الموصل - الخليج أونلاين:ينتظر جمال ياسين (61 عاماً) دوره في إحدى العيادات الطبية الأهلية في الموصل، شمالي العراق، ليعاينه الطبيب. ويقف إلى جانب عدد كبير من المراجعين، جميعهم ينتظرون دورهم للمعاينة، بعضهم يحاول جاهداً تحمل آلامه، وهم بحاجة إلى كشف طبي سريع.
ياسين يبدو أنه كان محظوظاً إذ تحصّل على موعد مراجعة في اليوم نفسه الذي وصل فيه عيادة طبية أهلية؛ فالموصل التي عاد إليها نسبة كبيرة من سكانها النازحين، تعاني من قلة المراكز والعيادات الطبية الحكومية والأهلية، فيما تحتاج المستشفيات إلى إعادة تأهيل.
ويؤكد ياسين، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، وجود ازدحام كبير في العيادات الأهلية في الموصل، مبيناً أنه "لا ينتظر المريض لساعات فقط؛ فأحياناً عليك أن تدون اسمك في سجل المرضى وتنتظر أياماً وربما أسابيع. في بعض العيادات الأهلية عليك الانتظار أكثر من شهر".
اقرأ أيضاً :
حصار حكومة كردستان يهدد الإقليم بكارثة إنسانية
ياسين الذي راجع المستشفيات والمراكز الصحية الموجودة في مدينته، يشير إلى أن "الوضع الصحي في الموصل سيئ جداً. المستشفيات لا تستوعب غالبية المرضى، والأطباء والكوادر الصحية أعدادهم قليلة جداً، والأدوية غير متوفرة، ولم يتم إعمار المستشفيات المدمرة بسبب الحرب، ويكتفى بالمراكز الصحية الصغيرة بديلاً عنها".
الموصل التي سيطر عليها تنظيم الدولة قرابة ثلاثة أعوام، بدءاً من يونيو 2014، شهدت تدميراً كبيراً لأغلب مؤسساتها المدنية وبُناها التحتية بسبب المعارك التي شهدتها بين القوات العراقية والمليشيات مدعومة بغطاء جوي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وتنظيم الدولة من جهة أخرى، وانتهت بإعلان رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، بتحقيق النصر في 10 يوليو الماضي.
وكان جانب المدينة الأيسر شهد عودة نسبة كبيرة من سكانه النازحين؛ لكون بيوته لم تتضرر جميعها، لكنه برغم ذلك يعاني من تدمير في بناه التحتية التي لم تشهد بدء إعادة التأهيل، فيما الحياة لم تدب في جانب المدينة الأيمن الذي تدمر بشكل كامل.
- أطباء بلا رواتب
من جهة أخرى يعاني أهالي الموصل من ضعف الخدمات الصحية المقدمة في مدينتهم، ويقولون إنه لا وجود لأي بادرة لتنشيط الواقع الصحي؛ فركام المستشفيات لا يزال على حاله، ورواتب الأطباء والكوادر الصحية والفنية لم تدفع لأغلبهم منذ ثلاث سنوات، حتى بالرغم من مرور أشهر على تحرير الجانب الأيسر.
تدهور القطاع الصحي في المدينة، وهو أهم ما يمكن تقديمه للإنسان، مؤشر على ضعف اهتمام الحكومة، حتى الدول المانحة والمنظمات لم تنفذ حتى الآن وعودها في إعادة الحياة للمدينة، بحسب السكان.
- لا جهد حكومي للإصلاح
فيصل عبد القادر (38 عاماً) وهو تاجر من الموصل، قال لـ"الخليج أونلاين": "كنا نتوقع بعد تحريرنا من داعش أن يكون هناك اهتمام حكومي بالمدينة وسكانها، وتعويض سنوات الظلم والاضطهاد الثلاث التي قضتها تحت حكم داعش، فضلاً عن التهميش والإهمال الذي سبق هذه الفترة".
وتابع: "لم نلمس أي جهد حكومي واضح لإصلاح ما خربه داعش والحرب عليه، لكننا صدمنا بالتغاضي".
وكان مسؤولون في الحكومة المحلية بالموصل، قالوا بعد تحرير المدينة إن الدمار كان كبيراً، ووصلت نسبته في الجانب الأيمن إلى 100%، ودمار الجسور الخمسة التي تربط جانبي المدينة على نهر دجلة، ويجري الآن إعادة تأهيل اثنين منها، أيضاً دمرت ستة مستشفيات بنسبة 100%، وما بقي من مشافٍ ومراكز صحية تتراوح نسبة الدمار فيها بين 20-80%.
وبرغم ذلك فتحت هذه المشافي والمراكز الصحية المتضررة أبوابها، وتقدم خدماتها بلا دعم، هذا فضلاً عن مشاريع الماء والكهرباء وغيرها من الخدمات، التي يعاني من انعدامها السكان حتى اليوم.
علاوة على هذا، يتحدث السكان عن وجود جثث ما تزال تحت ركام المنازل، وتشير الإحصائيات إلى أن عددها يصل إلى الآلاف، وتواصل فرق الدفاع المدني انتشالها.
ويؤكد السكان أن مدينتهم اليوم تعتمد بشكل أساسي على ما تقدمه المنظمات كدعم، بدءاً من توزيع المساعدات والمواد الغذائية وصولاً إلى مشاريع خدمية مثل الماء والتنظيف، وهم يتحدثون أيضاً أن مشاريع هذه المنظمات بات يشوبها الفساد، يقولون إنها مشاريع بسيطة صرفت عليها مبالغ طائلة.
- الجانب الأيمن واستمرار الدمار
الجانب الأيسر من الموصل، وبالرغم مما يعانيه من ضعف في قطاعات مختلفة، فإنه الأوفر حظاً من الجانب الأيمن، الذي يعد منفصلاً من حيث الاهتمام والخدمات بحسب ما يروي سكانه.
يقول غانم عمر (47 عاماً) وهو موظف حكومي: "نحن سكان الساحل الأيمن للموصل لم نتلقَّ ذلك الاهتمام؛ ما تزال الجسور الخمسة المدمرة خارجة عن الخدمة، ونعتمد على مجسرين للعبور، الأمر الذي يقيد حركتنا".
وأضاف: "لا يوجد مقر لأي دائرة خدمية أو رسمية في مناطقنا، وما تزال المدينة القديمة ممنوع الدخول إليها من قبل أهاليها، ولا تزال جثث لا يعلم عددها حتى الآن تحت ركام المنازل في تلك المناطق".
وتابع: "نشعر بخيبة أمل؛ كنا نتوقع أن تسارع الحكومة ودوائرها لتحسين الأوضاع، لكن كل ما تلقيناه هو ظهور عبر شاشات التلفزيون، والتقاط الصور لنشرها في مواقع التواصل الاجتماعي. كانت هذه النشاطات أكثر ما يحصل على الأرض".
633 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع