شفق نيوز/ في مشهد أثار دهشة الكثيرين، نزل نوري المالكي مبتسماً من طائرة عراقية في 18 تموز- يوليو في مدينة السليمانية، وكان في استقباله عددا من كبار المسؤولين في حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، أحد الأحزاب الرئيسة في اقليم كوردستان العراق.
وقال المالكي ان زيارته مجرد لقاء عادي مع قادة من الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير بعد أن شكّل الطرفان تحالفاً في وقت سابق من هذا العام.
كما رأى كثيرون انه تأتي هذه الزيارة في ظل تقارير غير مؤكدة أن المالكي يأمل استعادة رئاسة الوزراء من حيدر العبادي، وهو زميله في حزب الدعوة الإسلامية وزعيم الحزب. من المقرر أن تُعقد الانتخابات العامة في العام 2018.
فيما كان المالكي يُعتبر انساناً رصيناً يستحق أن يكون الرجل الأقوى في العراق، اضطر الى ترك منصبه في العام 2014، ولامه العديد على اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية العراق. متحدياً التوقعات القائلة أن تخلّيه عن رئاسة الوزراء على مضض يعني نهايته، عمل المالكي بلا هوادة من وراء الكواليس على مدى العامين الماضيين للإبقاء على مكانته كسياسي قوي، ويُقال الآن أنه يستعد للعودة.
جاءت زيارة المالكي الى اقليم كوردستان في الوقت الذي طغى الانشقاق والخلاف حول كيفية التعامل مع الحكومة في بغداد على العلاقة بين الفصائل الكوردية الرئيسية.
شكل الحزبان المهيمنان في السليمانية، أي الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير، تحالفاً في منتصف شهر أيار – مايو، مما سبب لهما خلافاً مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة مسعود بارزاني.
الحزب الديمقراطي الكوردستاني صاحب خطاب ينتقد المالكي بشدّة. ويدعو علناً الى الانفصال عن العراق، أو أقلّه الى اعطاء الإقليم الكوردي صلاحيات كونفيدرالية، في حين يدعم الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير المصالحة مع بغداد واستنفاد جميع الخيارات المتاحة قبل اتخاذ أي قرار للضغط من أجل اقامة دولة.
وبناءً عليه، شكك العديد بدوافع المالكي لزيارة ممثلي الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير ولتجاهل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، في ظل هذا التنافس السياسي الحاد بين كورد العراق. “سواء كانت زيارة المالكي بريئة كما قال أم لا، يمكن للشكوك حول نواياه الحقيقية أن تتعمّق حين يُحكى أن المالكي يخطط لتشكيل تحالف جديد بهدف العودة الى السلطة كرئيس للوزراء”، وفقاً لكامران قره داغي، الصحفي الكوردي العراقي المخضرم ورئيس الأركان السابق للرئيس العراقي وزعيم في الاتحاد الوطني الكوردستاني جلال طالباني.
وأضاف “خلال ولايتيه كرئيس لوزراء العراق [2006-14]، أصبح المالكي شخصية مثيرة للجدل والانقسام”. “وبالتالي، فان زيارة السليمانية أثارت مشاكل في كوردستان. أخشى أن تكون زيارة المالكي قد أثرت سلباً على الجهود الآيلة الى التغلب على الخلافات بين الأحزاب الكوردية”.
كانت علاقة المالكي السابقة بالكورد مضطربة، لتصل إلى نقطة اللاعودة عندما حجب حصة إقليم كوردستان من الموازنة العراقية في أوائل العام 2014 بعد أن باعت حكومة إقليم كوردستان النفط بشكل مستقل من دون موافقة بغداد. وبالإضافة إلى ذلك، كان بارزاني من الشخصيات الرئيسية التي حاولت الإطاحة بالمالكي في العام 2012 من خلال حجب الثقة في البرلمان، الاّ أن ذلك لم ينجح. لم يدعم طالباني الجهود الرامية إلى إزاحة المالكي من السلطة. وبالتالي، من غير المستغرب أن تثير زيارة المالكي جدلاً بين الكورد.
قال رئيس حكومة إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني للصحفيين في 19 تموز – يوليو “أعتقد أنه لو كانت نوايا المالكي حسنة، لكان زار أربيل”، معرباً عن شكوكه حول ما يسعى المالكي إلى تحقيقه من خلال زيارته.
ويبقى السؤال ما اذا كان المالكي يسعى فعلاً الى توثيق العلاقة مع تحالف الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير بهدف إضعاف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كما يقول البعض.
كما حاول المالكي أيضا يخلق جواً من التفاؤل حول تسوية الخلافات التي تزداد عمقاً بين حكومتي إقليم كوردستان وبغداد. وقال المالكي، “هناك أمل كبير في حل النزاع حول الميزانية بين بغداد وأربيل” وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الملا بختيار وهو من كبار قادة الاتحاد الوطني الكوردستاني، في 18 تموز- يوليو. “لأن لدينا دستور، وهذا يعني أننا نستطيع حل جميع المشاكل. ويمكن معالجة قضية الميزانية على أساس الدستور”. ووفقاً لقوانين ميزانية العراق في السنوات الماضية، يحق لحكومة إقليم كوردستان بنحو 17٪ من ميزانية البلد.
قال سعدي بيره، عضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني الكوردستاني للمونيتور، “يود المالكي أن تتحسن العلاقات بين حكومة إقليم كوردستان وحكومة بغداد”. “لم يأت لمناقشة رئاسته للوزراء وحشد الدعم لتوليه المنصب”.
كما قلل بيره من انتقاد رئيس الحكومة الكوردية، قائلا ان نيجيرفان بارزاني التقى المالكي خلال زيارة بارزاني الاخيرة الى العاصمة العراقية. وأضاف ان المالكي – بصفته رئيس ائتلاف دولة القانون، أكبر تكتل شيعي في البرلمان العراقي – لديه فرصة ليصبح مرة أخرى رئيس للوزراء إذا توافق الشيعية على ذلك، ولذلك لا ينبغي على الكورد تدمير علاقتهم به.
واضاف “ان زيارة المالكي أو أي شخص آخر لن تخلق انقسامات في كوردستان.”
وأشار الى أن الخلاف بين الأحزاب الكوردية كان نتيجة الخلافات الكوردية الداخلية على تقاسم السلطة، بما في ذلك مناصب رئيس حكومة اقليم كوردستان ورئيس البرلمان. اجتهدت حركة التغيير للحد من صلاحيات مسعود بارزاني أو عزله من الرئاسة، وهو ما تسبب بمنع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بطريقة غير مشروعة يوسف محمد صادق، عضو حركة التغيير، من دخول اربيل.
لا يزال غير واضح ما اذا كان المالكي يستطيع العودة الى منصب رئاسة الوزراء، ليس فقط بسبب توتر علاقته بقطاعات واسعة من المجتمعات الكوردية والسنية في العراق، وانما أيضا بسبب الانخفاض الحاد في شعبيته بين الشيعة أيضاً. لقد كان موضوع للاحتجاجات الشعبية المستمرة المطالبة بمكافحة الفساد، اذ يرى كثير من العراقيين أن حكومته فاسدة وغير كفؤة. يبقى أيضاً أن نرى ما إذا كانت الاجتماعات بين المالكي وقادة الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير ستؤدي إلى جهود مشتركة في مجلس النواب العراقي في الأشهر المقبلة.
وقال بيره ان حزبه وحركة التغيير ملتزمان بالحفاظ على الوحدة الكوردية في مواجهة التحديات الناجمة عن بغداد.
عندما حاول العبادي إزالة الوزراء الكورد من الحكومة في آذار – مارس عارضت الأحزاب الكوردية مجتمعة هذه الخطوة، على الرغم من الخلافات الداخلية العميقة.
777 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع