ما وراء حدود بغداد الشمالية

                                       

                          شذى الجبوري

التقى بول بريمر،الحاكم المدني الأميركي السابق في العراق،حسين الشهرستاني، عالم الذرة السابق ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حاليا، لأول مرة عام 2004، عندما كان يبحث آنذاك عن شخصية قيادية لتتسلم رئاسة الوزراء في الحكومة المؤقتة بعد انتهاء سلطات التحالف الأميركي في العراق.

التقى بريمر بالشهرستاني على دعوة عشاء في منزل الأخير، كان الغرض منها أن يتعرف على شخصيته ومدى قدرته على إدارة العراق في ذلك الظرف الدقيق.
بدأ اللقاء بانطباعات أولية إيجابية كونها بريمر عن شخصية الشهرستاني، لكنها سرعان ما انتهت بعد العشاء، الذي لم يستغرق سوى بضع ساعات قلائل، بنتيجة مفادها أن الشهرستاني لا يصلح للمهمة. بريمر علل ببساطة شديدة استبعاده عن لائحة الترشيحات للمنصب، كما جاء في كتابه «سنتي في العراق»، بأن معرفة الشهرستاني عن العراق «لا تتجاوز حدود بغداد الشمالية»، ويقصد هنا أنه لا يعرف من جغرافية البلد سوى جنوبه، وصعودا إلى وسطه حيث بغداد، وانتهاء بحدودها الشمالية، أما أبعد من ذلك فلا علم له به، أي مناطق السنة والأكراد.
الشهرستاني هنا نموذج بسيط يمثل نظرة قادة العراق الجدد لمفهوم العراق وجغرافيته. نعم إنهم يعرفون أزقة ودهاليز مدينتي النجف وكربلاء كما يعرفون خطوط باطن يدهم، لكن إن سألتهم: أين الشرقاط، وأين الموصل، وأين الحويجة، وأين بيجي؟ فإنهم لن يحرزوا أي إجابة. ليس عن جهل بالجغرافيا، بل لأنهم غير مهتمين بمعرفة ما وراء حدودهم. وهنا تكمن العلة.
بعد عشر سنوات من الغزو الأميركي للعراق، جاء غزو «داعش». قوات الأمن، التابعة للحكومة العراقية والتي تتسلم أوامرها من القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، كانت تعلم باقتراب عناصر التنظيم من الموصل، لكنها آثرت الفرار، لأن المعركة ليست معركتها، فهي تقع خارج الحدود.
مشكلة المالكي، كما يدور الحديث في الغرب اليوم، أنه يعتبر نفسه رئيسا للوزراء للشيعة فقط، أما السنة والأكراد فهم مكونات غريبة هو غير معني بها.
جاءت المالكي فرصة ذهبية عام 2007 عندما مدت الصحوات السنية يدها لمقاتلة تنظيم القاعدة في العراق، وبدلا من أن يصافح تلك اليد حاول قطعها لأن هاجس «الخوف من السنة» وعودتهم إلى الحكم ما زال يقض مضجعه رغم مرور كل تلك السنين وانقلاب الموازين والمعادلات.
لا أريد أن أشيد بديكتاتور ومجرم مثل صدام حسين، لكن التاريخ يفرض نفسه اليوم. صدام بكل عنجهيته وقوته، وأتحدث عن حقبة الثمانينيات، كان يحاول خطب ود الشيعة. لم يكن يتردد في الذهاب إلى مدنهم أسبوعيا، يدخل بيوتهم ويستمع لهم ويحل مشاكلهم وحتى يتفقد ما يطبخونه في ذلك اليوم، وصوره وهو يفتح براداتهم ما زالت ماثلة في الأذهان. كان يذكرهم عبر تلك الزيارات بوجوده، ويبعث بهم برسالة مفادها أنه رئيسهم أيضا وليس رئيسا للسنة فقط. ومقابل عشر زيارات كان يجريها إلى كربلاء والنجف والبصرة والناصرية والعمارة والسماوة، كان يذهب إلى مدينة سنية للقاء أهلها. ولا أحد يستطيع نكران ذلك.
مرت ثماني سنوات على حكم المالكي للعراق، هل زار محافظة سنية؟ هل ذهب للموصل أو إلى حديثة؟ أو عانة أو الدور؟ هل التقى بالأهالي؟ هل استمع لهم؟ إلى شكاواهم؟ هل حاول الاقتراب منهم؟ هل حاول إشعارهم بأنه يمثلهم وأنهم يعنون له الكثير أسوة بالشيعة؟ باختصار لم يفعل لأنهم خارج حدود العراق الذي يعرفه.
هزة «داعش» لن تمر بسلام، وأغلب الظن أنها ستؤسس لواقع جديد في العراق الذي سيواجه سيناريوهات عدة أولها التقسيم. لكن إن كان لا يزال هناك خيار بقاء العراق موحدا بقيادة الشيعة، فعلى هؤلاء إدراك أن العراق لا ينتهي عند حدود بغداد الشمالية، بل هو أوسع بكثير مما في مخيلتهم، وأنه، شاءوا أم أبوا، بيت كبير يسع جميع العراقيين، لا الشيعة فحسب.

*جريدة الشرق الأوسط

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1012 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع