حمير ذكية و"مقاتلات"... وسائل تهريب مبتكرة في المغرب

                 

     الحمير تُهرب السلع بين الحدود المغربية - الجزائرية (أ ف ب)

الأندبيندت/ حسن الأشرف:"حمير ذكية" و"سيارات مقاتلة"... طرق غريبة كثيراً ما يلجأ إليها مهربو البضائع والسلع خصوصاً عند الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر، للتحايل على حرس المناطق الحدودية وإيصال البضائع إلى المقلب الآخر.

تهريب عبر تجويف سيارة أو هيكل شاحنة، أو داخل فراش أو بين شحنة ملابس... طرق أخرى غريبة لتهريب "المهاجرين السريين" من المغرب إلى إسبانيا، البلد الأوروبي الأقرب إلى المملكة.

ورصدت "اندبندنت عربية" في هذا التقرير عدداً من الحيل الغريبة وأخرى مأساوية، بعضها اتسم بالجرأة والمغامرة في تهريب المهاجرين غير النظاميين صوب "الفردوس الإسباني".

حمير "ذكية"

عند الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر منذ عام 1994، يتم تهريب السلع والبضائع بطرق "غير تقليدية" تعرف بالغرابة و"الإبداع" في التنفيذ.

ومن أشهر طرق التهريب التي ما زالت تُمارس إلى هذا اليوم طريقة "الحمير الذكية" التي تحمل سلعاً معينة وتقوم بتهريبها منفردة من دون أن يمتطيها أحد، فتذهب إلى المكان المحدد لتسليم البضاعة ثم تعود أدراجها.

ويبدو أنه صار للحمير شأن كبير في المناطق المجاورة للحدود بين البلدين الجارين، خصوصاً بالنسبة للذين يمارسون تهريب السلع مثل البنزين والسجائر وحتى المخدرات بين المغرب والجزائر.

وارتفعت أسعار الحمير في أسواق مدينة وجدة في شرق المغرب قرب الحدود بين البلدين، كما في الأسواق الجزائرية، لتصل أحياناً إلى 500 دولار للحمار الواحد، بينما السعر العادي للحمار في بقية الأسواق لا يتعدى الـ 100 إلى 150 دولاراً.

وبسبب الخدمات التي تقدمها هذه الحمير للمهربين، تمكن بعضهم من تجميع ثروات مالية على حساب "الحمير" التي تقوم بتهريب السلع من البلد إلى البلد المجاور حيث ينتظرها من يتسلمون تلك البضائع.

حمير و"مقاتلات"

وتتلخص طريقة التهريب الشهيرة عبر الحمير، كما رواها أحد سكان المناطق الحدودية، في طريقتين اثنتين، الأولى هي تدريب الحمار على اتباع أوامر السير المعروفة باللغة المغربية الدارجة بـ"أرا" (بتشديد الراء)، من خلال سماعة توضع على أذنيه مسجل فيها صوت الأمر الذي تدرب عليه الحمار.

وتابع المتحدث العارف بخبايا هذا النوع من التهريب، بأن الحمار بعد التدرب أيضاً على السير وفق ما يسمعه في جهاز السماعة، يأمره المهرب أو المهربون بسلك الطرق المهجورة التي تنأى عن أعين حرس الحدود البرية في الليل من أجل ضمان نجاح عملية التهريب.

والطريقة الثانية، وفق المصدر عينه، تتمثل في تدريب الحمار على السير عطشان خلال مدة زمنية معينة، ويكون خلالها من دون أية حمولة أو بضاعة، لتتم مكافأته بتقديم الماء عند بلوغ الحدود، فيعتاد على هذا السلوك والطريق، ليتم بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة تكليفه بتهريب السلع المختلفة.

ومن الطرق الرائجة المعروفة لتهريب البضائع والسلع عند الحدود المغربية - الجزائرية طريقة "السيارات المقاتلات"، وهي السيارات التي ينزع المهربون لوحات ترقيمها ومقاعدها الخلفية، فتصبح "سيارة مقاتلة" يقودها المهرب في جنح الظلام بسرعة كبيرة من دون أضواء حتى لا تجذب انتباه شرطة الحدود، للوصول إلى المكان المتفق عليه مع الجانب الآخر لتسليم السلع المهربة وتحصيل المال مقابل ذلك.

مغامرات قاتلة

إلا أن بعض وسائل التهريب لم تسرِ كما كان مخططاً لها لتنتهي بمأساة وموت. ففي شهر أغسطس (آب) الماضي، عثرت السلطات الأمنية الإسبانية على جثة شابة مغربية عشرينية داخل الصندوق الخلفي لسيارة قادمة من المغرب، تبين أنها مهاجرة سرية أراد شقيقها العبور بها إلى الأراضي الإسبانية.

وأوردت الأخبار حينها أن الفتاة التي كانت تدعى فاطمة، تعرضت للاختناق بسبب قضاء ساعات داخل الصندوق الخلفي لسيارة شقيقها، حيث عثر عليها عناصر الحرس الوطني الإسباني عند تفتيش السيارة في ميناء الخزيرات الإسباني.

ويبدو أن شقيق الفتاة الهالكة سيجد نفسه أمام تعقيدات ومشكلات قانونية وقضائية بسبب اتهامه بتهمة القتل غير العمد من قبل السلطات الإسبانية، بينما عكفت السلطات المغربية على معرفة الطريقة التي استطاعت بها السيارة نقل فاطمة من المغرب إلى إسبانيا من دون اكتشافها في الصندوق الخلفي للسيارة.

وتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان واقعة وفاة قاصر مغربي لا يتجاوز عمره 17 سنة، قرب ميناء مدينة سبتة في الأراضي المغربية والخاضع للحكم الإسباني، كان يهم بالعبور إلى إسبانيا مختبئاً داخل هيكل شاحنة للنقل الدولي للبضائع.

تجارب فاشلة

وتشهد مدن شمال المملكة، وخصوصاً في طنجة لكونها لا تبعد عن إسبانيا سوى 15 كيلومتراً تقريباً، العديد من محاولات تهريب المهاجرين السريين الراغبين في بلوغ الأرض الإسبانية، من خلال التربص بحافلات النقل الدولي أو بشاحنات تصدير السلع، أو حتى بالسيارات التي تعبر نحو الضفة الأخرى.

ويتحين العديد من الشباب والمراهقين في بعض أنحاء مدينة طنجة، الفرصة للاختباء خلسة في مقصورة شاحنة تقصد إسبانيا أو حتى بين عجلاتها، للاختباء من شرطة الحدود.

ويحكي مراهق يدعى أيمن، 17 سنة، عن تجربته مع التهريب سراً عن طريق الاختباء في الشاحنات الكبيرة المتخصصة في النقل الدولي الذي يربط بين المغرب وإسبانيا عبر ميناء مدينة طنجة.

ويكمل الشاب ذاته بأنه "أخفق أكثر من مرة في الوصول إلى الأراضي الإسبانية بهذه الطريقة، حيث تم ضبطه من قبل السلطات الأمنية غير مرة"، شارحاً بأنه "مرة اختبأ بتواطؤ مع سائق الشاحنة بين العجلات الكبيرة للشاحنة، لكن بمجرد الوصول إلى شرطة الحدود تم العثور عليه بسهولة".

لعبة الاختباء

ويسرد شاب آخر حكايته مع "الهجرة السرية" بطريقة مشابهة، قائلاً إنه حاول مرة الاندساس بين السلع التي تحملها شاحنة لنقل البضائع متوجهة إلى إسبانيا.

واسترسل الشاب بأنه في غفلة من أعين السائق ومساعده، استطاع الاختباء بين البضائع المتكدسة، ليقطع أشواطاً في الطريق، قبل أن يتم اكتشافه من قبل مساعد السائق الذي سمع سعال الشاب الذي كاد يختنق من فرط ضعف التهوية.

ووفق رواية المتحدث ذاته، فإن هذه الطرق صارت معروفة لدى "الحراكة" المغاربة والأفارقة أيضاً الذين يفضلون الهجرة غير الشرعية إلى إسبانيا عبر الاختباء والتسلل والاندساس في المركبات التي تقصد الديار الإسبانية.

وتبعاً للشاب فإن "الحراك"، أو المهاجر السري الذي يختار هذه الطريقة، يتعين عليه أن يرتدي ألبسة خفيفة، وألا يحمل معه أوراقاً ثبوتية حتى لا يتم التعرف إليه من طرف شرطة الحدود في حالة ضبطه، وأيضاً يجب أن يكون معه "ماء وحمص" فقط، من أجل الزاد طيلة الطريق نحو إسبانيا إذا أفلح في الاختباء والتسلل جيداً.

وتتناقل وسائل الإعلام مقاطع فيديو لعدد من الشباب المغاربة مندسين إما في تجاويف الشاحنات والحافلات طيلة الطريق إلى إسبانيا، غير أن أغرب "الابتكارات" كانت لشابين مهاجرين سريين اختبآ وسط قوالب فارغة لمرتبتين (فِراشين)، لكن أيادي الحرس الإسباني امتدت إليهما، لتعيدهما إلى البلاد.

تهميش ومراقبة كثيفة

وتعزو الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير، لجوء المهاجرين غير النظاميين سواء مغاربة أو من جنسيات أفريقية ينطلقون من المغرب، إلى عوامل رئيسة عدة، أولها رغبة هؤلاء الشباب في الانعتاق من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية للمناطق التي ينحدرون منها.

واستدلت الباحثة بآخر حادثة حصلت في شهر أغسطس 2022 للشابة فاطمة التي وُجدت ميتة اختناقاً داخل الصندوق الخلفي لسيارة شقيقها، مبرزة أنها تنحدر من منطقة تنغير التي يمكن تصنيفها ضمن المناطق المهمشة تنموياً واقتصادياً.

والعامل الثاني، وفق المتحدثة ذاتها، يتمثل في كون المراقبة المكثفة لحرس الحدود تدفع الشباب المرشحين للهجرة غير النظامية إلى اللجوء إلى طرق احتيالية يتسم في بعضها بالغرابة، ولكن أيضاً بالمغامرة والجرأة في التنفيذ.

وتابعت الباحثة في جامعة الرباط أن هذه الجرأة والمغامرة بالنفس تكون لدى المهاجر السري عندما يجد أمامه جميع أبواب الحياة موصدة، من بطالة وتهميش وآفاق مستقبلية ضبابية، فيفكر في الهجرة بسلك مثل هذه الطرق، لظنه أنه سيتخلص من الفقر والفاقة بمجرد بلوغه أرضاً أوروبية.

وبالأرقام أحبطت السلطات الأمنية المغربية ما مجموعه 14746 محاولة هجرة غير شرعية خلال الربع الأول من عام 2022، كما فككت شبكة إجرامية لتهريب المهاجرين خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

792 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع