعة قوية لتُسيطر الولايات المتحدة الأميركيّة على مقدرات أوطاننا، إلا أن كل عربي لا بدَّ أن يتأمل بإعجاب المبنى الذي تمَّ بناؤه على أنقاض البرج، والذي تم تجهيزه بأحدث أنظمة الأمان كالمرشحات التي تنقي الهواء من العوامل البيولوجية والكيميائية، والمصاعد والسلالم التي يغلفها الإسمنت، ومنافذ خروج إضافية في حالات الطوارئ، ليُصبح المبنى الأكثر أماناً بالعالم.

لا أريد أن أسترجع الماضي، فقد تجرعنا بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الكثير من كؤوس الوجع! وإذا كانت أميركا قد فقدت ثلاثة آلاف شخص بذلك اليوم الحزين، ولا تزال تنعى الأرواح التي فقدتها وتتذكّرهم في كل مناسبة وطنيّة، فنحن ما زلنا نفقد يوميّاً المئات من الضحايا الأبرياء، وأضعنا نتيجة الاحتلال الأميركي للعراق بلداً عربيّاً قويّاً كنّا نتفاخر بعظمة علمائه، لتنفرط السبحة بعد ثورات «الربيع العربي» ونعيش في قلاقل سياسيّة لم نستفق منها لحد الآن، وأدّت إلى وقوع بلدان عربيّة تحت رحمة جماعات متطرفة سال لعابها للسلطة واتّخذت الدين ذريعة للوصول لمآربها.

هناك مقولة كان العرب قديماً يرددونها «بيدي لا بيد عمرو!». نعم نحن الذين فعلنا بأنفسنا كل هذا، وجعلنا الغرباء يستبيحون دماءنا لأننا اعتدنا على سلخ فروة بني جلدتنا وقتلهم بدم بارد بذريعة واهية.. الغيرة على الوطن والدين والمذهب! وأصبحت أوطاننا مسرحاً للفتن الطائفيّة والخلافات العقائديّة!

عندما يفتح مجرمون النار على مواطنين شيعة لهم حقوق المواطنة كافة، ويقتلون خمسة منهم ويجرحون البعض أثناء احتفالهم بيوم عاشوراء، فهذا قمّة التعصّب والعنصريّة! صحيح هيئة كبار العلماء استنكرت الحادث، ولكن التنديد بها وبفاعليها ليس كافياً! فالأغلبية للأسف ما زالت تصرُّ على الوقوف بوجه كل من يُخالفنا في المذهب والعقيدة، وتظن أن إقصاءه والنيل منه هو الحل الأسلم، دون أن نُفكّر في النتائج الوخيمة التي ستؤدي حتماً إلى تصدّع مجتمعنا وزعزعة أمنه! ومن هنا تأتي مهمة المؤسسات التربويّة والتعليميّة والقنوات الإعلاميّة التي أعتبرها متورطة في إشاعة الفوضى وخلق بذور الفتنة الطائفيّة بالزعيق ليلاً نهاراً! وقد لفت عدد من الكتّاب والكاتبات النظر مراراً وتكراراً لمضمون خطابات الكراهية التي باتت مُشاعة بالآونة الأخيرة وتأثيرها السلبي على فكر الشباب!

أوطاننا العربية في هذا الوقت العصيب بحاجة إلى أن يتكاتف أبناؤها ليحموا مجتمعاتهم من المؤامرات التي تُحاك يوميّاً لتقسيم أراضيهم وشرذمة أهلها، وإذا لم نلتفت لها ونُحاول ترميم التصدعات التي تُنذر بانهيار جدرانها، سنسقط في مستنقع الخراب، ولحظتها لن نجد من ينتشلنا منها!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1127 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع