نعي الأخ والصديق العزيز العميد هشام علي غالب
بقلم اللواء الركن
علاء الدين حسين مكي خماس
لم اكن أتصور في يوم ما أنني سأكتب هذه الأسطر في نعي الصديق العزيز (أبو سنان) العميد (درع) هشام علي غالب، والذي كانت تربطني به زمالة مهنية تحولت مع مرور الأيام إلى صداقة مبنية على الاحترام والمودة المتبادلة. كان أول لقاء لي مع المرحوم هشام عام 1968 عندما كنا في الأردن ضمن قوات جيشنا هناك (قوات صلاح الدين – الفرقة المدرعة الثالثة والقطعات الملحقة بها) والتي كانت منفتحة أساسا في منطقة المفرق، حيث كنت برتبة رائد ركن واشغل منصب مقدم اللواء المدرع السادس، وكان المرحوم برتبة ملازم ويشغل منصب آمر رعيل في كتيبة دبابات المقداد. ولما أشغلت منصب آمر تلك الكتيبة وكالة لفترة ما بسبب غياب آمرها المقدم الركن دخيل علي الهلالي، فقد تعرفت إلى ضباط تلك الكتيبة عن كثب وكلهم من ضباط الصنف المدرع والذين سبق لي وان درستهم عندما كنت معلماً في جناح السياقة والإدامة في مدرسة الدروع من عام 1960 إلى عام 1963. لكن المرحوم هشام لم يكن من ضمن هؤلاء، لأنه تخرج في الكلية العسكرية عام 1964 بدورتها ال 41، وهنا كنت أيضا قد درسته حيث كنت أحد آمري الفصائل لتلك الدورة، وكان من المتميزين في الرياضة وفي لعبة كرة القدم حيث كان ضمن منتخب الكلية، وقد تم ترشيحه لينضم إلى منتخب الجيش بعد التخرج، لكن ظروف الخدمة العسكرية لم تمكنه من تحقيق ذلك.
وقد تميز المرحوم أبو سنان أيضاً، بحسه الرائع للنكتة والفكاهة البريئة، وقابليته على محاكاة حركات وأصوات أصدقائه ومعارفه أو بعض الضباط العاملين معه ومعنا، وكذلك بقابليته على الرسم الكاريكاتيري المُسَلّي، واختص بتقليد ورسم أحد إخواننا الضباط ومحاكاة حركاته وأسلوب كلامه، ومن يعرفون هشاماً عن كثب سيعرفون من هو هذا الأخ والصديق العزيز الذي انقطعت أخباره، وأرجو أن يكون متمتعا بصحة جيدة الآن.
بعد أن تخرج هشام برتبة ملازم عام 1964، نسب إلى الصنف المدرع والتحق إلى مدرسة الدروع في أبو غريب، وبعد إكمال دورات الدروع، نسب إلى كتيبة دبابات المقداد التابعة إلى اللواء المدرع السادس. وبعد التحاقه إلى الكتيبة المذكورة بفترة وجيزة، تحرك اللواء بأجمعه من معسكره الدائم في التاجي، إلى شمال العراق، حيث توزعت قطعاته بين أربيل وكركوك، فذهبت كتيبة دبابات المقداد إلى أربيل، وبقي فيها ينفذ الواجبات بكل حيوية وإتقان.
في عام 1967 تحركت كتيبته ضمن اللواء المدرع السادس إلى الأردن للمشاركة في حرب عام 1967، وتم تكليفه ببعض الواجبات من قبل آمر الكتيبة حال الوصول إلى المفرق، وقد استعنت به ليروي لي بعض ما علق بذاكرته من تلك الأحداث، حيث كنت اتصل به هاتفيا وهو في السويد ويتحدث لي عن تلك الأيام، كما كتب لي بالواتساب بضعة أسطر ضَمَّنتُها بكتابي الجديد والذي على وشك الصدور عن تلك الحرب.
بعض ما نشرته الصحافة العراقية عن الجيش العراقي في الأردن 1967 ويظهر في الصورة المرحوم هشام على ظهر دبابة T-54
بعد عودة القطعات العراقية من الأردن إلى العراق عام 1971، وإستقرار الوحدات بمعسكراتها الدائمة، تم نقله إلى مدرسة الدروع بأمر مباشر من الأب القائد المرحوم احمد حسن البكر، ولهذا قصة طريفة رواها لي اخونا وصديقنا العميد الركن الدكتور صبحي ناظم أطال الله بعمره. ففي أحد أيام عام 1972واثناء زيارة للمرحوم الرئيس البكر بشكل مفاجئ إلى اللواء المدرع السادس، وكان يوم جمعة في معسكره بالمسيب، زار كتيبة دبابات المقداد، وطلب من الضباط المتواجدين فيها تحريك الكتيبة فورا (ضمن تمرين فحصي مفاجئ) لمعرفة مدى استعداد القوات للحركة حتى أيام العطل. وكان التنفيذ سريعا مما سر رئيس الجمهورية، وأثنى على الكتيبة وضباطها. وبدأ يتحدث معهم ويتبسط بالحديث ويسأل الضباط والمراتب عن مشاكلهم. وأثناء حديثه مع هشام سأله كم صار لك مدة وأنت في الكتيبة، فقال له سيدي إنني هنا منذ تخرجي عام 1964، لم يعلق المرحوم البكر بشيء، بل انه عندما عاد إلى بغداد أصدر أمرا إلى رئاسة أركان الجيش بضرورة ملاحظة مثل هذه العوامل وتغيير أماكن الضباط بحيث ينقلون إلى أماكن أكثر راحة أو قربا من أهليهم بين حين وآخر. فنقل المرحوم هشام إلى مدرسة الدروع التي كانت آنذاك في الموصل.
بعد ذلك تنقل المرحوم هشام في المناصب بوحدات الدروع المختلفة، وخدم فيها في كافة ظروف العمليات. وقد عمل بمنصب مدير إدارة وميرة احدى الفرق في القاطع الجنوبي بين أعوام 1982 إلى 1985 وكان برتبة عقيد، بعدها نقل إلى مديرية التطوير القتالي والتي كنت اشغل منصب مديرها، حيث التحق ونسبته أن يكون ضابط ركن المديرية. وقد عملنا سوية بتناغم ومودة فكان خير عون لي.
في عام 1987 نقل الى خارج المديرية للعمل وسط القطعات الميدانية وذلك لكي يكمل شروط الترقية إلى رتبة عميد، وفعلا تم ترقيته إلى عميد ذلك العام. في عام 1988، قبل أن يُحال على التقاعد بعد انتهاء الحرب، وضمن إعادة هيكلة الجيش وتقليص حجمه.
التقيته ثانية أثناء مراحل تقاعدنا الأولى. ففي عام 1996 عندما أصبحت رئيسا للهيئة الإدارية لنادي العلوية، وكنا بحاجة إلى مدير لإدارة النادي، اخترت هشاما ليقوم بذلك الواجب، فالتحق وقام بالواجب خير قيام إلى إن انتهت مدتنا في النادي المذكور وانصرف كل منا إلى شأنه.
هاجر أبو سنان إلى السويد قبل عام 2003 بعدة سنوات واستقر هناك. وبعد عام 2003 التقينا في مصر مرتين حيث كان يأتي للزيارة. وبقيت علاقتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى أصيب بالفايروس القاتل كورونا اللعين، فغادرنا مسرعا.
للمرحوم هشام ابن هو سنان (رحمه الله) والذي توفي في حادث مأساوي في السويد، وابنة بارة هي السيدة دينا (أم يزن حفظها الله).
رحم الله أخانا العميد (الدرع) هشام علي غالب وأحسن اليه واسكنه فسيح جناته إن شاء الله
715 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع