
«مَن يعيش كما يشاء يعمّر أكثر ممن يعيش وهو يُكابد الحرمان!»
هيديكي وادا — طبيب نفسي ياباني عالج أكثر من 6,000 مسنّ خلال 35 عاماً
إيلاف من لندن: في اليابان، بلد الـ 90 ألف معمّر، يتجاوز 29% من السكان سن الخامسة والستين، ويعيش أكثر من 90,000 شخص فوق سن المئة، يأتي كتاب يقول ما لا يجرؤ معظم الأطباء على قوله: «توقفوا عن الحرمان، وابدأوا الاستمتاع».
هذا هو جوهر كتاب «حاجز الثمانين» (80歳の壁) للطبيب النفسي هيديكي وادا، الذي صدر في 28 مارس 2022 عن دار غينتوشا (Gentosha)، واحتل المرتبة الأولى في قائمتَي «نيبّان» و«توهان» للكتب الأكثر مبيعاً في اليابان لعام 2022 — محققاً ما يُعرف بـ«التتويج المزدوج» النادر في عالم النشر الياباني.
المفارقة الصادمة: 12 سنة من الاعتماد على الآخرين
يطرح وادا معادلة مُقلقة في صميم الكتاب: متوسط العمر الصحي في اليابان هو 72 عاماً للرجال و75 للنساء، بينما متوسط العمر الفعلي 82 و88 عاماً على التوالي.
هذا يعني أن اليابانيين يقضون في المتوسط من 9 إلى 12 سنة من أعمارهم في حالة اعتماد على الآخرين — سنوات من القيود، والأدوية، والحرمان، وفقدان الاستقلالية. «حاجز الثمانين» هو تلك اللحظة الفارقة التي تتحول فيها الحياة من الاستقلالية إلى الاحتياج للرعاية.
«ما كنتَ تفعله بالأمس قد لا تستطيع فعله اليوم. هذا هو الثمانون.»
من هو هيديكي وادا؟
وُلد وادا عام 1960 في أوساكا، وتخرّج من كلية الطب بجامعة طوكيو — أعرق كليات الطب في اليابان. عمل مساعداً في قسم الطب النفسي العصبي بمستشفى جامعة طوكيو، ثم حصل على زمالة دولية من مدرسة كارل مينينغر للطب النفسي في الولايات المتحدة (واحدة من أعرق مؤسسات الطب النفسي في العالم).
يدير حالياً «عيادة وادا هيديكي للقلب والجسد» في طوكيو، وأمضى أكثر من 35 عاماً متخصصاً في الطب النفسي لكبار السن، عالج خلالها ما يزيد عن 6,000 مريض مسن. وهو نفسه، كما يعترف في مقابلاته، يعاني من السكري وقصور في القلب، لكنه يُصرّ على الاستمتاع بحياته — من النبيذ إلى المطاعم — مازحاً: «إن عشتُ طويلاً، ستزداد مصداقية كتابي!»
الرسالة المركزية: لا تكبت رغباتك
في مقابلة مع صحيفة سانكي شيمبون، لخّص وادا فلسفته:
«أن تعيش وأنت تُكابد الحرمان لتعمّر قليلاً أكثر، أم أن تقبل الشيخوخة وتستمتع بما تبقّى؟ هذا هو السؤال. وأنا أقول: استمتع.»
وفي مقابلة منفصلة مع موقع «هون نو هيكيداشي» الأدبي بعد تحقيق الكتاب للمرتبة الأولى، قال:
«من واقع خبرتي الطويلة، أستطيع القول: مَن يعيش متقشفاً مُنكمشاً يشيخ أسرع ممن يعيش كما يشاء. هذه ليست نظرية، هذا ما رأيته بعيني على مدى 35 عاماً.»
نصائح تصطدم بالطب التقليدي
يقدّم وادا مجموعة من النصائح التي تتحدى الموروث الطبي السائد، وهي ما جعلت الكتاب مثار جدل واسع:
١. كُل ما تشتهي
يرى وادا أن الشعور بالجوع إلى طعام معين في الشيخوخة قد يكون إشارة من الجسم إلى حاجة حقيقية. فمثلاً، الرغبة في الملح قد تنبع من انخفاض قدرة الكلى على الاحتفاظ بالصوديوم مع التقدم في العمر، مما يؤدي إلى نقص الصوديوم في الدم — وهي حالة خطيرة. الحرمان المستمر، بحسب وادا، يُضعف الجسد والروح معاً.
٢. لا تُفرط في خفض الضغط والسكر
يجادل وادا بأن المعايير الطبية لضغط الدم والسكر وُضعت أساساً للشباب ومتوسطي العمر، وأن تطبيقها الصارم على المسنين قد يضرّ أكثر مما ينفع. في الثمانين، يقول، الأولوية ليست للأرقام المثالية بل لجودة الحياة.
٣. لا تتخلَّ عن رخصة القيادة
من أكثر النصائح إثارة للجدل: يقول وادا إن «البيانات تُظهر أن كبار السن الذين يتخلون عن رخصة القيادة تتضاعف لديهم معدلات الاحتياج للرعاية بعد ست سنوات». السبب؟ فقدان القدرة على التنقل يؤدي إلى انكماش دائرة الحياة، ثم العزلة، ثم التدهور السريع.
٤. لا تخف من الخرف
«الخوف من الخرف أسوأ من الخرف نفسه» — هذه إحدى أكثر عبارات وادا استفزازاً. يرى أن الخرف لا يحدث فجأة بل تدريجياً، وأن المصاب يفقد بعض القدرات لا كلها، ويمكنه الاستمرار في ما يستطيع فعله. الهلع من الخرف، بحسبه، يُسرّع وقوعه.
٥. امشِ 20 دقيقة، 5 أيام أسبوعياً
هذه النصيحة البسيطة، وفق وادا، تخفض خطر الإصابة بالخرف بنسبة 40%. المشي لا يُقوّي الجسد فحسب، بل يُبقي الدماغ نشطاً ويمنع الانعزال.
٦. كُل اللحوم صباحاً
ينصح وادا بتناول اللحوم (البقر والدجاج) في الصباح، عكس الشائع. يرى أن البروتين الحيواني ضروري للحفاظ على الكتلة العضلية التي تتراجع بسرعة بعد السبعين، وأن تناوله صباحاً يمنح الجسم الطاقة طوال اليوم.
عن الموت: «لحظة النهاية ليست مؤلمة»
في كتاباته اللاحقة، يتناول وادا موضوعاً يتجنبه معظم الأطباء: الموت. يقول إن اليابانيين «هواة صحة» أكثر من أي شعب آخر في العالم، وهذا نابع من خوفهم الشديد من الموت لأنهم يتجنبون الحديث عنه.
«لحظة الموت ليست مؤلمة. في المرحلة الأخيرة، يتراجع الوعي تدريجياً، وينزلق الإنسان إلى النوم. لا ألم، لا معاناة. هذا ما أعرفه من عقود في غرف المحتضرين.»
لماذا نجح الكتاب؟
تجاوزت مبيعات الكتاب 500,000 نسخة خلال ثمانية أشهر فقط، وهو رقم استثنائي لكتاب في مجال الصحة. تُظهر بيانات دار النشر أن 70% من المشترين هم من الفئة العمرية 70-80 عاماً، بينما يشكّل من هم في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات نحو 25% — وهؤلاء غالباً يشترونه لآبائهم أو يقرأونه استعداداً لمستقبلهم.
يقول وادا:
«ظللت طوال مسيرتي أوجّه رسالة واحدة: كبار السن الذين يعيشون بنشاط يؤخّرون شيخوختهم. حتى لو وصل الكتاب إلى نصف مليون قارئ، فإن عدد المسنين فوق 65 عاماً في اليابان يتجاوز 36 مليوناً. أحتاج للوصول إلى 10% منهم على الأقل لإحداث تغيير حقيقي.»
اليابان نموذجاً للعالم
يختم وادا حديثه برؤية أوسع:
«الشيخوخة يُنظر إليها دائماً بسلبية. لكن الصين وكوريا وأوروبا ستواجه قريباً ما نواجهه نحن. إذا نجحت اليابان في تطوير نموذج لحياة صحية وسعيدة للمسنين، سنصبح قدوة للعالم.»
الشيخوخة ليست غرفة انتظار للموت، بل مرحلة تستحق أن تُعاش بحرية.
عِش ببساطة، تحرّك كل يوم، وكُل ما يُسعدك

1056 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع