كريستيان ديروش نوبلكور في كتابها "المرأة الفرعونية" تؤكد أن المصريين اهتموا بالتعرف على العنصر الأنثوي داخل نطاق النشاط الرباني.
ميدل ايست اونلاين/القاهرة ـ من حازم خالد:ترسم آثار مصر القديمة صورة للدولة الخالدة التي كان للمرأة فيها دور كامل تؤديه، فهي الأم التي تحظى بالاحترام أو التبجيل، والفتاة أو الزوجة التي تنصاع لقوانين أخلاقية صارمة، ولكنها لا تمنعها من أن تعبر عن آرائها بحرية ولا تحرمها من أن تحظى بالاحترام والتقدير، تمتعت المرأة في مصر القديمة بأهلية قضائية كاملة، وكان لها استقلالها المالي عن الرجل وطبعت بشخصيتها القوية أثرها على الحياة العائلية. وكان لها أن تدير الممتلكات العامة أو ممتلكاتها الخاصة، بل وأن تمسك بزمام الأمور في البلاد.
ولا يعني هذا أنها امرأة تجردت من الأنوثة والجاذبية، فهي امرأة فاتنة جذابة، وكان هدف الفتاة الأساسي أن تختار شريك حياتها بكل إرادتها وحريتها، وأن تصبح زوجة وأماً صالحة، ولا يعني هذا أن النظام الأسري كان أمومياً، أي أن الأم تخضعه لسلطانها، بل كان الزوج والزوجة يتقاسمان المسئوليات المعتادة في إطار حياتهما الزوجية، حيث يتكاتفان في السرّاء والضرّاء، وتسير بهما الحياة سيرها العادي بخيرها وشرها. ولكن لم تخل تلك الحياة البسيطة من المؤامرات، وكانت الخيانة الزوجية من الجرائم التي يلقى مقترفها عقابا عنيفا، وأن تخفف القانون من صرامته في بعض الأحوال.
خلال العصور المختلفة منذ آلاف السنين وتعاقب الأجيال، نالت المرأة الكثير من الامتيازات، وإن كانت غير متطابقة مع امتيازات الرجل، وقد شملت جميع المجالات في الحياة. وقامت كريستيان ديروش نوبلكور بتأليف كتاب "المرأة الفرعونية"، ترجمته فاطمة عبدالله محمود .
النور والإله والمرأة
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء، جاء الجزء الأول تحت عنوان "المرأة في دنيا الأرباب"، فقد اهتم المصريون بالتعرف على العنصر الأنثوي داخل نطاق النشاط الرباني، وكان لكل مدينة أو إقليم منذ بداية العصر التاريخي، معبود له زوجة من الربات تنجب له ابناً ليكون ثالوثاً، فالثالوث فكرة مصرية صميمة.
وتنقسم الربات إلى أربعة أزواج اندمجت معاً لخلق النور، والعنصر الأنثوي فيها واضح وسوف نلاحظ دوره في عمليات الخلق الأخرى، حيث يمكننا التمييز بين العنصرين المكونين للكيان المائي اللانهائي الأزلي وهما "نون" و"نونت". كما يقسم عنصر الأبدية الكونية إلى ذكر وأنثى، هي "ححو" و"ححت"، وكذلك الظلام الكثيف "ككو" و"ككت"، ومثلهما "آمون" و"أمونت"، وهما يمثلان الجوهر الخفي، ويرمزان إلى الفراغ الكوني، وتزعم هذه النظرية أنا الأفانين الثمانية الذكرية الأنثوية قد تضافرت لتخلق النور الذي انبثق من زهرة اللوتس.
وتسرد المؤلفة نظرية هليوبوليس وتقول: إن الإله "أتوم" رأس عائلة من الآلهة، تتألف من تسعة عناصر متكاملة، وترسم هذه الأرباب المنهج الذي سار عليه ملوك المصريين الفراعنة بل البشر العاديون أيضاً. فالشمس هي رأس التاسوع المقدس، وهي الإله "أتوم" الذي خلق الكائنات الأولى على اختلافها من ذكور وإناث، سواء عن طريق الاستنماء أو لعابه أو صوته، ويتضمن التاسوع تسعة أرباب، أولها "شو" الذي يجسد الفراغ المضيء أو أنفاس الإله الخالق، وهو القوة الدينامية للكون الذي اكتمل بعد ذلك بأخته التوأم "نفتوت" التي كانت تمثل الرطوبة، وواصل الزوجان عملية الخلق لينجبا بعد ذلك رب الأرض "جب" وهو إله المعادن والمزروعات، أما رفيقته "نوت" فهي ربة السماء، ومنها أبطال الأسطورة "أوزورويس"، و"إيزيس"، و"ست"، و"نفتيس"، وهم أبطال الأسطورة الآزورية الشهيرة، ومن الأساطير الكونية المعروفة التي ترتكز على تكامل الذكر والأنثى.
ودور العنصر الأنثوي في دنيا الآلهة ليس سلبياً، فالمرأة هي الرفيق والشريك والكفيل، وربما تسبب هذا العنصر الأنثوي في بعض القلاقل، ولكن المرأة دائماً وأبداً، هي الأم الحنون، وتبعث السرور والمرح التي تدخل البهجة على قلب الإله إذا أصابه الكدر.
الأساطير الأنثوية
وتسرد المؤلفة بعض الأساطير التي ترتكز على مفهوم أنثوي مركب في جوهرها، فالهدف الأساسي لأية أسطورة هو دائماً توضيح وبحث ظاهرة من الظواهر التي أثرت على الإنسان، والتي تتكرر بشكل دائم، وتضرب لنا مثلاً بأسطورة "عين الشمس"، عين رع "البعيدة"، والكيان الإلهي قد لعب دوراً أساسياً وفعالاً في الأسطورة، وكان أنموذجاً أصيلاً للمرأة المصرية بصفتها زوجة ترعى بيتها، وبصفتها أماً.
أما الجزء الثاني من الكتاب فتناول موضوع المرأة في إطار الملكية، دورها ومكانتها والزواج بين المحارم (أي زواج الأخوة، والأخوات)، وحريم التاج وتنظيم الحريم وأنواع الحريم المختلفة وسيدات الحريم. والأبناء الملكيون وكيفية تعلمهم، ومؤامرات الحريم في الدولة القديمة والوسطى والحديثة.
ثم تتحدث المؤلفة عن الجبّانات والملكة المؤلهة والفرعونات، وأضرحة الملكات في العصر البكر والدولة القديمة وفي الدولة الوسطى للأسرة الثامنة عشرة، والتاسعة عشرة، وتعرض لنا عن ملكات مصر وهما (نيتوكريس، الملكة نفرو سيك، نفرتيتي، تاوسرت)، تتحدث ثم تتحدث عن زوجات الإله الجديدات (الأميرة ما عكا رع وكاروماما).
ثم تذكر لنا قائمة، ترجع إلى آلاف السنين تضم أسماء الملوك الفراعنة، ولكن تبرز لنا شخصيتين ما زالتا حتى الآن تثيرا الاهتمام في أوجه شتى هما، الملكة حتشبسوت (1483 - 1504 ق. م)، والملك أمنحتب الرابع أو إحناتون، واختلفت الآراء وتباينت بخصوص هذه المرأة التي تعد رغم كل شيء سيدة فذة وفريدة من نوعها وكانت تتمتع بذكاء وشخصية قوية وإرادة حديدية، وقد اهتمت حتشبسوت بالعقائد الدينية.
أما الجزء الثالث من الكتاب: فهو بعنوان "المرأة في مصر مكانتها في المجتمع والقانون العام للمرأة والمساواة بين الرجل والمرأة. الأملاك الحرة، والمواريث والوصايا، والجنح والمخالفات". وتحدثنا عن الطفولة والحب والزواج، وتعرف المهن الصغيرة والكهنوت النسائي والزواج وتعدد الزوجات والأزواج، والخيانة والطلاق.
ويمكن أن نقول إن مكانة المرأة في نطاق المجتمع المصري وقتئذ يعد مظهراً من مظاهر الحضارة التي عرفت كيف تجعل من الأم ومن الزوجة أو الابنة، رمزاً لأكمل مظاهر المساواة في إطار أكثر الفروق منطقياً وإقناعاً، وهو حال كانت المرأة الأوروبية في أوائل القرن العشرين من عدة نواح.. بعيدة عنه كل البعد، ويمكن أن نقول إن المرأة الفرعونية، كانت راضية عن مكانتها لأنها لم تكن نكرة، حيث إنها كانت سعيدة وراضية ومحل إعجاب العالم.
يذكر أن مؤلفة الكتاب كريستيان ديروش نوبلكور من أشهر علماء المصريات في فرنسا، حصلت على العديد من الأوسمة، من أهمها "الميدالية الفضية" من هيئة اليونسكو. وتولت منصب "رئيسة قسم المصريات بمتحف اللوفر بباريس"، وعملت مستشارة لليونسكو لتسجيل الآثار بمركز تسجيل الآثار المصرية بالقاهرة، وتولت منصب الأمين العام الشرفي لمتاحف فرنسا، وقدمت الكثير من الأعمال المهمة؛ منها: "المرأة الفرعونية"، "توت عنخ آمون"؛ و"إرث مصر الأسطوري". وترجمت معظم أعمالها إلى عدة لغات.. وفي مصر خاصة. (وكالة الصحافة العربية)
580 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع