"حرب المتسولين" تستعر في نينوى بين العراقيين والسوريين.. والابتسامة و"الاغراء" سلاحان يستعملان بكثرة

           

                          

المدى برس/نينوى:ام فراس، امراة موصلية تدير "عملا عائليا مزدهرا"، بالاشتراك مع ابنتها واثنين من اولادها، تخرج العائلة كل صباح، لتنتشر في تقاطعات المدينة، وتفتش عن رزقها عن طريق "التسول"، وتقول ام فراس، في حديث إلى (المدى برس) أن العائلة كانت تجمع يوميا نحو خمسين الف دينار، وهو مبلغ محترم قياسا إلى "المهنة" التي تعمل بها العائلة.

ومع ان ام فراس لاتهتم كثيرا بالسياسة، حتى انها لاتعرف اسم محافظ نينوى وتطلق عليه اسم "اسيل النجفي" بدلا من اثيل النجيفي، الا انها تكره الرئيس السوري بشار الاسد بصورة كبيرة، فهو، كما تقول ام فراس، السبب في المنافسة الشديدة التي تتعرض لها، والتي سببت "خسائر" يومية لها ولعائلتها بسبب قدوم متسولات سوريات "يستخدمن الاسلحة المحرمة"، التي لاتستطيع ام فراس، المراة العجوز، او عائلتها منافستها.

تقول ام فراس أن "المتسولات السوريات المهاجرات قطعن أرزاقنا، ونحن نعرف إنهن لسن بمهجرات وانما كن يعلمن متسولات في سوريا أيضا".

وأضافت "لم يعد الكثير يلتفت الى المتسولات العراقيات بالرغم من حاجتنا الى المال لإعالة عوائلنا فبعضنا أرامل او مطلقات او لا يوجد لها معيل، أما السوريات فهي جئن من هناك متسولات اي لسن مهجرات وقد انقطعت بهن الأيام".

وتابعت "نقوم بالتسول انا وبنتي واثنان من أولادي ومجموع ما كنا نحصل عيه في اليوم لا يصل الى 50 الف دينار، اما الان فلن يصل الى عشرة آلاف دينار، بعد ان تمكنت السوريات اللواتي يستخدمن جمال الشكل والجسد وارتداء ملابس مثيرة والاهتمام بالملبس والمكياج، من ان يقطعن علينا سبيل المعروف".

السوريات: جمال واناقة وتسول بالقوة

ولن تحتاج الكثير من الوقت حتى تكتشف كثيرا من الحقيقة في ما قالته ام فراس، فما إن تقف بسيارتك في عدد من تقاطعات الإشارة المرورية في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، حتى تطرق عليك الشباك فتاة جميلة اعتنت بمظهرها ولبسها، وتتكلم معك بلهجة تشير إلى انها غير عراقية، لتطلب منك التصدق بمبلغ من المالك لكونها "مهجرة".

وتقول احداهن، وهي تحمل هوية عليها شعار الجمهورية السورية، والتي لاتتجاوز الثلاثين عاما من العمر أنها "من القامشلي وفررنا وعائلتي بسبب الاحداث التي تشهدها سوريا".

وتضيف الفتاة التي لم تعرف انها تتحدث مع الصحافة، لانهن يمتنعن عن الكلام معها، كما لم تنشر (المدى برس) اسمها عملا بالمفاهيم المهنية، أن "عمرها 30 عاما"، مضيفة بابتسامة واسعة لم تسقط عن شفتيها طوال اكثر من ساعتين من مراقبتنا لها وهي تتسول "لا يوجد قصد سيء من الكلام والمزاح الذي نسلكه مع الناس، اولا هذا امر طبيعي لدينا، اضافة الى انه سلاح لاستمالة الناس ليعطونا المال الذي تحتاجه عوائلنا".

وتقول الفتاة التي تتخذ من تقاطع حي الامن في الجانب الايسر من الموصل، مقرا لها، مع اربع سوريا اخريات، بعد ان أزحن المتسولات العراقيات منه أن "من يحاول ان يقل ادبه فإننا نعرف كيف نوقفه عند حده، ولا نسمح بأي إساءة او تجاوز للأخلاق والحدود".

هذه الفتاة لم تكن الوحيدة القادمة من سوريا إلى العراق، فشوارع مدينة الموصل تشهد مجاميعا من السوريات تتكون من 3 الى 5  شابات تتراوح أعمارهن بين 15 الى 30 سنة يمارسن التسول ويتوزعن في مجموعات عند تقاطع الطرقات الرئيسية وخصوصا في الجانب الشرقي من المدينة.

تقول متسولة اخرى اطلقت على نفسها اسم (وسن) وتبدو في بداية العقد الثاني من عمرها، أن "العراقيين كرماء ويساعدونا لاننا بحاجة الى المال لتوفير احتياجاتنا الاساسة اليومية"، مؤكدة "لا نمارس التسول الا لحاجتنا، فنحن في سوريا لم نكن متسولات".

واضافت وقد اعتنت بوجهها بشكل جذاب حيث نقش التاتو والخرزة اللماعة على جانب الانف "في البداية تعرضنا للضرب من قبل المتسولات العراقيات وكان هذا حافزا اكبر لكي يعطينا العراقيون مال الصدقة، لقد تركنا في بلدنا كل شيء أموالنا وملابسنا ومنازلنا، وغادرنا مكرهين بعد ان ازداد الوضع الامني سوءً".

ورغم غياب إحصائيات رسمية حول عددهن، إلا ان جولة على التقاطعات التي يتواجدن فيها تشير إلى عددهن قد يصل الى 25 متسولة، الا أن مظهرهن اللافت جعل من وجودهن ظاهرة يتكلم عنها الجميع.

الشباب العراقي أكثر "كرما" مع المتسولات السوريات

يقول ليث فراس (31 عاما) صاحب محل وسط الموصل في حديث إلى (المدى برس)، وقد أعطى مبلغ خمسة الاف دينار لإحداهن "ليس دائما اعطي هذا المبلغ لكنها جميلة وتحدثت معي قليلا مبتسمة وتمازحت معي ووجدت هذا المبلغ مقابل الكلام والمزاح".

بينما يقول ياسين رعد (52 عاما) ان وجود السوريات هو "ظاهرة سيئة في مدينة الموصل لانهن منتشرات في التقاطعات والأسواق وبأعمار تعتبر خطرة جدا واراهن دائما يتحدثن الى الجنود وبائعي الرصيد والشحاذين في التقاطعات ونحن نعرف ان عدد غير قليل من التسول يتخذن هذه الظاهرة للتغطية على امور سيئة اخرى يمارسنها".

اما بشرى يونس (46 عاما) مدرسة ثانوية، فتقول في حديث الى (المدى برس) "التوسل ظاهرة مرفوضة، اليوم هناك باتت منظمات ترعى شرائح كبيرة من المجتمع لكنها تحتاج الى دعم دولة اضافة الى رعاية دور العبادة من الجوامع والكنائس للعوائل المتعففة".

واضافت " تواجد السوريات كمتسولات في شوارع الموصل في الفترة الاخيرة اكيد فيه خطورة فالبنت التي تأخذ المال مقابل ابتسامة او مزاح او تستخدم الاغراء في الملبس والشكل مقابل ذلك، تكون خطيرة على المجتمع".

الامم المتحدة: العراقيات ينتحلن الهوية السورية

من جانبه يقول مدير مكتب مفوضية شؤون اللاجئين في الامم المتحدة في نينوى رعد العباسي، ان "انتشار اللاجئات السوريات كمتسولات في الشوارع ظاهرة غير حضارية ونحن كمفوضية سامية لشؤون اللاجئين نرفض هذه الظاهرة كون اللاجئات السوريات اللاتي قدمن الى مدينة الموصل  من مخيم دوميز فايدة شمال المحافظة لسن بحاجة إلى التسول"

واضاف العباسي "هناك جهد واسع من مفوضية شؤون اللاجئين ومنظمات دولية اخرى لتوفير المأوى وكل متطلبات المنزل إضافة الى الاحتياجات من المواد الغذائية وبالتالي لا يوجد ضرورة ان تنتقل تلك العوائل من المخيم وان تنزل الى الموصل لتمارس ظاهرة التسول".

وبين " ان اللاجئات يخرجن من المخيم ليمارسن التسول ثم يعود الى المخيم، لان قوانين المفوضية لا تفرض على اللاجئ التواجد في المخيم"، مشيرا الى ان "اللاجئين السورين يحصلون على شهادتين، الاولى شهادة اللجوء من مفوضية اللاجئين لأنهم مسجلون في المخيم والشهادة الثانية التي تصدر من اقليم كردستان وهي عبارة عن بطاقة مرور والتي هي شبيهة ببطاقة الاقامة تمكنهم من التنقل داخل اقليم كردستان".

وتابع "قسم من اللاجئين يستخدمون البطاقة الكردستانية للدخول الى محافظة نينوى بطريقة غير شرعية والقسم الآخر يستخدم هوية اللاجئين الصادرة من المفوضية للدخول الى نينوى، وبكلا الحالتين هذا الدخول مخالف للقوانين".

واكد العباسي ان "المتسولات اغلبهن لديهن من يعيلهم كأب او زوج او اخ يعمل في اقليم كردستان بينما الزوجة او الاخت او البنت تعمل متسولة في شوراع الموصل، وهناك ظاهرة اخرى ان قسما من المتسولات العراقيات بدأن يستخدمن هذه الظاهرة ويحلمون هويات لاجئين مزورة يتم اظهارها للناس على انهم لاجئات سوريات وتكون غطاء لهم للمارسة التسول".

ادارة المدينة: كفى تسولا متعدد الجنسيات

من حانبه دعا قائممقام مدينة الموصل علي حسين حاجم المتسولات السوريات الى ترك التسول في المدينة، وقال في حديث الى ( المدى برس )" ادعوا المتسولات السوريات الى الانسحاب من التقاطعات المرورية والساحات العامة، مع ترحيبنا بهن كضيوف ولاجئين، الا ان ظاهرة التسول امر مرفوض مجتمعيا سواء منهن او من العراقيات وكذلك لما له من انعكاسات اخرى".

واوضح "اننا نخشى ان تكون تكون هناك تطورات سلبية للتسول وتقع مشاكل المدينة في غنى عنها، مشددا على وجود منظمات دولية تعنى بتوفير احتياجات العوائل السورية المهجرة لذلك هم ليسوا بحاجة الى التسول".

واضاف "ستكون هناك إجراءات قانونية لمنعهن واذا لم يتم انسحاب المتسولات سوف يتم الاستعانة بالشرطة لغرض جمعهم من الشوارع وإعادتهن الى المخيمات".

لكن مراقبين موصليين يقولون ان الامر ليس بهذه السهولة، ويحتاج إلى برامج كثيرة ومعقدة للحد من انتشار هذه الظاهرة ومنع تطورها إلى ظواهر اخرى، مؤكدين ان البرامج الحكومية لم تستطع يوما ان تمنع قيام احدى اقدم المهن في التاريخ، وانتشارها في جميع مناطق العراق.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

984 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع