لميعة عباس عمارة شاعرة آنست قلوب العراقيين في مهاجرهم

      

  لميعة عباس عمارة شاعرة آنست قلوب العراقيين في مهاجرهم

العرب/فاروق يوسف:رحلت الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة في الولايات المتحدة الأميركية عن عمر تجاوز الثانية والتسعين عاما، وبرحيل عمارة يفقد الشعر العربي واحدة من أعمدة الحداثة الشعرية وأكثر أصوات الشعر عذوبة. وتعد الشاعرة، المولودة في بغداد عام 1929 والمقيمة في جنوب ولاية كاليفورنيا الأميركية، من أبرز الشاعرات العراقيات وهي التي عايشت تجارب أبرز شعراء الحداثة العراقية، منذ أيام دراستها في دار المعلمين العالية في بغداد منتصف خمسينات القرن الماضي.

أحبها الكثيرون من غير أن يدخلوا في تفاصيل قيمتها الشعرية. لميعة عباس عمارة التي توفيت أمس عن عمر ناهز الثانية والتسعين ولم تعان من أمراض قاهرة، لم تزاحم الشعراء على الخارطة الشعرية ولم تنافس أحدا في سباق نقدي ولم تفرض نفسها على منتدى أو لقاء شعري، غير أنها كانت موجودة دائما في الوجدان الشعري العراقي ولم تتجاوز حدوده إلى زمن الشعر العربي.

حين درست في دار المعلمين العالية “كلية الآداب” وجدت نفسها بالصدفة بين حشد من الشعراء كانوا يخططون لإحداث انقلاب جوهري في مستقبل الشعر. بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي وعبدالرزاق عبدالواحد “ابن خالتها” وسليمان العيسى، فانضمت إليهم معتمدة على إرث طفولتها الذي يضم بين صفحاته إعجاب الشاعر المهجري إيليا أبوماضي بشعر الطفلة ابنة صاحبه العراقي، صائغ الذهب. كانت جزءا ملحقا بتلك الظاهرة التي لم يقابلها الوسط الثقافي العراقي بالترحيب والإطراء. غير أنها تحولت في ما بعد إلى ظاهرة اسمها “لميعة عباس عمارة” تجمع بين الرقة الشعرية وفتنة الأنثى وقوة الحضور.


“لو أنبأني العراف” هو عنوان كتابها الخامس الشعري الذي صدر عام 1980، ولكنها لم تكن في حاجة إلى عراف لتعرف أنها احتلت مكانا مرموقا في قلوب العراقيين الشغوفين بمفردات الحنين إلى وطن صار ينسل من بين أصابع أيديهم كالهواء. وعلى أساس تلك العلاقة محت عمارة المسافة التي تفصل بين الواقع والخيال، ابنة للنّاس الطيبين وأيقونة الغزل العفيف الرمزية.

وكما تقول الحكاية غير المؤكدة فقد كانت الشابة المندائية المولودة في بغداد في عائلة مهاجرة من مدينة العمارة جنوب العراق هي مصدر إلهام الشاعر الرائد بدر شاكر السياب في عدد من قصائده العاطفية. حكاية لم تنفها الشاعرة ولم تؤكدها، غير أنها كانت تمر بها بخفة لتزينها بضحكتها المحببة وحضورها الساحر.

   

في غربتها غمرها العراقيون بحبهم لذلك قررت أن تفتح عالمها على موهبة لغتهم وهي العراقية الدارجة، فصارت تكتب قصائد قصيرة كعادتها لكن بلغة تذهب إلى القلوب مباشرة من غير أن تضطر للمرور بالعقول من أجل الترجمة.

كانت الشاعرة حبيبة العراقيين المغتربين في سهراتهم بالرغم من أنها ظلت تحتفظ بتلك المسافة التي تميزها عن سواها من النساء. الشاعرة القادمة من زمن الشعر الذهبي.

ابنة لحظة التأسيس التي لم تندس بين الشعراء المغامرين الذي يخططون لتغيير العالم من خلال الشعر. تقول “قد لا أكون شاعرة كبيرة ولكني لم أكن يوما إنسانة صغيرة”. إنسانة عذبة ورقيقة وفي المقابل قوية ومتماسكة. مذهبها الرومانسي في الفن لم يقع على حساب موقفها المبدئي في الحياة.

لقد عاشت لميعة عباس عمارة حياة تتناغم مع شعرها من حيث رخائها وبساطتها وعذوبة محتواها وقربها من الناس العاديين فكانت شاعرة في حياتها وقريبة من هموم الحياة اليومية في شعرها.

لميعة عباس عمارة هي الظاهرة الشعرية التي لم ينافسها أحد لا من شاعرات وشعراء جيلها ولا الأجيال اللاحقة من جهة البعد الاجتماعي الذي أُحيط به شعرها من قبل الأكثرية التي لا يشكل الشعر جزءا من حياتهم اليومية.

لقد غزت عمارة بشعرها قلوب العراقيين فكانت جملها تُردد كما لو أنها مأثورات. وتجسد ذلك عندما تحولت بعض قصائدها إلى أغان بصوت الفنانين العراقيين مثل ياس خضر الذي لحن الموسيقار الراحل محمد عبدالمحسن قصيدة “خلصت”، وفاضل عواد الذي لحن له كوكب حمزة قصيدة “يانهر”، ثم سعدون جابر الذي لحن قصيدة “لو أنبأتي العراف” لصوت الفنان الراحل عارف محسن، وبعدها أدى بصوته قصيدة “خلصت صدك” بلحن جديد للفنان كاظم فندي.

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

683 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع